المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من مفكرة مترجم حقوقي ( legal defence ) بقلم أيمن السباعي



أيمن كمال السباعي
22/09/2007, 05:13 PM
خلق القضاء الإداري مبدأ حق الدفاع إكمالا للشرعية الإدارية، وسوف نخصص هذه المفكرة للتعرف على ماهية حقوق الدفاع ودائرة تطبيق المبدأ وتحديد الضوابط التي تحكمه، في ضوء التعريفـات الفقهيـة ومع مجاراة التطور اللاحـق للاجتهـاد الإداري . نتناوله في مطالب ثلاثة . المطلب الأول : معنى المبدأ ومتضمناته ان وضع تعريف لحقوق الدفاع أمر في غاية الصعوبة والخطورة، فهذه الحقوق رغم ان أقرتها بعض القوانين إلا انها في حقيقتها هي من خلق القضاء الإداري، فهذا القضاء وفي رسالته أوجد مبدأ احترام حقوق الدفاع ولكنه لم يضع تعريف لها، عدا عن ذلك فهذا المبدأ كما قلنا من خلق القضاء الإداري فهو الذي أظهر متضمناته ووضع ضوابطه وبيّن حدوده، ويميل حالياً إلى الحدّ من الاستثناء من حقوق الدفاع، وهو ينشأ وتتحدد معالمه أكثر فأكثر مع أحكام القضاء الإداري فليس من السهل زجّه في تعريف يلائمه اليوم ولكن لا يكمله في المستقبل . بأي حال، مراعاة مبدأ حق الدفاع أقرته معظم قوانين العالم فالقوانين الإنجلوساكسونية تعرفه بالعبارة اللاتينية" règle Audi alteram patern" أي الاستماع إلى الطرف الآخر (entendre l`autre partie) ويعرفه القانون الألماني تحت عبارة("Rechtliches Gehor" أي الحق بالاستماع اليه (le droit d`être entendu) .
ان كانت مقالات كثيرة تناولت بحث مبدأ حق الدفاع، إلا اننا لم نلحظ في معظمها جانب يتناول فيه صاحب المقال أي تعريف لحقوق الدفـاع ولكننـا بعد البحث توصلنا إلى تعريفين -ولكن ليس في هذه الأبحاث الخاصة- وهما كما يلي : التعريف الأول وضعه M. Letourneur في بحث يتحدث فيه عن المبادئ العامة أمام مجلس الدولة الفرنسي ويقول فيه ان مبدأ حقوق الدفاع هو "المبدأ الذي من خلاله كل قرار فردي خطير لا يمكن أخذه من قبل السلطة الإدارية دون الاستماع، مسبقاً, إلى الشخص كون هذا القرار قابل للإضرار به في مصالحه المعنوية والماديـة" . “Le principe d`après lequel un acte individuel grave ne peut être pris par l`administration sans entendre, au préalable, la personne que cet acte est susceptible de leser dans ses intérêts moraux et matériels”. وفي نفس المعنى يقول B. Genevois ان "مبدأ حقوق الدفاع يعني كل تدبير فردي على قدر من الجسامة، مستندة إلى اعتبارات تتعلق بشخص الضحية. لا يمكن أخذها من السلطة الإدارية دون الاستماع مسبقاً إلى الشخص كونه متعرض للتضرر بمصالحه المعنوية والمادية، باستثناء تدابير الشرطة" . “D`une façon générale, le principe des droits de la défense implique q`une mesure individuelle d`une certaine gravite, reposant sur l`appréciation d`une situation personnelle. Ne peut être prise par l`administration sans entendre au préalable la personne qui est susceptible d`être lésée dans ses intérêts moraux et matériels, sauf si cette derniere constitue par nature une mesure de police.”
