المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نظرية "البعرة والبعير.. الأثر والمسير"!



جواد البشيتي
30/09/2007, 11:58 AM
نظرية "البعرة والبعير.. الأثر والمسير"!

افْتَحْ الوصلة الآتية:

http://www.doroob.com/?p=21386

Nadeen Shibl
30/09/2007, 12:10 PM
منــــاظرة ممتعــــة بين مضلل متفلسف وعامـــى


هيا نتابع :

موقف مسلى حقا ً .. ونهايه مضحكـــة ومخزية

مر مضلل كبير بقهوة فيها العمال والصناع والطائفة الساذجة من المسلمين ، فأبتسم ابتسامة الرضى والأبتهاج ومنى نفسه بصيد سمين ، فجلس الى منضده وطلب شرابا ، واخذ يستمع الى احاديث القوم ليجد فرصة تمكنه من الوثوب والجولان فى ميدان يظن لنفسه النصر المحقق فيه ،

فلما ترجح له سنوح الفرصة خاطب من بجواره مرحبا ومسلما ، فردوا عليه التحية باحسن منها ، وعند ذلك

قال لهم : هـل انا موجــود ؟
القوم : نعـــم
المضلل : ماهو الدليل على ذلك ؟
القوم : انت الآن امامنا نراك ونسمعك
المضلل : اذن فالموجود يجب ان يكون له مكان يرى ويسمع
القوم ( بسذاجة ) : نعم
المضلل : اليس الله موجودا ً ؟
القوم : لا شك فى ذلك
المضلل : اذن فايـن مكانه ولِـمَ لم نراه ؟

قسكت القوم ولم ينبسوا بكلمه ، ففرح المضلل وحسب انه غلب ، وظهر منه الأستعداد للتضليل الذى هو حرفته وصناعته ، وفى هذه اللحظة قام رجل من العامة ذكـى ذو تفكير قوى واخذ يناظره

فقال له : يا خواجة
المضلل : نعم
العامى : هل لك اخ ؟
المضلل : نعم لى اخ ؟
العامى : وهو موجود ؟
المضلل : نعم موجود
العامى : ولكنى لا آراه !اين هو ؟
المضلل : هو فى امريكا
العامى : اذن يا خواجة ليس من الضرورى ان يكون كل موجود مرئيا ، فسكت المضلل طويلا وفى هذه الأثناء
قال العامى : هل تعرف الكهرباء يا خواجة ؟
المضلل : نعم اعرفها
العامى : هل رايتها
المصلل : نعم
العامى : اذن كيف عرفتها ؟
المضلل : من آثارها وفوائدها
العامى : اذن انت مخطىء يا خواجة فى قولك ان الموجود لا زم يرى !

فعرق وخـجل !

العامى : حضرتك بتقول ان الموجود لا بد ان يكون له مكان
المضلل : تعم
العامى : حضرتك فى جسمك روح ؟
المضلل : صح ، فهى التى تدبر جسمى !
العامى : اين مكانها فى بدنك يا خواجة ؟
لم يتكلم المضلل ، و دهش وبهت من سؤال العامى له
العامى : ما تــرد ياخواجة ؟ يا فهيم ، يا لعيييب ، يا متفلسف ، فازداد دهشة وسكوتا ، وبهتانا ، واراد الأنصراف

العامى : على فين ياخواجة ؟ قف هنا وجاوب قبل ان تمشى ! هو انت تعملهم علينا وتتفلسف ثم تهرب ، فاعتذر وقال انا عندى ميعاد ، وانا مسرور منكم جدا ، وحقا ً انتم عال خالص تستحقون الحمد ، فضحكوا عليه وشيعوه بالفاظ التهكم وما شابهها ، وحمدوا لأخيهم موقفه المشرف الذى ناله على المضلل المدعى !

اما المضلل فقد انهزم ، وفر لا يلوى على احد وعرف ان الحصن الأسلامى بعيد المنال .. فـفـر هااااربا قائـــلا :
مرسى الزناتى انهزم يا منز

منذر أبو هواش
30/09/2007, 12:50 PM
الدليل على وجود الله تعالى
قال الله تعالى: [ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ]( إبراهيم : 10 ) ...الخ
فطر السموات والأرض؛ أي : شق وفصل بعضها من بعض بعد أن كان الجميع مادة واحدة ...وصنعه دال على قدرته، وانفراده بالتأثير، والتدبير

إننا نرى العود مستقيمًا خارج الماء ونراه معوجًّا في الماء، ونرى النجم صغيرًا وكلنا يعلم أنه كبير، ويذوق المصاب بمرض الصفراء العسل مرًّا ويذوقه غيره حلوًا، ويرى المحموم أو النائم أمامه أشياء كثيرة يقول من في حضرته: إنها لا وجود لها. فأمثال هؤلاء إذا كانوا يشكون أو يشككون في وجود الله تعالى لا ينفع معهم دليل ولا برهان. وأما طالب الحقيقة فهو الذي لا يشتبه في الحق إلا لعارض يصرفه عن الدليل؛ فإذا نبه إليه تنبه ورجع.

الحقيقة أن معرفة الله تعالى فطرية في البشر، والإيمان بالله أمر ثابت في هذه الفطرة، لا موضع للشك فيه، ولا حاجة بهم إلى إقامة الدليل عليه، وجميع أصناف البشر من أرقاهم إلى أدناهم يعتقدون بقوة غيبية وراء الطبيعة، وليس تنبيه أصحاب الفكر المستقل إلى ذلك بالأمر الصعب.

لكن المشكلة هي في الناس الذين شذت فطرتهم، لسبب أو مرض نفسي أثر على أدمغتهم وعلى فطرتهم، ففقدوا خاصية الاستقلال في تفكيرهم، وكان مرضهم كمرض فاقد الإحساس بالحلاوة لأن المرض يمنعه من إدراكها، وصاروا معطلين منكرين وإمعات مقلدين لا رأي لهم، فإن أحدهم يسمع أو يقرأ أن فلانًا قال: إنه لم يثبت عندي دليل على وجود الله تعالى, فيقول هذا الإمعة المقلد له: لو كان هناك دليل قطعي لما خفي على ذلك الشخص. ويفرض على نفسه أن تشك وترتاب أو تنكر وتفند كل دليل من هذا القبيل. ثم يدعون أن المسألة نظرية، وأنه لا بد من إقامة البراهين عليها.

ولا ينفع مع هؤلاء إلا إقامة الحجة عليهم بالديل القاطع من أدلة النبوة، والإعلام المضاد هو الحل لشفاء ما أصاب أدمغتهم وفطرتهم، ويجدر النقاش معهم على الأدلة العقلية المشتركة وتذكيرهم بها، مثل استحالة الخلق الذاتي أو الخلق من عدم ومن غير مسبب كما قال تعالى: [ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الخَالِقُونَ ]( الطور : 35 ) ، فالموجود لا يصدر عن نفسه ولا عن معدوم فتعين أن يكون لهذه الموجودات كلها مصدر وجودي، وتذكيرهم بأنهم يجهلون ماهية المادة التي يقولون أنها أصل كل الكائنات، ولا يعرفون الأصل الذي صدرت منه، ومصدر الكائنات، والاستمرار في في هذا الأمر لحين التوصل إلى اتفاق على أن هذه الكائنات كلها قد صدرت عن موجود ذي قوة حقيقية غير معروفة الكنه, وهو ما عليه المسلمون. [ وَاللَّهُ يَقُولُ الحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ]( الأحزاب : 4 ).

:fight:

منذر أبو هواش
30/09/2007, 12:55 PM
أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (الفرقان 44)
معرفة الله والإقرار بوجوده غريزة فطرية في الإنسان، إذ كل واحد من بني آدم يقر بوجود الخالق ويعترف به، أما ما يظهر على بعض الملحدين من الكفر بالله والاستهزاء بمن دعاهم إلى عبادته، فإن ذلك لا يعني الكفر المطلق المبني على اليقين الكامل، وإنما هو انحراف في الطبيعة الإنسانية، وتحويل للغريزة الفطرية المتجهة إلى الخالق الحق إلى عبادة المخلوقات الأخرى، ولذا فإننا نجد ذلك الملحد يستعمل سبل المغالطات والتفسيرات الخاطئة للأشياء تضليلا وتمويها على السذج.

وقد صور لنا القرآن الكريم قصة أكبر مغالط ملحد بلسانه غير جازم بقلبه، ذلك المغالط هو فرعون الذي استخف قومه فأطاعوه، فحينما جاءه موسى عليه السلام بالبينات والهدى ودعاه إلى عبادة رب الأرض والسماء، ورب العالمين جميعا، كما أمره الله تبارك وتعالى بقوله: {فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الشعراء /16).

استكبر فرعون، وجحد رب العالمين، بل ادعى أنه لا يعلم لقومه إلها غيره قال تعالى على لسانه: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} (الشعراء /23)، وقد أخبر المولى جل وعلا عنه أن ذلك الإنكار الصادر منه مغالطة بلسانه، وأنه غير مطابق للحقيقة المستقرة في نفسه، قال الله تعالى على لسان موسى عليه السلام مخاطبا فرعون: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً} (الإسراء /102)

فالانحراف والميل عن الخط السوي أمر طارئ على البشرية، وذلك حين فساد الفطرة. لأن البرهان على وجود الخالق حقيقة محسوسة وأمر واضح غاية الوضوح إذ الإنسان يعيش، ويحيا في هذا الكون، فيشاهد في نفسه، وفي الأشياء من حوله دقة وتنظيما في كل ما يرى ويلمس فيصل من هذا عن طريق الإدراك الحسي إلى أن لهذه الأشياء موجدا أوجدها ومنسقا لسيرها وحركاتها أراد ذلك منها، وهذا أمر طبيعي جدا غير بعيد عن فهم أي إنسان مهما كان إدراكه،

فإذا شاهد الإنسان بيتا منظما ومنسقا أو سمع صوتا، أو أحس بضربة سوط، ولم ير الضارب أو الباني أو صاحب الصوت فإنه يوقن أن لهذا البيت بانيا، وأن هذا الصوت صادر عن شيء سواء أكان رجلا أو حيوانا، أم آلة، وأن تلك الضربة حدثت من ضارب، فكان وجود الشيء الذي نتج عنه بناء البيت، أو ظهور الصوت، أو حدوث الضرب أمرا قطعيا عند من شاهد البيت أو سمع الصوت أو أحس بالضرب، إذ قام البرهان الحسي على وجوده، فالاعتقاد بوجود سبب أوجد هذه الظواهر أمر مسلم به عند العقلاء.

فكذلك الإنسان يشاهد تغير الأشياء الموجودة فتنعدم أشياء ويحدث غيرها كما أنه يرى النظام البديع في العالم، والدقة المتناهية في سير بعض المخلوقات وترتيب حركاتها وضبط مواعيدها، فيدرك أن هذا الإبداع وذلك النظام وذاك التغيير لا يمكن أن يحدث من نفس تلك الأشياء، لأنها عاجزة عن إيجاده، كما أنها عاجزة عن دفعه كل ذلك يدعو إلى الإيمان بوجود خالق لهذه الموجودات، قائم بتدبيرها، منظم لها.

ومن هنا نرى أن وجود هذا الخالق الذي دل عليه وجود هذه الأشياء من الأمور القطعية، الذي يدل عليه الدليل الحسي، يشهد لذلك قول ذلك الأعرابي القائل:

"البعرة تدل على البعير والأثر يدل على المسير، وليل داج، ونهار ساج، وسماء ذات أبراج أفلا تدل على الصانع الخبير"

فقد أدرك هذا الأعرابي بفطرته السليمة التي فطره الله عليها أن هذه المخلوقات العظيمة التي تسير بانتظام وإحكام، ليل يعقبه نهار، ونهار يعقبه ليل، لا يمكن أن تحدث إلا بمحدث، وأن لا تسير بهذا النظام المتقن إلا بمقدر مختار، ولذلك جاءت براهين القرآن الكريم لافتة النظر إلى ما يقع عليه حس الإنسان للاستدلال بذلك على وجود الخالق ثم عبادته وحده كقوله تعالى: {أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} (الغاشية /17). وقوله تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الأِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ، خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ، يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} (الطارق /5 -7)، وقوله تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ، أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ} (الطور /35 -36).

وهكذا نرى أن قضية الخلق والإيجاد وإن كانت قضية جافة على الصعيد الفلسفي، فهي بدهية على الصعيد الحسي لا تحتاج إلى برهان، لأنها من ضرورات الفطرة ولذا فإن القرآن الكريم يطرحها على المخاطبين كقضية مسلمة لا تحتاج إلى استدلال، ولا تحتمل الجدل والمماراة.

انظر إلى قوله تعالى مخاطبا الرسول صلى الله عليه وسلم: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} ( العلق /1)، والخطاب وإن كان موجها إليه فهو لأمته جميعا،والمخاطبون حين نزول القرآن يعرفون ربهم الذي خلقهم كما قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} (العنكبوت /61)، {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} (الزخرف /87). وإنما كان انحرافهم في العبادة فيجعلون مع الله آلهة أخرى يعتقدون فيها النفع والضر، كما قال تعالى حكاية عنهم في إنكارهم على محمد صلى الله عليه وسلم دعوته إلى توحيد الله تعالى وإفراده بالعبادة وترك عبادة الآلهة المزعومة: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (ص /5)،

وقد وجد في ذلك الوقت قلة ممن فسدت فطرتهم إلى أن اعتقدوا أن التأثير في الحياة والممات إنما هو من الدهر، قال تعالى حكاية عنهم: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْر} (الجاثية /24)، ولكن الله تبارك وتعالى بين أن قولهم هذا قول بلا علم، وإنا هو مبني على الظن، والظن لا يغني من الحق شيئا، قال تعالى: {وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ} (الجاثية /24). كما طالبهم بالدليل على اعتقادهم الفاسد ودعواهم الباطلة، وهي قولهم: إنهم خلقوا من غير شيء فقال: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} (الطور /35).

فإذا قامت للإلحاد دولة في أي عصر من العصور وأنشأت له مناهج وأعدت له مدارس لتعليم الناس الإلحاد ، وأنه لا إله والحياة مادة، وجد في القرآن الكريم الأدلة القاطعة التي تبين للعقلاء أن للمادة إلها، وأن الحياة من صنع هذا الإله {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} (إبراهيم /10).

:fight:

جواد البشيتي
30/09/2007, 02:13 PM
قيل: فطر السماوات والأرض (يَعْني) شق وفصل بعضها من بعض (فَهُما، أي السماوات والأرض، كانتا قبْل الخَلْق متَّحِدتين، مندمجتين، في شيء واحد، أو مادة واحدة.

أقول: كان المِلْح مُنْحلاًّ في الماء، فَفَصَلْتُ هذا من ذاك، بـ "التبخُّر"، فأين الخَلْقُ هنا؟! إنَّني هنا لم أخلق لا الملح ولا الماء، ولا هذا الشيء الذي كان من قبل أن أفصل الملح من الماء. لم أخْلِق هذا الشيء الذي هو "الماء المالح".
وإنَّه يقول: كانت الأرض والسماوات، قبل فصل كلتاهما عن الأخرى، "مادة واحدة"، وكأنَّه أراد أن يقول: قَبْل "الفصل"، أو "الشقِّ"، كان يُوْجَد "مادة متَّحِدة"!
هذا القول إنَّما هو الكُفْر بعينه.

منذر أبو هواش
30/09/2007, 02:19 PM
قيل: فطر السماوات والأرض (يَعْني) شق وفصل بعضها من بعض (فَهُما، أي السماوات والأرض، كانتا قبْل الخَلْق متَّحِدتين، مندمجتين، في شيء واحد، أو مادة واحدة.

أقول: كان المِلْح مُنْحلاًّ في الماء، فَفَصَلْتُ هذا من ذاك، بـ "التبخُّر"، فأين الخَلْقُ هنا؟! إنَّني هنا لم أخلق لا الملح ولا الماء، ولا هذا الشيء الذي كان من قبل أن أفصل الملح من الماء. لم أخْلِق هذا الشيء الذي هو "الماء المالح".
وإنَّه يقول: كانت الأرض والسماوات، قبل فصل كلتاهما عن الأخرى، "مادة واحدة"، وكأنَّه أراد أن يقول: قَبْل "الفصل"، أو "الشقِّ"، كان يُوْجَد "مادة متَّحِدة"!
هذا القول إنَّما هو الكُفْر بعينه.

أتمنى أن يأتي اليوم الذي تكف فيه عن الخلط الطفولي
بين الماء والسماء ... وبين مختلف الأشياء ...
ويا ليتك ترفع يديك عن الإفتاء ... :)

:fight:

جواد البشيتي
30/09/2007, 02:31 PM
أتمنى على القائل أن لا يتهرَّب من الإجابة.

يقول: إنَّنا نَجْهَل "ماهيَّة المادة"، أي "ما هي المادة".

أقول سائلاً له: ما هي "المادة"؟

جواد البشيتي
30/09/2007, 02:42 PM
لا مَهْرَب من إجابة السؤال الآتي:
هل فَصْلُ المِلْح من الماء يَعْني "خَلْقَ" المِلْح والماء.. من "العدم"؟

منذر أبو هواش
30/09/2007, 07:43 PM
أتمنى على القائل أن لا يتهرَّب من الإجابة.

يقول: إنَّنا نَجْهَل "ماهيَّة المادة"، أي "ما هي المادة".

أقول سائلاً له: ما هي "المادة"؟

أستاذ جواد،

ما زلت تخلط بين الماء والسماء،
ثم أنت تسألنا: ما المادة؟
ونحن نسألك يا أستاذ:
أنت معلمنا لأي مادة؟
هل أنت مدرس اللغة وتريد تعريفا لغويا لها؟
أم أنت مدرس الفيزياء؟
أم أنت مدرس القانون؟
أم أنك مجرد مشعوذ متجول بائس
وتريد جرنا إلى إحدى شعوذاتك المكشوفة؟

كف عن هذه الأساليب بحق خالق الماء والسماء!

:fight:

سعيد نويضي
01/10/2007, 01:12 AM
بسم الله الرحمن الرحيم...

الاستاذ جواد...

هناك في عملية الخلق من يخضع للتدرج أو التعاقب. و هناك من يخلق على شكله الذي يظهر لنا دون تعاقب.أي لا ينتقل من طور على طور.

الخلق في المفهوم الجديد ينطلق من المادة الأولية...و هذا لا يختلف كون أن الشمس لما خلقت خلقت من المادة الأولية...التي خلقت من الفتق...لأن الله عز و جل بقدرته أوجد كل المواد الأولية...التي تفرعت عنه كل الموجودات و المخلوقات التي وصل إليها العلم الحديث و التي لم يصل لها بعد...

أعتقد أن الفكرة التي تقول أن الخالق ألبسوه لباس فيزيائي انطلاقا من الانفجار العظيم...فالله جل و علا أوجد هذا الرتق ليجعل من الفتق أو الانفجار أو الانتشار أو التقسيم أو أن يأخذ كل شيء المجرى الذي يسره الله عز و جل له...فالقول بذلك فيه شيء من الغموض لأن الله جل و علا يقول: {مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً }الكهف51...أعتقد أن خطاب الله عز و جل واضح فالحديث عن مسألة الخلق لا يمكن الحسم فيها بشكل يقيني لأن الشاهد على ذلك غائب ما عدا الله جل و علا الذي تمت بقدرته عملية الخلق...إذن كل ما يمكن الوصول إليه هو في لغة الرياضيات و ربيبتها الفيزياء هي احتمالات و تصورات لا تخضع لا لتجربة و لا لتطبيق...بمعنى لا يمكن إعادة تجربة الخلق الأول...

في عملية الخلق...لابد من قوة دافعة تجعل من الشيء قائم الوجود انطلاقا من مجموعة العناصر المكونة لها...هذه القوة لا يمكن أن يستأثر بها في الخلق الأول إلا الله جل و علا...فما دمت تقر أنه ليس كمثله شيء...يقول الحق جل و علا للذين حاولوا أن يجدوا له تعريفا انطلاقا مما يدركونه من الأشياء انه جل و علا: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ }الشورى11. إذن هو منزه عن الأشياء التي تدركها حواسنا و عقولنا و يمكن تصورها بشكل من الأشكال...فسبحان الله هذا الذي ليس كمثله شيء لديه من القدرة ما لا يمكن وصفة لدرجة أنه يقول للشيء كن فيكون...يقول جل و علا: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }يس82...

ففي عملية الرتق و الفتق بمصطلحات القرآن الكريم أو الانفجار بالمصطلحات الحديثة أو الانتشار...و اعتقد أن مصطلح الانتشار أكثر دقة من الانفجار...لأن الانفجار يؤدي إلى التشتت أما الانتشار يؤدي بالضرورة أن كل شيء يأخذ موقعه بحسب المهمة التي خلق و وجد من أجلها...يقول جل و علا: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى }طه50...

ليس هناك اختلاف بين الخلق بالتصور" الديني" و الخلق بالتصور "الكوزمولوجي" ولكن الخلط في الذهن البشري لكلا التصورين مع فارق أن التصور الديني الذي لا يعلمه إلا الله هو الحق و أن التصور الذي وصل إليه العقل البشري قد يتطابق مع هذا و قد يختلف...و ليس للعقل البشري قدرة على معرفة كيفية تمت عملية الخلق أول مرة كما سبق القول في كلا التصورين...تصور المنطلق من الفهم الديني و التصور المبني على الاحتمالات العلمية...لكن القول الذي اعتقد اقرب إلى الحقيقة من غيره...هو قوله عز و جل للمادة الأولية كن فكانت بالشكل الذي أراده الله...و من تم كان الرتق فأمر بالفتق...فكان ما كان مما شاء الله جل و علا أن يكون من سماوات و أرض و أجرام و أفلاك و أقمار و شموس و غير ذلك مما خلق الله جل و علا...

فالقول أنه تم "الخلق من عدم" على أساس لم يكن هناك شيء تم منه الخلق فيه تقصير في الفهم...لأن الله عز كان و سيظل...فبقدرته أوجد الشيء الذي تم منه خلق الأشياء الأخرى...فمثلا قصة خلق آدم عليه السلام...و سوف لن أسرد القصة من بدايتها...و لكنه باختصار...آدم عليه السلام في الأصل كان في علم الله عز وجل...ثم أوجده بقدرته من مواد...ثم نفخ فيه من روحه...ليكون خلقا على الشكل الذي نعرفه من خلال تناسله من ذريته...و مهما حاول الإنسان أن يدرك معنى الروح ليعطيها تعريفا كالتعريف الذي يعطيه للأشياء فلن يفلح ذلك...لماذا؟ لأن الروح هي من أمره و علمه... الله عز و جل التي لم يطلع أحدا عليها ...حتى الأنبياء صفوة الله عز وجل من خلقه...فكيف سيطلع عليها باقي بني آدم من خلقه؟؟؟؟؟؟ و هذا موضوع آخر...

لكن الحديث عن الفناء مقابل الخلق...أي بعد الخلق يأتي الفناء...شيء طبيعي بحكم القوانين الفيزيائية...لأنه ما من شيء إلا و يبلى بحكم العناصر المكونة له...فكل شيء يحمل من مكوناته عوامل فنائه...قد تقول هذا كلام يحتاج لإثبات علمي...فإذا كان الواقع يشهد بذلك...أليس ذلك دليلا على صحة الفكرة...فما من شيء يعمر إلى أبد الآبدين...عدى الله جل و علا...كل ما هنالك هنا من يعمر قليلا من الزمن و هناك من يعمر طويلا...و ذلك كذلك بناء على ما خلق له و سير الله عز و جل من أمره...و لك في مجال الطبيعة البيولوجية للكائنات دليل على ذلك...أما فناء الكون و أن المادة ستصير لا مادة ووووو فذاك ما يدخل في دائرة أو نطاق علم الغيب الذي لا يمكن أن تجزم بالكيفية التي سيتم بها لا التكوير و الطي و العديد من المصطلحات التي وردت في تقريب مفهوم الفناء إلى أذهان البشر...و ما طرحته في قضية الصيرورة أن كل شيء عند زواله يتحول إلى شيء آخر و هكذا...يقول الله جل و علا: {عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ }الواقعة61...عن أن نغيِّر خلقكم يوم القيامة, وننشئكم فيما لا تعلمونه من الصفات والأحوال.فالنشوء تابت في الدنيا و الآخرة...في الدنيا يتحول إلى غبار أو جزيئات من المادة...و في الآخرة يبعثه الله عز و جل على الشكل الذي لا يمكننا تشخيصه في الدنيا...

فقانون تطور المادة يسري على المادة و لا يمكن أن يرتقي لأن يسري على شيء لامادي...و هذا الشيء لن يصلوا إليه العلماء من مختلف الفروع إلى ضبطه...و هو الروح...و الروح لم تخلق من العدم...لأنها كانت موجودة بوجود الله عز و جل مند الأزل و ستظل أبد الظهر...حتى في عالم الغيب...فهي خالدة و لا تفنى...لأنها من الله عز و جل...

فالقوانين الفيزيائية التي تطبق على آلة معينة...من شأنها أن تصنع الأجزاء المكونة للآلة و بالتالي في حالة فناء جزء من تلك الأجزاء...يمكن استبداله بالجزء الجديد حتى تستمر الحياة و الوجود لتلك الآلة...و هذا واقع لا يحتاج إلى دليل...و هذا ما يحاول العلم الحديث نقله من الآلة إلى الإنسان...فمن زرع الأعضاء إلى استنساخ الأعضاء إلى محاولات إيجاد الحياة للخلية في المختبرات...و كل ذلك من أجل إثبات أنه ليس هناك روح...و كل شيء خاضع للعلم مادام كل شيء يحسب على المادة...

لأقد أجدت كثيرا في مسالة قانون السببية...فلا يمكن للشيء أن يخلق ذاته...فلا بد من علة لوجوده...و الاستنتاج الذي وصلوا إليه هو لابد لخالق لهذه العلة فهو الخالق...فهو استنتاج سليم ...لأن العدم لا وجود له لأن الله عز و جل هو الذي أوجد العلة الأولى بقوله جل شأنه: كن فيكون...و لك في قصة موسى عليه السلام ما يثبت ذلك فالسحرة سحروا أعين الناس بقوة خفية...و موسى عليه السلام بقوة الحق...بقوة كن فيكون تلقفت عصاه ما صنع الساحرون...
فلو عدنا لمسألة الطاولة و الفاكهة التي ظهرت ثم اختفت و لم يستطع قانون حفظ المادة أن يسجلها في ذاكرته...فلأن المكونات التي تتحدث عنها قد تتعطل لعلة ما...فمثلا خاصية الاحتراق الموجودة في النار لما شاء الله عز و جل أن يعطل مفعولها في قصة إبراهيم عليه السلام...ففعل لنه عز و جل قال للنار...خاطبها...أمرها...بقوله الحق كن فيكون...يقول جل و علا: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ }الأنبياء69. فقوله عز و جل :"كوني" فكانت ما شاء الله عز و جل أن تكون...فتعطلت خاصية الاحتراق التي هي مكون أساسي في النار...

الله عز و جل هو خالق كل شيء...هذا الشيء الذي أخذ شكل المادة و تربع على العقل ليجعله تابعا له...فالخالق الميتفزيقي هو الخالق لكل شيء...لكن لكي تلعب القوة السحرية التي سميتها في بداية مقالك فعلها أعطت للمادة حجما أكبر من حجمها كما كان يفعل فرعون لقومه بسحره الذي أرهقهم به لسنين طويلة...حتى اكتشف أمره أمام الحق الذي أتى به موسى عليه السلام...فالمادة موجودة لكن ليس من العدم بل من بقدرة الله عز و جل...و حتى السحر الذي فعل فعله في قوم موسى كان موجودا بالفعل و لم يكن ميتافيزيقا...إذا كان المقصود بميتافيزيقا ضرب من الأسطورة و الخيال...أما إدا كان المقصود بمتافزيقا ما يتجاوز الفيزيقا أي الفيزياء...فالخالق واحد في عالم المادة و في عالم أللمادة...لأن عملية التكاثر نتجت عن العملية الأولى التي هي عملية الخلق...فمسألة السببية التي لا حد لها مادام كل شيء له ذاكرة تؤصل لوجوده...تظل مسألة السببية معضلة لا مثيل لها...لذلك يقول الله عز و جل: {أَمْ لَهُم مُّلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ }ص10...فالبحث في الأسباب تصاعديا مع الزمن و موغلا في أعماق التاريخ...سيوصل البحث من سبب إلى آخر حتى يصل إلى مسبب الأسباب...فهو الله جل و علا...

المشكلة على ما يبدو في المنطق الذي يزن به الإنسان العاقل الأمور والأشياء و يفرق بها بين ما هو علمي و غير علمي يعني خرافي أو ميتافيزيقي...فلو كانت الطبيعة تعقل ذاتها؟ فلماذا لا تجعل من القوانين التي تسير ذاتها قوانين تتطور في كل شيء؟ فالمعروف أن قانون التطور الذي اكتشفه الإنسان يسري على كل شيء...من أصغر جزء إلى أكبر جزء...من الذرة إلى المجرة...فلم لم يسر هذا القانون على الزمن؟ لماذا هناك في السنة اثنا عشر عشرا...و هذه حقيقة علمية...هناك أربعة فصول...خريف، شتاء، ربيع، صيف...فلماذا هناك هذا الاستثناء عن قاعدة التطور؟لماذا اليوم بليله و نهاه لا يخرج عن كونه أربعة و عشرون ساعة؟ فكيف للمادة أن تعقل ذاتها؟ فهل يستطيع الغاز المكون من الهيدروجين و الأكسجين أن يعقل ذاته ؟ بمعنى هل يستطيع الماء أن يخلق ذاته أم هو فقير لعناصر أخرى يحتاجها حتى يصبح الهيدروجين و الأكسجين ماء؟ فلماذا لا نجمع الكميات الهائلة من هذين العنصرين و نصنع الماء الزلال...و تنتهي مشكلة ندرة المياه العذبة الصالحة للشرب؟

المادة هي الشيء في ذاته...و الشيء يتحدد بعناصره...و عناصر الشيء هي مكوناته في نفس الوقت...فعلى سبيل المثال الماء كمادة نعرفه من خلال عناصره المكونة له...فإذا انطلقنا من هذه المقدمة و التي أعتقد أنها سليمة من الناحية العلمية في تعريف المادة...سنجد أن كل مادة هي كثلة ذات حجم و تتوفر على طاقة معينة توجد في مجال معين...هذه الكثلة قد تطرأ عليها تغيرات بحكم تغير المحيط الموجودة فيه...فإذا أضفنا لهذه الكثلة عنصرين آخرين هما الحركة و السرعة أخذت المادة أشكال مختلفة و متنوعة في تمظهراتها الوجودية...

فالمادة لا تخلق نفسها بنفسها...لأنها محتاجة إلى غيرها من المواد...فالطبيعة و هي المكونة من المادة تفتقر في وجودها لغيرها...فالصحراء بحكم رغبتها المتعطشة للماء...لماذا لا تخلق الواحات من حولها و تجعل الكثبان الرملية سهول خضراء خلابة؟ فالطبيعة لا تعقل ذاتها حتى تدرك ما ينفعها و ما يضرها...و لماذا لا تدفع البحار الثلوت الذي ينزف خيراتها؟ و لماذا لا تضرب الغابات عن إنتاج الأكسجين نتيجة قسوة الإنسان بحرق الأشجار و قطعها؟ ولماذا لا تكتب ذاتها و تأخر لنفسها هذه المادة؟ لماذا لأنها خلقت في الأصل من أجل أن يسخرها الإنسان لمصلحته و لتطوير حياته و لاكتشاف آيات الله عز و جل في مخلوقاته...


هدانا الله و إياكم لما يحب و يرضى...

جواد البشيتي
01/10/2007, 09:39 AM
تحية إلى الأستاذ سعيد نويضي فقد أدلى برأي، وأجاب عن أسئلة وتساؤلات مهمة، وظَهَر لي على أنَّه مُفكِّر إسلامي رفيع، يقارع الحجَّة بالحُجَّة، ويتحدَّث بمنطق، وبِعِلْمٍ أيضا، ولديه من خواص المحاوِر الذكي والمثقَّف ما يُغري بمحاورته.. لقد احيا الأمل في نفسي بعد طول يأس وقنوط، وكشف لي أنَّ في "واتا" آخرين، أي أُناس ليسوا بالعجزة والقاصرين عقلا وفكرا ومنطقا.. أُناس يملكون في عقولهم شيئا آخر غير الاستشهاد والاقتباس.
أخالفه الرأي في كثير مِمَّا قال، ولسوف أناقشه وأحاوره عمَّا قريب.
مرَّة أخرى أحيِّيه

جواد البشيتي
01/10/2007, 10:24 AM
أستاذ منذر
أنا لا أخلط بين الماء والسماء، فهل تريد أنْ أُذَكِّركَ بأنَّ عرشه كان، قَبْل الخَلْق، على الماء.. "وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ.."؟!
إنَّني مُصِرٌّ على أن تجيب عن سؤال "ما هي المادة؟"، فَهْنا رودوس، فِلِمَ تتهرَّب من القفز هنا؟!
وإنَّني مُصِرٌّ أيضا على أن تجيب عن السؤال الذي قَبْلَه وهو "هل فَصْلُ المِلْح من الماء يَعْني خَلْقَ المِلْح والماء.. من العدم؟"، فَمِنَ الآن وصاعدا لن أرأف بكَ، وأدعكَ تهرب من المصيدة.. أجِب.. لا تهرب حتى لا أُعْلِن هزيمتكَ بـ "الضربة القاضية"!

جواد البشيتي
01/10/2007, 10:51 AM
وَقَعَ منذر في سوء الفهم والتفسير إذ قال: فَطْر السموات والأرض (في الآية "أَفي الله شَكٌّ فاطِر السموات والأرض") يَعْني "شق وفصل بعضها من بعض بعد أن كان الجميع مادة واحدة".
لقد أخَذَ بأحد معاني كلمة "فَطَر" وهو "شَقَّ". ويكفي أن تأخذ بهذا المعنى حتى تَقَع في سوء الفهم والتفسير. إنَّ معنى "فطَر" هنا، أي في هذه الآية، هو "خَلَقَ واخْتَرَعَ وأوْجَدَ..".
ابن كثير: "فَاطِر السَّمَاوَات والأرض"، أي الَّذِي خَلَقَهُمَا وَابْتَدَعَهُمَا عَلَى غَيْر مِثَال سَبَقَ..
الجلالين: "فَاطِر"، أي خَالِق "السَّمَاوَات والأرض..
الطبري: "فَاطِر السَّمَاوَات والأرض"، أي خَالِق السَّمَاوَات والأرض..
القرطبي: "فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ والأرض"، أي خَالِقهَا وَمُخْتَرِعهَا وَمُنْشَئِهَا وَمُوجِدهَا..
منذر أتمنى عليكَ أن تنأى بنفسك عن "الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ.."، وأنْ تَفْهَم ما تحفظه عن ظهر قلب من القرآن!

طه خضر
01/10/2007, 11:14 AM
بسم الله الرحمن الرحيم...

الاستاذ جواد...

هناك في عملية الخلق من يخضع للتدرج أو التعاقب. و هناك من يخلق على شكله الذي يظهر لنا دون تعاقب.أي لا ينتقل من طور على طور.

الخلق في المفهوم الجديد ينطلق من المادة الأولية...و هذا لا يختلف كون أن الشمس لما خلقت خلقت من المادة الأولية...التي خلقت من الفتق...لأن الله عز و جل بقدرته أوجد كل المواد الأولية...التي تفرعت عنه كل الموجودات و المخلوقات التي وصل إليها العلم الحديث و التي لم يصل لها بعد...

أعتقد أن الفكرة التي تقول أن الخالق ألبسوه لباس فيزيائي انطلاقا من الانفجار العظيم...فالله جل و علا أوجد هذا الرتق ليجعل من الفتق أو الانفجار أو الانتشار أو التقسيم أو أن يأخذ كل شيء المجرى الذي يسره الله عز و جل له...فالقول بذلك فيه شيء من الغموض لأن الله جل و علا يقول: {مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً }الكهف51...أعتقد أن خطاب الله عز و جل واضح فالحديث عن مسألة الخلق لا يمكن الحسم فيها بشكل يقيني لأن الشاهد على ذلك غائب ما عدا الله جل و علا الذي تمت بقدرته عملية الخلق...إذن كل ما يمكن الوصول إليه هو في لغة الرياضيات و ربيبتها الفيزياء هي احتمالات و تصورات لا تخضع لا لتجربة و لا لتطبيق...بمعنى لا يمكن إعادة تجربة الخلق الأول...

في عملية الخلق...لابد من قوة دافعة تجعل من الشيء قائم الوجود انطلاقا من مجموعة العناصر المكونة لها...هذه القوة لا يمكن أن يستأثر بها في الخلق الأول إلا الله جل و علا...فما دمت تقر أنه ليس كمثله شيء...يقول الحق جل و علا للذين حاولوا أن يجدوا له تعريفا انطلاقا مما يدركونه من الأشياء انه جل و علا: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ }الشورى11. إذن هو منزه عن الأشياء التي تدركها حواسنا و عقولنا و يمكن تصورها بشكل من الأشكال...فسبحان الله هذا الذي ليس كمثله شيء لديه من القدرة ما لا يمكن وصفة لدرجة أنه يقول للشيء كن فيكون...يقول جل و علا: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }يس82...

ففي عملية الرتق و الفتق بمصطلحات القرآن الكريم أو الانفجار بالمصطلحات الحديثة أو الانتشار...و اعتقد أن مصطلح الانتشار أكثر دقة من الانفجار...لأن الانفجار يؤدي إلى التشتت أما الانتشار يؤدي بالضرورة أن كل شيء يأخذ موقعه بحسب المهمة التي خلق و وجد من أجلها...يقول جل و علا: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى }طه50...

ليس هناك اختلاف بين الخلق بالتصور" الديني" و الخلق بالتصور "الكوزمولوجي" ولكن الخلط في الذهن البشري لكلا التصورين مع فارق أن التصور الديني الذي لا يعلمه إلا الله هو الحق و أن التصور الذي وصل إليه العقل البشري قد يتطابق مع هذا و قد يختلف...و ليس للعقل البشري قدرة على معرفة كيفية تمت عملية الخلق أول مرة كما سبق القول في كلا التصورين...تصور المنطلق من الفهم الديني و التصور المبني على الاحتمالات العلمية...لكن القول الذي اعتقد اقرب إلى الحقيقة من غيره...هو قوله عز و جل للمادة الأولية كن فكانت بالشكل الذي أراده الله...و من تم كان الرتق فأمر بالفتق...فكان ما كان مما شاء الله جل و علا أن يكون من سماوات و أرض و أجرام و أفلاك و أقمار و شموس و غير ذلك مما خلق الله جل و علا...

فالقول أنه تم "الخلق من عدم" على أساس لم يكن هناك شيء تم منه الخلق فيه تقصير في الفهم...لأن الله عز كان و سيظل...فبقدرته أوجد الشيء الذي تم منه خلق الأشياء الأخرى...فمثلا قصة خلق آدم عليه السلام...و سوف لن أسرد القصة من بدايتها...و لكنه باختصار...آدم عليه السلام في الأصل كان في علم الله عز وجل...ثم أوجده بقدرته من مواد...ثم نفخ فيه من روحه...ليكون خلقا على الشكل الذي نعرفه من خلال تناسله من ذريته...و مهما حاول الإنسان أن يدرك معنى الروح ليعطيها تعريفا كالتعريف الذي يعطيه للأشياء فلن يفلح ذلك...لماذا؟ لأن الروح هي من أمره و علمه... الله عز و جل التي لم يطلع أحدا عليها ...حتى الأنبياء صفوة الله عز وجل من خلقه...فكيف سيطلع عليها باقي بني آدم من خلقه؟؟؟؟؟؟ و هذا موضوع آخر...

لكن الحديث عن الفناء مقابل الخلق...أي بعد الخلق يأتي الفناء...شيء طبيعي بحكم القوانين الفيزيائية...لأنه ما من شيء إلا و يبلى بحكم العناصر المكونة له...فكل شيء يحمل من مكوناته عوامل فنائه...قد تقول هذا كلام يحتاج لإثبات علمي...فإذا كان الواقع يشهد بذلك...أليس ذلك دليلا على صحة الفكرة...فما من شيء يعمر إلى أبد الآبدين...عدى الله جل و علا...كل ما هنالك هنا من يعمر قليلا من الزمن و هناك من يعمر طويلا...و ذلك كذلك بناء على ما خلق له و سير الله عز و جل من أمره...و لك في مجال الطبيعة البيولوجية للكائنات دليل على ذلك...أما فناء الكون و أن المادة ستصير لا مادة ووووو فذاك ما يدخل في دائرة أو نطاق علم الغيب الذي لا يمكن أن تجزم بالكيفية التي سيتم بها لا التكوير و الطي و العديد من المصطلحات التي وردت في تقريب مفهوم الفناء إلى أذهان البشر...و ما طرحته في قضية الصيرورة أن كل شيء عند زواله يتحول إلى شيء آخر و هكذا...يقول الله جل و علا: {عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ }الواقعة61...عن أن نغيِّر خلقكم يوم القيامة, وننشئكم فيما لا تعلمونه من الصفات والأحوال.فالنشوء تابت في الدنيا و الآخرة...في الدنيا يتحول إلى غبار أو جزيئات من المادة...و في الآخرة يبعثه الله عز و جل على الشكل الذي لا يمكننا تشخيصه في الدنيا...

فقانون تطور المادة يسري على المادة و لا يمكن أن يرتقي لأن يسري على شيء لامادي...و هذا الشيء لن يصلوا إليه العلماء من مختلف الفروع إلى ضبطه...و هو الروح...و الروح لم تخلق من العدم...لأنها كانت موجودة بوجود الله عز و جل مند الأزل و ستظل أبد الظهر...حتى في عالم الغيب...فهي خالدة و لا تفنى...لأنها من الله عز و جل...

فالقوانين الفيزيائية التي تطبق على آلة معينة...من شأنها أن تصنع الأجزاء المكونة للآلة و بالتالي في حالة فناء جزء من تلك الأجزاء...يمكن استبداله بالجزء الجديد حتى تستمر الحياة و الوجود لتلك الآلة...و هذا واقع لا يحتاج إلى دليل...و هذا ما يحاول العلم الحديث نقله من الآلة إلى الإنسان...فمن زرع الأعضاء إلى استنساخ الأعضاء إلى محاولات إيجاد الحياة للخلية في المختبرات...و كل ذلك من أجل إثبات أنه ليس هناك روح...و كل شيء خاضع للعلم مادام كل شيء يحسب على المادة...

لأقد أجدت كثيرا في مسالة قانون السببية...فلا يمكن للشيء أن يخلق ذاته...فلا بد من علة لوجوده...و الاستنتاج الذي وصلوا إليه هو لابد لخالق لهذه العلة فهو الخالق...فهو استنتاج سليم ...لأن العدم لا وجود له لأن الله عز و جل هو الذي أوجد العلة الأولى بقوله جل شأنه: كن فيكون...و لك في قصة موسى عليه السلام ما يثبت ذلك فالسحرة سحروا أعين الناس بقوة خفية...و موسى عليه السلام بقوة الحق...بقوة كن فيكون تلقفت عصاه ما صنع الساحرون...
فلو عدنا لمسألة الطاولة و الفاكهة التي ظهرت ثم اختفت و لم يستطع قانون حفظ المادة أن يسجلها في ذاكرته...فلأن المكونات التي تتحدث عنها قد تتعطل لعلة ما...فمثلا خاصية الاحتراق الموجودة في النار لما شاء الله عز و جل أن يعطل مفعولها في قصة إبراهيم عليه السلام...ففعل لنه عز و جل قال للنار...خاطبها...أمرها...بقوله الحق كن فيكون...يقول جل و علا: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ }الأنبياء69. فقوله عز و جل :"كوني" فكانت ما شاء الله عز و جل أن تكون...فتعطلت خاصية الاحتراق التي هي مكون أساسي في النار...

الله عز و جل هو خالق كل شيء...هذا الشيء الذي أخذ شكل المادة و تربع على العقل ليجعله تابعا له...فالخالق الميتفزيقي هو الخالق لكل شيء...لكن لكي تلعب القوة السحرية التي سميتها في بداية مقالك فعلها أعطت للمادة حجما أكبر من حجمها كما كان يفعل فرعون لقومه بسحره الذي أرهقهم به لسنين طويلة...حتى اكتشف أمره أمام الحق الذي أتى به موسى عليه السلام...فالمادة موجودة لكن ليس من العدم بل من بقدرة الله عز و جل...و حتى السحر الذي فعل فعله في قوم موسى كان موجودا بالفعل و لم يكن ميتافيزيقا...إذا كان المقصود بميتافيزيقا ضرب من الأسطورة و الخيال...أما إدا كان المقصود بمتافزيقا ما يتجاوز الفيزيقا أي الفيزياء...فالخالق واحد في عالم المادة و في عالم أللمادة...لأن عملية التكاثر نتجت عن العملية الأولى التي هي عملية الخلق...فمسألة السببية التي لا حد لها مادام كل شيء له ذاكرة تؤصل لوجوده...تظل مسألة السببية معضلة لا مثيل لها...لذلك يقول الله عز و جل: {أَمْ لَهُم مُّلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ }ص10...فالبحث في الأسباب تصاعديا مع الزمن و موغلا في أعماق التاريخ...سيوصل البحث من سبب إلى آخر حتى يصل إلى مسبب الأسباب...فهو الله جل و علا...

المشكلة على ما يبدو في المنطق الذي يزن به الإنسان العاقل الأمور والأشياء و يفرق بها بين ما هو علمي و غير علمي يعني خرافي أو ميتافيزيقي...فلو كانت الطبيعة تعقل ذاتها؟ فلماذا لا تجعل من القوانين التي تسير ذاتها قوانين تتطور في كل شيء؟ فالمعروف أن قانون التطور الذي اكتشفه الإنسان يسري على كل شيء...من أصغر جزء إلى أكبر جزء...من الذرة إلى المجرة...فلم لم يسر هذا القانون على الزمن؟ لماذا هناك في السنة اثنا عشر عشرا...و هذه حقيقة علمية...هناك أربعة فصول...خريف، شتاء، ربيع، صيف...فلماذا هناك هذا الاستثناء عن قاعدة التطور؟لماذا اليوم بليله و نهاه لا يخرج عن كونه أربعة و عشرون ساعة؟ فكيف للمادة أن تعقل ذاتها؟ فهل يستطيع الغاز المكون من الهيدروجين و الأكسجين أن يعقل ذاته ؟ بمعنى هل يستطيع الماء أن يخلق ذاته أم هو فقير لعناصر أخرى يحتاجها حتى يصبح الهيدروجين و الأكسجين ماء؟ فلماذا لا نجمع الكميات الهائلة من هذين العنصرين و نصنع الماء الزلال...و تنتهي مشكلة ندرة المياه العذبة الصالحة للشرب؟

المادة هي الشيء في ذاته...و الشيء يتحدد بعناصره...و عناصر الشيء هي مكوناته في نفس الوقت...فعلى سبيل المثال الماء كمادة نعرفه من خلال عناصره المكونة له...فإذا انطلقنا من هذه المقدمة و التي أعتقد أنها سليمة من الناحية العلمية في تعريف المادة...سنجد أن كل مادة هي كثلة ذات حجم و تتوفر على طاقة معينة توجد في مجال معين...هذه الكثلة قد تطرأ عليها تغيرات بحكم تغير المحيط الموجودة فيه...فإذا أضفنا لهذه الكثلة عنصرين آخرين هما الحركة و السرعة أخذت المادة أشكال مختلفة و متنوعة في تمظهراتها الوجودية...

فالمادة لا تخلق نفسها بنفسها...لأنها محتاجة إلى غيرها من المواد...فالطبيعة و هي المكونة من المادة تفتقر في وجودها لغيرها...فالصحراء بحكم رغبتها المتعطشة للماء...لماذا لا تخلق الواحات من حولها و تجعل الكثبان الرملية سهول خضراء خلابة؟ فالطبيعة لا تعقل ذاتها حتى تدرك ما ينفعها و ما يضرها...و لماذا لا تدفع البحار الثلوت الذي ينزف خيراتها؟ و لماذا لا تضرب الغابات عن إنتاج الأكسجين نتيجة قسوة الإنسان بحرق الأشجار و قطعها؟ ولماذا لا تكتب ذاتها و تأخر لنفسها هذه المادة؟ لماذا لأنها خلقت في الأصل من أجل أن يسخرها الإنسان لمصلحته و لتطوير حياته و لاكتشاف آيات الله عز و جل في مخلوقاته...


هدانا الله و إياكم لما يحب و يرضى...


تحية إلى الأستاذ سعيد نويضي فقد أدلى برأي، وأجاب عن أسئلة وتساؤلات مهمة، وظَهَر لي على أنَّه مُفكِّر إسلامي رفيع، يقارع الحجَّة بالحُجَّة، ويتحدَّث بمنطق، وبِعِلْمٍ أيضا، ولديه من خواص المحاوِر الذكي والمثقَّف ما يُغري بمحاورته.. لقد احيا الأمل في نفسي بعد طول يأس وقنوط، وكشف لي أنَّ في "واتا" آخرين، أي أُناس ليسوا بالعجزة والقاصرين عقلا وفكرا ومنطقا.. أُناس يملكون في عقولهم شيئا آخر غير الاستشهاد والاقتباس.
أخالفه الرأي في كثير مِمَّا قال، ولسوف أناقشه وأحاوره عمَّا قريب.
مرَّة أخرى أحيِّيه

الأستاذ القدير سعيد نويضي ..

نلتها والله يا عكاشة ..

شهد لك من لا يستحق ، ومنحك ما لا يملك ..!!

أعانك الله على ما أنت مقدم عليه مع مجادل ٍ عقيم ..!!

احترامي وتقديري للأستاذ سعيد نويضي ..

جواد البشيتي
01/10/2007, 12:07 PM
الأستاذ سعيد نويضي

تحية

في الآتي أُجيبكَ ضِمْناً عن بعض أسئلتكَ وتساؤلاتك:

ليس في القرآن من إشارة إلى "العدم" في المعنى الذي نَعْرِف. حتى "خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستَّة أيَّام" لم يتضمن إشارة إلى "الخلق من العدم Nothingness". أمَّا الوصف القرآني لـ "يوم القيامة"، ولـ "الجنَّة الخالدة"، فليس فيه ما يؤكِّد "فناء المادة"، أي انتقالها من "الوجود" إلى "العدم"، فالقرآن يتحدَّث عن "الفناء"، أي "فناء الحياة الدنيا"، في معنى مختَلِف تماماً عن معنى "العدم" Nothingness.

ونظرية "الانفجار العظيم" ذاتها لم تَضَع "العدم" في "مفهوم متماسك"، إذ ظلَّت "البيضة الكونية" أقرب إلى مفهوم "المادة" منها إلى مفهوم "العدم"، ولو أنَّها أضعفت كثيراً "مادِّية" هذه "النقطة"، التي خُلِق منها الكون. أمَّا وَصْفُ عمليتي "الخَلْق" و"الفناء" فَيَرِد في القرآن خالياً من معنى "العدم" Nothingness.

"أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ". من سورة "الأنبياء".

هذه هي الآية التي تُتَّخَذ جسراً بين القرآن ونظرية "الانفجار العظيم". إنَّهم يرون أنَّ خلق السماوات والأرض بدأ من "جرم ابتدائي واحد"، سمَّاه الله (بحسب تأويلهم) باسم "مرحلة الرتق". ثمَّ أمر الله بـ "فتق هذا الجرم الابتدائي فانفتق". وهذه المرحلة يسمِّيها القرآن باسم "مرحلة الفتق". وإذ انفتق هذا الجرم تحوَّل إلى "سحابة من الدخان (مرحلة الدخان)"، الذي منه خلق الله الأرض والسماء، وما ينتشر بينهما من المادة والطاقة بكل صورهما وأشكالهما.

ولكن، ما قولهم في مرحلة كونية افتراضية أُخرى تسمَّى "الانسحاق العظيم" Big Crunch والتي فيها تسود قوَّة الجاذبية الكونية سيادة "مطلقة"، فينكمش الكون ويتقلَّص، منهاراً على ذاته؟ إنَّهم يرون في عبارة "طيِّ السماء" القرآنية مرادفاً لنظرية "الانسحاق العظيم".

ويَنْظُرون إلى مرحلة "الانسحاق العظيم"، وهي مرحلة "نهاية كوننا المتمدِّد"، على أنَّها عودة إلى "مرحلة الرتق"، التي سيعقبها "فتق"، أي انفجار كوني جديد، فسحابة من الدخان، يخلق الله منها أرضاً غير الأرض، وسماوات غير السماوات.

"يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ". من سورة "الأنبياء". في هذه الآية، اكتشفوا الإشارات القرآنية إلى مرحلة "الانسحاق العظيم"، قائلين: في هذه المرحلة سوف يطوي الله صفحة الكون، جامعاً كل ما فيها من المادة والطاقة والمكان والزمان على هيئة "جرم ابتدائي ثانٍ"، أي "رتق ثانٍ"، شبيه تماماً بـ "الجرم الابتدائي الأوَّل (الرتق الأوَّل)". وبأمر من الله سوف ينفجر هذا الجرم الثاني كما انفجر الأوَّل، وسوف يتحوَّل إلى "سحابة دخان"، يخلق الله منها أرضاً غير أرضنا الحالية، وسماوات غير السماوات التي تظلَّنا. وهنا، يقرِّرون تبدأ "الحياة الآخرة"، التي من سننها وقوانينها "الخلود". إنَّ مرحلة "الانسحاق العظيم" هي، في تأويلهم، مرحلة "إفناء الكون"!

"الفتق"، لغة، هو "شقُّ" الشيء، أي فصل بعضه عن بعض. قال ابن منظور في "لسان العرب": "الرَّتْقُ هو ضدّ الفتْقُ". وقال ابن سيده: "الرَّتْقُ هو إلحام الفتْقِ وإصلاحه. نقول: "رَتَقَه، يرتُقُه ويرتِقُه، رتقاً، فارتتق، أي التَأَم". ونقول: "فتقه يفتقُّه فتقاً، أي شقَّه"، فالفتق خلاف الرتق.

وجاء في "التفاسير":
"أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ كَانَتَا رَتْقًا"، أي كانتا متَّصلتين، متلاصقتين، في ابتداء الأمر، ففتق الله هذه من تلك، فجَعَلَ السموات سبعاً والأرض سبعاً، وفصل بين السماء الدنيا والأرض بـ "الهواء"، فأمطرت السماء وأنبتت الأرض. ولهذا قال: "وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ..".

سُئِل ابن عبَّاس: "الليل كان قَبْل أو النهار؟"، فقال: "أرأيتم السموات والأرض حين كانتا رتقا، هل كان بينهما إلا ظُلمة؟ ذلك لتعلموا أنَّ الليل قَبْلَ النهار.

اختلف المفسِّرون في المراد بـ "الرتق" و"الفتق"، وكان قول الحسن وقتادة وسعيد بن جبير ورواية عكرمة عن ابن عباس إنَّ المعنى هو: كانتا شيئاً واحداً. كانتا ملتصقتين، ففصل الله بينهما ورفع السماء إلى حيث هي، وأقرَّ الأرض. وهذا القول يوجب أنَّ خلق الأرض مقدَّم على خلق السماء؛ لأنَّ الله لمَّا فصل بينهما ترك الأرض حيث هي وأصعد الأجزاء السماوية.

وقال ابن عبَّاس: "نعم، كانت السموات رتقا لا تمطر، وكانت الأرض رتقا لا تنبت، فلمَّا خلق للأرض أهلاً فتق السماء بالمطر، وفتق الأرض بالنبات".

وقال عطية العوفي: "كانت السماء رتقاً لا تمطر فأمطرت، وكانت الأرض رتقاً لا تنبت فأنبتت".

وقال إسماعيل بن أبي خالد: "كانت السماء واحدة، ففتق منها سبع سموات، وكانت الأرض واحدة، ففتق منها سبع أرضين".

وقال بعض أهل التأويل: إنَّ السماوات والأرض كانتا ملتصقتين، ففصل الله بينهما بالهواء.

أمَّا السُّدِّي فقال: "كانت سماء واحدة، ثم فتقها، فجعلها سبع سماوات في يومين، هما الخميس والجمعة، وإنَّما سمِّي "يوم الجمعة"؛ لأنَّه جمع فيه خلق السماوات والأرض".

وقال آخرون: "إنَّما قيل ففتقناهما؛ لأنَّ الليل كان قَبْلَ النهار، ففتق النهار".

وقال أبو جعفر: أوْلى الأقوال، في ذلك، بالصواب، قول مَنْ قال إنَّ السماوات والأرض كانتا رتقاً من المطر والنبات ففتقنا السماء بالغيث، والأرض بالنبات، وإنَّما قلنا ذلك أوْلى بالصواب، في ذلك؛ لدلالة قوله "وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ..".

واختلف أهل التأويل في أمر نزول الغيث فقال بعضهم إنَّه ينزل من السماء الدنيا، وقال بعضهم إنَّه ينزل من السماء السابعة، وقال بعضهم إنَّه ينزل من السماء الرابعة.

وقال كعب: "خلق الله السموات والأرض بعضها على بعض، ثم خلق ريحاً في وسطها، ففتحها بها، وجعل السموات سبعاً والأرضين سبعاً".

وفي شرح هذه "الأرضين"، قالوا: خلق الله الأرض العليا، فجعل سكانها الجن والإنس، وشقَّ فيها الأنهار، وأنبت فيها الأثمار، وجَعَلَ فيها البحار، وسماها رعاء. ثمَّ خلق الثانية مثلها في العرض والغلظ، وجَعَلَ فيها أقواماً، أفواههم كأفواه الكلاب وأيديهم أيدي الناس، وآذانهم آذان البقر.. واسم تلك الأرض الدكماء. ثمَّ خلق الأرض الثالثة.. الرابعة خلق فيها ظلمة وعقارب لأهل النار. ثمَّ خلق الله الأرض السابعة، واسمها عربية، وفيها جهنم.

الآية، في ضوء كل تلك التفاسير، تحمل معنيين: أنَّ السماوات والأرض كانتا رتقاً من المطر والنبات، ففتق الله السماء بالغيث، والأرض بالنبات. والدليل على هذا المعنى قوله "وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ". والمعنى الثاني، أنَّ السماء والأرض كانتا ملتصقتين، ففصل الله بينهما بالهواء، أو الريح، فالسماء رفعها عن الأرض بغير أعمدة (تأكيداً لقدرته) أي جعلها مُقبَّبة على الأرض مثل القُبَّة.

لقد بنى الله السماء، أي رفعها بغير عمد ترونها. رفعها سقفاً بقوَّة. فما معنى ذلك؟ معناه، الذي لا يختلف فيه اثنان يحتكمان إلى المنطق، هو أنَّ السماء كانت ملتصقة بالأرض، ففصلها عن الأرض إذ رفعها عنها بغير عمد، فصار بينهما هواء أو ريح.

قال ابن كثير: السماء على الأرض مثل القُبَّة‏,‏ أي بلا عمد‏.‏ وهذا المعنى هو ما يُناسِب السياق، وما يَظْهَر من الآية "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الأرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الأرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ". وعلى ذلك، تُفْهَم عبارة ‏"ترونها‏" على أنَّها تأكيد لنفي ذلك‏,‏ أي أنَّ السماء مرفوعة بغير عمد كما ترونها‏.‏

الآية، خاطبت عقول الناس الذين أدهشتهم رؤية السماء مرفوعة عن الأرض كسقف لا أعمدة له، فقالت لهم إنَّ السماء كانت، من قَبْل، ملتصقة بالأرض، فرفعها الله بقدرته الخارقة بغير عمد ترونها. وإذ فصلها ورفعها عن الأرض صار ممكنا أنْ تمطر السماء، وأنْ تنبت الأرض، وأنْ تكون حياة، فمِنَ الماء خلق الله كل الكائنات الحية.

هذا هو المعنى الحقيقي للآية القرآنية الذي يشوِّهونه ويفسدونه بزعمهم أنَّ "الرتق" هو "البيضة الكونية" Singularity التي منها انبثق الكون، وأنَّ "الفتق" هو "الانفجار العظيم".

"الانفجار (الكوني) العظيم" إنَّما هو، كوزمولوجياً، انفجار تلك "النقطة" الكونية ذات الكثافة غير المحدودة، و"المعدومة" الحجم. ويكفي أنْ يتأملوا هذه "النقطة" وخواصها، وأنْ يتحلوا بقليل من الموضوعية في النظر والتفكير، حتى يكتشفوا أنْ لا جامع يجمع بينها وبين "جرمهم الابتدائي"، الذي اجتمعت فيه الأرض والسماء، والتصقت كلتاهما بالأُخرى، إلى أنْ حَدَثَ "الفتق"، أي الانفجار العظيم، وجاء بتلك "السحابة الدخانية"، التي منها خُلِقت الأرض (مع كل ما في الكون من نجوم ومجرَّات ومادة وطاقة..)!

