المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لا تنسوا صبرا وشاتيلا



محمودزكارنة
20/09/2007, 10:08 AM
بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله
عن ذكرى "صبرا وشاتيلا"
[ 20/09/2007 - 05:48 ص ]
معن البياري



صحيفة الخليج الإماراتية

لم يكن متوقعاً، ولا مرتقباً، أن يكون لذكرى ربع قرن على مذبحة مخيمي صبرا وشاتيلا مطرح في أنشطة وفعاليات الحالة الفلسطينية الراهنة في الشتات، أو في أراضي الحكم الذاتي المحدود في تسمية غير منسية، فالحالة المذكورة مخزية إلى درجة الفضيحة، لا تزيّد في القول إنها تشهد احتضاراً للوطنيّة الفلسطينيّة في لحظة شديدة الانكشاف. وإذ هذا هو المشهد الفلسطيني في أقل أوصافه، وإذ هي عصيّة على العدّ وتذكر المذابح التي قضى فيها آلاف الفلسطينيين على أيدي عصابات "إسرائيل" وجيشها ومستوطنيها قبل أن تصير دولة إلى وقتنا هذا الذي تتبارى جهات غير قليلة في أثنائه في التنبيه إلى خفض التوقعات من مؤتمر السلام الدولي المنتظر، وإذ تفاصيل حياة الفلسطينيين في وطنهم المحتل وفي شتاتهم مثقلة بالهموم، وإذ هي شجون الدنيا وتصاريفها صارت تدفع البشر إلى التخفف من كآبات الماضي، والانصراف ما أمكن إلى مشاغل الحاضر وكآباته غير الهيّنة، والموت الفلسطيني في العراق مثلاً منها على ما يحسن أن نشير،... هذه كلها وأخرى غيرها، أسباب ربما لا تجعل لمجزرة صبرا وشاتيلا في مجرى الأيام والسنوات مكانتها التي تحث على استذكارها دورياً.

ولمّا كان الأمر على هذا النحو، يجوز الزعم هنا أنه كان مطلوباً، وربما منتظراً، أن يتطوع أهل الثقافة والصحافة والقلم والرأي والإعلام، في فلسطين ولبنان على الأقل، إلى مهمة استنفار الذاكرة، وحماية المجزرة الرهيبة من التناسي والضياع في زواريب الشؤون اليومية للمجتمعات الفلسطينية في وطنها وفي الشتات والمغتربات. وكان الظنّ أن مشاهد زواريب شاتيلا وصبرا وقد رميت فيها جثث شبان وشيوخ ونساء وأطفال من أهالي المخيمين المذكورين لما دوّت في تلفزات العالم قبل 25 عاماً ستكون عصيّة على النسيان والإهمال. لم يقم إلا نزر يسير من أولئك بالمهمة هذه، وكانت مقالة فريدة الأهمية في هذا السياق التي نشرتها الباحثة الجسورة بيان نويهض الحوت في "السفير" البيروتية في 13 و14 الشهر الحالي.

مرّت الذكرى ولا حسّ ولا خبر يليقان بها في فلسطين وفي بلاد العرب وفي كل العالم، لم تعلن منظمة التحرير الفلسطينية بياناً واجباً، يحثّ على حماية الواقعة الأليمة من التجهيل وتضييع المسؤولية عنها، وهي المنظمة الموكول إليها شؤون اللاجئين الفلسطينيين في كل مطرح، ويفطن مسؤولوها إلى وجودها في التنازع مع حركة حماس. لم نقع على تظاهرات وفعاليات تجمع الفلسطينيين في مناسبة الربع قرن الذي انقضى، لم يتبنّ تكتل فلسطيني أو لبناني أو عربي، ثقافي ومدني، نداء قوياً إلى أن يتذكر العالم مسؤوليته الكاملة عن مقتل واختفاء وخطف 3500 ضحية. وفي البال أنه لم يجر أي تحقيق جدّي ولا بادر مجلس الأمن إلى إعلان واضح عن مسؤولية "إسرائيل" وحلفائها في اليمين اللبناني المتعصب، ولا قامت الدولة اللبنانية، وبين الضحايا لبنانيون، بإعلان يحافظ على حقوق الشهداء في البقاء غير منسيين لديها، ويولي قضية المخطوفين والمفقودين على أيدي ميليشيات العملاء اللبنانيين إياهم المكانة التي تستحقها بين مهمات الدولة. وكم كان عملاً طيّباً لو أن وزارة المواصلات اللبنانية تذكرت المذبحة بإصدار طابع بريدي بمناسبة مرور ربع قرن على ارتكابها، وهي التي أصدرت قبل أيام طوابع لشخصيات لبنانية قضت في جرائم اغتيال مريعة، كان منهم بشير الجميل.