يبدو ان ما سبق يتوافق مع ما قاله De Soto ان الأصول الوجاهية أساسية في كل مرة تتخذ السلطة الإدارية تدابير على قدر من الجسامة تضر بمصالح الفرد المادية والمعنوية . Une Procédure contradictoire est nécessaire chaque fois que l`administration doit prendre une mesure grave susceptible de leser les intérêts matériels ou moraux d`un individu . قصور هذه التعاريف
يمكننا ان نؤكد قصور كلا التعريفين في تحديد مبدأ حق الدفاع في الوقت الحالي من ناحيتين :
أولاً : اقتصر كلا التعريفين على مراعاة مبدأ حق الدفاع في التدابير المتخذة من السلطة الإدارية، فالتعريف السابق يوضح لنا ماهية حقوق الدفاع أمام الإدارة فقط دون ان يشمل حقوق الدفاع في المراحل الأخرى، فليس من المعقول تضييق المبدأ ضمن المرحلة الأولى التي يمر بها الموظف أو العامل لدى الإدارة لإحالته فيما بعد إلى المحاكمة لأنه سيكون الموظف في أوج الحاجة إلى حقوقه، ولا ننسى ان مراعاة مبدأ حق الدفاع تشمله أصول المحاكمات الإدارية وهي تتأسس على مقومات عديدة تشكل في معظمها ضمانات أساسية لحقوق الدفاع . فحقوق الدفاع تحمل عناصر ومتضمنات عديدة بعضها تكرس بالقانون والبعض الآخر ما زال تحت كنف القضاء الإداري، نذكر منها : - قاعدة الاطلاع على الملف ومبدأ المواجهة . - حق الدفاع عن النفس أصالة أو بالوكالة بعد إعطاء الموظف مهلة كافية للدفاع عن نفسه . - الاستعانة بشهود الإثبات أو النفي وتقديم جميع وسائل الإثبات . - الرد والمناقشة وتقديم أطراف الدعوى دفوعهم . - تعليل جهة التحقيق قراراتها وتسبيب الجهة القضائية أحكامها . - حيدة أعضاء التحقيق أو أعضاء المحاكمة . عدا عن حالات عديدة أخرى .
هذه العناصر وغيرها سوف نعود إلى تفصيلها لاحقاً في الباب الثاني، ولكن المهم هنا ان التعاريف السابقة لا تشمل كل هذه العناصر، ما يؤكد رأينا حول قصور هذان التعريفان . ومن ناحية أخرى، يتأكد لنا القصور على حد قول البعض، انه وخصوصاً في مجال الضمانات الأساسية كالمواجهة وحقوق الدفاع، لا تنجح المحاولات في وضع تعريف جامع مانع لأن مفهومها دائماً متطور . قد يكون من اليسير ان نجد تعريفاً يشمل كل عناصر حقوق الدفاع التي سبق بيانها، ولكنه من الصعب عليه مسايرة تطور الاجتهاد المستمر، هذا هو القول الأصح، لأن حقوق الدفاع وكما سنرى لاحقاً هي مبدأ يدخل في نظرية المبادئ العامة عمل على كشفه القضاء الإداري، ولكن لم تكتمل بعد كامل عناصره، كما ان مجلس الدولة لم يضع أية حدود أو مقاييس يسير عليها عندما يعلن ان هذا الوضع أو ذاك يشكل إخلال بحقوق الدفاع . ففي تحليل هذين التعريفين، نرى انهما يتأسسان على ثلاثة خصائص أساسية، أولاً يجب ان تتخذ الإدارة تدبيراً بحق هذا الشخص بمعنى ان يكون مستنداً إلى اعتبارات تتعلق بشخصه او مسلكه، وثانياً يجب ان يكون هذا التدبير على قدر من الجسامة، وثالثاً يجب حصول ضرر للشخص صاحب العلاقة . رأى الفقه في هذه الخصائص الثلاث النقاط الأساسية التي تتوضح بها حقوق الدفاع استناداً إلى ما توصل اليه الاجتهاد الإداري في هذا الوقت . ولكن بعد فترة، نجد ان القضاء الإداري أصبح يؤسس حقوق الدفاع على التدبير المتخذ وجسامته، وأصبحت حقوق الدفاع كما يقول الأستاذ Odent "حتى تعمل الإدارة على احترام حقوق الدفاع، يكفي ان تقضي بعقوبة تكون على قدر من الجسامة" . Pour que l`administration soit tenue au respect des droits de la défense, il faut et il suffit qu`elle inflige une sanction d`une certaine gravite .
نبين هنا في هذا الموقف الأخير، كيف تتغير الضوابط التي تقوم عليها حقوق الدفاع وارتباطها بتطور الاجتهاد، فلم يعد من الضروري توافر ضرر يصيب الموظف نتيجة للتدبير المتخذ، بل يكفي ان تتخذ الإدارة تدبير ويكون هذا التدبير على قدر من الجسامة . بعد ما تقدم، يبدو لنا اننا أمام مشكلة يكون حلها مقيد باجتهادات القضاء الإداري وبتطورها المستمر، ويبقى الحال إلى اللحظة التي تصبح فيها حقوق الدفاع محددة المقاييس وعلى أساسها يقرر القاضي الإداري إبطال قرار ما لعدم احترامه حقوق الدفاع . لذا فاننا لا نؤيد وضع تعريف لحقوق الدفاع وفقاً لما سبق، ولكن نكتفي بتحديد هذه الحقوق استناداً إلى أحكام مجلس الدولة التي توصل اليها حديثاً وهي عبارة عن : "مبدأ قانوني عام يضمن احترام مقومات التحقيق والمحاكمة في حدود القانون وأحكام القضاء" .