ألَمْ يسألوا أنفسهم: كيف خُلِقت الأرض من الدخان وهي التي كانت والسماء تؤلِّفان "جرمه الابتدائي"، أي مرحلة الرتق؟!

انْظُروا، مثلاً، كيف يشوِّهون مفهوم "الجسم البدائي" Singularity الذي تضمنته أهم نظرية كوزمولوجية في القرنين العشرين والحادي والعشرين، نظرية "الانفجار العظيم".

إنَّ هذا "الجسم البدائي" هو ذاته، في نظرهم، "مرحلة الرتق" أي حالة الكون قَبْلَ "الانفجار العظيم". وهم يفهمون "مرحلة الرتق" على أنَّها "مرحلة العدم"، قائلين في هذا الصدد: "الكون بدأ من نقطة واحدة بعملية انفجار عظيمة.. وهذا يؤكد حقيقة نشوء الكون من العدم". وقد اعتبروا "الجسم البدائي" حالة "عدم"؛ لأنَّ حجم هذا الجسم يقترب من الصفر. ولكن لهذا الجسم خواص يذكرونها على النحو الآتي: "ضآلة الحجم، وضخامة الكثافة، وشدة الحرارة". فهل يجوز، منطقياً، بَعْدَ تعداد هذه الخواص لـ "لجسم البدائي" القول بأنَّ هذا الجسم والعدم شيء واحد؟! هل من خواص "العدم" أنْ يكون شيئاً ضئيل الحجم، وضخم الكثافة، وشديد الحرارة؟!

في هذه الطريقة يفهمون كيفية نشوء المادة من العدم. وفي الطريقة ذاتها يفهمون، أيضاً، كيفية فناء المادة. إنَّهم ينظرون إلى عودة الكون إلى حالة "الجسم البدائي"، بَعْدَ تحوُّل الكون من "التمدُّد" إلى "الانكماش"، على أنَّها "مرحلة الفناء"، ففناء الكون، في رأيهم، هو عودة الكون إلى "الرتق بَعْدَ الفتق".

بعد "الانسحاق العظيم"، يعود الكون، في رأيهم، إلى مرحلة "الرتق"، أي الجرم الابتدائي، فيَحْدُث "فتق ثانٍ"، أي انفجار كوني ثانٍ، يؤدِّي إلى "سحابة دخانية ثانية"، يُخْلَق منها "أرض ثانية" و"سماء ثانية"، أي يُخْلَق منها "كون ثانٍ". ومع ذلك، لا يجدون أي تناقض منطقي في قولهم إنَّ هذا هو "إفناء الكون"، أي الآخرة!

فكيف تفنى المادة.. كيف تنتقل من "الوجود" إلى "العدم" إذا كان فناؤها، وإذا كان "العدم"، هما، في شرحهم وتوضيحهم، "الأرض الثانية" و"السماء الثانية" و"الكون الثاني"؟!

لو أنَّهم أمعنوا النظر، قليلاً، في "جرمهم الابتدائي"، الذي يَنْظُرون إليه على أنَّه "العدم"، لما وجدوا في خواصه شيئاً من مفهوم "العدم". ولو أمعنوا النظر في تلك الحالة الكونية التي سمَّوها "فناء الكون" لما وجدوا فيها شيئاً من مفهوم "الفناء المادي".

لقد فسَّروا "الرتق"، في الآية "أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ"، على أنَّه "البيضة الكونية"، أو ما يسمُّونه "الجرم المتناهي في الصِغَر". أمَّا "الفتق" ففسَّروه على أنَّه "الانفجار الكبير" Big Bang الذي جاء من الأمر الإلهي "كُنْ".

إنَّهم يقولون: "لقد أدَّى هذا الانفجار الكوني (أي "الفتق") إلى نشوء، أو ظهور، غلالة من الدخان، خَلَقَ الله منها الأرض والسماء وما بينهما". فما معنى هذا الكلام إذا كان له من معنى؟ معناه أنَّ "الرتق"، أي ذلك "الجرم"، كان أوَّلاً، ثمَّ صَدَرَ الأمر الإلهي "كُنْ"، فكان "الانفجار الكبير"، الذي أدَّى إلى "غلالة مِنَ الدخان"، خَلَقَ الله منها الأرض والسماء وما بينهما. هذا معناه أنَّ "الأرض" لم تُخْلَق إلا بَعْدَ خَلْقِ تلك "الغلالة الدخانية"، أو "الدخان (الكوني)"، وأنَّ هذا "الدخان" هو الذي تَوَلَّدَ عن "الانفجار العظيم"، الذي قَبْله كان "الجرم المتناهي في الصِغَر"، أو "الرتق". إذا كان هذا هو "جدول خَلْق الأرض"، فكيف يُقال: "السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا"؟!

إذا كان "الرتق" هو هذا "الجرم"، فإنَّ المعنى الحقيقي للآية، أو للعبارة، القرآنية هو الآتي: ضِمْنَ هذا "الجرم" كانت الأرض والسماء شيئان متَّصلان، فصَدَر الأمر الإلهي ("كُنْ") بـ "الفتق"، أي بـ "الانفجار الكوني"، فانفصل كلاهما عن الآخر. بحسب هذا المعنى الحقيقي، لم تُخْلَق الأرض من تلك "الغلالة الدخانية"؛ لأنَّها كانت "جزءاً لا يتجزأ" من "الجرم"، ثمَّ "تجزأ" بفضل أمر "الفتق".

لم يَبْقَ لديهم من مَخْرَجٍ من هذا المأزق سوى "المَخْرَج الفلسفي"، الذي فيه يستطيعون أنْ يقولوا إنَّ "الأرض" كانت موجودة بـ "القوَّة"، ولم تكن موجودة بـ "الفعل"، في ذلك "الجرم". ولكنْ، كل شيء في الكون كان موجوداً بـ "القوَّة" في "البيضة الكونية". حتى هُمْ أنفسهم كانوا موجودين بـ "القوَّة" في "البيضة الكونية"!

لقد "كفروا"، بحسب المعيار الذي يقولون به، إذ حاولوا أنْ يُظْهِروا "إيماناً دينياً"، فالله، بحسب روايتهم، خَلَقَ الكون، ولكنْ ليس من "العدم"، فـ "قَبْلَ" الخَلْق لم يَكُنْ "العدم"، فالذي كان، بحسب روايتهم، إنَّما هو "الجرم المتناهي في الصِغَر، أي الذي له حجم يكاد أنْ يَعْدِل الصفر في ضآلته. وهذا الجرم كان في منتهى العِظَم في كثافته ودرجة حرارته". إنَّنا نتحدَّاهم أنْ يقيموا الدليل على أنَّ جرماً بهذه الخواص هو "العدم ذاته".

ويقولون: "من هذا الجرم بدأ خَلْق الكون بالأمر الإلهي كُنْ". فلتمعنوا النظر في الحرف "من"، وفي الفعل "بدأ". في هذه "الرواية الدينية ـ الكوزمولوجية"، يسيرون في "طريق الدين" ليصلوا إلى غير ما يريدون، ففي "البدء" كان "الله"، وكان معه "الجرم"، أي "المادة"، وكأنَّ "أزلية" هذا "الجرم" من "الأزلية الإلهية". لقد عادوا بنا إلى "الثنائيَّة"، أي ثنائيَّة "الروح" و"المادة"!


تَذَكَّروا أنَّ أمر الخَلْق "كُنْ" لم يكن أمراً بـ "خَلْق الجرم"، وإنَّما بـ "فَتْقِهِ"، فـ "الجرم"، الذي هو "مادة"، شاءوا أم أبوا، كان، على ضآلة حجمه، موجوداً بـ "الفعل" قَبْلَ "بدء الخَلْق".

والآن، أيُّهما خُلِقَ قَبْلَ الآخر؟ هل الأرض خُلِقَت قَبْلَ السماء، أم السماء خُلِقَت قَبْلَ الأرض؟ أم أنَّهما خُلِقا معاً؟ إنَّهم يستصغِرون الأسئلة تلك، والأجوبة عنها، قائلين: "السائلون ينسون أنَّ الزمن من خَلْق الله، وأنَّ القَبْليَّة والبَعْدِيَّة من الاصطلاحات البشرية، التي لا مدلول لها عند الله، وبالنسبة إليه".

لقد نسي هؤلاء عبارة "مِمَّا تَعُدُّونَ" في الآيتين: "وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ"، و"يُدَبِّرُ الأمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ".

ونحن، وبما يتَّفِق كل الاتِّفاق مع المعنى الحقيقي للآية "أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ"، نجيب عن تلك الأسئلة قائلين: "الخَلْق إنَّما هو فتق الرتق، أي فَصْلُ السماء عن الأرض وقد كانتا ملتصقتين. وبحسب هذا المعنى للخَلْق، يمكن القول بأنَّهما قد خُلِقتا معاً".

ويكفي أنْ يقيموا الدليل بأنفسهم على أنَّهم يجهلون معنى "العدم" حتى لا يبقى لديهم من حقٍّ في الحديث عن "الخَلْق". وقد جاءوا بهذا الدليل إذ قالوا: "ثَبُتَ علمياً أنَّ المادة والمادة المضادة قد خُلِقتا بمقدارين متساويين عقب الانفجار الكوني. وهذا إنَّما يؤكِّد حقيقة الخَلْق مِنَ العدم، وحقيقة أنَّ فناء المادة ممكن".

ما ثَبُتَ علمياً إنَّما هو أنَّ الفناء المتبادَل لـ "المادة" Matter و"المادة المضادة" Antimatter هو تحوُّلهما إلى "طاقة"، فـ "الطاقة"، أو "الفوتونات"، هي ما ينشأ، أو يَتَوَلَّد، عن الفناء المتبادَل لـ "الإلكترون" و"البوزيترون" مثلاً. وثَبُتَ، أيضاً، أنَّ من هذه "الطاقة" يمكن أنْ تنشأ "جسيمات مادية". فَمَنْ ذا الذي أقنعهم بأنَّ "الطاقة" Energy هي "العدم" Nothingness. لا أظنُّ أنَّ آينشتاين هو الذي أقنعهم بذلك!

لقد أثْبَت آينشتاين أنَّ "الكتلة" Mass تتحوَّل إلى "طاقة" Energy وأنَّ "الطاقة" تتحوَّل إلى "كتلة". أمَّا هُمْ فقالوا بتحوُّل "الكتلة إلى عدم" إذ قال بـ "تكافؤ الطاقة والعدم"! ولو كان لهم أنْ "يؤوِّلوا" معادلة آينشتاين الشهيرة لأوَّلوها بما يتَّفِق مع تأويلهم للآية، ولقالوا، بالتالي، بـ "تحوُّل الكتلة إلى عدم، والعدم إلى كتلة"!

ووقعوا في خطأ "ثنائية المادة والطاقة" إذ قالوا بتحوُّل المادة إلى طاقة، والطاقة إلى مادة، علماً أنَّ الثنائية الصحيحة هي "ثنائية الكتلة والطاقة"، فالكتلة (وليس المادة) هي التي تتحوَّل إلى طاقة، يمكن أنْ تتحوَّل إلى كتلة، فالكتلة والطاقة هما شكلان لوجود المادة.

ولو كانوا "طلاب تفسير" لفسَّروا الآية "أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ" بما يتَّفِق و"التصوُّر الكوزمولوجي" للناس عند نزولها، فالناس كانوا ينظرون إلى "الكون" على أنَّه "أرضٌ تعلوها سماء (مزيَّنة بما يشبه "المصابيح")". كانوا يرون "الأرض" من تحتهم و"السماء" من فوقهم. وكانوا يرون "السقف السماوي" مرفوعاً (عن الأرض) من غير أعمدة. وكان سؤالهم بالتالي: كيف رُفِعَ هذا السقف؟! وجاءهم "الجواب" من الآية على النحو الآتي: في البدء، كانت السماء (أو القبَّة الزرقاء) ملتصقة بالأرض، فقام "الخالِق" إذ بدأ الخَلْق بالفصل بين السماء والأرض، رافِعاً "السقف السماوي" بعيداً فَوْق الأرض. وفي هذا المعنى فحسب، كانت "السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا". وبفضل هذا "الفتق"، "توسَّط الهواء (والريح) بين السماء والأرض"، ونزل الماء (المطر) من السماء، وخرج النبات من الأرض.

إنَّهم يُفَصِّلون ويشرحون لنا "السماوات السَبْع" قائلين إنَّ "السماء الدنيا" هي وحدها التي يمكن أنْ تكون موضوعاً للمعرفة والعِلْم عند البشر، فـ "السماوات السِت" لا يَعْلَم أمرها إلا الله الذي لولا أنَّه قد أخْبَرَ عنها في القرآن، ولولا أنَّ خاتم أنبيائه ورُسُلِه قد جابها في ليلة الإسراء والمعراج، لَمَا عَلِمَ بها البشر، الذين لم يكتشفوا، حتى الآن، إلا جزءاً ضئيلاً من "السماء الدنيا"، التي تضم كل ما في الكون.

ويُفَسِّرون اقتران لفظ "الأرض" بلفظ "السماء" في آيات قرآنية عدَّة على أنَّه "تأكيد لمركزية الأرض في الكون، أو بالنسبة إلى السماوات"، معتبرين أنَّ "العلوم المكتسَبة لا تستطيع أنْ تقول في هذه المركزية شيئاً بالإثبات أو النفي"!

قد نتَّفِق معهم على "مركزية الأرض" في معنى ما، ولكن ليس في "المعنى الكوزمولوجي"، فـ "مركزية الأرض" قد نقول بها؛ لأنَّ هذا الكوكب موطن الإنسان وحضارته. ولكنَّ هذه "المركزية المجازيَّة" لا بدَّ لها من أنْ تنتهي عند اكتشاف حضارة فضائية أرقى من حضارتنا الأرضية. أمَّا "المركزية الكوزمولوجية للأرض"، وهي التي عنوها، فقد نفتها "العلوم المكتسَبَة" نفياً مطلقاً، فكل كوكب (أو نجم أو مجرَّة..) يحقُّ له أنْ يَنْظُرَ إلى نفسه على أنَّه "مركز الكون". إنَّ "البناء الكوني" هو من النمط الذي يُريكَ الفضاء بنجومه ومجرَّاته.. يُحيط بكَ من كل ناحية أينما كنتَ في الكون.

"فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ". الآية 12 من سورة "فصلت". "أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا. وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا". الآيتان 15 و16 من سورة "نوح". "وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا". الآية 12 من سورة "النبأ".

لقد قرَّروا، هنا، أنْ يتجشَّموا شرح "السماوات السَبْع" فتوصَّلوا، أوَّلاً، إلى أنَّ "السماوات السَبْع" هي سماوات سَبْع فحسب، أي أنَّ السماوات التي بناها الله فوقنا، لا تزيد، ولا تقل، عن سَبْع سماوات، لا نرى منها، ولا يمكننا أنْ نرى، سوى جزء ضئيل من "السماء الدنيا"، أي "السماء الأولى"، أو "السماء الأقرب إلينا".

ويُقرِّرون أنَّ "السماوات السَبْع" جميعاً قد خَرَجَت (بـ "قوَّة الخَلْق") من رحم "السماء الدخانيَّة الأولى". ومع أنَّهم مِثْلنا لا يُدْرِكون، ولا يستطيعوا أنْ يُدْرِكوا، سوى جزء ضئيل من "السماء الدنيا"، فقد قالوا مُكْتَشِفين إنَّ "السماء الدنيا (كلها) كروية".

ولَمَّا كانت السماوات السَبْع "متطابقة"، بحسب آيات قرآنية، استنتجوا، أو اكتشفوا، أنَّ كل سماء من "السماوات السِت المُتَبَقِّية"، والتي لا يَعْلَم بأمرها غير الله، لا بدَّ لها من أنْ تكون "كروية".

وبَعْدَما تأكَّد أنْ لا رادع يردعهم عن المضي قُدُماً في "اكتشافاتهم" و"قراراتهم الكونية"، قالوا بوجود "مركز واحد" تُحيطُ به "السماوات السَبْع"، التي هي "طبقة فوق طبقة"، أو "طبقة تُغلِّفها طبقة".

لقد تصوَّروا "الكون" على أنَّه "كرة ضخمة، لها مَرْكَز، هو الأرض". و"السماوات السَبْع"، بدءاً بـ "السماء الدنيا"، "تُغَلِّف" هذا "المَرْكَز"، فـ "السماء الدنيا (الأولى)" تُغَلِّف، مباشَرةً، الأرض، أي "مَرْكَز الكون". وهذه السماء تُغَلِّفها "السماء الثانية"، التي تُغَلِّفها "السماء الثالثة"، التي تُغَلِّفها "الرابعة"، التي تُغَلِّفها "الخامسة"، التي تُغَلِّفها "السادسة"، التي تُغَلِّفها "السابعة (والأخيرة)"، التي..

إنَّهم يؤمِنون بـ "انحناء الفضاء (أو السماوات السَبْع)". ويؤمِنون بأنَّ "الكتلة (والطاقة)" هي "سبب" هذا "الانحناء". ويؤمِنون بأنَّه كلَّما زادت "الكتلة" وتركَّزت اشتد وقوي "انحناء الفضاء (أو المكان، أو السماوات السَبْع)".

ولكنَّه يؤمِنون، على ما نفترض، أو يجب أنْ يكونوا مؤمنين، بأنْ ليس في "الأرض"، أي "مَرْكَز الكون" على ما يزعمون ويتوهَّمون، من "الكتلة" ما يكفي لجعلها سبب انحناء (أو كروية) تلك "السماوات السَبْع".

وهُم، على ما نَعْلَم، من المؤمنين بـ "نظرية الانفجار الكبير" Big Bang. وهذه النظرية، لا تقول بوجود "مَرْكزٍ للكون"، فـ "الكون"، بحسبها، إنَّما يقع كله، أي بفضائه وبكل ما فيه من نجوم ومجرَّات وغير ذلك من المادة، على "سطح البالون الكوني الضخم"، فكل "نقطة كونية" على هذا "السطح" يمكن النظر إليها على أنَّها "مَرْكَز الكون"، أي "مَرْكَزَهُ النسبي".

إنَّهم يستشهدون بحديث نبوي جاء فيه: "ما السماوات السَبْع وما فيهن وما بينهن‏,‏ والأرضون السَبْع وما فيهن وما بينهن في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة".

لقد عَرَفْنا "السماوات السَبْع" إذ شرحوها لنا. ولكنْ لماذا لم يُكلِّفوا أنفسهم أنْ يشرحوا لنا "ما بينهن"، أي ما بين كل سماء وسماء من هذه "السماوات السَبْع"؟!

عَرَفْنا أنَّ السماء "طبقات سَبْع"،، وأنَّ "الأولى"، أي "السماء الدنيا"، تُغَلِّف "الأرض"، و"الثانية" تُغَلِّف "الأولى"، و"الثالثة" تُغَلِّف "الثانية"، .. إلخ. والآن، يُخْبِرنا الحديث النبوي بـ "وجود شيء ما" ما بين "الأولى" و"الثانية"، وما بين "الثانية" و"الثالثة"، .. إلخ. فَلِمَ لَمْ يشرحوا لنا هذه "الفجوة" ما بين سماء وسماء؟!

وعن "السعة النسبية" لـ "السماوات السبع وما فيهن وما بينهن‏,‏ والأرضون السبع وما فيهن وما بينهن"، يُخْبِرنا "الحديث" أنَّها، بالمقارنة مع "سعة العرش"، تعدل "حلقة ملقاة بأرض فلاة"، أي أنَّ "سعة الكون" لا تُذْكَر إذا ما قورِنت بـ "سعة العرش الإلهي".

إنَّهم "يُقرِّرون" أنَّ "كل ما في السماء الدنيا يقع في داخل باقي السماوات"، مستنِدين إلى الآية "أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا. وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا".

وسؤالنا لهم هو الآتي: كيف للقمر أنْ يكون "نوراً، وللشمس أنْ تكون "سراحاً وهَّاجاً"، في "السماء السادسة (أو السابعة)" مثلاً؟!

هذا القمر ليس بـ "نور" بالنسبة إلى "سكَّان كوكب يقع في نهاية مجرَّتنا، أي مجرَّة "درب التبانة"، التي هي "نقطة" في "بحر الجزء الذي نُدْرِك من السماء الدنيا"!

"أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ". الآية 6 من سورة "ق". أُنْظروا كيف فهموا وفسَّروا هذه الآية. لفظ "السماء" الوارد في الآية فهموه على أنَّه يعني "السماء الدنيا" فحسب، وليس "السماوات السَبْع" جميعاً. أمَّا السبب الذي حملهم على ذلك فيكمن في عبارة "أفلم ينظروا"، فهم يرون أنَّ الله قال: "أَفَلَمْ يَنْظُرُوا"؛ لأنَّ "السماء الدنيا هي السماء الوحيدة التي في مقدور الإنسان أنْ يَنْظُرَ إليها"!

"أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا. وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا". الآيتان 15 و16 من سورة "نوح". فإذا كان ما يرونه النجار صحيحاً، فما قولهم في العبارة "أَلَمْ تَرَوْا"؟! ما قولهم وهي تجيء قَبْلَ عبارة "سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا"؟! هل عبارة "أَلَمْ تَرَوْا" تختلف في معناها عن عبارة "أَفَلَمْ يَنْظُرُوا"؟!

لقد جاء في "تفسير الجلالين": "أَلَمْ تَرَوْا"، أي أَلَمْ تَنْظُرُوا "كَيْفَ خَلَقَ اللَّه سَبْع سماوات طِبَاقًا" بَعْضهَا فَوْق بَعْض. والدليل على أنَّ الآية تُشير إلى "سماوات سَبْع" في مقدور الإنسان أنْ يَنْظُرَ إليها هو أنَّ ابن كثير شرح الآية على النحو الآتي: "إنَّ الْكَوَاكِب السَّبْعَة السَّيَّارَة يَكْسِف بَعْضهَا بَعْضًا، فَأَدْنَاهَا الْقَمَر فِي السَّمَاء الدُّنْيَا، وَهُوَ يَكْسِف مَا فَوْقه، وَعُطَارِد فِي الثَّانِيَة، وَالزُّهْرَة فِي الثَّالِثَة، وَالشَّمْس فِي الرَّابِعَة، وَالْمِرِّيخ فِي الْخَامِسَة، وَالْمُشْتَرَى فِي السَّادِسَة، وَزُحَل فِي السَّابِعَة. وَأَمَّا بَقِيَّة الْكَوَاكِب، وَهِيَ الثَّوَابِت، فَفِي فَلَك ثَامِن يُسَمُّونَهُ فَلَك الثَّوَابِت".

لقد وقع في خطأ "ثنائية الأرض والسماء"، فقد قالوا: السماء لغة هي كل ما علاك فأظلك، ومضموناً هي كل ما في حول الأرض من أجرام..

نقول بخطأ هذه الثنائية لأنْ ليس لـ "ظروف المكان" مثل "فوق" و"تحت"، "يمين" و"يسار"، من معانٍ مطلقة في الكون، فالذي يقف على سطح كوكب المريخ، مثلاً، يمكنه أنْ يقول بـ "ثنائية المريخ والسماء" وأنْ يعرِّف "السماء" على أنَّها كل ما يحيط بالمريخ من أجرام..

كوزمولوجياً، لا فَرْق بين قولك "السماء والأرض وما بينهما" وقولك "السماء والمريخ (أو أي كوكب آخر) وما بينهما"، فالقبَّة السماوية هي ذاتها (تقريباً) في كلا الكوكبين.

و"السماء"، في مفهومها الشامل (الكوزمولوجي) ليست "القبَّة الزرقاء"، التي تحيط بيابسة الأرض و بحارها، فهذه القبَّة، بلونها، الأزرق، هي جزء من "الغلاف الجوي" لكوكب الأرض.

"السماء"، في معناها الكوزمولوجي، هي هذا "الفضاء المظلم البارد اللانهائي في حجمه واتساعه ومداه"، والذي تنتشر فيه المجرَّات والنجوم والكواكب والأقمار، وغيرها مِنَ الأشياء المختلفة الحجم والكتلة والكثافة والسرعة والشكل والخواص الفيزيائية.

نقول "تنتشر فيه" انتشاراً في المعنى الذي أوضحته نظرية "النسبية العامة" لآينشتاين، وليس وفق التصُّور "الميكانيكي" لنيوتن، فالفضاء ليس بالوعاء، الذي تُوْضَع فيه المجرَّات والنجوم.. وَضْعاً.

"الفضاء" و"الجسم (المجرَّة، النجم، الكوكب..)" هما كل واحد لا يتجزأ، فلا "فضاء" من دون "جسم"، ولا "جسم" من دون "فضاء".

هذا "الفضاء المطلق" هو الشيء الذي له "داخل" وليس له "خارج"، فأنتَ أنَّى ذهبتَ وسافرتَ وانتقلتَ فيه ستظل في داخله، في "مركزه"، لن تبلغ، أبداً، حافته؛ لأنْ ليس له حافة حتى تبلغها، ولن تَجِدَ نفسك في خارجه؛ لأنْ ليس له خارج.

هل تستطيع، مثلاً، أنْ تُحدِّد، تحديداً "مطلقاً"، أين تقع الشمس، مثلاً، في الفضاء أو السماء؟ كلا لا تستطيع، فأنتَ إذا كنتَ فوق سطح الأرض ستقول إنَّ الشمس تقع "فوق" الأرض.. تقع "بين" الأرض والسماء. ستقول إنَّها تقع قريباً من كوكب عطارد، وبعيداً عن كوكب نبتون.

وإذا كنتَ واقفاً على سطح المريخ ستقول إنَّ الشمس تقع فوقه.. فالجسم في الفضاء إنَّما يتحدَّد، موقعاً ومكاناً، نسبة إلى أجسام أخرى، قريبة منه أو بعيدة عنه.

أمَّا "السموات السبع" فينبغي لهم فهمها، إذا ما أرادوا المصالحة مع الحقائق الكونية، كما فهمها بعض "المفسِّرين"، فهي ليست سبعاً، وإنَّما كثرة ووفرة من السماوات، فللأرض سماؤها، وللشمس سماؤها، ولمجرَّة "درب التبانة" سماؤها، ولمجرَّة "أندروميدا" سماؤها، ولهذا "النجم النيوتروني" سماؤه، ولكل تكوين مادي في الفضاء سماؤه..

نقول بذلك تحاشياً للمشكلة الكوزمولوجية التي وقعوا فيها إذ قالوا إنَّ جميع ما في "السماء الدنيا" يقع في داخل باقي السماوات، فالقول الأصح هو إنَّ السماوات كُثْر، وإنَّ للأرض ولكل كوكب ولكل نجم.. "سماء دنيا" تزيِّنها مصابيح من النجوم. والشيء ذاته يمكن أنْ يقال في "الأرضين السبع"، أي أنَّ للأرض طبقات جيولوجية عديدة.

جواد البشيتي
01/10/2007, 01:13 PM
لقد حاروا في "المعنى القرآني" لـ "الخَلْق".. فاسمحوا لي أن أبسطه لهم حتى لا تظل الحروف بلا نقاط، والنقاط بلا حروف.

الخَلْق الإلهي (الديني، القرآني على وجه الخصوص) لـ "الكون (كما صُوِّرَ قرآنياً)" إنَّما هو، في مبتدأه وأساسه، على الأقل، "الخَلْقُ بالفَتْق".

هذا الخَلْق، الذي استغرق ستَّة أيَّام، أوْضَحَتْهُ الآية "أَوَلَمْ يَرَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ".

"الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ..".

"الخَلْق"، في معناه القرآني، ليس فيه من إشارة إلى "الخَلْق من العدم"، فَقَبْل خَلْق السماوات والأرض وما بينهما في ستَّة أيام كان الله.. وكان، أيضا، ذاك "الشيء"، أي السماوات والأرض وهما في حال "الرتق".. وكان "الماء"، الذي عليه كان عرش الله.. "وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ..".

وفي توضيح معنى "الرتق" نقول إنَّ "الرتق" مشروط بـ "الفَتْق"، فأنتَ "تَرْتِقُ الفَتْق"، أي تقوم بسدِّه ولأمه. و"رَتْق الثوب" إنَّما هو "إصلاح فَتْقِه"، فـ "المرتوق" من الأشياء هو المسدود والملتئم.

"قَبْل" الخَلْق (الذي استغرق ستَّة أيام) كانت السماوات والأرض كمثل "ثوب مرتوق"؛ و"الثوب المرتوق" هو "الثوب الذي أُصْلِح فتقه". و"الفتق" هو حال مخصوصة من "الشقِّ"، فكل فَتْق شق؛ ولكن ليس كل شق فَتْق. الله "بدأ" الخَلْق بـ "الفَتْق"، الذي هو حال مخصوصة من "الشقِّ"، فالأرض والسماوات كانتا "ملتصقتين"، أو "ملتزقتين"؛ فكلتاهما كانت "موجودة"؛ ولكن "ملتصقة"، أو "ملتزقة"، بالأخرى.

الله أمر بـ "فتقهما"؛ ثمَّ شرع يَخْلِق "في" الأرض (التي كانت موجودة) كخلقه الرواسي (الجبال) فيها. وشرع، في الوقت ذاته، أي في أيام الخلق الستَّة، يَخْلِق في "الطرف الآخر"، وهو السماوات التي كانت ملتصقة بالأرض ففصلها عنها، "فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ..".

"والكون"، في صورته القرآنية، كان "قَبْل" الخَلْق يتألَّف من شيئين: "الأرض" و"السماوات". وقد كانا "ملتصقين". ثمَّ أصبح، في الخَلْق، وبالخَلْق، أو بعد، وبفضل، "الفَتْق"، يتألَّف من "الأرض (المنفصلة) و"السماوات (المنفصلة) ومن أشياء أخرى تَقَع بينهما.

هل من معتَرِضٍ على أنَّ الخَلْق الإلهي (القرآني) والذي استغرق ستَّة أيام قد "بدأ" بـ "الفَتْق"؟ هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين في اعتراضكم!

جواد البشيتي
01/10/2007, 02:20 PM
في حُجَّة من أقوى حُجَجِهِم يقولون: "الموجود لا يَصْدُر عن نفسه ولا عن معدوم".
إنَّ "س" لا تَصْدُر (أي لا تنشأ) عن "س"، ولا تَصْدُر عن "العدم".
لا خلاف معهم في الأمر الثاني.. في أمْر أنَّ "س" لا تَصْدُر عن "العدم"، فهذا مُعْتَقَدٌ من معتقداتي.
أمَّا في الأمْر الأوَّل.. أمْر أنَّ "س" لا تَصْدر عن "س"، فلا بدَّ من الخلاف. إنَّهم يؤمنون بـ "الخالِص" من الأشياء، فـ "س" هي "س"، وليس ممكنا أن تكون، في الوقت نفسه، غير "س". "الشمس" هي "الشمس" وليس ممكنا أن تكون شيئاً آخر. وكذلك "الحياة"، و"النور"، و"الحركة"، و"الحب"،.. إلخ.
لو كانت "س" شيئاً "خالصا" لقُلْنا معهم بأنَّ "س" لا يمكن أن تَصْدُر عن نفسها؛ ولكن "س" لا وجود لها إذا لَمْ تكن منطوية على نقيضها، الذي ينمو بنموِّها، نموَّ جنين في رَحْمها، فإذا استنفدت قدرتها على النمو خَرَج نقيضها هذا، وهو "ص" مثلا، من رَحْمِها.
من أين أتت "الشمس" إذا لم تأتِ من رَحْم سحابة هيدروجينية كونية "باردة"، "مُظْلِمة"؟!
لو لم تكن "الشمس" كامنةً في تلك "السحابة" لَمَا وُجِدَت "السحابة" ذاتها، ولَمَا وُجِدَت "الشمس" أيضا. قُلْ أُنْظروا إلى "الشمس" كيف خُلِقَت. أُنْظروا إلى تلك "السحابة" وهي تنكمش، وتزداد انكماشا، بفضل جاذبيتها، فتتهيأ في مركزها أسباب وعوامل اندماج نوى الهيدروجين، فإذا اندمجت وُلِدَت الحرارة ومعها الضوء، أي وُلِدَت الشمس. لقد صَدَرَت "الشمس" عن "السحابة التي كانت تنطوي على نقيضها"، أي على "جنين الشمس". وانْظروا إلى ما سوف يَصْدُر عن "الشمس" عند موتها.
أمَّا "المادة" Matter فليست بـ "الشيء المخصوص" حتى نفهم وجودها كما نفهم وجود "الشمس" وسائر الأشياء المخصوصة.
"الشمس" لَمْ تَصْدُر عن "العدم"، ولَمْ تخلق نفسها بنفسها. فـ "الشمس" إنَّما هي ما خلقه "صراع الأضداد" في داخِل تلك "السحابة الهيدروجينية الكونية"، التي في تفاعلٍ مع بيئتها. على هذا النحو فحسب نفهم ونفسِّر نشوء "الشمس"، فَلِمَ "العجب" بعدما كشف لكم العِلْم "السبب"؟!

معاذ أبو الهيجاء
01/10/2007, 03:20 PM
شو يا استاذ جواد قريحتك منفتحه على النقاش و صاير تتحدى و تطلب البراهين أوف هاي الأمور متطوره عندك .

جواد البشيتي
01/10/2007, 03:33 PM
استاذ معاذ
في النقاش ليس عندي "بقرات مقدَّسة".. حتى أنتَ، على ما تعنيه كلمة "أنتَ" فكراً وثقافةً ووعياً، ليس لديَّ من اعتراض على مناقشتكَ؛ ولكنَّني لن أدْخُلَ معكَ في أيِّ نقاش قبل أن توضِّح لي قولكَ الآتي: "حتى قولك فوق هو ليس لك". أريد، أوَّلاً وقبل كل شيء، أن تقول لي، وللجميع، قَوْلُ مَنْ هذا إذا لَمْ يَكُنْ قولي.

جواد البشيتي
01/10/2007, 05:17 PM
لو أنَّ القائلين بوجود، وبوجوب وجود، "العلَّة الميتافيزيقية" فهموا "المادة" Matter على حقيقتها، ورأوها كما تُريهم ذاتها، لانتفت لديهم الحاجة إلى "الميتافيزيقيا"، تعليلاً وتفسيراً.

إنَّهم يفهمون "المادة" فهما ميكانيكياً. يفهمونها على أنَّها "الموت"، وتحتاج، بالتالي، إلى من يَجْعَل موتها حياة. يفهمونها على أنَّها كمثل حَجَرٍ يَعْجَز عن الانتقال من مكانه من تلقاء نفسه.

"المادة" التي يقولون بها، ويعترفون بوجودها، وبحقها في الوجود، إنَّما هي كل شيء "عديم الخواص والقوى"، فـ "الماء الذي يَنْزِل من السماء"، مثلا، إنَّما هو ظاهرة ليست في جوهرها فيزيائية وإنَّما ميتافيزيقية. هذا "الماء الميتافيزيقي" لَمْ يُفسَّر على أنَّه جزء من المياه السطحية (مياه البحار والأنهار..) وقد بخَّرته حرارة الشمس، فَصَعَد إلى السماء. وهذا الماء، وبعدما صَعَد وتجمَّع في "بحيرات سماوية (كناية عن الغيوم)"، لا يملك من القوى الذاتية (الفيزيائية) ما يُحَوِّله إلى مطر.

أُنْظروا الآن إلى "العلة الفيزيائية" وهي تُغْتال بـ "العلة الميتافيزيقية". إذا أقرُّوا بأنَّ حرارة الشمس هي التي بخَّرت جزءا من ماء البحر فإنَّهم لن يُقِرُّوا بذلك إلا بعد أن يقولوا الآتي: لقد "أُوْحيَ" إلى "الحرارة الشمسية" أنْ تُبَخِّر هذا الجزء من ماء البحر فبَخَّرته، فـ "الحرارة الشمسية" لا يُمْكِنها من تلقاء نفسها أن تكون سببا لهذا التبخُّر. وأُوْحيَ إلى هذا الجزء من ماء البحر أن يتأثَّر (بالحرارة الشمسية) وأن يتبخَّر، بالتالي، فتبخَّر. وأُوْحي إليه أن يصعد إلى السماء فصَعَد. وأُوْحي إليه أن يتجمَّع على هيئة سُحِب، فتجمَّع. وأُوْحي إلى هذه السُحُب أن تُمْطِر، فأمطرت!

لقد عَطِشْتُ فشربتُ ماءً، فزال شعوري بالعطش. هذا "التفسير" يحتاج، عندهم، إلى "تعميق ميتافيزيقي". وعليه يقولون الماء في حدِّ ذاته ليس بسبب لزوال شعوري بالعطش، فثمَّة من أوْحي إلى هذا الماء الذي شَرِبْت أن يُزيل شعوري بالعطش، فأزال.. وأوْحى إليَّ أنا العطشان أن أتأثر بهذا الماء على هذا النحو، فتأثَّرت، وزال، بالتالي، شعوري بالعطش.

"السبب"، عندهم، لا يصنع في حدِّ ذاته "النتيجة" التي يصنع. إنَّه يصنعها؛ لكونه منطوٍ على "المُسَبِّب الميتافيزيقي"!

"النار" في حدِّ ذاتها لا تَحْرِق إصبعك؛ والدليل، عندهم، على ذلك هو أنَّها يمكن أن تَنْزِل على إصبعكَ بردا وسلاما إذا ما أُوْحي إليها أن تكون كذلك، أي أن تكون في خاصية مضادة لخاصية "الحرق".

بفضل هذا القصور الذهني عندهم، والذي لا أريد الآن الخوض في شرح أسبابه، يستطيعون تصوُّر "المادة" على أنَّها "هيولى"، فـ "الشمس"، مثلا، وفي حدِّ ذاتها، هي "جسم"، أو "شيء"، "عديم الخواص والقوى"، لا يدور حَوْل نفسه، ولا حَوْل مركز مجرَّتنا؛ لا يُنْتِج حرارة أو ضوء؛ لا وجود للجاذبية فيه؛ لا تندمج نوى ذرَّات الهيدروجين في باطنه؛ لا يَحْفِر عميقا في نسيج الفضاء. لماذا؟ لأنَّه، في تصوُّرهم، عاجِزٌ ذاتياً عجزا مُطْلقاً. وفي هذا الصدد يقول منذر: "الإنسان يشاهد تغير الأشياء الموجودة، فتنعدم أشياء، ويحدث غيرها، كما أنه يرى النظام البديع في العالم، والدقة المتناهية في سير بعض المخلوقات وترتيب حركاتها وضبط مواعيدها، فيدرك أن هذا الإبداع وذلك النظام وذاك التغيير لا يمكن أن يحدث من نفس تلك الأشياء، لأنها عاجزة عن إيجاده، كما أنها عاجزة عن دفعه. كل ذلك يدعو إلى الإيمان بوجود خالق لهذه الموجودات، قائم بتدبيرها، منظم لها".

إذا لَمْ يُوْحَ إلى الشمس "العاجزة عن فعل أي شيء" أن تُنْتِج الحرارة والضوء، وأن تنشرهما في الفضاء، فلن يَحْدُث شيء من هذا؛ أمَّا إذا أُوْحي إليها أن تفعل هذا فإنَّها لا تملك إلا أن تفعل. لقد البسوا الطبيعة قصورهم الذهني، فغدت على هذا القصور الذاتي الذي يزعمون.

"الفساد" إنَّما يكمن في "الفكرة"، فَهُم يفهمون "المادة" من خلال "فكرة فاسدة". وسأشرح ذلك في المثال الآتي: لقد جئت بكمية من الماء، ووضعتها في إناء، ووضعتُ الإناء فوق نار. قُمْتُ بذلك وأنا مؤمِنٌ بأنَّ هذا الماء لن يسخن، ولن يغلي، ولن يتبخَّر، فثمَّة من نفث في روعي هذه الفكرة. ولكن حَدَث ما يناقض هذه الفكرة التي أقول بها، فالماء سخن، وغلي، ثمَّ تبخَّر، فكيف أُفسِّر ذلك؟ ليس من تفسير يوافِق تلك الفكرة سوى "التفسير الميتافيزيقي"، فثمَّة من أوْحى إلى الماء أن يتأثرَّ ويتغيَّر على ذاك النحو.

"المادة" ليست هكذا.. إنَّها وخواصها وقواها وقوانينها كلٌّ غير قابل للاجتزاء، فهل لكم أن تجيئوني بتفَّاحة انْتُزِعت منها كل خواصها؟!

في الطبيعة من القوى والقوانين ما يجعلها في "مشهدين": "مشهد النظام" و"مشهد الفوضى". إذا رأيتم "النظام" فلا تُفسِّروه على أنَّه نتيجة عمل قوى ميتافيزيقية. وإذا رأيتموه فلا تضربوا صفحا عن النصف الآخر من الحقيقة الكونية.. "الفوضى"، ففي الطبيعة يجتمع "النظام" و"الفوضى"، فهلاَّ أدركَ منذر لماذا تحدَّيته أن يجيب عن سؤال "ما هي المادة؟"، وهل عرفتم سرَّ فراره حتى الآن؟!

منذر أبو هواش
02/10/2007, 12:22 AM
إلى الذين يبثون الألغام في طريق الإسلام
الشيخ محمد المجذوب

المؤامرات على دين الله الحق بدأت منذ أعلن إبليس الحرب على آدم وذريته قبل هبوط الفريقين إلى الأرض، إذ قال لربه- تصريحا بما يكنه لذرية آدم من الشر-: {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} (الأعراف15-16), وقد فهم أولو العلم من هذا الوعيد أن عدو الله مصمم على صرف الإنسان عن شريعة الله بقعوده وذريته على منافذها لمنعهم من الوصول إليها.

ومنذئذ جعل هذا العدو يعبيء قواه بكل ما يملك من وسائل التزوير والإغراء والإفساد لإنفاذ وعيده، فاستحوذ على الكثير من أهل الجهل والغفلة، واتخذ منهم جنودا يدعون إلى النار، ويزينون لأمثالهم طريق قائدهم، وهكذا استحالت البسيطة حلبة صراع لا ينطفيء أوارها بين الأشرار والأخيار، والأحرار والأغرار، حتى تقف مسيرة الحياة.. ويحشر المصلحون والمفسدون لأداء الحساب.

أنظر الموضوع كاملا على هذا الرابط

http://www.iu.edu.sa/Magazine/52/28.htm

:fight:

سعيد نويضي
02/10/2007, 01:27 AM
بسم الله الرحمن الرحيم و به نستعين...

الأستاذ جواد بداية المقال من العلمية ما يفوق العلم بكثير...لأن الحقيقة أن الشرح الذي تناولت به الآيات تعكس إنسانا خريج ليس كلية الأزهر أو الزيتونة أو القيروان بل هم جميعا...بالإضافة لجماعات غربية عريقة في الطرح المادي للأشياء...و لكن ما فارق قد تدركه في نهاية كلمتي البسيطة...

يقول الله عز و جل: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }القصص56...فالهداية هي طريق الحق و الحقيقة كيفما كان مصدر هذه الحقيقة.على أساس أن الله عز و جل خلق كتابين...كتاب مقروء و هو القرآن الكريم و كتاب منظور و هو الكون العظيم...و سيادتكم تدرك أن كل عالم، و لله عز و جل المثل الأعلى، قبل أن يجعل من نظريته واقعا ملموسا و محسوسا جعله كتابا مخطوطا...فوضع المعادلات و وضع الفرضيات و سن القوانين حتى تكون النظرية كاملة شاملة...و لك في الفيزيائيين و الكيمائيين و غيرهم عبرة يا أصحاب العلم...و لكن تذكر أن فوق كل ذي علم عليم...

لنعد بالمنطق إلى ما ورد في المقال.
يقول الحق جل و علا: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ }الأنبياء30أولم يعلم هؤلاء الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا ملتصقتين لا فاصل بينهما, فلا مطر من السماء ولا نبات من الأرض, ففصلناهما بقدرتنا, وأنزلنا المطر من السماء, وأخرجنا النبات من الأرض, وجعلنا من الماء كل شيء حي, أفلا يؤمن هؤلاء الجاحدون فيصدقوا بما يشاهدونه, ويخصُّوا الله بالعبادة؟.[التفسير الميسر]

و في تفسير فتح القديرللشوكاني ورد الآتي و هو يؤكد ما ورد في التفسير الميسر و هذا من باب تأكيد حقيقة التفسير: " أولم ير الذين كفروا " الهمزة للإنكار، والواو للعطف على المقدر، والرؤية هي القلبية: أي ألم يتفكروا أو لم يعلموا " أن السماوات والأرض كانتا رتقا " قال الأخفش: إنما قال كانتا، لأنهما صنفان أي جماعتا السموات والأرضين كما قال سبحانه "إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا"، وقال الزجاج: إنما قال كانتا لأنه يعبر عن السموات بلفظ الواحد، لأن السموات كانت سماءً واحدة، وكذلك الأرضون، والرتق السد ضد الفتق، يقال رتقت الفتق أرتقته فارتقق: أي التأم، ومنه الرتقاء للمنضمة الفرج: يعني أنهما كانتا شيئاً واحدا ملتزقتين ففصل الله بينهما، وقال رتقاً ولم يقل رتقين لأنه مصدر، والتقدير: كانتا ذواتي رتق، ومعنى "ففتقناهما" ففصلناهما: أي فصلنا بعضهما من بعض، فرفعنا السماء، وأبقينا الأرض مكانها "وجعلنا من الماء كل شيء حي" أي أحيينا بالماء الذي ننزله من السماء كل شيء، فيشمل الحيوان والنبات، والمعنى أن الماء سبب حياة كل شيء. وقيل المراد بالماء هنا النطفة، وبه قال أكثر المفسرين، وهذا احتجاج على المشركين بقدرة الله سبحانه وبديع صنعه.

فمن باب التوضيح أراد الله عز و جل أن يكف الإنسان عناء البحث عن حقيقة و كيفية خلق هذا الكتاب المنظور الذي هو الكون فأورد الآية السابق ذكرها...تأتي المشكلة في تفسير هذه المعادلة من باب وضع التصور القرآني الرباني[و هو علمي لأنه صادر من العليم الحكيم] و التصور العلمي الكزمولزوجي الذي نتج من فهم الإنسان لهذه الإشكالية...الفهم لخطاب الله عز و جل و الفهم المنطلق من واقع لا يؤمن إلا بالملموس و المحسوس أي لا يؤمن إلا بالمادة...هناك من سيقول أن المفردات المستعملة في الخطاب القرآني بعيدة عن المفردات المستعملة في حقل المادة...الحقيقة أنه خطاب واحد بلغتين مختلفتين...فلغة القرآن الكريم و هي كلام الله عز و جل سوف لن يتناول الجزئيات و دقائق الأمور في هذا المجال لأنها شأن الخلق الأول شأن عظيم و لقد ذكرت لك في الكلمة السابقة الآية التي إن استوعبها كل من يحث في هذا المجال لآمن و بحث في شيء آخر...و سأعيدها من باب التذكير...يقول الله عز و جل: {مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً}الكهف51.ما أحضرتُ إبليس وذريته -الذين أطعتموهم- خَلْقَ السموات والأرض، فأستعين بهم على خلقهما، ولا أشهدتُ بعضهم على خَلْق بعض، بل تفردتُ بخلق جميع ذلك، بغير معين ولا ظهير، وما كنت متخذ المضلِّين من الشياطين وغيرهم أعوانًا. فكيف تصرفون إليهم حقي، وتتخذونهم أولياء من دوني، وأنا خالق كل شيء؟

فعملية الخلق الأولى التي ورد فيها الرتق و الفتق لم يحضر لها سوى الله عز و جل...فكيف يتم تفسير ظاهر أكاد أقول أم الظواهر لم يحضر لها سوى الله عزو جل؟ بتفاسير تستند إلى الظن...يقول الحق عز و جل: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ }الأنعام116...ولو فُرض -أيها الرسول- أنك أطعت أكثر أهل الأرض لأضلُّوك عن دين الله, ما يسيرون إلا على ما ظنوه حقًّا بتقليدهم أسلافهم, وما هم إلا يظنون ويكذبون.الخطاب موجه إلى الرسول عليه الصلاة و السلام. و لكن من هم في الأرض هم البشر...و الحقيقة التي تقرها الآية أن هؤلاء يتبعون الظن و لا يتبعون اليقين...كذلك الآية تشير إلى الكثرة من البشر...إن تطع أكثر من في الأرض...إذن هناك مفهوم للظن يفيد الكذب و ليس الصدق...و كل باحث عن الحق و الحقيقة يبتغي الصدق...

آية أخرى تفيد الظن لا يرتقي لمستوى اليقين...يقول الله عز و جل: {وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً }النجم28... وما لهم بذلك من علم صحيح يصدِّق ما قالوه, ما يتبعون إلا الظن الذي لا يجدي شيئًا, ولا يقوم أبدًا مقام الحق.

فالعلم لا يستند إلى الظن...لأنه يعتمد في تحاليله على التجربة التي يستنتج منها اليقين فيما وصل إليه من نتائج ...فكيف سنقيم تجربة على شيء غير قابل للتجربة و نحكم المنطق العلمي التجريبي...هذا يجعلنا نغير وجهة المنطق من التجريبي إلى الاستنباطي...معتمدين في ذلك على ما لدينا من معلومات يقينية لا تحتمل الشك...و هذا قد لا يغير من النتائج التي قد نصل إليها ما لم يأت من يفند تلك النتائج بالمنطق نفسه أو بما يقاربه...

المادة التي تم تعريفها من خلال عناصرها ما سبق ذكره : المادة هي الشيء في ذاته...و الشيء يتحدد بعناصره...و عناصر الشيء هي مكوناته في نفس الوقت...فعلى سبيل المثال الماء كمادة نعرفه من خلال عناصره المكونة له...فإذا انطلقنا من هذه المقدمة و التي أعتقد أنها سليمة من الناحية العلمية في تعريف المادة...سنجد أن كل مادة هي كثلة ذات حجم و تتوفر على طاقة معينة توجد في مجال معين...هذه الكثلة قد تطرأ عليها تغيرات بحكم تغير المحيط الموجودة فيه...فإذا أضفنا لهذه الكثلة عنصرين آخرين هما الحركة و السرعة أخذت المادة أشكال مختلفة و متنوعة في تمظهراتها الوجودية...

انطلاقا من هذا التعريف هل يمكن القول أن المادة تتوفر على إرادة؟ هل تمتلك حرية الاختيار أم أنها خاضعة بحكم القوانين التي تتحكم فيها إلى شيء فوق قوتها؟ كيف نثبت أن ليس للمادة إرادة و بالتالي تنتفي عندها القدرة على الاختيار؟ الماء مثلا لا يمكن أن يصبح جليدا إلا إذا خضع لأسباب و عوامل أخرى هي التي تجعل منه جليدا...فالقوانين الموضوعية التي تجعل من الماء إما جليدا أو في درجة حرارة عالية...لو سألتك من وضع القوانين؟ ستقول سؤال تقليدي...و لكن قد يكون الجواب في ذاك التقليدي، بحكم أن تلك القوانين يمكن أن تتحكم فيها...فيمكن أن تجمد الماء حين تصنع أنت الظروف المواتية لتجميد الماء...أو تصنع الظروف المواتية كذلك لغليان الماء...في كلا الحالتين كان هناك تدخل إرادي لكائن عاقل هو الذي صنع تلك الظروف...بالمثل بالنسبة للطبيعة فإن واضع القوانين في القطب هو من جعل الماء هناك يتجمد عندما يصل إلى درجة من البرودة...كما أن الماء في الصحراء و تحت الشمس سيأخد درجة معينة من الحرارة قد تصل إلى حد الغليان إذا كانت درجة حرارة الشمس وصلت إلى درجة مأوية معينة...

و لله المثل الأعلى فالعالم الذي وضع نظريته للتطبيق صنع لها شروط تطبيق تلك النظرية حتى أصبحت واقعا...فالقرآن الكريم كتاب الله عز و جل المقروء هو نفسه كتاب الله عز و جل المنظور...دليل آخر على أن ليس للمادة إرادة و ليست لها حرية الاختيار...يقول جل و علا: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ }فصلت11...ثم استوى سبحانه وتعالى, أي قصد إلى السماء وكانت دخانًا من قبلُ, فقال للسماء وللأرض: انقادا لأمري مختارتين أو مجبرتين. قالتا: أتينا مذعنين لك, ليس لنا إرادة تخالف إرادتك.

مسألة الفناء أو "الانسحاق العظيم" كما يسمونه مقابل "الانفجار العظيم" الذي وقع في البدء...قد يكون من قبيل أن الشيء يحمل فناءه في ذاته...فلو صحت النظرية القائلة و أعتقد أنها سليمة من الناحية التجريبية على مستوى المادة...أن الشيء يحمل فناءه في مكوناته...تكون نظرية "الانسحاق العظيم" سليمة من حيت المبدأ...أما الكيفية التي سيتم بها ذلك فهي الأخرى لا يمكن تطبيق القياس عليها و لا إخضاعها للتجربة لنخرج بمعادلة نسوقها بلغة رياضية...و لكن يمكن القول بناءا على الاستنباط من الكتاب المقروء نصل إلى تصور يقربنا إلى حد ما مما سيقع لحظتها...

فالرتق الأول و الفتق تم بأمر الله جل و علا...و لا يمكن أن يكون بغير ذلك...أما الفتق و الرتق الذي سيتم في اليوم الآخر من أيام الدنيا...سيتم في الأجل الذي لا يعلمه إلا الله عز و جل لن يتم إلا بأمر الله عز و جل...

سؤال قد يكون طرحه بعض الإخوة... هل يحمل الزمن عوامل فنائه؟ فيكون اليوم الآخر هو استكمال الزمن لعناصره المؤدية لفنائه...و كأن الساعة كما يقول رب العزة: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }الأعراف187...يسألك -أيها الرسول- كفار "مكة" عن الساعة متى قيامها؟ قل لهم: عِلْمُ قيامها عند الله لا يظهرها إلا هو, ثَقُلَ علمها, وخفي على أهل السموات والأرض, فلا يعلم وقت قيامها ملَك مقرَّب ولا نبي مرسل, لا تجيء الساعة إلا فجأة, يسألك هؤلاء القوم عنها كأنك حريص على العلم بها, مستقص بالسؤال عنها, قل لهم: إنما علمها عند الله الذي يعلم غيب السموات والأرض, ولكنَّ أكثر الناس لا يعلمون أن ذلك لا يعلمه إلا الله.

فالساعة موجودة مشتغلة تعمل ليل نهار تقترب من ساعة الصفر...ليصل إلى مرحلة يتحول فيها مفهوم الزمن الذي نقيسه بمقاييسنا إلى زمن لا يعلمه إلا الله عز و جل...

فالعدم كمصطلح ليس من قاموس القرآن وليس كمفردة من مفرداته...

و للحديث بقية...

هدانا الله و إياكم لما اختلف فيه من الحق...

جواد البشيتي
02/10/2007, 11:08 AM
عَيْبٌ عليكَ يا منذر هذا الهروب!

يا ليت منذر ظلَّ مُحْتَجِباً عن الصدور، لائذاً بالصمت والفرار. لقد "أجاب" عن كل الأسئلة التي لاحقته بها، وتحدَّيته أن يجيب عنها؛ وها أنتم وَقَفْتُم على "إجاباته المُفْحِمة"!

إلى مَنْ التجأ منذر؟ إلى شيخ اسمه "المجذوب"، وصفته أيضاً. خمس دقائق من وقتي أنفقتها في قراءة ما كتبه هذا المجذوب، ويا ليتني لم أنفقها.

كان "طارداً للشياطين"، ثمَّ أصبح "المفتِّش العظيم"، وها هو الآن يغدو "نازعاً للألغام"، مع شيخه المجذوب، من طريق الإسلام.

منذر لا يرى، ولا يُمْكنه أن يرى، في "الرأي الآخر" سوى "مؤامرة إبليسية" بدأت مُذْ "أعلن إبليس الحرب على آدم وذريته (ومنذر من تلك الذرية) قبل هبوط الفريقين إلى الأرض". "هبوط"، و"صعود"..!

من أين هبط آدم وهو الذي خُلِق من طين الأرض ظهيرة يوم الجمعة، أي في اليوم الأخير من أيام الخلق الستَّة؟!

على أنَّ هذا ليس بالقضية مدار النقاش التي ما زالت تدعوكَ إلى اقتحامها إنْ استطعت إلى ذلك سبيلا.

جواد البشيتي
02/10/2007, 12:52 PM
المحاوِر القدير الأستاذ سعيد نويضي

تحية

تقول: "فعملية الخلق الأولى التي ورد فيها الرتق والفتق..".

وأقول: في العملية، التي تسميها "عملية الخلق الأولى"، كان "الأمر الإلهي" هو "الفتق" فحسب، أي أنَّ "العملية" لم تشتمل على "أمْر الرتق"، فهذا "الأمْر الإلهي الثاني" قد يَصْدُر (مُسْتَقْبَلاً) فيَحْدُث ما يسمَّى، كوزمولوجيا، "الانسحاق العظيم".

تقول: "فعملية الخلق الأولى التي ورد فيها الرتق و الفتق لم يحضر لها سوى الله عز وجل.. فكيف يتم تفسير ظاهرة أكاد أقول أم الظواهر لم يحضر لها سوى الله عز وجل بتفاسير تستند إلى الظن..؟".

وأقول: كلاَّ، يا عزيزي، ففي القرآن وَصْفٌ وشرح لهذه "العملية". ولقد قُلْتُ من قبل، وفي مَعْرِض ردِّي على منذر الذي ما زال يعتصم بحبل الصمت اللا ذهبي، إنَّ "الخَلْق الإلهي (القرآني على وجه الخصوص)" هو "الخَلْقُ بالفَتْق"، ففي "البدء" كان الله، الذي كان (كما ذُكِر في القرآن) عرشه على الماء.. وكان أيضا "شيئان ملتصقان (مُرتتقان)"، هما "الأرض" و"السماوات"، التي كان "سماء واحدة (سماء هيولية)"، فجعلها الخالِق سبع سماوات. ولعل خير دليل على ذلك هو قوله "اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا.."؛ فالسماء كانت ملتصقة بالأرض، فرفعها الله وأعلاها، وجعَلَها "سَقْفاً".. "وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً..". لقد باعَدَ الله بين الأرض والسماء، توصُّلاً إلى أن يَجْعَل من الماء كل شيء حي.

تقول: "فالرتق الأول والفتق تم بأمر الله جل و علا.. و لا يمكن أن يكون بغير ذلك.. أما الفتق و الرتق الذي سيتم في اليوم الآخر من أيام الدنيا..".

وأقول مرَّة أخرى: ليس من "رتق أوَّل"، فـ "الفَتْق" هو الذي كان أوَّلاً. أمَّا في "يوم القيامة" فـ "طيٌّ"؛ وهذا "الطي" قد (وأقول "قد") ينتهي إلى "رَتْقٍ ثانٍ".. "يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ".

تقول في "المادة": "هي الشيء في ذاته".

وأقول: "الشيء في ذاته" يجب أن يكون "مادة"؛ ولكن "المادة" ليست هي "الشيء في ذاته". "المادة" هي "المشْتَرَك" بين "الأشياء جميعاً". هي "الخاصِّية الجوهرية المشترَكة بين الأشياء جميعا". وهذه الخاصية هي "الوجود الخارجي الموضوعي المستقل"، فـ "المادي" إنَّما هو الشيء الموجود "في خارج" ذهني (ووعيي) و"المُسْتَقِل"، في وجوده عن ذهني ووعيي وإرادتي..
و"الشيء في ذاته" أقْبَلَه على أن يكون شيئاً ممكنا وعيه وإدراكه، فـ "الشيء في ذاته" قد يُساء فهمه، فيُفْهَم كما فهمه، وكما أراد لنا أن نفهمه، كانط.

وتقول: "والشيء يتحدد بعناصره.. و عناصر الشيء هي مكوناته في نفس الوقت.. فعلى سبيل المثال الماء كمادة نعرفه من خلال عناصره المكونة له..".

وأقول: إنَّ الشيء يتحدَّد، ولا يتحدَّد، في الوقت نفسه، بعناصره ومكوِّناته، فـ "جزيء الماء"، مثلا، يتحدَّد بعنصريه، وهما الأوكسجين والهيدروجين (ذرَّة أوكسجين واحدة مع ذرَّتي هيدروجين). ولكنَّ خواص الماء لا تتحدَّد بخواص عنصريه، فإذا كان الأوكسجين، أو الهيدروجين، غازاً قابلا للاشتعال فإنَّ هذا "المُركَّب الكيميائي" المسمَّى "الماء" في مقدوره أن يُطْفئ النار.

تقول: "كل مادة هي كتلة ذات حجم و تتوفر على طاقة معينة توجد في مجال معين.. هذه الكتلة قد تطرأ عليها تغيرات بحكم تغير المحيط الموجودة فيه.. فإذا أضفنا لهذه الكتلة عنصرين آخرين هما الحركة والسرعة أخذت المادة أشكال مختلفة و متنوعة في تمظهراتها الوجودية..".

