المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العسكري



الدكتور ياسر منجي
08/11/2006, 04:26 PM
العسكري

خطوة صغيرة و أرتاح ... خطوة صغيرة لليمين ، و ربما لليسار تحيد بي عن الطريق المرسوم ... تعيد إلى حلقي الجاف نداوته و إلى صدري المجنون بهدير القلب سلامه .
خطوة صغيرة تقصيني عن الطريق للمقهى القديم ... حيث كل شئ مرسوم و مقدر سلفا ...
- العب يا بيه !!
يقولها بنفاد صبر في صوت يحاول أن يكسبه عبثا نبرة الواثقين .
هو يعلم أنني أتفوق عليه في الموقف .
خطوة صغيرة و يتخبط ملكه في شباك الردى و أفوز بالدور .
اللعنة ... خطوة صغيرة و تفصل بيني و بينه المنضدة الرخامية العتيقة .
لو لم يكن يعلم أنني جبان لما قالها بتحد هكذا ... هم جميعا يعلمون مدى تفوقي عليهم ... يخيفهم تكتيكي البطيء المتسلل ... خطوة صغيرة إثر خطوة صغيرة .. أحتل الوسط .. أنشر القوات في مواقعها الاستراتيجية .. أتفادى الفخاخ .. خطوة صغيرة ، أخترق الصفوف .. خطوة صغيرة ، أصوب القطع المميتة نحو الملك ثم كش مات .
و لكنهم دائما يفلحون في زلزلتي .. إخافتي .. يهابون الآخر .. يعلمون أنه أقل مني مهارة .. يهابون أسلوبه المتهور .. سرعته الخاطفة في اللعب .
شاهدوني أصرع ملكه مرات متعددة .. لكنه يملك ما لا أملك : سريع .. جرئ .. خطواته واسعة
خطوة صغيرة و أريح نفسي من هذا الصراع الرهيب .
- خطوة صغيرة و أضربك علقة ساخنة .. لو خرجت من الباب و لعبت مع أولاد الجيران .. أدخل يا ولد مش ناقصين .
- ع العجلة / و شبكها / بالفستان اللبني .
كانت تغنيها بصوتها الطفولي الغر الصغير .. تعابث دميتها القماشية الصغيرة و أنا أعجن التراب بالماء أو أمثل دور الزوج العائد من العمل .. أرتفع في الهواء .. أرفرف بقدمين معترضتين على اختطاف خالتي لي من اللعبة الحلوة .
- سيبيني ألعب مع نجلاء !!ّ
خالتي واسعة الخطوات .. تدلف سريعا إلى البيت المليء بالكبار الذين لا يعرفون الألعاب المسلية .
- طيب نجلاء تيجي تلعب معايا !!
- لأ ، إنت عاوز تطلع شوارعي ؟!!
خطوة صغيرة ، أعتلي الكنبة .. أراقبهم في الشارع يلعبون .. من أين تعلموا هذه الألعاب المدهشة ؟!! .. كيف يستطيع الولد الكبير هناك أن يصنع هذه العساكر المدهشة من الصفيح ؟!!
كلهم يرمقونه بإعجاب لامتلاكه عساكر جميلة ..
- انظروا !! لقد فاز بفضل الفرق في عدد العساكر .. أدواره مملة .. أنا ألعب بالقطع و لا تهمني التضحيات في سبيل دور مثير .. أما هو فيعتمد فقط على العساكر .. يسير بها .. خطوة صغيرة .. خطوة صغيرة لكي يضمن الترقية في نهاية الدور .
قالها و هو يغمزني بنظرة ساخرة .. ينظرون إليه بإعجاب برغم كوني أنا الفائز .. جهلاء .. لا يعلمون أن لعبي المعقد يضني تفكيري ألف مرة أكثر من لعبه الطائش المباشر .. يعجزون عن الإتيان بمثله فيغلفون فشلهم بالسخرية .
يغلفون فشلهم الدراسي بالسخرية من فشلي في ألعابهم الجماعية السريعة .. يعلمون أنني أتفوق عليهم دائما في آخر العام كما أتفوق عليهم بمهارتي في الرسم .. إلا أن ذلك لا يشفع لي لأن أحدا لا يراه علانية في استعراض سريع خاطف يتقنونه في تسديد الكرات بملعب المدرسة .
يظنونني مغفلا لأنني لا أحب مشاهدة مباريات الكرة و لا أحفظ أسماء اللاعبين .. ربما لأنني بطيء في الإجابة يظن مدرس الرياضيات أنني فاشل في مادته .. يتشكك في نتائجي التحريرية و يظنها نتيجة الغش .. الغش الذي يتقنونه في ألعاب الورق .. ذات السرعة في ترتيب الورق .. لا تستهويني .. كما لا يستهويني دوران النرد السريع بين ضلفتي الطاولة و لا السرعة ذات الصوت العالي في صفق قشاطات الدومينو فوق موائد المقاهي .
على المقاهي يمارسون لعب الشطرنج . ماذا لو أجرب ما كتمته طوال السنوات السابقة من اطلاع على أدوار أبطال العالم و دراسة أسرار اللعبة ؟
أهزمهم لكنهم يغلفون فشلهم بالسخرية من بطئي في اللعب .. خطوة .. خطوة .. يشبه أسلوب " كاربوف " الهادئ .. أما هم فيعجبون بأسلوب " كاسباروف " الصاعق .
لقد خطا " كاسباروف " خطوات واسعة حين أعلن انشقاقه عن الاتحاد العالمي و تأسيسه لاتحاد المحترفين .
سرعته في رسم البورتريه تجعلهم يعجبون به .. يرسم خمسة أو ستة في الوقت الذي يستغرق مني فيه رسم البورتريه ثلاثة أيام .
أنا أول الدفعة كل عام و هم يعلمون ذلك .. لكنهم يغلفون فشلهم بالسخرية من الوقت الطويل الذي أستغرقه .
- لماذا تحرص دائما على رسم أدق التفاصيل ؟ هذا ما لا نريده .
قالها المعيد و هو يغمزني مذكرا إياي بأسلوبي البطيء .
- ارسم بورتريهات سريعة .. أنت تسير خطوة .. خطوة .
- لامبادا / لامبادا / لامبادا .
كانت تغنيها بصوتها الأنثوي الشاب الجميل .. تعابث دميتها البلاستيكية التي أهداها لها .. و أنا أعجن الطمي لأنحت تمثالا يشبهها .. يستغرق مني أسبوعا .
كنت لعدة شهور سابقات أحاول أن أقولها لها : أحبك
سبقني بأسلوبه السريع .. قالها و هو يهديها الدمية البلاستيكية و يغني : لامبادا / لامبادا / لامبادا .
أمثل دور الذي لا يكترث .. تتشابك أيديهما و هما يدلفان حديقة الكلية بخطوات واسعة .
أنتهي من التمثال بعد أسبوع .. أدخل غرفة الأساتذة الذين لا يعرفون قصص الحب الجميلة .. خطوة صغيرة .. أحصل على درجات نهائية في مادة النحت .. أراقبهما في الشارع يمرحان بانطلاقة سيارته السريعة .. من أين تعلم هذا الولد مثل هذه الحيل المدهشة .. هو لا يحبها .. يتسلى بها فقط .. هي تقتنع بأسلوبه السريع و كلماته السريعة .. أحبك .
كلهم ينظرون إليه بإعجاب عندما ينتقد لوحة " دورية الليل " لرمبرانت ..
- لقد فشل بعد أن أخفى وجه الضابط و أظهر وجوه العساكر لصالح تكوين اللوحة ... لوحات الحفر السريعة لرمبرانت أفضل من لوحته الكبيرة التي استغرقت وقتا طويلا .
- أسلوبه ممل .. أنا أرسم لوحات سريعة لكي أقضي لحظات ممتعة أما هو فيعتمد على تجميع الدرجات .. خطوة .. خطوة لكي يصل إلى ترتيب الأول .. لقد فشل .. أخفى وجه الضابط .. أظهر العساكر .
يرمقني بنظرة ساخرة .. ينظرون إليه بإعجاب .. أنا الأول .. جهلاء .. سريعا انتهت علاقته بها .. حزينة .. مكسورة .. انتهى الدور و تخبطت في شباك الهزيمة .
أريد أن أقولها : أحبك .. ترمقني بنظرة حائرة .. ربما إذا قلتها سريعا .
تعابث طفلتها الصغيرة .. تغني بصوتها الناضج :
- ماكارينا / ماكارينا / ماكارينا .
أحاول أن أسابق الحافلة لأعبر الشارع .. ربما إذا استطعت أن أصل إليهما .. حتما ستتذكرني .. سأهدي للطفلة دمية العسكري ( كسارة البندق ) .. حتما ستتذكرني .. الحافلة تقترب .. أمثل دور الذي لا يكترث .. خطوة صغيرة .. ربما إذا أسرعت .. أحاول .. و لكنني لا أستطيع .