المطلب الثاني : ضوابط احترام مبدأ حق الدفاع
ان تعريـف حقوق الدفـاع كما رأينا في المطلب السابق كان يشتمل على ثلاثة عناصر أساسية : 1- توافر عقوبة تستند إلى مسلكية الشخص 2- تكون على قدر من الجسامة 3- حصول ضرر مادي او معنوي ولكن مفوض الحكومة الفرنسي Odent في معرض تحليل كامل وشامل للاجتهـاد الفرنسي حتى نهاية سنة 1952 يجد انه حتى يأخذ الاجتهاد بمبدأ احترام حقوق الدفاع "لا بدّ من توافر عقوبة، تكون على قدر من الجسامة" . فالاجتهاد حتى هذه الفترة الأخيرة، انتهى إلى استبعاد حصول الضرر من الضوابط التي تتقيد بها حقوق الدفاع، يكفي وجود تدبير مسلكي أو عقوبة تكون على قدر من الجسامة . وهذا الاجتهاد يسير بمقتضاه مجلس شورى الدولة في لبنان فهو عندما ينظر في قرار اتخذته الإدارة يبحث في التدبير الذي اتخذته الإدارة وفي درجة جسامته . أولاً : وجود تدبير مسلكي أو عقوبة mesure disciplinaire ou sanction أرسى الاجتهاد الفرنسي قواعد مبدأ حق الدفاع في قراره الشهير(1) الصادر بتاريخ 5 أيار 1944 حتى بات من المتفق عليه، أنه لا وجود لمبدأ حق الدفاع عن النفس إلا إذا كانت هناك عقوبة مفروضة على الموظف ارتكب خطأ مسلكياً بعدم احترام واجباته الوظيفية . والتدبير المتخذ بحقهم يشكل عقوبة نتيجة لخطأ ارتكبوه أوعزي إليهم وهو يتعلق بشخص الضحية او مسلكه، وهذا الخطأ المسلكي مستقل عن المخالفات الجزائية . الأصل، انه في بداية تحليله للمرسوم أو القرار المطعون فيه، يحاول القاضي الإداري معرفة ما إذا كان المرسوم المطعون فيه هو تدبير تأديبي يحتوي بالواقع على عقوبة تأديبية ام انه تدبير إداري صرف صادر عن السلطة التسلسلية . هذا التفريق أمر على قدر من الأهمية، فان كان يعود وصفه للقاضي، فان الغاية منه تطبيق الأصول والقواعد العائدة لكل نوع من هذه التدابير. كما ان القاضي يرتكز في وصفه لتدبير ما، إذا كان عملاً إداريا أو تأديبياً، على البحث عن نية الإدارة من خلال النصوص القانونية التي استند اليها القرار المطعون فيه أو على المسلمات والمعطيات الواقعية، كما انه يرتكز على جسامة التدبير وفق معطيات القضية وأخيراً على مقياس جوهري أساسي هو التحليل القانوني للأسباب analyse juridique des motifs التي أدت إلى اتخاذ القرار المشكو منه المسند لسلوك الموظف المؤاخذ، علماً ان عملية البحث عن نية الإدارة من خلال النصوص التشريعية وجسامـة التدبيـر لا تصبح حاسمة إلا إذا ثبتت وأيدت بالمقياس الأساسي. وفي نفس المعنى يقول De Corail : "… هناك ثلاث معايير يستعين بها القضاء – تحليل نية الإدارة، الأخذ بعين الاعتبار جسامة التدبير المتخذ والتحليل القانوني للدوافع والحجج ....
هذه المعايير الثلاثة لها الدور الكامل في وصف التدابير المتنوعة . إلا ان المعيار الأساسي هو المبني على التحليل القانوني للدوافع والحجج؛ فالمعياران الآخران لا يتممان دورهما إلا باستنادهما على المعيار الأساسي" . ولكن كيف نفرق بين العقوبة التأديبية والتدبير التسلسلي ؟ كما يقول الأستاذDe Corail في مقاله السابق ذكره "التدبير التأديبي يكون مرتبطاً بسلوك الموظف الخاطئ بينما يكون التدبير التسلسلي مبنياً على اعتبارات مستمدة من صالح الخدمة" .
