المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حوار الأديان



الناصر خشيني
29/09/2007, 12:29 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الأديان السماوية متطورة تبعا للتطور الاجتماعي الذي ينطلق من الأسرة فالعشيرة فالقبيلة فالأمة ثم المجتمع الانساني ككل كآخرمرحلة في التطور الاجتماعي للبشرية و تبعا لذلك كانت الديانات الأولى السابقة على الاسلام محدودة بحدودها الاجتماعية الضيقة فكانت ديانات قبلية و عشائرية حسب المنظومات الاجتماعية وقتذاك و يؤكد على هذه الحقيقة العلمية و التاريخية ما ذهب اليه القرآن عندما يشير في أكثر من موطن الى ذلك بقوله تعالى ( و لقد أرسلنا الى ثمود أخاهم صالحا أن آعبدوا الله ) 45 النمل و قوله تعالى ( والى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم آعبدوا الله ) 81 هود وقوله جل وعلا (والى عادأخاهم هودا قال يا قوم آعبدوا الله ) 165 الأعراف وكانت دعواتهم مرتبطة من حيث الاعجاز بالمستوى الفكري الذي عليه القوم وهو مستوى فكري لا يزال بسيطا فمعظم المعجزات السابقة على الاسلام كانت مادية ملموسة لتناسب العقل الطفولي الذي كانت عليه البشرية حينها ومن حيث المعالجات للمشكلات القائمة كانت أيضا بسيطة الى حد ما تبعا لعدم تعقد و تطور الحياة فهي لا تعدو أن تكون دعوة الى عبادة الله و الانتهاء عن منكر يفعلونه كأهل مدين الذين يطففون الكيل و الميزان او قوم لوط الذين يرتكبون الفواحش وبذلك لم تكن دعوات الرسل قبل الاسلام عامة ولا شاملة ولا معجزاتهم عقلية مستمرة بل هي محدودة زمانا و مكانا و اهدافا ذلك أن هناك استراتيجية الاهية في تدرج الأديان ونطورها تبعا لنسق تطورالمجتمعات البشرية .
ومن ذلك أن سيدنا موسى عليه السلام قد كان في وضع وسط بين القبلية القديمة والتكليف الالاهي بالتوجه برسالته الى غير قومه اذ يدعو ربه أن يشدد أزره بأخيه هارون- تناسقا مع المنحى القبلي الذي كان ولا يزال يعيشه بنو اسرائيل حتى الآن اذ تصرفاتهم في فلسطين المحتلة تؤكد طبيعتهم القبلية المتخلفة – ليتمكن من ابلاغ رسالته المنحى الجديد الذي يكلفه الله به وهو التوجه الى غير بني اسرائيل حيث كلف بتبليغ دعوته الى شعب مصر في شخص ملكها فرعون الذي كان يدعي الربوبية قال تعالى استجابة لرغبة موسى عليه السلام (سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا ) 35 القصص وتبعا لذلك كلفهما بقوله تعالى (اذهبا الى فرعون انه طغى ) 43 طه وبذلك يكون موسى قد دشن عهدا جديدا في النبوات وهو الخروج عن النطاق القبلي الضيق الى نطاق أوسع وهو مخاطبة شعب مصر ولكن هل حافظ اليهود المعاصرون على روح رسالة موسى الداعية الى التوحيد ونبذ الطغيان اللهم لا و ممارسات الدولة الصهيونية في المنطقة العربية و العالم خير شاهد على هذه القطيعة من حيث حجم الجرائم التي ترتكبها وارتكبتها ضاربة عرض الحائط بكل الشرائع و الأديان .
ثم تأخذ الديانات طورا آخر أكثر عموما بدعوة عيسى عليه السلام رمز الرحمة و التسامح اذ يقول عليه السلام ( اذا ضربك أحدهم على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر ) و بذلك يكون قد فتح بعدا جديدا للأنسانية أكثر شمولا و عموما من رسالة موسى في نطاق التطور الجدلي للأديان من حيث التوسع في المضمون و التوجه تهيئة للدور العظيم المناط بخاتم الرسالات رسالة سيدنا محمد عليه السلام حيث هي رسالة عامة للناس قاطبة وهكذا كان دين الله دينا عالميا عاما للبشرية قاطبة فلا يخص جنسا معينا أو هو لأمة من الأمم دون بقية الناس أو لقبيلة من دون الناس جميعا فهو لكافة الناس كما قال تعالى في محكم تنزيله : ( وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ) 28 سبأ وهو بهذا المعنى ملكية مشتركة للبشرية جمعاء لأنه يناهض العنصرية والقبلية و التعصب و العرقية حيث أشار الرسول عليه السلام إلى أنها منتنة فلا بد من تركها استجابة لتوجيهاته عليه السلام في حين كانت بقية الديانات السماوية السابقةلا تشاركه هذه الميزة الأساسية فيه لأنها بكل بساطة موجهة لأقوام الرسل وقبائلهم وعشائرهم من دون الناس وذلك أن المجتمعات البشرية في تلك الأوقات كانت من الناحية الإجتماعية ضمن المراحل الأولى للتطور الإجتماعي انطلاقا من الأسرة فالعشيرة فالقبيلة إلى الأمة حاليا والمجتمع الإنساني مستقبلا فكانت تلك الديانات خاصة تبعا للأطوار الإجتماعية وقتها وبناء عليه فالإسلام يتميز عنها أيضا بمميزات أخرى فما هي ؟
كما أنه دين شامل لكل جوانب الحياة الدنيوية والأخروية قال تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام دينا ) 3 المائدة بحيث لم يفصل بين الدين و الدنيا و العبادة و الحياة فالكل عنده سواء في المفهوم الإسلامي من حيث صلة الحياة بالعبادة وذلك أن العمل عبادة و البحث العلمي عبادة و الزواج إكمال لنصف الدين و الطلاق إلتزام بأحكام الشرع وسائر العقود عبادة و الأخلاق الفاضلة عبادة بحيث تستحيل حياة الإنسان من أول مولده إلى ما بعد وفاته إلى إلتزام بأحكام الدين وفي هذا الإطار لا بد من الإشارة إلى حالة ذلك الصحابي الذي كان يكثر من المكوث في المسجد للصلاة فلما سأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من يعوله فقيل له أخوه فقال أخوه أعبد منه وبناء عليه شملت تعاليم ديننا الحنيف كل المجالات كالعقيدة و العبادات و المعاملات والأخلاق .