الشربيني المهندس
09/11/2006, 12:55 AM
وبدأ البيدق بالخداع علي رقعة الشطرنج
يتحرك العسكري خطوة فتنقلب الحال ويكش الملك
صدقته وهو يخطو مع كاربوف امام كاسباروف
ركبت الحصان وهو يتوقف ليحكي ذكرياته مع نجلاء وخالته تقطع الطريق وهو يهرب بالملك ويقع الوزير في الفخ فيضطر الي الغش
كنت مع نابليون اضحك علي من امامي ليموت الملك بعدخطوتين
خطوة شمال واخري يمين وتذكرت الوزير وكيف يستطيع الولد الكبير هناك أن يصنع هذه العساكر المدهشة من الصفيح
اطلقت صفارتي مصحوبة بمكارينا
لكنه القي البورتريه من منطقة التحدي حركت الطابية للأمام ورحت أمثل دور الذي لا يكترث .. خطوة صغيرة .. واستمرت حالة الاندماج ياليلي انه فالنتيو الناحية
لكنني احبك ياليلي
ربما إذا أسرعت .. أحاول .. و لكنني لا أستطيع مثلك تماما يادكتور.

الدكتور ياسر منجي
09/11/2006, 05:28 PM
الأخ المبدع الكريم ، الأستاذ / الشربيني المهندس
لا أملك إزاء مقطوعتك الإبداعية هذه إلا السكوت ... و كثير من التأمل .
تحياتي على هذا الإبداع .