ولكن ضمن تطور الأحكام القضائية، خلص القضاء الإداري إلى وجود فئة جديدة من التدابير تقع بين التدابير التأديبية والتدابير الإدارية او التسلسلية . يستند مجلس شورى الدولة في هذا القرار على قول الأستاذ De Corail انه كون "التدبير المطعون فيه لا يشكل عقوبة تأديبية فان مثل تلك التدابير التي توصف بانها إدارية او غير تأديبية يمكن ان تخضع للقانون التأديبي وذلك في ما يتعلق ببعض عناصرها اذ ان بسط بعض القواعد الخاصة بالحقل التأديبي إلى تدابير مجردة من هذا الطابع مرده انه يوجد وفق العلم والاجتهاد فئة جديدة من التدابير التي تقع بين التدابير التأديبية والتدابير الإدارية او التسلسلية" .
ولكن نريد ان نلفت النظر انه هل تعتبر هذه الفئة الجديدة من التدابيـر التي تقـع بين التدابيـر التأديبيـة والتدابيـر الإداريـة عقوبـة تأديبيـة مقنعـة ؟ سنعمل على توضيـح هذه الفئـة من التدابير في قضية حديثة تقدم بموجبهـا المستدعي المهندس سعد خالد المدير العـام السابق للتنظيـم المدني يطلب إبطال المرسوم رقم 70 تاريخ 3/1/1999 لجهة إعفائه من مهام وظيفته ووضعه بتصرف رئيس مجلس الوزراء . النقطة القانونية التي تأسس عليها طلب الاستدعاء اعتبار التدبير المتخذ تدبير تأديبي لم تراع فيه الدولة الأصول التأديبية ومنها الاطلاع على الملف وممارسة حق الدفاع، ويعطي المستدعي دليلاً على ذلك ما أوردته وسائل الإعلام على لسان رئيس مجلس الوزراء وفي طليعتهم وزير الإصلاح الإداري بان جميع الموظفين الذين تم إعفاؤهم من مهامهم ووضعهم بالتصرف او إنهاء خدماتهم لهم ملفات تدينهم . لكن الدولة طلبت رد المراجعة لأنه ليس للمرسوم المطعون فيه أي طابع تأديبي بل هو مجرد تدبير إداري متخذ لحسن سير العمل الإداري، وان الإعفاء من مهام الوظيفة ليس من العقوبات التأديبية التي لا يمكن فرضها الا اذا كانت محددة عملاً بمبدأ لا عقوبة بدون نص، وان التدبير المتخذ يستند إلى أحكام القانون المنفذ بالمرسوم رقم 2169تاريخ 29/4/1972 الذي يجيز للإدارة اتخـاذ مثـل هذا التدبيـر فيمـا يختص بموظفي الفئة الأولى . اذن محور القضية يتجلى في تحديد التدبير المتخذ فيما لو كان المرسوم المطعون فيه تدبير إداري صادر عن السلطة التسلسلية المختصة ام انه تدبير تأديبي ينطوي على عقوبة تأديبية . أمام هذا الوضع يعود إلى القاضي ان يعطي التدبير المتخذ الوصف الصحيح وصولاً إلى إبطال التدبير الإداري الذي ينطوي على عقوبة تأديبية والذي غابت عنه الضمانات التأديبية . يؤكد هنا مجلس شورى الدولة ان العلم والاجتهاد مستقران على اعتبار التدابير الإداريـة التي تستهدف شخص الموظـف بنيـة زجريـة وعلى هذا الأساس يجب ان تحاط بالضمانات القانونية المفروضة على الإدارة في الحقل التأديبي ولا يتوقف القاضي عند حرفية التدبير المتخذ من الإدارة او الوصف الذي تعطيه للتدبير الذي تتخذه، انما يعود اليه ان يعطيه الوصف الصحيح وصولاً إلى إبطال التدبير الإداري الذي ينطوي على عقوبة تأديبية والذي غابت عنه الضمانات التأديبية . عند سكوت النص يبقى هناك حدّ أدنى من الضمانات الأساسية يستمد من مبدأي الوجاهية وحق الدفاع، وهما يقضيان بإطلاع الموظـف على المآخذ المنسوبة اليه وتمكينه من ممارسة حـق الدفاع . وبالتالي فالتدابير التي توصف بأنه إدارية او غير تأديبية يمكن ان تخضع في بعض عناصرها للقانون التأديبي، لأن بعض القواعد المعتبرة قواعد خاصة بالحقل التأديبي يمكن ان تمتد لكي تشمل بالتطبيق تدابير مجردة عن الطابع التأديبي و لكنه تتضمن الزجرية مما جعل الفقه والاجتهاد يعترفان بوجود فئة جديدة من التدابير التي تقع بين التدابير التأديبية والتدابير الإدارية التسلسلية . واذا كان الاجتهاد لا يعطي هذا النوع من النقل او الإعفاء من الوظيفة الأساسية او الوضع بالتصرف، الطابع التأديبي الصرف، ويضعه بين التدبير الإداري التسلسلي والتدبير التأديبي لانطوائه على تدبير تأديبي مقنع ولكنه يخضع لمعاملة تأديبية أساسية وجوهرية وهي إطلاع الموظف المسبق على الملف ليتمكن من ممارسة حقه في الدفاع عن نفسه . إذن تعتبر حلول القضية إجابة واضحة للسؤال الذي طرحناه ونستطيع القول انه وعند سكوت النص التدابير التي توصف انها إدارية او غير تأديبية وتستهدف الشخص الموظف بنية زجرية هي بمثابة عقوبة تأديبية مقنعة يجب ان تحاط بالضمانات المفروضة على الإدارة في الحقل التأديبي .