وأقول: كلاَّ، يا عزيزي، فليس كل مادة لها "كتلة". "الفوتون"، وهو جسيم الضوء، "مادة"؛ ولكن ليس له كتلة، فـ "المادة" نراها إمَّا على هيئة "كتلة" وإمَّا على هيئة "طاقة"، وكلتاهما تتحوَّل إلى الأخرى.
ونحن لا "نُضيف" إلى المادة "الحركة"، فليس من مادة منفصلة عن "الحركة"، التي هي حالة من حالات وجود المادة. وعليكَ، هنا، أن تَفْهَم "الحركة" في معناها الواسع الشامل، فـ "الحركة الميكانيكية (انتقال جسم من موضع إلى موضع)" هي شكل واحد فحسب من أشكال الحركة. "الحركة" هي "كل تغيُّر يطرأ على الشيء".

تقول: "انطلاقا من هذا التعريف هل يمكن القول أن المادة تتوفر على إرادة؟ هل تمتلك حرية الاختيار أم أنها خاضعة بحكم القوانين التي تتحكم فيها إلى شيء فوق قوتها؟ كيف نثبت أن ليس للمادة إرادة و بالتالي تنتفي عندها القدرة على الاختيار؟ الماء مثلا لا يمكن أن يصبح جليدا إلا إذا خضع لأسباب و عوامل أخرى هي التي تجعل منه جليدا.. فالقوانين الموضوعية التي تجعل من الماء إما جليدا أو في درجة حرارة عالية...لو سألتك من وضع القوانين؟ ستقول سؤال تقليدي.. و لكن قد يكون الجواب في ذاك التقليدي، بحكم أن تلك القوانين يمكن أن تتحكم فيها.. فيمكن أن تجمد الماء حين تصنع أنت الظروف المواتية لتجميد الماء.. أو تصنع الظروف المواتية كذلك لغليان الماء.. في كلا الحالتين كان هناك تدخل إرادي لكائن عاقل هو الذي صنع تلك الظروف.. بالمثل بالنسبة للطبيعة فإن واضع القوانين في القطب هو من جعل الماء هناك يتجمد عندما يصل إلى درجة من البرودة...كما أن الماء في الصحراء و تحت الشمس سيأخذ درجة معينة من الحرارة قد تصل إلى حد الغليان إذا كانت درجة حرارة الشمس وصلت إلى درجة مئوية معينة.. كتاب الله عز و جل المقروء هو نفسه كتاب الله عز و جل المنظور.. دليل آخر على أن ليس للمادة إرادة و ليست لها حرية الاختيار..".

وأقول: "المادة" لا تظل "مادة" إذا ما أدْخَلْنا فيها خواص: الوعي، والإرادة، والإحساس، ..إلخ.
ليس لـ "المادة" من "خواص روحية"، فالنهر لا يملك تغييرا لمجراه. و"المادة" في وحدة لا انفصام فيها مع "قواها" و"قوانينها"، فهل للشمس، مثلا، من وجود إذا ما جرَّدْناها من قواها وقوانينها الفيزيائية؟!
"المادة" إنَّما تتطوَّر بقواها وقوانينها (المادية هي أيضا).
ما الذي يَحْدُث عندما تَضَع مقدار من الملح في كوب ماء؟ ينحل الملح في الماء. أنتَ، بوعيكَ وإرادتك، قُمْت بهذا العمل؛ ولكن هل كان في مقدوركَ أن تقوم به من غير توافُق مع قانون مادي فيزيائي (موضوعي)؟!
لو كان في مقدوركَ فإنَّي أدعوكَ إلى أنْ تستعمل كل وعيكَ وكل إرادتك لـ "مَنْع" الملح من الانحلال في الماء. هل تستطيع ذلك؟ كلا، لن تستطيع؛ لأنَّكَ أردتَ فعل شيء لا يسمح لكَ القانون المادي الفيزيائي الموضوعي بفعله.
أنتَ بِجَعْلِكَ الملح ينحل في الماء لم تُدْخِل قانونا فيزيائيا في العلاقة بين الملح والماء، وإنَّما تَجْعَل عملك متَّفِقا مع هذا القانون الموضوعي الذي تنطوي عليه العلاقة بين الملح والماء.
هل عملك هذا (حلُّ الملح في الماء) يعني أنَّكَ قد "وَضَعْتَ" قانون الانحلال في العلاقة بين الملح والماء؟!
أنتَ "تريد"؛ ولكنَّكَ لن تنجح في ما تريد إذا لم تُوافِق إرادتكَ القانون المادي الموضوعي.
وفي القطب الشمالي، أو الجنوبي، ليس من "واضعٍ" لـ "قانون التجمُّد" هناك، فهذا القانون هو جزء لا يتجزأ من وجود الماء؛ فأين هو هذا الماء الذي كان غير منطوي على قانون التجمُّد حتى جاء "العقل الكوني" ليَضَعه فيه؟!

تقول: "هل يحمل الزمن عوامل فنائه؟ فيكون اليوم الآخر هو استكمال الزمن لعناصره المؤدية لفنائه.. و كأن الساعة كما يقول رب العزة: "يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا".. فالساعة موجودة مشتغلة تعمل ليل نهار تقترب من ساعة الصفر.. ليصل إلى مرحلة يتحول فيها مفهوم الزمن الذي نقيسه بمقاييسنا إلى زمن لا يعلمه إلا الله عز وجل..".

وأقول: الزمن لا يفنى، كما الحركة، كما المكان، لأنَّه حالة من حالات وجود المادة، فالزمن بلا مادة لا وجود له، والمادة بلا زمن لا وجود لها. على أنَّ هذا لا يتنافى من نسبية الزمن كما بسطتها "النسبية الخاصة" لآينشتاين، فبحسب "السرعة" و"الجاذبية" يتحدَّد الزمن، بُطأً وسرعة. كلَّما زادت سرعة (أو تسارع) الجسم (أو كلَّما عَظُم حقل الجاذبية الذي هو فيه) تباطأ سير الزمن في هذا الجسم.

وإلى اللقاء

أخوك

جواد البشيتي

سعيد نويضي
02/10/2007, 02:30 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

تحية للأستاذ ة الكرام

بداية لا يمكن الجزم بأي تفسير أو تأويل على أساس أنه التفسير أو التأويل المراد لقول الله عز و جل بالنسبة للآيات التي تتعلق بالخلق الأول...خلق الكون...خلق آدم عليه السلام...الغيب، الجنة و النار، الروح ، الساعة، العديد من الآيات التي لا يمكن الحسم فيها بشكل قطعي، ما دامت غير خاضعة للملاحظة المباشرة...كما هو الشأن بالنسبة لمراحل تكوين الجنين من نطفة إلى علقة إلى مضغة إلى آخره...أو مسألة حساب السنين...فقد أشار الله عز و جل للشمس و القمر كآيتين لتعلموا عدد السنين و الحساب...فهذه آيات تعيشها في كل وقت و حين...أما مسألة خلق الكون في بداية الأمر...لا يمكن الجزم بأية نظرية في هذا الشأن سوى الإيمان بأن خالق هذا الكون هو الله عز و جل...كيف خلق الكون بالتفاصيل التي يريد المفسرون الجدد أو القدامى تقديمها لحل هذه الإشكالية تظل نسبية في التفسير و لا ترق إلى مستوى اليقين كتفسير و ليس كآيات...فالآيات نصدقها جملة و تفصيلا...و تفسيرها لا يعني أنها ارتقت إلى درجة اليقين، كيقين القرآن الكريم...

لذلك يقول الله عز و جل: {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ }آل عمران7...هو وحده الذي أنزل عليك القرآن: منه آيات واضحات الدلالة, هن أصل الكتاب الذي يُرجع إليه عند الاشتباه, ويُرَدُّ ما خالفه إليه, ومنه آيات أخر متشابهات تحتمل بعض المعاني, لا يتعيَّن المراد منها إلا بضمها إلى المحكم, فأصحاب القلوب المريضة الزائغة, لسوء قصدهم يتبعون هذه الآيات المتشابهات وحدها; ليثيروا الشبهات عند الناس, كي يضلوهم, ولتأويلهم لها على مذاهبهم الباطلة. ولا يعلم حقيقة معاني هذه الآيات إلا الله. والمتمكنون في العلم يقولون: آمنا بهذا القرآن, كله قد جاءنا من عند ربنا على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم, ويردُّون متشابهه إلى محكمه, وإنما يفهم ويعقل ويتدبر المعاني على وجهها الصحيح أولو العقول السليمة.

فالله عز و جل هو الوحيد الذي يعلم تأويله على وجه اليقين...و الراسخون في العلم هم الذين قالوا آمنا كل من عند ربنا...فلا يفصلون بين المحكم و المتشابه في مسألة الإيمان...أما الذي يفرق بين المحكم و المتشابه فقد يكون القصد من ذلك هو ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله...فلا يصح و الله و أعلم أن يأول أحد القرآن كيفما كان سوى الله عز و جل...لأن الراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا...أي لا يفرقون بين المحكم و المتشابه...لأن المحكم و المتشابه من عند الله عز و جل...

فتأويل القرآن الكريم بكل آياته المحكمة و المتشابه سيأتي تأويله على الوجه الحق و على وجه اليقين...يقول الحق عز و جل: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }الأعراف53...هل ينتظر الكفار إلا ما وُعِدوا به في القرآن من العقاب الذي يؤول إليه أمرهم؟ يوم يأتي ما يئول إليه الأمر من الحساب والثواب والعقاب يوم القيامة يقول الكفار الذين تركوا القرآن, وكفروا به في الحياة الدنيا: قد تبيَّن لنا الآن أنَّ رسل ربنا قد جاؤوا بالحق, ونصحوا لنا, فهل لنا من أصدقاء وشفعاء, فيشفعوا لنا عند ربنا, أو نعاد إلى الدنيا مرة أخرى فنعمل فيها بما يرضي الله عنا؟ قد خسروا أنفسهم بدخولهم النار وخلودهم فيها, وذهب عنهم ما كانوا يعبدونه من دون الله, ويفترونه في الدنيا مما يَعِدُهم به الشيطان.

لأن طبيعة الإنسان في الإيمان بالأشياء لا تنزل منزلة اليقين إلا بالمحسوس و الملموس...لذلك اتجه العالم الغربي و من تبعه في المنهج الذي لا ينظر إلا بعين واحدة إلى الأمور على أساس أن الشيء الملموس و المحسوس هو الذي نستطيع الجزم به و الإيمان به إيمانا مطلقا بخلاف ما هو غيبي...أو كما يحلو لهم أن يسمونه ميتافيزيقي...

فقضية الرتق و الفتق قد تكون بالنسبة لأهل الأرض أي لبني آدم...لهذا المخلوق الذي سماه الله عز و جل آدم و جعل ذريته و سلالته من ماء مهين...فالله عز و جل كان و سيظل...و أمره إذا أراد شيئا قال له كن فيكون...يقول جل و علا: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ }الأنبياء30...
فالغرب الذي غزا الفضاء على أساس معرفة و اكتشاف هذا الكون لم يجد في طريقه ما ورد في تفسير القرطبي للآية الكريمة السابقة الذكر...يقول القرطبي في تفسير الآية: قال ابن عباس والحسن وعطاء والضحاك وقتادة: يعني أنها كانت شيط واحدا ملتزقتين ففصل الله بينهما بالهواء. وكذلك قال كعب: خلق الله السموات والأرض بعضها على ثم خلق ريحا بوسطها ففتحها بها، وجعل السموات سبعا والأرضين سبعا. وقول ثان قال مجاهد والسدي وأبو صالح: كانت السموات مؤتلفة طبقة واحدة ففتقها فجعلها سبع سموات، وكذلك الأرضين كانت مرتتقة طبقة واحدة ففتقها فجعلها سبعا. وحكاه القتبي في عيون الأخبار له، عن إسماعيل بن أبي خالد في قول الله عز وجل: "أو لم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقاهما" قال: كانت السماء مخلوقة وحدها والأرض مخلوقة وحدها، ففتق من هذه سبع سموات، ومن هذه سبع أرضين؛ خلق الأرض العليا فجعل سكانها الجن والإنس، وشق فيها الأنهار وأنبت فيها الأثمار، وجعل فيها البحار وسماها رعاء، مسيرة خمسمائة عام؛ ثم خلق الثانية مثلها في العرض والغلظ وجعل فيها أقواما، أفواههم كأفواه الكلاب وأيديهم أيدي الناس؛ وآذانهم آذان البقر وشعورهم شعور الغنم، فإذا كان عند اقتراب الساعة ألقتهم الأرض إلى يأجوج ومأجوج، واسم تلك الأرض الدكماء، ثم خلق الأرض الثالثة غلظها مسيرة خمسمائة عام، ومنها هواء إلى الأرض. الرابعة خلق فيها ظلمة وعقارب لأهل النار مثل البغال السود، ولها أذناب مثل أذناب الخيل الطوال، يأكل بعضها بعضا فتسلط على بني آدم. ثم خلق الله الخامسة [مثلها] في الغلظ والطول والعرض فيها سلاسل وأغلال وقيود لأهل النار. ثم خلق الله الأرض السادسة واسمها ماد، فيها حجارة سود بهم، ومنها خلقت تربة آدم عليه السلام، تبعث تلك الحجارة يوم القيامة وكل حجر منها كالطود العظيم، وهي من كبريت تعلق في أعناق الكفار فتشتعل حتى تحرق وجوههم وأيديهم، فذلك قول عز وجل: "وقودها الناس والحجارة" [البقرة: 24] ثم خلق الله الأرض السابعة واسمها عربية وفيها جهنم، فيها بابان اسم الواحد سجين والآخر الغلق، فأما سجين فهو مفتوح وإليه ينتهي كتاب الكفار، وعليه يعرض أصحاب المائدة وقوم فرعون، وأما الغلق فهو مغلق لا يفتح إلى يوم القيامة. وقد مضى في "البقرة" أنها سبع أرضين بين كل أرضين مسيرة خمسمائة عام، وسيأتي له في آخر "الطلاق" زيادة بيان إن شاء الله تعالى. وقول ثالث قال عكرمة وعطية وابن زيد وابن عباس أيضا فيما ذكر المهدوي: إن السموات كانت رتقا لا تمطر، والأرض كانت رتقا لا تنبت، ففتق السماء بالمطر، والأرض بالنبات؛ نظيره قوله عز وجل: "والسماء ذات الرجع. والأرض ذات الصدع" [الطارق: 11 - 12]. واختار هذا القول الطبري؛ لأن بعده: "وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون...

و هنا أتساءل هل التفسير الذي اعتمده القرطبي بناء على ما ورد من أقوال نسبها للعديد من الرواة في تفسير الآية تستند إلى تفسير النبي عليه الصلاة و السلام؟ أم اجتهاد و تأويل من باب معرفة الأشياء...فتفسير الكلمات و شرحها بناء على القاموس المتداول في زمن نزول القرآن الكريم هو نفس القاموس المتداول حاليا مع زيادة ما أضيف إليه من كلمات و من مستجدات...فالرتق و الفتق كما فسره ابن عباس و غيره رضي الله عنهم جميعا هو نفس التفسير للكلمة...لكن مضمونها الفعلي الواقعي ليس هو نفس المضمون الذي يمكن أن يقدمه الأستاذ الدكتور زغلول أو الدكتور منذر أو الدكتور جواد أو غيره ممن حاولوا شرح الظاهرة؟؟؟؟؟...ظاهرة خلق الكون و ما نتج عن ذلك...فالتفسير اللغوي قد لا يختلفون فيه...لكن المضمون الفعلي و الواقعي لعملية الرتق و الفتق هو موضوع الاختلاف...لأن كل من العلماء الأجلاء ينظرون للظاهرة بحسب التصورات التي يتبنونها في طرح القضايا...فمن تبع المنهج العلمي[ الذي يعتمد الملموس و المحسوس كأساس و منطلق للمعرفة الصحيحة، و هذا لا يعني أن المعرفة الدينية غير صحيحة، بل هناك من المعارف العلمية الحديثة التي تؤكد صحة المعارف الدينية، مع العلم أن المعارف القرآنية ليس فيها ريب] لن يقبل بتفسير القرطبي...لأن السماوات التي وجد فيها أشكال الكائنات أو المخلوقات التي تحدث عنها في تفسير الآية لا وجود لها في الواقع الفعلي... فلن يؤمن بتفسير القرطبي...اللهم إلا إذا كان قد أخبر بها الرسول عليه الصلاة و السلام ليلة الإسراء و المعراج،فهذا يكون من باب تصديق الصادق الصدوق...و أعتقد هذا موضوع آخر...و هناك من سيقول أن علماء الغرب لا يؤمنون بالجن على أساس أنه غير مرئي و بالتالي من اتبع العلم أو المنهج العلمي في تحليل الظواهر لن يؤمن بالجن فهم أصلا لا يؤمنون بالروح فكيف يؤمنون بالجن...فالمنهج الذي يرى الأشياء بعين واحدة لن يصل إلى المعادلة الحقيقية للأشياء...


يقول الحق عز و جل: {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً }الإسراء62.

و يقول كذلك جل و علا: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً }الإسراء85...

فاللهم اهدنا للحق بالحق يا ألله و اغفر لنا يل رب العالمين...آمين

عبد السلام معلا
03/10/2007, 12:31 PM
أتمنى على القائل أن لا يتهرَّب من الإجابة.

يقول: إنَّنا نَجْهَل "ماهيَّة المادة"، أي "ما هي المادة".

أقول سائلاً له: ما هي "المادة"؟

المادة هي شكل من أشكال الطاقة..والطاقة هي شكل من أشكال المادة.. وعلية فمفهوم كل من المادة والطاقة هو مفهوم نسبي غير مطلق ... وإن تحول الأشياء وانتقالها من شكل المادة الى شكل الطاقة او بالعكس لا يعتبر خلاقا من العدم المطلق ...أو إفناءاً مطلقا ,, هذا فضلا عن أننا بمداركنا وعقولنا وحواسنا لا نستطيع تصور (مجرد تصور ) العدم المحض أو الوجود المطلق لغير ذات الله تعالى ... ومن هنا ففصل الملح عن الماء لا يعتبر خلقا لا للماء ولا للملح من العدم !!! وكيف يصح ذلك عقلا ومنطقاً ... وعليه فالخلق من العدم والإفناء المطلق هي أعمال الخالق الوحيد سبحانه وهي عمليات لا ينطبق عليها أو يندرج تحتها كل ما يمكن ان يقع تحت أبصارنا أو تدركه حواسنا ... لأن كل ما نراه ونحسه ونلاحظه هي عمليات تحول من شكل الى شكل تتم وفق قانون وأسباب ومسببات وسنن لا تتبدل ولا تتغير وضعها الخالق سبحانه يوم خلق(المادة الأولية) التي تشكلت منها السماوات والأرض أول مرة من العدم عندما قال (كن) فكانت..!!! ونحن البشر غير مطالبين في البحث ورصد ذلك الخلق الاول من العدم لان عقولنا ومداركنا لا تستوعب ذلك لأننا غير مكلفين أصلا بالبحث في هذه القضايا,,, لانها تقع خارج نطاق التكليف الرباني لنا.. ويترتب عليه خروجنا من دائرة الحساب فيما يتعلق بذات الامر....!!!


تحياتي لكم جميعاً

عبد السلام معلا
03/10/2007, 01:05 PM
.على أساس أن الله عز و جل خلق كتابين...كتاب مقروء و هو القرآن الكريم و كتاب منظور و هو الكون العظيم......

أستاذي الكريم سعيد:

هل تعني ما تقول بكون القرآن مخلوق !!!!
أم هي زلة في التعبير فحسب؟؟؟
أرجو ذلك..

تحياتي

احمد ادريس
03/10/2007, 04:59 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
اولا وقبل كل شي اسلم على اهل المنتدى هذا وابدا مشاركتي الاولى وان شاء الله نسعد معكم
اخوتي اريد ان اعطي بعض النقاط لموضوع النقاش الذي دفعني للتسجيل في هذا المنتدى وهو مسالة التفكير في وجود خالق لهذا الكون او عدم وجوده
ان البحث في هذا الموضوع لا ينبغي ان يبنى على آيات من القران لان الجاحد بوجود الله جاحد بقرآنه قطعا والحديث عن الاله يسبق الحديث عن كتابه لذلك فان موضوع وجود اله هو بحث في الواقع المدرك المحسوس
اتمنى من الشباب ان يفسوا المجال لي وللاخ جواد لكي نتناقش في الموضوع الاحب الى قلبي وهو حل اكبر مشكلة واجهها الانسان على مر العصور وهي ( من انا وكيف جئت والى اين المصير؟)
الاخ جواد قبل الحديث معك عن الموضوع لدي عدة نقاط اريد ان اوضحها لك
هناك حالات يحاول التفكير فيها الانسان وهي التفكير بالمحسوس والتفكير بغير المحسوس والتفكير بما يقع الحس على اثره لا على ذاته والنوع الثاني حالة لا يحصل فيها التفكير حقيقة حيث ان الانسان لا يمكن له ان يعلم ما وراء الجدار الا اذا اطلع عليه او بالاحرى احسه وعليه فالعملية العقلية، أي التفكير، لا يمكن أن يكون إلا بواقع يقع عليه حس الإنسان. إلا أن هناك أموراً أو أشياء لها واقع، ولكن هذا الواقع لا يمكن أن يحسه الإنسان ولا يمكن نقله بالحس، ولكن أثره يقع عليه حس الإنسان وينقل إلى الدماغ بواسطة الإحساس، فإن هذا النوع من الأمور يمكن أن تجري فيه العملية العقلية، أي يمكن أن يحصل فيه تفكير، ولكنه تفكير بوجوده لا بكنهه، لأن الذي نقل إلى الدماغ بواسطة الحس هو أثره، وأثره إنما يدل على وجوده فقط، ولا يدل على كنهه. فمثلاً لو أن طائرة كانت عالية جداً إلى حد أن العين المجردة لا تراها، ولكن صوتها تسمعه الأذن، فإن هذه الطائرة يمكن أن يحس الإنسان بصوتها، وهذا الصوت دليل على وجود شيء. أي على وجود الطائرة. ولا يمكن أن يدل على كنه هذه الطائرة. فالصوت المسموع والآتي من فوق هو صوت لشيء موجود، ومن تمييز حسه يستدل على أنه صوت طائرة. فالعملية العقلية هنا جرت في وجود الطائرة. أي حصل التفكير بوجود الطائرة. وصدر الحكم بوجودها. مع أن الحس لم يقع عليها، ولكنه وقع على أثرها، أي على شيء يدل على الطائرة، فحكم العقل عن وجودها من وجود أثرها، صحيح أنه يمكن أن يعرف صوت طائرة الميراج من صوت طائرة الفانتوم، ويمكن الحكم على نوعها كما يمكن الحكم على أنها طائرة من تمييز نوع الصوت ولكن معرفة أنها طائرة ميراج أو طائرة فانتوم إنما أتى من تمييز الصوت، كما أن الحكم على أنها طائرة أو ليست طائرة قد أتى من تمييز الصوت. إلا أن هذا الحكم ليس حكماً على كنهها بل هو حكم على نوع هذا الموجود من تمييز أثره. وعلى أي حال، فإن هذا فكر، أيا كان، لأن العملية جرت فيه فعلاً، أي جرى التفكير فيه لأن الحواس نقلت أثره. ولا يقال إن هذا الحكم على وجود الطائرة ظني، فإن الموضوع هو إمكانية وجود التفكير فيما يحس الإنسان أثره ولا يحس ذاته. وعلى أي حال فإنه إن كان الحكم على كون الصوت هو صوت طائرة ظنياً، فإن الحكم بوجود شيء خرج منه الصوت هو حكم قطعي، والطريقة العقلية، يمكن أن تكون نتائجها ظنية ويمكن أن تكون قطعية، حسب الإحساس الذي ينقل إلى الدماغ وحسب المعلومات التي يفسر بها هذا الواقع.
إلا أن هذا التفكير الذي يجري فيما لا يقع عليه الحس إنما هو خاص فيما يقع الحس على أثره، لأن أثر الشيء جزء من وجوده، فما يقع الحس على أثره يعتبر أن الحس وقع على وجوده، ولذلك يصح أن يقع فيه التفكير، ويصح أن يقع التفكير في وجوده قطعاً، وأن يقع كذلك فيما يدل عليه الحس ويميزه من نوعه. أما ما عدا ذلك فلا يمكنه أن يجري فيه التفكير ولذلك لا يكون فكراً. فمثلاً أن الحس يقع على أمور تكون أوصافاً للشيء وليست أثراً له، فتتخذ هذه الصفات وسيلة للحكم على الأمر وعلى الشيء. وذلك مثل: أن أمريكا تعتنق فكرة الحرية، وهذا يعني أنها ليست دولة استعمارية، لأن الاستعمارية استعباد للشعوب، وهذا يناقض فكرة الحرية. فهذه المقدمة، وهي اعتناق فكرة الحرية من قبل أمريكا، ليست أثراً من آثار أمريكا في خارج بلادها، بل هي صفة من صفاتها، فكون الشيء صفته كذا، لا تعني أن هذه الصفة أثره. لذلك لا يجري التفكير فيها، فهي ليست صفة ينقلها الحس إلى الدماغ للحكم على الأعمال كلها، وإنما هي صفة خاصة بالأمر وليست أثراً من آثاره، لذلك لا يحكم بواسطتها كمقدمة على الأفعال. لأن الأفعال لا توجد من الإنسان من جراء اتصافه بصفة معينة، بل توجد لاعتبارات شتى وصفات متعددة ومختلفة. ومثل أن الإسلام دين عزة، فإن هذا لا يعني أن المسلم يكون عزيزاً، لأن العزة ليست هي الدين. بل هي فكرة من أفكاره، ثم إن الإنسان حين يعتنق ديناً لا يعني أنه قد تقيد به. وبذلك لا تكون العزة أثراً من آثار الدين بل هي صفة من صفاته، والدين ليس التقيد به أثراً من آثاره، بل هو صفة من صفاته، ولذلك لا يجري فيه التفكير. بل هو عبارة عن مجرد فرض، وليس تفكيراً. وعليه فالذي يجري فيه التفكير هو أثر الشيء لا صفته، لأن الأثر يمكن أن ينقل بالحس، ولكن الصفة لما لا يحس لا يمكن نقلها بواسطة الحواس، وهي فيما يحس وإن كان يمكن نقلها ولكن التفكير يجري فيها لا في أثرها، ومن هنا كان اتخاذ صفات الشيء وسيلة للحكم على أثره أو للحكم عليه لا يشكل عملية عقلية فلا يجري التفكير فيه. وبعبارة أخرى إن الفروض لا تصلح وسيلة للحكم. لأنها لم يقع الحس عليها. صحيح أن بعض الفروض تكون كمقدمات المنطق مما يقع عليه الإحساس، ولكنه إذا كانت كذلك لا تكون فروضاً بل تكون حقائق. والفرَض هو عبارة عن مجرد تقدير وليس إحساساً، وليس تقديراً ناتجاً عن إحساس. ومن هنا يقع الخطأ في اعتبار الفروض والتخيلات أفكاراً.
واذا اردنا ان نبحث في اصل الكون فعلينا البحث في الكون والانسان والحياة و البحث في الكون والإنسان والحياة، فإنه ليس بحثاً في الطبيعة، لأن الطبيعة أعم من الكون والإنسان والحياة. وليس بحثاً في العالم، لأن العالم كل ما سوى الله. فيشمل الملائكة وبالشياطين، ويشمل الطبيعة، ولذلك فإنا حين نقول إننا نبحث الكون والإنسان والحياة، فإننا لا نعني الطبيعة، ولا بحث العالم، وإنما نعني هذه الثلاثة فحسب. لأن الإنسان يحيا في الكون، فهو لا بد أن يعرف الإنسان، ويعرف الكون، ويعرف الحياة. فهو إذن لا يعنيه أن يبحث الطبيعة، فإن بحثها لا يغنيه عن بحث نوعه وحياته والكون الذي يحيا به، ولا يعنيه بحث ما عدا ذلك من مثل الملائكة والشياطين، لأن بحثها ليس مما يشكل عنده عقدة. فالإنسان يحس نفسه أنه وجد، ويحس الحياة التي فيه، ويحس الكون الذي يحيا فيه، فهو منذ يميز الأمور والأشياء يبدأ يتساءل هل قبل وجوده ووجود أمه وأبيه ومن قبلهما إلى أعلى جد يوجد شيء أم لا، ويتساءل هل هذه الحياة التي فيه والتي في غيره من بني الإنسان يوجد قبلها شيء أم لا. ويتساءل هل هذا الكون الذي يراه من أرض وشمس وما يسمع به من كواكب يوجد قبلها شيء أم لا، أي هل هي أزلية وجدت هكذا من الأزل، أم قبلها شيء أزلي، ثم يتساءل هل هذه الأشياء الثلاثة يوجد بعدها شيء أم لا، أي هل هي أبدية تظل هكذا ولا تفنى أم لا. هذه التساؤلات أو الأسئلة ترد عليه كثيراً، وكلما كبر تزداد هذه التساؤلات، فتكوّن عنده عقدة كبرى يسعى لحلها. فهذا التساؤل أو الأسئلة هي بحث في واقع، أي هي نقل واقع بواسطة الحواس إلى الدماغ، فيظل يحس بهذا الواقع، ولكن ما لديه من معلومات لا تكفي لحل هذه العقدة الكبرى، ويكبر وتزداد المعلومات، ويحاول أكثر من مرة تفسير هذا الواقع بواسطة المعلومات التي لديه، فإن استطاع تفسير هذا الواقع تفسيراً قطعياً لا يعيد هذه التساؤلات، فإنه حينئذ يحل العقدة الكبرى. وإذا لم يستطع تفسير هذا الواقع تفسيراً قاطعاً، فإنه يظل يتساءل، فقد يحلها مؤقتاً، ولكن التساؤلات تعود إليه، فيعرف أنه لم يحلها، وهكذا يوأصل بشكل طبيعي سلسلة التساؤلات حتى يصل إلى الجواب الذي تصدقه فطرته، أي يتجاوب مع الطاقة الحيوية التي لديه، أي يتجاوب مع عاطفته. وحينئذ يوقن بأنه حل العقدة الكبرى حلاً جازماً وتنقطع عنه التساؤلات. وإذا لم تحل لديه هذه العقدة الكبرى فإن التساؤلات تظل تتوارد عليه، وتظل تزعجه، وتظل العقدة الكبرى في نفسه، ويظل في حالة انزعاج، وفي حالة قلق على مصيره، حتى يحصل هذا الحل، سواء أكان حلاً صحيحاً أو حلاً خاطئاً، ما دام يطمئن إليه.
هذا هو التفكير في الكون والإنسان والحياة، وهو تفكير طبيعي، وتفكير حتمي، ولا بد أن يوجد عند كل إنسان، لأن وجوده يقضي بوجود هذا التفكير. لأن إحساسه بهذه الثلاث هو أمر دائم، وهذا الإحساس يدفعه لمحاولة الوصول إلى الفكر. لذلك فإن التفكير في الكون والإنسان والحياة ملازم لوجود الإنسان، لأن مجرد الإحساس بهذه الثلاث الذي هو حتمي، يستدعي المعلومات المتعلقة به الموجودة لديه، أو بمحاولة طلب هذه المعلومات من غيره، أو يحاول طلب الحل من غيره, فهو يدأب بحافز ذاتي لحل هذه العقدة. فحل العقدة الكبرى يلاحق الإنسان بشكل متوأصل، في طلب هذا الحل، إلا أن الناس، على حتمية تساؤلهم، وحتمية القيام بمحأولاًت متعددة ومتلاحقة في الوصول إلى الإجابة، أي في الوصول إلى حل العقدة الكبرى فإنهم يختلفون في الاستجابة لهذه الملاحقة، فمنهم من يهرب من هذه الأسئلة، ومنهم من يوأصل طلب الإجابة عنها. أما وهم صغار دون سن البلوغ فإنهم يتلقون الإجابة عن أسئلتهم من آبائهم. فهم يولدون خالين من هذه الأسئلة، ولكن حين يبدأون يميزون ما حولهم تبدأ هذه الأسئلة ترد عليهم، فيتولى آباؤهم الإجابة عليها، ونظراً لثقتهم بآبائهم أو من يتولى شؤونهم يسلمون بالأجوبة تسليماً ويطمئنون لهذا التسليم لأنه تسليم لمن يثقون به. فإذا ما بلغوا سن الرجولة، أي بلغوا الحلم، فإن الأكثرية الساحقة منهم تظل عند حد الإجابة التي تلقوها، والأٌقلية هي تعود لها هذه التساؤلات لعدم اطمئنانها للأجوبة التي تلقوها وهم صغار. ولذلك تعيد النظر فيما تلقوها من حل هذه العقدة الكبرى، ويحاولون حلها بأنفسهم.
فالتفكير في حل العقدة الكبرى، أي التفكير في الكون والإنسان والحياة، أمر حتمي لكل إنسان، إلا أن منهم من يحلها بنفسه، ومنهم من يتلقى حلها، ومتى حلت، على أي وجه، فإن هذا الحل، سواء أكان حلاً قد جاء عن طريق التلقي، أو كان حلاً وصل إليه بنفسه فإنه إن تجاوب هذا الحل مع الفطرة واطمأن إليه فإنه يرتاح ويحس بسعادة الطمأنينة. وإن لم يتجاوب هذا الحل مع الفطرة، فإنه لا يطمئن إلى الحل، وتظل التساؤلات تلاحقه وتزعجه ولو لم يفصح عن ذلك بأية إشارة. ولذلك لا بد من التفكير في حل العقدة الكبرى للإنسان، حلاً يتجاوب مع الفطرة.
نعم إن التفكير بحل العقدة الكبرى طبيعي وحتمي، ولكن هذا التفكير نفسه قد يكون تفكيراً صحيحاً، وقد يكون تفكيراً سقيماً، وقد يكون تفكيراً في الهروب من التفكير، ولكنه على أي حال تفكير حسب الطريقة العقلية. فالذين يرجعون الإنسان والكون والحياة إلى أنها مادة، وينتقلون إلى البحث في المادة يهربون من التفكير بالإنسان والكون والحياة إلى التفكير بالمادة، وهذا التفكير بالمادة باعتباره هروباً من التفكير الطبيعي والحتمي، يجرهم إلى السقم في التفكير. فالمادة تخضع للمختبر، ولكن الإنسان والكون والحياة لا تخضع للمختبر، والتساؤلات التي ترد تحتاج إلى تفكير عقلي، وهم ينتقلون إلى التفكير العلمي. ولذلك يستحيل أن يأتوا بالحل الصحيح وبذلك يأتون بالحل المغلوط. فيحلون العقدة الكبرى، ولكن حلاً خاطئاً لا تتجاوب معه الفطرة، ومن هنا يظل هذا الحل حلاً لأفراد لا حلاً لشعب أو أمة. فيبقى الشعب أو الأمة دو أن تحل لديها العقدة الكبرى حلاً يتجاوب مع فطرتها، وتظل التساؤلات تلاحق الناس، وحتى تلاحق كثيراً من الأفراد الذين ارتضوا هذا الحل.
اخي جواد هذه مقدمة لك لتعرف وجهة نظري بالموضوع سلفا اما محور النقاش فاريد ان يكون العقل وطريقة التفكير قبل ان نناقش الوجود لان البحث في الوجود يحتاج الى العقل والعقل وتعريفه وطريقة عمله من الاساسات التي يجب علينا ان نثبتها قبل البدء لذلك سنبدا بها على بركة الله وستكون لنا المحاور التالية في الحديث
هل وجود الدماغ والواقع يكفي للتفكير؟
هل الواقع هو اساس الفكر
الفكر هو تعبير عن الواقع
الفرق بين الاحساس والتفكير
الفرق بين الانسان والحيوان
الفرق بين اسلوب التفكير وطريقة التفكير
الفرق بين الطريقة العلمية والطريقة العقلية
والحقيقة ان المهم هما المحور الاول والاخير والبقية سيكونون تحصيل حاصل وسنبدا ان شاء الله بالمحور الاول
ما هو العقل او التفكير؟ وما هي اركانه؟ او كما ذكرت لك سابقا هل وجود الدماغ والواقع يكفي للتفكير؟

احمد ادريس
03/10/2007, 04:59 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
اولا وقبل كل شي اسلم على اهل المنتدى هذا وابدا مشاركتي الاولى وان شاء الله نسعد معكم
اخوتي اريد ان اعطي بعض النقاط لموضوع النقاش الذي دفعني للتسجيل في هذا المنتدى وهو مسالة التفكير في وجود خالق لهذا الكون او عدم وجوده
ان البحث في هذا الموضوع لا ينبغي ان يبنى على آيات من القران لان الجاحد بوجود الله جاحد بقرآنه قطعا والحديث عن الاله يسبق الحديث عن كتابه لذلك فان موضوع وجود اله هو بحث في الواقع المدرك المحسوس
اتمنى من الشباب ان يفسوا المجال لي وللاخ جواد لكي نتناقش في الموضوع الاحب الى قلبي وهو حل اكبر مشكلة واجهها الانسان على مر العصور وهي ( من انا وكيف جئت والى اين المصير؟)
الاخ جواد قبل الحديث معك عن الموضوع لدي عدة نقاط اريد ان اوضحها لك
هناك حالات يحاول التفكير فيها الانسان وهي التفكير بالمحسوس والتفكير بغير المحسوس والتفكير بما يقع الحس على اثره لا على ذاته والنوع الثاني حالة لا يحصل فيها التفكير حقيقة حيث ان الانسان لا يمكن له ان يعلم ما وراء الجدار الا اذا اطلع عليه او بالاحرى احسه وعليه فالعملية العقلية، أي التفكير، لا يمكن أن يكون إلا بواقع يقع عليه حس الإنسان. إلا أن هناك أموراً أو أشياء لها واقع، ولكن هذا الواقع لا يمكن أن يحسه الإنسان ولا يمكن نقله بالحس، ولكن أثره يقع عليه حس الإنسان وينقل إلى الدماغ بواسطة الإحساس، فإن هذا النوع من الأمور يمكن أن تجري فيه العملية العقلية، أي يمكن أن يحصل فيه تفكير، ولكنه تفكير بوجوده لا بكنهه، لأن الذي نقل إلى الدماغ بواسطة الحس هو أثره، وأثره إنما يدل على وجوده فقط، ولا يدل على كنهه. فمثلاً لو أن طائرة كانت عالية جداً إلى حد أن العين المجردة لا تراها، ولكن صوتها تسمعه الأذن، فإن هذه الطائرة يمكن أن يحس الإنسان بصوتها، وهذا الصوت دليل على وجود شيء. أي على وجود الطائرة. ولا يمكن أن يدل على كنه هذه الطائرة. فالصوت المسموع والآتي من فوق هو صوت لشيء موجود، ومن تمييز حسه يستدل على أنه صوت طائرة. فالعملية العقلية هنا جرت في وجود الطائرة. أي حصل التفكير بوجود الطائرة. وصدر الحكم بوجودها. مع أن الحس لم يقع عليها، ولكنه وقع على أثرها، أي على شيء يدل على الطائرة، فحكم العقل عن وجودها من وجود أثرها، صحيح أنه يمكن أن يعرف صوت طائرة الميراج من صوت طائرة الفانتوم، ويمكن الحكم على نوعها كما يمكن الحكم على أنها طائرة من تمييز نوع الصوت ولكن معرفة أنها طائرة ميراج أو طائرة فانتوم إنما أتى من تمييز الصوت، كما أن الحكم على أنها طائرة أو ليست طائرة قد أتى من تمييز الصوت. إلا أن هذا الحكم ليس حكماً على كنهها بل هو حكم على نوع هذا الموجود من تمييز أثره. وعلى أي حال، فإن هذا فكر، أيا كان، لأن العملية جرت فيه فعلاً، أي جرى التفكير فيه لأن الحواس نقلت أثره. ولا يقال إن هذا الحكم على وجود الطائرة ظني، فإن الموضوع هو إمكانية وجود التفكير فيما يحس الإنسان أثره ولا يحس ذاته. وعلى أي حال فإنه إن كان الحكم على كون الصوت هو صوت طائرة ظنياً، فإن الحكم بوجود شيء خرج منه الصوت هو حكم قطعي، والطريقة العقلية، يمكن أن تكون نتائجها ظنية ويمكن أن تكون قطعية، حسب الإحساس الذي ينقل إلى الدماغ وحسب المعلومات التي يفسر بها هذا الواقع.
إلا أن هذا التفكير الذي يجري فيما لا يقع عليه الحس إنما هو خاص فيما يقع الحس على أثره، لأن أثر الشيء جزء من وجوده، فما يقع الحس على أثره يعتبر أن الحس وقع على وجوده، ولذلك يصح أن يقع فيه التفكير، ويصح أن يقع التفكير في وجوده قطعاً، وأن يقع كذلك فيما يدل عليه الحس ويميزه من نوعه. أما ما عدا ذلك فلا يمكنه أن يجري فيه التفكير ولذلك لا يكون فكراً. فمثلاً أن الحس يقع على أمور تكون أوصافاً للشيء وليست أثراً له، فتتخذ هذه الصفات وسيلة للحكم على الأمر وعلى الشيء. وذلك مثل: أن أمريكا تعتنق فكرة الحرية، وهذا يعني أنها ليست دولة استعمارية، لأن الاستعمارية استعباد للشعوب، وهذا يناقض فكرة الحرية. فهذه المقدمة، وهي اعتناق فكرة الحرية من قبل أمريكا، ليست أثراً من آثار أمريكا في خارج بلادها، بل هي صفة من صفاتها، فكون الشيء صفته كذا، لا تعني أن هذه الصفة أثره. لذلك لا يجري التفكير فيها، فهي ليست صفة ينقلها الحس إلى الدماغ للحكم على الأعمال كلها، وإنما هي صفة خاصة بالأمر وليست أثراً من آثاره، لذلك لا يحكم بواسطتها كمقدمة على الأفعال. لأن الأفعال لا توجد من الإنسان من جراء اتصافه بصفة معينة، بل توجد لاعتبارات شتى وصفات متعددة ومختلفة. ومثل أن الإسلام دين عزة، فإن هذا لا يعني أن المسلم يكون عزيزاً، لأن العزة ليست هي الدين. بل هي فكرة من أفكاره، ثم إن الإنسان حين يعتنق ديناً لا يعني أنه قد تقيد به. وبذلك لا تكون العزة أثراً من آثار الدين بل هي صفة من صفاته، والدين ليس التقيد به أثراً من آثاره، بل هو صفة من صفاته، ولذلك لا يجري فيه التفكير. بل هو عبارة عن مجرد فرض، وليس تفكيراً. وعليه فالذي يجري فيه التفكير هو أثر الشيء لا صفته، لأن الأثر يمكن أن ينقل بالحس، ولكن الصفة لما لا يحس لا يمكن نقلها بواسطة الحواس، وهي فيما يحس وإن كان يمكن نقلها ولكن التفكير يجري فيها لا في أثرها، ومن هنا كان اتخاذ صفات الشيء وسيلة للحكم على أثره أو للحكم عليه لا يشكل عملية عقلية فلا يجري التفكير فيه. وبعبارة أخرى إن الفروض لا تصلح وسيلة للحكم. لأنها لم يقع الحس عليها. صحيح أن بعض الفروض تكون كمقدمات المنطق مما يقع عليه الإحساس، ولكنه إذا كانت كذلك لا تكون فروضاً بل تكون حقائق. والفرَض هو عبارة عن مجرد تقدير وليس إحساساً، وليس تقديراً ناتجاً عن إحساس. ومن هنا يقع الخطأ في اعتبار الفروض والتخيلات أفكاراً.
واذا اردنا ان نبحث في اصل الكون فعلينا البحث في الكون والانسان والحياة و البحث في الكون والإنسان والحياة، فإنه ليس بحثاً في الطبيعة، لأن الطبيعة أعم من الكون والإنسان والحياة. وليس بحثاً في العالم، لأن العالم كل ما سوى الله. فيشمل الملائكة وبالشياطين، ويشمل الطبيعة، ولذلك فإنا حين نقول إننا نبحث الكون والإنسان والحياة، فإننا لا نعني الطبيعة، ولا بحث العالم، وإنما نعني هذه الثلاثة فحسب. لأن الإنسان يحيا في الكون، فهو لا بد أن يعرف الإنسان، ويعرف الكون، ويعرف الحياة. فهو إذن لا يعنيه أن يبحث الطبيعة، فإن بحثها لا يغنيه عن بحث نوعه وحياته والكون الذي يحيا به، ولا يعنيه بحث ما عدا ذلك من مثل الملائكة والشياطين، لأن بحثها ليس مما يشكل عنده عقدة. فالإنسان يحس نفسه أنه وجد، ويحس الحياة التي فيه، ويحس الكون الذي يحيا فيه، فهو منذ يميز الأمور والأشياء يبدأ يتساءل هل قبل وجوده ووجود أمه وأبيه ومن قبلهما إلى أعلى جد يوجد شيء أم لا، ويتساءل هل هذه الحياة التي فيه والتي في غيره من بني الإنسان يوجد قبلها شيء أم لا. ويتساءل هل هذا الكون الذي يراه من أرض وشمس وما يسمع به من كواكب يوجد قبلها شيء أم لا، أي هل هي أزلية وجدت هكذا من الأزل، أم قبلها شيء أزلي، ثم يتساءل هل هذه الأشياء الثلاثة يوجد بعدها شيء أم لا، أي هل هي أبدية تظل هكذا ولا تفنى أم لا. هذه التساؤلات أو الأسئلة ترد عليه كثيراً، وكلما كبر تزداد هذه التساؤلات، فتكوّن عنده عقدة كبرى يسعى لحلها. فهذا التساؤل أو الأسئلة هي بحث في واقع، أي هي نقل واقع بواسطة الحواس إلى الدماغ، فيظل يحس بهذا الواقع، ولكن ما لديه من معلومات لا تكفي لحل هذه العقدة الكبرى، ويكبر وتزداد المعلومات، ويحاول أكثر من مرة تفسير هذا الواقع بواسطة المعلومات التي لديه، فإن استطاع تفسير هذا الواقع تفسيراً قطعياً لا يعيد هذه التساؤلات، فإنه حينئذ يحل العقدة الكبرى. وإذا لم يستطع تفسير هذا الواقع تفسيراً قاطعاً، فإنه يظل يتساءل، فقد يحلها مؤقتاً، ولكن التساؤلات تعود إليه، فيعرف أنه لم يحلها، وهكذا يوأصل بشكل طبيعي سلسلة التساؤلات حتى يصل إلى الجواب الذي تصدقه فطرته، أي يتجاوب مع الطاقة الحيوية التي لديه، أي يتجاوب مع عاطفته. وحينئذ يوقن بأنه حل العقدة الكبرى حلاً جازماً وتنقطع عنه التساؤلات. وإذا لم تحل لديه هذه العقدة الكبرى فإن التساؤلات تظل تتوارد عليه، وتظل تزعجه، وتظل العقدة الكبرى في نفسه، ويظل في حالة انزعاج، وفي حالة قلق على مصيره، حتى يحصل هذا الحل، سواء أكان حلاً صحيحاً أو حلاً خاطئاً، ما دام يطمئن إليه.
هذا هو التفكير في الكون والإنسان والحياة، وهو تفكير طبيعي، وتفكير حتمي، ولا بد أن يوجد عند كل إنسان، لأن وجوده يقضي بوجود هذا التفكير. لأن إحساسه بهذه الثلاث هو أمر دائم، وهذا الإحساس يدفعه لمحاولة الوصول إلى الفكر. لذلك فإن التفكير في الكون والإنسان والحياة ملازم لوجود الإنسان، لأن مجرد الإحساس بهذه الثلاث الذي هو حتمي، يستدعي المعلومات المتعلقة به الموجودة لديه، أو بمحاولة طلب هذه المعلومات من غيره، أو يحاول طلب الحل من غيره, فهو يدأب بحافز ذاتي لحل هذه العقدة. فحل العقدة الكبرى يلاحق الإنسان بشكل متوأصل، في طلب هذا الحل، إلا أن الناس، على حتمية تساؤلهم، وحتمية القيام بمحأولاًت متعددة ومتلاحقة في الوصول إلى الإجابة، أي في الوصول إلى حل العقدة الكبرى فإنهم يختلفون في الاستجابة لهذه الملاحقة، فمنهم من يهرب من هذه الأسئلة، ومنهم من يوأصل طلب الإجابة عنها. أما وهم صغار دون سن البلوغ فإنهم يتلقون الإجابة عن أسئلتهم من آبائهم. فهم يولدون خالين من هذه الأسئلة، ولكن حين يبدأون يميزون ما حولهم تبدأ هذه الأسئلة ترد عليهم، فيتولى آباؤهم الإجابة عليها، ونظراً لثقتهم بآبائهم أو من يتولى شؤونهم يسلمون بالأجوبة تسليماً ويطمئنون لهذا التسليم لأنه تسليم لمن يثقون به. فإذا ما بلغوا سن الرجولة، أي بلغوا الحلم، فإن الأكثرية الساحقة منهم تظل عند حد الإجابة التي تلقوها، والأٌقلية هي تعود لها هذه التساؤلات لعدم اطمئنانها للأجوبة التي تلقوها وهم صغار. ولذلك تعيد النظر فيما تلقوها من حل هذه العقدة الكبرى، ويحاولون حلها بأنفسهم.
فالتفكير في حل العقدة الكبرى، أي التفكير في الكون والإنسان والحياة، أمر حتمي لكل إنسان، إلا أن منهم من يحلها بنفسه، ومنهم من يتلقى حلها، ومتى حلت، على أي وجه، فإن هذا الحل، سواء أكان حلاً قد جاء عن طريق التلقي، أو كان حلاً وصل إليه بنفسه فإنه إن تجاوب هذا الحل مع الفطرة واطمأن إليه فإنه يرتاح ويحس بسعادة الطمأنينة. وإن لم يتجاوب هذا الحل مع الفطرة، فإنه لا يطمئن إلى الحل، وتظل التساؤلات تلاحقه وتزعجه ولو لم يفصح عن ذلك بأية إشارة. ولذلك لا بد من التفكير في حل العقدة الكبرى للإنسان، حلاً يتجاوب مع الفطرة.
نعم إن التفكير بحل العقدة الكبرى طبيعي وحتمي، ولكن هذا التفكير نفسه قد يكون تفكيراً صحيحاً، وقد يكون تفكيراً سقيماً، وقد يكون تفكيراً في الهروب من التفكير، ولكنه على أي حال تفكير حسب الطريقة العقلية. فالذين يرجعون الإنسان والكون والحياة إلى أنها مادة، وينتقلون إلى البحث في المادة يهربون من التفكير بالإنسان والكون والحياة إلى التفكير بالمادة، وهذا التفكير بالمادة باعتباره هروباً من التفكير الطبيعي والحتمي، يجرهم إلى السقم في التفكير. فالمادة تخضع للمختبر، ولكن الإنسان والكون والحياة لا تخضع للمختبر، والتساؤلات التي ترد تحتاج إلى تفكير عقلي، وهم ينتقلون إلى التفكير العلمي. ولذلك يستحيل أن يأتوا بالحل الصحيح وبذلك يأتون بالحل المغلوط. فيحلون العقدة الكبرى، ولكن حلاً خاطئاً لا تتجاوب معه الفطرة، ومن هنا يظل هذا الحل حلاً لأفراد لا حلاً لشعب أو أمة. فيبقى الشعب أو الأمة دو أن تحل لديها العقدة الكبرى حلاً يتجاوب مع فطرتها، وتظل التساؤلات تلاحق الناس، وحتى تلاحق كثيراً من الأفراد الذين ارتضوا هذا الحل.
اخي جواد هذه مقدمة لك لتعرف وجهة نظري بالموضوع سلفا اما محور النقاش فاريد ان يكون العقل وطريقة التفكير قبل ان نناقش الوجود لان البحث في الوجود يحتاج الى العقل والعقل وتعريفه وطريقة عمله من الاساسات التي يجب علينا ان نثبتها قبل البدء لذلك سنبدا بها على بركة الله وستكون لنا المحاور التالية في الحديث
هل وجود الدماغ والواقع يكفي للتفكير؟
هل الواقع هو اساس الفكر
الفكر هو تعبير عن الواقع
الفرق بين الاحساس والتفكير
الفرق بين الانسان والحيوان
الفرق بين اسلوب التفكير وطريقة التفكير
الفرق بين الطريقة العلمية والطريقة العقلية
والحقيقة ان المهم هما المحور الاول والاخير والبقية سيكونون تحصيل حاصل وسنبدا ان شاء الله بالمحور الاول
ما هو العقل او التفكير؟ وما هي اركانه؟ او كما ذكرت لك سابقا هل وجود الدماغ والواقع يكفي للتفكير؟

سعيد نويضي
03/10/2007, 06:45 PM
بسم الله الرحمن الرحيم...

الاستاذ عبد السلام...لم يكن قصدي من القول بأن الله عز و جل خلق كتابين...كتاب مقروء هو القرآن الكريم و كتاب منظور هو الكون الفسيح......أن القرآن الكريم هو كلام الله عز و جل...أنزله الله عز و جل بواسطة روح القدس على قلب الرسول عليه الصلاة و السلام ليبين للناس ما اختلفوا فيه...جزاك الله ألف خير على الملاحظة الدقيقة...و شكرا على التذكير...

دمت بألف خير و في رعاية الله عز و جل...

سعيد نويضي
03/10/2007, 06:45 PM
بسم الله الرحمن الرحيم...

الاستاذ عبد السلام...لم يكن قصدي من القول بأن الله عز و جل خلق كتابين...كتاب مقروء هو القرآن الكريم و كتاب منظور هو الكون الفسيح......أن القرآن الكريم هو كلام الله عز و جل...أنزله الله عز و جل بواسطة روح القدس على قلب الرسول عليه الصلاة و السلام ليبين للناس ما اختلفوا فيه...جزاك الله ألف خير على الملاحظة الدقيقة...و شكرا على التذكير...

دمت بألف خير و في رعاية الله عز و جل...

سعيد نويضي
03/10/2007, 06:56 PM
بسم الله الرحمن الرحيم...

الاساتذة الكرام...

فيما يخص المادة و خواصها التي هي بدونها تتعطل حركتها أو قل فعاليتها...فتصير شيئا آخر غير ما هي معروفة عليه في مجال العلم كمجال يدرس دقائق الأمور أو في مجال الحياة مجال تداولها الطبيعي...

يقول الله عز و جل: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً }الإسراء84
قل -أيها الرسول- للناس: كل واحد منكم يعمل على ما يليق به من الأحوال، فربكم أعلم بمن هو أهدى طريقًا إلى الحق.

فكل ما خلق الله عز و جل يعمل طبق القوانين و السنن التي وضعها يوم تمت عملية الخلق...فالمادة بأشكالها و المخلوقات بأنواعها و الكون بعظمته يعمل طبقا لسنن الخالق جل و علا...

دمتم بألف و خير و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته...

سعيد نويضي
03/10/2007, 06:56 PM
بسم الله الرحمن الرحيم...

الاساتذة الكرام...

فيما يخص المادة و خواصها التي هي بدونها تتعطل حركتها أو قل فعاليتها...فتصير شيئا آخر غير ما هي معروفة عليه في مجال العلم كمجال يدرس دقائق الأمور أو في مجال الحياة مجال تداولها الطبيعي...

يقول الله عز و جل: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً }الإسراء84
قل -أيها الرسول- للناس: كل واحد منكم يعمل على ما يليق به من الأحوال، فربكم أعلم بمن هو أهدى طريقًا إلى الحق.

فكل ما خلق الله عز و جل يعمل طبق القوانين و السنن التي وضعها يوم تمت عملية الخلق...فالمادة بأشكالها و المخلوقات بأنواعها و الكون بعظمته يعمل طبقا لسنن الخالق جل و علا...

دمتم بألف و خير و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته...

سعيد نويضي
03/10/2007, 07:48 PM
بسم الله الرحمن الرحيم...

بداية ارحب بالاخ الاستاذ أحمد إدريس في الجمعية و في المنتدى...و أتمنى له مقاما طيبا فاعلا مشاركا في هذا الصرح العظيم...

كما ابدي إعجابي بالمقدمة التي بدأ بها للخروج من إشكالية قضت مضجع الكثير ...و ستستمر كذلك...لأن الحوار خاصية طبيعية بين بني آدم...و الجدل خاصية بين جميع المخلوقات...لذلك جاء في قول الله عز و جل: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً }الكهف54...

دمت بألف خير و كل عام و انتم بألف خير...

سعيد نويضي
03/10/2007, 07:48 PM
بسم الله الرحمن الرحيم...

بداية ارحب بالاخ الاستاذ أحمد إدريس في الجمعية و في المنتدى...و أتمنى له مقاما طيبا فاعلا مشاركا في هذا الصرح العظيم...

كما ابدي إعجابي بالمقدمة التي بدأ بها للخروج من إشكالية قضت مضجع الكثير ...و ستستمر كذلك...لأن الحوار خاصية طبيعية بين بني آدم...و الجدل خاصية بين جميع المخلوقات...لذلك جاء في قول الله عز و جل: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً }الكهف54...

دمت بألف خير و كل عام و انتم بألف خير...

احمد ادريس
04/10/2007, 05:06 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اخي استاذ سعيد الشيوعيون اخطاوا عندما بحثوا في المادة واعتبروها اصل الشئ وقد نوهت لذلك في مقدمتي وساناقشه ان شاء الله مع استاذ جواد لكن بعد حل اشكالية التفكير وطريقة عمل العقل لان هذه هي المشكلة الاساسية لديهم وكونها خاطئة بنوا عليها الكثير مما عجل من انهيار الفكر الشيوعي على ارض الواقع وكان المبدأ الذي حطم الرقم القياسي في اقصر مدة يطبق على وجه الارض على مر العصور ولم يكتفي اهله بانزاله من الحكم وانما خلعوه حتى من ادمغتهم ولم يبقى من ينادي به الا القليل، على العكس من النظام الاسلامي الذي دام 1400 سنة ونيف وبقى يصارع كل ما موجود على الساحة السياسية والفكرية والعسكرية ودخلت اليه الكثير من الاخطاء في التطبيق وخلع من الحكم على ايدي الغرب عنوة بالمساعدة مع بعض العملاء ولكن لم يتمكن الغرب الى حد الان من خلعه من عقول الناس رغم انه يجند الكثير من المرتزقة اصحاب الفكر الملوث لذلك.
عموما نحن الان بالانتظار الاستاذ جواد ليجيبنا على سؤالي ولنبدا النقاش على بركة الله تعالى
(جزاك الله خيرا على الترحيب)

احمد ادريس
04/10/2007, 05:06 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اخي استاذ سعيد الشيوعيون اخطاوا عندما بحثوا في المادة واعتبروها اصل الشئ وقد نوهت لذلك في مقدمتي وساناقشه ان شاء الله مع استاذ جواد لكن بعد حل اشكالية التفكير وطريقة عمل العقل لان هذه هي المشكلة الاساسية لديهم وكونها خاطئة بنوا عليها الكثير مما عجل من انهيار الفكر الشيوعي على ارض الواقع وكان المبدأ الذي حطم الرقم القياسي في اقصر مدة يطبق على وجه الارض على مر العصور ولم يكتفي اهله بانزاله من الحكم وانما خلعوه حتى من ادمغتهم ولم يبقى من ينادي به الا القليل، على العكس من النظام الاسلامي الذي دام 1400 سنة ونيف وبقى يصارع كل ما موجود على الساحة السياسية والفكرية والعسكرية ودخلت اليه الكثير من الاخطاء في التطبيق وخلع من الحكم على ايدي الغرب عنوة بالمساعدة مع بعض العملاء ولكن لم يتمكن الغرب الى حد الان من خلعه من عقول الناس رغم انه يجند الكثير من المرتزقة اصحاب الفكر الملوث لذلك.
عموما نحن الان بالانتظار الاستاذ جواد ليجيبنا على سؤالي ولنبدا النقاش على بركة الله تعالى
(جزاك الله خيرا على الترحيب)

جواد البشيتي
04/10/2007, 11:48 AM
عبد السلام معلا
كلاَّ، يا عزيزي، فأنتَ لَمْ تُجِبْ عن سؤال "ما هي المادة؟"، الذي لَمْ يستطع حتى الآن، على سرعته، أن يُدْرِك منذر أبو هواش.
الثنائية الفيزيائية ليست "مادة ـ طاقة"؛ وإنَّما "كتلة ـ طاقة"، فـ "المادة" نراها إمَّا على هيئة "كتلة"، وإمَّا على هيئة "طاقة"، فالذي يتحوَّل إلى "طاقة" إنَّما هو "الكتلة"، وليس "المادة"؛ والذي يتحوَّل إلى "كتلة" إنَّما هو "الطاقة"، وليس "المادة"، فانتبه!
"النسبية" لا نراها في "المادة"، التي هي "مُطْلَقَة"، وإنَّما في "الكتلة"، وفي "الطاقة"، فليس من "كتلة خالصة"، وليس من "طاقة خالصة". "الكتلة" إنَّما هي "طاقة مُرَكَّزة، مُكَثَّفة، مُجَمَّدة"؛ ثمَّ أنَّ كل جسم، أو جسيم، له "كتلة سكون" يجب أن ينطوي على "طاقة". و"الطاقة" إنَّما هي "كتلة مُفَتَّتَة، مُشَتَّتّة"، كأنَّها سائلة أو غازية.
أنتَ أصَبْتَ إذ قُلْتَ ليس في مقدورنا تصوُّر "العدم"، فليس من مكان في عقولنا إلاَّ للمادة في صورها الذهنية المختلفة.
وأصَبْتَ إذ قُلْتَ إنَّ فَصْل المِلْح عن الماء، أو الماء عن المِلْح، ليس بفعل "خَلْقٍ من العدم". وعليه، يُمْكِنكَ وينبغي لكَ أن تقول أيضا إنَّ الفَصْل بين الأرض والسماء بفضل "أمْر الفَتق الإلهي" ليس بـ "خَلْقٍ من العدم"، فالأرض والسماء كانتا موجودتين قبل "الفَتق"، أي قبل "الخَلْق بالفَتق"، ولكن على هيئة مخصوصة، هي "الرَتق".
أنتَ تقول بأنْ ليس من حقِّنا (نحن البشر) ولا في مقدورنا أن نبحث في أمْر "الخلق الأوَّل"؛ ومع ذلك، أنتَ أجَزْتَ لنفسكَ أن تَزْعُم أنَّ الله خلق أوَّل ما خلق "المادة الأوَّلية"، فهل لزعمكَ هذا من سَنَدٍ في القرآن؟!

