المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : "مؤتمر الخريف".. بعد شهرين أم بعد زلزال؟!



جواد البشيتي
22/09/2007, 01:59 PM
"مؤتمر الخريف".. بعد شهرين أم بعد زلزال؟!

جواد البشيتي

إذا لم يؤجَّل فبَيْننا وبين "مؤتمر الخريف" نحو شهرين، هما، إذا لم نُمدِّد زمن "الفرصة الأخيرة للسلام"، ما بقي من عُمْر تلك الفرصة. شهران يكفيان للإتيان بـ "المعجزة"؛ ويكفي دليلا على ذلك خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام!

في الحاضر، ليس من شيء يدعو إلى التفاؤل، فـ "الخريف" لن يأتي بما عجز "الربيع" عن الإتيان به؛ وكل من أراد "التوقُّع" استناداً إلى المواقف والوقائع والحقائق على ما هي عليه الآن، أو على ما يمكن أن تكون عليه بعد شهرين، أو في غضون الشهرين المقبلين، فلن يتوقَّع إلاَّ ما يدعو إلى التشاؤم، إذا ما استمسكَ بالموضوعية في النظر إلى الأمور، فما الذي يمكن أن يتغيَّر حتى تشرين الثاني المقبل في المواقف والوقائع والحقائق، فيصبح ممكنا، بالتالي، جَعْل كل يوم من الآن وصاعدا في منزلة سنة من سنوات النزاع واستعصاء وفشل الحلول؟!

معنى القول هو أنَّ الزمن وحده لا يصلح مقياسا، فبَيْننا وبين "مؤتمر الخريف" شيء أهم بكثير من "الشهرين"، وهو "زلزال"، أو "زلازل"، فيه، أو فيها، يتكثَّف الزمن، فيغدو اليوم الواحد شهوراً، أو سنة، أو سنين.

هذا هو "المجهول الأكبر" الذي ما لم يَغْدُ "معلوماً" يظلُّ حاجزا بَيْننا وبين كل توقُّع لا تذهب به النتائج، فـ "الحل" الذي يتوفَّر الرجلان (اولمرت وعباس) على طبخه بمساعدة رايس لم يبدأ طبخه الحقيقي بعد؛ لأنَّ "النار" التي يحتاج إليه لم تأتهِ بعد. وعليه، لا يمكن أن نرى "مؤتمر الخريف" على حقيقته، وفي وضوح، إلاَّ في ضوء تلك النار التي لم تشتعل بعد.

وأحسب أنَّ إدارة الرئيس بوش وحكومة اولمرت تريدان لهذا المؤتمر أن يكون المرآة التي تنعكس فيها الوقائع والحقائق الجديدة وليس الوقائع والحقائق القديمة، أي التي نراها الآن، فـ "مؤتمر الخريف" إنَّما يشبه "العربة" التي جيء بها قبل المجيء بـ "الحصان" الذي سيجرها.. إلى حيث تريدان، أي إلى أهدافٍ، يكفي أن ينجحا في بلوغها حتى تصبح المطالب الفلسطينية والعربية كمثل ظلٍّ فَقَدَ جسمه، فبَيْننا وبين "مؤتمر الخريف" من الزمن ما يمكن ويجب، بحسب ما يُخطِّط له "الحليفان الاستراتيجيان"، أن يَجْعَل المفاوِض الفلسطيني والعربي في ضعفٍ يَجْعَل "الحل الإسرائيلي عبر التفاوض السياسي" في متناول أيديهم، ويأتي بما يقيم الدليل على أنَّ "الفرصة الأخيرة" لهذا "السلام"، أي للسلام الذي أراده "الحليفان الاستراتيجيان"، قد اغْتُنِمَت على خير وجه.

الآن لا يملك المفاوِض الفلسطيني والعربي من "القوَّة التفاوضية" ما يُمَكِّنه من أن يَجْعَل "مؤتمر الخريف" طريقاً إلى حل نهائي، يستوفي ويلبِّي ما تضمَّنته "مبادرة السلام العربية" من مطالب وشروط. والآن، أيضا، ليس لدى إسرائيل من "القوَّة التفاوضية" ما يُمَكِّنها من أن تَجْعَل "المؤتمر" طريقا إلى الحل النهائي الذي تريد، والذي تزداد استمساكاً به.

ومن الآن وصاعدا لن نرى من التغيير في الواقع والوقائع والحقائق إلا ما يراد له أن يُقْنِع المفاوِض الفلسطيني والعربي بأنَّه بات يملك من "الضعف التفاوضي" ما ينبغي له أن يَحْمِله على قبول ما ظلَّ يرفض قبوله من قبل، فـ "مؤتمر الخريف" إنَّما يراد له أن يكون المكان والزمان اللذين فيهما يتأكَّد أنَّ المفاوِض الفلسطيني والعربي قد أصبح في خريف العُمْر سياسيا وتفاوضيا.