ثانياً : جسامة العقوبة او التدبير المتخذ Degré de gravite ان كان أمر التذرع بمبدأ حق الدفاع يتطلب ان يتناول تدبير مسلكي، يضيف الاجتهاد ان يكون هذا التدبير او العقوبة المتخذة على قدر من الجسامة . خير دليل على أهمية جسامة العقوبة او التدبير المتخذ ما رأيناه سابقاً وبالأخص عند ارتكاز القاضي في اعتبار التدابير الإدارية التي تستهدف شخص الموظف بنية زجرية هي بمثابة عقوبة تأديبية مقنعة . لن نتعرض لها لأنه يكفي ما تعرضنا له سابقاً منعاً للتكرار ولكن نضيف اليه بعض الآراء الفقهية والأحكام القضائية . هنا يقول الأستاذ Morange "إلا انه من المستحيل ان نجد معيار يحدد درجة الجسامة يستند عليه القضاء الإداري في أحكامه . في هذه الحالة يتمتع القاضي بسلطة تقديرية discrétionnaire ويستنير خاصة : بأثر القرار على وضعه الحاضر répercussions de la décision sur la situation actuelle ومصير صاحب العلاقة l`avenir de l`intéresse وانعكاس وضعه المالي incidence financière " . اما الأستاذ (2)De Corail يقول ان "كل تدبير غير تأديبي ينطوي على جسامة وافية يهدف إلى معاقبة تصرف عام ارتكبه الموظف -ليس بالضروري تصرفاً خاطئاً– يجب ان يخضع لقاعدة الاطلاع على الملف" . ويتابع : "ان العقوبة غير التأديبية تخضع لتطبيق مبدأ احترام حقوق الدفاع في مجال الوظيفة العامة" . وفي لبنان، يسير مجلس شورى الدولة اللبناني على خطى مجلس الدولة الفرنسي فهو يكفل احترام حقوق الدفاع لكل تدبير متخذ بالنسبة للشخص ينطوي على جسامة وافية . نأخذ على سبيل المثال القرارات التالية : "يقرر مجلس شورى الدولة انه يطبق قاعدة الاطلاع على الملف لكل تدبير يهدف إلى معاقبة تصرف وليس بالضرورة تصرفاً خاطئاً متخذ بالنسبة للشخص وينطوي على جسامة وافية". وخير مثال على ان لا يكون التصرف تصرفاً خاطئاً قرار المهندس سعد خالد سبق ان تعرضنا له بالتفصيل . وفي قرار آخر يقول في حيثياته انه "في ما يتعلق بجسامة التدبير فانه يوجد حالات لا مجال للمنازعة بشأنها مثل إنهاء الخدمة . وان القاضي في مثل هذه الفرضية يقدر الضرر المسبب في كل حالـة محددة ليستنبط الطـابع التأديبي او التسلسلي للتدبيـر المشكـو منه".