جواد البشيتي
04/10/2007, 11:48 AM
عبد السلام معلا
كلاَّ، يا عزيزي، فأنتَ لَمْ تُجِبْ عن سؤال "ما هي المادة؟"، الذي لَمْ يستطع حتى الآن، على سرعته، أن يُدْرِك منذر أبو هواش.
الثنائية الفيزيائية ليست "مادة ـ طاقة"؛ وإنَّما "كتلة ـ طاقة"، فـ "المادة" نراها إمَّا على هيئة "كتلة"، وإمَّا على هيئة "طاقة"، فالذي يتحوَّل إلى "طاقة" إنَّما هو "الكتلة"، وليس "المادة"؛ والذي يتحوَّل إلى "كتلة" إنَّما هو "الطاقة"، وليس "المادة"، فانتبه!
"النسبية" لا نراها في "المادة"، التي هي "مُطْلَقَة"، وإنَّما في "الكتلة"، وفي "الطاقة"، فليس من "كتلة خالصة"، وليس من "طاقة خالصة". "الكتلة" إنَّما هي "طاقة مُرَكَّزة، مُكَثَّفة، مُجَمَّدة"؛ ثمَّ أنَّ كل جسم، أو جسيم، له "كتلة سكون" يجب أن ينطوي على "طاقة". و"الطاقة" إنَّما هي "كتلة مُفَتَّتَة، مُشَتَّتّة"، كأنَّها سائلة أو غازية.
أنتَ أصَبْتَ إذ قُلْتَ ليس في مقدورنا تصوُّر "العدم"، فليس من مكان في عقولنا إلاَّ للمادة في صورها الذهنية المختلفة.
وأصَبْتَ إذ قُلْتَ إنَّ فَصْل المِلْح عن الماء، أو الماء عن المِلْح، ليس بفعل "خَلْقٍ من العدم". وعليه، يُمْكِنكَ وينبغي لكَ أن تقول أيضا إنَّ الفَصْل بين الأرض والسماء بفضل "أمْر الفَتق الإلهي" ليس بـ "خَلْقٍ من العدم"، فالأرض والسماء كانتا موجودتين قبل "الفَتق"، أي قبل "الخَلْق بالفَتق"، ولكن على هيئة مخصوصة، هي "الرَتق".
أنتَ تقول بأنْ ليس من حقِّنا (نحن البشر) ولا في مقدورنا أن نبحث في أمْر "الخلق الأوَّل"؛ ومع ذلك، أنتَ أجَزْتَ لنفسكَ أن تَزْعُم أنَّ الله خلق أوَّل ما خلق "المادة الأوَّلية"، فهل لزعمكَ هذا من سَنَدٍ في القرآن؟!

جواد البشيتي
04/10/2007, 11:57 AM
أخي أحمد إدريس
أهلا وسهلا بك، وأُحَيِّي فيكَ دافعكَ إلى الانضمام إلى "واتا"، متمنياً عليكَ أن تعيد كتابة ما كَتَبْت فقد تعذَّر عليَّ فَهْم ما تريد قوله.

جواد البشيتي
04/10/2007, 11:57 AM
أخي أحمد إدريس
أهلا وسهلا بك، وأُحَيِّي فيكَ دافعكَ إلى الانضمام إلى "واتا"، متمنياً عليكَ أن تعيد كتابة ما كَتَبْت فقد تعذَّر عليَّ فَهْم ما تريد قوله.

جواد البشيتي
04/10/2007, 12:15 PM
الأستاذ سعيد نويضي
قَبْل أن تُجيب عن سؤال "هل القرآن مخلوق؟"، ينبغي لكَ أنْ تَنْظُر في أمر "الناسخ والمنسوخ" في القرآن.
الناسخ والمنسوخ في كلام العرب هو رفع الشيء؛ وقد جاء "الشرع" بما تعرف العرب، إذ كان الناسخ يرفع حكم المنسوخ.
والمنسوخ في القرآن على ثلاثة أضرب: فمنه ما نسخ خطه وحكمه. ومنه ما نسخ خطه وبقي حكمه. ومنه ما نسخ حكمه وبقي خطه. فأما ما نسخ حكمه وخطه، فمثل ما روي عن أنس بن مالك أنه قال: كنا نقرأ على عهد الرسول سورة تعدلها سورة التوبة، ما أحفظ منها غير آية واحدة "ولو أن لابن آدم واديان من ذهب لابتغى إليها ثالثا، ولو أن له ثالثا لابتغى إليها رابعا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب".
وروى عن عبد الله بن مسعود أنه قال: أقرأني رسول الله آية، فحفظتها وكتبتها في مصحفي، فلما كان الليل رجعت إلى مضجعي فلم أرجع منها بشيء، وغدوت على مصحفي فإذا الورقة بيضاء، فأخبرت النبي فقال لي: "يا ابن مسعود، تلك رفعت البارحة".
وأما ما نسخ خطه وبقي حكمه، فمثل ما روي عن عمر بن الخطاب أنه قال: لولا أكره أن يقول الناس: قد زاد في القرآن ما ليس فيه، لكتبت آية الرجم وأثبتها، فوالله لقد قرأناها على رسول الله: "لا ترغبوا عن آبائكم، فإن ذلك كفر بكم. الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة، نكالا من الله والله عزيز حكيم". فهذا منسوخ الخط ثابت الحكم.
وأما ما نسخ حكمه وبقي خطه، فهو في ثلاث وستين سورة، مثل: الصلاة إلى بيت المقدس، والصيام الأول، والصفح عن المشركين والإعراض عن الجاهلين.
قال أبو القاسم: فأول ما نبدأ به من ذلك: تسمية السور التي لم يدخلها ناسخ ولا منسوخ وهي ثلاث وأربعون سورة.

جواد البشيتي
04/10/2007, 12:15 PM
الأستاذ سعيد نويضي
قَبْل أن تُجيب عن سؤال "هل القرآن مخلوق؟"، ينبغي لكَ أنْ تَنْظُر في أمر "الناسخ والمنسوخ" في القرآن.
الناسخ والمنسوخ في كلام العرب هو رفع الشيء؛ وقد جاء "الشرع" بما تعرف العرب، إذ كان الناسخ يرفع حكم المنسوخ.
والمنسوخ في القرآن على ثلاثة أضرب: فمنه ما نسخ خطه وحكمه. ومنه ما نسخ خطه وبقي حكمه. ومنه ما نسخ حكمه وبقي خطه. فأما ما نسخ حكمه وخطه، فمثل ما روي عن أنس بن مالك أنه قال: كنا نقرأ على عهد الرسول سورة تعدلها سورة التوبة، ما أحفظ منها غير آية واحدة "ولو أن لابن آدم واديان من ذهب لابتغى إليها ثالثا، ولو أن له ثالثا لابتغى إليها رابعا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب".
وروى عن عبد الله بن مسعود أنه قال: أقرأني رسول الله آية، فحفظتها وكتبتها في مصحفي، فلما كان الليل رجعت إلى مضجعي فلم أرجع منها بشيء، وغدوت على مصحفي فإذا الورقة بيضاء، فأخبرت النبي فقال لي: "يا ابن مسعود، تلك رفعت البارحة".
وأما ما نسخ خطه وبقي حكمه، فمثل ما روي عن عمر بن الخطاب أنه قال: لولا أكره أن يقول الناس: قد زاد في القرآن ما ليس فيه، لكتبت آية الرجم وأثبتها، فوالله لقد قرأناها على رسول الله: "لا ترغبوا عن آبائكم، فإن ذلك كفر بكم. الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة، نكالا من الله والله عزيز حكيم". فهذا منسوخ الخط ثابت الحكم.
وأما ما نسخ حكمه وبقي خطه، فهو في ثلاث وستين سورة، مثل: الصلاة إلى بيت المقدس، والصيام الأول، والصفح عن المشركين والإعراض عن الجاهلين.
قال أبو القاسم: فأول ما نبدأ به من ذلك: تسمية السور التي لم يدخلها ناسخ ولا منسوخ وهي ثلاث وأربعون سورة.

جواد البشيتي
04/10/2007, 12:25 PM
الأستاذ سعيد نويضي
تقول: "فيما يخص المادة و خواصها التي هي من دونها تتعطل حركتها أو قل فعاليتها.. فتصير شيئا آخر غير ما هي معروفة عليه في مجال العلم كمجال يدرس دقائق الأمور أو في مجال الحياة مجال تداولها الطبيعي..".

من أين جئتَ بتلك الفرضية.. فرضية "مادة بلا خواص"؟!
هل لكَ أن تأتيني بـ "مادة" من نمط "المادة عديمة الخواص"؟!
إنَّكَ تقول بـ "المادة" التي "نُزِعَت منها خواصها" وكأنَّكَ تَعْلَم من أمْرها ما يرقى إلى "عِلْم اليقين"، فأنتَ على بَيِّنةً من أنَّ المادة "تتعطَّل حركتها"، أو "تقل فاعليتها"، إذا ما جرَّدناها من خواصها. من أين جئتَ بهذا "العِلْم"؟!
وما هو هذا "الشيء الآخر" الذي تتحوَّل إليها المادة ما أنْ نَنْزَع منها خواصها؟!

جواد البشيتي
04/10/2007, 12:25 PM
الأستاذ سعيد نويضي
تقول: "فيما يخص المادة و خواصها التي هي من دونها تتعطل حركتها أو قل فعاليتها.. فتصير شيئا آخر غير ما هي معروفة عليه في مجال العلم كمجال يدرس دقائق الأمور أو في مجال الحياة مجال تداولها الطبيعي..".

من أين جئتَ بتلك الفرضية.. فرضية "مادة بلا خواص"؟!
هل لكَ أن تأتيني بـ "مادة" من نمط "المادة عديمة الخواص"؟!
إنَّكَ تقول بـ "المادة" التي "نُزِعَت منها خواصها" وكأنَّكَ تَعْلَم من أمْرها ما يرقى إلى "عِلْم اليقين"، فأنتَ على بَيِّنةً من أنَّ المادة "تتعطَّل حركتها"، أو "تقل فاعليتها"، إذا ما جرَّدناها من خواصها. من أين جئتَ بهذا "العِلْم"؟!
وما هو هذا "الشيء الآخر" الذي تتحوَّل إليها المادة ما أنْ نَنْزَع منها خواصها؟!

سعيد نويضي
04/10/2007, 06:49 PM
بسم الله الرحمن الرحيم...

تحية للأساتذة...

"الرتق" كان قبل "الفتق" فالفتق ليس عدما...لأنه ببساطة هما السماء و الأرض قبل فصلهما أي فتقهما...
{أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ }الأنبياء30...

كانتا رتقا ففتقناهما ...ثم جعل الماء سببا للحياة....و لأنه ليس هناك عدم من الأساس هناك الله عز و جل الذي قال للرتق كن فكان...ثم حصل الفتق بعد ذلك من الرتق و كانت السماوات و الأرض...فلا يمكن أن يكون هناك فتق دون رتق...و الرتق لا يمكن أن يوجد إلا بقدرة الله عز و جل...

المادة يا أستاذ جواد تعرف بخواصها...فأنا لم اقل بوجود مادة بدون خواص...و إنما قلت لو تعطلت خواصها أو بعض من خواصها...كخاصية الاحتراق بالنسبة للنار...فالمعروف علميا و تجريبيا أن النار إذا اشتعلت في شيء أتت عليه...إلا إذا تعطلت خاصيتها...إما بفعل مادة أخرى تحمل من الخواص ما يجعل خاصية الاحتراق غير ذات جدوى...من مثل الملابس التي يستعملها رجال الإطفاء...فالملابس التي يرتديها رجال الإطفاء مكونة من مادة ذات خواص تبطل مفعول الاحتراق...مع العلم أن النار مشتعلة و لا تمسهم بسوء...هذا دليل من الواقع المادي الملموس...دليل آخر من أن كل مادة تحمل من الخواص ما يفوق مثلا قدرة المادة الأخرى و يبطل مفعول خواصها...الماء يحمل من الخواص ما يطفئ النار...ففوق كل مادة هناك مادة أكبر منها و أكثر منها فعالية و قدرة على تحقيق الأثر...و لو ارتقينا في مسألة القدرة التي تمتلكها المادة لوصلنا إلى حالة تنعدم فيها المادة [أي الشيء]لتصير قدرة فوق الشيء و متحكمة فيه كما هو الحال...فيما يسمى الخوارق بلغة الطبيعة أو المعجزات بلغة القرآن الكريم...و قصة إبراهيم عليه السلام...دليل واضح على تعطيل خاصية الاحتراق بقدرة الخالق الذي أمر النار بقوله" {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ }الأنبياء69.

أما " الشيء الآخر" الذي تتحول إليه المادة إذا نزعنا منها خواصها...فهي تظل مادة لكن[لأنها شيء] و لكن بخصائص أخرى...فمثلا دودة القز فهي من الحشرات و هي مكونة من مواد فيها حياة و لديها خصائص معينة...لكن عند فترة معينة من الزمن تنسج حول نفسها [نسيجا من الحرير] شرنقة ثم تتحول خصائصها من دودة للقز إلى فراشة تلد البيض...الذي يأخذ زمنيا معينا قبل أن يخرج للوجود على شكل ديدان من القز...و كل هذه الدورة بين الدودة والشرنقة و الفراشة...ليتمتع بني آدم بالحرير و خاصة منهم النساء...

دمتم بخير...و هدانا الله عز و جل جميعا لما هو حق...

سعيد نويضي
04/10/2007, 06:49 PM
بسم الله الرحمن الرحيم...

تحية للأساتذة...

"الرتق" كان قبل "الفتق" فالفتق ليس عدما...لأنه ببساطة هما السماء و الأرض قبل فصلهما أي فتقهما...
{أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ }الأنبياء30...

كانتا رتقا ففتقناهما ...ثم جعل الماء سببا للحياة....و لأنه ليس هناك عدم من الأساس هناك الله عز و جل الذي قال للرتق كن فكان...ثم حصل الفتق بعد ذلك من الرتق و كانت السماوات و الأرض...فلا يمكن أن يكون هناك فتق دون رتق...و الرتق لا يمكن أن يوجد إلا بقدرة الله عز و جل...

المادة يا أستاذ جواد تعرف بخواصها...فأنا لم اقل بوجود مادة بدون خواص...و إنما قلت لو تعطلت خواصها أو بعض من خواصها...كخاصية الاحتراق بالنسبة للنار...فالمعروف علميا و تجريبيا أن النار إذا اشتعلت في شيء أتت عليه...إلا إذا تعطلت خاصيتها...إما بفعل مادة أخرى تحمل من الخواص ما يجعل خاصية الاحتراق غير ذات جدوى...من مثل الملابس التي يستعملها رجال الإطفاء...فالملابس التي يرتديها رجال الإطفاء مكونة من مادة ذات خواص تبطل مفعول الاحتراق...مع العلم أن النار مشتعلة و لا تمسهم بسوء...هذا دليل من الواقع المادي الملموس...دليل آخر من أن كل مادة تحمل من الخواص ما يفوق مثلا قدرة المادة الأخرى و يبطل مفعول خواصها...الماء يحمل من الخواص ما يطفئ النار...ففوق كل مادة هناك مادة أكبر منها و أكثر منها فعالية و قدرة على تحقيق الأثر...و لو ارتقينا في مسألة القدرة التي تمتلكها المادة لوصلنا إلى حالة تنعدم فيها المادة [أي الشيء]لتصير قدرة فوق الشيء و متحكمة فيه كما هو الحال...فيما يسمى الخوارق بلغة الطبيعة أو المعجزات بلغة القرآن الكريم...و قصة إبراهيم عليه السلام...دليل واضح على تعطيل خاصية الاحتراق بقدرة الخالق الذي أمر النار بقوله" {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ }الأنبياء69.

أما " الشيء الآخر" الذي تتحول إليه المادة إذا نزعنا منها خواصها...فهي تظل مادة لكن[لأنها شيء] و لكن بخصائص أخرى...فمثلا دودة القز فهي من الحشرات و هي مكونة من مواد فيها حياة و لديها خصائص معينة...لكن عند فترة معينة من الزمن تنسج حول نفسها [نسيجا من الحرير] شرنقة ثم تتحول خصائصها من دودة للقز إلى فراشة تلد البيض...الذي يأخذ زمنيا معينا قبل أن يخرج للوجود على شكل ديدان من القز...و كل هذه الدورة بين الدودة والشرنقة و الفراشة...ليتمتع بني آدم بالحرير و خاصة منهم النساء...

دمتم بخير...و هدانا الله عز و جل جميعا لما هو حق...

احمد ادريس
04/10/2007, 08:38 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ {91} قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ َلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ {92} وَيَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُواْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ
اخي جواد ساوضح لك ما قلت واعتبر ان الاية السابقة الذكر لا تنطبق عليك
اول شي انا طلبت من اخوتي ان يعطوني الفرصة لمحاورتك ليس تصغيرا مني لما ذكروا لا والله وانما اريد ان لا تكون لك حجة تنشغل بها عن الرد على ما اكتب لك وتتهرب منه
من وجهة نظرتك المادية البحتة ممكن تشرح لي كيف يفكر الانسان؟ ما علاقة المادة بالفكر؟ كيف تحصل العملية الفكرية؟
منتظر منك الرد على هذا السؤال البسييييط

سعيد نويضي
04/10/2007, 11:26 PM
بسم الله الرحمن الرحيم...

الأخ الأستاذ أحمد إدريس...ربما حدث ذلك سهوا و بكل تأكيد...
{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءكُمْ ظِهْرِيّاً إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ }هود92...

أعز عليكم...الآية...
دمت صادق القول وفي رعاية الله عز و جل...

احمد ادريس
05/10/2007, 04:50 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاك الله خير استاذ سعيد كان خطأ مطبعيا فعلا
ونبقى منتظرين رد الاستاذ جواد وعسى ان يكون سؤالنا واضحا هذه المرة!!!!!!!!!

احمد ادريس
05/10/2007, 06:19 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام على من اتبع الهدى
اخوتي : دخل الاستاذ جواد المنتدى اليوم ولم يبد اي تعليق او اجابة على تساؤلاتي وسنعتبره يفكر بالموضوع ولا زلنا منتظرين الاجابة ولا نريد ان نسرع بالحكم على نجاح ما سماه الاستاذ "نظرية" البعرة والبعير
علما اني حاولت ارسال رسالة شخصية له تذكيرا بالموضوع ولم اتمكن من ذلك

عبد السلام معلا
05/10/2007, 11:29 PM
؟؟؟؟؟؟؟
!!!!!!!

جواد البشيتي
06/10/2007, 10:07 AM
أخي أحمد إدريس
تحية
لا تتعحَّل الجواب، وكُنْ صبوراً، احْبِس صبركَ ولا تدعه يَفْلَتَ منك، فيوم الجمعة عطلتي الأسبوعية، أستريح فيها؛ ثمَّ أنَّ لديَّ أعمالا كثيرة ينبغي لي إنجازها؛ ومع ذلك فإليكَ أجوبتتي عن كل أسئلتكَ وتساؤلاتك، متمنيا عليكَ أن تقرأها بتأنٍّ.



"الوجود" و"العدم" هما من المفاهيم الفلسفية الأساسية.. وقد شرعا، في القرن العشرين على وجه الخصوص، يتغيَّران بما يجعلهما جزءا أيضا من مفاهيم الفيزياء، فبعضٌ من القائلين بنظرية "الانفجار الكبير" Big Bang يتحدَّثون عن خَلْقٍ للمادة من العدم، وعن "الاستمرارية" في هذا الخَلْق. وهُمْ يفهمون هذا الخَلْق على أنه حَدَثٌ يَحْدُث "في غفلةٍ" من قانون "حفظ المادة (حفظ الكتلة والطاقة)"، ولا يؤدِّي، أبدأ، إلى زيادة مقدار المادة في الكون؛ لأنَّ المادة المخلوقة، بحسب زعمهم، من العدم سرعان ما تفنى. إنَّها، بزعمهم، تفنى قبل أن "يحسَّ" بوجودها قانون "حفظ المادة"!

"الوجود" و"العدم" إنَّما هما نقيضان، أو ضدان؛ ولكن ليس في المعنى الدياليكتيكي، فالدياليكتيك يَفْهَم النقيضان، أو الضدان، على أنهما شيئان متَّحِدان، متداخلان، لا يمكن، أبدا، أن يستقل أحدهما، في وجوده، عن الآخر.. وعلى أنهما شيئان يتحوَّل كلاهما إلى الآخر. إنَّ "الوجود" و"العدم" لا يتداخلان، ولا ينطوي كلاهما على الآخر، ولا يتحوَّل إليه؛ لأنَّ "العدم" خرافة فلسفية (وفيزيائية).

"الوجود" إنَّما يشمل كل ما هو "موجود". و"الموجود" بعضه "مادة"، وبعضه "لا مادة". وهذا الـ "لا مادة" إنَّما هو "الوعي" و"الفكر" و"الشعور".. و"الروح". من "الوجهة الكمِّيَّة"، يمكن القول أنَّ "المادة" هي "معظم" الوجود؛ وقد كانت حتى ظهور الحياة، وظهور الإنسان على وجه الخصوص، "كل" الوجود. ولمزيدٍ من الوضوح، أقول إنَّ كل مادي (أي كل ما هو مادي) موجود؛ ولكن ليس كل ما هو موجود مادي، فـ "الوعي"، أي وعي الإنسان ـ الاجتماعي، موجود؛ ولكنه ليس بـ "المادة"، أو بـ "الشيء المادي".

إذا قُلْنا بوجود يتألَّف من "مادة" و"وعي" فلا خلاف بيننا وبين "المثاليين (الموضوعيين والذاتيين)". الخلاف يبدأ عند البحث في أوجه العلاقة بين "المادي" والـ "لا مادي"، بين "المادة" و"الوعي (الفكر، الشعور، الروح)". الخلاف يبدأ عندما نقرِّر، بمعونة العِلْم، أنَّ "المادة" هي "الواقع الموضوعي، القائم في خارج الوعي، وفي استقلال تام عنه، والذي يمكنه أن ينتقل إلى الدماغ البشري، عَبْر الحواس، في شكل أحاسيس، منها، وبها، نؤسِّس المفاهيم والأفكار..". عندما نقرِّر، وبمعونة العِلْم أيضا، أنَّ "المادة" يمكنها أن تُوْجَد، وقد وُجِدَت، وهي موجودة، من دون "الوعي"، الذي لا يمكنه، أبدا، أن يُوْجَد من دون "المادة"، التي كانت ولم يكن من وعي.

"الوعي" إنَّما هو خاصِّية الدماغ البشري، التي تظلُّ كامنة، غير ظاهرة، حتى يستوفي "الوعي" شرطه الاجتماعي، فـ "الوعي" هو خاصِّية دماغ "الإنسان الاجتماعي". و"الوعي" لا يُوْجَد، ولا تقوم له قائمة، من دون ثلاثة أشياء: "الدماغ البشري"، و"العالم المادي الخارجي"، أي كل ما يُؤثِّر في حواسِّنا من مادة، و"المجتمع".

قد يُحيِّرني مشهد "المغناطيس يَجذب إليه برادة من الحديد بقوَّة غير مرئية"، فأتصوَّر خَلْقاً لهذا المعدن (المغناطيس) مشابهاً لـ "الخَلْق التوراتي للإنسان". قد أتصوَّر أنَّ المغناطيس خُلِقَ من "معدن يخلو من خاصِّية الجذب"، ثم قامت "القوَّة الميتافيزيقية الخالِقة" بإدخال هذه الخاصِّية فيه، فدبَّت فيه "المغناطيسية".

هذا التصوُّر إنَّما ينبثق من "خَلَلٍ" في فَهْم العلاقة بين "الشيء" و"خواصِّه". إنَّ الشيء المجرَّد من خواصه (الجوهرية التي تميِّزه من غيره) لا وجود له، وإنَّ الخواص المجرَّدة من الشيء الذي يشتمل عليها لا وجود لها، فالمغناطيس المجرَّد من المغناطيسية لا وجود له، والمغناطيسية المجرَّدة من المغناطيس لا وجود لها.

وفي "الخواص"، نقول أيضا إنَّ بين "الشيء" و"خواصِّه" وحدة عضوية لا انفصام فيها، فـ "المادة الحيَّة" لا تُوْجَد إلا ومعها، وفيها، خواصُّها الجوهرية. جَرِّد "المغناطيس" من "خواصِّه الجوهرية"، فهل يبقى من وجود للمغناطيس ذاته؟! كذلك يكفي أن تُجرِّد "المادة الحيَّة" من خواصِّها الجوهرية حتى لا يبقى من وجود لهذه المادة.

القائلون بـ "القوَّة الميتافيزيقية الخالِقة" لا يُخالِفونكَ الرأي في أنَّ الدماغ البشري هو "مادة"، ولكنَّهم يفهمونه، كما يفهمون "المادة" في وجه عام، أي أنَّهم ينظرون إليه على أنَّه "مادة خاملة"، لا يمكنها أن تقوم، تلقائياً أو من تلقاء نفسها، بالعمل الذي تقوم به، فهي ليست سوى "أداة مادية" في "يد لا مادية خفيَّة"، اسمها "الروح"، فالدماغ البشري ليس أكثر من "قفاز" تلبسه هذه اليد!

"الروح" هي التي تأمر هذه "المادة"، أي الدماغ البشري، فتُطيع وتُنفِّذ. تقول لها إفعلي هذا فتفعل، ولا تفعلي هذا فلا تفعل!

فإذا أنا عطِشْتُ، فشربتُ الماء، فإنَّ عملي هذا هو نتيجة "أمر" أصدَرَتْهُ "الروح"، التي اتَّخذت "الدماغ" وسيلة مادية لنقل "الأمر" إليَّ، فنَفَّذْتُهُ إذ تناولتُ كأس الماء وشربت!

الدماغ البشري، في تصوُّرهم هذا، إنَّما هو "مادة" عاجزة عجزاً مطلقاً عن أن تقوم بما تقوم به من عمل ونشاط من دون ذلك "الأمر" الذي يجيئها من تلك "القوَّة اللا مادية الخفيَّة" التي اسمها "الروح".

الكائن المادي، مهما كان نوعه أو حجمه، إنَّما هو "واقع موضوعي". فهذا الكائن (القمر مثلاً) لا يُوْجَد "في داخل وعي" الإنسان، وإن وُجِدَت "صورته" في داخل هذا الوعي، كما أنَّ الوعي ليس بالقوَّة التي تجعل هذا الكائن موجوداً، أي "تَخْلِقه"، في خارج وعي الإنسان.

إنَّه موجود في خارج وعي الإنسان، وفي استقلال تام عن هذا الوعي، فهذا الكائن الذي شقَّ طريقاً له إلى أحاسيسنا، التي تنسخه وتصوِّره وتعكسه، إنَّما يُوجَد في خارج وعي الإنسان، وفي شكل مستقل عنه، ثمَّ نحس به عَبْر حواسنا، فندركه بعقولنا ونفهمه.

أَنْظُر إلى القمر، ثمَّ أغمِض عينيَّ، فأرى "صورة القمر" في ذهني (أتصوَّره). فهل القمر (لا صورته) يُوْجَد (بالفعل) في داخل ذهني، أو وعيي؟ كلاَّ لا يُوْجَد. وإذا لم يكن موجوداً في داخل وعيي فهل يكون وجوده (الفعلي) في خارج وعيي مرتبط بوعيي؟ هل أنَّ وجوده هذا قد خَلَقَهُ وعيي؟ كلاَّ لم يَخْلِقه.

إنَّ "المادي" هو كل ما يُوجَد موضوعياً، أي في خارج وعي الإنسان، ومستقلاًّ عنه. الوعي (مهما كان نوعه) لم يأتِ قَبْلَ المادة ليخلقها من ثمَّ. ولمَّا كانت الأرض قد وُجِدَت قَبْلَ ظهور الإنسان والكائنات الحيَّة عموماً بملايين السنين صار واضحاً أنَّ المادة والطبيعة موضوعيتان، مستقلتان عن الإنسان ووعيه، وأنَّ الوعي هو ذاته نتاج للتطور الطويل للعالم المادي، فالخاصِّية المشتركة بين كل الأشياء والظواهر (المادية) تكمن في كونها موجودة في خارج وعينا، ومستقلَّة عنه، ومنعكسة، أو يمكن أن تنعكس، فيه.

لقد نَظَرْتُ إلى هذا الشيء (المادي) الذي أمامي، ثمَّ أغمضتُ عينيَّ.. هل أستطيع أن "أراهُ"، الآن، حيث أغمضتُ عينيَّ؟ أجل أستطيع، ولكن هذه "الرؤية" ليست بالكاملة، فهناك جزء كبير من "تفاصيل" هذا الشيء لا "أراهُ" بـ "عينيَّ المغمضتين".

إنَّني في هذه الحال من "الرؤية" لا أرى الشيء ذاته، وإنَّما "أرى" صورته المثالية، أي صورته الموجودة في داخل وعيي. وهذه الصورة لا تشتمل، كما أوضحنا، على كل تفاصيل "أصلها"، أي على كل تفاصيل هذا الشيء الموجود وجوداً موضوعياً.

إنَّني "أرى" هذه الصورة المثالية، أي الموجودة في داخل وعيي فحسب. وعليه، أستطيع القول إنَّها "موجودة"، ولكن وجوداً غير موضوعي، وإنَّها "واقع"، ولكن واقعاً غير موضوعي.

إنَّها موجودة؛ ولكنَّها موجودة؛ لأنَّ "اصلها" موجود في الواقع الموضوعي، فلو كان غير موجود لاستحال وجودها في داخل وعيي. وغنيٌّ عن البيان أنَّ "أصلها"، الموجود في خارج وعيي، قد وُجِدَ قَبْلَها، وأنَّ أي تغيير قد يطرأ عليها لن يؤثِّر، على الإطلاق، في "أصلها"، الذي كل تغيير يطرأ عليه يؤثِّر فيها. فإذا طرأ أي تغيير على "الأصل"، ففتحتُ عينيَّ، ثم أغمضتُّهما، فلسوف "أرى" هذا التغيير الجديد في الصورة المثالية لـ "الأصل".

وهناك أشياء في الواقع الموضوعي أعجز تماماً عن رؤيتها بـ "العين المجرَّدة"، كجزيء الماء مثلاً، فكيف يمكنني، في هذه الحال، أن "أرى" صورها المثالية؟ الحل لهذه المشكلة يكمن في "التطور التكنولوجي"، الذي جاءنا بـ "المجهر الإلكتروني"، فتمكَّنا بفضله من أن نرى بعضاً منها، ومن أن "نرى"، بالتالي، صوره المثالية.

ونحن لا نملك، الآن، من هذه "التكنولوجيا"، أو من "العين الاصطناعية"، ما يسمح لنا برؤية أشياء (مادية) أصغر حجماً، ولكننا نرى بـ "العين المجرَّدة"، أو بـ "العين الاصطناعية"، ما يدلُّ على وجودها، أي ما يدلُّ على أنَّها موجودة وجوداً موضوعياً. فـ "الشيء" الموجود وجوداً موضوعياً إمَّا أن نراه مباشرةً (بـ "العين المجرَّدة"، أو بـ "العين الاصطناعية") وإمَّا أن نرى (من الأشياء) ما يدلُّ على وجوده الموضوعي ويؤكِّده.

إنَّني أرى، الآن، بـ "العين المجرَّدة" الآتي من الأشياء (والظواهر): كرة من الرصاص، قُمْتُ بإلقائها في إناء ممتلئ بالماء، فانسكب بعض من هذا الماء. لو أغمضتُ عينيَّ، بَعْدَ ذلك، فإنَّني أستطيع أن "أرى" صورة هذه العملية مع أشيائها، في داخل وعيي، أي أنَّني أستطيع رؤية صورتها المثالية الناقصة التفاصيل. عَبْر هذه العملية، وعَبْر غيرها من العمليات المشابهة، تمكَّن آرخميدس من اكتشاف "القانون" الآتي: إذا غُمِر جسم في سائل فإنَّه يفقد من وزنه بقدر وزن السائل المُزاح.

في هذه الطريقة نتوصَّل إلى اكتشاف "القوانين الموضوعية"، فتَشْغُل صورها المثالية حيِّزاً من وعينا. ولكَ أن تقارن، الآن، بين صورتين مثاليتين موجودتين في داخل وعيكَ: "صورة القمر"، مثلاً، و"صورة قانون آرخميدس"، مثلاً. في المقارنة، سترى أوجه التماثل، وأوجه الاختلاف، التي من أهمها هذا "التجريد" في "صورة قانون آرخميدس".

وفي داخل وعيي يُوجَد، أيضاً، صوراً مثالية ليس من أصول لها في الواقع الموضوعي، مثل صورة "عروس البحر"؛ ولكن حتى هذه الصور ما كان ممكناً أن تُوجَد في داخل وعيي لو لم تكن مؤلَّفة من "عناصر" لها أصول في الواقع الموضوعي. وهذه الصور إنَّما تشبه في عملية تركيبها أن تجيء بصور فوتوغرافية لأشياء عدة، ثم تقوم بتجزئة كل صورة بالمقص، ثم تأخذ جزءاً من كل صورة، ثم تُركِّبَ من هذه الأجزاء صورة جديدة، لن تَجِدَ، أبداً، أصلاً لها في الواقع الموضوعي، وإن كان لكل عنصر (أو جزء) منها أصل في هذا الواقع.

ولكن ما الفَرْق بين هذين الشيئين الماديين: "القمر" و"الطاولة"؟ "القمر" لم "أخْلِقهُ" أنا، ولم "يَخْلِقهُ" البشر، فقد وُجِدَ قَبْلَ وجودي، وقَبْلَ وجود البشر. أمَّا هذه "الطاولة" فقد قُمْتُ أنا بـ "خَلْقِها"، ولكنَّني لم "أخْلِقها" من "العدم"، أي من "لا شيء". لقد "خَلقْتُها" من أشياء مادية كانت هي، أو كانت عناصرها، موجودة قبلي، وقَبْلَ وجود البشر.

الطاولة، قَبْلَ أن "أخْلقها" كانت "فكرة" في رأسي، أي كانت "صورة مثالية" موجودة في داخل وعيي. ولكن هذه الصورة لم تتكوَّن في داخل وعيي إلا لأنَّ لعناصرها أصولا في الواقع الموضوعي.

الآن، وبمعونة هذه الصورة المثالية، قُمْتُ بـ "خَلْق" الطاولة. وهذا "الخَلْق" ليس من "العدم"، فـ "خَلْقي" للطاولة ليس سوى عملية تركيب مادي، فمِنْ أشياء، أو مِنْ عناصر، موجودة قبلي، وقَبْلَ وجود البشر، قُمْتُ بـ "تركيب" هذا الشيء الجديد، أي الطاولة.

في هذه الطريقة من تفاعل "الذات" و"الموضوع"، نقوم بـ "خَلْق" أشياء مادية في استمرار. و"الطاولة"، الآن، هي "واقع موضوعي". إنَّها، وبخلاف صورتها المثالية، موجودة في خارج وعيي، الذي مهما أحْدَثَ من تغيير في صورتها المثالية، لن يتمكَّن، على الإطلاق، من التأثير فيها، فكل تغيير واقعي يطرأ على الطاولة، من الآن وصاعداً، إنَّما هو نتيجة تبادلها التأثير المادي مع غيرها من الأشياء، التي قد يكون من بينها قواي المادية أنا.

إنَّ أحداً من ذوي "التفكير الموضوعي" لا يُشكِّك في "مادِّية" الدماغ البشري، فهذا التشكيك إنَّما نَجِدْهُ عند أولئك الذين يشكِّكون في "مادِّية" المادة، ويقولون بـ "جوهر روحي"، أو بـ "جوهر لا مادي"، يكمن في المادة، و يجعلها "حيَّة"!

و"الوعي (البشري)" إنَّما هو ثمرة "التفاعُل" بين هذا "العضو"، أي الدماغ، و"العالم المادي". وهذا "الوعي" يشبه ما ينعكس على "المرآة" من أشياء وأجسام، أي أنَّه يشبه "صورة" جسم في مرآة. ومن الأهميَّة بمكان أن نقول إنَّ المرآة تُريكَ ما تُريها فحسب، فـ "الجسم" الذي "لا تراهُ" المرآة لا يمكنها أن تُريكَ "صورته"، أي انعكاسه عليها.

لنفترض أنَّكَ نَظَرْتَ في "مرآة" فوَجَدْتَ فيها "صورة" منزل، فهل يعني ذلك أنَّ "المنزل ذاته" موجود في "المرآة"؟ كلا، لا يعني، فالموجود فيها إنَّما هو "صورته"، التي هي انعكاس المنزل على المرآة.

ما ينبغي لكَ استنتاجه عندما ترى هذا "الانعكاس" هو أنَّ "أصل الصورة"، أي "المنزل"، يجب أن يكون موجوداً "في خارج المرآة"، و"مستقلاً"، في وجوده، عن "صورته" في المرآة، فإذا تغيَّر "الأصل" تغيَّرت "الصورة".

وينبغي لكَ أن تستنتج، أيضاً، أنَّ كل ما هو موجود من "صُوَر" في المرآة يجب أن يكون موجوداً، في أُصوله، في "الواقع الموضوعي"، ولكن ليس كل ما هو موجود في "الواقع الموضوعي" يجب أن يكون منعكساً على "المرآة". في "المرآة الدماغية" تُوْجَدُ، مثلاً، صورة "برتقالة"، فأنا نَظَرْتُ إلى "هذه" البرتقالة، ثمَّ أغمضتُ عينيَّ، فرأيتُ "صورتها" في "مرآة دماغي".

بـ "عيني المجرَّدة" استطعتُ "تمييز" البرتقالة. وبها، أيضاً، أستطيع تمييز أجسام لا يقلُّ مقاسها عن عُشر المليمتر. ولتمييز الأجسام الأصغر لا بدَّ من استخدام "عدسة مُكبِّرة"، أو "مجهر"، أو ما شابه ذلك من "الأجهزة البصرية".

ولكن، ثمَّة "أسباب موضوعية" تحول بيننا وبين صُنْع "عين اصطناعية (أو تكنولوجية)" يمكننا من خلالها أن نرى "عالَم الذرَّة"، وأن نرى منه "الجسيمات"، "والمتناهي في الصِغَر" من المادة، مثل "الإلكترون" أو "الكوارك".

يصبح في مقدورنا أن نرى تلك الأشياء، التي لا يمكننا، أبداً، أن نراها بـ "العين المجرَّدة"، بفضل "التكبير لصُوَرِها". على أنَّ هذا "التكبير" له "حدٌّ أقصى" لا تسمح لنا "طبيعة الضوء"، بتخطِّيه. ونحن نَعْلَم أنَّ "الرؤية" مستحيلة من دون الضوء الصادِر عن "الجسيم"، أو عن "المتناهي في الصِغَر" من المادة.

في سعينا إلى رؤية "الجسيمات"، بحجومها المختلفة، نصطدم بـ "عقبتين موضوعيتين"، يتعذَّر، إن لم يستحل، تخطِّيهما، فـ "التكبير" له "حدٌّ أقصى"، و"الوسائل" التي نستخدمها (في تكبير صورة الجسيم) ليست بالوسائل المعدومة الأثر في طبيعة وخواص "الجسيم"، فيؤدِّي ذلك إلى اختلاف في الجسيم ذاته، وفي صورته بالتالي.

كل ما في الرأس البشرية من أفكار ومعتقدات، من حقائق وأوهام، من صُوَر ذهنية، أكانت "واقعية" أم "خيالية"، ما كان لها أن تُوْجَد لو لم تكن لها، أو لعناصرها ومكوِّناتها، "أُصول مادية"، فـ "المادي"، وحده، هو الذي يُصوَّر تصويراً مثالياً في الدماغ البشري. إنَّ الذي لا وجود له، أو لعناصره، في العالم المادي لا يمكنه، أبداً، أن يشغل "حيِّزاً فكرياً" في الدماغ.

لـ "المنزل" صورة مثالية في رأسِكَ؛ لأنَّه شيء موجود في العالم المادي. ولـ "عروس البحر"، التي ليس لها من وجود في العالم المادي، صورة مثالية في رأسِكَ؛ لأنَّ لعناصرها ومكوِّناتها وجودا في العالم المادي. أمَّا الشيء الذي ليس بـ "مادة"، في أصله أو عناصره، فلن يكون له من صورة فكرية أو مثالية في رأسِكَ.

هل تستطيع أن تتصوَّر "العدم"؟ كلاَّ، إنَّكَ لا تستطيع ذلك أبداً؛ لأنَّه "عدم"، أي لأنَّه "شيء" لا وجود له في العالم المادي!

هل تستطيع أن تتصوَّر "كائناً ميتافيزيقياً، مثالياً، لا مادِّياً"؟ كلاَّ، إنَّكَ لا تستطيع ذلك أبداً، ولو توهَّمتَ أنَّكَ تستطيع، فهذا "الكائن" تستطيع أن تُصوِّره، في دماغكَ، تصويراً مثالياً. ولكن يكفي أن تمعن النظر، ولو قليلاً، في صورته الذهنية حتى ترى أنَّ صورته تتألَّف من عناصر لها أُصول في العالم المادي. في صورته المثالية، سيَظْهَرُ في صفات وخواص "مادية"، فليس في "مخزون" الدماغ البشري من "الصور الذهنية" إلا ما يؤكِّد مادية العالم، و"مادية" المادة!

الوعي إنَّما يرتبط بعمليات فيزيولوجية مادية محدَّدة؛ ولكن لا يجوز النظر إليه على أنَّه شيء مادي، فالفكر ليس شيئاً، وتستحيل رؤيته أو تصويره. الفكر هو الصورة المثالية (لا المادية) للأشياء والظواهر المادية. الفكر ليس بالصورة الفوتوغرافية للعالم المادي، فـ "المثالي" ليس سوى "المادي" منعكساً في الذهن الإنساني، ومحوَّلاً فيه.

والوعي، أو التفكير، لا يلازم المادة كلها، فهو ليس من خواص الطبيعة كلها. إنَّه يلازم، فحسب، "المادة المفكِّرة"، أي المخ الإنساني. المادة كلها لا تلازمها إلا خاصِّية "الانعكاس"، أي المقدرة على أن تستجيب في طريقة محدَّدة للمؤثِّرات الخارجية.

الشيء لا ينشأ إلا في بيئة طبيعية محدَّدة، فيخضع، بالتالي، لمؤثِّرات خارجية محدَّدة. إنَّه ينشأ أو يُوْجَد في "بيئة طبيعية محدَّدة"، وليس في أي بيئة، فالبيئة يجب أن تكون بخصائص تسمح له بالعيش فيها. هذا الشيء لا يُوْجَد، أو لا يستمر في الوجود، إلا إذا كانت لديه المقدرة على أن يستجيب في طريقة محدَّدة للمؤثِّرات البيئية التي يخضع لها. هذه الاستجابة تُتَرْجَم بتبدُّلات معيَّنة تطرأ على الشيء، فنرى في هذه التبدُّلات انعكاساً للمؤثِّر الخارجي في الشيء. الشيء يستجيب للمؤثِّرات الخارجية في طريقة محدَّدة حتى يتمكَّن من الحفاظ على وجوده، فاستجابته ليست سوى طريقة يتكيَّف بها الشيء مع تأثير هذه المؤثِّرات الخارجية. ولكن مقدرة الشيء على التكيُّف، ومهما اتَّسعت، تظلُّ محدودة، فإذا ما تأثَّر بمؤثِّر خارجي غير عادي، فإنَّ التبدُّلات التي ستطرأ عليه، عندئذٍ، ستفضي إلى زواله.

إنَّهم يقولون: إذا كان الفكر مثالياً، وليس شيئاً، ولا يمكن العثور عليه في المخِّ البشريِّ، فإنَّ ذلك يعني أنَّه غير مرتبط بالمادة ( بالمخِّ البشريِّ). ويقولون إنَّه موجود مستقلاًّ عنها. ويقولون إنَّه ليس مستقلاًّ عن المادة، فحسب، وإنَّما يخلقها.

لنتأمَّل في العلاقة بين شيء ما وصورته، أو انعكاسه، في مرآة. هل أنَّ صورته في المرآة هي التي تَخْلِقه أو تَخْلِق خصائصه؟!

إنَّ صورته تتبدَّل مع تبدُّله هو، فلا ينعكس في المرآة إلا الشيء الموجود في خارجها والمستقل في وجوده عنها. كل ما ينعكس في المرآة يجب أن يكون موجوداً في خارجها، وفي استقلال عنها. وهكذا لا يُوْجَد في ذهن الإنسان إلا الأشياء الموجودة في خارجه وفي استقلال عنه.

كل شيء أستطيع تصوُّره في ذهني (في وعيي) إنَّما هو "واقع موضوعي". قدرتي على تصوُّره هي، في ذاتها، دليل على أنَّه "واقع موضوعي"، فليس في رأس الإنسان من صور (ذهنية، مثالية) سوى صور "الواقع الموضوعي".. صور مثالية للعالم المادي.

وثمَّة أشياء كثيرة، أو خصائص لأشياء، لا تنسخها أو تُصوِّرها أو تعكسها أحاسيسنا، فليس كل ما في "الواقع الموضوعي" يمكن أن تُصوِّره أحاسيسنا. ولكن ليس ثمَّة شيء ينعكس في مرآة الذهن البشري (إحساس أو مفهوم..) لا يكون، في أصله ومنبعه، جزءاً من "الواقع الموضوعي".

"الصورة الذهنية (أو المثالية)" يمكن أن تكون "مشوََّهة"؛ لأنَّ مرآة الذهن "مشوَّهة". حتى أكثر الصور الذهنية، أو المثالية، تشوُّها تعود، في عناصرها ومكوِّناتها، إلى "الواقع الموضوعي".. إلى العالم المادي. هذه الصورة لا تعكس، في كلِّيتها، "الواقع الموضوعي"، وإنَّما في عناصرها ومكوِّناتها فحسب.

الشيء المادي إنما يُترجَم، عَبْر مُتَرْجِم يدعى "الدماغ البشري"، بلغة أخرى هي الصور الحسِّية والعقلية. اللون الأصفر للتفاحة ينعكس في مرآة الدماغ البشري، أي يظهر هذا اللون، في الدماغ، في شكل "إحساس".. إحساس باللون الأصفر (صورة حسِّية). ولكن لون التفاحة الأصفر ليس، في ذاته، إحساس. "الضوء" (أشعة الضوء) المنبعث من التفاحة الصفراء اللون ينتقل، فيصيب "الشبكية"، فتُنْتِج الشبكية الإحساس باللون الأصفر.

الدماغ ليس دائماً يجيد تصوير "الموضوع" إذ قد يسيئه. شخصان ينظران إلى شيء، أو مشهد، فيريانه رؤيتين مختلفتين. السبب هو أنَّ الإنسان يرى بعين تكمن فيها عين أخرى هي "عين الخبرة والوعي"، فكلٌّ من الشاعر والفنان والفلكي يرى "القمر" رؤية مختلفة.

"الشيء" مادة، و"الدماغ" مادة، ولكن "صورة الشيء" ليست مادة. عمليتان ماديتان، إحداهما تحدث في خارج الدماغ، والأخرى في داخله. أمَّا "الانعكاس" فليس مادياً. إنَّه انعكاس للمادة.

وصور الأشياء في الوعي على أنواع: صور لأشياء موجودة بالفعل في الواقع. وصور لأشياء لا وجود لها، البتة، في الواقع.. لم تُوْجَد من قَبْل، ولن تُوجَد أبداً؛ ولكن عناصرها موجودة في الواقع. وصور لأشياء لا وجود لها، الآن، في الواقع، ولكن هذه الأشياء يمكن أن تُوْجَد مستقبلاً. هذه الصور يبتدعها عقل الإنسان بوحي من حقائق واقعة. وصور لأشياء لا وجود لها، الآن، في الواقع، ولكنَّها كانت موجودة من قَبْل، فزالت واندثرت. ومن خلال ما بقي لها من آثار في الواقع يقوم عقل الإنسان بابتداع صورها.

كيف يستخدم الإنسان وعيه في التفاعل المادي مع الطبيعة؟ عندما يتعرَّض سلك معدني، في أحد طرفيه، للحرارة فإنَّ درجة حرارته ترتفع، ثمَّ يتمدَّد، ثمَّ ينصهر. لو تخيَّلنا أنَّ هذا السلك يستطيع لدى تعرُّضه للتسخين أن يحرِّك طرفه الآخر ليضعه في ماء بارد لكانت النتيجة هي أن يقل كثيراً تأثُّره بالتسخين. لقد كافح السلك تأثير التسخين فيه بأن عرَّض نفسه للتأثير المعاكس للماء البارد.

بما يشبه هذه الطريقة يستخدم الإنسان وعيه في التفاعل المادي مع الطبيعة. الإنسان بوعيه إنَّما يستخدم قوى الطبيعة، أو قوى من الطبيعة، في مكافحة تأثير عوامل طبيعية معيَّنة فيه، أو في تسهيل أو تسريع تأثير عوامل طبيعية أخرى فيه. هذا التفاعل يفضي إلى "نتيجة مادية ملموسة" لها "أسباب مادية ملموسة".

قد نَصْنع أو نَخْلِق هذا الشيء أو ذاك (في سياق التفاعل بين "الذات" و"الموضوع") ولكن هذا الشيء المصنوع أو المخلوق يظل كائناً مادياً لا يَدْخُل في تكوينه أي عنصر "لا مادي"، فإذا ما صَنَعْتُ أو خَلَقْتُ هذا الشيء بمعونة "فكرة" في رأسي فهذا لا يعني، ويجب ألا يعني، أنَّ عنصراً "لا مادياً" قد دخل في تكوينه.

وعي الإنسان الذي "خَلَقَ" هذا الشيء (المنزل مثلاً) إنَّما هو "خاصِّية لا مادية الماهيَّة" للدماغ البشري، المادي الماهيَّة. بفضل هذا الوعي (أو هذه الخاصِّية اللامادية) تتفاعل المادة وقواها مثل أي تفاعل مادي آخر. ويكون هذا التفاعل، في مثال " خَلْقِ المنزل"، بين كل العناصر المادية الداخلة في تكوينه، بما فيها جسم الإنسان وقواه. و"الخلل" الذي يمكن أن يفسد بناء المنزل إنَّما يُعبِّر عن خلل في "الفكرة (فكرة بناء المنزل)" جعلها غير متَّفِقَة، تماماً أو بما فيه الكفاية، مع "قوانين موضوعية" ينبغي لهذه الفكرة أن تتَّفِقَ وتتوافق معها حتى نُوَفَّق في "خَلْقِ المنزل"، فإذا أُنْجِزت هذه المهمة في نجاح فلا حاجة، البتة، إلى التفتيش في داخل مكوِّنات هذا "المخلوق" (المنزل) عن "عنصر لا مادي".

وإنَّه العبث بعينه أن ننفق الجهد والوقت في البحث عن عنصر "لا مادي" يَدْخُل في تكوين "الكوارك" أو "الإلكترون" أو "الطاقة" أو "المجال" أو "البيضة الكونية" أو عمق "الثقب الأسود" Singularity.

ما هو "المنزل"؟ في الجواب عن هذا السؤال يكمن "مفهوم" المنزل. في "الواقع" لا يُوْجَد إلا هذا المنزل أو ذاك، أي المنزل "المحدَّد"، فالمنزل "المجرَّد" أو "المنزل في وجه عام" لا وجود له في الواقع. من خلال معرفة "السمات الجوهرية العامة" الملازمة لكل المنازل "المحدَّدة" نتوصَّل إلى صوغ "مفهوم" المنزل.

ممثِّلو "المثالية الموضوعية" يعتقدون بأنَّ "مفهوم" المنزل يُوْجَد مستقلاًّ عن المنزل "المحدَّد" أو المنازل "المحدَّدة". أكثر من ذلك، إنَّهم يعتقدون بأنَّ هذا المفهوم هو الذي "خَلَقَ" المنازل "المحدَّدة".

كل هذه "الأشياء المحدَّدة" التي نعرفها أو اكتشفنا وجودها تشترك في خاصِّية كبرى مهمة هي "وجودها الموضوعي"، فهي لا تُوْجَد في داخل أي وعي وإنَّما في خارجه، ولم يَخْلِقها أي وعي، أي أنَّها مستقلة، في وجودها وفعلها وتفاعلها، عنه. وهي "الواقع الموضوعي" الذي شقَّ طريقاً له إلى أحاسيسنا، التي تنسخه وتصوِّره وتعكسه. وبفضل صورها الحسِّية والعقلية نتفاعل معها، فنؤثِّر فيها ونتأثَّر، مكتسبين، بالتالي، القدرة على الانتقال من "التفسير" إلى "التغيير".

جواد البشيتي
06/10/2007, 10:07 AM
أخي أحمد إدريس
تحية
لا تتعحَّل الجواب، وكُنْ صبوراً، احْبِس صبركَ ولا تدعه يَفْلَتَ منك، فيوم الجمعة عطلتي الأسبوعية، أستريح فيها؛ ثمَّ أنَّ لديَّ أعمالا كثيرة ينبغي لي إنجازها؛ ومع ذلك فإليكَ أجوبتتي عن كل أسئلتكَ وتساؤلاتك، متمنيا عليكَ أن تقرأها بتأنٍّ.



"الوجود" و"العدم" هما من المفاهيم الفلسفية الأساسية.. وقد شرعا، في القرن العشرين على وجه الخصوص، يتغيَّران بما يجعلهما جزءا أيضا من مفاهيم الفيزياء، فبعضٌ من القائلين بنظرية "الانفجار الكبير" Big Bang يتحدَّثون عن خَلْقٍ للمادة من العدم، وعن "الاستمرارية" في هذا الخَلْق. وهُمْ يفهمون هذا الخَلْق على أنه حَدَثٌ يَحْدُث "في غفلةٍ" من قانون "حفظ المادة (حفظ الكتلة والطاقة)"، ولا يؤدِّي، أبدأ، إلى زيادة مقدار المادة في الكون؛ لأنَّ المادة المخلوقة، بحسب زعمهم، من العدم سرعان ما تفنى. إنَّها، بزعمهم، تفنى قبل أن "يحسَّ" بوجودها قانون "حفظ المادة"!

"الوجود" و"العدم" إنَّما هما نقيضان، أو ضدان؛ ولكن ليس في المعنى الدياليكتيكي، فالدياليكتيك يَفْهَم النقيضان، أو الضدان، على أنهما شيئان متَّحِدان، متداخلان، لا يمكن، أبدا، أن يستقل أحدهما، في وجوده، عن الآخر.. وعلى أنهما شيئان يتحوَّل كلاهما إلى الآخر. إنَّ "الوجود" و"العدم" لا يتداخلان، ولا ينطوي كلاهما على الآخر، ولا يتحوَّل إليه؛ لأنَّ "العدم" خرافة فلسفية (وفيزيائية).

"الوجود" إنَّما يشمل كل ما هو "موجود". و"الموجود" بعضه "مادة"، وبعضه "لا مادة". وهذا الـ "لا مادة" إنَّما هو "الوعي" و"الفكر" و"الشعور".. و"الروح". من "الوجهة الكمِّيَّة"، يمكن القول أنَّ "المادة" هي "معظم" الوجود؛ وقد كانت حتى ظهور الحياة، وظهور الإنسان على وجه الخصوص، "كل" الوجود. ولمزيدٍ من الوضوح، أقول إنَّ كل مادي (أي كل ما هو مادي) موجود؛ ولكن ليس كل ما هو موجود مادي، فـ "الوعي"، أي وعي الإنسان ـ الاجتماعي، موجود؛ ولكنه ليس بـ "المادة"، أو بـ "الشيء المادي".

إذا قُلْنا بوجود يتألَّف من "مادة" و"وعي" فلا خلاف بيننا وبين "المثاليين (الموضوعيين والذاتيين)". الخلاف يبدأ عند البحث في أوجه العلاقة بين "المادي" والـ "لا مادي"، بين "المادة" و"الوعي (الفكر، الشعور، الروح)". الخلاف يبدأ عندما نقرِّر، بمعونة العِلْم، أنَّ "المادة" هي "الواقع الموضوعي، القائم في خارج الوعي، وفي استقلال تام عنه، والذي يمكنه أن ينتقل إلى الدماغ البشري، عَبْر الحواس، في شكل أحاسيس، منها، وبها، نؤسِّس المفاهيم والأفكار..". عندما نقرِّر، وبمعونة العِلْم أيضا، أنَّ "المادة" يمكنها أن تُوْجَد، وقد وُجِدَت، وهي موجودة، من دون "الوعي"، الذي لا يمكنه، أبدا، أن يُوْجَد من دون "المادة"، التي كانت ولم يكن من وعي.

"الوعي" إنَّما هو خاصِّية الدماغ البشري، التي تظلُّ كامنة، غير ظاهرة، حتى يستوفي "الوعي" شرطه الاجتماعي، فـ "الوعي" هو خاصِّية دماغ "الإنسان الاجتماعي". و"الوعي" لا يُوْجَد، ولا تقوم له قائمة، من دون ثلاثة أشياء: "الدماغ البشري"، و"العالم المادي الخارجي"، أي كل ما يُؤثِّر في حواسِّنا من مادة، و"المجتمع".

قد يُحيِّرني مشهد "المغناطيس يَجذب إليه برادة من الحديد بقوَّة غير مرئية"، فأتصوَّر خَلْقاً لهذا المعدن (المغناطيس) مشابهاً لـ "الخَلْق التوراتي للإنسان". قد أتصوَّر أنَّ المغناطيس خُلِقَ من "معدن يخلو من خاصِّية الجذب"، ثم قامت "القوَّة الميتافيزيقية الخالِقة" بإدخال هذه الخاصِّية فيه، فدبَّت فيه "المغناطيسية".

هذا التصوُّر إنَّما ينبثق من "خَلَلٍ" في فَهْم العلاقة بين "الشيء" و"خواصِّه". إنَّ الشيء المجرَّد من خواصه (الجوهرية التي تميِّزه من غيره) لا وجود له، وإنَّ الخواص المجرَّدة من الشيء الذي يشتمل عليها لا وجود لها، فالمغناطيس المجرَّد من المغناطيسية لا وجود له، والمغناطيسية المجرَّدة من المغناطيس لا وجود لها.

وفي "الخواص"، نقول أيضا إنَّ بين "الشيء" و"خواصِّه" وحدة عضوية لا انفصام فيها، فـ "المادة الحيَّة" لا تُوْجَد إلا ومعها، وفيها، خواصُّها الجوهرية. جَرِّد "المغناطيس" من "خواصِّه الجوهرية"، فهل يبقى من وجود للمغناطيس ذاته؟! كذلك يكفي أن تُجرِّد "المادة الحيَّة" من خواصِّها الجوهرية حتى لا يبقى من وجود لهذه المادة.

القائلون بـ "القوَّة الميتافيزيقية الخالِقة" لا يُخالِفونكَ الرأي في أنَّ الدماغ البشري هو "مادة"، ولكنَّهم يفهمونه، كما يفهمون "المادة" في وجه عام، أي أنَّهم ينظرون إليه على أنَّه "مادة خاملة"، لا يمكنها أن تقوم، تلقائياً أو من تلقاء نفسها، بالعمل الذي تقوم به، فهي ليست سوى "أداة مادية" في "يد لا مادية خفيَّة"، اسمها "الروح"، فالدماغ البشري ليس أكثر من "قفاز" تلبسه هذه اليد!

"الروح" هي التي تأمر هذه "المادة"، أي الدماغ البشري، فتُطيع وتُنفِّذ. تقول لها إفعلي هذا فتفعل، ولا تفعلي هذا فلا تفعل!

