المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الغرفة رقم 7



حبيبة زوكي
08/10/2007, 02:59 AM
...الحياة...الحياة...تارة تكون مثل عجوز شمطاء،و تارة مثل شابة فاتنة ...فهي تضحك لنا يوما، لتبكينا شهرا ...و تسعدنا لحظة لتسحب البساط من تحت أرجلنا أياما...
كانت تلك المرأة تحاول النضال من أجل حياة شريفة و جميلة ، لكنهم و ضعوها داخل زجاجة و جلسوا يتفرجون عليها ...على صراخها ، على غضبها ...على انهزاماتها ...على تمزقها و سقوطها و سط الطريق...
كانت القرية صامتة ،هادئة،...حقولها الخضراء الواسعة ، ووديانها ذات الخرير الساحر تحلم بالغد الجميل...
لا...لا... صرخة مزقت صمت القرية..أتت الصرخة من مسجد القرية ..التف سكان القرية حول المسجد..كان المنظر رخيبا ..طفل لم يتجاوز الثانية عشر يتخبط في دمه...
قتله و لطخ حيطان المسجد بدمائه ..رسم بدم الضحية كل الأشكال التي راودته و هو ضحية لشطحاته الهستيرية..قتله..وبعد العبث بدمائه راح يركض في القرية صارخا :قتلته قتلته كانا صديقين يدرسان بنفس المسجد...
اختلفا على شيء تافه فأقسم أحمد أنه سيقتل مراد...و قتله...كان أحمد طفلا خجولا ، مطواعا ، لكن ما الذي أمات قلبه فقتل صديقه...
لم تنم القرية تلك الليلة ..ظلت المصابيح مشتعلة ،شاهدة على سمر أهل القرية ،ذاك السمر الذي كان فريدا تلك الليلة ..كان جميع سكان القرية يجهلون ما الذي دفع أحمد لقتل مراد...
لم يسبق له أن ذبح و لو ديكا صغيرا لكنه تمالك أعصابه و خدر قلبه و قتل أعز صديق له..
بعد ما أحيل أحمد على المحكمة ، حكم عليه رغم صغر سنه بثلاثين سنة..دخل وراء الأسوار و هو لم يتجاوز بعد الثالثة عشر..كان السجن بالنسبة له مدرسة..تابع دراسته ، حصل على الاجازة في القانون ...نظرا لحسن سيرته و لتفوقه في الدراسة فقد استفاد لمرات عديدة من العفو...بعد مرور عدة سنوات وجد نفسه خارج الأسوار شابا متعلما ..لكطنه كان يجهل ما معنى الحياة بعيدا عن الأصفاد و عن القضبان و عن تلك المدن التي كان يتجول عبرها ...السجن مدينة بكل ما تحمله الكلمة من معاني...ففيه المدرسة و الترفيه عن النفس و الصداقة ...السجن مدينو لا ينقصها إلا المقبرة ..مدينة بمرافقها الرياضية و الثقافية و لغتها التي تعبر عن ذاك الفضاء بكل ألوانه ، و مرجعياته و هواجسه..
أمضى أجمل فترة عمرية بالسجن ..ها هو الآن حر طليق و السؤال المحرج بحجم الموت الذي يراوده عن نفسه : ماذا بعد السجن ؟ هل سيكون له الحق في بناء أسرة و خلق استقرار مادي و معنوي و نفسي أيضا ، وهو المهم ربما..