لا مدعاة لاستهجان غياب الذكرى في الفضاء العربي العام، لم تخرج أي من الفضائيات العربية عن مسار عروض المسلسلات الدرامية، فتولي دراما "صبرا وشاتيلا" مساحة زمنية موجزة، كانت ربما ستذكر ملايين بوجوب الترحم على أرواح الشهداء والضحايا في شهر رمضان المبارك. وكانت التفاتة طيبة من "الجزيرة" أن كاميراتها دخلت إلى شاتيلا، وصورت نشاط صبية من اللاجئين في المخيم يهوون التصوير، وتتحدث إحداهن وتقول إنها تصوّر الرسوم على الجدران في الزواريب نفسها، وإنه لا شيء جميلاً في المخيم يمكن تصويره. وكان طيّباً أن الفضائية تحدثت إلى الباحث الفلسطيني سهيل الناطور، فأجاد في إيضاح التجاهل الواسع للمذبحة الشهيرة، وجدّد دعوة قديمة باقية إلى وجوب توثيق كل تفاصيل الواقعة وحماية الذاكرة الجمعية، الفلسطينية اللبنانية المشتركة على الأقل، من أن يغيب عن وعي الأجيال الجديدة اقتراف عرب مع "إسرائيليين" جريمة شديدة الفظاعة. وتحدث الناطور عن الإهمال المريع الذي كانت عليه المقبرة الجماعية للضحايا قبل أن يشعر مسؤول في مجلس بلدي من حزب الله بالحس الأخلاقي اللازم فيعمل على تنظيف المقبرة والاهتمام بها، وقد أخذ هذا الحديث كاتب هذه السطور إلى زيارة المقبرة قبل أكثر من عام، برفقة وفد عربي دعي إلى بيروت للتداول في شأن المذابح في دارفور في غرب السودان. وضعنا في أثنائها زهوراً على شيء أشبه بنصب، ومضينا. كما ربما زوارها من ممثلي فصائل فلسطينية يوم الأحد الماضي، غاب عنهم ممثل منظمة التحرير في لبنان عباس زكي الذي أغلب الظن لم يرضه أن يتواجد في المكان مع ممثل حركة حماس أسامة حمدان.

أما غياب العرب، مثقفين وقوى مدنية عن صبرا وشاتيلا في مناسبة ربع القرن الذي مضى، فيذكّر بالبهاء الذي أحدثه تجمع ناشطين إيطاليين، اعتادوا منذ نحو سبع سنوات على القدوم إلى المدفن الجماعي للضحايا، لإبقاء "صبرا وشاتيلا" ضد النسيان. وإلى هؤلاء الذين بينهم فنانون وكتاب ومناضلون وحقوقيون، انضمت وفود من فرنسا وإسبانيا وألمانيا وأمريكا والسويد وغيرها، كان شعارهم "كي لا ننسى صبرا وشاتيلا". جاء الإيطاليون قبل أيام، وقاموا بالواجب الإنساني الذي انتدبوا أنفسهم له، وضعوا الزهور، ثم غادروا، وقيل إنهم أسرعوا بمغادرة بيروت، بسبب خلافات فلسطينية واكبت مشوارهم، يا له من خبر، يحسن أن لا ننساه أيضاً.