المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الجزء الثاني من قصة سأعود ثانية ( محاولة لكي يظهر النص )



إبراهيم محمد إبراهيم
04/10/2007, 08:13 AM
سأعود ثانية
واجده تبسم
نقلها عن الأردية
د . إبراهيم محمد إبراهيم
تأذى الإله كثيراً مما سمع ولم يقل شيئاً ، وفجأة صاح الملاك :
· أيها الإله !.
فصرخ فيه الإله قائلاً :
· تكلّم ، لماذا لا تتكلم ؟.
· انظر هنا إلى هؤلاء الفقراء الجوعى العرايا المرضى الملتصقة بطونهم بظهورهم،الذين لا يجدون حبة قمح واحدة،وانظر هناك إلى تلك الأجولة الممتلئة قمحاً،وقد علق أصحاب المحلات لافتة تقول"لا يوجد قمح". ثم انظر أيها الإله العالم في الداخل،داخل المخازن،إنها مليئة بالأجولة،وانظر يا سيدي إلى الطوابير الممتدة أمام منافذ التموين،لكن الناس يعودون بخفي حنين ، لأن لافتة " انتهت الحصة التموينية " معلقة على كل منفذ .
· لكن من هؤلاء الظلمة ؟!.
· إنهم منهم يا سيدي ، لقد رحل الإنجليز ، لكن ...
سأل الإله في مرارة :
· لكن ماذا ؟.
تجاهل الملاك سؤال الإله وقال وهو ينظر بتمعن إلى أسفل :
· أرى أناساً في منتهى البدانة يتجولون هنا وهناك يا سيدي،يلبسون الإزار وقمصاناً بيضاء اللون،أظن أن هناك اجتماعاً أو ما شابه ذلك . هناك مقاعد وثيرة للغاية ، وبعض الناس يلوحون بأيديهم في الهواء يريدون إقناع الآخرين بما يقولون . هناك كلمات عجيبة تتناهى إلى مسامعي، هناك من يدعي عيسى يذكرونه كثيراً .
حدّق الإله بغضب في الملاك ، فخشع الملاك وقال معتذراً :
· لا يا سيدي ، إنه لا علاقة له بعيسى عليه السلام ، إنه أمر يتعلق بالداخل والخارج وهو في أيدي اليد عيسى هذا .
قال الإله في هدوء :
· أيها الملاك ، لقد أنعمنا عليك بهذا المنصب الذي تشغله بسبب علمك وفطنتك ، ألا تستطيع أن تخبرنا بما يحدث وأنت جالس هنا ؟!.
قال الملاك وهو يرتعد خوفاً :
· كلا يا سيدي ، لا تحكم عليّ بهذا وإلاّ ألقيت نفسي فيها أنا أيضاً .
أسقط في يد الإله لما سمع هذا ، وأخذ الملاك ينظر ثانية ويقص ما يرى :
· انظر إلى أولئك الزعماء أصحاب الكروش المنتفخة !
قاطعه الإله قائلاً :
· إن كانت كروشهم قد كبرت إلى هذا الحد فلماذا لا يطبقون " الرجيم " على أنفسهم ، لماذا لا يقللون من تناول الطعام !.
عقد الملاك بين يديه وقال :
· أيها الإله العالم ، وهل يأكل كل هؤلاء الناس طعاماً ، إنهم يمتصون دماء الفقراء ، وهو غني بالفيتامينات يا سيدي ، لهذا أصابتهم البدانة .
ولم يكد الإله يقول شيئاً حتى صاح الملاك قائلاً :
· بسكويت يا سيدي ، بسكويت !.
صاح الإله في غضب :
· للأسف الشديد أيها الملاك ، برغم أننا نطعمك في الجنة أفخر أنواع الطعام ، لكن عينيك لم تمتلئ لدرجة أنك تصرخ فرحاً لرؤية البسكويت !!.
