المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القبر / قصة قصيرة ابراهيم درغوثي/ تونس



ابراهيم درغوثي
25/09/2007, 05:59 PM
القبر
قصة قصيرة

ابراهيم درغوثي / تونس

عندما اقتربت من ذاك الكدس ، كدس التراب ، كدس التراب الذي فوقه حجر منتصب من جهة الشرق وحجر من جهة الغرب ، عرفت أنني أقف عند قبر . قبر لا كالقبور . ما كان في جبانة ، ولا قريبا منها . وما كان له أن يصبح نواة لواحدة في المستقبل ، لأنه بعيد عن العمران ، ولأنه كان منتصبا شاهقا فوق قمة جبل .
احترت في أمر ذاك القبر ، ووقفت عند رأس الميت أفكر فيه . لكن حيرتي بدأت تتحول شيئا فشيئا إلى فزع شديد إذ رأيتني أخترق بعيني التراب إلى أن وصلت جسم الرجل ، وصرت أنظر إليه كما لو كنت أنظر إلى شخص من خلال زجاج نافذة ... رأيت الهيكل العظمي يكتسي لحما وشحما ...ورأيت الدم يسيل في الشرايين . وشاهدت بعيني شعر الرأس والذقن ينبت شعرة شعرة . ثم شاهدت الجفون ترمش ، والشفتان تتحركان ... بعدها بقليل تثاءب الرجل ، وأفاق كما يفيق الراقد من نومه ...
كان قلبي يدق بعنف . وكانت ركبتاي يصطكان وأنا أشاهد الأرض تنشق ويخرج منها رجل يرتدي بزة عسكرية ، وينتعل حذاء ثقيلا ، ويمسك في يده بارودة من مخلفات الحرب العالمية الثانية . جلس على حافة القبر المشقوق ، وناداني ... أقبلت نحوه أقدم رجلا و أؤخر الثانية... إلى أن صرت على بعد متر منه فسألني بكل لطف :
- من تكون أيها الرجل ؟
فرددت عليه :
- أنا رجل مغرم بالتنزه في الوديان ، وبصعود الجبال .
ثم رددت عليه سؤاله :
- وأنت ، من تكون يا أخي ؟
فلم يجيبني .
وظل ساكتا ، فسكت بدوري إلى أن بادرني :
- هل المدينة بعيدة من هنا ؟
قلت :
- مسيرة نصف ساعة للراجل .
ثم أضفت :
- لكنك لم تقل لي من أنت أيها الرجل ؟
رد :
- أنا واحد من الذين نجوا من الموت لما حاصر جنود فرنسا هذا الجبل ، وقتلوا رفاقي .
قلت :
- ولكنك كنت في هذا القبر ...
قال :
- نعم ، ولكن رفاقي ماتوا عندما أكلهم الذئاب والضباع ، أما أنا فكما ترى مازلت حيا .
ثم وقف .
وضع بندقيته فوق ظهره ، وبدأ ينحدر نحو السهل ...
قلت :
- إلى أين أنت ذاهب أيها الرجل ؟
قال :
- إلى المدينة . ألم تقل إن نصف ساعة تكفي لبلوغها ؟
عندما غاب عن ناظري ، التفت إلى القبر ، فرأيت حجرا ينتصب فوقه من جهة الغرب ، وحجرا آخر يقابله في جهة الشرق ...
ابتسمت في سري وواصلت المشوار ...



dargouthibahi@yahoo.fr
www.arab-ewriters.com/darghothi/

محمد فؤاد منصور
25/09/2007, 10:25 PM
الأخ العزيز إبراهيم درغوثى
إنها قصة الشهيد الذى يبقى حياً فى الوجدان مهما مر من زمن، لايموت إلا إذا أكلته الذئاب والضباع، تحياتى لقلمك المبدع.
دكتور/ محمد فؤاد منصور
الأسكندرية :fl:

طه خضر
25/09/2007, 10:45 PM
ترى لو بعث من قبره بحق ، ورأى القضية التي حارب وقتل من اجلها وقد تقاسمها الجبناء وتاجر بها أهل الإفك والنفاق ، ترى لو رأى كل ذلك ، أتراه يلعننا أم يلعن الساعة التي قاتل فيها لأجل ما اعتبرها ذات يوم قضيته المقدّسة والتي تستحق أن يقتل في سبيلها ..؟؟!!

