المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الجزء الأول من قصة سأعود ثانية ( محاولة لكي يظهر النص )



إبراهيم محمد إبراهيم
04/10/2007, 08:05 AM
سأعود ثانية
واجده تبسم
نقلها عن الأردية
د . إبراهيم محمد إبراهيم

كان الجو في الجنة منعشاً للروح ، وكان الفضاء بقطع السحاب الجميل الساحر يرسم منظراً خلاباً ، والهواء محملاً بالروائح الجميلة . كانت القداسة تلفّ المكان بأكمله ، وكان الإله (1) متربعاً على عرشه . في تلك الأثناء جاء أحد ملائكة هذا الإله مرفرفاً بأجنحته الحريرية ، ثم أحنى رأسه في أدب متوقفاً أمام الإله . خاطبه الإله بلين قائلاً :
· تكلم أيها الملاك ، ما الأمر ؟.
لم يرفع الملاك رأسه ، إذا لم يسمح له التأدب والاحترام أن يفعل ذلك ، ولهذا قال وهو لا يزال محنيّ الرأس :
· أيها الإله العالم ، ذلك الرجل صاحب الإزار (2) ...
وقبل أن يكمل الملاك مقولته قال الإله :
· ألم يرتدي ملابس الجنة حتى الآن ؟!.
· كلا أيها الإله العالم ، ليس هذا هو الموضوع . أما فيما يتعلق بالملابس فإنه لم يرتدي شيئاً منذ أن جاء إلينا من الدنيا ، ودائماً يقول : لن ألبس شيئاً أبداً إلى أن يجد أهلي وشعبي ما يسترون به عوراتهم من الملابس في الدنيا .
· فما الحكاية إذاً ، ألا يتناول الطعام ؟!.
أجاب الملاك في أدب :
· إنه يتناول القليل جداً منه يا سيدي ، يتناول أسوأ وأردأ أنواع الطعام ، ودائماً يقول إنه لن يملأ بطنه بطعام ، ولن يتناول طعاماً جيداً ما لم يأكل شعبه وأهله في الدنيا ملء بطونهم .
قال الإله بقدر من القلق :
· فما الأمر إذاً ، هل يتذكر بعض أهله الذين دخلوا جهنم ويفكر فيهم ؟!.
تمتم الملاك قائلاً :
· كلا يا سيدي ، ليس هذا هو الموضوع أيضاً ، لأن هؤلاء الذين دخلوا جهنم من أهله في غاية السعادة .
فقال الإله في غضب :
· ما هذا الهذيان !. هل يسعد أحد بدخوله جهنم ؟!.
قال الملاك متلعثماً :
· نعم ، نعم يا سيدي ، إنهم يقولون لقد جئنا من الهند ، ولهذا فإنهم مستمتعون للغاية في جهنم !.
عندئذ قال الإله وهو يسعل :
· هذا يعني أن الأحوال في الهند في غاية السوء .
قال الملاك بقدر من السعادة :
· نعم ، وهذا هو الموضوع يا سيدي ، ولهذا يريد ذلك الرجل صاحب الإزار أن يعود إلى الهند ثانية !.
فقال الإله متعجباً بشدة :
· يريد أن يعود إلى الهند !. ولكن لماذا ؟!.
· سيدي ، إنه يقول لقد مضت عليه في الجنة هنا ثلاثون عاماً قضاها في منتهى الراحة والنعيم ، لكنه لا يشعر براحة نفسية ، ولهذا يريد أن يقوم برحلة إلى الهند لعله يصلح من أحوالها .
· ماذا تقول ! . هل يستطيع هذا المجنون أن يصلح الهند التي لم نستطع نحن إصلاحها ؟!. هل عقل هذا الرجل سليم ؟!.
· نعم يا سيدي ، إن عقله سليم للغاية ، وإلا لما طلب هذا الطلب ، لأنه يعرف تأكيداً أنك تحقق لأهل الجنة أمنية كل خمسة وعشرين عاماً ، أية أمنية ، ولقد مضت عليه هنا ثلاثون سنة .