كماأن الدين الإسلامي من ناحية أخرى هو دين الواقعية من حيث مراعاة ظروف الإنسان و مدى قدرته على أداء التكاليف في ظروف مريحة دون إرهاق بدني او نفسي فالله تعالى لايكلف نفسا إلا وسعها ومن هنا فهو دين اليسر لا العسر و رفع الحرج و المشقة عن الناس و جلب التيسير لهم سواء في العقيدة بحرية التدين قال تعالى : ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ) 256 البقرة أو في العبادات من حيث كافة أنواع التيسير فيها وهي من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة وفي مجال المعاملات فهناك إقرار لمبدإ اليسر و الضرورات تبيح المحظورات والمشقة تجلب التيسير .
كما أنه دين المناسبة للفطرة أي الطبيعة الأصلية للإنسان بحيث لم يقع قمع مطالب الإنسان الحيوية كالتمتع بطيبات الحياة المشروعة كالمأكل و الملبس و السكن و التمتع بالجنس و التمتع بالحرية الكاملة فالإسلام سمح بها جميعا بعد أن هذبها و نظمها و ترك الإنسان يعيش حياة طبيعية .
ثم إن هذا الدين و بالنظر لهذه الخاصيات فإنه آخر الديانات فمن الطبيعي أن يكون دين الحرية و إعمال العقل و القرآن الكريم حافل بهذا المجال ما في ذلك من شك لذا فهو دين الإنسانية ومستقبل البشرية لن يكون في أفضل حال بدونه وقد بشر الله المؤمنين بالإستخلاف في الأرض بقوله تعالى : ( وعد الله الذين آمنوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم و ليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا و من كفربعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ) 55 النور
ومن هذا المنطلق لا يسعنا إلا أن نؤكد أن الإسلام بهذه المواصفات هو بكل تأكيد دين الرحمة والحرية و الإبداع الإنساني تحقيقا للأهداف الكبرى التي من أجلها خلق الله الإنسان الا وهو دوره في خلافة الله في الأرض و عمارة الكون في نطاق القيم الكبرى من عدل و إخاء و تعاون .
لذا فهم اسلافنا حقيقة الدين الجوهرية من نقطة الحرية هذه و انطلقوا فاتحين لا مستعمرين يبشرون بحضارة العدل والحق و الحرية في إطار من الإجتهاد البشري لا متعسفين و لا ملغين لغيرهم ولا مقصين لمخالفيهم وقد نظروا في العقيدة الإسلامية بعقولهم فلم تتفق مواقفهم البشرية فاختلفوا فرقا جميعها تعبد إلاها واحدا ونظروا في الشريعة بأفكارهم البشرية فاختلفوا فيها إلى مذاهب فقهية متعددة دون الخروج عن القاعدة الأساسية التي تحكمهم جميعا وهي الإحتكام للقرآن و صحيح السنة النبوية وبهذه الأفكار التقدمية و التحررية في التعامل مع الشريعة السمحة و التي تؤمن بمكانة الإنسان خليفة الله في الأرض امكن لهم بناء أرقى حضارة لا تزال آثارها فاعلة و مؤثرة إلى الآن ولكن المسلمين لما توقفوا عن هذه الحرية الفكرية وانساقوا إلى اتجاه فكري واحد و تعصب كل منهم لموقفه الفكري ظنا منه أن ذلك هو حقيقة الدين وهو لا يعدو كونه موقفا بشريا وكانت النتيحة مأساوية للأمة إذ آل أمرها إلى الإنحطاط و التردي و لم يستفق المسلمون إلا و الأوروبيين الذين انهزموا أمامهم في الحروب الصليبية يعودون من جديد لإحتلال بلدانهم و تمزيقها و انتهاب خيراتها .
وكان رد فعل الأمة متمثلا أساسا في حركة النهضة وإسهامات روادها الأوائل سواء في المشرق أو المغرب العربي وهكذا عادت إلى الساحة العربية و الإسلامية العقلانية الإسلامية التي كانت سببا في نهضة الأمة قديما ومن شأنها أن تنير سبيل الأمة حاضرا و مستقبلا .
وهكذا اذن يكون الدين الاسلامي هوالدين الالاهي العام و الشامل والخاتم و المتناسب مع التطور العقلي للبشرية والذي يبشر البشرية بعهد من العدل والحق الذي عرفت البشرية البعض من آثاره عندما كانت الامبراطوريةالاسلامية هي المهيمنة على العالم وسوف تسود هذه القيم والمعايير النبيلة كل البشرية عندما تتمكن الأمة العربية الاسلامية من اسقاط المشروع الصهيو امريكي الذي يتهاوى الآن تحت ضربات المقاومة الباسلة في كل من العراق و فلسطين حيث بشائر الخير تطل علينا من بين ثنايا الخراب والدمار الذي تحدثه هذه القوى الباغية .