المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الدولة الريعية ... لهيب النفط /حسام الدين مصطفى



حسام الدين مصطفى
24/09/2007, 01:19 AM
http://www.mrdowling.com/images/607oil.gif
ارتبطت دول الخليج العربية بما اصطلح عليه اقتصادياً باسم " الدولة الريعية" Rentier State وقد يظن البعض أن هناك ثمة ارتباط بين مفهوم الدولة الريعية وما يتم تحصيله من ريع أو أجرة للأراضي أو العقارات، لكن ما يشير إليه مصطلح "الريع" هنا إنما يشير إلى ذلك القدر من الدخل الناتج عن استغلال البيئة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تتواجد بها مصادر الدخل دون أن ينتج ذلك عن نشاط اقتصادي أو ممارسة سوقية، فالدولة الريعية تعتمد على دخل لا يتم كسبه عن طريق الإنتاج والعمل.
والريع له نمطين فهو إما يتحقق من موارد طبيعية كالثروات المعدنية والغابات والنفط وإما يتحقق عن أو نتيجة لميزة ترتبط بموقع الدولة من حيث موانيها أو تحكمها في طرق التجارة أو لثقل عسكري أي أن لموقعها ميزة جيوسياسية وأمثلة ذلك الدول التي تعتمد على الدخل الناتج عن المجاري المائية التي تشرف عليها ...
والنوع الأول هو ما يشار إليه على أنه ريع الموارد الطبيعية بينما النوع الثاني هو الريع الاستراتيجي، وهذا النوع الأخير يشمل أيضاً ما تتلقاه الدول من معونات ومنح فضلاً عن أشكال الدعم الأخرى .. وتضحى المشكلة أشد خطراً عند تلك الدول التي لا يتوافر لديها أي مورد طبيعي وتعتمد على الدعم الموجه إليها فتصبح دمية في يد الدول الداعمة لها والتي غالباً ما تستمرئ إبقاء الدولة المدعومة رازخة تحت نير هذا الدعم فلا تستطيع فكاكاً من التبعية.
وفي هذا الخصوص وقبل أن نتعمق في موضوعنا تجدر الإشارة إلى أن معظم المعونات التي تقع تحت مسمى معونات التنمية إن لم تكن كلها والتي تتكل عليها اقتصاديات كثير من الدول النامية والفقيرة تؤثر سلباً على المناخ السياسي و تؤخر المضي على طريق التحول نحو المجتمع المدني، والغاية الأساسية التي تكمن تحت ستار هذا النوع من المعونات ليست هي تحقيق النهضة السياسية أو النمو الاجتماعي أو دفع عجلة الاقتصاد فيها إلا بالقدر الذي يخدم مصالح الدول المانحة أو يطيل مدة سيطرتها على الدول التي تتلقى تلك المعونات.
والأمر لا يختلف كثيراً إذا ما قارناه بتلهف الدول الاستعمارية على بسط نفوذها على الدول الريعية سواء تلك التي ينحسر دخلها في ما لديها من موارد وثروات طبيعية أهمها النفط أو تلك الدول التي تقوم اقتصادياتها على الريع الاستراتيجي، فيتم تحويل مجتمعات هذه الدول من مجتمعات منتجة تستغل ما هو متاح لديها من مصادر إلى مجتمعات مستهلكة تتكاسل عن تصنيع وانتاج احتياجاتها، والأمر هنا لا يقتصر على الاستهلاك الغذائي فحسب بل يمتد ليشمل أيضاً استهلاك الخدمات واستيراد التكنولوجيا بل والاتكالية على الحماية العسكرية والدعم الاستخباراتي فتصبح كافة أركان الدولة وما يتعلق بأمنها مدموغاً بخاتم "صنع في الخارج"
ولعل المتتبع لأثر هذا الاقتصاد الريعي طوال العقود الأربع الأخيرة سيجد أن النفط قد تحول من نعمة يرفل فيها أهل الخليج إلى نقمة كبلت يد التمية وقصرت محرك قاطرة الاقتصاد على نوع واحد من الوقود الذي بدأ يعز ويشح تدريجياً بحكم أنه مورد غير متجدد بل وجمدت الحياة السياسية في كثير من هذه البلدان وأرخت ظلالاً قاتمة على الطبيعة الاجتماعية فيها وقلصت دور الفرد في منظومة التفاعل الاقتصادي والاجتماعي.. وهمش دوره في هرم الأيدي العاملة...