لم يرجع إلى القرية ، بل ذهب عند أخيه الذي يقطن بالعاصمة الاقتصادية ..بهده المدينة الواسعة سوف تتلاشى معاناته و سوف يخلق أ حلاما جديدة و أفقا جديدا أيضا..هذه المدينة المترامية الأطراف التي ضيعت بكارتها ، لعشقها لتعددية الألوان ..هذه الألوان الذابلة أحيانا و الطرية أحيانا أخرى ..هذه المدينة ذات مليون وجه ، ذات ألف و ألف حزن،تختزل المعاناة و الابتهاج..تختزل النجاح و الاجباط ..إ نها مدينة الثنائيات ..بجانب الفيلاث الفارهة ، أحزمة الشقاء تفرخ كل يوم آلاف الشباب الذي يعبر بعمق عن الحياة و عن الأحلام و عن اليأس ..كان يستيقظ كل يوم و يهيم ، و يرحل عبر دروب المدينة و أزقتها، يحاول الانصهار مع بناياتها ..يحاول الانسلاخ عن حمولة من الذكريات ..كانت حياته و راء الأسوار ذات طقوس وفضاءات لصيقة بالزمان و المكان ..أيامه هناك ، لن يقدر نسيانها أو محوها أو تجاهلها ..فمن شب على شيء شاب عليه..حتى و إن أحب تغيير طباعه فالطبع يغلب التطبع...
يحاول جاهدا الخروج من قوقعته ..لم يقدر نسيان شكل الغرفة رقم 7 و لا العدد 232 80 ...
قد ينسى رقم بطاقته الوطنية ،و ينسى رقمه الوطني لاجتياز الباكالوريا... و كل الأرقام التي حصل له شرف الالتصاق بها ..لكن 232 80 لن ينساه ...و هو وراء القضبان كان يحلم بأنه حينما يطلق هذا الفضاء فلن يحتفظ بأي ذكرى منه...
لكن أيمكننا الانسلاخ عن ذواتنا ...فالذات تسكننا و نسكنها ...تعيش بنا و نعيش بها ..تهيم بنا و نهيم بها إلى حد الانصهار و التوحد....
فشل في محاولاته المتكررة في إعادة بناء ذاته ، حينما علم أنه سيفرج عنه بعد مضي سنوات قليلة قرر أن تكون نهاية اعتقاله موت لتك الذات التي عرفت علاقة حميمية مع ذاك الفضاء و أن يكون خروجه ولادة جديدة ...أن يكون بداية جديدة لحياة مشرفة لكنه فشل....
بعد هزيمته في التنكر لماضيه ، حاول متابعة المسير بنفس الذات و نفس الذكريات و نفس الهواجس...و هو ينبش في ساعات الحياة الجديدة ذات الطقوس الغريبة عنه...التقى يوما بشابة لها نفس المؤهلات الثقافية ..لها أحلام و أماني وردية..تحلم بالحياة المتوازنة بالحب بالاستقرار ..التقى الشابة بنفس المكتب الذي كان يتدرب به ..صارحها بحمولته الحياتية و بمساره ..عاشا لحظات لم تكن ضمن لائحة أحلامه .
رغم مؤهلاته الثقافية ، رغم و سامته و إتقانه اللغات ، رغم الأفكار النورانية حول إعادة الادماج..لم يحلم يوما أن يلتقي في درب حياته بإنسانة تفهم هواجسه و مخاوفه و تطلعاته لغد مشرق..
اقتسما كل شيء الإحترام و الحب و التضحية ..عاش في سلام و سط عمارات المدينة المترامية الأطراف..وسط مناسبات أعياد ميلاد ابنيه تلاشت ملامح الأسوار و الأصفاد و المفاتيح النحاسية التي كان صوتها يخلق لديه إحساس مرير بالعزلة و الوحدة و القهر...تناثرت من مخيلته كل تلك الأرقام أو تكاد ...أصبحت حياته الماضية مجرد ذكرى و ضعها بصندوق قديم و أغلقه بزبد البحر العنيد..
حبيبة زوﯕـــي
الجديدة 22 ماي 2007