· كلا يا سيدي الإله العالم ، انظر ، إنه بسكويت من الذهب ، صناديق كبيرة مليئة بهذا البسكويت المزوّر اللامع ، كل هذا البسكويت يحمله الشيالون إلى قصور التجار والزعماء الكبار . انظر يا سيدي ، كم صار الليل مظلماً ، لكنك أنعمت عليّ بقوة في عيوني فترى في الليل مثلما ترى في النهار ...
وأخذ الملاك يقص ما يرى :
· انظر يا سيدي بالداخل،لا،لا،انظر بالخارج أولاً،انظر إلى أكوام الزبالة التي يفتش فيها الفقراء عن أشياء تؤكل أو تشرب ليأكلوا هم ويطعمون أطفالهم،وأما بالداخل أيها الإله العالم فهناك السجاجيد الوثيرة، والمساند والنمارق تملأ المكان بجانب الجدران،والوسائد المحشوة بالريش والحرير،والنجف المتلألئ في الوسط يزين المجلس،والخمر يا سيدي يدور،الخمر الذي حرمته أنت يا سيدي،ولكن من يطيعك أصلاً؟!!.وفي المنتصف هناك رقص يكاد يكون عارياً .
وقال الملاك في خجل :
· ما هؤلاء الناس الذين لا يستحيون !. فتاة شابة ترقص ، والجميع يحدّقون فيها دفعة واحدة ، وانظر يا سيدي ، هذا المجلس ليس في مكان واحد ، وإنما هنا وهناك ، في أماكن ومدن كثيرة .
كان الإله صامتاً من شدة الحزن ، وقلب الملاك يوماً آخر وقال بحزن :
· يا سيدي ، هذه جنازة ، يعني مأتم .
فقال الإله في قلق :
· جنازة !. مأتم !. جنازة من ومأتم من ؟!.
· انتظر قليلاً يا سيدي ، إنني أقرأ . نعم يا سيدي ، إنها جنازة الأردو .
قال الإله في غضب :
· لكنني على ما تسعفني ذاكرتي لم آمر ملك الموت بقبض روح إنسان يدعى " أردو " .
ضحك الملاك قائلاً :
· أيها الإله العالم ، الأردو ليست إنساناً ، إنها لغة ، لغة يا سيدي .
· لغة ؟!. أية لغة هذه !!. وكيف تكون ؟.
· لغة يا سيدي كالتي نتكلمها نحن وأنتم ، كانت هذه المسكينة من نفس النوع .
قال الإله في غضب :
· كانت !!. ماذا تعني بقولك كانت ؟!.
· أعني هذا الذي أراه أمام عيني الآن . لقد ماتت هذه اللغة الآن مع أنها كانت تستخدم منذ زمن طويل ، لكن جنازتها الآن على وشك أن تتحرك . لقد جهز الأخوة هناك التابوت لحملها .
لم يعد الإله يتحمل ما يقال فصاح قائلاً :
· إذا كان الظلم هناك إلى هذا الحد فمن يحكم هناك إذاً ؟!.
أجاب الملاك في خوف :
· أيها الإله العالم ، إن الذي يحكم هناك طفل عمره سنتان .
قال الإله وقد ازداد غضبه :
· ها ذهب عقلك وضعفت ذاكرتك إلى هذا الحد ؟!. ألا تذكر أننا إلى اليوم لم نمنح أحداً الحكم في هذا السن الصغيرة إلا للسلطان أكبر (3) !! فمن أين نزل هذا الحاكم ذو العامين ؟.
· نعم يا سيدي ، نعم ، ربما كان عمره أكبر من ذلك ، لكن عقله عقل طفل في الثانية من عمره ، إنه يا سيدي لا يزال يلعب بالسيارة إلى الآن .
· وماذا تفعل أمه ؟.
· أمه يا سيدي لا تتوقف عن البكاء .
· ولماذا تبكي أمه ؟!. لماذا لا تتدبر أمر طفلها ، ينبغي أن يلعبا معاً أو يبكيا معاً !!.
· إن هذه الأم في مأساة يا سيدي .
سأل الإله بقدر من الفضول :
· أية مأساة ؟!.