فإذا أنا عطِشْتُ، فشربتُ الماء، فإنَّ عملي هذا هو نتيجة "أمر" أصدَرَتْهُ "الروح"، التي اتَّخذت "الدماغ" وسيلة مادية لنقل "الأمر" إليَّ، فنَفَّذْتُهُ إذ تناولتُ كأس الماء وشربت!

الدماغ البشري، في تصوُّرهم هذا، إنَّما هو "مادة" عاجزة عجزاً مطلقاً عن أن تقوم بما تقوم به من عمل ونشاط من دون ذلك "الأمر" الذي يجيئها من تلك "القوَّة اللا مادية الخفيَّة" التي اسمها "الروح".

الكائن المادي، مهما كان نوعه أو حجمه، إنَّما هو "واقع موضوعي". فهذا الكائن (القمر مثلاً) لا يُوْجَد "في داخل وعي" الإنسان، وإن وُجِدَت "صورته" في داخل هذا الوعي، كما أنَّ الوعي ليس بالقوَّة التي تجعل هذا الكائن موجوداً، أي "تَخْلِقه"، في خارج وعي الإنسان.

إنَّه موجود في خارج وعي الإنسان، وفي استقلال تام عن هذا الوعي، فهذا الكائن الذي شقَّ طريقاً له إلى أحاسيسنا، التي تنسخه وتصوِّره وتعكسه، إنَّما يُوجَد في خارج وعي الإنسان، وفي شكل مستقل عنه، ثمَّ نحس به عَبْر حواسنا، فندركه بعقولنا ونفهمه.

أَنْظُر إلى القمر، ثمَّ أغمِض عينيَّ، فأرى "صورة القمر" في ذهني (أتصوَّره). فهل القمر (لا صورته) يُوْجَد (بالفعل) في داخل ذهني، أو وعيي؟ كلاَّ لا يُوْجَد. وإذا لم يكن موجوداً في داخل وعيي فهل يكون وجوده (الفعلي) في خارج وعيي مرتبط بوعيي؟ هل أنَّ وجوده هذا قد خَلَقَهُ وعيي؟ كلاَّ لم يَخْلِقه.

إنَّ "المادي" هو كل ما يُوجَد موضوعياً، أي في خارج وعي الإنسان، ومستقلاًّ عنه. الوعي (مهما كان نوعه) لم يأتِ قَبْلَ المادة ليخلقها من ثمَّ. ولمَّا كانت الأرض قد وُجِدَت قَبْلَ ظهور الإنسان والكائنات الحيَّة عموماً بملايين السنين صار واضحاً أنَّ المادة والطبيعة موضوعيتان، مستقلتان عن الإنسان ووعيه، وأنَّ الوعي هو ذاته نتاج للتطور الطويل للعالم المادي، فالخاصِّية المشتركة بين كل الأشياء والظواهر (المادية) تكمن في كونها موجودة في خارج وعينا، ومستقلَّة عنه، ومنعكسة، أو يمكن أن تنعكس، فيه.

لقد نَظَرْتُ إلى هذا الشيء (المادي) الذي أمامي، ثمَّ أغمضتُ عينيَّ.. هل أستطيع أن "أراهُ"، الآن، حيث أغمضتُ عينيَّ؟ أجل أستطيع، ولكن هذه "الرؤية" ليست بالكاملة، فهناك جزء كبير من "تفاصيل" هذا الشيء لا "أراهُ" بـ "عينيَّ المغمضتين".

إنَّني في هذه الحال من "الرؤية" لا أرى الشيء ذاته، وإنَّما "أرى" صورته المثالية، أي صورته الموجودة في داخل وعيي. وهذه الصورة لا تشتمل، كما أوضحنا، على كل تفاصيل "أصلها"، أي على كل تفاصيل هذا الشيء الموجود وجوداً موضوعياً.

إنَّني "أرى" هذه الصورة المثالية، أي الموجودة في داخل وعيي فحسب. وعليه، أستطيع القول إنَّها "موجودة"، ولكن وجوداً غير موضوعي، وإنَّها "واقع"، ولكن واقعاً غير موضوعي.

إنَّها موجودة؛ ولكنَّها موجودة؛ لأنَّ "اصلها" موجود في الواقع الموضوعي، فلو كان غير موجود لاستحال وجودها في داخل وعيي. وغنيٌّ عن البيان أنَّ "أصلها"، الموجود في خارج وعيي، قد وُجِدَ قَبْلَها، وأنَّ أي تغيير قد يطرأ عليها لن يؤثِّر، على الإطلاق، في "أصلها"، الذي كل تغيير يطرأ عليه يؤثِّر فيها. فإذا طرأ أي تغيير على "الأصل"، ففتحتُ عينيَّ، ثم أغمضتُّهما، فلسوف "أرى" هذا التغيير الجديد في الصورة المثالية لـ "الأصل".

وهناك أشياء في الواقع الموضوعي أعجز تماماً عن رؤيتها بـ "العين المجرَّدة"، كجزيء الماء مثلاً، فكيف يمكنني، في هذه الحال، أن "أرى" صورها المثالية؟ الحل لهذه المشكلة يكمن في "التطور التكنولوجي"، الذي جاءنا بـ "المجهر الإلكتروني"، فتمكَّنا بفضله من أن نرى بعضاً منها، ومن أن "نرى"، بالتالي، صوره المثالية.

ونحن لا نملك، الآن، من هذه "التكنولوجيا"، أو من "العين الاصطناعية"، ما يسمح لنا برؤية أشياء (مادية) أصغر حجماً، ولكننا نرى بـ "العين المجرَّدة"، أو بـ "العين الاصطناعية"، ما يدلُّ على وجودها، أي ما يدلُّ على أنَّها موجودة وجوداً موضوعياً. فـ "الشيء" الموجود وجوداً موضوعياً إمَّا أن نراه مباشرةً (بـ "العين المجرَّدة"، أو بـ "العين الاصطناعية") وإمَّا أن نرى (من الأشياء) ما يدلُّ على وجوده الموضوعي ويؤكِّده.

إنَّني أرى، الآن، بـ "العين المجرَّدة" الآتي من الأشياء (والظواهر): كرة من الرصاص، قُمْتُ بإلقائها في إناء ممتلئ بالماء، فانسكب بعض من هذا الماء. لو أغمضتُ عينيَّ، بَعْدَ ذلك، فإنَّني أستطيع أن "أرى" صورة هذه العملية مع أشيائها، في داخل وعيي، أي أنَّني أستطيع رؤية صورتها المثالية الناقصة التفاصيل. عَبْر هذه العملية، وعَبْر غيرها من العمليات المشابهة، تمكَّن آرخميدس من اكتشاف "القانون" الآتي: إذا غُمِر جسم في سائل فإنَّه يفقد من وزنه بقدر وزن السائل المُزاح.

في هذه الطريقة نتوصَّل إلى اكتشاف "القوانين الموضوعية"، فتَشْغُل صورها المثالية حيِّزاً من وعينا. ولكَ أن تقارن، الآن، بين صورتين مثاليتين موجودتين في داخل وعيكَ: "صورة القمر"، مثلاً، و"صورة قانون آرخميدس"، مثلاً. في المقارنة، سترى أوجه التماثل، وأوجه الاختلاف، التي من أهمها هذا "التجريد" في "صورة قانون آرخميدس".

وفي داخل وعيي يُوجَد، أيضاً، صوراً مثالية ليس من أصول لها في الواقع الموضوعي، مثل صورة "عروس البحر"؛ ولكن حتى هذه الصور ما كان ممكناً أن تُوجَد في داخل وعيي لو لم تكن مؤلَّفة من "عناصر" لها أصول في الواقع الموضوعي. وهذه الصور إنَّما تشبه في عملية تركيبها أن تجيء بصور فوتوغرافية لأشياء عدة، ثم تقوم بتجزئة كل صورة بالمقص، ثم تأخذ جزءاً من كل صورة، ثم تُركِّبَ من هذه الأجزاء صورة جديدة، لن تَجِدَ، أبداً، أصلاً لها في الواقع الموضوعي، وإن كان لكل عنصر (أو جزء) منها أصل في هذا الواقع.

ولكن ما الفَرْق بين هذين الشيئين الماديين: "القمر" و"الطاولة"؟ "القمر" لم "أخْلِقهُ" أنا، ولم "يَخْلِقهُ" البشر، فقد وُجِدَ قَبْلَ وجودي، وقَبْلَ وجود البشر. أمَّا هذه "الطاولة" فقد قُمْتُ أنا بـ "خَلْقِها"، ولكنَّني لم "أخْلِقها" من "العدم"، أي من "لا شيء". لقد "خَلقْتُها" من أشياء مادية كانت هي، أو كانت عناصرها، موجودة قبلي، وقَبْلَ وجود البشر.

الطاولة، قَبْلَ أن "أخْلقها" كانت "فكرة" في رأسي، أي كانت "صورة مثالية" موجودة في داخل وعيي. ولكن هذه الصورة لم تتكوَّن في داخل وعيي إلا لأنَّ لعناصرها أصولا في الواقع الموضوعي.

الآن، وبمعونة هذه الصورة المثالية، قُمْتُ بـ "خَلْق" الطاولة. وهذا "الخَلْق" ليس من "العدم"، فـ "خَلْقي" للطاولة ليس سوى عملية تركيب مادي، فمِنْ أشياء، أو مِنْ عناصر، موجودة قبلي، وقَبْلَ وجود البشر، قُمْتُ بـ "تركيب" هذا الشيء الجديد، أي الطاولة.

في هذه الطريقة من تفاعل "الذات" و"الموضوع"، نقوم بـ "خَلْق" أشياء مادية في استمرار. و"الطاولة"، الآن، هي "واقع موضوعي". إنَّها، وبخلاف صورتها المثالية، موجودة في خارج وعيي، الذي مهما أحْدَثَ من تغيير في صورتها المثالية، لن يتمكَّن، على الإطلاق، من التأثير فيها، فكل تغيير واقعي يطرأ على الطاولة، من الآن وصاعداً، إنَّما هو نتيجة تبادلها التأثير المادي مع غيرها من الأشياء، التي قد يكون من بينها قواي المادية أنا.

إنَّ أحداً من ذوي "التفكير الموضوعي" لا يُشكِّك في "مادِّية" الدماغ البشري، فهذا التشكيك إنَّما نَجِدْهُ عند أولئك الذين يشكِّكون في "مادِّية" المادة، ويقولون بـ "جوهر روحي"، أو بـ "جوهر لا مادي"، يكمن في المادة، و يجعلها "حيَّة"!

و"الوعي (البشري)" إنَّما هو ثمرة "التفاعُل" بين هذا "العضو"، أي الدماغ، و"العالم المادي". وهذا "الوعي" يشبه ما ينعكس على "المرآة" من أشياء وأجسام، أي أنَّه يشبه "صورة" جسم في مرآة. ومن الأهميَّة بمكان أن نقول إنَّ المرآة تُريكَ ما تُريها فحسب، فـ "الجسم" الذي "لا تراهُ" المرآة لا يمكنها أن تُريكَ "صورته"، أي انعكاسه عليها.

لنفترض أنَّكَ نَظَرْتَ في "مرآة" فوَجَدْتَ فيها "صورة" منزل، فهل يعني ذلك أنَّ "المنزل ذاته" موجود في "المرآة"؟ كلا، لا يعني، فالموجود فيها إنَّما هو "صورته"، التي هي انعكاس المنزل على المرآة.

ما ينبغي لكَ استنتاجه عندما ترى هذا "الانعكاس" هو أنَّ "أصل الصورة"، أي "المنزل"، يجب أن يكون موجوداً "في خارج المرآة"، و"مستقلاً"، في وجوده، عن "صورته" في المرآة، فإذا تغيَّر "الأصل" تغيَّرت "الصورة".

وينبغي لكَ أن تستنتج، أيضاً، أنَّ كل ما هو موجود من "صُوَر" في المرآة يجب أن يكون موجوداً، في أُصوله، في "الواقع الموضوعي"، ولكن ليس كل ما هو موجود في "الواقع الموضوعي" يجب أن يكون منعكساً على "المرآة". في "المرآة الدماغية" تُوْجَدُ، مثلاً، صورة "برتقالة"، فأنا نَظَرْتُ إلى "هذه" البرتقالة، ثمَّ أغمضتُ عينيَّ، فرأيتُ "صورتها" في "مرآة دماغي".

بـ "عيني المجرَّدة" استطعتُ "تمييز" البرتقالة. وبها، أيضاً، أستطيع تمييز أجسام لا يقلُّ مقاسها عن عُشر المليمتر. ولتمييز الأجسام الأصغر لا بدَّ من استخدام "عدسة مُكبِّرة"، أو "مجهر"، أو ما شابه ذلك من "الأجهزة البصرية".

ولكن، ثمَّة "أسباب موضوعية" تحول بيننا وبين صُنْع "عين اصطناعية (أو تكنولوجية)" يمكننا من خلالها أن نرى "عالَم الذرَّة"، وأن نرى منه "الجسيمات"، "والمتناهي في الصِغَر" من المادة، مثل "الإلكترون" أو "الكوارك".

يصبح في مقدورنا أن نرى تلك الأشياء، التي لا يمكننا، أبداً، أن نراها بـ "العين المجرَّدة"، بفضل "التكبير لصُوَرِها". على أنَّ هذا "التكبير" له "حدٌّ أقصى" لا تسمح لنا "طبيعة الضوء"، بتخطِّيه. ونحن نَعْلَم أنَّ "الرؤية" مستحيلة من دون الضوء الصادِر عن "الجسيم"، أو عن "المتناهي في الصِغَر" من المادة.

في سعينا إلى رؤية "الجسيمات"، بحجومها المختلفة، نصطدم بـ "عقبتين موضوعيتين"، يتعذَّر، إن لم يستحل، تخطِّيهما، فـ "التكبير" له "حدٌّ أقصى"، و"الوسائل" التي نستخدمها (في تكبير صورة الجسيم) ليست بالوسائل المعدومة الأثر في طبيعة وخواص "الجسيم"، فيؤدِّي ذلك إلى اختلاف في الجسيم ذاته، وفي صورته بالتالي.

كل ما في الرأس البشرية من أفكار ومعتقدات، من حقائق وأوهام، من صُوَر ذهنية، أكانت "واقعية" أم "خيالية"، ما كان لها أن تُوْجَد لو لم تكن لها، أو لعناصرها ومكوِّناتها، "أُصول مادية"، فـ "المادي"، وحده، هو الذي يُصوَّر تصويراً مثالياً في الدماغ البشري. إنَّ الذي لا وجود له، أو لعناصره، في العالم المادي لا يمكنه، أبداً، أن يشغل "حيِّزاً فكرياً" في الدماغ.

لـ "المنزل" صورة مثالية في رأسِكَ؛ لأنَّه شيء موجود في العالم المادي. ولـ "عروس البحر"، التي ليس لها من وجود في العالم المادي، صورة مثالية في رأسِكَ؛ لأنَّ لعناصرها ومكوِّناتها وجودا في العالم المادي. أمَّا الشيء الذي ليس بـ "مادة"، في أصله أو عناصره، فلن يكون له من صورة فكرية أو مثالية في رأسِكَ.

هل تستطيع أن تتصوَّر "العدم"؟ كلاَّ، إنَّكَ لا تستطيع ذلك أبداً؛ لأنَّه "عدم"، أي لأنَّه "شيء" لا وجود له في العالم المادي!

هل تستطيع أن تتصوَّر "كائناً ميتافيزيقياً، مثالياً، لا مادِّياً"؟ كلاَّ، إنَّكَ لا تستطيع ذلك أبداً، ولو توهَّمتَ أنَّكَ تستطيع، فهذا "الكائن" تستطيع أن تُصوِّره، في دماغكَ، تصويراً مثالياً. ولكن يكفي أن تمعن النظر، ولو قليلاً، في صورته الذهنية حتى ترى أنَّ صورته تتألَّف من عناصر لها أُصول في العالم المادي. في صورته المثالية، سيَظْهَرُ في صفات وخواص "مادية"، فليس في "مخزون" الدماغ البشري من "الصور الذهنية" إلا ما يؤكِّد مادية العالم، و"مادية" المادة!

الوعي إنَّما يرتبط بعمليات فيزيولوجية مادية محدَّدة؛ ولكن لا يجوز النظر إليه على أنَّه شيء مادي، فالفكر ليس شيئاً، وتستحيل رؤيته أو تصويره. الفكر هو الصورة المثالية (لا المادية) للأشياء والظواهر المادية. الفكر ليس بالصورة الفوتوغرافية للعالم المادي، فـ "المثالي" ليس سوى "المادي" منعكساً في الذهن الإنساني، ومحوَّلاً فيه.

والوعي، أو التفكير، لا يلازم المادة كلها، فهو ليس من خواص الطبيعة كلها. إنَّه يلازم، فحسب، "المادة المفكِّرة"، أي المخ الإنساني. المادة كلها لا تلازمها إلا خاصِّية "الانعكاس"، أي المقدرة على أن تستجيب في طريقة محدَّدة للمؤثِّرات الخارجية.

الشيء لا ينشأ إلا في بيئة طبيعية محدَّدة، فيخضع، بالتالي، لمؤثِّرات خارجية محدَّدة. إنَّه ينشأ أو يُوْجَد في "بيئة طبيعية محدَّدة"، وليس في أي بيئة، فالبيئة يجب أن تكون بخصائص تسمح له بالعيش فيها. هذا الشيء لا يُوْجَد، أو لا يستمر في الوجود، إلا إذا كانت لديه المقدرة على أن يستجيب في طريقة محدَّدة للمؤثِّرات البيئية التي يخضع لها. هذه الاستجابة تُتَرْجَم بتبدُّلات معيَّنة تطرأ على الشيء، فنرى في هذه التبدُّلات انعكاساً للمؤثِّر الخارجي في الشيء. الشيء يستجيب للمؤثِّرات الخارجية في طريقة محدَّدة حتى يتمكَّن من الحفاظ على وجوده، فاستجابته ليست سوى طريقة يتكيَّف بها الشيء مع تأثير هذه المؤثِّرات الخارجية. ولكن مقدرة الشيء على التكيُّف، ومهما اتَّسعت، تظلُّ محدودة، فإذا ما تأثَّر بمؤثِّر خارجي غير عادي، فإنَّ التبدُّلات التي ستطرأ عليه، عندئذٍ، ستفضي إلى زواله.

إنَّهم يقولون: إذا كان الفكر مثالياً، وليس شيئاً، ولا يمكن العثور عليه في المخِّ البشريِّ، فإنَّ ذلك يعني أنَّه غير مرتبط بالمادة ( بالمخِّ البشريِّ). ويقولون إنَّه موجود مستقلاًّ عنها. ويقولون إنَّه ليس مستقلاًّ عن المادة، فحسب، وإنَّما يخلقها.

لنتأمَّل في العلاقة بين شيء ما وصورته، أو انعكاسه، في مرآة. هل أنَّ صورته في المرآة هي التي تَخْلِقه أو تَخْلِق خصائصه؟!

إنَّ صورته تتبدَّل مع تبدُّله هو، فلا ينعكس في المرآة إلا الشيء الموجود في خارجها والمستقل في وجوده عنها. كل ما ينعكس في المرآة يجب أن يكون موجوداً في خارجها، وفي استقلال عنها. وهكذا لا يُوْجَد في ذهن الإنسان إلا الأشياء الموجودة في خارجه وفي استقلال عنه.

كل شيء أستطيع تصوُّره في ذهني (في وعيي) إنَّما هو "واقع موضوعي". قدرتي على تصوُّره هي، في ذاتها، دليل على أنَّه "واقع موضوعي"، فليس في رأس الإنسان من صور (ذهنية، مثالية) سوى صور "الواقع الموضوعي".. صور مثالية للعالم المادي.

وثمَّة أشياء كثيرة، أو خصائص لأشياء، لا تنسخها أو تُصوِّرها أو تعكسها أحاسيسنا، فليس كل ما في "الواقع الموضوعي" يمكن أن تُصوِّره أحاسيسنا. ولكن ليس ثمَّة شيء ينعكس في مرآة الذهن البشري (إحساس أو مفهوم..) لا يكون، في أصله ومنبعه، جزءاً من "الواقع الموضوعي".

"الصورة الذهنية (أو المثالية)" يمكن أن تكون "مشوََّهة"؛ لأنَّ مرآة الذهن "مشوَّهة". حتى أكثر الصور الذهنية، أو المثالية، تشوُّها تعود، في عناصرها ومكوِّناتها، إلى "الواقع الموضوعي".. إلى العالم المادي. هذه الصورة لا تعكس، في كلِّيتها، "الواقع الموضوعي"، وإنَّما في عناصرها ومكوِّناتها فحسب.

الشيء المادي إنما يُترجَم، عَبْر مُتَرْجِم يدعى "الدماغ البشري"، بلغة أخرى هي الصور الحسِّية والعقلية. اللون الأصفر للتفاحة ينعكس في مرآة الدماغ البشري، أي يظهر هذا اللون، في الدماغ، في شكل "إحساس".. إحساس باللون الأصفر (صورة حسِّية). ولكن لون التفاحة الأصفر ليس، في ذاته، إحساس. "الضوء" (أشعة الضوء) المنبعث من التفاحة الصفراء اللون ينتقل، فيصيب "الشبكية"، فتُنْتِج الشبكية الإحساس باللون الأصفر.

الدماغ ليس دائماً يجيد تصوير "الموضوع" إذ قد يسيئه. شخصان ينظران إلى شيء، أو مشهد، فيريانه رؤيتين مختلفتين. السبب هو أنَّ الإنسان يرى بعين تكمن فيها عين أخرى هي "عين الخبرة والوعي"، فكلٌّ من الشاعر والفنان والفلكي يرى "القمر" رؤية مختلفة.

"الشيء" مادة، و"الدماغ" مادة، ولكن "صورة الشيء" ليست مادة. عمليتان ماديتان، إحداهما تحدث في خارج الدماغ، والأخرى في داخله. أمَّا "الانعكاس" فليس مادياً. إنَّه انعكاس للمادة.

وصور الأشياء في الوعي على أنواع: صور لأشياء موجودة بالفعل في الواقع. وصور لأشياء لا وجود لها، البتة، في الواقع.. لم تُوْجَد من قَبْل، ولن تُوجَد أبداً؛ ولكن عناصرها موجودة في الواقع. وصور لأشياء لا وجود لها، الآن، في الواقع، ولكن هذه الأشياء يمكن أن تُوْجَد مستقبلاً. هذه الصور يبتدعها عقل الإنسان بوحي من حقائق واقعة. وصور لأشياء لا وجود لها، الآن، في الواقع، ولكنَّها كانت موجودة من قَبْل، فزالت واندثرت. ومن خلال ما بقي لها من آثار في الواقع يقوم عقل الإنسان بابتداع صورها.

كيف يستخدم الإنسان وعيه في التفاعل المادي مع الطبيعة؟ عندما يتعرَّض سلك معدني، في أحد طرفيه، للحرارة فإنَّ درجة حرارته ترتفع، ثمَّ يتمدَّد، ثمَّ ينصهر. لو تخيَّلنا أنَّ هذا السلك يستطيع لدى تعرُّضه للتسخين أن يحرِّك طرفه الآخر ليضعه في ماء بارد لكانت النتيجة هي أن يقل كثيراً تأثُّره بالتسخين. لقد كافح السلك تأثير التسخين فيه بأن عرَّض نفسه للتأثير المعاكس للماء البارد.

بما يشبه هذه الطريقة يستخدم الإنسان وعيه في التفاعل المادي مع الطبيعة. الإنسان بوعيه إنَّما يستخدم قوى الطبيعة، أو قوى من الطبيعة، في مكافحة تأثير عوامل طبيعية معيَّنة فيه، أو في تسهيل أو تسريع تأثير عوامل طبيعية أخرى فيه. هذا التفاعل يفضي إلى "نتيجة مادية ملموسة" لها "أسباب مادية ملموسة".

قد نَصْنع أو نَخْلِق هذا الشيء أو ذاك (في سياق التفاعل بين "الذات" و"الموضوع") ولكن هذا الشيء المصنوع أو المخلوق يظل كائناً مادياً لا يَدْخُل في تكوينه أي عنصر "لا مادي"، فإذا ما صَنَعْتُ أو خَلَقْتُ هذا الشيء بمعونة "فكرة" في رأسي فهذا لا يعني، ويجب ألا يعني، أنَّ عنصراً "لا مادياً" قد دخل في تكوينه.

وعي الإنسان الذي "خَلَقَ" هذا الشيء (المنزل مثلاً) إنَّما هو "خاصِّية لا مادية الماهيَّة" للدماغ البشري، المادي الماهيَّة. بفضل هذا الوعي (أو هذه الخاصِّية اللامادية) تتفاعل المادة وقواها مثل أي تفاعل مادي آخر. ويكون هذا التفاعل، في مثال " خَلْقِ المنزل"، بين كل العناصر المادية الداخلة في تكوينه، بما فيها جسم الإنسان وقواه. و"الخلل" الذي يمكن أن يفسد بناء المنزل إنَّما يُعبِّر عن خلل في "الفكرة (فكرة بناء المنزل)" جعلها غير متَّفِقَة، تماماً أو بما فيه الكفاية، مع "قوانين موضوعية" ينبغي لهذه الفكرة أن تتَّفِقَ وتتوافق معها حتى نُوَفَّق في "خَلْقِ المنزل"، فإذا أُنْجِزت هذه المهمة في نجاح فلا حاجة، البتة، إلى التفتيش في داخل مكوِّنات هذا "المخلوق" (المنزل) عن "عنصر لا مادي".

وإنَّه العبث بعينه أن ننفق الجهد والوقت في البحث عن عنصر "لا مادي" يَدْخُل في تكوين "الكوارك" أو "الإلكترون" أو "الطاقة" أو "المجال" أو "البيضة الكونية" أو عمق "الثقب الأسود" Singularity.

ما هو "المنزل"؟ في الجواب عن هذا السؤال يكمن "مفهوم" المنزل. في "الواقع" لا يُوْجَد إلا هذا المنزل أو ذاك، أي المنزل "المحدَّد"، فالمنزل "المجرَّد" أو "المنزل في وجه عام" لا وجود له في الواقع. من خلال معرفة "السمات الجوهرية العامة" الملازمة لكل المنازل "المحدَّدة" نتوصَّل إلى صوغ "مفهوم" المنزل.

ممثِّلو "المثالية الموضوعية" يعتقدون بأنَّ "مفهوم" المنزل يُوْجَد مستقلاًّ عن المنزل "المحدَّد" أو المنازل "المحدَّدة". أكثر من ذلك، إنَّهم يعتقدون بأنَّ هذا المفهوم هو الذي "خَلَقَ" المنازل "المحدَّدة".

كل هذه "الأشياء المحدَّدة" التي نعرفها أو اكتشفنا وجودها تشترك في خاصِّية كبرى مهمة هي "وجودها الموضوعي"، فهي لا تُوْجَد في داخل أي وعي وإنَّما في خارجه، ولم يَخْلِقها أي وعي، أي أنَّها مستقلة، في وجودها وفعلها وتفاعلها، عنه. وهي "الواقع الموضوعي" الذي شقَّ طريقاً له إلى أحاسيسنا، التي تنسخه وتصوِّره وتعكسه. وبفضل صورها الحسِّية والعقلية نتفاعل معها، فنؤثِّر فيها ونتأثَّر، مكتسبين، بالتالي، القدرة على الانتقال من "التفسير" إلى "التغيير".

احمد ادريس
06/10/2007, 10:56 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

شكرا لك على الرد استاذ جواد ولقد تطرقت الى الكثير من النقاط سابدا بواحدة واحدة حتى لا يتشعب الحديث وياخذ الصفة الجدلية
مما ذكرت بخصوص سؤالي حصرا افهم منك ان التفكير يتم بانعكاس الواقع على الدماغ مثلا ارى تفاحة على الطاولة فتنعكس صورتها عن طريق عيني الى دماغي فاعرف ان هذه تفاحة فاتخذ تجاهها تصرفا معيننا وهذا الكلام فيه مغالطة

أن الذي يحصل في عملية التفكير، أي العملية العقلية هو إحساس وليس انعكاساً، لأنه لا يوجد انعكاس بين المادة والدماغ، فلا الدماغ ينعكس على المادة، ولا المادة تنعكس على الدماغ. لأن الانعكاس يحتاج إلى وجود قابلية الانعكاس في الشيء الذي يعكس الأشياء كالمرآة، وكالضوء، فإنها تحتاج إلى قابلية الانعكاس عليها، وهذا غير موجود، لا في الدماغ، ولا في الواقع المادي. ولذلك لا يوجد انعكاس بين المادة والدماغ مطلقاً، لأن المادة لا تنعكس على الدماغ، ولا تنتقل إليه. بل الذي ينتقل هو الإحساس بالمادة إلى الدماغ بواسطة الحواس. أي أن الحواس هي التي تحس المادة، بأية حاسة من الحواس، فينقل هذا الحس إلى الدماغ فيصدر حكمه عليه. ونقل الإحساس بالمادة إلى الدماغ ليس انعكاساً للمادة على الدماغ، ولا انعكاساً للدماغ على المادة، وإنما هو حس بالمادة، ولا فرق في ذلك بين العين وغيرها من الحواس، فيحصل من اللمس، والشم، والذوق، والسمع، إحساس كما يحصل من الإبصار. اذن فالذي يحصل من الأشياء ليس انعكاساً على الدماغ، وإنما هو حس بالأشياء. فالإنسان يحس بالأشياء بواسطة حواسه الخمس، ولا تعكس على دماغه الأشياء.

وهذا ظاهر ظهور الشمس في الأشياء المادية، فالحس هو الذي يحصل. أما الأمور غير المادية من أمور معنوية أو روحية، فإنها كذلك يحصل إحساس بها حتى تتكون العملية العقلية بشأنها. فالمجتمع المنحط لا بد من الإحساس بالانحطاط حتى يحصل الحكم عليه بأنه منحط، وهذا أمر مادي. وما يجرح الكرأمة لا بد من الإحساس بالجرح الذي حصل، أو الحس بأن هذا الشيء أو الفعل يجرح الكرأمة، حتى يحصل الحكم بأنه قد حصل جرح، أو أن الشيء له شفرة تجرح الكرأمة، وهذا أمر معنوي. فالحس أمر ضروري حتى تحصل العملية العقلية، سواء في الأشياء المادية أو الأمور غير المادية. إلا أن الأشياء المادية يحصل الحس بها طبيعياً وإن كان يقوى ويضعف حسب فهم طبيعتها، ولذلك قالوا: إن الإحساس الفكري أقوى أنواع الإحساس، أما الأمور غير المادية فإنه لا يحصل الحس بها إلا بوجود فهم لها أو عن طريق التقليد.
وعلى أي حال فإن موضوع كون الذي يحصل هو إحساس وليس انعكاساً هو أمر يكاد يكون من البديهيات، وإن كان في الأشياء المادية أوضح منه في الأمور المعنوية، ولكنه ليس أساسياً، فإنه ملموس من كل إنسان، ولا يوجد فيه خلاف، سوى أن التعبير عنه قد يكون خلاف الواقع كما عبرت عنه بالانعكاس، وقد يكون هو الواقع كما عبرت انا عنه بالإحساس أو الحس.

والموضوع الاهم هو: أن الحس وحده لا يحصل منه فكر، بل الذي يحصل هو الحس فقط، أي الإحساس بالواقع. وإحساس زائد إحساساً وزائد مليون إحساس مهما تعدد نوع الإحساس، إنما يحصل منه إحساس فقط، ولا يحصل فكر مطلقاً. بل لا بد من وجود معلومات سابقة عند الإنسان يفسر بواسطتها الواقع الذي أحس به حتى يحصل فكر. ولنأخذ الإنسان الحالي، أيّ إنسان، ونعطيه كتاباً سريانياً، ولا توجد لديه أية معلومات تتصل بالسريانية ونجعل حسه يقع على الكتابة، بالرؤية، واللمس، ونكرر هذا الحس مليون مرة، فإنه لا يمكن أن يعرف كلمة واحدة حتى تعطى له معلومات عن السريانية، وعما يتصل بالسريانية، فحينئذ يبدأ يفكر بها ويدركها. ولا يقال هذا خاص باللغات، وإنها وضعية من وضع الإنسان، فتحتاج إلى معلومات عنها، لا يقال ذلك، لأن الموضوع هو عملية عقلية، والعملية عملية عقل، سواء في وضع الحكم، أو في فهم الدلالة، أو في فهم الحقيقة. فالعملية العقلية عملية واحدة في كل شيء، فالتفكير في مسألة هو كالتفكير في بصلة. وفهم معنى كلمة هو كفهم معنى واقع، كل منها يحتاج إلى عملية عقلية والعملية العقلية واحدة في كل شيء وفي كل أمر وفي كل واقع.
ومن أجل أن لا نثير جدلاً في اللغة والواقع فلنأخذ الواقع مباشرة. لنأخذ الطفل الذي وجد عنده الإحساس ولم توجد عنده معلومات، ولنضع أمامه قطعة ذهب، وقطعة نحاس، وحجراً، ونجعل جميع إحساساته تشترك في حس هذه الأشياء فإنه لا يمكنه أن يدركها، مهما تكررت هذه الإحساسات وتنوعت. ولكن إذا أعطي معلومات عنها وأحسها فإنه يستعمل المعلومات ويدركها. وهذا الطفل لو كبرت سنه وبلغ عشرين سنة، ولم يأخذ أية معلومات، فإنه يبقى كأول يوم يحس بالأشياء فقط، ولا يدركها مهما كبر دماغه، لأن الذي يجعله يدرك ليس الدماغ، وإنما هو المعلومات السابقة مع الدماغ ومع الواقع الذي يحسه. وأيضاً لنأخذ طفلاً عمره أربع سنوات، لم ير الاسد ولم يسمع به، ولم ير الميزان، ولم يسمع به، ولم ير الكلب ولم يسمع به، ولم ير الفيل ولم يسمع به. وعرضنا عليه أسداً وميزاناً وكلباً وفيلاً، أو عرضنا عليه صورة أسد وصورة ميزان وصورة كلب وصورة فيل، ثم طلبنا منه أن يعرف أي واحد منها، أو يعرف اسمه، وما هو هذا الشيء، فإنه لا يعرف شيئاً، ولا يمكن أن توجد لديه أية عملية عقلية تجاه أي منها. ولو حفظناه أسماءها غيباً، بعيداً عنها دون أن تقترن بأي منها، ثم عرضنا عليه هذه الأشياء وقلنا هذه أسماؤها، أيّ الأسماء التي حفظتها هي أسماء هذه الأشياء؟ فإنه لا يمكن أن يعرف اسم أي منها. ولكن إذا أعطيناه اسم كل منها تجاه واقعه، أو تجاه صورة الواقع، وربطناه بها، حتى حفظ الأسماء مربوطاً كل اسم منها بواقعه، فإنه حينئذ يدرك كل شيء باسمه، أي يدرك ما هو هذا الشيء هل هو أسد ام ميزان، ولا يخطىء. وأن حاولت مغالطته لا ينساق معك. بل يصر على أن هذا أسد عن نفس الأسد وصورته. وهذا ميزان عن نفس الميزان وصورته، وهكذا. فالموضوع إذن ليس متعلقاً بالواقع ولا بالحس به، وإنما هو متعلق بالمعلومات السابقة عن هذا الواقع، أي المعلومات المرتبطة بالواقع حسب علمه أو المتعلقة بالواقع حسب علمه هو.

فالمعلومات السابقة عن الواقع، أو المتعلقة بذلك الواقع، شرط أساسي ورئيسي لأن تحصل العملية العقلية، أي شرط أساسي ورئيسي للعقل.
هذا من ناحية الإدراك العقلي. أما من ناحية الإدراك الشعوري، فناتج عن الغرائز والحاجات العضوية والذي يحصل عند الحيوان فإنه يحصل عند الإنسان، فيعرف من تكرار إعطائه التفاحة والحجر أن التفاحة تؤكل والحجر لا يؤكل، كما يعرف الحمار أن الشعير يؤكل وأن التراب لا يؤكل. ولكن هذا التمييز ليس فكراً ولا إدراكاً، وإنما هو راجع للغرائز والحاجات العضوية، وهو موجود عند الحيوان كما هو عند الإنسان، ولذلك لا يمكن أن يحصل فكر، إلا إذا وجدت المعلومات السابقة مع نقل الإحساس بالواقع بواسطة الحواس إلى الدماغ.

وبذلك نسال الاستاذ سؤالا هل يمكن لك ان تدخل المنزل وتجلس على الكرسي وتفتح النافذة وتزدل الستائر وتحرق المدفأة او تشغل اي جهاز تدفئة يعمل بالتحكم عن بعد دون ان يكون لديك معلومات سابقة عن هذه الاشياء؟

بانتظار ردك واتمنى ان لا تخرج عن الموضوع كثيرا فاني كما ذكرت لك لدي الكثير من التعليقات على كلامك السابق بحاجة الى طرح

احمد ادريس
06/10/2007, 10:56 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

شكرا لك على الرد استاذ جواد ولقد تطرقت الى الكثير من النقاط سابدا بواحدة واحدة حتى لا يتشعب الحديث وياخذ الصفة الجدلية
مما ذكرت بخصوص سؤالي حصرا افهم منك ان التفكير يتم بانعكاس الواقع على الدماغ مثلا ارى تفاحة على الطاولة فتنعكس صورتها عن طريق عيني الى دماغي فاعرف ان هذه تفاحة فاتخذ تجاهها تصرفا معيننا وهذا الكلام فيه مغالطة

أن الذي يحصل في عملية التفكير، أي العملية العقلية هو إحساس وليس انعكاساً، لأنه لا يوجد انعكاس بين المادة والدماغ، فلا الدماغ ينعكس على المادة، ولا المادة تنعكس على الدماغ. لأن الانعكاس يحتاج إلى وجود قابلية الانعكاس في الشيء الذي يعكس الأشياء كالمرآة، وكالضوء، فإنها تحتاج إلى قابلية الانعكاس عليها، وهذا غير موجود، لا في الدماغ، ولا في الواقع المادي. ولذلك لا يوجد انعكاس بين المادة والدماغ مطلقاً، لأن المادة لا تنعكس على الدماغ، ولا تنتقل إليه. بل الذي ينتقل هو الإحساس بالمادة إلى الدماغ بواسطة الحواس. أي أن الحواس هي التي تحس المادة، بأية حاسة من الحواس، فينقل هذا الحس إلى الدماغ فيصدر حكمه عليه. ونقل الإحساس بالمادة إلى الدماغ ليس انعكاساً للمادة على الدماغ، ولا انعكاساً للدماغ على المادة، وإنما هو حس بالمادة، ولا فرق في ذلك بين العين وغيرها من الحواس، فيحصل من اللمس، والشم، والذوق، والسمع، إحساس كما يحصل من الإبصار. اذن فالذي يحصل من الأشياء ليس انعكاساً على الدماغ، وإنما هو حس بالأشياء. فالإنسان يحس بالأشياء بواسطة حواسه الخمس، ولا تعكس على دماغه الأشياء.

وهذا ظاهر ظهور الشمس في الأشياء المادية، فالحس هو الذي يحصل. أما الأمور غير المادية من أمور معنوية أو روحية، فإنها كذلك يحصل إحساس بها حتى تتكون العملية العقلية بشأنها. فالمجتمع المنحط لا بد من الإحساس بالانحطاط حتى يحصل الحكم عليه بأنه منحط، وهذا أمر مادي. وما يجرح الكرأمة لا بد من الإحساس بالجرح الذي حصل، أو الحس بأن هذا الشيء أو الفعل يجرح الكرأمة، حتى يحصل الحكم بأنه قد حصل جرح، أو أن الشيء له شفرة تجرح الكرأمة، وهذا أمر معنوي. فالحس أمر ضروري حتى تحصل العملية العقلية، سواء في الأشياء المادية أو الأمور غير المادية. إلا أن الأشياء المادية يحصل الحس بها طبيعياً وإن كان يقوى ويضعف حسب فهم طبيعتها، ولذلك قالوا: إن الإحساس الفكري أقوى أنواع الإحساس، أما الأمور غير المادية فإنه لا يحصل الحس بها إلا بوجود فهم لها أو عن طريق التقليد.
وعلى أي حال فإن موضوع كون الذي يحصل هو إحساس وليس انعكاساً هو أمر يكاد يكون من البديهيات، وإن كان في الأشياء المادية أوضح منه في الأمور المعنوية، ولكنه ليس أساسياً، فإنه ملموس من كل إنسان، ولا يوجد فيه خلاف، سوى أن التعبير عنه قد يكون خلاف الواقع كما عبرت عنه بالانعكاس، وقد يكون هو الواقع كما عبرت انا عنه بالإحساس أو الحس.

والموضوع الاهم هو: أن الحس وحده لا يحصل منه فكر، بل الذي يحصل هو الحس فقط، أي الإحساس بالواقع. وإحساس زائد إحساساً وزائد مليون إحساس مهما تعدد نوع الإحساس، إنما يحصل منه إحساس فقط، ولا يحصل فكر مطلقاً. بل لا بد من وجود معلومات سابقة عند الإنسان يفسر بواسطتها الواقع الذي أحس به حتى يحصل فكر. ولنأخذ الإنسان الحالي، أيّ إنسان، ونعطيه كتاباً سريانياً، ولا توجد لديه أية معلومات تتصل بالسريانية ونجعل حسه يقع على الكتابة، بالرؤية، واللمس، ونكرر هذا الحس مليون مرة، فإنه لا يمكن أن يعرف كلمة واحدة حتى تعطى له معلومات عن السريانية، وعما يتصل بالسريانية، فحينئذ يبدأ يفكر بها ويدركها. ولا يقال هذا خاص باللغات، وإنها وضعية من وضع الإنسان، فتحتاج إلى معلومات عنها، لا يقال ذلك، لأن الموضوع هو عملية عقلية، والعملية عملية عقل، سواء في وضع الحكم، أو في فهم الدلالة، أو في فهم الحقيقة. فالعملية العقلية عملية واحدة في كل شيء، فالتفكير في مسألة هو كالتفكير في بصلة. وفهم معنى كلمة هو كفهم معنى واقع، كل منها يحتاج إلى عملية عقلية والعملية العقلية واحدة في كل شيء وفي كل أمر وفي كل واقع.
ومن أجل أن لا نثير جدلاً في اللغة والواقع فلنأخذ الواقع مباشرة. لنأخذ الطفل الذي وجد عنده الإحساس ولم توجد عنده معلومات، ولنضع أمامه قطعة ذهب، وقطعة نحاس، وحجراً، ونجعل جميع إحساساته تشترك في حس هذه الأشياء فإنه لا يمكنه أن يدركها، مهما تكررت هذه الإحساسات وتنوعت. ولكن إذا أعطي معلومات عنها وأحسها فإنه يستعمل المعلومات ويدركها. وهذا الطفل لو كبرت سنه وبلغ عشرين سنة، ولم يأخذ أية معلومات، فإنه يبقى كأول يوم يحس بالأشياء فقط، ولا يدركها مهما كبر دماغه، لأن الذي يجعله يدرك ليس الدماغ، وإنما هو المعلومات السابقة مع الدماغ ومع الواقع الذي يحسه. وأيضاً لنأخذ طفلاً عمره أربع سنوات، لم ير الاسد ولم يسمع به، ولم ير الميزان، ولم يسمع به، ولم ير الكلب ولم يسمع به، ولم ير الفيل ولم يسمع به. وعرضنا عليه أسداً وميزاناً وكلباً وفيلاً، أو عرضنا عليه صورة أسد وصورة ميزان وصورة كلب وصورة فيل، ثم طلبنا منه أن يعرف أي واحد منها، أو يعرف اسمه، وما هو هذا الشيء، فإنه لا يعرف شيئاً، ولا يمكن أن توجد لديه أية عملية عقلية تجاه أي منها. ولو حفظناه أسماءها غيباً، بعيداً عنها دون أن تقترن بأي منها، ثم عرضنا عليه هذه الأشياء وقلنا هذه أسماؤها، أيّ الأسماء التي حفظتها هي أسماء هذه الأشياء؟ فإنه لا يمكن أن يعرف اسم أي منها. ولكن إذا أعطيناه اسم كل منها تجاه واقعه، أو تجاه صورة الواقع، وربطناه بها، حتى حفظ الأسماء مربوطاً كل اسم منها بواقعه، فإنه حينئذ يدرك كل شيء باسمه، أي يدرك ما هو هذا الشيء هل هو أسد ام ميزان، ولا يخطىء. وأن حاولت مغالطته لا ينساق معك. بل يصر على أن هذا أسد عن نفس الأسد وصورته. وهذا ميزان عن نفس الميزان وصورته، وهكذا. فالموضوع إذن ليس متعلقاً بالواقع ولا بالحس به، وإنما هو متعلق بالمعلومات السابقة عن هذا الواقع، أي المعلومات المرتبطة بالواقع حسب علمه أو المتعلقة بالواقع حسب علمه هو.

فالمعلومات السابقة عن الواقع، أو المتعلقة بذلك الواقع، شرط أساسي ورئيسي لأن تحصل العملية العقلية، أي شرط أساسي ورئيسي للعقل.
هذا من ناحية الإدراك العقلي. أما من ناحية الإدراك الشعوري، فناتج عن الغرائز والحاجات العضوية والذي يحصل عند الحيوان فإنه يحصل عند الإنسان، فيعرف من تكرار إعطائه التفاحة والحجر أن التفاحة تؤكل والحجر لا يؤكل، كما يعرف الحمار أن الشعير يؤكل وأن التراب لا يؤكل. ولكن هذا التمييز ليس فكراً ولا إدراكاً، وإنما هو راجع للغرائز والحاجات العضوية، وهو موجود عند الحيوان كما هو عند الإنسان، ولذلك لا يمكن أن يحصل فكر، إلا إذا وجدت المعلومات السابقة مع نقل الإحساس بالواقع بواسطة الحواس إلى الدماغ.

وبذلك نسال الاستاذ سؤالا هل يمكن لك ان تدخل المنزل وتجلس على الكرسي وتفتح النافذة وتزدل الستائر وتحرق المدفأة او تشغل اي جهاز تدفئة يعمل بالتحكم عن بعد دون ان يكون لديك معلومات سابقة عن هذه الاشياء؟

بانتظار ردك واتمنى ان لا تخرج عن الموضوع كثيرا فاني كما ذكرت لك لدي الكثير من التعليقات على كلامك السابق بحاجة الى طرح

جواد البشيتي
06/10/2007, 11:49 AM
أخي أحمد
أهميَّة هذا الرأي الذي أدْلَيْتَ به تكمن في كونه يعكس سوء أو قِلَّة فَهْم لرأيي الذي دعوتكَ أن تقرأه بتأنٍ، فلو قُمْت بما دعوتكَ إليه لما جاء رأيكَ على هذا النحو.
الواقع الموضوعي ينعكس في الذهن البشري إحساساً ومفهوماً (فكرةً). الانعكاس في مبتدأه يجب أن يكون حسياً؛ ومن خلال "التجريد" يغدو عقلياً، فليس من مفاهيم أو أفكار تأتي إلى الذهن البشري من غير طريق الأحاسيس على اختلافها.
"المعلومة"، أي كل معلومة"، يجب أن تكون حسِّية في نشأتها، فأنتَ ترى القمر أوَّلا.. تحسُّ به، قبل، ومن أجل، أن تعرف "ما هو القمر". كل شيء تراه أو تسمعه.. إنَّما هو مَصْدَر" لـ "مادة مخصوصة"، منها تلك الجسيمات التي نسميها "الضوء" المنبعث من الشيء المرئي. هذه المادة تؤثِّر في حواسِّك تأثيراً مخصوصا. وبفضل هذا التأثير ينعكس الشيء في دماغِكَ (صورة حسية ثم صورة فكرية).
الطفل يرى القطَّ أوَّلاً، أو يرى صورة القط، ثمَّ يُقال له "هذا قط"؛ ثمَّ يُعَلَّم (بالتجربة المباشرة أو غير المباشرة) ما هو القط، أي مفهوم القط.
لا تُضيِّع وقتكَ ووقتنا في البحث عن "فكرة قَبْلية"، أي قبل التجربة، أي قبل التفاعل الحسِّي بين الإنسان والواقع الموضوعي، فما تَنْظُر إليه على أنَّه "بديهية"، أو "مُسلَّمة"، إنَّما هو الخرافة بعينها.
أتمنى عليكَ أن تستوفي من الآن وصاعدا شروط الحوار العلمي، فأنا أبحث عن حوار يقوم على مبدأ اقتصاد الجهد والوقت.

جواد البشيتي
06/10/2007, 11:49 AM
أخي أحمد
أهميَّة هذا الرأي الذي أدْلَيْتَ به تكمن في كونه يعكس سوء أو قِلَّة فَهْم لرأيي الذي دعوتكَ أن تقرأه بتأنٍ، فلو قُمْت بما دعوتكَ إليه لما جاء رأيكَ على هذا النحو.
الواقع الموضوعي ينعكس في الذهن البشري إحساساً ومفهوماً (فكرةً). الانعكاس في مبتدأه يجب أن يكون حسياً؛ ومن خلال "التجريد" يغدو عقلياً، فليس من مفاهيم أو أفكار تأتي إلى الذهن البشري من غير طريق الأحاسيس على اختلافها.
"المعلومة"، أي كل معلومة"، يجب أن تكون حسِّية في نشأتها، فأنتَ ترى القمر أوَّلا.. تحسُّ به، قبل، ومن أجل، أن تعرف "ما هو القمر". كل شيء تراه أو تسمعه.. إنَّما هو مَصْدَر" لـ "مادة مخصوصة"، منها تلك الجسيمات التي نسميها "الضوء" المنبعث من الشيء المرئي. هذه المادة تؤثِّر في حواسِّك تأثيراً مخصوصا. وبفضل هذا التأثير ينعكس الشيء في دماغِكَ (صورة حسية ثم صورة فكرية).
الطفل يرى القطَّ أوَّلاً، أو يرى صورة القط، ثمَّ يُقال له "هذا قط"؛ ثمَّ يُعَلَّم (بالتجربة المباشرة أو غير المباشرة) ما هو القط، أي مفهوم القط.
لا تُضيِّع وقتكَ ووقتنا في البحث عن "فكرة قَبْلية"، أي قبل التجربة، أي قبل التفاعل الحسِّي بين الإنسان والواقع الموضوعي، فما تَنْظُر إليه على أنَّه "بديهية"، أو "مُسلَّمة"، إنَّما هو الخرافة بعينها.
أتمنى عليكَ أن تستوفي من الآن وصاعدا شروط الحوار العلمي، فأنا أبحث عن حوار يقوم على مبدأ اقتصاد الجهد والوقت.

عبد السلام معلا
06/10/2007, 12:02 PM
عبد السلام معلا

أنتَ تقول بأنْ ليس من حقِّنا (نحن البشر) ولا في مقدورنا أن نبحث في أمْر "الخلق الأوَّل"؛ ومع ذلك، أنتَ أجَزْتَ لنفسكَ أن تَزْعُم أنَّ الله خلق أوَّل ما خلق "المادة الأوَّلية"، فهل لزعمكَ هذا من سَنَدٍ في القرآن؟!

أستاذ جواد

حسب وجهة نظرك ما قيمة الاستدلال بإخبار القران الكريم طالما أنكرنا وجود الخالق.. وهل القرآن غير كلام الخالق.؟؟ إذ كيف يستقيم هذا المنطق في النظر ؟؟ وكيف تضمن التحرر من إسار التناقض والخلط ؟ أم أنك تعتبر أن القرآن الكريم هو إنتاج بشري؟؟؟ولو صح هذا الاستنتاج فهل تعتبر من المنطق بمكان أن نطلب رأي العقل البشري بموضوع خارج دائرة المشاهدة والقدرة على الإستيعاب بل و (الإخبار)(على افتراض بشرية القرآن مجازا) متناسين أن الإنسان هو جزء بسيط في دائرة الوجود الكبير المحكوم بمنظومة ( الصيرورة) ؟؟ ثم ألا تدرك معي أن محاولة اقحام العقل البشري بكنه حقائق ما قبل سريان قانون الصيرورة التي انتظم امر الخلق والإنشاء والتشكيل والتطوير والإزالة والإيجاد .. يهدم قانون الصيرورة ذاته وينفيه تأسيسا على ما قررته أنت!! أنظر ألاقتباس من المقالة الأصلية!!!


إنَّكَ يكفي أنْ تتمثَّل “قانون الصيرورة” حتى تنتفي حيثيات قولكَ بـ “العدم”، الذي يكفي أنْ تنتزعه من “مُثلَّث الخلق” حتى يَفْقِدَ هذا “المُثلَّث” ضلعيه المتبقيين، فإنَّ لـ “مُثلَّث الْخَلْق” ثلاثة أضلاع هي: “العدم”، و”الخالِق”، و”المخلوق
.
وبالمثل فإننا لو تمثلنا العدم والذي يترتب عليه الخلق من لا شيء فإن هذا كاف لهدم قانون الصيرورة من أساسها ،، وهذا ما يشير الى ان الوجود والعدم ثنائيان ينقلب بعضهما عن بعض ، ويعكس أحدهما الآخر ويساعد أحدهما في فهم واستيعاب الآخر ،، تماما كما نفهم إحدى صورتي المادة وهي الطاقة (غير المنظورة او المحسوسة) عن طريق معرفتنا للصورة الاولى لها وهي (الكتلة) والعكس صحيح.. وبالمثل قإنه لا يمكن تعريف وفهم كنه الكتلة بغياب الصورة الذهنية للطاقة والعكس صحيح !!!

وعلى أية حال فانا أؤمن إيمانا راسخا بأن خالق مادة الكون الأساسية من لا شي (العدم) هو الله تبارك وتعالى وأظن انه يشاركني في هذا الإيمان مئات الملايين من البشر... لسبب بسيط وهو إخبار القران الكريم بذلك .. فضلا عن الآيات والدلائل المبثوثة في هذا الكون الفسيح والتي تستعصي على العد والإحصاء .. ولكن طالما طالبتي بالدليل من القرآن على الخلق الأول فانظر الآية رقم 34 من سورة يونس قوله تعالى: (قل هل من شركائكم من يبدأُ الخلقَ ثم يعيده , قل اللهُ يبدأ الخلقَ ثم يعيده فأنا تؤفكون) ،،
فمفردة (يبدأ) هنا هي نقطة الإرتكاز التي تنطوي عليها صفحتي الوجود والعدم لتتشكل الحقيقة الواضحة!!! فسلسلة الخلق الطويلة المحكومة بقانون الصيرورة ليست نهائية لا بل لها بداية هي من صنع الله, وهذه البداية لم تتم وفقا لقانون الصيرورة وإنما وفقا لقانون القدرة الربانية (كن) وإلا فما هي قيمة التحدي في (بدأ الخلق) !!
والإعجاز في الخلق الاول يكمن بحدوثه بدون قانون صيرورة !! !ذ لا وجود للمادة كي تتوسل ذريعةً لوجود الصيرورة !!! أنظر


إنَّ “الصيرورة” هي جوهر “حياة” المادة.. كل مادة.


.
والإعجاز في تتابع وتطور ونشوء وتنوع الخلق بعد ذلك وفقا للنواميس والقوانين والخصائص والقوى التي وضعها الله في الأشياء (قانون الصيرورة) يكمن في القانون لا في الصناع ، وإلا فما معني التحدي ببدأ الخلق ,,!! وهنا تسقط المقولة التالية



وكلُّ مخلوق خالِق، وكلُّ مصنوع صانع، وكلُّ خالِقٍ مخلوق، وكلُّ صانعٍ مصنوع. وليس من خالِقٍ، أو صانعٍ، أوَّل، وليس من مخلوقٍ، أو مصنوعٍ، أخير.
.
أو ليباشر كل مخلوق عملية الخلق وليقم كل مصنوع بعمل الصناعة ولكن ليس على أساس قانون الصيرورة !!!

والآية لم تقل( كيف خلق) وإنما قالت: كيف بدأ,, والإبداء يقتضي إنتفاء الصيرورة عند بدأ الخلق ... وانتفاء وجود الصيرورة عند بدأ الخلق يدل على حدوثها ,, وحدوثها يعني انها ليست مطلقة ولا بد لها من نهاية وهذا برهان كبير على تهافت وبطلان الإدعاء التالي :


هل من نهاية لهذه “الصيرورة”، التي لم يطقها عقل أرسطو؟ كلاَّ، ليس من نهايةٍ لها، فهذه “سلسلة” لا حلقة أولى، ولا حلقة أخيرة، لها!
.
نتابع ..


“العدم” لا “وجود” له البتَّة لا في “الأشياء” ولا في “الفضاء”، أو “الفراغ” مهما كان الفراغ “فارغاً”. “الفضاء الكوني” لا يختلف في خواصِّه الجوهرية والعامة عن “الفضاء الداخلي للذرَّة”، فليس من “مواضع” في هذا الفضاء، أو ذاك، يمكن النظر إليها على أنَّها “العدم”.

.

هذا كلام جميل ولا يحتاج الى إثبات ولكنه ينطبق على عالم الوجود فحسب ،أي أنه لا يؤخذ بإطلاقة ,,بمعنى أننا لن نجد (العدم) في عالم الوجود ؟ فالعدم والوجود يشكلان ثنائية وإذا أردنا العدم فلا ينبغي ان نبحث عنه في ثنايا الوجود إذ كيف يستقيم البحث عن النهار في ثنايا الليل!!! وإنما يجب ان نبحث عنه بعد هدم قانون الصيرورة لنعود الى لحظة ما قبل الخلق !!! ولكن عندها لا ينبغي التذاكي باثبات ان لا معنى لوجود الصيرورة إذ لا وجود للمادة أصلا !!

تحياتي

عبد السلام معلا
06/10/2007, 12:02 PM
عبد السلام معلا

أنتَ تقول بأنْ ليس من حقِّنا (نحن البشر) ولا في مقدورنا أن نبحث في أمْر "الخلق الأوَّل"؛ ومع ذلك، أنتَ أجَزْتَ لنفسكَ أن تَزْعُم أنَّ الله خلق أوَّل ما خلق "المادة الأوَّلية"، فهل لزعمكَ هذا من سَنَدٍ في القرآن؟!

أستاذ جواد

حسب وجهة نظرك ما قيمة الاستدلال بإخبار القران الكريم طالما أنكرنا وجود الخالق.. وهل القرآن غير كلام الخالق.؟؟ إذ كيف يستقيم هذا المنطق في النظر ؟؟ وكيف تضمن التحرر من إسار التناقض والخلط ؟ أم أنك تعتبر أن القرآن الكريم هو إنتاج بشري؟؟؟ولو صح هذا الاستنتاج فهل تعتبر من المنطق بمكان أن نطلب رأي العقل البشري بموضوع خارج دائرة المشاهدة والقدرة على الإستيعاب بل و (الإخبار)(على افتراض بشرية القرآن مجازا) متناسين أن الإنسان هو جزء بسيط في دائرة الوجود الكبير المحكوم بمنظومة ( الصيرورة) ؟؟ ثم ألا تدرك معي أن محاولة اقحام العقل البشري بكنه حقائق ما قبل سريان قانون الصيرورة التي انتظم امر الخلق والإنشاء والتشكيل والتطوير والإزالة والإيجاد .. يهدم قانون الصيرورة ذاته وينفيه تأسيسا على ما قررته أنت!! أنظر ألاقتباس من المقالة الأصلية!!!


إنَّكَ يكفي أنْ تتمثَّل “قانون الصيرورة” حتى تنتفي حيثيات قولكَ بـ “العدم”، الذي يكفي أنْ تنتزعه من “مُثلَّث الخلق” حتى يَفْقِدَ هذا “المُثلَّث” ضلعيه المتبقيين، فإنَّ لـ “مُثلَّث الْخَلْق” ثلاثة أضلاع هي: “العدم”، و”الخالِق”، و”المخلوق
.
وبالمثل فإننا لو تمثلنا العدم والذي يترتب عليه الخلق من لا شيء فإن هذا كاف لهدم قانون الصيرورة من أساسها ،، وهذا ما يشير الى ان الوجود والعدم ثنائيان ينقلب بعضهما عن بعض ، ويعكس أحدهما الآخر ويساعد أحدهما في فهم واستيعاب الآخر ،، تماما كما نفهم إحدى صورتي المادة وهي الطاقة (غير المنظورة او المحسوسة) عن طريق معرفتنا للصورة الاولى لها وهي (الكتلة) والعكس صحيح.. وبالمثل قإنه لا يمكن تعريف وفهم كنه الكتلة بغياب الصورة الذهنية للطاقة والعكس صحيح !!!