وقد ذهب الكثير من الباحثين إلى أن اعتماد الدولة على ريع مصدر اقتصادي واحد يقلص من الحراك الديمقراطي فيها بل يصل به في بعض الأحيان إلى محو المشاركة الديمقراطية بصورة كلية، وقد ذهب البعض إلى أن العائدات الضخمة للنفط تقوم بدور المخدر والمسكن للكثير من الآلام التي تعيشها مجتمعات هذه الدول.
http://farm1.static.flickr.com/123/335844252_563f71e676.jpg
إننا إذا ما تفحصنا المناخ الملائم لنمو الديمقراطية فسنجد أنه لا أصلح لها من النمو في كنف مجتمع منتج ذو اقتصاد حر ويتحقق فيه فائض إنتاج يغطي احتياجات الدولة فلا تحتاج إلى الاستدانة والاقتراض
وعندما ننتقل بحديثنا عن الدول النفطية سنجد أنفسنا أمام دول ريعية يظهر فيها النشاط الريعي بنمطيه معاً، فالنفط يمثل أحد الموارد الطبيعية وفي الوقت ذاته فهو سلعة استراتيجية ذات تأثير عالمي... لذلك فإن الدول الصناعية لا تدخر جهداً في رمي شباكها حول منابع النفط في العالم كله وتسبغ على الدول النفطية فيضاً من المعونات اللوجستية والعسكرية والأمنية بحيث تعمل على تقوية الأنظمة الحاكمة التي تربطها بها مصالح مشتركة، والدول التي تلهث خلف النفط غالباً ما تطبق سياسة "العصا والجزرة" تجاه الدول التي تسبح فوق بحيرات النفط، وتسارع إلى تجفيف تلك البحيرات النفطية بأسرع ما يمكنها...
ويمثل الريع النفطي في كثير من بلدان الدول العربية ما تتراوح نسبته ما بين 65- 90% من إجمالي إيراداتها القومية وبالتالي فإن مسيرة التطور والنهوض فيها مرهونة بحجم الانتاج والسعر العالمي للنفط وما يتبع ذلك من عوامل أخرى تحدد هذه الأسعار..
وكي يمكن للدولة القيام بمهامها وتحقيق مخططاتها الاقتصادية ومشاريعها التنموية فلابد لها من توفير موارد مالية مستقرة وثابتة، حتى يتسنى للدولة توفير تلك الموارد فإنها تتبع واحداً من أشكال عديدة لتوفير ذلك سعياً منها أن تصل إلى ما يسمى بالدولة الرعوية أو دولة الرفاة Welfare State حيث تضطلع الدولة بتوفير الخدمات التي من شأنها تحقيق الرخاء لمواطنيها وتلبي احتياجاتهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية...
وعودة إلى الدولة الريعية ومن خلال تشريح لنتائج الاعتماد على مصدر واحد من مصادر الدخل و الإغراق في تطبيق الاقتصاد الريعي الاتكالي الغير منتج فإننا وعلى الصعيد السياسي نجد أن هذا النوع من الدول يسير نحو أي تغير سياسي بسرعة السلحفاة كما أن تداول السلطة بين أفراده يكون أمراً منعدماً، كذلك فإن الدافع نحو تبني سياسات جديدة كالتي تقوم على توزيع متساو للدخل هو أمر مستبعد إذ أن الفئة الممسكة بمقاليد السلطة والتي تسيطر أيضاً على مصادر الدخل ومناحي توزيعها ليس من مصلحتها تبني سياسات توزيعية بل تسعى غالباً إلى إحكام قبضة السلطة وتقييد الأنماط الاقتصادية المتحكمة فيها فتظل كافة الأنشطة معتمدة بصورة مباشرة على الدولة ذاتها. إضافة إلى ذلك فإن الدولة الريعية هي المتحكمة في بناء الهيكل الاداري التنفيذي الذي يطبق سياساتها كذلك فإن لها القدرة على التحكم في هيكلة البناء الاجتماعي حين تركز خدماتها على طبقة أو فئة معينة مواطنيها.