· في الحقيقة لقد أفسد التدليل هذا الطفل لدرجة أنه يستغرق في اللعب وينهمك فيه إلى أبعد حد ، إنه يمسك بالقلم ويوقع على أي دوسيه ، وبالطبع ينفذون حكمه ، وهي الآن تبكي لسببين : السبب الأول أن الطفل أصبح مسلطاً عليها ، والسبب الثاني أنها فقدت حكم البلاد ، ولذلك عمت الفوضى وساد الخوف في البلاد كلها يا سيدي ، ولهذا فإن هذا الرجل صاحب الإزار يريد أن يعود إلى البلاد لعام واحد .
ألقى الإله نظرة على الرجل صاحب الإزار الذي يقف منحنياً كشجرة أحناها الخريف فامتلأ قلبه حزناً ، وعندئذ قال للملاك :
· هه ، إذا كانت الفوضى قد عمت البلاد إلى هذا الحد فماذا يفعل الأدباء والمفكرون ؟. أيغطون في نوم عميق !. ألم نعهد إليهم بالقلم لمثل هذا اليوم ؟. تكلم أيها الملاك ، تكلم ، إنك أيضاً حكيم وعاقل وتعرف قيمة القلم ، أليس كذلك ؟.
أحنى الملاك رأسه قائلاً :
· أيها الإله العالم،هناك مثل يجري على ألسنة أهل الهند يقول"لا ترى شيئاً ولا تسمع شيئاً ولا تقل شيئاً"،واليوم حذف أهل الحكم في البلاد لفظ"شيئاً"باعتبار أنه ليس من المناسب أن يأتي لفظ"شيئاً"في مثل رائع كهذا،والآن فإنهم يجبرون الناس بالقوة ليقولوا:لا ترى،لا تسمع،لا تتكلم،فإذا ما اعترض كاتب أو مفكر على شيء اعتقلوه،إنه قانون الطوارئ الذي حدثتك عنه منذ قليل،ولم يعد هناك الآن أي كاتب أو مفكر يقول شيئاً
ولأول مرة ترتسم ابتسامة على وجه الإله ، ربما كانت هذه الابتسامة بسبب فكرة جميلة طرأت له ، ولهذا قال للملاك بقدر من السرية :
· أين إبليس ؟.
أجاب الملاك في دهشة :
· إبليس !. أتعني الشيطان ؟.
قال الإله في سعادة :
· نعم نعم ، دعنا نرسل الشيطان إلى الهند ، وهو هناك ..
ولم يكد الإله يكمل خطته حتى قال الملاك سريعاً :
· إن الشيطان في الهند فعلاً ، وهو سعيد هناك للغاية ، لأنه لحسن حظه لم يستطع أحد أن يخصه ، وأولاده الآن بلا عدد ، ونسله ممتد إلى أبعد حد ، إنه لا يؤمن بموضوع تنظيم النسل هذا .
قال الإله في دهشة :
· نسله ممتد إلى أبعد حد !!.
أجاب الملاك في قدر من عدم الاهتمام :
· نعم ، كل هؤلاء القادة يا سيدي ، أولاد من يكونون ؟!.
قال الإله في قلق :
· لقد كانت فكرة خطرت له ولم تنجح ، ماذا نفعل ، يكاد العقل يتوقف عن العمل .
قال الملاك في قدر من الخوف :
· عندي فكرة يا سيدي ، صحيح أنه من الحماقة أن أشير عليك ، لكن خطرت لي فكرة : لو تأمر باستدعاء هؤلاء الحكام هنا لعدة أيام !!.
وفجأة أطلق الإله صرخة مدوية وسقط مغشياً عليه ، فأقبل عدد كبير من ملائكته مرفرفين بأجنحتهم من كل صوب وحدب ، والتفوا حول عرش الإله ، كما حضر كل الأطباء والحكماء مهرولين ، وكانت رائحة الفردوس وعبقها تفوح منهم جميعاً ، ثم أفاق الإله ، فسأله واحد من كبار الملائكة برقة قائلاً :
· أيها الإله العالم ، ما الذي أخافك إلى درجة أن أغمي عليك هكذا ، إن مثل هذا لم يحدث معك من قبل أبداً .