حق وكما قالوها ذات يوم :

... يشعلها المجانين ويموت فيها الشجعان ويحصد ثمارها الأفاقين والجبناء ..!

احترامي وتقديري ..

الحاج بونيف
26/09/2007, 12:18 AM
أخي إبراهيم درغوثي
ماذا سيقول لأهل المدينة ؟ هل سيحاسبهم على الذي مات من أجله هو ورفاقه؟ هل ليتفقد حالة الأحياء ويجري المقارنة.. ؟؟
قصة تبعث الحيرة والتساؤل .. قصة يبقى أثرها بعد القراءة، وهذا سر نجاحها.. سرد محكم بتقنية عالية وأسلوب جميل أخاذ.. تحيتي الخالصة.

مجدي السماك
26/09/2007, 02:13 AM
ايها المبدع ابراهيم درغوثي
تحياتي لك و لكل الشعب التونسي الاصيل .. الشهداء احياء عند ربهم
القصة جميلة .. تحياتي

فيصل الزوايدي
26/09/2007, 03:02 PM
أخي ابراهم درغوثي .. قصة مختلفة متميزة .. و لكن قلمكَ اللاذع مازال يثأر لكل المقهورين و المظلومين ..
دمت متألقا
مع مودتي

ابراهيم درغوثي
26/09/2007, 09:21 PM
د . محمد فؤاد منصور
الشهداء لا يموتون يا صاحبي
يسكنون في القلب
و لا يموتون

ابراهيم درغوثي
26/09/2007, 09:24 PM
العزيز طه خضر

وسيظل الشهداء يموتون
والجبناء يجنون ثمار النصر

في كل العصور يا صاحبي

ابراهيم درغوثي
26/09/2007, 09:27 PM
العزيز الحاج بونيف

أنا شبه متأكد من أن الشهداء كل شهداء هذا الوطن
من الماء حتى الماء
سيلعنون الساعة التي استشهدوا فيها من أجل الوطن
لو عادوا مرة أخرى الى الحياة

ابراهيم درغوثي
26/09/2007, 09:29 PM
العزيز مجدي

و لك السلام مني و من أهل تونس

مع الود والتقدير والشكر على القراءة والتعليق

ابراهيم درغوثي
26/09/2007, 09:31 PM
العزيز فيصل

اشتقنا لمرورك اللطبف يا صاحبي

هل غلبك رمضان ؟

مع الود الدائم

فيصل الزوايدي
27/09/2007, 12:14 AM
الاخ العزيز ابراهيم انا ايضا اشتقت للتواصل معك و لكن الحاسوب كان معطلا و احتاج الامر الى بعض الوقت لعلاجه ..
شكرا للسؤال ايها العزيز
مع مودتي الدائمة

صبيحة شبر
27/09/2007, 01:44 AM
الأديب العزيز ابراهيم درغوثي
قصة رمزية جميلة
الشهداء في وجدان الشعوب أحياء خالدون
والجبناء هم من يجني أرباح النضال
هذه حقيقة واقعة مهما حاولنا انكارها

ابراهيم درغوثي
27/09/2007, 01:59 PM
أختنا الفاضلة صبيحة

لكن الزمن سينسى من سرق منه الكثير من ذهبه
و سيظل يذكر من أعطى القليل من دمه

دمت في تألق

ابراهيم درغوثي
27/09/2007, 02:01 PM
العزيز فيصل
على قدر ما هي رائعة هذه التكنولوجيا الحديثة
على قدر ما هي لعينة في بعض المرات

سررنا بعودتك يا غالي

محسن رشاد أبو بكر
29/09/2007, 02:19 AM
(أنا رجل مغرم بالتنزه في الوديان ، وبصعود الجبال .
ثم رددت عليه سؤاله :

فرأيت حجرا ينتصب فوقه من جهة الغرب ، وحجرا آخر يقابله في جهة الشرق ...)