وفجأة استدار الملاك إلى الخلف ، ووجه حديثه إلى صاحب الإزار قائلاً بلهجة مؤدبة وإن كانت قاسية بعض الشيء :
· يا أستاذ ، قل شيئاً ، وإلا سيظن الإله أنني أنا الذي أنبح في صوتي بلا داع عمال على بطال .
عندئذ رفع صاحب الإزار رأسيه المحنية ، وكان الحزن والألم مرتسمين على وجهه ، وانطفأ بريق عينيه ، وباختصار كان شكله العام يوحي بأن البكاء سيغلبه إن عاجلاً أو آجلاً ، لكنه لم يقل شيئاً ، فقال الإله للملاك بقدر من الملل :
· إنه لا يقول شيئاً .
· سيدي ، لقد سلبته الأحزان المتواصلة قدرته على الكلام ، إنني أقرأ ما في قلبه من عينيه .
عندئذ قال الإله بقدر من الغضب :
· من الذي أخبره بأحوال الهند ؟.
أجاب الملاك بقدر من الخوف :
· أهل الجنة الذين جاءوا من الهند .
· هؤلاء الناس دخلوا الجنة ، ومع ذلك لا يزالون يتحدثون عن قصص الآلام والأحزان !. المفترض أن الإنسان عندما يدخل الجنة ينسى كل ماضيه تماماً .
· نعم يا سيدي ، صدقت ، لكن الموضوع هو أنك أنت الذي قلت إن الإنسان لا يعذّب مراراً ، فإن عذّب في الدنيا فلا بد أن يدخل الجنة هنا ، ولهذا كان صاحب الإزار هذا يسأل القادمين من الدنيا إلى الجنة قائلاً : هل نلتم الجنة بحسن طالعكم أم بالمصاعب والآلام التي تحملتموها في الدنيا ؟.
· فبماذا كانوا يجيبونه ؟.
· آه يا سيدي ، لا تسل عن ذلك ، إنها أشياء يصعب تحمل سماعها يا سيدي ، لا أعرف كيف تدير أنت هذه الدنيا !.
زأر الإله :
· ما هذا التخريف أيها الملاك ؟!.
· سامحنى يا سيدي ، لقد خرج هذا الكلام عن حسن نية مني،لأنه ليس عندك هنا ما يعرف بالطوارئ ، وحرية الاستماع متوفرة .
قال الإله في حيرة :
· طوارئ ؟!. ماذا تقصد بالطوارئ ؟!.
عندئذ أجاب الملاك إجابة لا علاقة لها بالسؤال فقال :
· يا سيدي ، لهذا يريد صاحب الإزار العودة إلى الهند ، فالأوضاع هناك في غاية السوء .
قال الإله بلهجة بها بعض الاضطراب :
· حسناً ، اسمع أيها الملاك ، اذهب إلى تلك المشربية في طرف السماء ، وارفع الستارة المعلقة عليها ، ثم انظر ماذا يحدث في الهند الآن وأخبرني به .
قال الملاك في دهشة :
· أنا أخبرك أنت !!. إنك أنت الإله العالم ، أنت تعلم كل شيء .
· نعم ، ولكني أريد أن أعرف تطورات الأمور ، فلقد عكّرت مزاجي الآن .
رفرف الملاك بأجنحته فوصل إلى المشربية ، ورفع الطبقة الزرقاء من السماء ، وما أن نظر إلى أسفل حتى أصابه قدر من الاضطراب فقال :
· أحداث مؤسفة أيها الإله العالم .
قال الإله بلهجة متفكرة :
· أية أحداث ؟.
· لقد نشبت حرب عظيمة في الهند .
ثار الإله قائلاً :
· أيها الملاك الغبي ، إن غفلتك عن التاريخ ستحرمك من المكانة التي وصلت إليها ، فلقد أنعمت عليك بهذا المنصب الذي أنت فيه بسبب علمك ومعرفتك وفراستك ، ومع ذلك تقول كلاماً لا معنى له . لقد مضى قرن كامل على نشوب الحرب وانتهائها .