بالإضافة لقضاء مجلس شورى الدولة وبمناسبة تدبير إنهاء الخدمة يتأكد لنا ما قيل سابقاً بالاستناد إلى نية المشرع في مختلف النصوص القانونية الواردة في القانون رقم 199/93 والقانون رقم 200/93، اللذان يتناولان رفع الحصانة عن الموظفين والمستخدمين في عملية تطهير العناصر الغير كفوءة . فالمادة الرابعة من قانون 199/93 تنص على انه "لا تحول استقالة الموظف او صرفه من الخدمة او إحالته على التقاعد بموجب أحكام هذا القانون دون ملاحقته أمام القضاء المختص بشأن المخالفات او الجرائم التي يكون ارتكبها في الخدمة" . بالإضافة إلى ذلك يرى القضاء الإداري ان السبب الحاسم le motif déterminant لتدبير إنهاء الخدمة هو معاقبة أخطاء تأديبية والتصرفات المسلكية والأخلاقية للموظف أثناء ممارسة عمله . لذا سوف نبحث عن نية المشرع من خلال مناقشات مجلس النواب لهذه القوانين . لو تمعنا في مناقشات مجلس النواب لوجدنا من أقوال السادة النواب ما يؤكد الاتجاه العام نحو إنهاء خدمة الموظف المتهم باتخاذ تدبير تأديبي مقنع . الرئيس : تتلى المادة الأولى ... كثيرون يعتبرون هذا القانون قانون إصلاح إداري وهذا ليس صحيحاً لأنه قانون رفع حصانة . (ص. 166 من محضر الجلسة) عمر كرامي : ... نحن في الأساس مع تطهير الإدارة ومع قانون رفع الحصانة ... والكل يعرف مدى اهتراء الإدارة والكل يعرف السمعة السيئة للدولة ... نتيجة تصرفات الإدارة ، ولكن هذا لا يعني ان كل الموظفين غير أكفاء او حرامية ... (ص. 168) علي طه : ... وأي منطق هذا الذي يساوي بين الموظف الطيب الذي ندر حياته للمصلحة العامة وبين الآخر المرتشي الذي يعيش على الرشوة والخوّات واستغلال أوضاع الناس وحاجاتهم ليسلبهم أموالهم ... (ص. 170)
وأخيراً, يتبين لنا من أقوال الفقهاء ومن قرارات مجلس القضاء الإداري في فرنسا و لبنان انه يستطيع الموظف التذرع باحترام مبدأ حق الدفاع كلما كان التدبير ينطوي على قدر من الجسامة . ولكن نؤكد هنا، ان القاضي الإداري لا ينظر في ملاءمة العقوبة المقررة لأنه غير ذلك يكون خالف نص المادة 13 من القانون المنفذ بالمرسوم رقم 10434 تاريخ 14/6/1975 المتعلق بنظام مجلس شورى الدولة التي تنص على انه "لا يحق لمجلس شورى الدولة ان ينظر في ملاءمة العقوبة المقررة، ان تقدير أهمية العقوبة بالنسبة إلى الأعمال المخالفة تكون ممارسة الحق الاستنسابي المعطى إلى السلطة التأديبية –إدارية كانت ام قضائية- غير ان ذلك لا يحول من ان يراقب مجلس شورى الدولة ملاءمة العقوبة في حال الخطأ الساطع Erreur Manifeste" .
المطلب الثالث : نطاق تطبيق مبدأ حق الدفاع اعتبر القضاء الإداري حقوق الدفاع من الضمانات الأساسية التي يجب كفالتها للموظف العام، وهو يسير في تطبيق مبدأ حق الدفاع على الأشخاص الذين يساهمون في إدارة المرفق ويشغلون وظائف إدارية حتى ولو لم تكن هذه الوظائف داخلة في نطاق الكادر. ولكن هل يستفيد من المبدأ المذكـور العاملون تحت التمرين والمعينون بعقود والعاملون المؤقتون ؟ وما يؤكد ان المبدأ العام في نظر القضاء الإداري له نطاق تطبيق واسع يتعدى الجزاءات التأديبية الموقعة على الموظفين والعاملين غير الموظفين،