أجاب الإله وفي صوته مسحة من الحزن :
· إننا ، إننا ، إننا عندما اقترح علينا الملاك العالم أن نستدعي حكام الهند إلى هنا لعدة أيام بغرض إصلاح الهند سقطت مغشياً عليّ خوفاً من أن يأتي هؤلاء الحكام هنا ويعلنون حالة الطوارئ .
أما صاحب الإزار الذي كان يقف محنياً من كثرة الحزن فقد زادته هذه الواقعة حزناً ، وأفقدته توازنه فسقط مغشياً عليه . عندئذ تقدم الملاك العالم وعقد بين يديه وهو يقول :
· لقد فكرنا نحن وأنتم في هذا الموضوع كثيراً ولم نجد له حلاً،فماذا تستطيع أن تفعل أنت مع هؤلاء الحكام،وليس في يدنا الآن سوى أن نشاهد ما يحدث باكين.على أية حال في رأيي المتواضع أن تسمح لهذا الرجل بالذهاب إلى الهند لمدة عام جزاءاً له على فطرته الطيبة ونيته الحسنة،سواء استطاع أن يصلح شيئاً هناك أم لم يستطع .
قال الإله بلهجة مؤثرة في القلوب :
· إننا نحب هذا العبد كثيراً ، ولا نريد أن تخسر جنتنا مثل هذا الرجل الطيب ذي النية الحسنة ، لهذا فإننا نفكر إذا لم يعد إلينا ثانية ، أو لم يرد أن يعود ، عندئذ ...
عقد الملاك بين يديه وأحنى رأسه مبتسماً ابتسامة ذات معنى وقال في أدب :
· باركه أيها الإله العالم ، اليوم يوم السبت الرابع من ديسمبر عام 1976م ، وسنرى إلى أي مدى يصدق هذا الرجل صاحب الإزار فيما يقول ، صدقني ، لن يبقى هناك أكثر من عام واحد .
الهوامش :
3 - السلطان المغولي المعروف جلال الدين أكبر .

إبراهيم محمد إبراهيم
04/10/2007, 08:13 AM
سأعود ثانية
واجده تبسم
نقلها عن الأردية
د . إبراهيم محمد إبراهيم
تأذى الإله كثيراً مما سمع ولم يقل شيئاً ، وفجأة صاح الملاك :
· أيها الإله !.
فصرخ فيه الإله قائلاً :
· تكلّم ، لماذا لا تتكلم ؟.
· انظر هنا إلى هؤلاء الفقراء الجوعى العرايا المرضى الملتصقة بطونهم بظهورهم،الذين لا يجدون حبة قمح واحدة،وانظر هناك إلى تلك الأجولة الممتلئة قمحاً،وقد علق أصحاب المحلات لافتة تقول"لا يوجد قمح". ثم انظر أيها الإله العالم في الداخل،داخل المخازن،إنها مليئة بالأجولة،وانظر يا سيدي إلى الطوابير الممتدة أمام منافذ التموين،لكن الناس يعودون بخفي حنين ، لأن لافتة " انتهت الحصة التموينية " معلقة على كل منفذ .
· لكن من هؤلاء الظلمة ؟!.
· إنهم منهم يا سيدي ، لقد رحل الإنجليز ، لكن ...
سأل الإله في مرارة :
· لكن ماذا ؟.
تجاهل الملاك سؤال الإله وقال وهو ينظر بتمعن إلى أسفل :
· أرى أناساً في منتهى البدانة يتجولون هنا وهناك يا سيدي،يلبسون الإزار وقمصاناً بيضاء اللون،أظن أن هناك اجتماعاً أو ما شابه ذلك . هناك مقاعد وثيرة للغاية ، وبعض الناس يلوحون بأيديهم في الهواء يريدون إقناع الآخرين بما يقولون . هناك كلمات عجيبة تتناهى إلى مسامعي، هناك من يدعي عيسى يذكرونه كثيراً .
