المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جنيــــّـه بحريــــه متجســـدة ومرئيســـــــــــة



صلاح م ع ابوشنب
05/10/2007, 03:58 PM
جنية بحرية متجسدة ومرئيه

صلاح ابو شنب

عند الركن النائى لمقهى المطرى الكبرى مائدة مستطيلة خصصها الحاج فتحى لجلسة السمر أيام الصيف .. مشروبات ، ودخان مجانى لكل درويش يأتى الى الركن قادما من الساحة المرسيه أوالقرى الريفيه .
الشيخ عبد الحكيم اعتاد الحضور قبل الآخرين ، الشيخ مرجان يأتى عقبه ، أما الشيخ صابر الاسوانى فلا يأتى الا بعد أن يسحبه الشيخ عبد الحكيم بالأسم على المسبحة .. يراه الجالسون وهو أت نحوهم يتكفأ يفرك عينيه المغمضتين ليطرد عنهما النوم . ما يكاد يجلس حتى يفاجىء الحاضرين بقوله : اقلقت مضجعى يا شيخ عبد الحكيم .. كفاك سحبى بمسبحتك ! فيرد الشيخ : أنت تعرف مواعيدنا ورغم ذلك تنام وتنسانا .....
لحاج عبد اللطيف يرتدى الكاكولا والطربوش التركى ، يجلس دوما بجوار المتر سعدى ابو الحاج ينشغلان سويا بتقسيم الجبن والخبز الطازج بين القطط التى تجمعت بمجرد قدوم الحاج عبد اللطيف .. ينادى كل قطة باسم اسماه لها ، يلقى اليها نصيبها ، تأكله وتنصرف . مرجان كثيرا ما يعلق بقوله : أتمنى أن اعرف من أين يأتى هذا العدد الكبير من القطط بمجرد حضور الشيخ عبد اللطيف؟
سعدى ابو الحاج يتكهن مازحا : ربما بحاسة الشم ..
الشيخ عبد الحكيم : لعله سر بين الشيخ وهذه المخلوقات ...
الشيخ عبد اللطيف : استح يا ولد ...
مرجان : نريد أن نعرف السر ؟
الشيخ عبد الحكيم : عندما تكبر ستعرف ...
مرجان : الى هذا الحد يا مولانا ؟
الشيخ : أحس بأن قلبك مازال ضعيفا ...
الشيخ عبد اللطيف : هل تقدر على حمل السر يا شيخ مرجان ؟
مرجان : جربنى .........
الشيخ عبد اللطيف : موافق
الشيخ : لا داعى لذلك يا شيخ لطيف .
مرجان : أما زلت تعتقد بأنى ضعيف القلب ؟
الشيخ : أخشى عليك عدم التحمل ...
سعدى : دعنا نرى مدى قدرته يا مولانا ..
الشيخ عبد الحكيم : متى تقرأ وردك الاسبوعى يا شيخ مرجان ؟
مرجان : يوم الاثنين من كل اسبوع يا مولانا .
الشيخ : ايه رأيك يا شيخ لطيف ؟
عبد اللطيف : تمام يا شيخ عبد الحكيم ..الاثنين الاثنين