ان القاضي الإداري طبقه على الأفراد العاديين الذين تربطهم علاقة تعاقد مع الإدارة . لذا يمكننا ربط نطاق تطبيق المبدأ في دائرتين : أولاً : الموظف في القطاع العام والعاملون لدى الإدارة رأينا انه يتوجب على الإدارة التقيد باحترام مبدأ حق الدفاع عندما تتخذ قراراً فردياً جسيماً متخذ بحق الأفراد، فالاجتهاد ذهب أبعد من ذلك، كل قرار إداري متضمن التدبير الزجري هو من القرارات الفردية التأديبية تتقيد الإدارة بموجبه باحترام المبدأ بجميع قواعده تحت طائلة تعرض قرارها للبطلان . الاجتهاد الفرنسي في هذا المجال خصب بدأها بمواضيع خاصة حتى انتهى الأمر إلى إقرارها نهائياً : - في أول حكم قديم سبق ان تعرضنا له، صدر بتاريخ 19 حزيران 1903 قضى مجلس الدولة امتداد ضمانة حق الدفاع إلى جميع الضباط من الرتب الأخرى رغم اشتمال قانون 4 أغسطس 1839 تمتع الضبـاط من رتبـة جنرال فقط بالتذرع بمبدأ حق الدفاع . من عبارات الحكم انه : "إذا كان من سلطة رئيس الدولة إحالة الضباط غير الجنرالات إلى المعاش بعد قضائهم ثلاثين عاماً في الخدمة، فهو لا يستطيع ان يبني قراره على أسباب لها طابع العقوبة دون ان يسمح لصاحب العلاقة بتقديم كافة أوجه دفاعه" . يتضح لنا مما تقدم، ضرورة ارتباط التدبير المتخذ الذي له طابع العقوبة بضوابط وأصول لا بدّ من مراعاتها حتى يسلم قرار الإدارة من أي عيب يعرضه للبطلان . هذا طبعاً مع بقاء الحكم المذكور ضمن إطار موضوعه الخاص الذي يقرر امتداد ضمانة حق الدفاع إلى بقية الضباط فقط دون ان يصل القضاء بعد إلى مرحلة تعميم احترام حقوق الدفاع لجميع الموظفين .
- كذلك الأمر في حكم le scornet يتطلع مجلس الدولة إلى تفسير المادة 65 من القانون الخاص بالموظفين العموميين (قانون 22 نيسان 1905) تفسيراً واسعاً يكشف عن اقتناعه باتساع دائرة تطبيق النص ليس الموظفين في الخدمة بل الموظفين القدامى الذين انهوا خدمتهم . كما أنه في قضاء مجلس الدولة الحديث، نجد توسعاً باستمرار في نطاق المبدأ، فأصبح يشمل حالات كانت قبل ذلك تعتبر خارجة عن إطار المبدأ المبحوث فيه نتناول في هذا القبيل : - وضـع ضبـاط عاميـن قيـد الاحتيـاط لأسباب غير مسلكية او تأديبية). - عدم تجديد عقد موظف بسبب عدم صلاحيته المهنية. - كما طبق المبدأ المذكور بالنسبة للوظائف الكبرى وخير دليل على ذلك القرار المتعلـق بعزل حـاكم مدينـة باريس او مساعد حاكم المدينة - يشكل خرقاً لحقوق الدفاع صرف موظف في مجلس تنفيذ المشاريع الكبرى لمدينة بيروت لأسباب مسلكية بدون الاستماع اليه مسبقاً في دفاعه. - ان تأمين حق الدفاع عن النفس هو من الأصول الإجرائية الجوهرية التي يجب على الإدارة ان تحترمها في معرض تأديب الموظفين والتحقيق معهم وانزال العقوبات بهمكما . توسع القضاء الإداري ليطبق احترام حقوق الدفاع على العامل أياً كانت العلاقة التي تربطه بالإدارة متعاقد كان أم أجير . فهو كالموظف له حق الطعن بعدم احترام حقوق الدفاع فيما لو أخلت بها الإدارة معرضاً قرارها للبطلان .
وهكذا اعتبر مجلس الدولة الفرنسي انه يستفيد من قاعدة الاطلاع السابق على الملف كل الأشخاص الذين يساهمون في إدارة المرافق ويشغلون وظائف إدارية حتى ولو لم تكن هذه الوظائف تدخل في نطاق الكادر. وقد طال تطبيق مبدأ حق الدفاع العاملون تحت التمرينles stagaires فاعتبر مجلس الدولـة الفرنسي في هذا الـقرار ان عدم تطبيق قاعدة الاطلاع على الملف (غياب الإخطار) "لا يمكن اعتباره من الإخطار رسالة التأنيب التي وجهها السكرتير العام للمستدعي وإنذاره باتخاذ عقوبة بحقه إذا تكرر العارض الذي تأنب عليه" . هذا وشمل نطاق تطبيق المبدأ المعينون بعقودles contractuels والعاملون المؤقتونles temporaires . وأخيراً، يخرج من دائرة تطبيق المبدأ الموظفون الشرفيون او الفخريون les fonctions honoraires ، فهم لا يندرجون ضمن نطاق تطبيق مبدأ حق الدفـاع، اذ اننا نستخلص من الحكم المذكور أدناهانه لا يجوز لهذه الفئة من الموظفين حق التذرع باحترام حقوق الدفاع .