وعلى أية حال فانا أؤمن إيمانا راسخا بأن خالق مادة الكون الأساسية من لا شي (العدم) هو الله تبارك وتعالى وأظن انه يشاركني في هذا الإيمان مئات الملايين من البشر... لسبب بسيط وهو إخبار القران الكريم بذلك .. فضلا عن الآيات والدلائل المبثوثة في هذا الكون الفسيح والتي تستعصي على العد والإحصاء .. ولكن طالما طالبتي بالدليل من القرآن على الخلق الأول فانظر الآية رقم 34 من سورة يونس قوله تعالى: (قل هل من شركائكم من يبدأُ الخلقَ ثم يعيده , قل اللهُ يبدأ الخلقَ ثم يعيده فأنا تؤفكون) ،،
فمفردة (يبدأ) هنا هي نقطة الإرتكاز التي تنطوي عليها صفحتي الوجود والعدم لتتشكل الحقيقة الواضحة!!! فسلسلة الخلق الطويلة المحكومة بقانون الصيرورة ليست نهائية لا بل لها بداية هي من صنع الله, وهذه البداية لم تتم وفقا لقانون الصيرورة وإنما وفقا لقانون القدرة الربانية (كن) وإلا فما هي قيمة التحدي في (بدأ الخلق) !!
والإعجاز في الخلق الاول يكمن بحدوثه بدون قانون صيرورة !! !ذ لا وجود للمادة كي تتوسل ذريعةً لوجود الصيرورة !!! أنظر


إنَّ “الصيرورة” هي جوهر “حياة” المادة.. كل مادة.


.
والإعجاز في تتابع وتطور ونشوء وتنوع الخلق بعد ذلك وفقا للنواميس والقوانين والخصائص والقوى التي وضعها الله في الأشياء (قانون الصيرورة) يكمن في القانون لا في الصناع ، وإلا فما معني التحدي ببدأ الخلق ,,!! وهنا تسقط المقولة التالية



وكلُّ مخلوق خالِق، وكلُّ مصنوع صانع، وكلُّ خالِقٍ مخلوق، وكلُّ صانعٍ مصنوع. وليس من خالِقٍ، أو صانعٍ، أوَّل، وليس من مخلوقٍ، أو مصنوعٍ، أخير.
.
أو ليباشر كل مخلوق عملية الخلق وليقم كل مصنوع بعمل الصناعة ولكن ليس على أساس قانون الصيرورة !!!

والآية لم تقل( كيف خلق) وإنما قالت: كيف بدأ,, والإبداء يقتضي إنتفاء الصيرورة عند بدأ الخلق ... وانتفاء وجود الصيرورة عند بدأ الخلق يدل على حدوثها ,, وحدوثها يعني انها ليست مطلقة ولا بد لها من نهاية وهذا برهان كبير على تهافت وبطلان الإدعاء التالي :


هل من نهاية لهذه “الصيرورة”، التي لم يطقها عقل أرسطو؟ كلاَّ، ليس من نهايةٍ لها، فهذه “سلسلة” لا حلقة أولى، ولا حلقة أخيرة، لها!
.
نتابع ..


“العدم” لا “وجود” له البتَّة لا في “الأشياء” ولا في “الفضاء”، أو “الفراغ” مهما كان الفراغ “فارغاً”. “الفضاء الكوني” لا يختلف في خواصِّه الجوهرية والعامة عن “الفضاء الداخلي للذرَّة”، فليس من “مواضع” في هذا الفضاء، أو ذاك، يمكن النظر إليها على أنَّها “العدم”.

.

هذا كلام جميل ولا يحتاج الى إثبات ولكنه ينطبق على عالم الوجود فحسب ،أي أنه لا يؤخذ بإطلاقة ,,بمعنى أننا لن نجد (العدم) في عالم الوجود ؟ فالعدم والوجود يشكلان ثنائية وإذا أردنا العدم فلا ينبغي ان نبحث عنه في ثنايا الوجود إذ كيف يستقيم البحث عن النهار في ثنايا الليل!!! وإنما يجب ان نبحث عنه بعد هدم قانون الصيرورة لنعود الى لحظة ما قبل الخلق !!! ولكن عندها لا ينبغي التذاكي باثبات ان لا معنى لوجود الصيرورة إذ لا وجود للمادة أصلا !!

تحياتي

احمد ادريس
06/10/2007, 12:03 PM
لم تجبني على سؤالي استاذ جواد
هل انت بحاجة الى المعلومات لكي تفكر ام لا؟
تقول

ثمَّ يُقال له "هذا قط" اليس هذا القول معلومات سابقة احتاجها الطفل لكي يدرك القطة؟
وفقولك مثلا

فأنتَ ترى القمر أوَّلا.. تحسُّ به، قبل، ومن أجل، أن تعرف "ما هو القمر". كل شيء تراه أو تسمعه.. إنَّما هو مَصْدَر" لـ "مادة مخصوصة"، منها تلك الجسيمات التي نسميها "الضوء" المنبعث من الشيء المرئي. هذه المادة تؤثِّر في حواسِّك تأثيراً مخصوصا. وبفضل هذا التأثير ينعكس الشيء في دماغِكَ (صورة حسية ثم صورة فكرية).ذكرت فيه كلمات كثيرة منها ضوء وقمر وغيرهما هل لك ان تعلمني من اين علمت هذه المسميات وكيف تبادرت الى ذهني ماهية الشيء الذي تتكلم عنه لولا وجود المعلومات السابقة

اريد جواب دون التفات وفلسفة هل تستطيع ان تثبت لي انك لا تحتاج الى معلومات سابقة لقراءة كتاب بلغة لم تسمع بها سابقا؟


اتمنى ان لا تكون مشاركة الاخ عبد السلام حجة لك لعدم الرد واتمنى من الاخ عبد السلام ان يكون ضمن نفس الموضوع

احمد ادريس
06/10/2007, 12:03 PM
لم تجبني على سؤالي استاذ جواد
هل انت بحاجة الى المعلومات لكي تفكر ام لا؟
تقول

ثمَّ يُقال له "هذا قط" اليس هذا القول معلومات سابقة احتاجها الطفل لكي يدرك القطة؟
وفقولك مثلا

فأنتَ ترى القمر أوَّلا.. تحسُّ به، قبل، ومن أجل، أن تعرف "ما هو القمر". كل شيء تراه أو تسمعه.. إنَّما هو مَصْدَر" لـ "مادة مخصوصة"، منها تلك الجسيمات التي نسميها "الضوء" المنبعث من الشيء المرئي. هذه المادة تؤثِّر في حواسِّك تأثيراً مخصوصا. وبفضل هذا التأثير ينعكس الشيء في دماغِكَ (صورة حسية ثم صورة فكرية).ذكرت فيه كلمات كثيرة منها ضوء وقمر وغيرهما هل لك ان تعلمني من اين علمت هذه المسميات وكيف تبادرت الى ذهني ماهية الشيء الذي تتكلم عنه لولا وجود المعلومات السابقة

اريد جواب دون التفات وفلسفة هل تستطيع ان تثبت لي انك لا تحتاج الى معلومات سابقة لقراءة كتاب بلغة لم تسمع بها سابقا؟


اتمنى ان لا تكون مشاركة الاخ عبد السلام حجة لك لعدم الرد واتمنى من الاخ عبد السلام ان يكون ضمن نفس الموضوع

عبد السلام معلا
06/10/2007, 12:25 PM
لم تجبني على سؤالي استاذ جواد
اتمنى ان لا تكون مشاركة الاخ عبد السلام حجة لك لعدم الرد واتمنى من الاخ عبد السلام ان يكون ضمن نفس الموضوع



الاخ الكريم أحمد إدريس

لك ما تمنيت إن شاء الله ,, وانا أخلي الساحة لكما...
مكتفيا بالمتابعة فقط.

عبد السلام معلا
06/10/2007, 12:25 PM
لم تجبني على سؤالي استاذ جواد
اتمنى ان لا تكون مشاركة الاخ عبد السلام حجة لك لعدم الرد واتمنى من الاخ عبد السلام ان يكون ضمن نفس الموضوع



الاخ الكريم أحمد إدريس

لك ما تمنيت إن شاء الله ,, وانا أخلي الساحة لكما...
مكتفيا بالمتابعة فقط.

احمد ادريس
06/10/2007, 12:37 PM
استاذ جواد انا مَن مِن المفروض ان يتكلم عن الوقت لا انت لاني مخلوق محدود لديه مدة زمنية محددة عليه فيها ان يقوم بمهام فرضها عليه خالقه، اما انت فالوقت لديك مفتوح الى المالانهاية لك ان تعيش ما تشاء من الزمن فالقلب الذي قد يتوقف عندي هو ليس ملكي ولست انا من اتحكم به اما انت فقلبك صفة لك والصفة تتبع الموصوف ويتحكم بها فلك ان تعيش 1000 سنة ترد فيها علي وعلى احفادي الا اللهم اذا احتاجتك الارض اليها لانها عاجزة ومحتاجة فان الامر قد يتغير وستعرف عندما تدخل اليها ان الامر اكبرمن ان يكون حاجة المادة الى المادة وان المادة عندما تحتاج الى المادة دليل على عجزها وان الصفات الموجودة فيها مثل المحدودية في العمر هية متحكمة بالمادة وليست المادة متحكمة بالصفة
عموما استغرقني الحديث في موضوع كنت مقرر ان ابحثه معك
ونبقى الان على محور حديثنا الاول وهو المعلومات السابقة

وجزاك الله خيرا اخي عبد السلام علما ان ما ذكرت موجود في بالي وعندي تعليق يدعم قولك ولكن سياتي في حينه ان شاء الله

ولكن لكي نفكر في المادة ولا نخطئ الفهم علينا ان نعرف كيف نفكر

والتفكير يكون بالمحسوس او باثر المحسوس فوجود البعرة دليل على وجود البعير
ولكن لنصل الى الاصل يجب ان ندرك اصل التفكير وهذا ما نبحثه مع الاستاذ جواد

وبالعودة الى المهم وهو المعلومات السابقة التي ينكرها الشيوعيون الماديون وهذا خطا في صميم الفكرة يدلل على ان ما بني من افكار لديهم كانت خاطئة....

اكرر شكري لك اخي الكريم

احمد ادريس
06/10/2007, 12:37 PM
استاذ جواد انا مَن مِن المفروض ان يتكلم عن الوقت لا انت لاني مخلوق محدود لديه مدة زمنية محددة عليه فيها ان يقوم بمهام فرضها عليه خالقه، اما انت فالوقت لديك مفتوح الى المالانهاية لك ان تعيش ما تشاء من الزمن فالقلب الذي قد يتوقف عندي هو ليس ملكي ولست انا من اتحكم به اما انت فقلبك صفة لك والصفة تتبع الموصوف ويتحكم بها فلك ان تعيش 1000 سنة ترد فيها علي وعلى احفادي الا اللهم اذا احتاجتك الارض اليها لانها عاجزة ومحتاجة فان الامر قد يتغير وستعرف عندما تدخل اليها ان الامر اكبرمن ان يكون حاجة المادة الى المادة وان المادة عندما تحتاج الى المادة دليل على عجزها وان الصفات الموجودة فيها مثل المحدودية في العمر هية متحكمة بالمادة وليست المادة متحكمة بالصفة
عموما استغرقني الحديث في موضوع كنت مقرر ان ابحثه معك
ونبقى الان على محور حديثنا الاول وهو المعلومات السابقة

وجزاك الله خيرا اخي عبد السلام علما ان ما ذكرت موجود في بالي وعندي تعليق يدعم قولك ولكن سياتي في حينه ان شاء الله

ولكن لكي نفكر في المادة ولا نخطئ الفهم علينا ان نعرف كيف نفكر

والتفكير يكون بالمحسوس او باثر المحسوس فوجود البعرة دليل على وجود البعير
ولكن لنصل الى الاصل يجب ان ندرك اصل التفكير وهذا ما نبحثه مع الاستاذ جواد

وبالعودة الى المهم وهو المعلومات السابقة التي ينكرها الشيوعيون الماديون وهذا خطا في صميم الفكرة يدلل على ان ما بني من افكار لديهم كانت خاطئة....

اكرر شكري لك اخي الكريم

سعيد نويضي
06/10/2007, 03:34 PM
تحية خالصة...

ندرك وجود "الوعي" بالأثر الذي يحيلنا على وجوده كواقع...
كل من "المادة" و " الوعي" لو جود مستقل عن الآخر من حيث الوجود...و الخلاق يبدأ عند البحث عن أوجه العلاقة بين "المادي" و "اللامادي"...
"المادة" هي الواقع الموضوعي المستقل عن "الوعي"...فهي تنتقل عبر الحواس إلى الدماغ لتشكل أحاسيس تتحول إلى أفكار و مفاهيم...
فالمادة موجودة و لا تحتاج للوعي في حقيقة وجودها...أما الوعي[من وجهة نظرك] لا يمكن وجوده من دون المادة...تقول: وهي موجودة، من دون "الوعي"، الذي لا يمكنه، أبدا، أن يُوْجَد من دون "المادة"، التي كانت ولم يكن من وعي.

كاستنتاج أولي أن الوعي هو نتاج المادة...و كأن شرط وجود الوعي هو وجود المادة...و بغيرها لا وجود للوعي...على أساس أن قوائم الوعي:هي وجود الدماغ البشري[و هذا شيء مادي] و العالم الخارجي المادي[و هذا كذلك شيء مادي] و المجتمع و هنا نجد المادي و اللامادي في علاقتهما المتبادلة[أي الجدلية] و ليس المتضادة...فالمادة بدون وعي لا تصلح لشيء و الوعي بدون مادة لا يصلح كذلك لشيء...و علاقة التفاعل بينهما هي التي تخلق الحياة كوجود فعلي...و تخلق الخبرة و هي تراكم كيفي و نوعي للمعلومات كعنصر من عناصر الوعي

وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ }الأنبياء30...
{وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }النحل78...

الشيء و خواصه لا ينفصلان...لأن الخواص هي عناصر وجود ذاك الشيء...خواصه هي التي تحدد وظيفته في الوجود...لكن ما الغاية من وجود تلك الخواص و عملها على تلك الشاكلة؟ أم أن هذا سؤال ليس علمي[بالمعنى التجريبي ألمختبري]...

تساءلت عن قوة الجذب...باعتبارها وظيفة من وظائف المادة...و لم تتساءل عن الغاية من الجذب؟ فلماذا ينجذب الحيوان الذكر إلى أنثاه؟ كما يفعل الإنسان مع فارق كبير جدا و هام...و هو الأول تحكمه الغريزة التي لا تأخذ جانب الوعي[الأخلاقي]...في حين أن الجذب لدى الإنسان يأخذ بعدا آخر...يتعالى على المادة بوصفها عملية ميكانيكية...كما هو الحال لدى المغناطيس و قوة الجذب للحديد...

يقول الرسول عليه أفضل الصلاة و التسليم:"بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"...

الدماغ البشري هو "مادة" ما من شك في ذلك...و لكنه ليس خاملة كما تقول يا أستاذ...لماذا لأن من خصائصه" التفاعل مع ما يحيط به" و التفاعل حركة مستمرة سريعة آو بطيئة في واقع سمي الزمكان...لأن المثال الذي شخصت به خواص المادة باعتبار أن المادة لا تعني شيئا بدون خواصها...المغناطيس[أو بالأحرى القدرة على الجذب] فالدماغ بدون خواصه لا يعني شيئا...و من جملة هذه الخواص"التفاعل"...و السبب ليس هو الروح...بل هي المادة أيضا...هو الماء يا أستاذ الذي يزود الروح التي لا يعلمه إلا الله عز و جل...لأنها من أمره أي من شؤونه...و ليس من شؤون خلقه...كما الحال في البحث في المادة و خواصها التي هي من شؤون و أمور و اهتمام هذا المخلوق المسمى"إنسان"...

فإذا عطشت فشربت الماء فارتويت...فذلك أن الجسد المادي لكي يستمر في الحياة يحتاج لهذه المادة التي تشبع أجهزة و خلايا هي في حاجة للماء...حتى تظل على قيد الحياة...

يا أستاذ جواد من قال لك بأن الروح هي قوة...و إن كانوا قالوا بأن الروح قوة...فأين دليلهم إن كانوا صادقين؟ يقول الحق جل و علا: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً }الإسراء85...

فلماذا لم يقل لهم الله عز و جل حين سألوا الرسول عليه الصلاة و السلام عن الروح أنها قوة أو شيء من هذا القبيل...و لكن كان قوله عز و جل:"... قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي..." فهي ليست قوة الدفع...بل هي من شؤون الله عز و جل و أموره التي لم يطلع عليها أحد...اللهم إن كان من بعض الأحاديث التي لا تعطي تعريفا بقدر ما تقدم أثرا أو استنتاجا...

العالم المادي يتكون لدى الإنسان عن طريق الحواس...و بما تنقله هذه الحواس...فمثال القمر الذي أوردت يا أستاذ يشكل صورة مادية تستقر في الذهن...في الدماغ البشري...كصورة يضيف إليها الوعي دلالة معينة...فالقمر أصلا موجود خارج الوعي...لكن المعنى الذي يحمله ذهني ليس من إنتاج القمر ذاته بل من إنتاج وعي بهذا الشيء...و هذا الإنتاج هو ما يسمى بالمعنى أو الدلالة التي يأخذها الشيء...و هذا المعنى من الخبرة المتراكمة...لذلك هناك من البشر من قال بأن هذا القمر هو إله...فالمعنى الذي يأخذه الشيء أو المادة...هو على نوعين...إما أن يطابق هذا الشيء معناه و إما أن يخالفه...فإن طابقه كان بجانب الحق و إن خالفه كان بجانب الباطل...فمن قال أن القمر إله كان قد سقط في الباطل...و من قال أنه نجم أو كوكب فقد جانب الحق و الصواب...فإذا كان مقياس المطابقة أو المخالفة هو الواقع...بكل ما يحمله هذا المصطلح من شمول...يذكرنا الله عز وجل في كتابه العظيم:

{وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ }الذاريات6...
{إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ }الطور7...
{إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ }المرسلات7...

تمثل الصورة في الذهن...يأتي من المشاهدة العينية... و هذه المشاهدة تختلف درجاتها حتى تكتمل الصورة في الذهن...فالرؤية بالعين المجردة لا تنقل لك تفاصيل"الشيء المشاهد" و إنما صورة تقريبية لهذا الشيء...فهناك صورتان...الأولى موجودة في الواقع المادي و الثانية موجودة في ذهن المشاهد...إما كحقيقة و إما كخيال أو وهم أو سراب...من هذا المنطلق نطرح سؤال من باب فضول المعرفة...هل الأطفال الذين يعيشون في قمم الجبال و لم يرو قط البحر؟ كيف تتشكل لهم صورة البحر؟ الغاية من السؤال هو مدى مطابقة الصورة لواقعها...فالبحر موجود لا شك فيه...فمن شاهده لا يحتاج إلى دليل على وجوده...و من لم يشاهده...قد يشكك أصلا في وجوده...و إن لم يشكك في وجوده تكون لديه صورة قد تقترب من الواقع و قد تبتعد بحسب قدرته على التخيل و تمثل الأشياء في ذهنه بناء على المعلومات التي تشكل مجمع خبراته و معارفه...

أما بالنسبة للأشياء التي لا ترى بالعين المجردة...فقد استقى الإنسان تطوير الرؤية الدقيقة أو ألمجهريه من تفاعله بما لديه من خبرة متراكمة مع الواقع المادي الموضوعي...فاستطاع اكتشاف آلات تزيد من قدرته على المشاهدة الدقيقة للمادة و خصائصها و تفاعلاتها و حركتها إلى غير ذلك...

بداية اكتشاف القوانين الموضوعية...كانت نتيجة ارتقاء تفاعل الإنسان مع هذا الواقع... و مقارنة صورة القمر بصورة تدفق الماء نتيجة وضع شيء مادي في إناء مملوء...فالمشاهدة الظاهرية للأشياء تمدنا "بوعي معين عن هذا الشيء" و مشاهدتنا المعمقة أو العميقة للشيء...أي تلك التي تتجاوز ما هو ظاهري لما هو باطني...تجعل الصورة في "وعينا" أكثر قربا من واقع الشيء...فرؤية آرخميدس كانت أكثر عمقا ...أي أنها تجاوزت ما هو ظاهري لما هو باطني...لذلك وصل إلى قانون مفاده: إذا غُمِر جسم في سائل فإنَّه يفقد من وزنه بقدر وزن السائل المُزاح. و هذا استنتاج لعملية لم يكن له دخل في إيجادها...و هذا الاستنتاج هو ظهور قانون كان خفي عن الوعي من حيث مطابقة صورة الوعي لواقع الشيء...

لذلك يقول الله عز وجل لمن يرى في الحياة الدنيا إلا الشكل الظاهري:
{يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ }الروم7...

فالمادة الموجودة في الواقع الخارجي عن الذهن...لها ظاهر و لها باطن...و انعكاسها في الذهن هو الآخر يأخذ هذين البعدين...الأول ظاهريا و الثاني باطنيا خفيا[أو نقل غيبيي بالمفهوم الواسع لهذه الكلمة] فالغيب بالمعنى القريب جدا للوعي هو كل ما خفي عن الأنظار...و يصبح في عالم الوعي عالم المعرفة عندما يتم انتقاله من عالم الغيب إلى عالم الشهادة...أي عالم المشاهدة إما بالعين المجردة كما الحال بالنسبة لطفل الجبال في معرفته بالبحر...أو بالعين المكرسكوبية أو التلسكوبية...و كلها امتدادات للبصر...

و مع ذلك يظل هناك تقصير في الإحاطة بالشيء...و عقبات لا يمكن تخطيها...كما تقول يا أستاذ...ممن حيث استحالة الرؤية في غياب الضوء الذي يصدر عن "الجسيم" كما أن الأداة لها تأثير على الجسيم ذاته في طبيعته و خواصه...

فالمرآة كمثل لانعكاس الأشياء لا تملك قدرة التفاعل التي يمتلكها الإنسان...لذلك فهي تعكس ما يدخل في نطاقها دون تجاوز الشكل الظاهري...في حين أن وعي الإنسان يتجاوز الشكل الظاهري لما هو باطني...

و دليلي على ذلك لو وضعت مجموعة من الكتب فوق مرآة...فإن تلك المرآة ستعكس شكل الكتب... و لن تعكس المضمون...و المثال الذي سأورده لا أريد أن يأخذك الخيال بعيدا أو تأوله على غير حقيقته...يقول الله عز وجل: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }الجمعة5...شَبَهُ اليهود الذين كُلِّفوا العمل بالتوراة ثم لم يعملوا بها, كشَبه الحمار الذي يحمل كتبًا لا يدري ما فيها, قَبُحَ مَثَلُ القوم الذين كذَّبوا بآيات الله, ولم ينتفعوا بها, والله لا يوفِّق القوم الظالمين الذين يتجاوزون حدوده, ويخرجون عن طاعته...

الوعي بالشيء هو معرفته...هو انتقاله من الواقع الموضوعي إلى الواقع الفكري في الذهن...على شكل صور تتجمع في منطقة معينة من الذهن تسمى "الذاكرة" أو "الحافظة "...و من خلال التفاعل الذي يتم بين هذه الأشياء المادية و صورها باعتبارها لا مادية...ينتج الوعي ...هذا الوعي كما قلت سابق قد يكون مطابق للواقع و قد يكون غير مطابق ...فلو استطاعت التفاعلات المنبثقة من الحواس مع المركز الذي هو المخ...أن تتجاوز ظاهر الأشياء إلى باطنها في تسلسل تدريجي...ينتقل من مرحلة إلى أخرى...يكون الوعي أقرب إلى واقع الشيء...أي إلى حقيقته و صدق تطابقه مع الواقع...أما إن اكتفى بالظاهر...فقد يكون وعيه مزيفا أو غير مطابق للواقع...كما هو الحال مع السراب...أي الماء الذي يبدو للظمآن في ظروف موضوعية معينة هي شدة الحرة و غياب الماء الواقعي...

يقول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ }النور39...

بيت القصيد هو السؤال الذي طرحته يا أستاذ... كيف يستخدم الإنسان وعيه في التفاعل المادي مع الطبيعة؟
في عالم المادة التفاعلات التي تتم بمعزل عن الوعي...لأن خواص المادة هي التي تتفاعل فيما بينها...و لا دخل للإنسان فيها إلا بقدر الحاجة التي يريد أن يصل إليها...السلك المعدني الذي ضربت به المثال لا يملك وعيا حتى يضع الطرف الآخر في ماء بارد حتى لا ينصر كلية...و لكن الإنسان بحكم الوعي الذي يملك و بحكم الغاية من التجربة التي يقوم بها...يستطيع أن يتحكم في ظروف التجربة...و يوجهها الوجه التي يأمل في تحقيق النتائج التي يرغب فيها...

مثال آخر الشمس مصدر من مصادر الطاقة...فهي تغدي الإنسان و النبات و الحيوان بالطاقة...و ي شيء مادي لا يقبل النقاش...لكن لا يستطيع الإنسان أن يزيد من حجم الطاقة الموجودة فيها و لا أن ينقص...لماذا؟ لأنها خصائص الشمس ذات قدرة لا تسمح للإنسان أن يغير منها و من قدرتها...بالرغم من أن الإنسان لديه من الخصائص ما يجعله يستفيد من هذه الطاقة...بتوجيهها وجهة معينة...و من مثل ذلك مسألة الألواح الشمسية لتخزين الطاقة...كذلك الريح...تمتلك من القوة ما تجعل الإنسان كورقة خريف بل تأتي على أشجار و منازل فتجعلها دمارا و خرابا...لكن الإنسان بالوعي الذي يمتلك يمكن أن يجعل من الريح مصدرا للطاقة...فيسخرها لحاجته في توليد الطاقة عن طريق تلك الروحيات الضخمة التي توضع في أمكنة لا يهدأ فيها الريح بشكل مستمر...لكن ليس بشكل عاصف...

لذلك فالوعي الذي امتلكه الإنسان...أي خبرة من سبقوه...و درجة استيعابه لتلك الخبرة و التفاعل الحاصل بين كل تلك المعطيات...هي التي تجعله يكتشف أو ينتج شيء جديد يسخره لخدمته...
فلماذا لم يقم السلك المعدني بتغيير النتيجة الحتمية لوجود في درجة حرارة معينة ستؤدي إلى انصهاره إذا ظل على ذلك الحال؟ لأنه مادة...و المادة لا تعقل ذاتها و لا تع شروط وجودها...و لا تملك من الحرية التي تميز بها الإنسان مثقال ذرة...فالوعي كخاصية من خصائص العقل هي التي ميزت الإنسان عن المادة و عن الحيوان...فالوعي ليس مجرد تفاعل كيميائي يحصل في القشرة الدماغية...ينتج عنه إفراز يسمى تفكير...فالحيوان يملك هو الآخر مخ و له قشرة دماغية تتم فيها تفاعلات بحسب حاجاته...و لا ترقى تلك التفاعلات لتنتج خطابا تؤرخ فيه لتاريخها و لمن سيأتي من بعدها من الأمم...كخبرة تقدمها لهم لكي يستفيدوا منها و يضيفوا إليها ما اكتشفوه من قوانين جديدة...

لأجل ذلك خاطب الله عز و جل الإنسان بصفة عامة عندما خاطب الرسول عليه أفضل صلوات الله و سلامه: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ{1} خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ{2} اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ{3} الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ{4} عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ{5}...

فالقلم الذي يمكن اعتباره امتداد للذاكرة التي اختزنت الخبرات و التجارب السابقة...بما لديه من وظيفة تدوين و تسجيل و كتابة تاريخ ...كانت الغاية من وجوده كأداة مادية...هي أن يتعلم الإنسان ما لم يعلم...حتى تتحسن ظروفه و شروط حياته...

فكل ما خلق الله عز وجل في الكون خلقه من أجل الإنسان...فما الغاية من وجود الإنسان؟

دمتم بخير و هدانا الله عز و جل جميعا لما هو حق...

سعيد نويضي
06/10/2007, 03:34 PM
تحية خالصة...

ندرك وجود "الوعي" بالأثر الذي يحيلنا على وجوده كواقع...
كل من "المادة" و " الوعي" لو جود مستقل عن الآخر من حيث الوجود...و الخلاق يبدأ عند البحث عن أوجه العلاقة بين "المادي" و "اللامادي"...
"المادة" هي الواقع الموضوعي المستقل عن "الوعي"...فهي تنتقل عبر الحواس إلى الدماغ لتشكل أحاسيس تتحول إلى أفكار و مفاهيم...
فالمادة موجودة و لا تحتاج للوعي في حقيقة وجودها...أما الوعي[من وجهة نظرك] لا يمكن وجوده من دون المادة...تقول: وهي موجودة، من دون "الوعي"، الذي لا يمكنه، أبدا، أن يُوْجَد من دون "المادة"، التي كانت ولم يكن من وعي.

كاستنتاج أولي أن الوعي هو نتاج المادة...و كأن شرط وجود الوعي هو وجود المادة...و بغيرها لا وجود للوعي...على أساس أن قوائم الوعي:هي وجود الدماغ البشري[و هذا شيء مادي] و العالم الخارجي المادي[و هذا كذلك شيء مادي] و المجتمع و هنا نجد المادي و اللامادي في علاقتهما المتبادلة[أي الجدلية] و ليس المتضادة...فالمادة بدون وعي لا تصلح لشيء و الوعي بدون مادة لا يصلح كذلك لشيء...و علاقة التفاعل بينهما هي التي تخلق الحياة كوجود فعلي...و تخلق الخبرة و هي تراكم كيفي و نوعي للمعلومات كعنصر من عناصر الوعي

وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ }الأنبياء30...
{وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }النحل78...

الشيء و خواصه لا ينفصلان...لأن الخواص هي عناصر وجود ذاك الشيء...خواصه هي التي تحدد وظيفته في الوجود...لكن ما الغاية من وجود تلك الخواص و عملها على تلك الشاكلة؟ أم أن هذا سؤال ليس علمي[بالمعنى التجريبي ألمختبري]...

تساءلت عن قوة الجذب...باعتبارها وظيفة من وظائف المادة...و لم تتساءل عن الغاية من الجذب؟ فلماذا ينجذب الحيوان الذكر إلى أنثاه؟ كما يفعل الإنسان مع فارق كبير جدا و هام...و هو الأول تحكمه الغريزة التي لا تأخذ جانب الوعي[الأخلاقي]...في حين أن الجذب لدى الإنسان يأخذ بعدا آخر...يتعالى على المادة بوصفها عملية ميكانيكية...كما هو الحال لدى المغناطيس و قوة الجذب للحديد...

يقول الرسول عليه أفضل الصلاة و التسليم:"بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"...

الدماغ البشري هو "مادة" ما من شك في ذلك...و لكنه ليس خاملة كما تقول يا أستاذ...لماذا لأن من خصائصه" التفاعل مع ما يحيط به" و التفاعل حركة مستمرة سريعة آو بطيئة في واقع سمي الزمكان...لأن المثال الذي شخصت به خواص المادة باعتبار أن المادة لا تعني شيئا بدون خواصها...المغناطيس[أو بالأحرى القدرة على الجذب] فالدماغ بدون خواصه لا يعني شيئا...و من جملة هذه الخواص"التفاعل"...و السبب ليس هو الروح...بل هي المادة أيضا...هو الماء يا أستاذ الذي يزود الروح التي لا يعلمه إلا الله عز و جل...لأنها من أمره أي من شؤونه...و ليس من شؤون خلقه...كما الحال في البحث في المادة و خواصها التي هي من شؤون و أمور و اهتمام هذا المخلوق المسمى"إنسان"...

فإذا عطشت فشربت الماء فارتويت...فذلك أن الجسد المادي لكي يستمر في الحياة يحتاج لهذه المادة التي تشبع أجهزة و خلايا هي في حاجة للماء...حتى تظل على قيد الحياة...

يا أستاذ جواد من قال لك بأن الروح هي قوة...و إن كانوا قالوا بأن الروح قوة...فأين دليلهم إن كانوا صادقين؟ يقول الحق جل و علا: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً }الإسراء85...

فلماذا لم يقل لهم الله عز و جل حين سألوا الرسول عليه الصلاة و السلام عن الروح أنها قوة أو شيء من هذا القبيل...و لكن كان قوله عز و جل:"... قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي..." فهي ليست قوة الدفع...بل هي من شؤون الله عز و جل و أموره التي لم يطلع عليها أحد...اللهم إن كان من بعض الأحاديث التي لا تعطي تعريفا بقدر ما تقدم أثرا أو استنتاجا...

العالم المادي يتكون لدى الإنسان عن طريق الحواس...و بما تنقله هذه الحواس...فمثال القمر الذي أوردت يا أستاذ يشكل صورة مادية تستقر في الذهن...في الدماغ البشري...كصورة يضيف إليها الوعي دلالة معينة...فالقمر أصلا موجود خارج الوعي...لكن المعنى الذي يحمله ذهني ليس من إنتاج القمر ذاته بل من إنتاج وعي بهذا الشيء...و هذا الإنتاج هو ما يسمى بالمعنى أو الدلالة التي يأخذها الشيء...و هذا المعنى من الخبرة المتراكمة...لذلك هناك من البشر من قال بأن هذا القمر هو إله...فالمعنى الذي يأخذه الشيء أو المادة...هو على نوعين...إما أن يطابق هذا الشيء معناه و إما أن يخالفه...فإن طابقه كان بجانب الحق و إن خالفه كان بجانب الباطل...فمن قال أن القمر إله كان قد سقط في الباطل...و من قال أنه نجم أو كوكب فقد جانب الحق و الصواب...فإذا كان مقياس المطابقة أو المخالفة هو الواقع...بكل ما يحمله هذا المصطلح من شمول...يذكرنا الله عز وجل في كتابه العظيم:

{وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ }الذاريات6...
{إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ }الطور7...
{إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ }المرسلات7...

تمثل الصورة في الذهن...يأتي من المشاهدة العينية... و هذه المشاهدة تختلف درجاتها حتى تكتمل الصورة في الذهن...فالرؤية بالعين المجردة لا تنقل لك تفاصيل"الشيء المشاهد" و إنما صورة تقريبية لهذا الشيء...فهناك صورتان...الأولى موجودة في الواقع المادي و الثانية موجودة في ذهن المشاهد...إما كحقيقة و إما كخيال أو وهم أو سراب...من هذا المنطلق نطرح سؤال من باب فضول المعرفة...هل الأطفال الذين يعيشون في قمم الجبال و لم يرو قط البحر؟ كيف تتشكل لهم صورة البحر؟ الغاية من السؤال هو مدى مطابقة الصورة لواقعها...فالبحر موجود لا شك فيه...فمن شاهده لا يحتاج إلى دليل على وجوده...و من لم يشاهده...قد يشكك أصلا في وجوده...و إن لم يشكك في وجوده تكون لديه صورة قد تقترب من الواقع و قد تبتعد بحسب قدرته على التخيل و تمثل الأشياء في ذهنه بناء على المعلومات التي تشكل مجمع خبراته و معارفه...

أما بالنسبة للأشياء التي لا ترى بالعين المجردة...فقد استقى الإنسان تطوير الرؤية الدقيقة أو ألمجهريه من تفاعله بما لديه من خبرة متراكمة مع الواقع المادي الموضوعي...فاستطاع اكتشاف آلات تزيد من قدرته على المشاهدة الدقيقة للمادة و خصائصها و تفاعلاتها و حركتها إلى غير ذلك...

بداية اكتشاف القوانين الموضوعية...كانت نتيجة ارتقاء تفاعل الإنسان مع هذا الواقع... و مقارنة صورة القمر بصورة تدفق الماء نتيجة وضع شيء مادي في إناء مملوء...فالمشاهدة الظاهرية للأشياء تمدنا "بوعي معين عن هذا الشيء" و مشاهدتنا المعمقة أو العميقة للشيء...أي تلك التي تتجاوز ما هو ظاهري لما هو باطني...تجعل الصورة في "وعينا" أكثر قربا من واقع الشيء...فرؤية آرخميدس كانت أكثر عمقا ...أي أنها تجاوزت ما هو ظاهري لما هو باطني...لذلك وصل إلى قانون مفاده: إذا غُمِر جسم في سائل فإنَّه يفقد من وزنه بقدر وزن السائل المُزاح. و هذا استنتاج لعملية لم يكن له دخل في إيجادها...و هذا الاستنتاج هو ظهور قانون كان خفي عن الوعي من حيث مطابقة صورة الوعي لواقع الشيء...

لذلك يقول الله عز وجل لمن يرى في الحياة الدنيا إلا الشكل الظاهري:
{يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ }الروم7...

فالمادة الموجودة في الواقع الخارجي عن الذهن...لها ظاهر و لها باطن...و انعكاسها في الذهن هو الآخر يأخذ هذين البعدين...الأول ظاهريا و الثاني باطنيا خفيا[أو نقل غيبيي بالمفهوم الواسع لهذه الكلمة] فالغيب بالمعنى القريب جدا للوعي هو كل ما خفي عن الأنظار...و يصبح في عالم الوعي عالم المعرفة عندما يتم انتقاله من عالم الغيب إلى عالم الشهادة...أي عالم المشاهدة إما بالعين المجردة كما الحال بالنسبة لطفل الجبال في معرفته بالبحر...أو بالعين المكرسكوبية أو التلسكوبية...و كلها امتدادات للبصر...

و مع ذلك يظل هناك تقصير في الإحاطة بالشيء...و عقبات لا يمكن تخطيها...كما تقول يا أستاذ...ممن حيث استحالة الرؤية في غياب الضوء الذي يصدر عن "الجسيم" كما أن الأداة لها تأثير على الجسيم ذاته في طبيعته و خواصه...

فالمرآة كمثل لانعكاس الأشياء لا تملك قدرة التفاعل التي يمتلكها الإنسان...لذلك فهي تعكس ما يدخل في نطاقها دون تجاوز الشكل الظاهري...في حين أن وعي الإنسان يتجاوز الشكل الظاهري لما هو باطني...

و دليلي على ذلك لو وضعت مجموعة من الكتب فوق مرآة...فإن تلك المرآة ستعكس شكل الكتب... و لن تعكس المضمون...و المثال الذي سأورده لا أريد أن يأخذك الخيال بعيدا أو تأوله على غير حقيقته...يقول الله عز وجل: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }الجمعة5...شَبَهُ اليهود الذين كُلِّفوا العمل بالتوراة ثم لم يعملوا بها, كشَبه الحمار الذي يحمل كتبًا لا يدري ما فيها, قَبُحَ مَثَلُ القوم الذين كذَّبوا بآيات الله, ولم ينتفعوا بها, والله لا يوفِّق القوم الظالمين الذين يتجاوزون حدوده, ويخرجون عن طاعته...

الوعي بالشيء هو معرفته...هو انتقاله من الواقع الموضوعي إلى الواقع الفكري في الذهن...على شكل صور تتجمع في منطقة معينة من الذهن تسمى "الذاكرة" أو "الحافظة "...و من خلال التفاعل الذي يتم بين هذه الأشياء المادية و صورها باعتبارها لا مادية...ينتج الوعي ...هذا الوعي كما قلت سابق قد يكون مطابق للواقع و قد يكون غير مطابق ...فلو استطاعت التفاعلات المنبثقة من الحواس مع المركز الذي هو المخ...أن تتجاوز ظاهر الأشياء إلى باطنها في تسلسل تدريجي...ينتقل من مرحلة إلى أخرى...يكون الوعي أقرب إلى واقع الشيء...أي إلى حقيقته و صدق تطابقه مع الواقع...أما إن اكتفى بالظاهر...فقد يكون وعيه مزيفا أو غير مطابق للواقع...كما هو الحال مع السراب...أي الماء الذي يبدو للظمآن في ظروف موضوعية معينة هي شدة الحرة و غياب الماء الواقعي...

يقول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ }النور39...

بيت القصيد هو السؤال الذي طرحته يا أستاذ... كيف يستخدم الإنسان وعيه في التفاعل المادي مع الطبيعة؟
في عالم المادة التفاعلات التي تتم بمعزل عن الوعي...لأن خواص المادة هي التي تتفاعل فيما بينها...و لا دخل للإنسان فيها إلا بقدر الحاجة التي يريد أن يصل إليها...السلك المعدني الذي ضربت به المثال لا يملك وعيا حتى يضع الطرف الآخر في ماء بارد حتى لا ينصر كلية...و لكن الإنسان بحكم الوعي الذي يملك و بحكم الغاية من التجربة التي يقوم بها...يستطيع أن يتحكم في ظروف التجربة...و يوجهها الوجه التي يأمل في تحقيق النتائج التي يرغب فيها...

مثال آخر الشمس مصدر من مصادر الطاقة...فهي تغدي الإنسان و النبات و الحيوان بالطاقة...و ي شيء مادي لا يقبل النقاش...لكن لا يستطيع الإنسان أن يزيد من حجم الطاقة الموجودة فيها و لا أن ينقص...لماذا؟ لأنها خصائص الشمس ذات قدرة لا تسمح للإنسان أن يغير منها و من قدرتها...بالرغم من أن الإنسان لديه من الخصائص ما يجعله يستفيد من هذه الطاقة...بتوجيهها وجهة معينة...و من مثل ذلك مسألة الألواح الشمسية لتخزين الطاقة...كذلك الريح...تمتلك من القوة ما تجعل الإنسان كورقة خريف بل تأتي على أشجار و منازل فتجعلها دمارا و خرابا...لكن الإنسان بالوعي الذي يمتلك يمكن أن يجعل من الريح مصدرا للطاقة...فيسخرها لحاجته في توليد الطاقة عن طريق تلك الروحيات الضخمة التي توضع في أمكنة لا يهدأ فيها الريح بشكل مستمر...لكن ليس بشكل عاصف...

لذلك فالوعي الذي امتلكه الإنسان...أي خبرة من سبقوه...و درجة استيعابه لتلك الخبرة و التفاعل الحاصل بين كل تلك المعطيات...هي التي تجعله يكتشف أو ينتج شيء جديد يسخره لخدمته...
فلماذا لم يقم السلك المعدني بتغيير النتيجة الحتمية لوجود في درجة حرارة معينة ستؤدي إلى انصهاره إذا ظل على ذلك الحال؟ لأنه مادة...و المادة لا تعقل ذاتها و لا تع شروط وجودها...و لا تملك من الحرية التي تميز بها الإنسان مثقال ذرة...فالوعي كخاصية من خصائص العقل هي التي ميزت الإنسان عن المادة و عن الحيوان...فالوعي ليس مجرد تفاعل كيميائي يحصل في القشرة الدماغية...ينتج عنه إفراز يسمى تفكير...فالحيوان يملك هو الآخر مخ و له قشرة دماغية تتم فيها تفاعلات بحسب حاجاته...و لا ترقى تلك التفاعلات لتنتج خطابا تؤرخ فيه لتاريخها و لمن سيأتي من بعدها من الأمم...كخبرة تقدمها لهم لكي يستفيدوا منها و يضيفوا إليها ما اكتشفوه من قوانين جديدة...

لأجل ذلك خاطب الله عز و جل الإنسان بصفة عامة عندما خاطب الرسول عليه أفضل صلوات الله و سلامه: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ{1} خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ{2} اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ{3} الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ{4} عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ{5}...

فالقلم الذي يمكن اعتباره امتداد للذاكرة التي اختزنت الخبرات و التجارب السابقة...بما لديه من وظيفة تدوين و تسجيل و كتابة تاريخ ...كانت الغاية من وجوده كأداة مادية...هي أن يتعلم الإنسان ما لم يعلم...حتى تتحسن ظروفه و شروط حياته...

فكل ما خلق الله عز وجل في الكون خلقه من أجل الإنسان...فما الغاية من وجود الإنسان؟

دمتم بخير و هدانا الله عز و جل جميعا لما هو حق...

احمد ادريس
06/10/2007, 05:42 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اذن استاذ سعيد على اساس ما ذكرت فمن الممكن القول ان الانسان بدماغه يربط المعلومات السابقة بالواقع بالدماغ عن طريق الحواس لينتج الفكر الذي هو اعلى من الاحساس فقط والذي يميز به الانسان (المفكر) عن الحيوان (صاحب الاحساس فقط)
ولكن هناك نقطة مهمة ركزت عليها مع الاخ جواد وهي مسالة المعلومات السابقة فلا يمكن للانسان ان ينتج فكرا بدون المعلومات السابقة وهي ما انكره الفكر الشيوعي والسبب في ذلك واضح وهو من هو صاحب اول معلومات سابقة اكتسبها الانسان؟؟؟ الجواب عندنا موجود في قوله تعالى ( وعلم ادم الاسماء كلها....)
وهذا ما اريد من الاستاذ ان يوضحه لي
كيف يمكن ان يفكر الانسان دون استخدام المعلومات السابقة؟؟؟؟؟؟

احمد ادريس
06/10/2007, 05:42 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اذن استاذ سعيد على اساس ما ذكرت فمن الممكن القول ان الانسان بدماغه يربط المعلومات السابقة بالواقع بالدماغ عن طريق الحواس لينتج الفكر الذي هو اعلى من الاحساس فقط والذي يميز به الانسان (المفكر) عن الحيوان (صاحب الاحساس فقط)
ولكن هناك نقطة مهمة ركزت عليها مع الاخ جواد وهي مسالة المعلومات السابقة فلا يمكن للانسان ان ينتج فكرا بدون المعلومات السابقة وهي ما انكره الفكر الشيوعي والسبب في ذلك واضح وهو من هو صاحب اول معلومات سابقة اكتسبها الانسان؟؟؟ الجواب عندنا موجود في قوله تعالى ( وعلم ادم الاسماء كلها....)
وهذا ما اريد من الاستاذ ان يوضحه لي
كيف يمكن ان يفكر الانسان دون استخدام المعلومات السابقة؟؟؟؟؟؟

جواد البشيتي
07/10/2007, 01:57 PM
أحمد أدريس
تحية
لعلَّ في الآتي ما يجعلكَ في طمأنينة فكرية.


الإنسان، في سعيه المعرفي، إنَّما يستهدف الوصول إلى "الحقيقة"، أي إلى فهم الأمور فهما يمْكن، عبر الممارسة والتجربة العملية، إقامة الدليل على صحَّته. وتوصُّلا إلى "الحقيقة" لا بدَّ من إنشاء وتطوير منهج، يتأكَّد، عبر الممارسة والتجربة العملية، أنَّ أخْذَنا به يُوْصلنا إلى "الحقيقة"، التي ليس من ميزان نزنها به سوى ميزان الممارسة والتجربة العملية.

وهذا المنهج هو ما تواضع الفلاسفة على تسميته "المنطق"، متوفِّرين على إنشاء وتطوير قواعد ومبادئ له. و"الفكر"، أو "التفكير"، ينبغي له أن يراعي، تلك القواعد والمبادئ، وأن يستمسك بها ويتقيَّد، إذا ما أراد صاحبه الوصول إلى "الحقيقة"، فمِنْ أين جاء "المنطق"، بقواعده ومبادئه، إلى رأس الإنسان؟ لم يجئ إلا من مَصْدَرٍ واحد هو "التجربة العملية (الممارسة)" للإنسان في سياق صراعه مع الطبيعة.

من التجربة العملية ليس إلا تَعلَّم الإنسان أمرا في منتهى الأهمية وهو أنه لا يمكنه فعل أي شيء، فثمَّة قوانين موضوعية مادية ينبغي للإنسان موافقة فكره معها إذا ما أراد لفعله النجاح.

إنَّ "النجاح" و"الفشل" في التجارب العملية للإنسان هما ما فرضا عليه أن يكون "منطقيا في تفكيره". "والمنطقية في التفكير" لم تنشأ لدى البشر إلا بصفة كونها "شرط بقاء".

الإنسان في صراعه مع الطبيعة من أجل البقاء خاض، عن اضطرار، "التجربة العملية"؛ ولكنه لم يخضها، وما كان في مقدوره أن يخوضها، إلا بالتعاون مع غيره، فـ "العمل الجماعي (الاجتماعي)" هو أداة وسلاح الإنسان في الصراع مع الطبيعة من أجل البقاء.

ومن خلال "العمل الجماعي"، و"التجارب العملية الجماعية"، اشتدت لدى البشر الحاجة إلى "اللغة". ومع نشوء "اللغة"، أصبح ممكنا أن تؤدِّي "التجربة العملية الجماعية" للبشر إلى جعلهم أشد احتياجا إلى إنشاء وتطوير قواعد ومبادئ للتفكير المنطقي.

إنَّ شيئا لم تره من قبل لن تتمكَّن أبدا من أن تُصَوِّره في ذهنك. "الصورة الذهنية، أو الفكرية، أو المثالية" قد تنشأ وتتكوَّن في دماغك إذا ما رأيت، أو بعد أن ترى، صورة ذاك الشيء، الشمسية أو الزيتية..

وصورته الذهنية الأقل تطابقا وتوافقا مع "الأصل" قد تُنْتَج في دماغك من خلال حاسَّتكَ السمعية، أي من خلال وصفٍ لذاك الشيء، يُنْقَل عبر سمعك إلى دماغك.

هناك منزل يختلف في هندسته وشكله وهيئته عن سائر المنازل التي عَرَفْت أو رأيْت. لقد ذهبْتَ إليه، فنَظَرْتَ إليه.

الآن، فحسب، نشأت وتكوَّنت صورته الذهنية في دماغك. أغْمِض عينيك، فهل تستطيع أن "ترى" صورته المثالية؟ أجل، تستطيع، ولو أنَّ ذاكرتكَ لا تقدر مهما كانت قوية أن تُضَمِّن الصورة المثالية كل التفاصيل التي رأيْتَها بعينيك.

الآن، لديك المنزل (أي الأصل المادي) وصورته الذهنية، فهل يشقُّ عليكَ الإقرار بحقيقة أنَّه قد كان موجودا قبل صورته الذهنية، وبأنَّ وجوده في خارج وعيكَ، ومستقلا عنه، هو الذي أنْتَجَ في دماغكَ، وعَبْر بصركَ، صورته الذهنية، التي في مقدوركَ أن تراها، أو أن ترى كثيرا من تفاصيلها، بذاكرتكَ عندما تُغْمِض عينيكَ؟![/B]
صورته الذهنية وُلِدَت في عقلكَ الآن؛ أمَّا أصلها، أي المنزل ذاته، فقد وُلِدَ قبل خمس سنوات مثلا. هذا المنزل، في خاصيته الفلسفية الجوهرية، وُجِدَ قبل صورته الذهنية، ويُوْجَد في خارج وعيكَ، ويُوْجَد مستقلا عن وعيكَ.

غِب عن هذا المنزل خمس سنوات مثلا، فهل تبقى صورته الذهنية على ما كانت عليه عند نشوئها وتكوِّنها في دماغكَ؟ كلا، لا تبقى، فالنسيان سيلتهم، في سنوات غيابكَ الخمس عنه، كثيرا من تفاصيلها.

إذا أردتَ إبقاء الصورة الذهنية بمنأى عن ممحاة النسيان فإنَّ عليكَ أن تبقي "الأصل"، أي المنزل ذاته، في متناول بصركَ، فالصورة الذهنية (المتأتية من حاسَّة البصر) يُمحى كثير من تفاصيلها إذا لم تُغَذَّ من خلال الاستمرار في رؤية أصلها المادي مباشَرةً.

المنزل في خلال سنوات غيابكَ الخمس عنه تغيَّر لأسباب لا شأن لكَ (أو لوعيك، أو لتلك الصورة الذهنية) بها.

عندما تعود لترى المنزل ترى أن الهوَّة بين "الأصل" و"الصورة الذهنية" قد اتَّسَعَت كثيرا، ولا بد للمنزل المتغيِّر من أن يُوَلِّد في دماغكَ صورة ذهنية جديدة، يَظْهَر فيها التغيير الذي اعترى المنزل في خلال غيابكَ عنه.

هذا التغيير الذي لا شأن لكَ به إنَّما يؤكِّد أنَّ المنزل يتغيَّر بمنأى عنكَ، وعن وعيكَ، وعن صورته الذهنية في دماغكَ.

تلك الصورة الذهنية إنَّما هي "صورة حسِّيَة"، تشبه "الصورة الشمسية". أمَّا "مفهوم" المنزل فهو "الصورة المنطقية (أو العقلية)" في دماغكَ. وقد نشأ وتكوَّن في دماغكَ إذ رأيْتَ منازل كثيرة مختلفة في هندستها وأشكالها وحجومها.. فعَثَرْتَ على ما تَشْتَرِك وتتماثل وتتشابه فيه من خواص وصفات.

في "مفهوم" المنزل، نرى "المنزل العام (المجرَّد)" الذي يكمن في كل المنازل الواقعية، والذي لا وجود له في الواقع العياني.

المنزل اختلف وتغيَّر مع اختلاف وتغيُّر الأمكنة والأزمنة.. ثمَّ اشتدت الحاجة إلى تطوير مفهومه، أي صورته الذهنية المنطقية، فالمنزل قبل مئات السنين يختلف، مفهوما، عن المنزل في القرن الحادي والعشرين. "الأصل المادي الواقعي" يتغيَّر أوَّلاً، ثم تتغيَّر صورته الفكرية بما يتَّفِق مع التغيير الذي اعترى الأصل المادي.[/B]

"المادة"، في "صورتها الدماغية"، أي في دماغ الإنسان الحي والاجتماعي، تملك "القدرة على التفكير"، فـ "التفكير" إنَّما هو خاصية جزء ضئيل من المادة.. خاصية المادة الأكثر تطوُّرا، وهي الدماغ البشري، ففي هذا الدماغ امتلكت المادة خاصية "القدرة على التفكير".

المادة التي يؤثِّر فيها الإنسان، ويتأثَّر، هي وحدها مَصْدَر أحاسيسه، التي منها يبتني الأفكار والمفاهيم.. فكلَّما اتَّسَعت وتنوَّعت واغتنت أحاسيسه، أي كلَّما اتَّسَع مَصْدَرها المادي ذاك، اتَّسَع وتنوَّع واغتنى مخزونه الفكري.

بالعمل، وفي العمل، يَتَّسِع في استمرار المَصْدَر المادي لأحاسيس الإنسان، التي شرعت تنمو مع خروجه، بالعمل، من الحيوانية.

والعمل ليس من خواص الإنسان "الفَرْد"، وإنَّما من خواص الإنسان "الاجتماعي"، ففي الجماعة البشرية، وبها، يعمل الإنسان "الفَرْد".. أي أنَّ عمله يجب أن يكون جزءاً من كل.

والجماعة البشرية، بعملها ولغتها، هي وحدها البيئة التي فيها تنشأ وتنمو إنسانية الإنسان، فالانفصال عن هذه البيئة إنَّما هو اتِّحاد للإنسان "الفَرْد" ببيئة لا تنمو فيها سوى حيوانية الإنسان.

العمل، بصفته جهدا مشتَركا، اتَّسَع وتنوَّع، واشتدت الحاجة، بالتالي، إلى أن يقتسم الأفراد مهمَّاته المختلفة. وتلبية لهذه الحاجة جاءت "اللغة"، نشوءا وتطوُّرا. "العمل البدني"، في ظروفه المادية الموضوعية الاجتماعية التاريخية تلك هو الذي شدَّد الحاجة إلى "اللغة"، التي مع نشوئها وتطوُّرها، نشأ وتطوَّر "العمل الفكري"، فالإنسان إنَّما يفكِّر بـ "الكلمات".

العمل، موضوعا ومهمَّات، يحتاج إلى "الوصف"، و"الشرح"، أي يحتاج إلى "اللغة"، فـ "العمل" أوَّلا، ثم "اللغة"، ثم "التفكير المنطقي".

وهذه الأشياء الثلاثة إنَّما هي قوام "الأنسنة".. أنسنة الجماعة البشرية، أو المجتمع الإنساني، لحيوانية الإنسان "الفَرْد"، بدءا من ولادته. العمل، بصفته نشاطا اجتماعيا مُذْ بدأ، هو الذي أنشأ (وطوَّر) اللغة والفكر.

نَعْلَم أنَّ "الفكرة" تُوْلَد في الدماغ قبل أن يُعَبِّر عنها الإنسان في كلامه. ولكن، ليس من فكرة يمكن أن تُوْلَد في دماغ الإنسان "عارية من اللغة (من الكلمات والألفاظ والجُمَل)"، فالفكرة العارية من الكلمات إنَّما تشبه لجهة استحالتها الروح بلا جسد.

]"الكلمة" إنَّما هي "الظَرْف (المغلَّف، الوعاء) المادي" الذي فيه فحسب تستقر الفكرة وتقيم، على أن نفهم هذه العلاقة على أنَّها اتِّحاد لا انفصام فيه بين "الفكرة" و"الكلمة"، فكل "كلمة" تنطوي حتما على "فكرة"، وليس من "فكرة" لا ترتدي جِلْدها وهو "الكلمة".

إنَّ المادة (الأشياء، الواقع الموضوعي) تؤثِّر في حواسِّنا، فتثير فينا "الأحاسيس" المختلفة. وفي "اللغة (الكلمات والألفاظ والجُمَل.. )"، يصبح ممكنا أن تُثار فينا أحاسيس من تلك التي تُثيرها فينا الأشياء.

إنَّ أحاسيس جديدة تتولَّد فيكَ عندما ترى حيوانا مفتَرِسا يوشك أن يهاجمك. قد يدفعكَ خوفكَ (الذي يَظْهَر ويتأكَّد وجودا عَبْر تغييرات مادية معيَّنة في جسمك) إلى الهروب، أو إلى الاختباء، أو إلى تهيئة السلاح الذي لديك للاستخدام.

ولكن، تصوَّر أنَّك في حال لا تسمح لكَ برؤية ذلك الحيوان المفتَرِس، وأنَّ أحدهم رآه وهو يوشك أن يهاجمكَ، وأنَّكَ سمعته يقول لك :"إنَّ حيوانا مفتَرِسا يوشك أن يهاجمكَ". عندئذٍ، تتولَّد فيك الأحاسيس ذاتها مع ما تدفعكَ إليه من أعمال.[B]والطفل لا يتعلَّم الكلمة، ويفهم معناها، إلا عبر تجربته الحسِّية، فأنتَ تريه القط، أو صورته، غير مرَّة، قبل، ومن أجل، أن يتعلَّم كلمة "قط"، ويفهم معناها، ويستعملها من ثمَّ، ففي كلمة "قط" تكمن "فكرة القط". وفي غياب القط، يصبح ممكنا أن يستعمل الطفل كلمة "القط"، مع "فكرة القط" الكامنة فيها.

[B]ولا شك في أنَّ معنى الكلمة، أي الفكرة الكامنة فيها، يختلف عُمْقا واتِّساعاً وعِلْمِيَّةً باختلاف معارف البشر وخبراتهم وتجاربهم، فعالِم الفلك يرى القمر بعين مختلفة (اجتماعيا) عن عينكَ، فـ "المفهوم" يُرينا ما لا تُرينا إيَّاه العين، وهو الذي به "نُثَقِّف" حواسنا.

وثمة كلمات تُصَوِّر معانيها أشياء وجودها ليس كوجود القط مثل كلمة "الأمومة". إنَّ تعلُّم تلك الكلمة، وفهم معناها، يحتاجان إلى تجربة حسِّيَة، يرى من خلالها المتعلِّم، وغير مرَّة، الأمومة في واقعها المباشِر.

الإنسان، في حياته، إنَّما هو "جنين"، يَخْرُج من "رَحْمٍ" ليَسْتَقِر وينمو في "رَحْمٍ آخر". هو، أوَّلاً، "جنين تكوَّن ونما في رَحْم أُمِّه"، ثمَّ خَرَج منه. وهو، من ثمَّ، جنين لَمْ يَخْرُج من رَحْم أُمِّه إلا ليَسْتَقِرَّ وينمو في "رَحْمٍ آخر"، هو "رَحْم المجتمع". في رَحْم أُمِّه، كان هذا الجنين يَحْصَل على "الغذاء"، من أُمِّه، عَبْر "الحَبْل السُرِّي". وفي "الرَحْم الجديد"، أي "رَحْم المجتمع"، يَحْصَل هذا "الجنين الجديد"، أي الطفل الذي وُلِد، على "الغذاء الاجتماعي (من لغة، وفكر، وثقافة، وعواطف، .. إلخ)" عَبْر "حَبْلٍ سُرِّيٍّ جديد"، هو "التربية (في مفهومها الواسع)". "خَلْقُه الأوَّل" إنَّما هو "خَلْقُه الطبيعي"، أي تكوُّنه ونموُّه في "رَحْم أُمِّه". و"خَلْقُه الثاني" إنَّما هو "خَلْقُه الاجتماعي ـ التاريخي"، أي تكوُّنه ونموُّه في "رَحْم المجتمع". إنَّه يأتي إلى "رَحْم المجتمع" كـ "سائِلٍ لا شكل له إلا شكل الإناء الذي يُوْضَع، أو يُسْكَب، فيه". إنَّه يُوْضَع في "قالبين": "القالب الاجتماعي العام"، و"القالب الاجتماعي الخاص"، فهو ابن المجتمع في وجه عام، وابن مجتمعه الخاص، في الوقت نفسه. وهذا "السائِل"، وبَعْد أن يصبح له شكل الإناء الذي سُكِبَ فيه، يمْكنه أن يشرع يحاوِل تغيير شكله من خلال تغيير شكل الإناء الذي سُكِب فيه، أي أنَّ الإنسان ما أن يتلقى تربية معيَّنة رغما عنه (في مرحلة الطفولة من عمره) حتى يشرع يحاوِل (عَبْر تجربته الحياتية المستقلة) إعادة تربية نفسه؛ ولكنَّه لن يتمكَّن أبدا من أن يعيد تربية نفسه إلا بما يسمح له به المجتمع في مرحلة معيَّنة من تطوُّره التاريخي.[/size]

سعيد نويضي
07/10/2007, 03:06 PM
بسم الله الرحمن الرحيم...