و معظم من يعتلون هرم السلطة في الدول الريعية يكونون هم صانعي السياسات والمتفردون باتخاذ القرارات فلا يتركون الفرصة بأيدي الشعوب كي تقرر توجهها السياسي، وبالتالي فإن التراكم السلطوي يؤدي إلى تضخم ثروات الفئة الحاكمة على حساب التوزيع العادل للثروة بين المواطنين ويزيد من سيطرتها على مقاليد القوة والسياسة والاقتصاد.
أما على الصعيد الاقتصادي فإن السياسات التي تقوم عليها الدولة الريعية تفرز العديد من المشكلات الاقتصادية بدايتها الاعتماد على أنظمة اقتصادية مهترئة واتكالية تميل نحو السلوك الاستهلاكي الغير منتج، وهذا بدوره يقود نحو خلل في توزيع الدخل إذ أنه يقوم في مثل هذه الدول على المزايا السلطوية الناتجة عن النظام السياسي للدولة بدلاً من أن يقوم على أساس من التوزيع العادل حسب الإنتاجية... والأمر لا يتوقف عند الخلل المتمثل في انعدام التوزيع العادل للثروات بل يؤدي إلى ظهور أمراض اقتصادية ينشأ عنها خلل أخلاقي اجتماعي، فمثل هذا النوع من الاقتصاديات يعتبر بيئة خصبة للفساد المالي والإداري والسبب هنا لا يتناول الجانب الأخلاقي للشعوب بقدر ما يتناول ما تفرزه السياسات التي تتبعها الأنظمة وما ينتج عنها من نظم اقتصادية. وبمقارنة مبسطة بين الدول التي تتبنى اقتصاديات منتجة والدول ذات الاقتصاديات الريعية نستبين ذلك الخلل الناجم عن عدم إعادة توزيع الدخل وهيكلة الهيئات المسئولة عن عملية توزيع الموارد.
إننا إذا ما تعمقنا في نظرتنا و ركزنا على دول الخليج تحديداً لوجدنا أنها نموذج واضح للدول الريعية منذ مطلع الأربعينات من القرن الماضي، لكن الأمانة تقتضي القول بأن دول الخليج قد سعت بكل قوتها إلى السعي نحو تحديث ذاتها ... وبرغم ما تحمله هذه الكلمات من إشراق إلا أن الواقع الفعلي لهذا التغيير والتطور الذي شهدته دول الخليج العربي قد أخذ طابعاً غير ما توحي به الكلمات، فالتطور الذي شهدته منطقة الخليج متمثلاً في تطوير البنية التحتية إنما كان ضرباً من ضروب تمرير سياسات عالمية تبنتها القوى الاستعمارية بحيث خلقت لمصانعها مخازن دائمة من طاقة النفط ولمنتجاتها أسواقاً جوعى لاستهلاك ما تنتجه بداية من المخياط حتى الصواريخ.
إن تناول أشكال التغيير الأيدلوجي الذي شهدته منطقة الخليج خلال العقود الأربع الماضية تحديداً والناتج عن غرقها في اقتصاديات غير إنتاجية يساعدنا كثيراً في تفسير الكثير من الظواهر التي نتجت عن الإثراء النفطي خاصة ما يرتبط بنزعات التطرف وهذا لا يعني بصورة أو بأخرى أن بلدان الخليج العربي هي من البلدان المصدرة للتطرف أو الإرهاب وإنما يوضح أن ما أفرزته الطفرة الاقتصادية النفطية والتي لم تتبع بتطور في مفهوم تدوير الثروة وتوزيعها قد خلق خللاً اجتماعيا فظهرت فئات تقدر بالملايين من الشباب المتعطلين عن العمل والذين لم يتم استغلال طاقاتهم وتوظيفها فأصبحت ضحية لطموحاتها وواقعها الذي لم تستطع سياسات هذه الدول أن تغيره أو تساعد على إعادة هيكلته ليتفق مع احتياجات المجتمع الخليجي الشاب (نسبة الشباب من سن 15 إلى 35 عام تمثل ما يزيد على 70% في بعض دول الخليج).