+++++++++++++++

سفينة شحن مصرية تتنقل فيما بين ميناء مصوع وجيبوتى عند مدخل المحيط الهندى فوق ظهرها يعمل البحرى المخضرم مرجان ، فى الشهر الماضى عندما كانت السفينة تستعد للابحار من ميناء الاسكندرية . أوصاه شيخه عبد الحكيم بحمل رسالة مكتوبة الى الشيخ عبد رب النبى القاطن فى مصوع .
فى ميناء مصوع القت السفينة مراسيها وربطت شمياتها ، اسرع مرجان الى حقائبه ليخرج المظروف الذى سلمه له شيخه فلم يجده ، قلب حجرته الصغيرة رأسا على عقب فلم يعثر على شىء ،أثناء ذلك سمع زميلا له ينادى : ياعم مرجان .. يا عم مرجان ..
تلكأ مرجان فى الخروج لانشغاله بالبحث عن المظروف فجآءه زميله البحرى يخبره بأن هناك شخص من أهل مصوع يسأل عنه .
من فوق الدك نظر ، رجل أعرج بعكاز مصنوع من فروع الشجر ، اسمر اللون نحيف الجسم ذو لحية بيضاء قصيرة ينادى: حمدا لله على وصولك بالسلامه يا شيخ مرجان .. اندهش مرجان .. ألجمته المفآجأة ، لم يسبق له معرفة الرجل ، شىء عجيب ، فى خضم اندهاشه فآجأة الرجل المصوعى : أليس من الواجب أن يحافظ المؤتمن على الأمانه ؟ قالها وهو يرفع يده ممسكا الخطاب الذى كان مخبئا فى حقيبة مرجان تحت سريره ، قال مرجان فى نفسه : أسحر هذا وشعوذة أم مكاشفة وتقوى ؟ .. الله أعلم .. شىء يبعث على الخوف .
قال المصوعى : بماذا تتمتم يا شيخ مرجان ؟
مرجان : لا شىء يا شيخ .. لا شىء ...
المصوعى : أنت ضيفنا اليوم ..
مرجان : جزاك الله خيرا يا شيخ عبد الرب .. لدى عمل كثير هنا ، وقد وصلنا للتو ، والقبطان قد لا يسمح بذلك ..
المصوعى : دع أمر القبطان لنا ..
القبطان من خلف مرجان يقول : اقبل دعوة الشيخ يا باش ريس مرجان .
مرجان ينظر الى كلاهما ، الكلمات فى داخل فمه محبوسه . هبط مرجان الى الرصيف فاستقبله المصوعى استقبالا طيبا قائلا بعربية فصحى : أهلا بك فى بلدك الثانى يا شيخ مرجان .
انتهت الضيافه فودع المصوعى ضيفه حتى رصيف ميناء مصوع وقبل ان يصعد سلم السفينة قال المصوعى : يا شيخ مرجان ..نظر مرجان اليه فوجد فى يده حجابا بدلاية ، فقال : نعم يا مولانا .
المصوعى : هذه هديتى اليك .. ضعه فى عنقك ، ولا تدخل به الى محل الخلاء أبدا ، ولا تتركه فى مكان غير آمن ، حافظ عليه جيدا.
مرجان : هدية مقبولة يا شيخنا وجزاك الله خيرا ..
المصوعى : بلغ سلامى وتحياتى الى اخى الشيخ حكيم وأسأله الدعاء ...
مرجان : سأفعل ان شاء الله
أبحرت السفينة بعد أن افرغت حمولتها ، صدر امر الى القبطان بالتوجه الى ميناء مدراس بالهند لتحميل شحنة من هناك ، كانت اول رحلة لمرجان الى أرض الهيمالايا ، الحر شديدا والعمل فى العنابر شاقا ومرهقا . بعد انتهاء الورديه هرع مرجان الى حجرته ، نزع ملابسه ، اخذ حماما باردا ليتخلص من العرق وحرارة الجو ، قبل دخوله الى الحمام ، نزع الحجاب وعلقه فى حبل مشدود فى على ظهر السفينه بين الصوارى مع ما علقه من ملابس اخرى كان قد قام بغسلها ونشرها بنفسه .
خرج من الحمام ، ارتدى ملابسه ثم صعد الى السطح ليأخذ الحجاب .. لم يجده ، شك فى نفسه ، عاد الى حجرته ، قلبها رأسا على عقب ، لم يجد شيئا ، اعتقد أن الريح قد القى به فى البحر .
أبحرت السفينة من ميناء مدراس ، وفى طريق عودتها تلقى ربانها أمرا من ملاكها بالتوجه الى مصوع مرة أخرى قبل دخوله الى البحر الاحمر لنقل شحنة صغيرة من هناك تخص احد العملاء ، ما أن رست السفنيه على الرصيف حتى سمع مرجان صوت الشيخ عبد رب البنى ينادى . أطل مرجان من فوق الدك فاذا بالشيخ المصوعى يحمل الحجاب فى يده ويهزه يمينا ويسارا قائلا : الرساله وقلنا لا حرج ... لكن الحجاب تقصير منك ... اليس كذلك ؟
مرجان : فى نفسه - هذا الرجل يستعرض قدراته - ثم قال :سامحنى يا شيخ .. لم اكن اقصد ..
المصوعى : ما علينا .. تعال خذه ...
