المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كانت تعلِّقُ النجومَ في السمَّاء...!



سناء ظبيان
24/09/2007, 11:38 AM
بثقلٍ كبيرٍ كانت يَدُهُ تمْتَدُّ تَتَحسَّس مَرقدَها الخالي ،وِسادَتَها الباردةِ .... لِتَنقْبِضَ بخيبةٍ ..وتَتَوعَّدَ بغضبٍ ..فتضرِبَ غُبارَ الفِراشِ البارِدِ ..مُهدِّدَةً مُضْمِرَةً الشرَّ..ثمَّ ترتخي مترنِّحةً بين وجهي الوسادة..

حتى َيَعودَ إليه النُّعاسُ يثمِلَه وَيرْبِطَ على أطرافِهِ وَحواسِهِ فَيَستسلِمَ مُتَمْتِماً:

"غداً..غداً ..سَأُعِدُّ لكِ أمراً..أُقسم!"

وَيَبدأ _مرغما- بِارتشافِ نَوْمهِ حتّى الصباح ..

..كانَ الليلُ شديدَ الحلكةِ ..وذرَّاتُ الماءِ تتعلَّقُ في الهَواءِ تزيدُ الجوَّ رطوبَةً وبرودة ..أَخذَتْ تَشُدُّ على كَتِفَيْها شالها اللؤْلؤْيِّ المنسوجِ منذُ أمَد.. والمُوشّى بنجومٍ لامعةٍ كاللجين..مضيئةٍ برّاقةٍ....تمسُّ بنورِها مدَّ البصر ..

السماءُ تختنقُ بسوادِها ..والأرضُ تَئِنُّ من العتمةِ ..قلَّبت ناظريها باحثةً عن تلَّةٍ عاليةٍ ..بل جبلٍ أكثرَ شموخاً ..بل سلَّمٍ أكثر طولاً..تصل به عنان السماء .

أخذتْ بخفةٍ ترتقي ..وتَصعد..ترتَفِع ..وَتَبعد.. ..حتى بَدَأَ أنينُ الأرضِ يَخْفُتْ ..وأخذتِ السماءُ توثِقُ عليها العَتْمةَ ..وتُحْكِم قَبضةَ سوادِها حولَ أنفاسِها الهادئةِ..

تشبَّثَتْ جيداً ..وَقَفَتْ عَلى أصابِعِ قدمِها تَطاوَلتْ بِقَدْرِ ما تستطيعُ حتّى لَمَستْ أنامِلُها عِنانَ السماءِ ..سَحرَها هذا الشُّعورُ ..هزّت رأسَها متداركة ..محاولةً استعادةَ ذاتِها مِنْ غمرةِ الانتشاءِ ..وأخذَت تتلمَّس نجمةً من نجماتِ شالها العتيقِ ..تلتقطها لتعلِّقها هناك ..ظلّت على هذه الحالِ طِوالَ اللّيلِ ..تُعلِّقُ النُّجومَ في السَّماءِ نجمةً نجمة ....حتّى تَوَّهج الليلُ وضجَّ ضياءُه بنورِها تلكَ النجمات ..فذابَ سوادُه كما الجليدُ إذْ تَحُسّه النَّارُ ..وسالتْ عتْمَتُهُ أرضاً كما الثلجُ إذ تُوخِزُهُ ألْسِنَةُ اللّهبِ بحرارتها ..وبدى نورُ الفَجْرِ وضياؤه ينبلج..يتنزّلُ ببُطءٍ يلوح بثبات .



نزلت بسرعة لِتُلَمْلِم سوادَ الليلِ الثَّقيلِ الذي تَراكمَ هنا وهناكَ على صفحاتِ النّهارِ ..تُخبِّئْه بَينَ ثنايا شالها تَتَدثَّر بِه تُرْخيهِ فَوقَ كَتِفَيْها حتّى ليكاد يتقوَّس ظهرُها مِن عظيم ثِقله ..رَغم هذا أخذت تَشدّ عليه جيّداً بكفَّيها كي لا يَقَعَ,,,, وتُكابِدُ في سيرها وترنُّحها..حتّى تَعودَ أدراجَها..وتنْسَلُّ بحِمْلها الثَّقيلِ بجانبه دونَ أن يشعرَ بها دونَ أن يشعرَ بذاك الثِّقلِ الجاثمِ في مرقدِها ..ذلكَ البردَ الذي كان يُدثِّرها..ذلك الليل الطويل الذي احدودَب َالظهرُ منه.