إن أخطر ما تعاني منه الدولة الريعية هي أنها ترسي أسس استمراريتها على ما تسيطر عليه من موارد وما تقدمه من خدمات وهي بذلك قد تغفل ضرورة بناء كيانها على أساس من اختيار شعوبها ولنضف إلى ذلك أن أداء الدولة الريعية يتوقف دوماً على مقدار ما تجبيه من ريع.
الناقة التي تدر دماً...
إن ارتباط أداء الدولة الريعية بمقدار ما يتاح لديها من موارد خاصة النفط يجعلنا نفكر كثيراً في مستقبل هذه الدول بعد أن تنضب آبار النفط مثلاً ويصبح فيضان الدخل القومي مجرد قطرات. إن مما لاشك فيه أن هذه الدول ستتحول إلى مواطنيها وتبدأ في خلق موارد دخل جديدة كالنظم الضريبية أو ستحاول أن تخفض حجم الدعم الذي اعتادت توجيهه للكثير من الخدمات.. ناهيك عن أنها ستضطر بصورة أو بأخرى إلى التحول نحو الاقتصاديات المنتجة بعد أن تكون قد ضحت بأهم مقومات الإنتاج وهو الطاقة المتمثلة في البترول ............... (يتبع)


في الحلقات القادمة:
النفط : خير وفير أم شر مستطير
تقييم الاقتصاديات النفطية في الخليج العربي خلال ثلاث عقود..
الآثار الإجتماعية والأخلاقية في بيئة الاقتصاد النفطي
بطالة النفط ... سوق العمل في الخليج العربي
السياسات الاصلاحية في أسواق عمل دول الخليج العربي

حسام الدين مصطفى
25/09/2007, 01:13 AM
http://www.sfh.med.sa/images/ksa_map.gif
الخليج العربي وشبه الجزيرة العربية – خلفية تاريخية
يعود تاريخ شبه جزيرة العرب إلى الآلاف من السنين التي استطاعت الطبيعة خلالها أن تغير معالم أراضيها بعد موجة الجفاف الحادة التي عصفت بها خلال العصر "المزوليتيكي" ( مابين 10000- 5000 سنة ق.م.) ونتيجة لتلك التغيرات المناخية نزحت موجات عديدة من أهل جزيرة العرب خلال الألف الثالث قبل الميلاد إلى بقاع أخرى أكثر خصباً ونماءً وكان منهم الآراميون والكنعانيون والفينيقيون ولم يبق بجزيرة العرب إلا أولئك الذين آثروا أن يتحدوا جفاف الصحراء وأمواج البحار واستطاعوا أن يتكيفوا مع بيئتهم تلك فمنهم من امتهن الرعي وعاش حياة البدو ومنهم من اتجه إلى البحر فصاروا بحارة أو تجاراً.... ومنذ ذلك الوقت لم يجد العربي الذي عاش في شبه الجزيرة العربية أقوى وأمنع من حصن الصحراء و درع المناخ القاسي ليحميه من غزو المغيرين من غير العرب...
ولو تحدثنا عن منطقة شبه الجزيرة العربية فإنه لا يمكننا القول أن هذه المنطقة كانت قفراً من كافة أنواع الموارد أو أنها خرجت صفر اليدين مما حبا به الله غيرها من المناطق فقد شهدت تلك المنطقة حظاً –وإن كان محدوداً- من الثروات الطبيعية تمثلت في مياه الخليج العربي والمحيط الهندي وما امتازت به مياه كلاهما من الضحالة مما يسر لسكان المناطق الساحلية ممارسة نشاط صيد السمك، كما امتهن قطاع عريض منهم صيد اللؤلؤ وصاروا تجاراً ذوي سمعة طبقت الآفاق كذلك فقد كان سكان الخليج العربي من أوائل من تاجروا بالملح الذي كانت تتركه أمواج الخليج أو المحيط والتي تزيد نسبة الملوحة فيها عن 45% وإضافة إلى ما قدمته مياه الخليج من آلاء تمثلت في الثروة السمكية واللؤلؤ والملح فإنها لم تبخل كذلك عليهم بنعمة النفط الذي تراكم عبر حقب زمنية متتالية عند أطراف الخليج.
