المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الكتابة الإلكترونية



د. محمد اسحق الريفي
28/09/2007, 07:31 PM
الكتابة الإلكترونية

يشهد عالمنا المعاصر تحولات عالمية غير مسبوقة تتعلق بفرض نظام عالمي جديد تحكمه قوة عالمية واحدة ويتحول فيه الإنسان إلى كائن عالمي يؤمن بالثقافة الغربية كدين وحيد، ولقد برزت شبكة الإنترنت كظاهرة عالمية قوية تتدفق فيها أنهر من المعلومات، وصاحب هذه الظاهرة ابتكار العديد من تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من خلال شبكات الحاسوب المتصلة بالإنترنت، مما أدى إلى سهولة وسرعة الاتصالات وقلة تكلفتها، فتزايد إقبال الجيل الناشئ على التعرف على هذه الشبكة العالمية للمعلومات والاتصالات واستخدامها بشكل يومي، حتى أن الإنترنت تكاد لا تترك بيتا إلى دخلته.

ونشهد أيضا ترويجاً غير مدروس وغير مضبوط وأحيانا كثيرة بلا هدف للإنترنت في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وهناك تشجيع وحث متعمد للجيل الناشئ على استخدام الإنترنت، والعديد من المؤسسات المحلية التعليمية والدينية تقف أما ظاهرة الإنترنت مذهولة مبهورة بها، لا تملك إلا أن تروج لهذه الظاهرة دون محاولة العمل بخطوط متوازية لهذا الترويج على توعية المجتمع بالطريقة الصحيحة والآمنة للاستفادة من الإنترنت من غير وقوع في مصائبها، فمن المستفيد من تفشي الاستخدام الغير واعي للإنترنت بين الشباب والشابات؟ ومن هي الجهة المسئولة عن ضبط استخدام الإنترنت في مجتمعنا؟ إن المجتمعات الغربية، التي لا يوجد فيها عيب ولا حرام، تقوم بتشكيل هيئات أهلية لإرشاد الناس إلى الاستخدام الآمن للإنترنت، فلماذا تقف مجتمعاتنا عاجزة حيال ذلك؟

ودعاة النظام العالمي الجديد لا يألون جهدا في التفكير والتخطيط لاستخدام الإنترنت لمصلحة ما يدعون إليه من مبادئ إلحادية، ولقد نجحت الولايات المتحدة الأمريكية في استخدام الإنترنت في حشد الرأي العام الأمريكي لدعم قراراتهم في غزو أفغانستان والعراق، ونجحت كذلك في تجيير الأحداث العالمية لصالحهم، ونجحت أيضاً في استخدامها في إيجاد جو عالمي مشحون بالكراهية والحقد على المسلمين في كل الدول، ولا نكون مبالغين إن قلنا أن الانتخابات الأمريكية اعتمدت بشكل كبير على الحملة الدعائية الإنترنتية.

كل ذلك يتطلب منا أن نستيقظ وأن نتعامل مع هذه التحولات العالمية بطريقة إيجابية وفاعلة لمصلحة ديننا ولأداء الأمانة التي كلفنا الله تعالى بحملها }وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا{ (البقرة: 143)، وعلينا أن نتدارك الأمر بسرعة وبهمة عالية وتصميم عنيد، وعلينا أن نحشد طاقات أبناء وبنات شعوبنا لدفاع عن ديننا وعن مجتمعاتنا؛ وإلا فسوف نجد أنفسنا سائرين من حيث لا ندري فيما تم وضعه من مخططات لنا؛ لنترك ديننا الحنيف ونصبح من عبَّاد النظام العالمي الجديد.

لذلك فهذه دعوة للكتابة الإلكترونية والمشاركة الفعالة في توفير مكان في الإنترنت يكون بمثابة الملاذ الآمن لبناتنا وأبنائنا؛ ليشع النور والوعي عليهم، ويوفر لهم مصادر موثوقة وآمنة لينهلوا من ثقافتنا وحضارتنا الإسلامية الغراء، ويوفر لهم فرص التعلم وتنمية مهاراتهم الفكرية والعلمية، لقد عجزت الحركات والمؤسسات والتنظيمات الإسلامية، إلا القليل، عن إقامة محطات تلفزيونية وفضائيات، فلا يوجد مبرر لأن نفقد القدرة على أيجاد مواقع إسلامية شاملة للتعليم والصحة والسياسة والتربية والثقافة والعلوم والفن ... الخ.