مرجان : اعفينى يا شيخنا اعمل معروف .. أنا لا اقدر على ذلك .. الأمانه ثقيله .. اعفنى منها من فضلك .
المصوعى : لك ما شئت .. كم ستبقى فى مصوع ..
مرجان : سنبحر بمجرد ان تنتهى عملية الشحن مباشرة .
المصوعى : سلمكم الله .. لا تنسى السلام .. انه أمانه ....
تذكر مرجان ما حدث له مع المصوعى وهو جالس الى جانب الشيخ عبد اللطيف ، وقال فى نفسه ياترى ماذا يقصد الشيخ عبد الحكيم بسؤاله عن يوم أورادى؟ ....حكاية الرسالة والحجاب وعرفناها .. لكن القطط .. ياترى حكايتها ايه معاك ياشيخ عبد اللطيف ؟.. ربنا يستر...
الشيخ عبد الحكيم : ليتك صبرت على صحبة الشيخ عبد رب الرسول يا مرجان .
مرجان : أشياء غريبه يا سيدنا الشيخ !
الشيخ : لو أنك صبرت فى المرة الاولى وفى الثانيه لتعلمت منه أشياء كثيرة .
مرجان : انه كان يعطينى الشىء ثم يأخذه بشكل عجيب .
الشيخ : كان يريد أن يختبر مدى قوة رباطة جأشك ، وثباتك
مرجان : كدت أجن يا شيخنا .
الشيخ : كان الامر فى حاجة الى قليل من الصبر .
مرجان : قدر الله وما شاء فعل .
الشيخ : نعم نعم ..
حديث عن القطط وحديث عن الارواح ، وكلام عن الجن ، وحكايات عن الاشباح ، فاخر جالس الى جانب اخيه الحاج فتحى يصغى الى ما يدور دون ان يشترك فى الحوار . لا يهتم .. ولماذا يهتم بهذه الخرافات التى يتناولها هؤلاء الناس فى كل جلسة سمر ؟ سخفا يراها ومضيعة للوقت ، لكنها على اية حال تفتح بابا للتسليه ومعرفة أشياء لم يكن قد سمع بها من قبل .. لكن هذه المرة شد انتباهه ذاك التحدى الذى لمسه من لهجة الشيخ لطيف وهو يتحدث الى مرجان الرجل الذى تبدو على ملامحة الطيبة والهدوء بل والبساطة ايضا . انفضت جلسة السمر فى الثالثة والنصف بعد منتصف الليل ، بعدما انصرفت القطط وانصرف الشيوخ .
سعدى أبو الحاج من رأس التين ، فاخر من الميناء الشرقيه طريقهما واحدة ، يعودان سويا كل ليلة ، عند نقطة الانفوشى يفترقان ، اثناء سيرهما البطىء على افريز الكورنيش العريض ، يسبحان ، بالذكر ينشغلان ...
هدوء جم يخيم على الكون فى سكون الليل ، نسمات تهب من البحر طازجه لم تلمس وجه انسان من قبل ، تلفحهما برائحتها الممتزجه برائحة البحر، تلك الرائحة التى يعشقها سكان بحرى ، تبعث فى النفس نوع من التميز ، تخطيا مستشفى الملكة نازلى ذات الواجهة الحمراء الارجوانيه ، نظرا الى الساحة المرسيه بمآذنها الشاهقه ، تتلألأ فى ظل اضوائها الخضراء ، تبعث فى النفس عزة تسمو معانيها . سعدى يسير فى اجواء نفسه سابحا مسبل العينين يستعرض على نفسه ما حفظه البارحة من سور القرءآن .، فاخر الى جانبه ينظر الى صفحة الماء المتلألأة يسترجع مع نفسه حزب الامام الرفاعى الصغير وهو يقول : وبهدير تيار امواج بحرك المحيط بملكوتك وبهيكليات علويات روحانيات املاك عرشك .... صخرة مسطحة كالمسطبة تقبع وسط الماء فى البحر ، موجة تغطيها مدا ، وأخرى تجليها انحسارا ، كان الشهر قد اقتسم الى نصفين ، واكتمل البدر ، هدوء على صفحة الماء منسدل ، فاخر ينظر الى الماء قبل افتراقهما بلحظة .... شيئا عجيبا يرى ، قطة بلون أبيض ناصع يخالطه ندف رمادى ، تجلس القرفصاء فى مواجهة قرص القمر .. شد على يد رفيقه قائلا : انظر الى تلك التى هناك ، تتأمل تأمل المفكرين فى ثبات كالصنم . ... نظر سعدى وهو يقول سبحان الله يا فاخر دع الملك للمالك .. تقطعت كقطع السحاب أمام اعينهما وتلاشت على الفور وصارت كالعدم .
سعدى : أصدقتنى ؟.. لم تكن بقطة..ها قد أزعجناها..هيا بنا من هنا
فاخر : ماذا تقصد يا شيخ سعدى ؟
سعدى : الله أعلم بها منا ..
عند الناصية الاخيرة توقفا فقال فاخرلسعدى: استودعك الله يا سعدى
سعدى : قلبك متين .. أم تريدنى أن أوصلك حتى باب داركم ؟
فاخر : لا داعى يا أخى فالتسبيح مؤنسى وربى معى .