إن معظم الأقطار الغنية بالنفط في المشرق العربي تمتد بجزاء حزام صحراوي وأكبر هذه الدول مساحة هي المملكة العربية السعودية وإننا عندما نتحدث عن شبه الجزيرة العربية بمرجعية تاريخية لوجدنا أن اسم جزيرة العرب هو مسمى أطلقه العرب أنفسهم على شبه جزيرتهم التي كانت عالماً مغلقاً يقع كواسطة عقد بين قارتي أفريقيا وآسيا والتاريخ القديم ينبئنا أن هذه البقعة من الأرض كانت دوماً محل أطماع استعمارية لعل أولها ما سجله التاريخ عن محاولات الرومان بقيادة "جالوس" في أواخر القرن الأول الميلادي، ولكن لم يقدر لتلك المحاولات الأولى أن تنجح وإنما أفنتها رمال الصحراء وطمستها أشعة الشمس الحارقة وتبع ذلك بخمسة قرون وتحديداً في عام 570 م محاولة أبرهة الأشرم الحبشي غزو مكة ليلقى جيشه نفس الهزيمة المنكرة... ولم تتوقف المحاولات الاستعمارية التي سجلها التاريخ عند هذا الحد بل سعت الدولة العثمانية تحت قيادة سليم الأول إلى بسط نفوذها على هذه البقعة من أرض العرب في القرن السادس عشر... ومع مطلع القرن الثامن عشر بدأت القوى الاستعمارية الغربية توجه حملاتها نحو جزيرة العرب بعد أن نقل الرحالة الإنجليز والألمان أخبار هذه الأرض البعيدة إلى ساداتهم...
ثم جاءت ثلاثينات القرن العشرين لتعلن انفجار النفط في أراضي الجزيرة العربية وأضحت العربية السعودية أكبر منتج للنفط عرفته بدايات التاريخ المعاصر، ولم تعد الخصائص الطبوغرافية لشبه جزيرة العرب مانعاً يحول بينها وبين أطماع الدول الاستعمارية في العصر الحديث بل طغى بريق الذهب الأسود على كل معاناة كانت هذه القوى تضعها في اعتباراتها...
الإنسان و وميثاق الصحراء
إن الطبيعة التي ترعرع فيها الإنسان العربي في شبه الجزيرة العربية زرعت في وجدانه أمر بالغ الأهمية ولا تزال جذوره ضاربة في أعماق شخصيته وتكوينه الأيدلوجي حتى عصرنا الحالي ألا وهو الانتساب القبلي والانتماء إلى القبيلة، وقد انتشرت الكثير من القبائل العربية في أرجاء شبه الجزيرة العربية لتمارس نوعاً من الحكم الذاتي الاستقلالي واستمرت على هذا النحو لا تقدر أي قبيلة على أن تبسط سيطرتها على من حولها أو توحدهم تحت عباءتها إلى أن ظهر الإسلام فوحدهم تحت راية التوحيد واستطاع النبي صلى الله عليه وسلم أن يغرس فيهم حب الحياة النظامية إلا أن ذلك لم يمنع من أن تظل العصبية القبلية قائمة الحال حتى بدايات القرن العشرين... وظلت قبائل العرب على سيرتها الأولى واستمرت القرون التي تلت ظهور الإسلام تباعد بينهم حتى جاءت الوهابية بقيادة محمد بن عبدا لوهاب مدعومة بثقل زعيم قبائل نجد محمد بن عبدا لعزيز ليتم توحيد الكثير من القبائل تحت راية الوهابية التي هيمنت على الأماكن المقدسة ودخلت الحجاز وسيطرت على الإحساء وتلى ذلك الإعلان عن المملكة العربية السعودية عام 1932 فكانت أول دولة جمعت شمل البدو ووحدتهم تحت سيطرة حكومة نظامية قوية.