لأنك مغرم بالتنزه فى الوديان ، اصطحبتنا معك إلى واد صعب التضاريس ، تنتصب فيه الأحجار فوق أكتاف المخلصين الشهداء ، ويقف الأفاقين وتجار الدين والوطن فوق قمته

رحمة الله على كل شهداء القضايا التى تم المقايضة عليها من اجل الحفاظ على مصالح أفراد وعائلات بعينها

تحياتى لقلمك المبدع

ابراهيم درغوثي
06/10/2007, 06:24 PM
الفاضل محسن رشاد
سعدت بمرورك على نصي و على التعليق
نعم يستشهد من يحب الوطن من أجله
ليعيش من خيراته من باع روحه للشيطان

ابراهيم درغوثي
06/10/2007, 06:24 PM
الفاضل محسن رشاد
سعدت بمرورك على نصي و على التعليق
نعم يستشهد من يحب الوطن من أجله
ليعيش من خيراته من باع روحه للشيطان

د- صلاح الدين محمد ابوالرب
07/10/2007, 11:19 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الفاضل ابراهيم درغوثي

وتبقى روح الشهيد تحارب مع من يحبون الشهادة

كلماتك قوية وتصويرك جميل
تحية

ابراهيم درغوثي
07/10/2007, 11:32 AM
أ د . صلاح الدين محمد
شكرا على القراءة
و شكرا على التعليق
نعم يموت الجلاد و الخائن بموته
و يبقى للشهيد مرتعا في القلوب

دم في سعادة وهناء

أبويزيدأحمدالعزام
12/11/2007, 08:10 PM
مهما قلت ان النص رائـــــــــع لم اوفك حقك,,إنها عظمة الشهادة الشهيد لايموت يبقى خالدا مكرما مبجلا في قلوبنا وفي تاريخنا عبر الأجيال,كلمات منبريّة قوية جدا جدا بحق,لكن للأسف الجبناء هم من يجنون المجد,اتمنى لو سألته أيها المبدع قبل ان يغيب عن ناظريّك هل انت غاضب منا ومن احوالنا هذه الايام أيها البطل؟هل نحن نستحق ماقدمته لنا؟؟
القاص والأديب ابراهيم درغوثي احييك على هذه الرائعة وأحيي اهل تونس وأبطالها.

صلاح م ع ابوشنب
13/11/2007, 02:37 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الاخ العزيز ابراهيم درغوثى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اشتقت لكتاباتك ، انها تحمل دائما البندقيه ، تلك التى تخلينا عنها فى غالب الاحيان ، واستبدلناها ببندقيه من قراطيس من ورق فيها كتابات كثيرة لا تسمن ولا تغنى من جوع ، هذه القصه تذكرنى بقصة النبى عزير عندما عاد بعد الموت ، فلم يصدقه الناس ولم يصدق هو ما آل اليه حال الناس . كما تذكرنى بقصه اهل الكهف الذين عادوا الى الحياة فوجدوا كل شىء قد تبدل ففضلوا أن يعودوا الى كهفهم ليموتوا من جديد . اعتقد ان شهيدك سوف يذهب الى المدينة فيبصق بصقة كبيرة ثم يعود فيرتدى اكفانه ثم يدخل قبره ليموت . فما عند الله افضل بكل المقاييس .
أحييى قلمك اخوك صلاح ابوشنب

حنين حمودة
13/11/2007, 07:28 PM
استاذي الدرغوثي
لقد رأيت غير ما رأى الجميع.. رأيت
" وانا لا الومه فهي الحالة الوحيدة التي يحلل بها الحرام"
انه اكل اخاه ليحيا حتى الآن!
لقد كان هناك شاهدان.. وشهيد حي واحد!

المشكلة انه عاد ليرى المصائب،
فلو ذهب لربه لرأى كل ما يرضيه
لانه سيسأل عن نيته، لا ما آل اليه التاريخ.
تقديري