+++++++++++++++

شقه من حجرتين فوق سطوح عمارة من الطراز القديم بالحى الراقى قريبا من الشاطىء يسكن مرجان ، كانت هى كل ما يربطه بالاسكندرية ، لا زوجه ولا أبناء ، لا اقرباء .. البحر حياته ، وحيدا يعيش ، سوى من شلة الدراويش ، جاء الى المقهى مبكرا ، جلس وحده شاردا .
من مكتبه الى المقهى مباشرة أتى فاخر افندى فرأى مرجان يجلس وحده ، فعرف أن فى الامر شىء .
فاخر : السلام عليكم يا باش ريس ..
مرجان : وعليكم والسلام ورحمة الله وبركاته يا فاخر افندى
فاخر : اراك شارد الفكر ..
ما كاد فاخر يتفوه بهذه العبارة حتى كان الشيخ عبد اللطيف قد حضر ومعه كل من الشيخ عبد الحكيم وصابر الاسوانى ، حضر المتر سعدى ابو الحاج ، جلس الجميع ، حياهم الحاج فتحى ، طلب من السفرجى أن يحضر المشروبات ، قاروصة سجائر كاملة لتحية الحاضرين .
مرجان : اسمع يا حاج فتحى ..
الحاج فتحى : نعمين يا شيخ مرجان ..
مرجان : أيرضيك ما فعله بى الشيخ لطيف البارحة ؟
الحاج فتحى : ماذا فعل بك أخونا الحاج عبد اللطيف ؟
الحاج عبداللطيف : ماذا حدث لك يا باش ريس مرجان ؟
مرجان : الا تعرف ماذا حدث لى يا سيد عبد اللطيف ؟
الشيخ عبدالحكيم : قل يا شيخ مرجان .. احكى .. نحن لك أذان صاغيه .
مرجان : ان كنت تظن أن افعالك أفزعتنى فقد أخطأت
سعدى ابو الحاج : ماذا حدث أيها الرجل الطيب ؟