ولم تكن بين السعودية وجيرانها حدوداً معروفة في ذلك الوقت فقد كان من العسير ترسيم حدود في قلب تلك الصحراء أو رفع لافتات توقف ترحال البدو الذين اعتادوا على التنقل ومن الثابت أن الشركات النفطية هي أول من سعى إلى وضع حدود تكفل لها توسيع نطاق الاستحواذ على أوسع قدر من الأراضي يمكن لها أن ترفع فيها ألوية إمتيازاتها النفطية.
وبالنسبة لنظام الحكم الذي ساد في فترة ما قبل النفط فقد كان خاضعاً للنظام القبلي الهرمي الذي يعتليه شيخ القبيلة تبعاً لنسبه ونفوذه وثروته وهي العوامل الأساسية التي كان شيخ القبيلة يقاس بها فضلاً عن مقدار ما يمتاز به من حكمة وقدرة على حكم بني قبيلته أو القبائل التي تخضع له، وقد يظن البعض أن توارث القيادة كان أمراً محتماً في تلك الفترات خاصة وأن هناك شيوخاً لا يزالون ينتمون لنفس القبائل أو الأسر منذ مئات السنين مثل آل صباح في الكويت، وآل نهيان في أبي ظبي وآل مكتوم في دبي وآل خليفة في البحرين لكن تاريخ قبائل شبه جزيرة العرب قد شهد بعضاً من الحالات التي شذت عن هذه القاعدة.
وغالباً ما كان هناك مجلس قبلي يشاوره شيخ القبيلة في قراراته أحياناً وكان المرجع الأساسي في الحكم خلال هذه الفترة هو أحكام الإسلام ولعلنا لا نغالي إن قلنا أنه حتى قبيل الستينات من القرن العشرين كان هناك سمتين أساسيتين تشترك فيهما نظم الحكم القبلي في شبه الجزيرة العربية ألا وهما تطبيق تعاليم الإسلام وقوانين العشائر القبلية لكن ذلك كله تم إلغاؤه لتحل محله دساتير جديدة نظمت طبيعة الحكم في الدول التي استقلت مع ستينات القرن الماضي وما عادت قوانين العشائر مطبقة منذ ذلك الحين.
وقد أدى نظام الحكم القبلي البائد إلى خلق مجتمع يصطبغ اقتصاده بصبغة الاقتصاد المنتج حيث كانت أنشطة الرعي والصيد وتربية الإبل وأنشطة التبادل التجاري جميعها ذات طابع منتج يمثل جانباً أساسيا من حياة القبيلة...
وإذا كان بنو الجزيرة قد اعتادوا على قسوة ظروفها واستطاعوا أن يتكيفوا مع طبيعتها إلا أن التغيرات الاقتصادية التي عصفت بالعالم بعد الحرب العالمية الأولى كانت لهم بالمرصاد فما عادوا بقادرين على منافسة اليابانيين في مجال اللؤلؤ وما عادت الأموال تجبى إلى خزائنهم من البواخر التي تمر عبر الثغور التي يتحكمون فيها خاصة بعد الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي اعتصرت العالم عام 1929 وحتى المراكب والسفن الشراعية التي برعوا في صناعتها قضت عليها السفن البخارية الحديثة ومع دخول القوى الأجنبية إلى منطقة شبه الجزيرة العربية وخليجها أعيد تشكيل الحياة الاجتماعية والاقتصادية مرة أخرى لتطفوا على السطح طبقة التجار وأصحاب السفن ويزداد ثراؤها في حين عانت الطبقة العاملة من شظف العيش وأضحت أكثر فقراً عن ذي قبل.

في المقالة القادمة
المصالح الغربية والتحولات السياسية في الخليج
النفط واستراتيجيات السيطرة على الخليج العربي
التحول الاقتصادي في الخليج العربي
اقتصاد النفط (الخصائص والسمات)
التحول من اقتصاد الكفاف إلى اقتصاد النفط

خالد الراجحي
25/09/2007, 12:41 PM
موضوع هام ومفيد ولو انني كنت اتمنى ان يكون مختصراً حتى لا تفقد متابعة القارئ واهتمامه
بانتظار التكملة وفتح الباب للمداخلات