· لكن هذه حرب أخرى ، فالخريطة هنا مختلفة تماماً .
قال الإله في تلهف :
· خريطة !. فصّل الأمر قليلاً أيها الملاك .
نظر الملاك إلى أسفل وقال :
· أرى العديد من البشر مستلقين على ترابيزات ومناضد يئنون خائفين قلقين ، لقد أتوا بهم إلى هنا رغماً عنهم .
· لكن لماذا أضجعوهم هكذا ، ولماذا أتوا بهم رغماً عنهم .
قال الملاك في حياء وخجل :
· إنهم يخصونهم أيها الإله .
ثار الإله قائلاً :
· يخصونهم !. ماذا يكون الإخصاء هذا ؟!.
قال الملاك وهو لا يزال خجلاً :
· يا سيدي ، إنهم يقطعون عرقاً ما عروقهم .
رفع الإله عقيرته في غضب قائلاً :
· يقطعون أحد عروقهم !. ولكن لماذا ؟. لماذا أيها الملاك ؟!. ألم نخلق الإنسان في الدنيا كاملاً !. فمن هؤلاء حتى يغيروا في تصميماتنا !!.
عقد الملاك بين يديه قائلاً :
· أيها الإله العالم ، إنهم لا يغيرون في تصميماتك ، ولكنهم يجعلونهم غير صالحين للإنجاب .
· قال الإله في غضب مضاعف :
· أيها المجانين ، لقد أرسلنا الإنسان إلى الدنيا بغرض زيادة النسل ، وإلا فكيف تصبح الدنيا جميلة .
· لكن يا سيدي ، إنك تخرب الأمور ، إنهم يقولون إنك أنعمت عليهم بأطفال كثيرين جداً ، وهم في حاجة إلى طعام وشراب أيضاً .
· أيها الملاك !.
· نعم أيها الإله العالم .
· قل لي ، من ينزل المطر ؟!.
· أنت أيها الإله العالم .
· من ينبت الزرع ؟!.
· أنت أيها الإله العالم .
· من يربي الأطفال ؟!.
· أنت أيها الإله العالم .
· ومن يخلق الأطفال ؟!.
· أنت أيها الإله العالم ، إنني على يقين من أنه أنت ، لكن هؤلاء الناس يقولون إنه الإنسان الذي يفعل كل هذا .
قال الإله وهو يرتعد غضباً :
· حقاً ! . لقد تعدى هؤلاء كل الحدود . حسناً ، أخبرني ماذا يحدث أيضاً .
· سيدي ، هل تسمح لي أن أقلّب الأيام قليلاً ، مثلما يقلب أهل الدنيا التقويم حتى أستطيع أن أخبرك ببعض ما مضى أيضاً .
· أسمح لك .
· يا سيدي ، يا سيدي ، مصيبة كبرى .
قال الإله بقدر من الاضطراب :
· ماذا يحدث ؟!.
· إنهم يحرقون البيوت ويطلقون النار على العزّل .
· لكن لماذا ؟.
قال الملاك وهو ينظر إلى أسفل بتمعّن :
· من أجل تنظيف المدينة وتجميلها ، وكل هذه البيوت ، كلها لفقراء معدومين . إنها ليست منازل ، إنها أكواخ وعشش ، إنهم يحرقونها .
· وهل أصبحت المدينة نظيفة ؟!.
قال الملاك وهو يقلب يوماً آخر :
· أف ، أف .
قال الإله بقدر من الاضطراب :
· ماذا حدث الآن ؟.
· إنهم يخلطون اللبن الذي يسقونه للأطفال الفقراء في المدارس بالماء .
الهوامش :
1 - في الأصل ( بهكوان ) إله الهندوس .
2 - الإشارة هنا إلى المهاتما غاندي والذي كان عادة ما يرتدي الإزار فقط وخاصة بعد أن عاد إلى الهند من جنوب أفريقيا وقاد حركات التحرر في الهند في ذلك الوقت .