في الصباح ..أشرقَت له كما الشمس ..يَبْسِمُ ثغرُها كحبَّةِ كَرَزٍ حُميراء..تَفوحُ من عنُقِها رائحةُ الصَبَا ..تلتَمِع في عينيها رُطوبَة كالندى,,,,أخذت تمسحُ على جبهَتِه..بيدها الدافئة حتى يستيقظ .تَمَلْمَل ..قَطَبَ حاجبيه ..ولكن سرعانَ ما تملّكه الهدوءُ والصفاء وقد أَخَذَ مِنه اللُبَّ روعةُ مُحيَّاها وسلبَ مِنه العَقلُ بديعَ حُسنِها..وابتسمَ بهدوءٍ ليقولَ لها .."اشتقتُ لكِ..!"



أمّا هي فلا تشتاق ..وما كان لها أن تشتاقَ..إلّا لملمس السّماء ..فما كانَ منها إلا أن عاودتِ الكرَّة ..كلَّ مساءٍ ..كلَّما لاذَ هو لفِراشِه ..صَعَدت هيَ حلّقت لتعلّق النجوم في السماء ..تلتقط بقايا الليلِ ..تُلَمْلِم ظلمَته تتدثَّر به وتعود...ظلّت على حالها ..وظلّ هو يتوعدّها ليلا ..ويشتاقها في النّهار ..تغسلُ له غضبهُ بابتسامةٍ من ثغرها ..وتَهيلُ على وَعيدهِ مِن عَبَقِها السّاحِر ..فَيَركُن ويَتَلَبَسه الهدوءُ ..حتّى آخر حبّةِ نهارٍ في يومِه.



الشّوْق هذهِ اللّيلةِ غَلَبَهُ ..تَلَمَّسَها ..كانت غائبةً كَعادتِها ..بَلْ لَقد طَالَ غِيابُها هذهِ المَرَّة ..فالرِّياح الشَّديدة كانت تَحولُ دونَ تَعلُّقِ النُّجومَ في السّماءِ..فَكُلّما عَلّقت نَجمةً ..هَوت أُخرى على الأرْض ..وَكُلّما ثَبَّتّتْ أُخرى ..تَزَعْزَتْ أُخرى مِن مَكانِها..أَنْهَكَها التَّعبُ ..وَخارَتْ كُلُ أحلامِها بِلَمْلَمَةِ لَيْلِ هذا اليّومِ.

"الليلُ أثقلُ هذه المرَّة .. ..الرِّياحُ أعْتَى ....النَّاسُ لا يَهدأون لا يزالون يَقُضّونَ مَضْجَعَ الحياةِ ..يَخِزون الصّدقَ ..ويَنْتَهِكونَ حُرُماتَ النَّهارِ ..يَمْسَخونَ مَلامِحهم ..يَشرَبونَ النِّفاقَ حتّى يَذهبَ بِعقولِهم ...يَأكلونَ حتّى تُسْكِرَهُم التُّخْمةُ..تَعيثُ بِهم نَزَواتُ التُّرابِ..يَتَخَبّطهم الخُمولُ ذاتَ اليَمينِ وَذاتَ الشِّمالِ..لا يَهْدَأونَ لا يَنامُونَ ..وَيْحَهُم ..!هذهِ رِياحُهم ..المُظلمةُ ..البارِدةُ..السوداءُ..هذا ليلهم الثّقيلُ..الطويل"



بَدى الغَضبُ عليه ..بَل سَلَبَه عَقْلَه ..وَبدى وَكأنَّه أسيْرٌ بلا قيد ..وسجينٌ بلا جدار ..لا يشعر إلّا بالغضب ..ولا يُراوِدُه سوى التَّوعَُد والوَعيد ..