ثانياً : الأفراد العاديون من ناحية أخرى خارج مجال الوظيفة العامة والعاملين في القطاع العام، توسع الاجتهاد أكثر، فأضاف إلى لائحة المستفيدين من مبدأ احترام حقوق الدفاع الأشخاص العاديين . خير دليل على ذلك، يؤكده حكم DAME TROMPIER GRAVIER اذ بموجبه وجد جميع الفقهاء إعلان مجلس الدولة الفرنسي المبدأ بشكل صريح .
فهذه السيدة أرملة Trompier-Gravier كانت تستفيد بترخيص ممنوح لها لبيع الجرائد في كشك يقع في طريق boulevard سان-ديني باريس، كان الباعث عليه خطأ جعلت الطاعنة مسؤولة عنه . الحقيقة، ان سحب الترخيص في الظروف المذكورة أعلاه وفي ظل الجزاء الذي اتخذه مدير السين في أوضاع غير مشروعة، ما كان يمكن اتخاذه دون تمكين السيدة من مناقشة الباعث المبني عليه اتخاذ التدبير، نظراً كون المستدعية لم تمارس مسبقاً بيان أوجه دفاعها . من جانب آخر، أدخل مجلس الدولة الفرنسي الأشخاص غير الموظفين وغير العاملين في القطاع العام والذين لا تربطهم بالإدارة أية علاقة تعاقد عندما تتخذ بحقهم تدابير على درجة معينة من الخطورة تستهدفهم ويكون الدافع اليها تصرفات شخصية صدرت عنهم . مثلاً : - قضية Charyo اعتبر بموجبها مجلس الدولة الفرنسي ان الرجوع عن قرار إداري منح بعض المنافع في القوات الفرنسية المحاربة، عندما يكون الدافع إلى هذا الرجوع تصرفات شخصية منسوبة إلى صاحب العلاقة . - قضية Long التي رفض بموجبها قيد أحدهم على لائحة اختصاصيين مهنيين عندما يكون الدافع إلى هذا الرفض نقص في الكفاية المهنية لصاحب العلاقة . وفي نفس الطريق سار مجلس شورى الدولة اللبناني، فكما كفل للموظف العام ضمانة احترام حقوق الدفاع، كان للفرد العادي نصيبه في ضرورة احترام هذه الحقوق . نستنتج ذلك من بعض قراراته : - قضية شركة نورث ميدل ايست اعتبر مجلس شورى الدولة اللبناني انه ليس للإدارة ان تفاجأ المستدعي بقرار ينال من حقوقه المكتسبة بدون إخطارها له وبدون ان تمكنه من ممارسة حقوقه بالدفاع عن نفسه . 197
في هذه القضية تقدم المستدعي لإبطال قرار إدارة الجمارك الصادر عن مجلس الجمارك الأعلى القاضي بإلغاء الأمر الإداري رقم 17 المؤرخ في 16 آذار 1952 والأمر الإداري المعدل له تاريخ 29 ك1 1955 الذين يمنحان الشركة المذكورة وضع المستودع الحقيقي الخاص بصيدا . وقد أقدمت الإدارة على هذا القرار لمخالفة أحكام القانون المتعلق بالمستودعات لأن المستودع وضع بعهدة أشخاص محكومون بمخالفات تهريب . - قضية شركة مارك روس وشركة جدع اخوان، اعتبر بموجبها مجلس شورى الدولة انه يعد خرقاً لحقوق الدفاع عدم دعوة من هو متهم بالتعامل مع إسرائيل ليدافع عن نفسه . بأي حال، نوجز بعض الأحكام الحديثة للقضاء الإداري تفرض على السلطات الإدارية احترام حقوق الدفاع . من هذه الأحكام : - إجراء إنزال مرتبة الخمر اعتبر فيه مجلس الدولة ان المبدأ العام لحقوق الدفاع ان يكون بإمكان أي شخص قبل اتخاذ أي تدبير بحقه يتعلق باعتبار الشخص او بمسلكه، ان ينبه إلى هذه الاحتمالية ويتمكن من تقديم دفاعه. وكان الحكم يتعلق بإبطال قرار تنزيل رتبة الخمر لإحدى الشركات لعدم احترام مبدأ حق الدفاع . - سحب مرسوم بإعادة الجنسية الفرنسية للغرباء. - تدبير بحرمان موزع بيرة لأنه كفل مشتر مستودع