إبراهيم محمد إبراهيم
04/10/2007, 08:05 AM
سأعود ثانية
واجده تبسم
نقلها عن الأردية
د . إبراهيم محمد إبراهيم

كان الجو في الجنة منعشاً للروح ، وكان الفضاء بقطع السحاب الجميل الساحر يرسم منظراً خلاباً ، والهواء محملاً بالروائح الجميلة . كانت القداسة تلفّ المكان بأكمله ، وكان الإله (1) متربعاً على عرشه . في تلك الأثناء جاء أحد ملائكة هذا الإله مرفرفاً بأجنحته الحريرية ، ثم أحنى رأسه في أدب متوقفاً أمام الإله . خاطبه الإله بلين قائلاً :
· تكلم أيها الملاك ، ما الأمر ؟.
لم يرفع الملاك رأسه ، إذا لم يسمح له التأدب والاحترام أن يفعل ذلك ، ولهذا قال وهو لا يزال محنيّ الرأس :
· أيها الإله العالم ، ذلك الرجل صاحب الإزار (2) ...
وقبل أن يكمل الملاك مقولته قال الإله :
· ألم يرتدي ملابس الجنة حتى الآن ؟!.
· كلا أيها الإله العالم ، ليس هذا هو الموضوع . أما فيما يتعلق بالملابس فإنه لم يرتدي شيئاً منذ أن جاء إلينا من الدنيا ، ودائماً يقول : لن ألبس شيئاً أبداً إلى أن يجد أهلي وشعبي ما يسترون به عوراتهم من الملابس في الدنيا .
· فما الحكاية إذاً ، ألا يتناول الطعام ؟!.
أجاب الملاك في أدب :
· إنه يتناول القليل جداً منه يا سيدي ، يتناول أسوأ وأردأ أنواع الطعام ، ودائماً يقول إنه لن يملأ بطنه بطعام ، ولن يتناول طعاماً جيداً ما لم يأكل شعبه وأهله في الدنيا ملء بطونهم .
قال الإله بقدر من القلق :
· فما الأمر إذاً ، هل يتذكر بعض أهله الذين دخلوا جهنم ويفكر فيهم ؟!.
تمتم الملاك قائلاً :
· كلا يا سيدي ، ليس هذا هو الموضوع أيضاً ، لأن هؤلاء الذين دخلوا جهنم من أهله في غاية السعادة .
فقال الإله في غضب :
· ما هذا الهذيان !. هل يسعد أحد بدخوله جهنم ؟!.
قال الملاك متلعثماً :
· نعم ، نعم يا سيدي ، إنهم يقولون لقد جئنا من الهند ، ولهذا فإنهم مستمتعون للغاية في جهنم !.
عندئذ قال الإله وهو يسعل :
· هذا يعني أن الأحوال في الهند في غاية السوء .
قال الملاك بقدر من السعادة :
· نعم ، وهذا هو الموضوع يا سيدي ، ولهذا يريد ذلك الرجل صاحب الإزار أن يعود إلى الهند ثانية !.
فقال الإله متعجباً بشدة :
· يريد أن يعود إلى الهند !. ولكن لماذا ؟!.
· سيدي ، إنه يقول لقد مضت عليه في الجنة هنا ثلاثون عاماً قضاها في منتهى الراحة والنعيم ، لكنه لا يشعر براحة نفسية ، ولهذا يريد أن يقوم برحلة إلى الهند لعله يصلح من أحوالها .
· ماذا تقول ! . هل يستطيع هذا المجنون أن يصلح الهند التي لم نستطع نحن إصلاحها ؟!. هل عقل هذا الرجل سليم ؟!.
· نعم يا سيدي ، إن عقله سليم للغاية ، وإلا لما طلب هذا الطلب ، لأنه يعرف تأكيداً أنك تحقق لأهل الجنة أمنية كل خمسة وعشرين عاماً ، أية أمنية ، ولقد مضت عليه هنا ثلاثون سنة .