تحية خالصة للأساتذة...

قرأت ما كتبت يا أستاذ...و هذه كلمتي...
بداية الصراع مع الطبيعة،ليس صراعا من أجل البقاء،بل صراع من أجل تحسين شروط و ظروف الحياة...فلو قلنا أن الإنسان يصارع من أجل البقاء...فإن نجح بالمنطق الذي يعتمده "مفهوم البقاء" لما توفى و حل محله شخص آخر...فالصراع من اجل تحسين ظروف و شروط الحياة...و لو كان الفشل هو الفناء لما استمرت القبائل التي تعيش حالة من البذاءة[مقابل الحضارة،لأن الحضارة هي في مجملها تحسين لشروط و ظروف الحياة] و ستظل تلك القبائل تنتج منطقها البسيط الذي يأخذ بالنجاح و الفشل كما هو المعروف بمنطق الخطأ و الصواب الذي يتعلم منه الطفل...كيفية تحسين طرق تفكيره...

و الإنسان أصلا ما وجد قط فردا، و الواقع الحالي يثبت أن الإنسان وجد داخل قبيلة أو عشيرة يقل أو يكثر عدد أفرادها...فلو أن الإنسان كان نتاج الطبيعة كما يدعي البعض لانقرض كما انقرضت بعض المخلوقات و لم يعد لها أثر، سوى بعض الآثار التي تدل على وجودها و مرورها بهذه الأرض أو تلك...و المتاحف التاريخية مليئة بأشكال تؤكد صحة الادعاء...أما الإنسان فلا زال كما يسمى في بعض الدراسات "العلمية" على حالته البدائية و لا زالت المدنية لم تحدث فيه التغيير المنشود...

"فمنطقية التفكير" لم تنشأ من اجل الحفاظ على البقاء بل من أجل تحسين شروط و ظروف البقاء...فمصطلح "البقاء" يعني ضمنيا أن الشيء غير قابل للفناء...لكن أين هم من سبقونا في حلبة هذا الصراع...لقد ماتوا و لم يعد لهم بقاء سوى علما تركوه أو عملا صالحا يستفيد منه من أتوا من بعدهم أو نسلا من ذريتهم...فأين يكمن البقاء؟ فالصراع مع الطبيعة ليس من أجل البقاء...بل يأخذ اتجاهين: اتجاه لفهم قوانين الطبيعة و السيطرة عليها...و اتجاه آخر يسعى لتحقيق تغيير من أجل ظروف و شروط أحسن للعيش من خلال تسخير ما وصل إليه الاتجاه الأول...

لذلك فالمنطق لم يدخل إلى رأس الإنسان...بل ولد معه كخاصية من الخصائص التي ولد الإنسان مزودا بها في شفرته الجينية...كما يولد " الكتكوت" مزود بخاصية نقره في الأرض بحثا عن الطعام...فالمادة الأولية للمنطق التي هي القدرة على التفكير من جهة التحليل و المقارنة و المشابهة و التمييز و القياس هي التي تتطور و تتغير في علاقتها بالممارسة و بالتجربة...فالتفاعل الذي يحصل بين العقل بصفة عامة بأدواته في احتكاكه بالعالم الخارجي هو الذي يجعله يرتقي في تحسين ظروف عيشه و شروط حياته الفكرية و الخلقية و الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و بصفة عامة في شروطه الحضارية...

حقيقة لا يمكن التفكير خارج نطاق اللغة...لأن اللغة هي المعبر الحقيقي عن المنطق الذي يدير عملية التفكير و ما يختزنه الدماغ من أفكار و أحاسيس...و من تم لا يمكن أن تفهم فكر متحدث آخر إلا إذا امتلكت لغته...و بمعرفة لغته تصله إلى إدراك منطقه و تفكيره...و التنشئة الاجتماعية هي المغذي للغة و لكنها ليست هي المنشئة للمنطق...لأن المنطق هو خاصية زودها خالق المخلوقات كل بحسب نوعه و جنسه...و لكم في قصة سليمان عليه السلام أنواع كثيرة من المنطق...ذكر منها الله عز و جل حوار الهدهد...و حوار النملة مع من .وده خالق المخلوقات بقدرة تجاوزت مع معروف لدى العامة من الناس...

دمتم بخير و في رعاية الله عز و جل...

احمد ادريس
08/10/2007, 05:12 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
لازلت استاذ جواد تكرر كلمة انعكاس ولو بشكل اقل يبدو اني لم اقنعك 100% بخطا استخدام هذا اللفظ، فتعريف التفكير بانه انعكاس الواقع على الدماغ خطا من وجهين:

الأول: إنه لا يوجد انعكاس بين المادة والدماغ، فلا الدماغ ينعكس على المادة، ولا المادة تنعكس على الدماغ. لأن الانعكاس هو ارتداد المادة المنعكسة عما انعكست عليه، فالانعكاس في الضوء مثلاً هو ارتداد الضوء إلى الخلف. فإذا جاءت أشعة الشمس على الجدار اصطدمت به وارتدت عنه، فهذا الارتداد هو الانعكاس. وإذا جاء الضوء إلى المرآة وارتد عنها، فهذا الارتداد هو الانعكاس، فالانعكاس هو ارتداد المادة أو الطاقة عن الجسم. وهذا غير موجود لا في الدماغ ولا في الواقع المادي. فالدماغ لا يصطدم بالواقع ويرتد عنه، وكذلك الواقع لا يصطدم بالدماغ ويرتد عنه فلا يوجد انعكاس بين المادة والدماغ مطلقاً. وعليه فإن الفكر ليس انعكاس المادة على الدماغ لأن الانعكاس بينهما ليس موجوداً، ولا يوجد، بل لا يتأتى وجوده. فلا يتأتى أن يحصل انعكاس من الواقع المادي على الدماغ ولا بحال من الأحوال. والمادة حين تنتقل إلى الدماغ لا تنعكس عليه انعكاساً وإنما تنتقل إليه بواسطة الحواس، فينتقل الإحساس بالمادة إلى الدماغ بواسطة الحواس فيحصل حينئذ إحساس بها، ونقل الإحساس بالمادة إلى الدماغ ليس انعكاساً بالمادة على الدماغ، ولا انعكاساً للدماغ على المادة، وإنما هو حس بالمادة. ولا فرق في ذلك بين العين وغيرها من الحواس. فيحصل من اللمس والشم والذوق والسمع إحساس كما يحصل من الإبصار. إذن فالذي يقع إنما هو إحساس بالأشياء وليس انعكاس الأشياء على الدماغ وإنما هو حس بالأشياء. فالإنسان يحس بالأشياء بواسطة حواسه الخمس، ولا تنعكس على دماغه الأشياء.
وأما ما يحصل في العين من الإبصار فإنه كذلك ليس انعكاساً وإنما هو انكسار، فإن الضوء ينكسر في العين، وتستقر صورة المادة على الشبكية ولا ترتد إلى الخارج، فالذي حصل انكسار وليس انعكاساً، وفرق بين الانعكاس والانكسار. فالانعكاس ارتداد الصورة إلى الخارج، والانكسار استقرار الصورة في الداخل. فالصورة التي تظهر في المرآة هي عملية انعكاس، وهي إنما تظهر حين ينعكس عليها الضوء، فتستقر الصورة، وحين لا يكون ضوء لا تظهر، فالانعكاس في هذه العملية هو للضوء على جسم غير قابل لاختراق الضوء إليه، ولذلك لا تظهر الصورة إذا لم ينعكس الضوء. فالوضع في هذه الحالة انعكاس للضوء وليس للصورة، أما الصورة فتستقر، ولذلك حين تظهر صورة الشخص أو المادة في عين آخر تظهر من انعكاس الضوء ولذلك لا تظهر في الظلام، وهذا أيضاً ليس انعكاساً للشخص أو المادة وإنما هو انعكاس للضوء. وفوق ذلك فإنه لا يحصل منه إبصار. ومن ذلك يتبين أن الصورة التي تظهر في المرآة، والصورة التي تظهر في عين شخص آخر هي عملية انعكاس وليست عملية انكسار، والانعكاس في هذه العملية هو للضوء على جسم غير قابل لاختراق الضوء له، وليس للصورة. وأما الإبصار فإنه ليس من هذا القبيل، فليس هو انعكاساً، وإنما ينكسر الضوء الآتي من المادة في العين، فيوجد صورتها على الشبكية فيحصل حينئذ من هذا الانكسار إبصار. فيكون أيضاً ما يحصل من نقل الواقع بواسطة حسن الإبصار إلى الدماغ ليس انعكاساً وإنما هو انكسار، ولهذا كله فإن موضوع الانعكاس من حيث هو غير موجود في عملية الفكر، ولا يتأتى وجوده، فيكون تعريف الفكر في الديالكتيكية خطأ مخالفاً للواقع.

الثاني: إن الحس وحده لا يحصل منه فكر، بل الذي يحصل هو الحس فقط، أي الإحساس بالواقع ليس غير، وإحساس زائد إحساس زائد مليون إحساس، مهما تعدد نوع الإحساس إنما يحصل منه إحساس فقط ولا يحصل فكر مطلقاً، بل لا بد من وجود معلومات سابقة عند الإنسان يفسر بواسطتها الواقع الذي أحس به حتى يحصل فكر.

والان انتقل الى مناقشة كلام مهم جدا ذكرته في بداية حديثك وهو:


الإنسان، في سعيه المعرفي، إنَّما يستهدف الوصول إلى "الحقيقة"، أي إلى فهم الأمور فهما يمْكن، عبر الممارسة والتجربة العملية، إقامة الدليل على صحَّته. وتوصُّلا إلى "الحقيقة" لا بدَّ من إنشاء وتطوير منهج، يتأكَّد، عبر الممارسة والتجربة العملية، أنَّ أخْذَنا به يُوْصلنا إلى "الحقيقة"، التي ليس من ميزان نزنها به سوى ميزان الممارسة والتجربة العملية.

فيما ذكرت سابقا انتقالة بالموضوع من كون التفكير لا يعتمد على المعلومات السابقة الى ان المعلومات السابقة هي نتاج التجربة وهذا اقرار منك على وجود المعلومات السابقة كنعصر اساسي للتفكير. واصبح الاختلاف بيننا عن مصدر هذه المعلومات هل هو الخالق ام انها نتيجة لتجارب وبذلك اقول لك:

هناك عدة طرائق بالتفكير اهمها الطريقة العقلية وهي كما ذكرت سابقا ربط المعلومات السابقة بالواقع المحسوس عن طريق الحواس بواسطة الدماغ

هذه هي الطريقة العقلية، وهي وحدها طريقة التفكير، وما عداها مما يسمى طرق التفكير، كالطريقة العلمية، والطريقة المنطقية، إنْ هي إلا فرع لهذه الطريقة كالطريقة العلمية، أو أسلوب من أساليبها اقتضاها بحث الشيء، أو وسائل بحثه كما يسمى بالطريقة المنطقية، وليست طرقاً أساسية للتفكير، فطريقة التفكير واحدة لا تتعدد وهي الطريقة العقلية ليس غير.

إلا إنه يجب أن يفرق في تعريفها بين الآراء السابقة عن الشيء، وبين المعلومات السابقة عنه أو ما يتعلق به، فالمحتم في الطريقة العقلية ليس وجود رأي أو آراء سابقة عن الواقع، بل وجود معلومات سابقة عنه أو متعلقة به. ولذلك فإن المحتم الوجود هو المعلومات وليس الرأي. أما الرأي السابق عن الواقع، أو الآراء السابقة عنه، فلا يصح أن تكون موجودة، أي لا يصح أن تستعمل في العملية الفكرية، فالذي يستعمل هو المعلومات فقط مع الحيلولة دون وجود الرأي عند العملية ودون تدخله. فإن الرأي السابق إذا استعمل قد يسبب الخطأ في الإدراك، لأنه قد يتسلط على المعلومات فيفسرها تفسيراً خاطئاً فيقع الخطأ في الإدراك، ولذلك لا بد أن يلاحظ التفريق بين الرأي السابق وبين المعلومات، وأن تستعمل المعلومات فقط ويستبعد الرأي.
(الراي هو نتاج التجربة والمعلومة هي نتاج التفكير)

وإذا استعملت الطريقة العقلية على وجهها الصحيح من نقل الحس بالواقع بواسطة الحواس إلى الدماغ ووجود معلومات سابقة –لا آراء سابقة- يفسر بواسطتها أي بواسطة المعلومات مع استبعاد الآراء، يفسّر الواقع، وحينئذ يصدر الدماغ حكمه على هذا الواقع، إذا استعملت هذه الطريقة على وجهها الصحيح فإنها تعطي نتائج صحيحة، إلا أن النتيجة التي يصل إليها الباحث على الطريقة العقلية ينظر فيها، فإن كانت هذه النتيجة هي الحكم على وجود الشيء فهي قطعية لا يمكن أن يتسرب الخطأ إليها مطلقاً ولا بحال من الأحوال، وذلك لأن هذا الحكم جاء عن طريق الإحساس بالواقع، والحس لا يمكن أن يخطئ بوجود الواقع.
إذ إن إحساس الحواس بوجود الواقع قطعي، فالحكم الذي يصدره العقل عن وجود الواقع في هذه الطريقة قطعي. أما إن كانت النتيجة هي الحكم على حقيقة الشيء أو صفته فإنها تكون نتيجة ظنية، فيها قابلية الخطأ. لأن هذا الحكم جاء عن طريق المعلومات، أو تحليلات الواقع المحسوس مع المعلومات، وهذه يمكن أن يتسرب إليها الخطأ، ولكن تبقى فكراً صائباً حتى يتبين خطؤها، وحينئذ فقط، يُحكم عليها بالخطأ، وقبل ذلك تبقى نتيجة صائبة وفكراً صحيحاً. ولهذا فإن الأفكار التي يتوصل إليها العقل بطريقة التفكير العقلية، إن كانت مما يتعلق بوجود الشيء كالعقائد فإنها أفكار قطعية، وإن كانت مما يتعلق بالحكم على حقيقة الشيء أو صفته كالأحكام الشرعية فإنها أفكار ظنية، أي غلب على الظن أن الشيء الفلاني حكمه كذا، والأمر الفلاني حكمه كذا. فهي صواب يحتمل الخطأ، ولكنه يبقى صواباً حتى يتبين خطؤه.

والطريقة العقلية سواء عرفت تعريفاً صحيحاً أم لم تعرّف هي الطريقة التي يجري عليها الإنسان من حيث هو إنسان في تفكيره وحكمه على الأشياء وإدراكه لحقيقتها وصفاتها. ولكن الغرب، نعني أروبا ثم أمريكا ولحقتها روسيا، قد أوجد في أروبا الانقلاب الصناعي ونجح في العلوم التجريبية نجاحاً منقطع النظير، وامتد سلطانه منذ القرن التاسع عشر حتى الآن، حتى شمل نفوذه جميع العالم، فسمى أسلوب البحث في العلوم التجريبية طريقة علمية في التفكير فكان ما يسمى بالطريقة العلمية، وصار ينادي بها أن تكون طريقة التفكير، وجعلها أساساً للتفكير، وقد أخذها علماء الشيوعية، وساروا عليها في غير العلوم التجريبية، كما ساروا عليها في العلوم التجريبية. وكذلك ظل علماء أروبا يسيرون عليها في العلوم التجريبية، وسار على نهجهم علماء أمريكا، وقلدهم فيها سائر أبناء العالم من جرّاء سيطرة ونفوذ الغرب ثم نفوذ الاتحاد السوفيتي. فطغت على الناس بشكل عام هذه الطريقة، فكان من جرّاء ذلك أن وجدت في المجتمع في العالم الإسلامي كله قداسة للأفكار العلمية وللطريقة العلمية. ولذلك كان لا بد من بيان هذه الطريقة العلمية.


الطريقة العلمية هي منهج معين في البحث، يسلك للوصول إلى معرفة حقيقة الشيء الذي يبحث عنه، عن طريق إجراء تجارب على الشيء، ولا تكون إلا في بحث المواد المحسوسة، ولا يتأتى وجودها في الأفكار، فهي خاصة بالعلوم التجريبية، وهي تكون بإخضاع المادة لظروف وعوامل غير ظروفها وعواملها الأصلية، وملاحظة المادة والظروف والعوامل الأصلية، والتي خضعت لها، ثم تستنتج من هذه العملية على المادة حقيقة مادية ملموسة، كما هي الحال في المختبرات.

وتفرض هذه الطريقة التخلي عن جميع المعلومات السابقة عن الشيء الذي يبحث وعدم وجودها، ثم تبدأ بملاحظة المادة وتجربتها، لأنها تقتضيك إذا أردت بحثاً، أن تمحو من نفسك كل رأي وكل إيمان سابق لك في هذا البحث، وأن تبدأ بالملاحظة والتجربة، ثم بالموازنة والترتيب، ثم بالاستنباط القائم على هذه المقدمات العلمية، فإذا وصلت إلى نتيجة من ذلك كانت نتيجة علمية خاضعة بطبيعة الحال للبحث والتمحيص ولكنها تظل علمية ما لم يثبت البحث العلمي تسرّب الخطأ إلى ناحية من نواحيها. فالنتيجة التي يصل إليها الباحث على الطريقة العلمية هي مع تسميتها حقيقة علمية أو قانوناً علمياً، فإنها ليست قطعية وإنما هي ظنية فيها قابلية الخطأ، وقابلية الخطأ هذه في الطريقة العلمية أساس من الأسس التي يجب أن تلاحظ فيها حسب ما هو مقرر في البحث العلمي.

هذه هي الطريقة العلمية، ومن بحثها يتبين أنها صحيحة وليست خطأ، وتسميتها طريقة ليس خطأ، لأنها منهج معين دائم في البحث، والطريقة هي الكيفية التي لا تتغير، ولكن الخطأ هو جعلها أساساً للتفكير، لأن جعلها أساساً لا يتأتى. إذ هي ليست أصلاً يبنى عليها، وإنما هي فرع بُني على أصل، ولأن جعلها أساساً يخرج أكثر المعارف والحقائق عن البحث، ويؤدي إلى الحكم على عدم وجود كثير من المعارف التي تدرس والتي تتضمن حقائق، مع أنها موجودة بالفعل وملموسة بالحس والواقع.

فالطريقة العلمية طريقة صحيحة، ولكنها ليست أساساً في التفكير، بل هي أسلوب دائم من أساليب التفكير، وهي تطبق على كل أمر وإنما تطبق في أمر واحد هو المادة المحسوسة لمعرفة حقيقتها عن طريق إجراء تجارب عليها، ولا تكون إلا في بحث المواد المحسوسة، فهي خاصة بالعلوم التجريبية ولا تستعمل في غيرها.

احمد ادريس
08/10/2007, 05:18 AM
أما كونها ليست أساساً فظاهر من وجهين: الأول أنه لا يمكن السير بها إلا بوجود معلومات سابقة ولو معلومات أولية، لأنه لا يمكن التفكير إلا بوجود معلومات سابقة، فعالم الكيمياء وعالم الفيزياء، والعالم في المختبر، لا يمكن أن يسير في الطريقة العلمية لحظة واحدة إلا أن تكون لديه معلومات سابقة. وأما قولهم إن الطريقة العلمية تفرض التخلي عن المعلومات السابقة فإنما يريدون به التخلي عن الآراء السابقة لا عن المعلومات السابقة (أي نتائج التجارب السابقة)، أي أن الطريقة العلمية تقتضي الباحث إذا أراد البحث أن يمحو من نفسه كل رأي وكل إيمان سابق له في هذا البحث، وأن يبدأ بالملاحظة والتجربة ثم بالموازنة والترتيب ثم بالاستنباط القائم على هذه المقدمات العلمية. فهي وإن كانت عبارة عن ملاحظة وتجربة واستنباط، ولكن لا بد فيها من وجود معلومات، وهذه المعلومات تكون قد جاءت عن غير الملاحظة والتجربة، أي عن طريق نقل الواقع بواسطة الحواس، لأن المعلومات الأولية، لأول بحث علمي لا يمكن أن تكون معلومات تجريبية لأن ذلك لم يحصل بعد، فلا بد أن تكون عن طريق نقل الواقع بواسطة الحس إلى الدماغ، أي لا بد أن تكون المعلومات قد جاءت من طريق الطريقة العقلية، ولذلك لا تكون الطريقة العلمية أساساً، بل تكون الطريقة العقلية هي الأساس، والطريقة العلمية مبنية على هذا الأساس، فتكون فرعاً من فروعه لا أصلاً له. ولهذا فإن من الخطأ جعل الطريقة العلمية أساساً للتفكير.
الوجه الثاني أن الطريقة العلمية تقضي بأن كل ما لا يلمس مادياً لا وجود له في نظر الطريقة العلمية، وإذن لا وجود للمنطق، ولا للتاريخ، ولا للفقه، ولا للسياسة، ولا غير ذلك من المعارف، لأنها لا تلمس باليد، ولا تخضع للتجربة، ولا وجود لله، ولا للملائكة، ولا للشياطين، ولا غير ذلك من الموجودات، لأن ذلك لم يثبت علمياً، أي لم يثبت عن طريق ملاحظة المادة وتجربتها والاستناج المادي للأشياء. وهذا هو الخطأ الفاحش، لأن العلوم الطبيعية فرع من فروع المعرفة، وفكر من الأفكار، وباقي معارف الحياة كثيرة، وهي لم تثبت بالطريقة العلمية، بل تثبت بالطريقة العقلية، ووجود الله والتريخ والسياسة ثبت بالطريقة العقلية بشكل قاطع، ووجود الملائكة والشياطين ثبت بنص قطعي الثبوت قطعي الدلالة (القرآن)، ثبتت قطعيته وقطعية دلالته بالطريقة العقلية (وجود القران والانبياء جاء نتيجة لايصال الخالق للمخلوق سبب وجوده في الحياة وما هو مطلوب منه). ولذلك لا يجوز أن تتخذ الطريقة العلمية أساساً للتفكير، وعجزها وقصورها عن إمكانية إثبات شيء موجود بشكل قاطع دليل قاطع (ليس بالضرورة ان يكون الله فقط هو المقصود بالقطعية لان الله مختلفين نحن في ايجاده) على أنها ليست أساساً للتفكير.

وفوق ذلك فإن قابلية الخطأ في الطريقة العلمية أساس من الأسس التي يجب أن تلاحظ فيها حسب ما هو مقرر في البحث العلمي. وقد حصل الخطأ في نتائجها بالفعل، وظهر ذلك في كثير من المعارف العلمية التي تبين فسادها بعد أن كان يطلق عليها حقائق علمية، فمثلاً الذرة، كان يقال عنها إنها أصغر جزء من المادة ولا تنقسم فظهر خطأ ذلك وتبين بالطريقة العلمية نفسها أنها تنقسم. وهكذا كثير مما كان يسمى بالحقائق العلمية والقانون العلمي، قد ظهر بالطريقة العلمية خطأ ذلك. وتبين بالطريقة العلمية نفسها أنها ليست حقائق علمية وليست قانوناً علمياً، ولذلك فإن الطريقة العلمية طريقة ظنية وليست قطعية، وهي توجد نتيجة ظنية عن وجود الشيء، وعن صفته، وعن حقيقته. ولذلك لا يجوز أن تتخذ الطريقة العلمية أساساً في التفكير. ولكنها على كل حال طريقة صحيحة في التفكير، وهي طريقة للتفكير، ولكنها تصلح في العلوم التجريبية وحدها، أي تصلح فيما يمكن أن تجري فيها الملاحظة والتجربة ثم الموازنة والترتيب. وما لا يمكن أن يجري فيه ذلك لا تصلح مطلقاً، فهي خاصة بالعلوم التجريبية ليس غير.

على أن الطريقة العلمية وإن كان يمكن أن يستنبط بها أفكار ولكنها لا ينشأ بها وحدها فكر. فهي لا تستطيع أن تنشئ إنشاءً جديداً أي فكر (اعود واقول ان الفكر يختلف عن الراي فنتيجة التجربة رايا وليس فكرا). كما هي الحال في الطريقة العقلية، وإنما هي تستنبط استنباطاً أفكاراً جديدة، ولكنها أفكار مستنبطة، لا أفكاراً منشأة إنشاءً جديداً.
فإن الأفكار المنشأة جديداً هي الأفكار التي أخذها العقل رأساً، فمعرفة وجود الله، ومعرفة أن التفكير بالقوم أعلى من التفكير الشخصي بذات الشخص، وأن الخشب يحترق، وأن الزيت يطفو على وجه الماء، وأن تفكير الفرد أقوى من تفكير الجماعة، كل ذلك أفكار أخذها العقل مباشرة. وهذا بخلاف الأفكار غير المنشأة إنشاءً جديداً. وهي الأفكار المستنتجة على الطريقة العلمية فإنها لم يأخذها العقل رأساً، وإنما أخذها من عدة أفكار أخذها العقل سابقاً إلى جانب التجارب، فمعرفة أن الماء مكون من أكسجين وأيدروجين، ومعرفة أن الذرة تنقسم، هذه الأفكار لم يأخذها العقل رأساً ولم تنشأ إنشاءً جديداً، وإنما أخذت من أفكار سبق للعقل أن أخذها. ثم أجريت التجارب إلى جانب هذه الأفكار، ثم جرى استنتاج الفكر، فهو ليس إنشاءً جديداً بل هو مستنتج من أفكار موجودة وتجربة. لذلك لا تعتبر إنشاءً جديداً، بل تعتبر أفكاراً مأخوذة من أفكار وتجربة. فالطريقة العلمية تستنبط فكراً، ولكنها لا تستطيع إنشاء فكر.

ولذلك كان من الطبيعي، ومن المحتم، أن لا تكون هي أساساً للتفكير، إلا أن الغرب أي أروبا وأمريكا، وتلحق بهم روسيا، قد بلغت عندهم الثقة بالطريقة العلمية إلى حد التقديس أو ما يقرب من التقديس لا سيما في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، إلى حد أن أصبح منحرف التفكير، ضالاً عن الصراط المستقيم، لأنه جعل طريقته في التفكير الطريقة العلمية، وجعلها وحدها أساس التفكير، وحكمها في جميع الأشياء، فصار يرى أن البحث الصحيح هو الذي يجري على الطريقة العلمية، وتجاوز ذلك إلى حد أن صار بعضهم يبحث فعلاً أموراً لا علاقة للطريقة العلمية بها، كالأفكار المتعلقة بالحياة والمجتمع، على نهج الطريقة العلمية وتقليداً لها، وصار يبحث بعض المعارف المتعلقة بالإنسان وبالمجتمع وبالناس بحثاً عقلياً، ولكن على أسلوب الطريقة العلمية، ويطلق على هذه المعارف اسم العلم، وهذا من جراء تعميمه للطريقة العلمية وتقديره لها، وجعلها أساساً للتفكير.

فمثلاً سار علماء الشيوعية في وجهة نظرهم في الحياة، وفي نظام المجتمع على الطريقة العلمية، فوقعوا في الخطأ الفاحش الذي تردّوا فيه، والأمثلة على خطئهم كثيرة وموجودة في كل فكرة من أفكارهم، لأنهم قاسوا الطبيعة والمجتمع على الأشياء التي تبحث في المختبر فخرجوا بنتائج بالغة الخطأ، ويكفي لإدراك الخطأ في الجميع أن نأخذ فكرتين رئيسيتين، ونبين وجه الخطأ في كل منهما، وأن سبب الخطأ هو السير في الطريقة العلمية. ففكرتهم عن الطبيعة، أنها كل لا يتجزأ، وأنها في حالة تغير دائم، وأن هذا التغير يتم بواسطة التناقضات الحتمية الوجود في الأشياء والحوادث، فلنأخذ التناقضات التي هي من الأفكار الأساسية عندهم. هذه التناقضات إذا صح أنها موجودة في الأشياء، فإنها غير موجودة فيها جميعها، فهناك أشياء لا توجد فيها تناقضات، فالأجسام الحية التي يقولون إن فيها تناقضات بحجة أن فيها خلايا تموت وخلايا تحيا، هذه الأجسام الحية لا يوجد فيها تناقضات. وأما ما يشاهد في الجسم الحي من وجود خلايا تموت وخلايا تحيا فإنه ليس تناقضات، بل إن كون الأشياء تولد وتموت، وتفنى وتوجد، لا يعني أن هذا تناقضات بل هو ناتج عن قوة الخلية وضعفها، وقدرتها على المقاومة وعجزها عنها، وهذا ليس تناقضات، على أن الأجسام غير الحية يحصل فيها فناء ولا تحصل ولادة، ومع ذلك يقولون إنه يوجد في الأشياء كلها تناقضات، ولو سلمنا جدلاً أن في الأشياء تناقضات فإن هذا لا يعني أن في الحوادث تناقضات، فعمليات البيع والإجارة والشركة ونحوها، كلها تجري دون أي تناقضات فيها، وعمليات الصلاة والصوم والحج وأمثالها، كلها تجري دون أي تناقضات، فهي قطعاً لا يوجد فيها تناقضات، ولكن سلوكهم الطريقة العلمية هو الذي أدى إلى خطأ نظريتهم، ولا سيما في الحوادث، وقد كان من جراء خطأ نظرتهم هذه وهي أن الحوادث فيها تناقضات حتمية، أن أدت إلى ما كانوا يظنونه من أن التناقضات في أروبا ستحصل حتماً، وإذا أروبا لا يحصل فيها تناقضات، وتغرق في النظام الرأسمالي وتبعد عن الشيوعية، فالذي أوقعهم في الخطأ هو سلوك الطريقة العلمية في الحكم على الأشياء، وسلوكهم الطريقة العلمية في الحكم على الحوادث.

وفكرتهم عن المجتمع هي أن المجتمع مؤلف من الوسط الجغرافي ومن نمو السكان وتكاتفهم، ومن أسلوب الإنتاج، فالحياة المادية في المجتمع هي التي تحدد في النهاية هيئة المجتمع وأفكاره وآراءه وأوضاعه السياسية. وبما أن الحياة المادية إنما يؤثر فيها أسلوب الإنتاج، فيكون أسلوب الإنتاج هو الذي يؤثر في المجتمع، ذلك أن أدوات الإنتاج، والناس الذين يستعملون هذه الأدوات، ومعرفة استخدامها تؤلف بمجموعها قوى المجتمع المنتجة فتؤلف جانباً واحداً وهو الجانب الذي يعبّر عن سلوك الناس نحو أشياء الطبيعة، وقواها المنتجة، أما الجانب الآخر فهو علاقة الناس فيما بينهم أثناء سير الإنتاج، وهذا خطأ، فإن المجتمع هو الناس وما بينهم من علاقات. بغض النظر عن أدوات الإنتاج، بل بغضّ النظر عن وجود أدوات إنتاج أو عدم وجودها، لأن الذي يوجد العلاقات بينهم هو المصلحة، وهي لا تقررها أدوات الإنتاج، وإنما تقررها الأفكار التي يحملونها عن إشباع الحاجات التي يريدون إشباعها، والذي أوجد الخطأ هو أنهم رأوا المجتمع كما يرون المادة في المختبر، فصاروا يحاولون بحث ما يرونه من عناصر تطبيقاً لنظريتهم وأخذوا يطبقون ما يحصل في المادة على الناس وعلاقاتهم. فوقعوا في الخطأ، لأن الناس غير الأشياء، والعلاقات والحوادث لا تخضع للبحث كما تخضع المادة في المختبر، فإخضاعها للملاحظة والتجربة والخروج بنظريات هو الذي أوقعهم في الخطأ. فالشيوعية كلها سبب خطئها سبب واحد هو سلوكها الطريقة العلمية في الحوادث والعلاقات: وهذا كان من جرّاء ما شاع في القرن التاسع عشر من تقدير للطريقة العلمية، ومن الإغراق فيها إلى حد تطبيقها على كل شيء، والسير بها في كل بحث.

وأيضاً فإن علماء الغرب أي علماء أروبا وأمريكا خلطوا بين الأفكار الاستنتاجية الناتجة عن الطريقة العقلية والأفكار العلمية الناتجة عن الطريقة العلمية، فطبقوا الطريقة العلمية على تصرفات الإنسان وأحواله، وأخرجوا ما يسمى بعلم النفس وعلم الاجتماع وعلوم التربية، فكانت نتيجة ذلك هذا الخطأ البارز فيما يسمى بعلم النفس وعلم الاجتماع وعلوم التربية. إنهم يعتبرون ما يسمى علم النفس علماً، ويعتبرون أفكاره أفكاراً علمية، لأنها جاءت بناء على ملاحظات جرى تتبعها على الأطفال في ظروف مختلفة وأعمار مختلفة، فسموا تكرار هذه الملاحظات تجارب. والحقيقة أن أفكار علم النفس ليست أفكاراً علمية، وإنما هي أفكار عقلية، لأن التجارب العلمية هي إخضاع المادة لظروف وعوامل غير ظروفها وعواملها الأصلية، وملاحظة أثر هذا الإخضاع أي هي نفس التجارب على المادة كتجارب الطبيعة والكيمياء. أما ملاحظة الشيء في أوقات وأحوال مختلفة فليس بتجارب علمية، وعليه فإن ملاحظة الطفل في أحوال مختلفة وفي أعمار مختلفة لا يدخل في بحث التجارب العلمية، فلا يعتبر طريقة علمية، وإنما هو ملاحظة وتكرار للملاحظة واستنتاج فحسب، فهو طريقة عقلية، وليست علمية، فكان من الخطأ اعتباره أفكاراً علمية، وكان هذا الخطأ ناتجاً عن الخطأ الفاحش في تطبيق الطريقة العلمية على الإنسان، لأن الطريقة العلمية أهم ما فيها هو التجربة، وهذه لا تتأتى إلا في المادة، لأنها هي التي تخضع للاختبار في المختبر، والملاحظة ليست ملاحظة لأفعال أو لأشياء في ظروف مختلفة، بلا ملاحظة المادة نفسها وملاحظة الظروف والعوامل الأصلية، والتي أخضعت لها. والاستنتاج إنما يحصل من هذه الملاحظة بالذات لا مجرد ملاحظة. لذلك فإن تطبيق الطريقة العلمية على غير هذا الوجه بالذات، أي على غير المادة وإخضاعها، خطأ فاحش يؤدي إلى أخطاء فاحشة وإلى استنتاجات خاطئة، وهذا ما حصل مع علماء الغرب في الأبحاث العقلية التي ساروا بها على الطريقة العلمية واعتبروها علماً وأفكاراً علمية، فوقعوا في الخطأ الفاحش الذي تردّوا فيه. والأمثلة على خطئهم كثيرة وموجودة في كل فكرة من أفكارهم وفي كل بحث من أبحاثهم، قاسوا الإنسان على الأشياء التي تبحث فخرجوا بنتائج بالغة الخطأ. ويكفي لإدراك الخطأ أن نأخذ فكرة واحدة، وهي فكرة الغرائز ونبين وجه الخطأ فيها.

احمد ادريس
08/10/2007, 05:49 AM
لقد كان من جراء سلوكهم في تطبيق الطريقة العلمية على الإنسان أن أخذوا يلاحظون أفعال الإنسان ويرجعونها إلى دوافع، وانشغلوا في الأفعال المتعددة وفي ملاحظتها. فصرفهم هذا عن البحث الحقيقي وجعلهم يخرجون بنتائج مغلوطة. والحقيقة أنهم لو سلكوا الطريقة العقلية لنقلوا إحساسهم بالإنسان وتصرفاته إلى الدماغ، ثم بالمعلومات السابقة فسروا واقع الإنسان وواقع هذه التصرفات لخرجوا بنتائج غير النتائج التي توصلوا إليها، حتى لو كانت نتائج ظنية، فهم مثلاً يقولون إن الغرائز كثيرة، فقد أحصوها أولاً، ثم لمّا رأوا أفعالاً أخرى صاروا يقولون إن الغرائز كثيرة ولا حصر لها، فقالوا هناك غريزة الملكية وغريزة الخوف وغريزة الجنس وغريزة القطيع. إلى غير ذلك من الغرائز التي قالوا بها. والسبب في ذلك هو أنهم لم يفرقوا بين الغريزة ومظهر الغريزة، أي بين كون الطاقة أصلية أو مظهر من مظاهرها. فالطاقة الأصلية أو الغريزة هي جزء من ماهية الإنسان فلا يمكن علاجها ولا يمكن محوها، ولا يمكن كبتها، فإنها لا بد أن توجد بأي مظهر من مظاهرها، بخلاف مظهر الطاقة الأصلية، أي مظهر الغريزة، فإنه ليس جزءاً من ماهية الإنسان، ولذلك يمكن علاجه، ويمكن محوه، ويمكن كبته، فغريزة البقاء من مظاهرها الأثرة ومن مظاهرها الإيثار، فيمكن معالجة الأثرة بالإيثار، بل يمكن محوها، ويمكن كبتها، ومثلاً الميل للمرأة بشهوة من مظاهر غريزة النوع، والميل للأم من مظاهر غريزة النوع، فغريزة النوع لا يمكن علاجها ولا يمكن محوها، ولا يمكن كبتها، ولكن معالجة مظاهر هذه الغريزة ممكنة، بل يمكن محو هذه المظاهر ويمكن كبتها. فمثلاً من مظاهر غريزة النوع الميل للمرأة بشهوة، والميل للأم، والميل للأخت، والميل للبنت وهكذا، فيمكن معالجة الميل للمرأة بشهوة بالميل بحنان للأم، فالحنان يعالج الشهوة كما يعالج الإيثار الأثرة. وكثيراً ما يكون حنان الأم صارفاً عن الزوجة وحتى عن الزواج وعن الميل الجنسي، وكثيراً ما يصرف الميل الجنسي الرجل عن حنان أمه، فأي مظهر من مظاهر غريزة النوع يمكن أن يسد مسد مظهر آخر، ويمكن أن يعالج مظهر بمظهر. فالمظهر يجري علاجه، بل يجري كبته ومحوه، ولكن الغريزة لا يمكن فيها ذلك، لأن الغريزة جزء من ماهية الإنسان، بخلاف المظهر فإنه ليس جزءاً من ماهيته.

ومن هنا أخطأ علماء النفس بالغرائز وفهمها وحصرها ثم عدم حصرها. والحقيقة أن الغرائز محصورة بثلاث غرائز. هي غريزة البقاء، وغريزة النوع، وغريزة التدين أو التقديس. وذلك أن الإنسان يحرص على بقاء ذاته، فهو يملك ويخاف ويندفع بالإقدام، ويتجمع، إلى غير ذلك من مثل هذه الأفعال من أجل بقاء ذاته. فالخوف ليس غريزة، والملك ليس غريزة، والشجاعة ليست غريزة، والقطيع ليس غريزة الخ، وإنما هي مظاهر لغريزة واحدة هي غريزة البقاء، وكذلك الميل إلى المرأة عن شهوة، والميل إلى المرأة عن حنان، والميل إلى إنقاذ الغريق، والميل إلى إغاثة الملهوف الخ كل ذلك ليس غرائز وإنما هي مظاهر لغريزة واحدة هي غريزة النوع، وليست غريزة الجنس، لأن الجنس يجمع الحيوان والإنسان، والميل الطبيعي إنما هو من الإنسان للإنسان، ومن الحيوان للحيوان، فالميل بشهوة من الإنسان للحيوان هو شاذ وليس طبيعياً، ولا يحصل طبيعياً وإنما يحصل شذوذاً، والغريزة هي الميل الطبيعي، وكذلك ميل الذكر للذكر هو شاذ وليس طبيعياً، ولا يحصل طبيعياً وإنما يحصل شذوذاً، فالميل بشهوة للمرأة، والميل بحنان للأم، والميل بحنان للبنت، كلها مظاهر لغريزة النوع. ولكن الميل بشهوة من الإنسان للحيوان، ومن الذكر للذكر ليس طبيعياً وإنما هو انحراف بالغريزة فهو شاذ، فالغريزة هي غريزة النوع وليست غريزة الجنس، وهي لبقاء النوع الإنساني لا لبقاء جنس الحيوان، وأيضاً فإن الميل لعبادة الله، والميل لتقديس الأبطال، والميل لاحترام الأقوياء، كل ذلك مظاهر لغريزة واحدة هي غريزة التدين أو التقديس، وذلك أن الإنسان لديه شعور طبيعي بالبقاء والخلود، فكل ما يهدد هذا البقاء يشعر تجاهه طبيعياً، شعوراً حسب نوع هذا التهديد، بالخوف أو الإقدام، بالبخل أو الكرم، بالفردية أو التجمع، حسب ما يراه فيوجد عنده شعوراً يدفعه للعمل فتظهر عليه مظاهر من الأفعال ناتجة عن الشعور بالبقاء، وكذلك عنده شعور ببقاء النوع الإنساني، لأن فناء الإنسان يهدد بقاءه، فكل ما يهدد بقاء نوعه يشعر تجاهه طبيعياً شعوراً حسب نوع هذا التهديد، فرؤية المرأة الجميلة تثير فيه الشهوة، ورؤية الأم تثير فيه الحنان، ورؤية الطفل تثير فيه الإشفاق، فيشعر شعوراً يدفعه للعمل فتظهر عليه مظاهر من الأفعال قد تكون منسجمة وقد تكون متناقضة، وأيضاً فإن عجزه عن إشباع شعور البقاء أو بقاء النوع يثير فيه مشاعر أخرى هي الاستسلام والانقياد لما هو حسب شعوره مستحق للاستسلام والانقياد، فيبتهل إلى الله، ويصفق للزعيم، ويحترم القوي، وذلك نتيجة لشعوره بالعجز الطبيعي، فأصل الغرائز هو الشعور بالبقاء أو بقاء النوع أو العجز الطبيعي، ونتج عن هذا الشعور أعمال. فكانت هذه الأعمال مظاهر لتلك الأصول الطبيعية، وهي في مجملها يرجع كل مظهر منها إلى أصل من هذه الأصول الثلاثة، لذلك كانت الغرائز ثلاثة ليس غير.

على أن الأصل في الإنسان هو أن لديه طاقة حيوية، وهذه الطاقة الحيوية فيها إحساسات طبيعية تدفع الإنسان للإشباع، فهذا الدفع يكون مشاعر أو إحساسات، وهي تتطلب الإشباع، منها ما يتطلب الإشباع حتماً وإذا لم يشبع يموت الإنسان لأنه يتعلق بوجود الطاقة من حيث هو وجود، ومنها ما يتطلب الإشباع ولكن بشكل غير حتمي، فإذا لم يحصل الإشباع ينزعج ولكنه يبقى حياً، لأنه يتعلق بحاجات الطاقة لا بوجودها، ولذلك كانت الطاقة الحيوية ذات شقين: أحدهما يتطلب الإشباع الحتمي، وهذا ما يطلق عليه الحاجات العضوية، وذلك كالجوع والعطش وقضاء الحاجة، وثانيهما يتطلب مجرد الإشباع، وهذا ما يطلق عليه الغرائز، وهي ثلاث: غريزة البقاء، وغريزة النوع، وغريزة التدين.

هذا هو الحق في الغرائز، وهذا هو الحق في الإنسان، فلو سلك علماء الغرب الطريقة العقلية بنقل الإحساس بالإنسان وأفعاله وفسروا هذا الواقع أو هذا الإحساس بالواقع بالمعلومات السابقة لاهتدوا لحقيقة هذا الواقع، ولكن سلوكهم الطريقة العلمية، واعتبارهم أن الإنسان كالمادة، وظنهم أن ملاحظة أفعال الإنسان هي كملاحظة المادة، ضللهم ذلك عن الحقيقة وخرجوا بهذه النتائج الخاطئة في الغرائز، وفي غيرها من أبحاث علم النفس، وقل مثل ذلك فيما يسمى بعلم الاجتماع وعلوم التربية، فإنها كلها ليست من العلوم، وهي في جملتها خطأ في خطأ، فهذه الأخطاء التي حصلت في الغرب، في أروبا وأمريكا والملحقة بها روسيا، أي لدى علماء الشيوعية، ولدى علماء النفس وعلماء الاجتماع وعلماء التربية، هي نتيجة اتباعهم الطريقة العلمية في بحث كل شيء، ومغالاتهم في تقدير الطريقة العلمية وتطبيقها على جميع الأبحاث، وهذا هو الذي أوقعهم في الخطأ والضلال، وهو يوقع كل إنسان يطبق الطريقة العلمية على كل بحث.

إن الطريقة العلمية طريقة صحيحة في التفكير، وهي ليست طريقة خاطئة، ولكنها طريقة صحيحة في البحث العلمي وحده، فيجب أن يحصر استعمالها في البحث العلمي، أي في المادة التي تخضع للتجربة، والخطأ هو استعمالها في غير الأبحاث العلمية، أي في غير بحث المادة التي تخضع للتجربة، فمن الخطأ والغلط أن تطبق في بحث وجهة النظر في الحياة، أي ما يسمى (بالأيديولوجية) ومن الخطأ أن تطبق على الإنسان، أو على المجتمع، أو على الطبيعة، أو في أبحاث التاريخ، أو أبحاث الفقه، أو أبحاث التعليم، أو ما شاكل ذلك من الأبحاث. بل يجب أن تحصر في البحث العلمي فقط، أي في بحث المادة التي تخضع للتجربة.

والخطأ الذي حصل، في تطبيق الطريقة العلمية على كل بحث، ناتج عن جعل الطريقة العلمية أساساً في التفكير، لأن جعلها أساساً في التفكير هو الذي جر إلى جعلها أصلاً يبنى عليه، وجعلها أساساً لكل بحث، فإن جعلها أساساً في التفكير يجر إلى تطبيقها على أبحاث لا تنطبق عليها هذه الطريقة،

كبحث الأنظمة وبحث الغرائز، وبحث الأدمغة، وبحث التعليم وما شاكل ذلك مما أدى إلى وقوع الأخطاء الفاحشة في الفكرة الاشتراكية وفيما يسمى بعلم النفس وعلوم التربية وعلم الاجتماع. وفوق ذلك فإن جعلها أساساً في التفكير يخرج أكثر المعارف والحقائق عن البحث، ويؤدي إلى الحكم على عدم وجود كثير من المعارف التي تدرس والتي تتضمن حقائق، مع أنها موجودة بالفعل وملموسة بالحس، وأيضاً فإنه يؤدي إلى إنكار كثير من الموجودات.

على أن الطريقة العلمية ظنية، وقابلية الخطأ فيها أساس من الأسس التي يجب أن تلاحظ فيها، فلا يجوز أن تتخذ أساساً للتفكير، وذلك أن الطريقة العلمية توجد نتيجة ظنية عن وجود الشيء وعن حقيقته وعن صفته. وهناك أشياء يجب أن تكون النتيجة عن وجودها قطعية جازمة. فلا يصح أن تكون الطريقة الظنية أساساً للوصول إلى النتيجة القطعية، وهذا وحده كافٍ لجعل الطريقة الظنية غير صالحة لأن تكون أساساً للتفكير.

وعلى هذا فإن للتفكير طريقتين اثنتين ليس غير، هما الطريقة العقلية، والطريقة العلمية، ولا يوجد غيرهما بعد البحث والاستقراء، والطريقة العلمية لا تصلح إلا في فرع من فروع المعرفة، وهو فرع بحث المادة التي تخضع للتجربة، بخلاف الطريقة العقلية فإنها تصلح لكل بحث من الأبحاث.

لذلك فإنه يجب أن تكون الطريقة العقلية هي الأساس في التفكير. ففي الطريقة العقلية ينشأ الفكر، وبدونها لا ينشأ فكر إنشاءً جديداً، وبواسطة الطريقة العقلية يوجد إدراك الحقائق العلمية بالملاحظة والتجربة والاستنتاج، أي بواسطتها توجد الطريقة العلمية نفسها، وبواسطتها يوجد إدراك الحقائق المنطقية، وبواسطتها يوجد إدراك حقائق التاريخ وتمييز الخطأ من الصواب فيها، وبواسطتها توجد الفكرة الكلية عن الكون والإنسان والحياة وعن حقائق الكون والإنسان والحياة.

والطريقة العقلية تعطي نتيجة قطعية عن وجود الشيء، وهي وإن كانت تعطي نتيجة ظنية عن كنه الشيء وصفته، ولكنها تعطي نتيجة قطعية عن وجوده، فهي من حيث حكمها على وجود الشيء قطعية يقينية، فيجب أن تتخذ هي وحدها أساساً للبحث، أي أساساً باعتبار أن نتائجها قطعية. وعلى هذا لو تعارضت نتيجة عقلية مع نتيجة علمية عن وجود الشيء تؤخذ الطريقة العقلية حتماً وتترك النتيجة العلمية التي تتعارض مع النتيجة العقلية. لأن القطعي هو الذي يؤخذ لا الظني.

ومن هنا كان الخطأ الموجود هو اتخاذ الطريقة العلمية أساساً للتفكير، وجعلها حَكَماً في الحكم على الأشياء. فيجب أن يصحح هذا الخطأ، ويجب أن تصبح الطريقة العقلية هي أساس التفكير، وهي التي يرجع إليها في الحكم على الأشياء.

أما البحث المنطقي فإنه ليس طريقة في التفكير، وإنما هو أسلوب من أساليب البحث المبنية على الطريقة العقلية، لأن البحث المنطقي هو بناء فكر على فكر بحيث ينتهي إلى الحس والوصول عن طريق هذا البناء إلى نتيجة معينة. مثل: لوح الكتابة خشب، وكل خشب يحترق، فتكون النتيجة أن لوح الكتابة يحترق، ومثل لو كان في الشاة المذبوحة حياة لتحركت، لكنها لم تتحرك، فتكون النتيجة أنه لا توجد في الشاة المذبوحة حياة. وهكذا. فقد قرنت في المثال الأول فكرة كل خشب يحترق مع فكرة لوح الكتابة خشب، فنتج عن هذا الاقتران أن لوح الكتابة يحترق. وقرن في المثال الثاني كون الشاة المذبوحة لم تتحرك مع فكرة أن الحياة في الشاة المذبوحة تجعلها تتحرك، فنتج عن هذا الاقتران أن الشاة المذبوحة لا توجد فيها حياة. فهذا البحث المنطقي إذا كانت قضاياه التي تتضمن الأفكار التي جرى اقترانها صادقة تكون النتيجة صادقة، وإذا كانت كاذبة تكون النتيجة كاذبة. وشرط المقدمات أن تنتهي كل قضية منها إلى الحس. ولذلك ترجع إلى الطريقة العقلية ويحكم فيها الحس حتى يفهم صدقها. ومن هنا كانت أسلوباً من الأساليب المبنية على الطريقة العقلية، وفيها قابلية الكذب، وقابلية المغالطة، وبدل أن يختبر صدق المنطق بالرجوع إلى الطريقة العقلية، الأولى أن تستعمل الطريقة العقلية في البحث ابتداء، وأن لا يلجأ إلى الأسلوب المنطقي

ولموضوع اللغة نقاش اخر...

جواد البشيتي
08/10/2007, 09:53 AM
أحمد
أنتَ مُحِبٌّ للجدل العقيم الذي يضر ولا ينفع.. لقد حاوَلْتُ أن أُوْقِفَكَ على قدميكَ، وأن أضع قدميكَ، من ثمَّ، على سِكَّة الحوار المجدي والمثمر؛ ولكن لا يصحُّ في الإفهام شيء إذا احتاج النهار إلى دليل!

احمد ادريس
08/10/2007, 12:50 PM
أنتَ مُحِبٌّ للجدل العقيم
هذه الصفة اتفق المجتمع على وصفها للشيوعين بعد ان سموا نفسهم ذلك
اذا لم يكن لديك القدرة على الرد على ما ذكرت لك بعد ان اعترفت ضمنا ان التفكير لا يتم الا بالمعلومات السابقة فهذا لا يعني اني محب للجدل فانا كنت اتمنى انك انسان يبحث عن الحق وخصصت الكثير من وقتي الثمين لتفهم انت المعنى الحقيقي لقيمة الحياة المعنى الذي يميزك عن الحجارة وعن بقية المخلوقات
عموما انا ساستمر فيما بدات به من نقض للفكرة الماركسية التافهة حتى يدرك من لم يدرك الى حد الان حقيقة المغالطات الموجودة فيها
ولو كنت مكانك يا استاذ جواد لقررت ان لا ادخل هذا المنتدى مرة اخرى واذا دخلت ادخل متخفيا او دون ان اسجل هذا اذا افترضنا ان الانسان هو مزيج من المادة والاحساس وليس مادة فقط

سعيد نويضي
08/10/2007, 06:44 PM
بسم الله الرحمن الرحيم...

الأستاذ أحمد...

أعتقد و لا تأخذني على قولي فما همي كذلك سوى الحق و الحقيقة...و لكن في واقع الأمر لقد أجدت في تحليلك...و أصبت في منطقك...لكن المشكلة تظل قائمة بحكم أن الأستاذ جواد...لم يناقشك فيما كتبت...و لم يجادلني فيما خططت؟ فأين الخلل؟ فهناك خلل إما في طريقة تفكيره؟ أو في طريقتك تحليلك؟ أو في المنطق الذي اعتمدته في كلمتي؟

كل إنسان بصفة عامة يعتقد في منظومته المعرفية...و في حمولته الثقافية...و كما أشرت أصبحت موضة العصر حتى عند المفكرين بصفة خاصة و المثقفين بصفة عامة...أن الذي لا يتبع المنهج العلمي في طريقة تفكيره...يظل في الهامش و لا يأخذ من أقواله...و يوصف بما يوصف به...و هذا فيه إجحاف و تقصير في العقل و الفكر و الإنسان على حد سواء؟

فكما أشرت في كلمتك...التي اعتبرتها مدخل لبحث علمي...إن لم يكن في الأصل مقتطف من بحث قمت به أثناء دراستك...أن طريقة التفكير التي تعتمد التجربة...هي طريقة علمية لا يمكن فصلها عن مجالها...الذي هو المادة...و المادة فحسب...و لا يمكن بحال نقل هذه الطريقة نفسها و تطبقيها على ما هو غير مادي...و إن حدث بالفعل ذلك...و قد حدث كما هو معروف في الفكر المادي...سيؤدي إلى نتائج مغلوطة و خاطئة و لا تمت للواقع و لا للحقيقة بصلة...

و مع ذلك يظل السؤال قائما أين يكمن الخلل؟
فهل يمكن القول أن هناك طرق متعددة للتفكير و عقل واحد؟ أم أن هناك فكر واحد و عقليات مختلفة؟ و هذا ليس تلاعبا بالألفاظ...
فهناك على سبيل المثال...الفكر الديني...و الفكر الصوفي...و الفكر الاقتصادي و آخر سياسي وآخر برغماتي و آخر رأسمالي و آخر اشتراكي إلى غير ذلك...فهل يمكن القول أن لكل فكر طريقة في النظر للحياة و الكون و الإنسان؟
أم مثلا هناك فكر واحد لديه ...تتفرع منه عقليات متنوعة كالعقليات العلمية و العقليات الدينية و الأخرى الغيبية و الخرافية و الأسطورية و التجريبية و المتخلفة و المتقدمة...إلى غير ذلك...

فعندما تحدثت عن المادة تحدثت عن الطريقة التفكيرية...و عندما تحدثت عن غير المادة تحدثت عن الطريقة العقلية...فهل الفكر هو مجموعة طرق يختار منها العقل ما يناسب الموضوع مجال البحث؟فإن كان كذلك أليس المنطق هو الفاصل في الاختيار بين الطرق ؟

دمت بألف خير و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته...

احمد ادريس
09/10/2007, 07:45 AM
جزاك الله خيرا استاذ سعيد

اخي الكريم ان الانسان بمجموعه عندما يمارس اعماله في الحياة يواجه مشاكل جمه منها ما هو اقتصادي ومنها ما هو اجتماعي ومنها ما هو سياسي الى غير ذلك وعندما يقرر عمََل عَمَلٍ ما يجب عليه ان يفكر قبل العمل في العمل ونتيجة العمل وقيام الانسان بالاعمال جاء نتيجة لنقصه واحتياجه فهو يملك طاقات عضوية وغرائزية بحاجة الى اشباع وطرق هذا الاشباع كثيرة مما جعل الانسان امام اختيارات متعددة فلكي يمتلك المال مثلا لاشباع غريزة البقاء او بالمعنى الدقيق مظهر الميل الى التملك المنبثق من غريزة البقاء فلديه عدة خيارات قد يكذب وقد يسرق وقد يعمل وقد يمحو هذا المظهر بمظهر اخر هو القناعة ويترك العمل ويجلس في منزله ، فقيام الانسان باحد هذه الاعمال جاء من اختياره لهذا العمل وهذا الاختيار جاء من تفكيره في هذه المشكلة وفي الحقيقة تعدد هذه الحلول جاء من تعدد الاسس التي بنى الانسان عليها نظرته للكون والانسان والحياة اي يمكن القول ان العقد التي يمر بها الانسان في حياته كلها مربوطة بعقدة اساسية وهي وجهة النظر في الحياة فالمسلم مثلا حين فكر بسبب وجوده وجد ان هذا الكون والانسان والحياه بمجموعها محدودة فالكون محدود لانه مجموعة اجرام محدودة تسير وفق قانون معين يسيرها ولا يمثل صفة لها او جزا منها لانه اي القانون هو المتحكم بهذه الاجرام وان احتاجت الى بعضها الا ان طبيعة هذه الحاجة ومقدارها ووقتها لا يدلل على انها صدفة وانما ان هناك مسير لها وكذلك الحياة فهي محدودة فتبدا بيوم معين وتنتهي بيوم معين والانسان كذلك محدود فهو لا يملك ان يطول اكثر مما هو الان ولا يستطيع ان يطير فصفاته التي تحدد فيه هذه الامكانيات قد حددته نفسه ووجود الحدود دليل على وجود المحدد كما ان وجود البعرة تدلل على وجود البعير ولذلك قال المسلم بوجود اله وهذا الاله نؤمن ايمانا جازما بوجوده وليس كنهه ولا ماهيته لانا لم ندرك سوى وجوده من اثره فمثلا من يسمع صوت طائرة ولا يراها في السماء يؤمن ان ما يطير في السماء هو طائرة اي يجزم بوجودها ولكنه لا يمكن ان يدرك نوعها (المثال للانسان العامي وليس لصاحب الخبرة لان صاحب الخبرة يملك معلومات سابقة عن الطائرة تمكنه من الجزم حتى بنوعها) وهكذا جزم الانسان المسلم بوجود الخالق وبدا يفكر في سبب وجوده على الارض ولماذا خلقه هذا الخالق فقرر ان يبحث عن وسيلة يتصل بها مع هذا الخالق ولما سمع بوجود اناس ادعوا ان الخالق ارسلهم الى البشر ليعلموا الناس سبب وجودهم جاؤوا الى الرسل وطلبوا منهم براهين على انهم انبياء او مرسلين فجاء كل رسول ببرهان كان خاتمهم نبي الله صاحب الحجة الابدية التي عجز ولا زال عاجزا الانسان عن الاتيان بمثلها وبذلك تعرف المسلم المفكر سبب وجوده في الحياة بعد ان علم من اوجده فاخذ منهاج العمل وعالج مشاكله الثانوية وفق هذا المنهاج فعالج مظهر التملك من غريزة البقاء مثلا بالعمل او قبول الهدية او الارث.
اما الانسان الراسمالي الغربي فانه لم يحل هذه العقدة الازلية وانما ترك حلها كيفما يشاء لمن تبعه وقال ان المهم ان حل هذه العقدة لا يتدخل في الحياة العامة فلك ان تقول ان الله موجود وانه الخالق او انه ثلاثة او انه غير موجود ولكن عموما يجب ان لا تتدخل هذه الفكرة في طريقة معالجتك لمشاكل الحياة وعلى البشر ان يضعون لنفسم حلولا لمشاكلهم ومن هذا نشاءت فكرة الديمقراطية وهي حكم البشر للبشر وهي ليست فكرة رزينة ولا صحيحة لعدة اسباب منها انها جاءت رد فعل للحكم الظلامي لرجال الكنيسة ومنها انها تعارضت مع الفكرة الكلية عند بعض البشر منها المسلمين حيث ان القول بان الاله ليس له علاقة بالمخلوقات وانه خلقهم وترك لهم ان ينضموا حياتهم التي لا دخل له بها وان خلقة كان عبثا فكرة باطلة غير مقنعة للعقل ولا موافقة للفطرة
وكذلك الشيوعية جاءت بفكرة مفادها ان المادة هي الاصل ولا وجود للخلق وهم كانوا افضل من الراسماليين في كونهم جاؤوا بفكرة ولكن مع الاسف كانت فكرها ضالة مبنية على الخطا وسنرد الاخطاء التي بنيت عليها بالتفصيل لاحقا وقد ذكرنا منها سابقا
فاختلاف الاصل اي الاختلاف في حل المشكلة الاساسية ولد اختلافات في التفكير لدى البشر او اختلاف في اختيار المعالجات بمعنى ادق لان التفكير من حيث هو اقصد العملية الفكرية هي واحدة فكل هؤلاء عندما يفكرون بشيء ما فانهم يربطون الواقع بالدماغ عن طريق الحواس مع المعلومات السابقة لينتج الربط فهذا واقع التفكير ثابتا ومطابقا للواقع لكل ما سبق والاختلاف كان كما ذكرت لك في الفكرة الاصلية وفي الواقع المحسوس كما يمكن ان يكون هذا التفكير بعدة مستويات فهو إما أن يكون سطحياً وإما عميقاً وإما مستنيراً. فالتفكير السطحي هو تفكير عامة الناس. والتفكير العميق يكون عند العلماء أما التفكير المستنير فغالباً ما يكون تفكير القادة والمستنيرين من العلماء وعامة الناس. فالتفكير السطحي هو نقل الواقع فقط إلى الدماغ دون البحث في سواه ودون محاولة إحساس ما يتصل به. وربط هذا الإحساس بالمعلومات المتعلقة به دون محاولة البحث عن معلومات أخرى تتعلق به. ثم الخروج بالحكم السطحي وهذا ما يغلب على الجماعات وما يغلب على منخفضي الفكر، وما يغلب على غير المتعلمين وغير المثقفين من الأذكياء.

