المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الخطوط



الدكتور ياسر منجي
08/11/2006, 04:28 PM
الخطوط

يقولون أن اكتشاف المنظور كعلم هندسي ، ناتج عن محاولات " برونلسكي " في بواكير النهضة الإيطالية .. و أن " دافنشي " توسع بعدها في أبحاثه على أبعاد الجسد الآدمي في أطروحته التي تقدم فيها خطوات على محاولات " فيتروفيوس " ... أما " ألبرشت ديورر " فقد قام بأبحاث على جسد المرأة ، و التي قيل أنه قام فيها بتجميع مقاييس الجسد - المثالي من وجهة نظره – من عدد من عذارى مدينته ، و يتجلى ذلك بشكل أكثر فنية ( و أقل جمالا ) في لوحته " نيمسيس " .
كان المنظور غريبا في هذه الذكريات الضبابية التي كونتها رؤية مأخوذة من منظور عين الطائر من فوق كتف خالتي الأعجف و هي تحملني بدأب لا يعرف الكلل في غدوها و رواحها ، فأنا الوحيد الباقي من ثلاثة أخوة ، رحل اثنان منهم إلى عالم اللاعودة في آخر غيابات نقطة التلاشي المنظورية ، ليتخلف أفق غير متناه من الحزن المرعوب يكلل فضاء لوحة حياتنا المنزلية بهلع أنثوي يتوقى محاذير قدر صارم .
في المساء يهرع إلى الكتف الأعجف عدد من الأكتاف البضة ، يطالبن بحياكة ثياب شفيفة ، تضاجع تضاريس لينة لترسم " نيميسيس " أكثر طراوة و تجمع مقاييس الجسد المثالي من وجهة نظر الرجال .
محمولا على الأكتاف البضة ، تداعبني صدور مكتنزة تنث باندلاعات الحرير و حرافة العرق الغزير ... تلتقط عين الطائر من منظورها أودية مدفونة بين ربا الاكتناز ... واد بين ربوتين ... واد بين ربوتين ... الربوة اليسرى أكثر دفئا و أوفر طعاما ... تمور بطمأنينة حية لدفقات منتظمة ... دفقة ... دفقة ... و النعاس يجتاح .
تأتي الخادمة " حميدة " في مواعيد دورية منتظمة لتساعد في نظافة بيت العائلة و في طقس الخبيز الشهري . في أواخر الثلاثين كانت ، و أرملة يقولون . في المساء تنسلخ من سواد جلبابها لتفضح تضاريسا جائعة ، يزيدها جوعا فراق خاطف لحبيب لم يشبع بعد ظمأ الأرض العفية ، تلهبها عذابات الخدمة في البيوت فتكاد تستعير خشونة عضلية لا تمت لها بصلة .
تقف عارية في الطست النحاسي و تندلق أكواز الماء لتنجرح فوق النتوءات حاملة إلى أسفل إرهاقات النهار ...
- تعال لما احميك !!!
- ما هذا يا حميدة ؟!!!
- هذا .....
من مستوى النظر ، مثلث قرر أن يمارس اليوجا .. يرتكز على رأسه لأسفل متحديا قوانين الاتزان ، و تندلع رؤوس العشب الأسود في كل اتجاه .
تتزوجني لكي نلعب عريس و عروسة ... عريس صغير و عروسة كبيرة .. تعلمني الكلام العيب ..
- قل ... قل ... ، العريس بعمل في العروسة إيه ؟!! ... ها ها ها ...
ذات صباح و الأحلام ما زالت تكفن بغلالاتها السالومية السبع وضوح الرؤية في عيني . من منظور عين النملة أصعد السلم الكبير إلى حيث شقة " نجلاء " و أختها الكبيرة التي يشبه جسدها جسد النساء الكبيرات برغم أن وجهها ما زال يبدو أقرب إلى وجوهنا الصغيرة .
أدلف من باب الشقة الموارب ثم يمينا حيث غرفة " نجلاء " و أختها . تباغتني الرؤية لكي تفتض الغلالات السبع عن عيني المدهوشتين ... في الطست النحاسي تجلس أخت " نجلاء " ، تندلق أكواز الماء لتتهادى و تتأبى على السقوط ، شيء ما يجعل الماء يسلك سلوكا مختلفا عن ذلك الذي يسلكه فوق جسد " حميدة " ، يتهادى الما ء على جسد الفتاة الغضة و يتأبى على السقوط ، يتحدى قوانين التوازن و يتهادى على تضاريس متكورة تشرب الماء و تفجر الهواء ، و المثلث المندلع سوادا يكهرب نحاس الطست بألق سماوي مخضر مصفر محمر ... طيات البضاضة تجلس مطمئنة على كرسي الحمام الخشبي ، و المثلث الأسود يقبع في آخر نقطة التلاشي لمثلث آخر قدماه على الطست و ساقا مرمريته متوفزتان ، داعيتان لاختراق مجهول الحسابات ، و فخذا طراوته يدلفان للأسفل ، للأسفل ، للأسفل .. و الربوتان ذاتا الوادي ترتكزان على العديد من الربا .