حدّق في ذلك الليل البهيم....فلقد فَاتَ موعدُ النّهارِ ..لكنَّها لَم تُشرِق ..لَم يبتسم ثَغرُها له ..لم تَمسح على جَبهَتِه كَكُلِّ صَباحٍ .."وَيْلها ..سترى ما أنا بها فاعل ..!"

غافَلَ النَّهارَ ..وأخذَ يَدُقُ بِمَسامير الغَفْلَةِ على أطْرافِ الليل ...حتّى يُثبّتهُ وَيسْكبَ فيه من بُرودِ قَلْبِه ..وَمِن صَقيعِ رُوحه ..حتّى يَزْدادَ بُرودةً كالثّلجِ ..وَصلابَةً كَالجّليدِ..فَيَسْتَحيلَ على الذَوَبانِ وَيستَعصي على السّيلانِ...



عادَت هي..تَجرّ شالها المُوشَّى وَالخَيبَةُ تسرقُ منها كل ملامِحَ الرَّغبةِ ..كلَّ قَسَمات الأملِ ..كلّ وَمضةَ بريقٍ في غَمْضَةِ عينِها ..وأَخَذَت النُّجومُ تتساقطُ مِن على شالها أرضاً.. نجومٌ لم تُعلّقْها بعد..تدفعُها الرياحُ إلى حيث لا يجبْ أن تكونَ..تدوسُها أقدامُ المارةِ بَلْ تتعثرُ بِها غَير عابئةٍ ..

أمْسكَ بها ..صفَعها بيده حتى تساقطَت أنفاسها ..قيّدَها حتّى شُلّت أطْرافها ..شدَّ رباطاً حولَ عينيها حتّى اختنقت بظلمتها ..رَقَدت تئِنّ..كَمَا الأرض ..كَما حبّات النّهار ..كما نجماتُها المتهالكات رَقدت ترتَجِفُ يَمتصُّها البرد وَالصّقيعُ..تَصطَكُ عظامُها..وتَصْفُرُ أنفاسُها ..



في تلك اللحظةِ..أدْرَكَ أنّه لا يَرى ..أنَّه لن –أبداً- يرى ....ضمّها بقوةٍ ..ذَرَف دموعاً دافئةً على وجْهِهِا .. شدَّ على كَتِفيها شالاً أسوداً..لاتُضيئه النّجوم..لا تَنْسُجه بضوءٍ أو بنور...مرَّغ فيه وجهَهُ المُبلّل..شَهقاتَه المُتدافِعة...شعورٌ بوحشة لاسعة..بعتمةٍ باردة ..بظلامٍ باتَ يُلامسُ قلبَه...سَكَنَ لبُرهةٍ ....كبَّله العجزُ ..أخرست شهقاتَه الحيرةُ..كانَ عليه صعبٌ أنْ يَختار ..بين أنْ يواري عليها التُّراب ..أو أن يُعلِّقها كما النجمات هناكَ بعيداً في السماء...!!



18/11/ 2005

مقبوله عبد الحليم
24/09/2007, 12:17 PM
كان يجب ان اتوقف هنا

خيال واسع شفاف ورقيق استطاع ان يدخلنا الى عمق القصه ان نتصور احداثها ان ندخل عمق الحس فيها ونعيشها
لك كل الاحترام والتقدير
ولقلمك المزيد من العطاء
دمت بكل الخير

سناء ظبيان
26/09/2007, 10:13 PM
كان يجب ان اتوقف هنا

خيال واسع شفاف ورقيق استطاع ان يدخلنا الى عمق القصه ان نتصور احداثها ان ندخل عمق الحس فيها ونعيشها
لك كل الاحترام والتقدير
ولقلمك المزيد من العطاء
دمت بكل الخير

ولك مثلهما يا مقبولة

شاكرة لك مرورك جميل قراءتك