وفجأة استدار الملاك إلى الخلف ، ووجه حديثه إلى صاحب الإزار قائلاً بلهجة مؤدبة وإن كانت قاسية بعض الشيء :
· يا أستاذ ، قل شيئاً ، وإلا سيظن الإله أنني أنا الذي أنبح في صوتي بلا داع عمال على بطال .
عندئذ رفع صاحب الإزار رأسيه المحنية ، وكان الحزن والألم مرتسمين على وجهه ، وانطفأ بريق عينيه ، وباختصار كان شكله العام يوحي بأن البكاء سيغلبه إن عاجلاً أو آجلاً ، لكنه لم يقل شيئاً ، فقال الإله للملاك بقدر من الملل :
· إنه لا يقول شيئاً .
· سيدي ، لقد سلبته الأحزان المتواصلة قدرته على الكلام ، إنني أقرأ ما في قلبه من عينيه .
عندئذ قال الإله بقدر من الغضب :
· من الذي أخبره بأحوال الهند ؟.
أجاب الملاك بقدر من الخوف :
· أهل الجنة الذين جاءوا من الهند .
· هؤلاء الناس دخلوا الجنة ، ومع ذلك لا يزالون يتحدثون عن قصص الآلام والأحزان !. المفترض أن الإنسان عندما يدخل الجنة ينسى كل ماضيه تماماً .
· نعم يا سيدي ، صدقت ، لكن الموضوع هو أنك أنت الذي قلت إن الإنسان لا يعذّب مراراً ، فإن عذّب في الدنيا فلا بد أن يدخل الجنة هنا ، ولهذا كان صاحب الإزار هذا يسأل القادمين من الدنيا إلى الجنة قائلاً : هل نلتم الجنة بحسن طالعكم أم بالمصاعب والآلام التي تحملتموها في الدنيا ؟.
· فبماذا كانوا يجيبونه ؟.
· آه يا سيدي ، لا تسل عن ذلك ، إنها أشياء يصعب تحمل سماعها يا سيدي ، لا أعرف كيف تدير أنت هذه الدنيا !.
زأر الإله :
· ما هذا التخريف أيها الملاك ؟!.
· سامحنى يا سيدي ، لقد خرج هذا الكلام عن حسن نية مني،لأنه ليس عندك هنا ما يعرف بالطوارئ ، وحرية الاستماع متوفرة .
قال الإله في حيرة :
· طوارئ ؟!. ماذا تقصد بالطوارئ ؟!.
عندئذ أجاب الملاك إجابة لا علاقة لها بالسؤال فقال :
· يا سيدي ، لهذا يريد صاحب الإزار العودة إلى الهند ، فالأوضاع هناك في غاية السوء .
قال الإله بلهجة بها بعض الاضطراب :
· حسناً ، اسمع أيها الملاك ، اذهب إلى تلك المشربية في طرف السماء ، وارفع الستارة المعلقة عليها ، ثم انظر ماذا يحدث في الهند الآن وأخبرني به .
قال الملاك في دهشة :
· أنا أخبرك أنت !!. إنك أنت الإله العالم ، أنت تعلم كل شيء .
· نعم ، ولكني أريد أن أعرف تطورات الأمور ، فلقد عكّرت مزاجي الآن .
رفرف الملاك بأجنحته فوصل إلى المشربية ، ورفع الطبقة الزرقاء من السماء ، وما أن نظر إلى أسفل حتى أصابه قدر من الاضطراب فقال :
· أحداث مؤسفة أيها الإله العالم .
قال الإله بلهجة متفكرة :
· أية أحداث ؟.
· لقد نشبت حرب عظيمة في الهند .
ثار الإله قائلاً :
· أيها الملاك الغبي ، إن غفلتك عن التاريخ ستحرمك من المكانة التي وصلت إليها ، فلقد أنعمت عليك بهذا المنصب الذي أنت فيه بسبب علمك ومعرفتك وفراستك ، ومع ذلك تقول كلاماً لا معنى له . لقد مضى قرن كامل على نشوب الحرب وانتهائها .