+++++++++++++++

سكون الليل ، تيار منخفض ، ضوء خافت ،انفراديه ، كلهم صحبوا مرجان فى وحدته فوق السطوح ليلة البارحة ، تلى راتب اللطيف فوق المائة الف وصل – هكذا روى – فجأة ظهر فى ركن الحجرة قط أسود سمين مرتفع القامه ضخم الوجه ناتىء الوجنتين .. ناء نوءة واحدة فارتجت جنبات الحجرة وانكفأ مرجان فوق الحشوة القطنيه التى كان يستند اليها ، اخترق أذنيه صوت القط يحدثه : ماذا تريد منى يا مرجان ؟
قفز مرجان من مجلسه ، ترك الشقه مفتوحه ،انطلق الى الشارع كالسهم ، الساعة جاوزت الثالثه والنصف بعد منتصف الليل ، امام باب العمارة جلس حتى انطلق أذآن الفجر.
الشيخ عبد اللطيف : ينظر الى مرجان بعينيه الخضراوتين ويقول :
الى أى مدى وصلت يا شيخ مرجان ؟
مرجــــــــان : الى أن طلع علـّـى القط الأسود ....
عبد اللطيف : ليتك صبرت عليه ولم تهرب ............
مرجــــــان : فك جماعتك عنى يا مولانا ...........
صبرى الاسوانى : سلام تعظيم لقطط شيخنا عبد اللطيف ....
الشيخ عبد الحكيم : الزم يا صابر ، لا داعى لهذا الكلام ......
فاخــــــــر : أراك اعطيت الموضوع حجما اكبر من حجمه يا شيخ مرجان .
مرجــــــان : ماذا تقصد يا فاخر افندى ؟
فاخـــــــــر : ربما تهيأ لك ما تقوله .....
مرجــــــان : لو كنت مكانى لما قلت هذا الكلام .
فاخـــــــــر : عموما كان يكفيك أن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ، وأن تثبت فى مكانك .
مرجـــــان : سبحان الله .. ليس من رأى كمن سمع ...
سعد ابوالحاج : الشيخ عبد الحكيم يبلغكم بأن مكان تجمع جلوة رمضان سيكون فى باحة جامع الشيخ .
عبد اللطيف : كل عام وانتم بخير يا جماعة
الحاج فتحى : ان شاء الله يكون جمعنا عند الحبيب النبى العام القابل .
سعدى ابوالحاج : آميــــــــن .
عبد اللطيف : اسمع يا شيخ مرجان .. أود أن اقول لك بأن
ما حدث بالامس ليس لى به علاقه من قريب أو بعيد .
مرجــــــــان : كيف
عبد اللطيـف : كل ما هنالك انك زدت فى العيار قليلا ، وبغير ترتيب. .
عبد الحكيم : اسمع يا شيخ مرجان قلت لك الف مرة لا تزد عن عشرة الاف ، وعليك أن ترجع الــّـى بعد اتمامها.
مرجـــــــان : بطلت خلاص يا مولانا .
عبد الحكيم : هذا افضل .. حتى تعى ما أقول ...
فاخـــــــــر : ليس هناك أفضل من تلاوة القرءأن يا شيخ مرجان ثم ماذا تريد من ورآء ما تفعله ...؟
الحاج فتحى : موجها حديثه الى مرجان .. ربما تأتيك اشياء لا تستطيع صرفها ياشيخ مرجان ، فالزم ما يقوله لك شيخنا .
التفت سعدى أبو الحاج الى صابر الاسوانى ومرجان وقال لهما : الشيخ يطلب منكما أن تجهزا البيارق والاعلام ، وأن تلتزما بتعليماته التى سبق ان قالها لكما ، خصوصا عدم اظهار التباهى ، والاتيان بأشياء يكره أن يراها.
مرجـــــان : أتعنى اننا لن نحضر معنا الدفوف والطبول والصاجات ؟
سعدى : ثلاث دفوف فقط وطبلة واحدة وصاجه واحدة .