حدّق الإله بغضب في الملاك ، فخشع الملاك وقال معتذراً :
· لا يا سيدي ، إنه لا علاقة له بعيسى عليه السلام ، إنه أمر يتعلق بالداخل والخارج وهو في أيدي اليد عيسى هذا .
قال الإله في هدوء :
· أيها الملاك ، لقد أنعمنا عليك بهذا المنصب الذي تشغله بسبب علمك وفطنتك ، ألا تستطيع أن تخبرنا بما يحدث وأنت جالس هنا ؟!.
قال الملاك وهو يرتعد خوفاً :
· كلا يا سيدي ، لا تحكم عليّ بهذا وإلاّ ألقيت نفسي فيها أنا أيضاً .
أسقط في يد الإله لما سمع هذا ، وأخذ الملاك ينظر ثانية ويقص ما يرى :
· انظر إلى أولئك الزعماء أصحاب الكروش المنتفخة !
قاطعه الإله قائلاً :
· إن كانت كروشهم قد كبرت إلى هذا الحد فلماذا لا يطبقون " الرجيم " على أنفسهم ، لماذا لا يقللون من تناول الطعام !.
عقد الملاك بين يديه وقال :
· أيها الإله العالم ، وهل يأكل كل هؤلاء الناس طعاماً ، إنهم يمتصون دماء الفقراء ، وهو غني بالفيتامينات يا سيدي ، لهذا أصابتهم البدانة .
ولم يكد الإله يقول شيئاً حتى صاح الملاك قائلاً :
· بسكويت يا سيدي ، بسكويت !.
صاح الإله في غضب :
· للأسف الشديد أيها الملاك ، برغم أننا نطعمك في الجنة أفخر أنواع الطعام ، لكن عينيك لم تمتلئ لدرجة أنك تصرخ فرحاً لرؤية البسكويت !!.
· كلا يا سيدي الإله العالم ، انظر ، إنه بسكويت من الذهب ، صناديق كبيرة مليئة بهذا البسكويت المزوّر اللامع ، كل هذا البسكويت يحمله الشيالون إلى قصور التجار والزعماء الكبار . انظر يا سيدي ، كم صار الليل مظلماً ، لكنك أنعمت عليّ بقوة في عيوني فترى في الليل مثلما ترى في النهار ...
وأخذ الملاك يقص ما يرى :
· انظر يا سيدي بالداخل،لا،لا،انظر بالخارج أولاً،انظر إلى أكوام الزبالة التي يفتش فيها الفقراء عن أشياء تؤكل أو تشرب ليأكلوا هم ويطعمون أطفالهم،وأما بالداخل أيها الإله العالم فهناك السجاجيد الوثيرة، والمساند والنمارق تملأ المكان بجانب الجدران،والوسائد المحشوة بالريش والحرير،والنجف المتلألئ في الوسط يزين المجلس،والخمر يا سيدي يدور،الخمر الذي حرمته أنت يا سيدي،ولكن من يطيعك أصلاً؟!!.وفي المنتصف هناك رقص يكاد يكون عارياً .
وقال الملاك في خجل :
· ما هؤلاء الناس الذين لا يستحيون !. فتاة شابة ترقص ، والجميع يحدّقون فيها دفعة واحدة ، وانظر يا سيدي ، هذا المجلس ليس في مكان واحد ، وإنما هنا وهناك ، في أماكن ومدن كثيرة .
كان الإله صامتاً من شدة الحزن ، وقلب الملاك يوماً آخر وقال بحزن :
· يا سيدي ، هذه جنازة ، يعني مأتم .
فقال الإله في قلق :
· جنازة !. مأتم !. جنازة من ومأتم من ؟!.
· انتظر قليلاً يا سيدي ، إنني أقرأ . نعم يا سيدي ، إنها جنازة الأردو .
قال الإله في غضب :
· لكنني على ما تسعفني ذاكرتي لم آمر ملك الموت بقبض روح إنسان يدعى " أردو " .
ضحك الملاك قائلاً :
· أيها الإله العالم ، الأردو ليست إنساناً ، إنها لغة ، لغة يا سيدي .