وأنا أعلم جيداً أن هناك مواقع إسلامية من هذا النوع؛ إلا أن هذه المواقع في حاجة لجذب اهتمام وإعجاب الجيل الناشئ ولتتناسب مع شرائح واسعة من بنات وأبناء أمتنا العربية والإسلامية، وكذلك تحتاج هذه المواقع إلى استقطاب المزيد من الطاقات والعقول الفذة والأفكار النيرة، إنها في حاجة إلى من يعمل بأسلوب جديد في عالم جديد لا تجدي معه الأساليب التقليدية في مخاطبة الناس وحوارهم، وتحتاج هذه المواقع أيضاً إلى من يخاطب غير المسلمين بلغة وأساليب مناسبة؛ ليظهر الحقائق التي يعمل الإعلام المصاحب للهجمة الأمريكية على طمسها وتزييفها.

إن الكتابة الإلكترونية تيسر لك كسر التقاليد والقيود وتخطي الحدود واختراق العقول، وبها تصل إلى قلوب وعقول الناس في كل مكان، وفي أي وقت ومناسبة، وبها تُحلِّق أفكارك في السماء وتطوف حول الأرض لا تمنعها بحار ولا تضاريس وعرة أو جبال. واعلم أن الكتابة والتفكير المستمر في قضايا الأمة يكسبك رؤية بعيدة ونظرة ثاقبة لما يدور من أحداث، ويساعدك على ربط الأحداث بعضها ببعض لفهم الصورة الكاملة للواقع؛ ما يجعلك أكثر تأثيرا وعطاءً.

والكتابة لها أثرها على المدى القريب والبعيد، فكلماتك لن تضيع سدى، ولن تذهب أدراج الرياح، فسيظل صداها يتردد في كل الأرجاء، وربما ترى أثرها على من حولك من الناس، فلا تضن بالكتابة ولا تجزع لقلة النتائج، وليكن شعارك: }إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ{.

لكن الكتابة تحتاج إلى دوافع قوية، ولا يوجد أقوى من دافع النصح لهذه الأمة في ظل الهجمة الظالمة التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، ودافع التصدي لكل من يتوعدنا بمسح هويتنا والقضاء على ثقافتنا الإسلامية. فإذا شعرت بنداء قوي يهز أعماق داخلك يستصرخ ضميرك، ويقلق عقلك، ويؤرق نومك من أجل الكتابة، فعندها يصبح لا مفر لك من إعداد العدة لتطلق العنان لقلمك ليسجل ما يمليه عليه عقلك الملجم بحدود الشرع والمنطق والصدق، وعندها ستشعر بحرية وطمأنينة وانطلاقة.

و القراءة هي أول ما تحتاجه للكتابة، فالقراءة تساعدك على فهم الإسلام والثقافة الإسلامية، وفهم ما يدور حولك من أحداث، وما يحاك لأمتنا من مخططات شريرة، والقراءة سوف تولد عندك الأفكار التي سوف تلح عليك لإخراجها من عقلك إلى دائرة الضوء والانطلاق؛ طلبا للأجر والمثوبة من الله تعالى، وهي تساعدك على البحث والتنقيب عن كل ما يدعم أفكارك، والقراءة تجعلك تحقق هدفا كبيرا وهو مواكبة القضايا المعاصرة للأمة العربية والإسلامية، ويجعلك على درجة رفيعة من الوعي والثقافة، وهكذا كلما قرأت أكثر كلما أصبحت أقدر على الكتابة.

ومن الأمور التي يجب الانتباه إليها عند الكتابة في هذا العصر؛ التركيز على القضايا الأساس والجوهرية للأمة الإسلامية، والحرص على بث الأمل في النفوس لمعالجة النكسات المتتالية التي ألمت بالأمة الإسلامية، والنظرة العامة والشاملة عند تحليل الأفكار واستخلاص النتائج، وتحري الدقة العلمية والحقيقة والصدق بعيدا عن العاطفة والأوهام، والحرص على عدم المبالغة في الكلمات والتعبيرات، حتى لا يخرج المقال على الموضوعية.

وكذلك يحتاج المقال الناجح إلى استخدام أسلوب يتناسب مع شرائح واسعة من القراء، وحث القارئ على الإيجابية والفاعلية وأخذ مكانه في المجتمع، والإيحاء بما يترتب على القارئ من مسؤولية، وتوجيه القارئ إلى دوره في خدمة قضايا الأمة الإسلامية، وطرح أفكار ومقترحات للقارئ حتى تستحث عقله ووعيه للاستجابة الإيجابية، ومواكبة الأحداث العالمية وربطها بقضايا المصير لأمتنا العربية والإسلامية، والتركيز على ما يشجع شعوب أمتنا على التعاون على البر والتقوى والاعتصام بحبل الله المتين، وتجنب الخوض في القضايا التي تثير العصبية والحزبية والعنصرية لدى شعوبنا.