جاوزت الساعة الثالثة والنصف بعد منتصف الليل استأذن فاخر الحاضرين فى الانصراف . سار فى طريقه المعتادة ، فوق افريز الكورنيش ، وقبل أن يصل الى التقاطع بأمتار فوجىء بالقطة ذاتها تجلس القرفصاء فوق نفس الصخرة والمياه من حولها ، استدار نحوها حتى التصق بحاجز الكورنيش البازلتى ، لم يكن بالطريق احد سواه ، الناس نيام والليل ضارب الكون بظلمته ، أعمدة الانارة معطلة ، هدوء رهيب ، حاول جذب انتباهها فالتقط حجرا من فوق الارض وقذف به الى الماء ، لم تتأثر ، لم تتحرك من مكانها ، اغتاظ ، ثبات ، لامبالاة . التقط حجرا آخرا ، صعد فوق حاجز الكورنيش ، ألقى به فى اقرب مكان منها ، لم تتحرك ، اشتاط غيظا، أقطة حقيقيه هى أم قطعة صنم من حجارة صلده ، أم هى خيال يترآءى له ؟ .. لم يجد مفرا من النزول الى الصخور السفليه مانعة الامواج حتى اصبح على اقصى حافتها ، ليس بينه وبين الماء شيء ، من هناك القى بالحجر الثالث فسقط بالقرب من كتفها الأيسر ، كاد أن يسقط فوق رأسها ، لكن الله سلم . ببطىء شديد ووقار جم ، استدارت اليه ، حملقت فيه بعينيها ، اهتز كل كيانه اهتزازا ، لم يتبقى جزء فى جسده لم يرتعد حين تطلع الى عينيها الغاضبتين وحاجبيها المقتضبين ، هكذا وقد أصبحا وجها لوجه ، تظاهر بالاستقواء عليها ، تناول حجرا رابعا وأطلقه عليها ، فسقط عند اصابعا ، قامت منتصبه على قدميها ، رفعت الى السماء كلتا يديها ، تتمايلت يمينا ويسارا كراقصة باليه ماهرة ، كلما تحركت الى جهة تمدد جسمها وبهت لونها ، اختلطت الوانه بألوان الفضاء ، مادة أذيبت فى محلول ، كلما حركت تلاشت .. انتهت .. اختفت .. كالعدم صارت . ، قلب فاخر كاد أن يتوقف ، لولا أنه لم يفتر عن الاستعاذه بالله من الشيطان ، لم يتوقف لسانه عن التسبيح ، سلام قولا من رب رحيم .. سلام قولا من رب
رحيم ............
اسرع الخطى الى منزله ، ارتقى الدرج بسرعة فائقه وصل الى الشقه ، أغلق عليه الباب ، جلس شاردا .لم يستطع فاخر النوم وظل حتى الصباح .
عندما توجه الى عمله جلس فى غرفة مكتبه يفكر فيما حدث له بالأمس ، لم يجد تفسيرا ...
فى المساء التقى مع الشيخ عبد الحكيم ، روى ما حدث ، طلب اليه أن يكتم ما رءآه ، لا يحدث به أحدا ، سيكون له مع هذا الامر حال لم يحن وقته بعد .... هكذا قال الشيخ .......