· لكن هذه حرب أخرى ، فالخريطة هنا مختلفة تماماً .
قال الإله في تلهف :
· خريطة !. فصّل الأمر قليلاً أيها الملاك .
نظر الملاك إلى أسفل وقال :
· أرى العديد من البشر مستلقين على ترابيزات ومناضد يئنون خائفين قلقين ، لقد أتوا بهم إلى هنا رغماً عنهم .
· لكن لماذا أضجعوهم هكذا ، ولماذا أتوا بهم رغماً عنهم .
قال الملاك في حياء وخجل :
· إنهم يخصونهم أيها الإله .
ثار الإله قائلاً :
· يخصونهم !. ماذا يكون الإخصاء هذا ؟!.
قال الملاك وهو لا يزال خجلاً :
· يا سيدي ، إنهم يقطعون عرقاً ما عروقهم .
رفع الإله عقيرته في غضب قائلاً :
· يقطعون أحد عروقهم !. ولكن لماذا ؟. لماذا أيها الملاك ؟!. ألم نخلق الإنسان في الدنيا كاملاً !. فمن هؤلاء حتى يغيروا في تصميماتنا !!.
عقد الملاك بين يديه قائلاً :
· أيها الإله العالم ، إنهم لا يغيرون في تصميماتك ، ولكنهم يجعلونهم غير صالحين للإنجاب .
· قال الإله في غضب مضاعف :
· أيها المجانين ، لقد أرسلنا الإنسان إلى الدنيا بغرض زيادة النسل ، وإلا فكيف تصبح الدنيا جميلة .
· لكن يا سيدي ، إنك تخرب الأمور ، إنهم يقولون إنك أنعمت عليهم بأطفال كثيرين جداً ، وهم في حاجة إلى طعام وشراب أيضاً .
· أيها الملاك !.
· نعم أيها الإله العالم .
· قل لي ، من ينزل المطر ؟!.
· أنت أيها الإله العالم .
· من ينبت الزرع ؟!.
· أنت أيها الإله العالم .
· من يربي الأطفال ؟!.
· أنت أيها الإله العالم .
· ومن يخلق الأطفال ؟!.
· أنت أيها الإله العالم ، إنني على يقين من أنه أنت ، لكن هؤلاء الناس يقولون إنه الإنسان الذي يفعل كل هذا .
قال الإله وهو يرتعد غضباً :
· حقاً ! . لقد تعدى هؤلاء كل الحدود . حسناً ، أخبرني ماذا يحدث أيضاً .
· سيدي ، هل تسمح لي أن أقلّب الأيام قليلاً ، مثلما يقلب أهل الدنيا التقويم حتى أستطيع أن أخبرك ببعض ما مضى أيضاً .
· أسمح لك .
· يا سيدي ، يا سيدي ، مصيبة كبرى .
قال الإله بقدر من الاضطراب :
· ماذا يحدث ؟!.
· إنهم يحرقون البيوت ويطلقون النار على العزّل .
· لكن لماذا ؟.
قال الملاك وهو ينظر إلى أسفل بتمعّن :
· من أجل تنظيف المدينة وتجميلها ، وكل هذه البيوت ، كلها لفقراء معدومين . إنها ليست منازل ، إنها أكواخ وعشش ، إنهم يحرقونها .
· وهل أصبحت المدينة نظيفة ؟!.
قال الملاك وهو يقلب يوماً آخر :
· أف ، أف .
قال الإله بقدر من الاضطراب :
· ماذا حدث الآن ؟.
· إنهم يخلطون اللبن الذي يسقونه للأطفال الفقراء في المدارس بالماء .
الهوامش :
1 - في الأصل ( بهكوان ) إله الهندوس .
2 - الإشارة هنا إلى المهاتما غاندي والذي كان عادة ما يرتدي الإزار فقط وخاصة بعد أن عاد إلى الهند من جنوب أفريقيا وقاد حركات التحرر في الهند في ذلك الوقت .