والكاتب الناجح يعمل على رفع الهمة ولفت الأنظار إلى الرسالة العالمية والأهداف السامية للإسلام، ويحث على تحقيق الأصالة والمعاصرة كطريق وحيد إلى نهضة هذه الأمة، ويركز على دور المرأة والتحديات التي تواجهها الأسرة المسلمة، ويتطرق إلى المشاكل التي يواجهها الجيل الناشئ ويحاول وضع تصورات لمساعدة هذا الجيل في تحقيق غد مشرق.

ولا بد من استخدام أسلوب بعيد عن الكراهية ويتناسب مع العصر في حدود الشرع، وعدم إغفال إرادة الخير للناس وبالدور المنوط بالأمة الإسلامية لتخليص العالم من الأشرار، ولا بد من الابتعاد عن التعميم والتخصيص والاستنتاج بدون أساس علمي أو نص شرعي، وعدم الحكم الغير مدروس على الأشياء. ولا بد من استقراء الأحداث بناء على أسس تاريخية وعلمية وشرعية، ولا بد من الابتعاد عن النظرة الضيقة لتفسير الأمور والأحداث، وعدم الاستناد على تحليل الصحافة الغربية والأجنبية، ولا بد من أن يتضمن مقالك تحليلا عميقا للقضايا التي يتضمنها.

وهناك وسائط وطرق عديدة لنشر مقالاتك، مثل منتديات الإنترنت والبريد الإلكتروني والقوائم البريدية الإلكترونية، وكذلك المجلات الإلكترونية المحلية والعربية والعالمية، ويمكن لمن لديه متسع من الوقت وجلد على الصبر وبحر من العلم، أن يقتحم عالم الحوار والمناقشة من خلال مجموعات المناقشة العربية والعالمية.

إن الصراع مع أعداء أمتنا قد انتقل من الصراع السياسي والاقتصادي إلى الصراع الديني والثقافي، وآفاق الصراع واسعة لا حدود لها إلا قدرة الإنسان على التخيل، والنظرة الضيقة إلى الصراع على أنه صراع سياسي أو عسكري فحسب هو هروب من الواقع، وتقاعس عن القيام بمستلزمات الانتماء إلى هذا الدين العظيم، فلا يوجد شاب ولا شابة ولا كبير ولا صغير إلا وله دور في هذا الصراع؛ ولكن نحتاج إلى توعية وتعبئة لخوض نوع جديد من الصراع تم فرضه علينا.

د. محمد اياد فضلون
28/09/2007, 09:12 PM
د. محمد الريفي

أحييك من دمشق
سررت جدا بقراءة مقالتك , قمت فيها بدراسة متعمقة و رائعة
بالفعل علينا التصدي لهذا الغزو الثقافي و علينا الإعتراف أن الغزو الغربي على عالمنا الإسلامي لم يعد غزوا عسكريا أو سياسيا بل أصبح غزوا ثقافيا و حربا إعلامية يقصد الغرب من خلالها دحض المعتقدات و الأسس الراسخة التي قامت عليها الأمة العربية و الإسلامية

إلى متى سنبقى مكتوفي الأيدي ؟ إلى متى سيبقى شعارنا الحيادية المطلقة ؟


من المستفيد من تفشي الاستخدام الغير واعي للإنترنت بين الشباب والشابات؟
ومن هي الجهة المسئولة عن ضبط استخدام الإنترنت في مجتمعنا؟

إن المجتمعات الغربية، التي لا يوجد فيها عيب ولا حرام، تقوم بتشكيل هيئات أهلية لإرشاد الناس إلى الاستخدام الآمن للإنترنت، فلماذا تقف مجتمعاتنا عاجزة حيال ذلك؟

مودتي و تقديري لشخصك الكريم

تم تثبيت الموضوع للفائدة

.

د. محمد اسحق الريفي
29/09/2007, 05:22 PM
الأخ الفاضل الدكتور/ محمد إياد فضلون،

شكرا جزيلا لك على مرورك الكريم وكلماتك المشجعة وتثبيت الموضوع.

مع اطيب التحايا

ودمتم بود وعز.

عبد السلام معلا
01/10/2007, 05:27 PM
بارك الله فيك أخي الفاضل/ د.محمد الريفي

وأحييك على هذه الهمة العالية.. والروح الوثابة... فهكذا عهدناك دوما في كل المواقع..

فلك كل التحية والتقدير

د. محمد اسحق الريفي
02/10/2007, 01:04 PM
بارك الله فيك أخي الفاضل/ د.محمد الريفي

وأحييك على هذه الهمة العالية.. والروح الوثابة... فهكذا عهدناك دوما في كل المواقع..

فلك كل التحية والتقدير

حياك الله أخي الحبيب وصديقي العزيز الفاضل عبد السلام معلا... وجزاك الله خيرا على كمال كلماتك ورقتها والتي تجبر الخاطر وتبعث الأمل في النفوس.

كل التحايا لك.