+++++++++++++++

من ساحة جامع الشيخ انطلقت الجلوة ، سارت فى مسارها المعتاد وصلت الى شارع السيد محمد كريم ، ومنه الى الساحة المرسيه ، قبل وصول الموكب الذى فيه الشيخ عبد الحكيم ومريديه الى الساحة وعند الباب الرئيسى لمسجد الأباصيرى صاحب بردة المديح النبويه ، وقف الموكب قليلا ، الطبل والدفوف تدق والصاجات ترن وتقدم صابر الاسوانى بعيدا عن مرأى الشيخ ، كشف عن بطنه ، أمر الطبال أن يدق دقه المغراز ، دقه لها رتم واحد بدف ودم ، وصاجه ، رتم يتماشى ولفظة ( الله ) مكررة على ايقاعاتها .
طلب صابر من عامة الحاضرين الذين كانوا يصطفون على الجانبين الا يشبك احد بين يديه ، أو يعقد بين اصبعيه ، أو يكتف ذراعيه ، أو يعقد عقالا أو ثوبا ، أو حتى دوباره ، راح يفتش على ذلك بنفسه بين الحاضرين حوله ، طلب من صاحب الدم والصاجات الالتزام بالرتم المطلوب ، أوصى الطبال بخنق الايقاع ، فلما أحسن بأن جسده بدأ يستجيب للايقاع أمرهم بزيادة وتيرته ، اقترب من صبى يعلق جرابا على كتفه فأخرج له مغرازا من الصلب جاوز طوله النصف متر له مقبض مكورمن نحاس . أمسك
الاسوانى مقبض المغراز بكلتا يديه بعد أن تفل فيهما ودلك موضع صرته ، تطلع الى أعلى حتى برقت عيناه ، صاح بأعلى صوته : الله اكبر ، بسرعة طعن نفسه بالمغراز بكل قوته وظل يدفعه الى الداخل حتى غاص فى بطنه ، وكلما غاص السيخ فى بطنه كلما تقوس جسمه اكثر فأكثر ، فلما وصل المغراز الى آخره كان جسمه قد تحول الى ما يشبه الكورة مثلما يتكور القنفد ، وبعد ذلك هوى الى الارض .
ظل ملقيا على الارض حتى ظن الناس انه مات ، فتجمعوا حوله ، لكن مرجان اسرع اليه ، وعدله فى وضع السجود ووقف بكلتا قدميه فوق ظهره ، راح يركله بقوة ، كلما ركله ركلة انفرج جسمه ولآنت تشنجاته حتى عاد الى طبيعته مع كثرة الركل بقدمى مرجان ، وقف صابر الاسوانى مزهوا بما فعل بينما الشيخ منغمس فى بطنه الى آخره ولم يظهر منه سوى المقبض النحاسى ، وراح يدور على الناس ليريهم ما ببطنه ، وبعد أن شاهد الناس ما صنع بوضوح ، طلب من الطبالين تغيير الرتم فغيروه ، وقبض على المقبض وبسرعة نزع المغراز من بطنه ، وظهر مكان الثقف التهابا واضحا ، ونقطه سوداء داكنه ، دلكها بتفالة من فمه فتلاشت ، صفق الناس وطلبوا منه أن يعيد الكره ففرح وبعد فترة قصيرة كشف عن بطنه واعاد الكرة مرة ثانية ، ولكن هذه المرة لم تسلم الجرة ، انكسر المقبض اثناء جذب المغراز وانهار صابر الاسوانى أمام الناس جميعا ، وانكمش بعد انفراده ، وطأطأ رأسه بعد زهوه وافتخاره ، صاح يبكى ثم سقط على الارض يصرخ من شدة الألم وجاءه أبناءه الصغار يهرعون اليه يبكون ومن بينهم الصبى الذى كان يحمل جراب الاسياخ ، احتضنهم فى مذلة وهو يرتعد من شدة الألم ، وبدأ مكان السيخ يلتهب ويتورم ، وأسرع مرجان الى الشيخ ، الذى رفض أن يفعل شيئا ، وغضب مما سمع ، وقال لمرجان : فليتحمل نتيجه ما صنع .. لقد حذرته على لسان سعدى أبو الحاج فلم يمتثل ، تباهى أمام الناس بشىء لا يجوز له فيه التباهى .. اتركوه ..
لما علم صابر بذلك ارسل ابناءه يتوسلون الى شيخه ، الذى طلب ان يحملوه اليه فأتوا به : صرخ صابر اما م الشيخ ، وطلب ان يسامحه ، تجمع الناس وتوسطوا له عند الشيخ ، الذى اشترط ان يتعهد بالا يعود لمثل هذا ، فأقسم ، فقال له الشيخ : فلتحمل كل ادواتك وطبولك ، ولا ترينى وجهك مرة اخرى ، هز رأسه بالايجاب ، أشار الشيخ الى سعدى ابو الحاج وعبد اللطيف ، فقرؤا شيئا .. بعدها تمكنوا من استخراج باقى السيخ ، خرج مع السيخ قليل من الدم فدلكوه بتفالة . قام صابر يئن وحمل امتعته ورحل .
تمـــــــــــــــت






م

عبد العزيز غوردو
06/10/2007, 01:01 AM
أخي صلاح:

هذا ثاني نص أقرأه لك..

وهو لا يكاد يختلف عن سابقه موضوعا وطولا ولغة وبناء... وهنات أيضا...

هي دعوة ثانية، كالأولى، لمراجعة شاملة..

مودتي..

ولعل القادم يكون أفضل..

صلاح م ع ابوشنب
07/10/2007, 09:02 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

عزيز الاخ عبد العزيز غوردو

تحية طيبه ،

كم اشكرك على ملاحظتك ، وتعليقك ، وأنا دائما أكون مدين لمن عرفنى خطأنى ، وأسعد بذلك ، لكنى أود أن اقول لك ان القصة بالنسبة لى كالطفل فى بطن امه اذا ما جاء وقت المخاض وضعته وخرج الى الدنيا لا يمكن أن يعود الى رحم أمه مرة أخرى مطلقا .

مع تقديرى وودى

أخوك صلاح ابوشنب