· لغة ؟!. أية لغة هذه !!. وكيف تكون ؟.
· لغة يا سيدي كالتي نتكلمها نحن وأنتم ، كانت هذه المسكينة من نفس النوع .
قال الإله في غضب :
· كانت !!. ماذا تعني بقولك كانت ؟!.
· أعني هذا الذي أراه أمام عيني الآن . لقد ماتت هذه اللغة الآن مع أنها كانت تستخدم منذ زمن طويل ، لكن جنازتها الآن على وشك أن تتحرك . لقد جهز الأخوة هناك التابوت لحملها .
لم يعد الإله يتحمل ما يقال فصاح قائلاً :
· إذا كان الظلم هناك إلى هذا الحد فمن يحكم هناك إذاً ؟!.
أجاب الملاك في خوف :
· أيها الإله العالم ، إن الذي يحكم هناك طفل عمره سنتان .
قال الإله وقد ازداد غضبه :
· ها ذهب عقلك وضعفت ذاكرتك إلى هذا الحد ؟!. ألا تذكر أننا إلى اليوم لم نمنح أحداً الحكم في هذا السن الصغيرة إلا للسلطان أكبر (3) !! فمن أين نزل هذا الحاكم ذو العامين ؟.
· نعم يا سيدي ، نعم ، ربما كان عمره أكبر من ذلك ، لكن عقله عقل طفل في الثانية من عمره ، إنه يا سيدي لا يزال يلعب بالسيارة إلى الآن .
· وماذا تفعل أمه ؟.
· أمه يا سيدي لا تتوقف عن البكاء .
· ولماذا تبكي أمه ؟!. لماذا لا تتدبر أمر طفلها ، ينبغي أن يلعبا معاً أو يبكيا معاً !!.
· إن هذه الأم في مأساة يا سيدي .
سأل الإله بقدر من الفضول :
· أية مأساة ؟!.
· في الحقيقة لقد أفسد التدليل هذا الطفل لدرجة أنه يستغرق في اللعب وينهمك فيه إلى أبعد حد ، إنه يمسك بالقلم ويوقع على أي دوسيه ، وبالطبع ينفذون حكمه ، وهي الآن تبكي لسببين : السبب الأول أن الطفل أصبح مسلطاً عليها ، والسبب الثاني أنها فقدت حكم البلاد ، ولذلك عمت الفوضى وساد الخوف في البلاد كلها يا سيدي ، ولهذا فإن هذا الرجل صاحب الإزار يريد أن يعود إلى البلاد لعام واحد .
ألقى الإله نظرة على الرجل صاحب الإزار الذي يقف منحنياً كشجرة أحناها الخريف فامتلأ قلبه حزناً ، وعندئذ قال للملاك :
· هه ، إذا كانت الفوضى قد عمت البلاد إلى هذا الحد فماذا يفعل الأدباء والمفكرون ؟. أيغطون في نوم عميق !. ألم نعهد إليهم بالقلم لمثل هذا اليوم ؟. تكلم أيها الملاك ، تكلم ، إنك أيضاً حكيم وعاقل وتعرف قيمة القلم ، أليس كذلك ؟.
أحنى الملاك رأسه قائلاً :
· أيها الإله العالم،هناك مثل يجري على ألسنة أهل الهند يقول"لا ترى شيئاً ولا تسمع شيئاً ولا تقل شيئاً"،واليوم حذف أهل الحكم في البلاد لفظ"شيئاً"باعتبار أنه ليس من المناسب أن يأتي لفظ"شيئاً"في مثل رائع كهذا،والآن فإنهم يجبرون الناس بالقوة ليقولوا:لا ترى،لا تسمع،لا تتكلم،فإذا ما اعترض كاتب أو مفكر على شيء اعتقلوه،إنه قانون الطوارئ الذي حدثتك عنه منذ قليل،ولم يعد هناك الآن أي كاتب أو مفكر يقول شيئاً
ولأول مرة ترتسم ابتسامة على وجه الإله ، ربما كانت هذه الابتسامة بسبب فكرة جميلة طرأت له ، ولهذا قال للملاك بقدر من السرية :
· أين إبليس ؟.