تئز و تشق الهواء صرخة هلع مستغيثة ، تجلد معدنية الطست لتعاود أصداؤها الرجوع من نقطة التلاشي إلى صدر المشهد ...
- اقفلي الباب يا ماما !! الواد شافني و أنا باستحمى !!!
- تعال يا حبيبي .. تعال لغاية ما تخلص حماها .
تغيم الرؤية للأبد بينما ضلفتا الباب تكبران و تكبران حتى تبتلعا كل فضاء الؤية .
- ارسموا كل الأشكال التي على السبورة .. مربع .. دائرة .. مثلث .
كل الفتيات يرسمن مثلثات جميلة منتظمة .
- ما هذا ؟!! .. لماذا نرسم المثلث مقلوبا أسودا هكذا ؟!!
- لماذا لا أمتلك العشب الأسود؟!!
لماذا الفتيات يقتنين العشب الأسود مبكرا عن الأولاد ؟!!
- انظروا .. إنه يقول الأكاذيب !!
- لا و الله ، أنا شفته !!
- لا ، كذاب !!
لماذا لا يصدقني الأولاد عندما أخبرهم أن الفتيات يقتنين المثلثات و يكدسن الأعشاب السوداء ؟!! .. لماذا تنكسر في أيدينا مثلثات الهندسة البلاستيكية سريعا ؟!!
" نرمين " تحب " ايمن " لأنه ابن الأبلة المدرسة و لأنه شاطر .
" رشا " لا تحب أحدا .. تعلم أنها جميلة و نحن نعلم أنها جميلة ، و نعلم أنها تعلم أننا نعلم أنها جميلة .
- أنا ألعب مع " حميدة " عروسة و عريس .. تعالي يا " رشا " نلعب عريس و عروسة .. قولي ... قولي .. ماذا يفعل العريس مع العروسة ؟
في الصباح تهوي من نقطة التلاشي عشر خرزانات قاسيات .. تعلو .. تعلو ... ثم تقترب .ز تقترب ... تسطر في المنظور عشرة خطوط دموية تعلمني الأدب .
- يا قليل الأدب .. ماذا كنت تقول لزميلتك ؟!!
- إنه قليل الأدب .. يقول الكلام العيب ... لا تكلموه .
قالها ناظر المدرسة مدوية في مكبر الصوت أثناء طابور الصباح .
البنات تجلس في صف ، و الأولاد في صف . في الصف الأول تجلس " نرمين " بجانب " أيمن " لأنه ابن الأبلة ، و لأنه شاطر و لأنها شاطرة ، و لأنهما مؤدبان لا يعرفان الكلام العيب ... و " رشا " ما زالت لا تحب أحدا .. و أنا أجلس في الصف الأخير .
في الفسحة أظل في الفصل لا أخرج لأنني معاقب ، و " رشا " أيضا لا تخرج لأنها لا تحب أحدا و لأن أحدا لا يستحق اللعب معها لأنها اجمل البنات .. تقترب ..
- الناظر ضربك علشان أنا قلت للأبلة انك قلت لي كلام عيب .... انت زعلان ؟!!
- لأ !! .. قوليلي .. هل .. هل .. لأ بلاش سوف تخبرين الأبلة .
- لا لن أقول .. ماذا تريد ؟!!
- هل لديك عشب أسود ؟!!
- ماذا تقول ؟!! لا..لا !!
- لا ، كاذبة كل البنات لديهن عشب أسود غزير !!
- لأ .. مافيش .
- طيب لو مافيش بصحيح وريني !!
من منظور عين النسر أرى مثلثا أجرد ، لا يختلف بياضا عن كلاحة المثلثات الهندسية البلاستيكية التي تنكسر سريعا . هل لهذا السبب لا تحب أن تلعب مع أحد حتى لا تنكشف ؟!!
- ها .. صدقت ؟
- انت وحشة ، وحشة !! ... انت مش بنت !! .. انت مش جميلة !!
تلملم فضيحتها ، تعدو إلى خارج الفصل ، أحاول اللحاق بها لأصالحها .. احاول ... أحاول ... و لكنني لا أستطيع .

اشرف الخريبي
09/11/2006, 12:59 PM
تغيم الرؤية للأبد بينما ضلفتا الباب تكبران و تكبران حتى تبتلعا كل فضاء الؤية ( الرؤية )

نعم هذا الكاتب يهتم للرؤية
هى موقفه من العالم الذى يود ان يبقى المسيطر على النص
وهو الذى يقدم هذا العالم بلا نضج ولا هوية



تحياتى لك ايها المبدع جدا
اشرف

الدكتور ياسر منجي
09/11/2006, 05:31 PM
الكريم العزيز ، الأستاذ / أشرف الخريبي .
أكرمتني يا أخي إلى درجة الخجل .
أتوق للقائك .
تحياتي .

نغم مراد
23/10/2008, 12:02 AM
لا تعليق ..