والتفكير السطحي هو آفة الشعوب والأمم، فإنه لا يمكنها من النهضة بل لا يمكنها من العيش الرغيد، وإن كان قد يمكنها من العيش الهنيء. وسبب التفكير السطحي هو ضعف الإحساس أو ضعف المعلومات أو ضعف خاصية الربط الموجودة في دماغ الإنسان. وهو ليس التفكير الطبيعي عند الإنسان، وإن كان هو التفكير البدائي. فبني الإنسان يختلفون في قوة الإحساس وضعفه، ويختلفون في قوة خاصية الربط وضعفها، ويختلفون في كمية أو نوع المعلومات التي لديهم سواء أكانت معلومات أخذت بالتلقي أو بالمطالعة، أو أخذت من تجارب الحياة. فإن اختلافها يعني أن التفكير يكون بحسبها. والأصل في جمهرة الناس أن يكونوا أقوياء في الدماغ وخاصية الربط، إلا القليل وهم الذين خلقوا ضعفاء أو طرأ الضعف عليهم. والأصل في جمهرة الناس أن تتجدد لديهم المعلومات يومياً، حتى ولو كانوا أميين، اللهم إلا الشواذ وهم الذين لا يلفت نظرهم شيء ولا يقيمون وزناً لما يتلقونه أو يطالعونه من المعلومات. ولذلك فإن التفكير السطحي ليس طبيعياً بل هو شاذ. إلا أن تعوّد الأفراد على التفكير السطحي ورضاهم بنتائجه، وعدم حاجتهم للأمور الأعلى مما لديهم يجعل التفكير السطحي عادة فيستمرون على هذا النمط من التفكير ويستمرئونه، ويتبلور ذوقهم عليه. أما الجماعات فإنه لنقصان قدرتهم على التفكير من جراء كونهم جماعة فإنه يغلب عليهم التفكير السطحي حتى لو كانت جماعة من المفكرين المبدعين. لذلك كان التفكير السطحي هو الغالب في الحياة، ولولا أن أفراداً من الشعب أو الأمة يوهبون قدرة خارقة من الإحساس والربط فإنه لا يتصور وجود نهضة ولا يتصور تقدم مادي في الحياة.

والتفكير السطحي ليس له علاج في الجماعات، إلا أنه يمكن رفع مستوى الواقع والوقائع، ويمكن تزويد الجماعات بأفكار سامية ومعلومات ثرّة أي كثيرة، فيمكن أن يرفع مستوى تفكيرهم، ولكنه يظل على كل حال سطحياً وإن كان مستواه عاليا. يعني أنه يمكن أن يتصرف الشعب والأمة، تصرفات التفكير المستنير، ولكن تفكيرهم على كل حال يظل تفكيراً سطحياً ولا تستطيع الجماعات أن تفكر التفكير العميق أو التفكير المستنير مهما بلغت من الارتفاع والرقي. لأنها لا تستطيع بوصفها جماعة أن تتعمق في البحث، أو يكون لديها فكر مستنير، فلأجل رفع مستوى تفكيرها لا يحاول معالجة تفكير الجماعة، وإنما يحاول معالجة الواقع والوقائع التي يقع إحساس الجماعة عليها ويمكن معالجة الأفكار والمعلومات التي توضع فيها. فترتفع السطحية، ولكنها لا تزول فيرتفع بذلك مستوى تصرفاتها.

أما الأفراد، فإنه يمكن إزالة السطحية أو تخفيفها أو جعلها نادرة لديهم. وذلك أولاً بإزالة العادة في التفكير الموجودة لديهم. وذلك بتعليمهم أو تثقيفهم ولفت نظرهم إلى سخافة تفكيرهم وإلى سطحية أفكارهم، وثانياً بإكثار التجارب لديهم أو أمامهم ويجعلهم يعيشون في وقائع كثيرة ويحسون بواقع متعدد ومتجدد ومتغير، وثالثاً بجعلهم يعيشون مع الحياة ويسايرون الحياة. وبهذا يتركون السطحية أو تتركهم السطحية ويصبحون غير سطحيين. وهؤلاء الأفراد كلما كثروا في الأمة، كلما كان الأخذ بيدها نحو النهوض أسهل وأقرب للتحقيق. وهؤلاء الأفراد وإن كانوا يعيشون في الأمة ويتلقون المعلومات الموجودة ويحسون بالواقع والوقائع الموجودة ولا يستطيعون سبق زمانهم، ولا من نوع يخالف نوع أمتهم. ولكنهم يستطيعون سبق أمتهم ويستطيعون نقلها من وضع إلى وضع آخر. لأنهم يتصورون وقائع الحياة الراقية تصوراً واقعياً وذلك عن طريق تقبل الأفكار الصادقة وقبول الآراء الصحيحة واعتناق الأفكار القطعية، والتمييز بين مختلف الآراء وإبصار واقع الآراء. فيوجد لديهم الإحساس الفكري أي الإحساس الناجم عن معرفة وإدراك، ومنطق الإحساس أي الفهم الناتج عن الإحساس مجرد الإحساس. فهم وإن كانوا يملكون حواس كما يملك سائر الناس ولديهم دماغ كما لدى سائر الناس، ولكن قوة خاصية الربط الموجودة في دماغهم يتفوقون بها عن سائر الناس، وكونهم يعنون أنفسهم بربط الإحساس بالمعلومات السابقة ربطاً صحيحاً، يكونون أكثر إدراكاً للأمور أي يكون تفكيرهم تفكيراً متميزاً عن غيرهم. فيتكون لديهم الإحساس الفكري وبه يعلو منطق الإحساس. ولذلك فإن الأفراد في ترك السطحية هم أقدر من الجماعات وإن كان لا قيمة لقدرتهم إلا إذا أخذتها الجماعات وتبنتها.

هذا هو علاج السطحية وهو معالجة الأفراد وجعل الأمة تأخذ ما وصلوا إليه من فكر وتتبناه، إلى جانب تجديد الوقائع في الأمة ووضع الأفكار السامية بينها وفي متناول يدها. وأن يجري ذلك في وقت واحد فإن العمل لترك السطحية في الأمة، لا قيمة له إذا لم يصحبه معالجة الأفراد، وعلاج الأفراد لا قيمة له إذا لم يكن سائراً مع العمل في الأمة لترك السطحية الموجودة لديها. لأن الأفراد جزء من الأمة غير قابل للتجزئة والانفصال. والأمة مكونة من مجموعة الناس الذين تربطهم طريقة معينة في العيش، والشعب مكون من مجموعة الناس الذين من أصل واحد يعيشون معاً. فالأفراد هم من جملة هؤلاء الناس سواء في الشعب أو الأمة. فلا يمكن انفصالهم عنها، ولا يمكن عزلها عنهم. لذلك لا بد أن يسير ترك السطحية ولا بد من العمل في الأفراد والأمة في وقت واحد حتى يمكن ترك السطحية من الجميع.

أما الفكر العميق فهو التعمق في التفكير أي التعمق في الإحساس بالواقع والتعمق في المعلومات التي تربط بهذا الإحساس لإدراك الواقع. فهو لا يكتفي بمجرد الإحساس وبمجرد المعلومات الأولية لربط الإحساس، كما هي الحال في التفكير السطحي بل يعاود الإحساس بالواقع ويحاول أن يحس فيه بأكثر مما أحس إما عن طريق التجربة، وإما بإعادة الإحساس، ويعاود البحث عن معلومات أخرى مع المعلومات الأولية، ويعاود ربط المعلومات بالواقع أكثر مما جرى ربطه، إما بالملاحظات وتكرارها وإما بإعادة الربط مرة أخرى. فيخرج من هذا النوع من الإحساس وهذا النوع من الربط، أو هذا النوع من المعلومات بأفكار عميقة سواء أكانت حقائق أو لم تكن حقائق وبتكرار ذلك وتعوده يوجد التفكير العميق. فالتفكير العميق هو عدم الاكتفاء بالإحساس الأولي وعدم الاكتفاء بالمعلومات الأولية وعدم الاكتفاء بالربط الأولي. فهو الخطوة الثانية بعد التفكير السطحي. وهذا هو تفكير العلماء والمفكرين وإن كان لا ضرورة لأن يكون تفكير المتعلمين. فالتفكير العميق هو التعمق في الحس والمعلومات والربط.

أما التفكير المستنير فهو التفكير العميق نفسه مضافاً إليه التفكير بما حول الواقع وما يتعلق به للوصول إلى النتائج الصادقة. أي أن التفكير العميق هو التعمق بالفكر نفسه ولكن التفكير المستنير هو أن يكون إلى جانب التعمق بالفكر، والتفكير بما حوله وما يتعلق به، من أجل غاية مقصودة وهي الوصول إلى النتائج الصادقة. ولذلك فإن كل فكر مستنير هو تفكير عميق، ولا يتأتى أن يأتي التفكير المستنير من التفكير السطحي. إلا أنه ليس كل تفكير عميق تفكيراً مستنيراً. فمثلاً عالم الذرة حين يبحث في شطر الذرة وعالم الكيمياء حين يبحث في تركيب الأشياء والفقيه حين يبحث في استنباط الأحكام ووضع القوانين. فإنهم هم وأمثالهم حين يبحثون الأشياء والأمور، إنما يبحثونها بعمق ولولا العمق لما توصلوا إلى تلك النتائج الباهرة. ولكنهم ليسوا مفكرين تفكيراً مستنيراً، ولا يعتبر تفكيرهم تفكيراً مستنيراً. ولذلك لا تعجب حين تجد عالم الذرة يصلي للخشبة أي للصليب. مع أن أبسط استنارة ترى أن هذه الخشبة لا تنفع ولا تضر وأنها ليست مما يعبد، ولا تعجب حين تجد القانوني الضليع يصدق بوجود القديسين ويسلم نفسه لرجل مثله من أجل أن يغفر له ذنوبه. لأن عالم الذرة والقانوني وأمثالهما يفكرون تفكيراً عميقاً وليس تفكيراً مستنيراً، ولو كان تفكيرهم مستنيراً لما وصلوا للخشبة، ولما صدقوا بوجود القديسين، ولما طلبوا الغفران من رجال أمثالهم. صحيح أن المفكر تفكيراً عميقاً إنما هو عميق فيما فكر فيه وليس بسواه، فقد يكون عميقاً عند تفكيره بشطر الذرة أو وضع القانون ولكنه يكون سخيفاً في غيره إذا فكر فيه. هذا صحيح. ولكن اعتياد المفكر على التفكير العميق يجعله يتعمق في أكثر ما يفكر، ولا سيما الأمور التي تتعلق بالعقدة الكبرى أو وجهة النظر في الحياة. ولكن عدم وجود الاستنارة في تفكيره يجعله يعتاد التفكير العميق، ويعتاد التفكير السطحي وحتى التفكير السخيف. ولذلك فإن التفكير العميق وحده لا يكفي لإنهاض الإنسان ورفع مستواه الفكري، بل لا بد حتى يحصل ذلك من الاستنارة في الفكر حتى يوجد الارتفاع في الفكر.

والاستنارة وإن كانت ليست ضرورية في الوصول إلى نتائج صحيحة في الفكر، كالعلم التجريبي والقانون والطب ونحو ذلك، ولكنها ضرورية لرفع مستوى الفكر، وجعل التفكير ينتج مفكرين. ولذلك فإن الأمة لا يمكن أن تنهض من جراء وجود العلماء في العلم التجريبي ولا من وجود الفقهاء والقانونيين، ولا من وجود الأطباء والمهندسين؛ لا تنهض من جراء وجود هؤلاء وأمثالهم وإنما تنهض إذا وجد لديها استنارة في التفكير، أي إذا وجد لديها المفكرون المستنيرون.

والاستنارة في التفكير لا تقتضي وجود التعليم، أي أن المفكرين المستنيرين لا ضرورة لأن يكونوا متعلمين، فالأعرابي الذي قال: البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، هو مفكر مستنير، والخطيب الذي قال: إن الحذر لا ينجي من القدر وإن الصبر من أسباب الظفر؛ هو مفكر مستنير، ولكن الشاعر الذي قال:

مات الخليفة أيها الثقلان فكأنني أفطرت في رمضان

ليس مفكراً مستنيراً ولو كان فقيهاً متعلماً لانه اعتبر فقدان الخليفة والفطر في رمضان متساويان في مستوى المصيبة مع العلم ان الاولى مصيبة الامة والاخرى مصيبة شخصية. والحكيم الذي قال: رأس الحكمة مخافة الله، ليس مفكراً مستنيراً، فإن رأس الحكمة إدراك وجود الله، وليس مخافة الله. فالتفكير المستنير لا يحتاج إلى علم ولا يحتاج إلى حكمة، وإنما يحتاج لأن يفكر بعمق وأن يجول فيها حول الشيء وما يتعلق به بقصد الوصول إلى النتائج الصادقة، ولذلك قد يكون أميا لا يقرأ ولا يكتب، كما قد يكون متعلماً أو عالماً. والمفكر المستنير لا يكوّن فكراً مستنيراً، إلا إذا وجدت فيه الاستنارة عند التفكير. فالسياسي مفكر مستنير، والقائد مفكر مستنير، ولكن كلاً منهما يحتاج لوجود الاستنارة عند التفكير في كل شيء حتى يكون ذلك التفكير مستنيراً. ولذلك لا نعجب إذا رأينا عظماء القادة وعظماء السياسيين يصلون للخشبة ويطلبون الغفران من رجال هم أقل منهم استنارة، فإن تفكيرهم هذا ليس فيه عمق ولا استنارة، بل هو من طريق العادة أو التقليد أو من طريق الدجل والنفاق. وكل هذا ليس عمقاً ولا استنارة لأن المفكر المستنير، لا يتصل بالدجل والنفاق، ولا تتحكم فيه العادات والتقاليد.

هذه هي مستويات التفكير

اما الاختلاف في التفكير فهو نتيجة لاختيار الانسان الطريق الذي يسلكه في الحياة

وقد يختار الانسان طريقا يختلف عن وجهة نظره في الحياة كما هو موجود الان عند غالبية الامة الاسلامية فالاسلام كوجهة نظر هو مجموعة مفاهيم تندرج تحت اساس هو (لا اله الا الله محمد رسول الله) والتي تعني ان على الانسان ان يسير اعماله ويشبع غرائزه وحاجاته العضوية وفق طريقة معينة ارتضاها له الخالق واعطاه حلولا لكل المشاكل التي قد تواجهه في الحياة من اقتصاد واجتماع وسياسة ونظام حكم وتربية وتعليم وغيرها فالاسلام هو مجموعة افكار ومفاهيم قابلة للتطبيق لجعل الانسان يعيش بمستوى راق جدا وهي لا تصلح ان يؤخذ منها اجزاءا فهي طراز خاص في العيش ومستقل لا يمكن مزجه مع الشيوعية ولا مع الراسمالية (بركنه في المسجد فقط) ولا مع الوطنية وتقسيم البلاد ولا مع الطائفية ولا مع القومية ولا ولا ولا فهو طراز مستقل بذاته يجب ان يطبق بمجموعة نظام حكم وسياسة وجيش وتعليم واقتصاد واجتماع لكي يكون حلا شافيا كافيا لمشاكل بني البشر، هذه وجه النظر لا يملكها جمهرة الامة الاسلامية اليوم رغم قولهم لا اله الا الله محمد رسول الله لان فهم هذه العبارة قد تم تحريفه على ان الاله وجد للعبادة فقط وليس له علاقة بشؤون الحياة مما جعل لدى جمهرة المسلمين انفصالا في الشخصية فعالجوا مشاكلهم الثانوية معالجة لا تمت بصلة الى طريقة علاجهم للفكرة الاساسية القائلة بان لهذا الكون خالق يجب ان نسير وفق ما ارتضى وصار حال الامة الاسلامية كحال اوربا في القرون الوسطى الحال الذي اجاز للشيوعيين القول بان الدين افيون الشعوب وهذه المقولة تنطبق على واقعها عندما يكون الدين السبب في تكاسل الناس كما يحصل الان لدى الامة الاسلامية والسبب هو ليس في خطا الدين فالعبارة الشيوعية انطبقت على النصارى في القرون الوسطى بسبب ان دينهم اقفل عقلهم وانه ناقص اقصد دينهم ولا يمكن ان يكون طراز معين في العيش وانطبق على المسلمين اليوم بسبب الخلل في التفكير ودخول القدرية الغيبية في افعالهم فقد جعلوا سبب ما يحصل بهم انه من الله ورضوا بالهزيمة دون النصر لانهم حرفوا مفهوم النصر من اعداد العدة الى الدعوة وكثرة الصلاة ورضوا بالرزق القليل لانهم حرفوا مفهوم الرزق من الاخذ بالاسباب وعدم ترك الدول الاستعمارية تنهب خيرات البلاد الى التفكر بالدعاء وطلب الرزق من الله كل هذه الافكار وغيرها من الافكار الدخيلة على الامة خدرت الفكرة الحية التي قام عليها المسلمون الاوائل وانحرفت بالناس الى معالجات لا تتوافق مع وجهة نظرهم الاصلية

وهذا الامر متعلق بموضوع الشخصية وطريقة تكوينها ومكوناتها ولا اريد ان اذكره الان لكي لا يتشتت الموضوع

واتمنى أن اكون قد وفقت في اجابتي على ما طلبت وعذرا للاطالة

وحيد فرج
09/10/2007, 10:20 AM
أستاذ جواد البشيتي

رسالة من إمام الحرمين إليكم

"وها أنا ذا أموت عَلَى عقيدة أمي، أو قَالَ: عَلَى عقيدة عجائز نيسابور !..".

منذر أبو هواش
09/10/2007, 01:18 PM
أستاذ جواد البشيتي

رسالة من إمام الحرمين إليكم

"وها أنا ذا أموت عَلَى عقيدة أمي، أو قَالَ: عَلَى عقيدة عجائز نيسابور !..".

(على عقيدة أمي) .. أريد أن تستفيد منها فائدة عظيمة
قال فضيلة الشيخ / صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ ـ حفظه الله ـ في شرحه المبارك لكتاب ( الفتوى الحموية الكبرى ) :

".... وهذه أريد أن تستفيد منها فائدة عظيمة وهي قول هذا المتكلم (*) " أموت على عقيدة أمي " في إبطال قول من قال: إن عامة الأمة والسواد الأعظم من الأمة على طريقة الأشاعرة والماتريدية، أو على غير طريقة السلف.

طريقة الأشاعرة والماتريدية موجودة في أذهان من درسها، في أذهان المتكلمين، في أذهان العلماء منهم، أما العامة فلو تأتي تسأل عاميًا في أي بلد، أثبت لك ما أثبت القرآن، ما قام في ذهنه إلا ما يسمع بظاهر اللفظ، فهذا يقول : " أموت على عقيدة أمي " أمك ! لماذا لم تكن مثلك؟ لأنه هو انصرف عن الفطرة بالتعليم، فلهذا لا يجوز أن يُتسامح في قول من قال إن عامة الأمة أشاعرة، أو السواد الأعظم على غير طريقة السلف، أو على هذه الطريقة الوهابية، بل العامة في باب الصفات لا في باب توحيد العبادة، في باب الصفات لا يعرفون الطرق الكلامية ولا يعرفون التأويلات، يسمعون ويسلمون، لو تأتي لهم بتفسير ابن جرير وابن كثير وتقرؤه عليهم لما استنكروا فيه شيئًا، بخلاف من تعلّم فإنه خرج عن فطرته إلى شيء آخر، وهذا يقول : " أموت على عقيدة أمي " ، فأمه على الفطرة وهو بما تعلّم فسدت فطرته وخرج عن طريق السلف، فالعامة من المسلمين لا يعرفون هذه الطرق ولا التأويلات وإنما هم يسلمون للنصوص " . ا هـ

:fight:

وحيد فرج
09/10/2007, 02:21 PM
اعقب على ما تفضل به استاذنا منذر ابو هواش واقول:


هوإمام الحرمين أبو المعالي عبدالملك بن عبدالله بن يوسف المتوفى سنة 478هـ ، مات والده فجلس في مجلسه للتدريس، فانتقلت إليه نسبة (الجويني) وقيل: كان عمره عشرين سنة عندما جلس للتدريس في مجلس والده، ولقب بإمام الحرمين لأنه كما قيل، جاور مكة أربع سنوات كان خلالها يناظر ويدرس ثم عَرَّج على المدينة المنورة.
قد سلك مسلك والده الإمام أبي محمد الجويني في إعلانه أن فهم السلف هو الحق وحده فيما يعتقد العبد نحو ربه سبحانه، وما سواه باطل لا محالة لأنه تشبيه أو تعطيل أو توقف وهو يشبه أباه في هذا الموقف بالجملة "ومن يشابه أبيه فما ظلم" وإن لم يبلغ درجة أبيه، حيث يوجد في كلامه بعض الثغرات التي يستطيع أن ينفذ منها بعض المغرضين المنحرفين بكلامه بالتحريف فيه، وحمله على غير محمله، بخلاف كلام والده فإنه لم يترك مدخلاً لداخل يدرك ذلك من يقارن بين ما جاء في العقيدة النظامية للجويني (الابن) وما جاء في "رسالة إثبات الاستواء والفوقية" (الأب)، وعلى كل حال فإن إمام الحرمين بحر لا ساحل له في علمه تدل على ذلك كتب التراجم ومؤلفاته المتنوعة، وكان رحمه الله يكره التقليد والتعصب، ومما نقل عنه قوله: "لقد قرأت خمسين ألفاً في خمسين ألفاً ثم خلَّيت أهل الإسلام بإسلامهم فيها وعلومهم الطاهرة وركبت البحر الخضَمَّ وغضت في الذي نهى أهل الإســـلام عنه كل ذلك في طلب الحق. وكنت أهرب في ســــالف الدهر من التقليـــــد".

وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية في بعض كتبه عبارات صارخة بالندم والتوبة- لو سمعوا نصيحته- إذ يقول:
يا أصحابنا: لا تشتغلوا بعلم الكلام، فلو عرفت أن الكلام يبلغ بي ما بلغ، ما اشتغلت به.
وقال عند موته: "لقد خضت البحر الخضم، وخليت أهل الإســلام وعلومهم ودخلت في الذي نهوني عنه كل ذلك اجتهاد في طلب الحق فالآن إن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لفلان".

سفر الحوالي
علم الكلام

احمد ادريس
09/10/2007, 04:44 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
نكمل شرحنا لنقض الفكر الماركسي باعطاء نبذة عن المعنى الحقيقي للعقيدة الاسلامية
العقيدة الإسلامية هي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقضاء والقدر خيرهما وشرهما من الله تعالى. ومعنى الإيمان هو التصديق الجازم المطابق للواقع عن دليل، لأنه إذا كان التصديق عن غير دليل لا يكون إيماناً. إذ لا يكون تصديقاً جازماً إلا إذا كان ناجماً عن دليل. فإن لم يكن له دليل لا يتأتى فيه الجزم، فيكون تصديقاً فقط لخبر من الأخبار فلا يعتبر إيماناً. وعليه فلابد أن يكون التصديق عن دليل حتى يكون جازماً أي حتى يكون إيماناً. ومن هنا كان لابد من وجود الدليل على كل ما يُطلب الإيمان به حتى يكون التصديق به إيماناً. فوجود الدليل شرط أساسي في وجود الإيمان بغض النظر عن كونه صحيحاً أو فاسداً.
والدليل إما أن يكون عقلياً وإما أن يكون نقلياً. والذي يعيِّن كون الدليل عقلياً أو نقلياً هو واقع الموضوع الذي يستدل به عليه للإيمان به. فإن كان الموضوع واقعاً محسوساً تدركه الحواس فإنَّ دليله يكون عقلياً حتماً وليس نقلياً. وإن كان مما لا تدركه الحواس فإن دليله نقلي. ولما كان الدليل النقلي نفسه هو مما تدركه الحواس أي أن كونه دليلاً يدخل تحت الحس وتدركه الحواس، كان لابد من أن يكون اعتبار الدليل النقلي دليلاً يصلح للإيمان متوقفاً على ثبوت كونه دليلاً بالدليل العقلي.
والناظر في الأمور التي تطلب العقيدة الإسلامية الإيمان بها يجد أن الإيمان بالله دليله عقلي، لأن موضوعه محسوس تدركه الحواس وهو وجود خالق للموجودات المدركة المحسوسة. ولكن الإيمان بالملائكة دليله نقلي لأن وجود الملائكة لا تدركه الحواس إذ الملائكة غير مدركة بذاتها وغير مدرك أي شيء يدل عليها. وأما الإيمان بالكتب فينظر فيه فإن كان المراد الإيمان بالقرآن فإن دليله عقلي لأن القرآن مدرك محسوس وإعجازه مدرك محسوس في كل عصر. وإن كان المراد الإيمان بغيره من الكتب كالتوراة والإنجيل والزبور فدليله نقلي لأن هذه الكتب غير مدرك كونها من عند الله في كل عصر بل أدرك كونها من عند الله حين وجود الرسول الذي جاء بها، من المعجزات التي جاءت. وقد انتهت هذه المعجزات بانتهاء وقتها، فلا تدرك من بعد أصحابها، بل ينقل الخبر الذي يقول أنها من عند الله وأنها نزلت على الرسول. ولذلك كان دليلها نقلياً وليس عقلياً لعدم إدراك العقل في كل عصر أنها كلام الله لعدم إدراكه إعجازها حساً. والإيمان بالرسل جميعهم مثل ذلك فإن الإيمان بالرسول محمد دليله عقلي لأن كون القرآن كلام الله وكونه قد جاء به محمد شيء يدركه الحس فيدرك من إدراك القرآن أن محمد رسول الله . وذلك متوفر في كل عصر وفي كل جيل. وأما الإيمان بسائر الأنبياء فدليله نقلي لأن دليل نبوة الأنبياء هو معجزاتهم وهي لم يحس بها غير من كانوا في زمنهم. أما من جاء بعدهم حتى الآن وحتى قيام الساعة فلم يحسوا بهذه المعجزات، فلم يثبت له دليل محسوس على نبوتهم، فلم يكن دليل عقلي على نبوتهم بل دليل نبوتهم نقلي. وأما دليل نبوة سيدنا محمد  وهو معجزته فهو موجود ومحسوس وهو القرآن، ولذلك كان دليله عقلياً. وأما دليل اليوم الآخر فهو نقلي لأن يوم القيامة غير محسوس. ولا يوجد شيء محسوس يدل عليه، فلا يوجد له دليل عقلي بل دليله نقلي. وأما القضاء والقدر فدليله عقلي لأن القضاء هو فعل الإنسان الذي يقع منه أو عليه جبراً عنه، وهو شيء محسوس يدركه الحس فدليله عقلي. والقدر هو الخاصية التي يحدثها الإنسان في الشيء كالإحراق الذي في النار، والقطع الذي في السكين. وهذه الخاصية شيء محسوس يدركه الحس، فدليل القدر إذاً عقلي.
هذا من ناحية نوع أدلة العقيدة الإسلامية. أما من حيث دليل كل واحدة منها فإن الدليل على وجود الله موجود في كل شيء. ذلك أن كون الأشياء المدركة المحسوسة موجودة هو أمر قطعي. وكونها محتاجة إلى غيرها هو أمر قطعي أيضاً. فكونها مخلوقة لخالق أمرٌ قطعي لأن كونها محتاجة يعني أنها مخلوقة، إذ احتياجها يدل على أن قبلها شيئاً فهي ليست أزلية. ولا يقال هنا أن الشيء محتاج لشيء آخر لا لغير الشيء فالأشياء مكملة لبعضها ولكنها في مجموعها غير محتاجة، لا يقال ذلك لأن البرهان هو عن شيء معين كقلم أو إبريق أو ورقة أو ما شاكل ذلك، فيكون البرهان على أن هذا القلم أو الإبريق أو الورقة، مخلوقة لخالق. فيظهر أنَّ هذا الشيء من حيث هو، محتاج لغيره بغض النظر عن الذي تكون إليه الحاجة موجودة. وهذا الغير الذي احتاجه الشيء هو غيره قطعاً بالمشاهد المحسوس. ومتى احتاج الشيء لغيره ثبت أنه غير أزلي فهو إذن مخلوق. ولا يقال أن الشيء من حيث هو مادة فهو في حاجة إلى مادة فهو محتاج إلى نفسه لا إلى غيره، فهو غير محتاج. لا يقال ذلك لأنه لو سلم أن الشيء مادة ويحتاج إلى مادة فإن هذا الاحتياج من المادة إنما هو احتياج إلى غير المادة لا احتياج لنفسها. ذلك أن المادة لا تستطيع من نفسها أن تكمل احتياج مادة أخرى، بل لابد من وجود غير المادة حتى يسد الاحتياج، فهي محتاجة إلى غيرها لا إلى نفسها. فمثلاً الماء حتى يتحول إلى بخار يحتاج إلى حرارة. فلو سلَّمنا أن الحرارة مادة والماء مادة فأنه لا يكفي وجود الحرارة من حيث هي حرارة حتى يتحول الماء بل لابد من نسبة معينة من الحرارة حتى يحصل التحول. فالنسبة المعينة من الحرارة هي المحتاج إليها الماء. وهذه النسبة يفرضها غير الماء وغير الحرارة أي غير المادة، ويجبر المادة على الخضوع لهذه النسبة. وعلى ذلك تكون المادة احتاجت إلى من يُعيِّن لها النسبة فهي محتاجة لغير المادة. فيكون احتياج المادة إلى غيرها أمراً قطعياً فهي محتاجة أي هي مخلوقة لخالق. وعليه فإن الأشياء المدركة المحسوسة مخلوقة لخالق.

احمد ادريس
09/10/2007, 04:48 PM
والخالق لابد أن يكون أزلياً لا أول له. إذ لو لم يكن أزلياً لكان مخلوقاً لا خالقاً، فكونه خالقاً يحتم أن يكون أزلياً. فالخالق أزلي حتماً. وإذا استعرضت الأشياء التي يمكن أن يظن فيها أنها الخالق يتبين من استعراضها أن الخالق إما أن يكون المادة وإما أن يكون الطبيعة وإما أن يكون الله تعالى. أما كون المادة هي الخالق فباطل لما تقدم توضيحه من أن المادة تحتاج إلى من يُعيِّن لها النسبة حتى يحصل تحويل الأشياء فهي غير أزلية، وغير الأزلي لا يكون خالقاً. وأما كون الطبيعة هي الخالق فباطل، لأن الطبيعة هي مجموع الأشياء والنظام الذي ينتظمها فيسير كل شيء في الكون طبق هذا النظام.

وهذا الانتظام ليس آتياً من النظام وحده لأنه دون وجود الأشياء التي تُنظَّم لا يوجد نظام. ولا هو آت من الأشياء، لأن وجود الأشياء لا يُوجِد النظام آلياً أو حتمياً ولا يجعلها وجودها تنتظم من نفسها دون منظم. ولا هو آت من مجموع الأشياء والنظام لأنه لا يحدث التنظيم إلا وفق وضع مخصوص يخضع له النظام والأشياء. فهذا الوضع المخصوص للنظام مع الأشياء هو الذي يوجد التنظيم، فالوضع المخصوص مفروض على النظام وعلى الأشياء ولا يحصل التنظيم إلا بحسبه. وهو ليس آتياً من النظام ولا من الأشياء ولا من مجموعها، فهو آت إذن من غيرها. فتكون الطبيعة التي لا تستطيع أن تتحرك إلا بحسب وضع مخصوص مفروض عليها من غيرها، محتاجة إلى غيرها، فتكون غير أزلية، وغير الأزلي لا يكون خالقاً. فلم يبق إلا أن يكون الخالق هو الذي اتصف بصفة الأزلية اتصافاً حتمياً. وهو الله سبحانه وتعالى.

فوجود الله أمر محسوس ومدرك عن طريق الحس لأن الأشياء المدركة المحسوسة قد دل احتياجها إلى الأزلي، على وجود الخالق. والإنسان كلما أنعم النظر في مخلوقات الله واتصل بالكون وحاول الإحاطة بالزمان والمكان، رأى نفسه أنه ذرة صغيرة جداً بالنسبة لهذه العوالم المتحركة. ورأى أن هذه العوالم المتعددة تجري كلها على سنن معينة وقوانين ثابتة، وبهذا يُدرك تمام الإدراك وجود هذا الخالق ويدرك وحدانيته وتتجلى له عظمته وقدرته، ويدرك أن ما يراه من اختلاف الليل والنهار ، ومن تصريف الرياح، ومن وجود البحار والأنهار والأفلاك إن هو إلا دلائل عقلية وبيّنات ناطقة على وجود الله. وعلى وحدانيته وقدرته . قال تعالى (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) وقال تعالى ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ، أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لاَ يُوقِنُونَ ). فالعقل هو الذي يدرك وجود الله وهو الذي يُتخذ طريقة للإيمان. لذلك أوجب الإسلام استعمال العقل وجعله الحكم في الإيمان بوجود الله سبحانه وتعالى. ومن هنا كان الدليل على وجود الله دليلاً عقلياً.

أما الذين يقولون بقدم العالم وأنه أزلي لا أول له، والذين يقولون بقدم المادة وأنها أزلية لا أول لها فإنهم يقولون: إن العالم غير محتاج إلى غيره بل هو مستغنٍ بنفسه لأن الأشياء الموجودة في العالم هي عبارة عن صور متعددة للمادة إذ هي كلها مادة. فاحتياج بعضها للبعض الآخر ليس احتياجاً. لأن احتياج الشيء لنفسه لا يكون احتياجاً بل هو مستغنٍ بنفسه عن غيره. وعليه تكون المادة أزلية لا أول لها لأنها مستغنية بنفسها عن غيرها أي أن العالم أزلي قديم مستغن بنفسه عن غيره.
والجواب على ذلك موجود وفهو ما قررناه من احتياج الشيء إلى نسبة معينة لا يستطيع أن يتعداها حتى يتأتى له سد حاجة غيره وبيان ذلك:
أن (أ) محتاج إلى (ب) و(ب) محتاج إلى(ج) و(ج) محتاج إلى (أ) وهكذا فإن احتياجها لبعضها دليل على أن كل واحد منها ليس أزلياً، وكون بعضها يكمل بعضاً أو يسد حاجة البعض الآخر لا يتأتى بشكل مطلق، وإنما يحصل وفق نسبة معينة، أي وفق ترتيب معين، ولا يمكنه أن يقوم بالتكميل إلا حسب هذا الترتيب أو يعجز عن الخروج عنه، فيكون الشيء المكمِّل لم يكمل وحده أي لم يسد الحاجة وحده، بل سدها بترتيب فُرض عليه من غيره وأُجبر على الخضوع له، فيكون الشيء المكمَّل والشيء الذي كمَّله قد احتاجا إلى من عيَّن لهما الترتيب المعين حتى سدت الحاجة ولم يستطيعا أن يخالفا هذا الترتيب، ولا يحصل سد الحاجة بغير هذا الترتيب، فيكون الذي فرض الترتيب عليها هو المحتاج إليه، وبذلك تكون الأشياء في مجموعها ولو كمَّل بعضها بعضاً لا تزال محتاجة إلى غيرها، أي محتاجة إلى من أجبرها على الخضوع حسب الترتيب المعيَّن. فمثلاً الجليد حتى يتحول إلى ماء يحتاج إلى الحرارة فيقولون أن الماء مادة والحرارة مادة والجليد مادة، فالمادة حتى تحولت إلى صورة أخرى من المادة احتاجت إلى المادة أي احتاجت إلى نفسها وليس لغيرها، ولكن الواقع هو غير هذا. فإن الماء حتى يتحول إلى جليد يحتاج إلى حرارة بدرجة معينة لا إلى الحرارة فقط.

والحرارة شيء، وكونها لا تؤثر إلا بدرجة معينة أمر آخر، وهو غير الحرارة. أي أن النسبة المفروضة على الحرارة حتى تؤثر، وعلى الماء حتى يتأثر، هذه النسبة ليست آتية من الماء، وإلا لاستطاع أن يتأثر كما يشاء، وليست آتية من الحرارة، وإلا لاستطاعت أن تؤثر كما تشاء. أي ليست آتية من المادة نفسها، وإلا لاستطاعت أن تؤثر وأن تتأثر كما تشاء، بل لابد أن تكون آتية من غير المادة. وعليه تكون المادة قد احتاجت إلى مَن يعيِّن لها نسبة معينة حتى يحصل لها التأثير، أو يحصل فيها التأثر، وهذا الذي يعين لها هذه النسبة هو غيرها. فتكون المادة محتاجة إلى غيرها. فهي إذن ليست أزلية، لأن الأزلي القديم لا يحتاج إلى غيره فهو مستغن عن غيره، والأشياء كلها تستند إليه. فعدم استغناء المادة عن غيرها دليل يقيني على أنها ليست أزلية فهي مخلوقة. ونظرة واحدة للعالم تجعل أي إنسان يدرك أن إيجاد الأشياء - سواء أكانت مما يشغل حيزاً أم مما هو من الطاقة - لا يمكن أن يتم إلا من أشياء مدركة محسوسة ومن ترتيب معين بين هذه الأشياء المدركة المحسوسة حتى يتأتى إيجاد الشيء، فلا يوجد في هذا العالم إيجاد منه من عدم، ولا يوجد إيجاد منه من غير تحكم هذه النسبة في الموجَد وخضوعه لها. أي لا يوجد في هذا العالم شيء قد وجد من عدم ولا من غير نسبة، أي من غير ترتيب معيَّن. فتكون الأشياء التي توجَد والتي وجدت في العالم ليست أزلية ولا قديمة. أما بالنسبة للأشياء التي توجد فواضح في أنها وجدت من أشياء مدركة محسوسة، وواضح أيضاً في أنها في وجودها خضعت لنسبة معينة فُرضت عليها فرضاً. وأما بالنسبة للأشياء التي وجدت فواضح في عجزها عن الإيجاد من عدم وواضح في أنها خاضعة جبراً عنها لترتيب معين فرض عليها فرضاً، وهو ليس آتياً منها، وإلا لكانت قادرة على تركه وعلى عدم الخضوع له، فهو آتٍ من غيرها. فعجز الأشياء المدركة المحسوسة في العالم أي عجز العالم عن الإيجاد من عدم، وخضوعه لترتيب معين آتٍ من غيره دليل يقيني على أن العالم ليس أزلياً ولا قديماً بل هو مخلوق للأزلي القديم. أما الذين يقولون إن الخلق هو التقدير والتكييف وينكرون وجود الخالق من عدم فإن قولهم هذا معناه أن الأشياء المدركة المحسوسة والترتيب المعين المفروض عليها هما اللذان يخلقان، لأن التقدير والتكييف لا يمكن أن يتأتى إلا بوجود شيء مدرك محسوس وبوجود ترتيب معين آت من غير هذا الشيء. وهذا يجعل الخلق آتياً من هذين الأمرين - الأشياء المدركة المحسوسة والترتيب المعيَّن - فيكونان هما الخالقين. هذا هو ما يعنيه القول بأن الخلق هو التقدير والتكييف، وهذا باطل قطعاً. لأن الترتيب المعين لم يأت من الأشياء ولا من نفسه بل قد فرضه على الأشياء المدركة المحسوسة غيرها مما هو ليس مدركاً ولا محسوساً.

احمد ادريس
09/10/2007, 05:36 PM
وبذلك يتبين أنه لا يمكن أن يكون التكييف والتقدير خلقاً، لأنه يستحيل به وحده أن يتم الإيجاد، بل لابد من وجود شيء غير مدرك ولا محسوس يفرض ترتيباً معيناً للأشياء المدركة المحسوسة حتى يتأتى الإيجاد. وبهذا يظهر أن التكييف والتقدير ليس بخلق، ولا يمكن أن يتم به وحده إيجاد مطلقاً.

على أن الخالق إذا لم يخلق الأشياء المدركة المحسوسة من عدم لا يكون خالقاً لأنه يعجز عن إيجاد الأشياء بإرادته وحده، ويخضع لوجود شيء معه يستطيع أن يوجد. وبذلك يكون عاجزاً ويكون غير أزلي لأنه عَجِزَ عن الإيجاد بنفسه واحتاج إلى غيره، والعاجز والمحتاج ليس أزلياً. وفوق ذلك فإن الخالق معناه الواقعي هو الموجد من عدم، وذلك أن معنى كونه خالقاً أن الأشياء تستند في وجودها إليه وحده وهو لا يستند إلى شيء. فإذا لم يخلق الأشياء من عدم وعجز عن الخلق إذا لم تكن هنالك أشياء موجودة، فإنه يكون مستنداً إلى الأشياء في الإيجاد وتكون الأشياء غير مستندة إليه وحده، وهذا يعني أنه ليس هو وحده الخالق، فلا يكون خالقاً. وإذن لابد أن يكون الخالق موجداً الأشياء من عدم حتى يكون خالقاً وأن يكون متصفاً بالقدرة والإرادة، مستغنياً عن الأشياء، أي لا يستند إلى شيء وتستند الأشياء في وجودها إليه. ومن هنا كان لابد أن يكون الإيجاد إيجاداً من عدم حتى يكون خلقاً ولابد أن يكون الموجد موجداً من عدم حتى يكون خالقاً.

وأما الدليل على الإيمان بالملائكة فهو نقلي، قال الله تعالى ( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ ) وقال ( وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ ) وقال ( وَالْمُؤْمِنُونَ كُلُّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ) وقال ( وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً ) .
وأما الدليل على الإيمان بالكتب فإنه يختلف بالنسبة القرآن عنه بالنسبة لباقي الكتب السماوية. أما دليل أن القرآن من عند الله وأنه كلام الله فهو دليل عقلي، لأن القرآن واقع محسوس ويمكن للعقل أن يدرك كونه من عند الله. فالقرآن كلام عربي في ألفاظه وجمله. والعرب قد نطقوا بكلام. منه الشعر بأنواعه، ومنه النثر بأنواعه، وكلامهم محفوظ في الكتب ومنقول عنهم استظهاراً نقله الخلف عن السلف ورواه بعضهم عن بعض. فهو إما أن يكون من طراز كلامهم من حيث هو، فيكون قد قاله عربي بليغ، وإما أن يكون من غير طراز كلامهم فيكون الذي قاله غير العرب. وهو إما أن يقدر العرب أن يقولوا مثله وأما أن يعجزوا عن أن يقولوا مثله، مع أنه كلام عربي. فإن قالوا مثله فقد استطاعوا أن يأتوا بمثله، فيكون كلام بشر مثلهم، وإن عجزوا عن الإتيان بمثله مع أنه كلام عربي وهم فصحاء العرب وبلغاؤهم، لم يكن كلام بشر.

والناظر في القرآن وفي كلام العرب يجد أن القرآن طراز خاص من القول لم يسبق للعرب أن قالوا مثل هذا الطراز، ولا أتوا من هذا النمط من القول في شيء، لا قبل نزول القرآن ولا بعد نزوله، حتى ولا تقليداً له ومحاكاة لأسلوبه، فدلَّ ذلك على أن العرب لم يقولوا هذا القول فهو كلام غيرهم. وقد ثبت بالتواتر الذي يفيد القطع واليقين أن العرب عجزوا عن أن يأتوا بمثل القرآن من القول مع تحدي القرآن لهم. فقد قال لهم القرآن ( وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ) وقال ( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ، قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) وقال ( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ، قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ) وقال ( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ) . وبالرغم من هذا التحدي الصارخ فإنهم عجزوا عن أن يأتوا بمثله. وإذا ثبت أن القرآن لم يقله العرب ولم يستطيعوا أن يأتوا بمثله فقد ثبت أن القرآن من عند الله وأنه كلام الله، لأنه يستحيل أن يقوله غير العرب لأنه كلام عربي ولأنه أعجز العرب. ولا يقال أنه كلام محمد لأن محمداً عربي ومن العرب. فإذا ثبت العجز على جنس العرب فقد ثبت العجز عليه لأنه من العرب.

احمد ادريس
09/10/2007, 05:39 PM
على أن طراز التعبير من حيث الألفاظ والجمل يخضع له كل إنسان حسب ما هو متعارف عليه في عصره أو ما روي عن كلام السابقين له. وهو حين يجدد في التعبير إنما يجدد في استعمال الألفاظ والتعابير لمعانٍ جديدة أو خيال جديد ويستحيل أن ينطق بما لم يسبق أن أحسه. والمشاهد في طراز القرآن أن التعبير فيه من حيث الألفاظ والجمل لم يكن معروفاً في عصر الرسول ، ولا من قبله لدى العرب. فيستحيل عليه كبشر أن ينطق بشيء لم يسبق أن وقع عليه حسه، لاستحالة ذلك عقلاً، فيستحيل أن يكون طراز التعبير القرآني من حيث الألفاظ والجمل صادراً من محمد ما دام لم يسبق لحسه أن وقع عليه، فيكون القرآن كلام الله وقد أتى به محمد  من عند الله. وذلك ثابت بالدليل العقلي حين نزل القرآن، وثابت بالدليل العقلي الآن، لأنه لا يزال معجزاً للبشر عن أن يأتوا بمثله، ولا يزال هذا الإعجاز ثابتاً بالحس مُدركاً إدراكاً حسياً للعالمين.
والحاصل أن القرآن إما أن يكون من العرب أو من محمد أو من الله لأنه كله عربي ولا يمكن أن يأتي من غير واحد من هذه الثلاث. أما أنه من العرب فباطل لأنهم عجزوا عن الإتيان بمثله وأقروا بعجزهم. وكان واقعهم حتى اليوم العجز عن الإتيان بمثله، فدل على أنه ليس من العرب، فيكون إما من محمد وإما من الله. أما أنه من محمد فباطل لأن محمداً واحد من العرب ومهما سما العبقري لا يمكن أن يخرج عن عصره؛ فإذا عجز العرب عجز محمد وهو واحد منهم. على أنه روي عن محمد حديث بطريق التواتر مثل قوله عليه السلام (مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ) "أخرجه مسلم" وإذا قورن كلام محمد مع القرآن لا يوجد أي تشابه بين الكلامين، فدل على أن القرآن ليس كلام محمد فثبت أنه كلام الله.
على أن جميع الشعراء والكتاب والفلاسفة والمفكرين من بني الإنسان في العالم يبدءون بأسلوب فيه بعض الضعف، ويأخذ أسلوبهم في الارتفاع إلى أن يصلوا إلى ذروة قدرتهم. ولذلك يكون أسلوبهم مختلفاً قوة وضعفاً، فضلاً عن وجود بعض الأفكار السخيفة والتعابير الركيكة في كلامهم، في حين نجد القرآن من أول يوم نزلت فيه أول آية  اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ  إلى آخر آية نزلت  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا  أسلوبه هو هو في الذروة من البلاغة والفصاحة وعلو الأفكار وقوة التعبيرات، لا تجد فيه تعبيراً واحداً ركيكاً ولا فكراً واحداً سخيفاً، بل هو قطعة واحدة، وكله في الأسلوب جملة وتفصيلاً كالجملة الواحدة، مما يدل على أنه ليس كلام البشر المعرَّض للاختلاف في التعبيرات والمعاني، وإنما هو كلام رب العالمين.
هذا بالنسبة للقرآن من الكتب السماوية التي طلب الإسلام الإيمان بها. وأما باقي الكتب السماوية فإن دليلها نقلي وليس بعقلي قال الله تعالى  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ ) وقال( وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وقال  وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) وقال ( وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ . وقال  وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ) .
وأما الدليل على الإيمان بالرسل فهو بالنسبة لسيدنا محمد  يختلف عنه بالنسبة لباقي الرسل. فالدليل على نبوة سيدنا محمد  عقلي وليس نقلياً، لأن دليل كون من يدعي النبوة والرسالة أنه نبي ورسول هو المعجزات التي جاء بها دليلاً على رسالته، والشريعة التي جاء بها مؤيدة بهذه المعجزات. ومعجزة سيدنا محمد  التي هي دليل على نبوته ورسالته هي القرآن، والشريعة التي جاء بها إنما هي القرآن، وهو نفسه معجز ولا يزال حتى الآن معجزاً. وبما أنه ثبت بطريق التواتر الذي هو دليل قاطع يقينيٌ أن محمداً صلى الله عليه وسلم هو الذي جاء بالقرآن، وثبت أن القرآن هو شريعة الله وهو من عند الله، ولا يأتي بشريعة الله إلا الأنبياء والرسل، فيكون هذا دليلاً عقلياً على أن محمداً صلى الله عليه وسلم نبي ورسول من عند الله.

احمد ادريس
09/10/2007, 05:41 PM
أما معجزات باقي الأنبياء فإنها ذهبت وانقضت ، والكتب الموجودة الآن لا يقوم دليل عقلي على أنها من عند الله لأن المعجزة التي تؤيد كون هذه الكتب من عند الله قد انقطعت وانقضت ، فلا يقوم دليل عقلي على نبوة أي رسول أو نبي من الأنبياء ما عدا سيدنا محمداً  . ولكن تثبت نبوتهم ورسالتهم بالدليل النقلي ، قال الله تعالى آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وقال  قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ  .
وأما الدليل على الإيمان باليوم الآخر وهو يوم القيامة، فهو دليل نقلي وليس دليلاً عقلياً، لأن يوم القيامة لا يدركه العقل. قال الله تعالى  وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ  وقال  فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ  وقال  لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ  وقال وَأَنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً وقال  فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ، وَحُمِلَتْ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً، فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتْ الْوَاقِعَةُ، وَانشَقَّتْ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ،وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ،يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ وقال رسول الله  (الإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَبِلِقَائِهِ وَرُسُلِهِ وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ) أخرجه البخاري عن أبي هريرة.
هذه هي الأمور التي يجب الإيمان بها وهي خمسة أمور: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن أيضاً بالقضاء والقدر، ولا يطلق الإيمان بالإسلام على الشخص ولا يعتبر مسلماً إلا إذا آمن بهذه الخمسة جميعها وآمن بالقضاء والقدر. قال الله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا . فقد جاء القرآن والحديث ينص على هذه الأمور الخمسة بشكل صريح ظاهر التنصيص على كل منها باسمه ومسمَّاه، ولم يرد الإيمان بغير هذه الخمسة بنص صريح قطعي بأمر معين باسمه و مسماه كما ورد بهذه الأمور، وإنما النصوص القطعية الثبوت القطعية الدلالة وردت بهذه الأمور الخمسة ليس غير.
نعم قد ورد الإيمان بالقدر في حديث جبريل في بعض الروايات فقد جاء قال: (وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ) "أخرجه مسلم عن عمر بن الخطاب". إلا أنه خبر آحاد علاوة على أن المراد بالقدر هنا علم الله وليس القضاء والقدر الذي هو موضع خلاف في فهمه. وأما مسألة الإيمان بالقضاء والقدر بهذا الاسم و بمسماها الذي جرى الخلاف في مفهومه فلم يرد بها نص قطعي. إلا أن الإيمان بمسماها من العقيدة فهي مما يجب الإيمان به. ولم تُعرف بهذا الاسم وهذا المسمى في عصر الصحابة مطلقاً فلم يرد نص صحيح بورودها بهذا الاسم والمسمى، وإنما اشتهرت في أوائل عصر التابعين. وصارت تُعرف وتُبحث منذ ذلك الحين. والذي أتى بها وجعلها موضوع البحث هم المتكلمون. فإنها لم توجد قبل نشأة علم الكلام ولم يبحثها باسمها هذا "القضاء والقدر" وبمسماها سوى المتكلمين بعد انتهاء القرن الأول الهجري.

سعيد نويضي
09/10/2007, 06:36 PM
بسم الله الرحيم الرحيم...



تحية صادقة لللأساتذة...

أعتقد أن مسألة إثبات الفطرة...فطرة الإيمان...تحتاج في كل زمان من يزيل عنها ما علق بها من الشوائب...ذلك أن تيارات الواقع تقدف بموجات متتالية من الافكار و التوجهات و النظريات...و بالتالي كل ريح يأتي بلقاء جديد...قد يكون في اتجاه إحياء البذرة من جدورها و استقامة ساقها لتعطي ثمارا نافعة و صالحة للمجتمع و الأمة...أو تكون وبالا عليها فتخرج نباتها نكدا يضر اكثر مما ينفع...فالفطرة السليمة قد يصيبها انحراف بسبب ما... أمراض اجتماعية قد تصيب قلب المجتمع...فينتج خطابا و افكارا...قد يعتقد منتجها أنه يقدم عملا صالحا...في حين أن الشيطان زين له سوء عمله فبدا له حسنا...خاصة إذا كان هذا الشيطان قد أقسم بعزة من خلق الخلق جميعا...ليقعدن لهم صراطك المستقيم...و لن يفلت من قبضة إلا من رحم رب من عباده المخلصين[اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين]...

فإذا كانت الفطرة هي الاستعداد الطبيعي الذي وضعه الله جل و علا في الإنسان ليصدق و يتعلم و يقبل و يرفض و يؤمن و يكفر و يكذب وووو العديد من العمليات القلبية و العقلية التي تؤطر السلوك...كانت هذه"الجوهرة" قابلة للتشكيل بحسب التنشئة الاجتماعية...على النمط السائد في المجتمع من معتقدات و مبادئ و تصورات و تقاليد و عادات...لذلك قال الشيخ الألباني : صحيح سند الحديث : حدثنا القعنبي عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه كما تناتج الإبل من بهيمة جمعاء هل تحس من جدعاء قالوا يا رسول الله أفرأيت من يموت وهو صغير قال الله أعلم بما كانوا عاملين"...

فالمسؤولية تقع على القائمين على التنشئة و التربية و التعليم في التوجيه السليم لإنتاج فكر قويم...فمقولة أموت على عقيدة أمي أو عقيدة عجائز نيسبور...لا تعني سوى الفطرة التي تربى عليها الشيخ الجليل فقد قاموا على تربيته التربية السليمة...

هذه المسألة تردنا لتساؤل كان قد طرحه الأخ الأستاذ أحمد إدريس من قبل في هذه الصفحة...و هي كيف يفكر الإنسان؟ و قد قام بشرحها بشكل جيد عميق و مستنير...مما ينم عن فكر مدرك لحقائق الأمور...و لا بأس إن كان من باب التوضيح ليس إلا... أن نعيد طرح السؤال و ليس من قبيل الجدل العقيم...


التفكير هو قدرة يتوفر عليها الإنسان...هذه القدرة تقوم بوظيفة ذهنية...هذه الوظيفة الذهنية تسمى "المعرفة" و كل وظيفة تحتاج إلى آليات...تشترك فيها العديد من المخلوقات التي تنتمي لنفس النوع...هذه الوظيفة الذهنية تحتاج إلى مركز تستقر فيه تلك الآليات و تشتغل بما لديها من أجهزة...و حتى تقوم بعملها متعاونة فيما بينها منسجمة مع خصائصها...تحتاج كذلك إلى خزان تتجمع فيه الأسس الأولى لعملية التفكير....ذاك الخزان هو الذي يسمى بالذاكرة...التي تتشكل من مرحلة الولادة إلى آخر مرحلة من مراحل حياة الفرد...

فيكون المركز هو الدماغ...و تكون الآليات هي الحواس...على اعتبار أن تلك الحواس هي بمثابة قنوات...تمر منها المعلومات الموجودة في العالم الخارجي أو ما نسميه عادة بالواقع المحيط بالذات...و معروف أن العالم الخارجي يتضمن مجموعة من الأشياء، منها ما هو متشابه و منها ما هو مختلف، شكلا و لونا و معنى...كذلك يتميز بمجموعة من الأصوات تتشابه و تختلف شكلا و مضمونا...بالإضافة إلى مجموعة من الرموز تتشابه و تختلف هي الأخرى شكلا و معنى...و تكون وظيفة التفكير هي إدراك تلك الأشياء...بحيث تتحول تلك المدركات من إحساسات إلى معاني و رموز و عواطف... و الذي يعطي لتلك الإحساسات معاني و دلالات هو الوسط التربوي و الفضاء التعليمي الذي يتشرب منه الكائن البشري مقومات تجعل من سلوكه سلوكا اجتماعيا يتطابق مع المناخ الفكري السائد ...فتتكون لدى الفرد ما يسمى "المعرفة"...

و الجميل في كل هذا بل المذهل هو قدرة هذه الوظيفة على استيعاب المعرفة و إنتاج أفكار و اكتشاف أخرى لم تكن موجودة من قبل...تضاف إلى المعرفة السابقة بشكل تراكمي بصفة عامة...و بشكل كيفي بصفة خاصة...بحيث يمكن القول أن التفكير هو عملية استهلاك و تدبير وتداول و إنتاج الأفكار...فما الذي يميز الأشخاص بعضهم عن بعض؟ الذي يميز بعضهم عن بعض هو كيفية استعمال تلك القدرة و تنميتها و تطويرها...و من هنا كان العلم بمعناه الواسع أشمل من المعرفة...و العلم يحتاج بالإضافة لما سبق...حاسة أخرى...هي في الواقع حاسة تشترك فيها الحواس الأخرى...و تختلف درجتها من حاسة لأخرى...هذه الحاسة المشتركة بينهم هي ما يسمى"الذكاء"...أو كما سماها الأستاذ درجة الربط بين الفكر و الواقع الخارجي...

فالتفكير السطحي لا يتجاوز ظاهر الأحداث...و هذا قد يصبح محمودا عند بعض الشيوخ إذا كان ذلك سيؤدي بالفطرة إلى الانحراف...و قد يكون مذموما عند بعض الشيوخ كذلك الذي يعتقدون في قدرة العقل على توجيه الفطرة الوجهة السليمة و القويمة...أما التفكير العميق الذي يعتبر أساس التقدم العلمي و ما نتج عنه من ثورات معرفية في مختلف المجالات المادية و غير المادية...كان سببا في الصدمة الحضارية التي أطل بها الغرب على العالم العربي ـ الإسلامي في بداية القرن...و كان من بين الأفكار التي عصفت ببعض المسلمات التي كان يقوم عليها التفكير السطحي...أن الأرض قائمة على قرني ثور ...و غير ذلك من الأفكار التي عششت لزمن طويل و قلصت من دور العقل في إثبات مجموعة من الحقائق...و بالتالي يمكن القول أن ما حملت الجدة من معارف كان يتأرجح بين ما هو صائب و ما هو خاطئ...كما يجب التذكير أن هذا التفكير العميق حمل معه تفكير عقيم كالتفكير الماركسي الذي جعل من الإنسان مادة لا تختلف عن الشجر أو الحجر....لذلك أعتقد أن الطرح الذي تقدم به الأستاذ أحمد من كون التفكير المستنير هو تفكير يقف على رجلين و ينظر بعينين و يسمع بأذنين و يتكلم بلسان يبتغي منه رضوان الله عز وجل...فالمادة بكل أشكالها ما خلقت إلا لحكمة هي تسخيرها لهذا الإنسان...الذي قال في حقه الله عز و جل: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً }الكهف54...ولقد وضَّحنا ونوَّعنا في هذا القرآن للناس أنواعًا كثيرة من الأمثال؛ ليتعظوا بها ويؤمنوا. وكان الإنسان أكثر المخلوقات خصومة وجدلا.

دمتم في حفظ الله و رعايته...

معاذ أبو الهيجاء
10/10/2007, 04:09 AM
مثل العادة الأستاذ جواد لا يدخل في النقاش و يتركه و هذه عادته لم يكمل نقاش في حياته حتى النهاية و الغريب أنه بحياته ما تناول فكرة الاخر بالأخذ و الرد .

فالحوار معه يجب ان ينصب على تحذير الأمة من أفكاره ليس غير .

الأستاذ احمد بارك الله فيكم و عسى ان يفهم جواد ما تفضلتم به أو قل عسى أن يقراء شيء منه .

احمد ادريس
11/10/2007, 05:20 AM
جزاك الله خير اخ معاذ
كنت اتكنى من الاخ جواد ان يكمل عله الحق عنده فنتبعه ولكن مع الاسف
اطلعت على الفكر الشيوعي وانا في مرحلة الثانوية وقرات منه وتاثرت به ولكن بقيت عندي شكوك في صحة الامر ورغم ان قرات في الكثير من الملفات الاسلامية للكتاب المشهورين ولكن لم اجد الرد الشافي الا عند القليل والحمد لله الذي هدانا لهذا