أجاب الملاك في دهشة :
· إبليس !. أتعني الشيطان ؟.
قال الإله في سعادة :
· نعم نعم ، دعنا نرسل الشيطان إلى الهند ، وهو هناك ..
ولم يكد الإله يكمل خطته حتى قال الملاك سريعاً :
· إن الشيطان في الهند فعلاً ، وهو سعيد هناك للغاية ، لأنه لحسن حظه لم يستطع أحد أن يخصه ، وأولاده الآن بلا عدد ، ونسله ممتد إلى أبعد حد ، إنه لا يؤمن بموضوع تنظيم النسل هذا .
قال الإله في دهشة :
· نسله ممتد إلى أبعد حد !!.
أجاب الملاك في قدر من عدم الاهتمام :
· نعم ، كل هؤلاء القادة يا سيدي ، أولاد من يكونون ؟!.
قال الإله في قلق :
· لقد كانت فكرة خطرت له ولم تنجح ، ماذا نفعل ، يكاد العقل يتوقف عن العمل .
قال الملاك في قدر من الخوف :
· عندي فكرة يا سيدي ، صحيح أنه من الحماقة أن أشير عليك ، لكن خطرت لي فكرة : لو تأمر باستدعاء هؤلاء الحكام هنا لعدة أيام !!.
وفجأة أطلق الإله صرخة مدوية وسقط مغشياً عليه ، فأقبل عدد كبير من ملائكته مرفرفين بأجنحتهم من كل صوب وحدب ، والتفوا حول عرش الإله ، كما حضر كل الأطباء والحكماء مهرولين ، وكانت رائحة الفردوس وعبقها تفوح منهم جميعاً ، ثم أفاق الإله ، فسأله واحد من كبار الملائكة برقة قائلاً :
· أيها الإله العالم ، ما الذي أخافك إلى درجة أن أغمي عليك هكذا ، إن مثل هذا لم يحدث معك من قبل أبداً .
أجاب الإله وفي صوته مسحة من الحزن :
· إننا ، إننا ، إننا عندما اقترح علينا الملاك العالم أن نستدعي حكام الهند إلى هنا لعدة أيام بغرض إصلاح الهند سقطت مغشياً عليّ خوفاً من أن يأتي هؤلاء الحكام هنا ويعلنون حالة الطوارئ .
أما صاحب الإزار الذي كان يقف محنياً من كثرة الحزن فقد زادته هذه الواقعة حزناً ، وأفقدته توازنه فسقط مغشياً عليه . عندئذ تقدم الملاك العالم وعقد بين يديه وهو يقول :
· لقد فكرنا نحن وأنتم في هذا الموضوع كثيراً ولم نجد له حلاً،فماذا تستطيع أن تفعل أنت مع هؤلاء الحكام،وليس في يدنا الآن سوى أن نشاهد ما يحدث باكين.على أية حال في رأيي المتواضع أن تسمح لهذا الرجل بالذهاب إلى الهند لمدة عام جزاءاً له على فطرته الطيبة ونيته الحسنة،سواء استطاع أن يصلح شيئاً هناك أم لم يستطع .
قال الإله بلهجة مؤثرة في القلوب :
· إننا نحب هذا العبد كثيراً ، ولا نريد أن تخسر جنتنا مثل هذا الرجل الطيب ذي النية الحسنة ، لهذا فإننا نفكر إذا لم يعد إلينا ثانية ، أو لم يرد أن يعود ، عندئذ ...
عقد الملاك بين يديه وأحنى رأسه مبتسماً ابتسامة ذات معنى وقال في أدب :
· باركه أيها الإله العالم ، اليوم يوم السبت الرابع من ديسمبر عام 1976م ، وسنرى إلى أي مدى يصدق هذا الرجل صاحب الإزار فيما يقول ، صدقني ، لن يبقى هناك أكثر من عام واحد .
الهوامش :
3 - السلطان المغولي المعروف جلال الدين أكبر .