وهذا "الإضعاف"، الذي يحتاج إليه "مؤتمر الخريف"، سيكون الثمرة لتغيير كبير في الواقع والوقائع والحقائق يتوفَّر "الحليفان الاستراتيجيان" على صنعه في قطاع غزة، ولبنان، وسورية، وإيران، والعراق، وكأنَّهما قاب قوسين أو أدنى من خوض المعركة الكبرى والحاسمة من أجل ولادة، أو توليد، "الشرق الأوسط الجديد"، فالإعداد والتهيئة لـ "أم المعارك" هما الحقيقة التي لا تضاهيها حقيقة لجهة قوَّتها وسطوعها وصفائها على الرغم من كل ما يُبْذل من جهد لجَعْلِها بمنأى عن الأبصار والبصائر.

"الخطأ" الفلسطيني والعربي الآن ليس كمثله خطأ؛ لأنَّه قاتِلٌ لمرتكبه، ولا بدَّ، بالتالي، من تمييز الأمور، ووزن المواقف، كلاما وأفعالا، بميزان سياسي ـ استراتيجي كـ "ميزان الذهب" دِقَّةً، والنظر بعيون يقظة لا تغشاها أوهام إلى ما تريد لنا الولايات المتحدة وإسرائيل أن نراه، فالآن لا بدَّ لنا من أن نقتنع وأكثر من ذي قبل بأن ليس كل ما يلمع ذهبا.

وبما يتَّفِق مع كل ذلك يمكننا وينبغي لنا ننشئ ونطوِّر مواقفنا من قرار إسرائيل والولايات المتحدة إعلان قطاع غزة كيانا معاديا لهما، ومِمَّا يَحْدُث في لبنان عشية انتخاب البرلمان لرئيس جديد للجمهورية، ومِمَّا بدأ بالغارة الجوية الإسرائيلية في العمق السوري، ومِمَّا يُدَبَّر ضد إيران، ومِمَّا تسعى إليه إدارة الرئيس بوش في العراق مع دُنُوِّ انتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة.

لا بدَّ من إنهاء ما قامت به "حماس" في قطاع غزة مع كل ما تمخَّض عنه من نتائج حتى الآن؛ ولكن ليس من خلال ما ستقوم به إسرائيل والولايات المتحدة من أعمال تُتَرْجمان بها قرارهما إعلان قطاع غزة كيانا معاديا لهما، فليست كل الطرق تؤدِّي إلى "روما" التي هي كناية عن إصلاح ما أُفْسِد فلسطينيا بعد وبسبب كارثة "التحرير الثاني" للقطاع.

وهذا "الإصلاح" لن يكون أبدا بأعمال تقوم بها إسرائيل والولايات المتحدة ضد قطاع غزة توصُّلاً إلى جعل المفاوِض الفلسطيني (في رام الله) في خريف العُمْر سياسيا وتفاوضيا، فما حَدَثَ، ويَحْدُث، هناك، أي في قطاع غزة، يجب أن يُعالج ويُحَل؛ ولكن بما لا يَجْعًَل شروط ومطالب المفاوِض الفلسطيني الضحية الكبرى للمعالجة والحل.

لقد سعى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس حتى الآن في جعل التفاوض مع إسرائيل طريقا إلى "اتِّفاق" يصلح طريقا (من بين طُرق أخرى) إلى إنهاء ما حَدَثَ، ويَحْدُث، في قطاع غزة بما يعود بالنفع على المصالح العامة للشعب الفلسطيني. أمَّا إسرائيل والولايات المتحدة فقد شرعتا تعملان من أجل "حلٍّ" لـ "المشكلة" في القطاع يصلح طريقا إلى القضاء على ما بقي من قوَّة تفاوضية لدى المفاوِض الفلسطيني.

وهما، أي الولايات المتحدة وإسرائيل، تَنْظران إلى ما تعدان له من خطط وأعمال ضد قطاع غزة على أنَّه جزء من المعركة الإقليمية الكبرى التي من رحمها سيَخْرُج "الشرق الأوسط الجديد" الذي تُعْقَدُ زعامته لـ "المنتصرين الكبيرين".

إنَّ كل موقف (فلسطيني أو عربي) يمكن أن يُتَرْجَم بما يهيئ للولايات المتحدة وإسرائيل أسباب النصر في هذه المعركة يجب أن يُنْبَذ، وأن يُجْتَنَب؛ لأنْ لا مكان للفلسطينيين والعرب، مع مصالحهم الحقيقية وقضاياهم وحقوقهم، في مثل هذا الشرق الأوسط.

وإنَّ أسوأ مبدأ يمكن أن تقوم عليه سياسية فلسطينية وعربية الآن هو "خَصْمُ خَصْمي صديقي"، فالولايات المتحدة وإسرائيل لن تكونا صديقا لنا لكونهما تُخاصِمان من نَنْظُر إليه على أنَّه خَصْمٌ لنا الآن، فأيٌّ خَصْمٍ لنا الآن يظلُّ أقل عداءً لنا بكثير منهما، فهلاَّ نرى الشمس في وَضَح النهار.