محمد فؤاد منصور
18/10/2007, 12:14 AM
الأخت حبيبة
يظل الإنسان يشعر بالإغتراب وعدم التكيف مع المجتمع المحيط حتى يلتقى الحب الحقيقى فيعيده إلى ذاته وينسى مامر به من آلام، الفكرة جميلة وقد أجدت التعامل معها بالرغم من إستهلاكك للكثير من الزمن حتى تنتهى إلى الفكرة الرئيسية ، شد إنتباهنا فى البداية ذلك الطفل الوديع الذى تورط فى قتل صديقه وهو قتل لم يتم تبريره من خلال الأحداث وقد تصورت أن هذا سيكون مدار الحدث لولا أنك فجأة تجاهلت الموضوع الذى بدأت به وأنحرفت بالحدث إلى مسار آخر ، كان من الممكن إيجاد مخرج درامى لذلك اللبس حتى لايتوه منك القارئ بين الدروب ، ننتظر المزيد على كل حال ، لغتك سلسة وجيدة لولا بعض الأخطاء التى وردت عفواً وبعضها بسبب لوحة المفاتيح، تقبلى تحياتى.
دكتور/ محمد فؤاد منصور
الأسكندرية :fl:

عبد الحميد الغرباوي
24/10/2007, 12:48 PM
الحياة؟..
الحياة، تارة تكون مثل عجوز شمطاء،و تارة مثل شابة فاتنة ...فهي تضحك لنا يوما، لتبكينا شهرا ...
و تسعدنا لحظة لتسحب البساط من تحت أرجلنا أياما...
هنا نقرأ الحكمة التي نحتتها الكاتبة بكل اقتدار وعمق في الرؤيا، وما على القارئ إلا أن يحفظها و يضرب بها المثل حين يتعلق الأمر بالحديث عن ماهية الحياة..
و في عدة أماكن من هذا النص الجميل، نلمس قدرة الكاتبة على الحكي، هذا الحكي الملتزم بقضايا المرأة، بشجونها و أتراحها و أفراحها و أحلامها، قد نستشف ذلك هنا و هناك، و قد لايعلن عنه النص صراحة لكن على القارئ النبيه أن يستخلصه من وراء الكلمات المفعمة بالشعر لأن صديقتنا (حبيبة) شاعرة...
و الجميل في هذه القصة، اتكاءها على فكرة جديدة ـ بعض الأفكار التي يتناولها الكثير من الكتاب استهلكت لدرجة الملل ـ نحن نقرأ لنكتشف الجديد، لنقرأ الحياة بشكل آخر، لنضع أعيننا و قلوبنا على تفاصيلها الصغيرة التي لا ننتبه إليها في خضم عراكنا اليومي مع اللقمة...

يحاول جاهدا الخروج من قوقعته ..لم يقدر نسيان شكل الغرفة رقم 7 و لا العدد 232 80 ...
لا أريد هنا الوقوف طويلا أمام دلالة الأرقام، و قد سبق لي أن استعملت الرقم عينه في قصة من قصصي القصيرة و أثار جدلا طويلا...و الغريب هنا أن مجموع 232 يفضي بنا إلى رقم 7 آخر.و يأتي بعده الرقم ثمانية على مستوى التسلسل الرقمي الطبيعي..و أتساءل: هل تمة دلالة ما تحملها هذه الأرقام أم هي مجرد الصدفة؟...

لكن أيمكننا الانسلاخ عن ذواتنا...
حبيبة لا تكتفي بنحت الحكمة التي تنم عن تجربة كبيرة في الحياة رغم أنها في ريعان الشباب لاتزال، بل تطرح أسئلة فلسفية..و حبذا لو أنها وقفت عند حدود السؤال وأفسحت المجال للقارئ كي يجيب.. فردها على السؤال قلل من قيمته.
وتأملوا معي هذه العبارة:

...أصبحت حياته الماضية مجرد ذكرى و ضعها بصندوق قديم و أغلقه بزبد البحر العنيد..
ألم أقل لكم إن حبيبة زوكي شاعرة؟...
ملاحظة أخيرة قبل أن أترك القصة للقراء و الأعضاء:
أتمنى أن تعمل الكاتبة حبيبة في نصوصها القادمة على تكثيف النص قدر الإمكان، خشية أن تنحرف بكتاباتها كثيرا عن القصة القصيرة إلى ما قد يشكل فصلا من فصول رواية...
مودتي

حبيبة زوكي
25/10/2007, 12:44 PM
السلام عليكم شكرا أستاذ محمد فؤاد منصور على مرورك و على ملاحظاتك .. عقدة القصة حقيقية ، حكيت لي يوما و انا عائدة من مدينة الرباط ..

لن يتيه القارئ بين دروب القصة ؛ فالقصة ليست إلا صدى للحياة .. الحياة برمتها و في كنهها كثيفة و دسمة ..

أثلج صدري مرورك

حبيبة زوكي
25/10/2007, 01:01 PM
الحياة؟..
الحياة، تارة تكون مثل عجوز شمطاء،و تارة مثل شابة فاتنة ...فهي تضحك لنا يوما، لتبكينا شهرا ...
و تسعدنا لحظة لتسحب البساط من تحت أرجلنا أياما...
ــــــــــــــــ
هنا نقرأ الحكمة التي نحتتها الكاتبة بكل اقتدار وعمق في الرؤيا، وما على القارئ إلا أن يحفظها و يضرب بها المثل حين يتعلق الأمر بالحديث عن ماهية الحياة..
و في عدة أماكن من هذا النص الجميل، نلمس قدرة الكاتبة على الحكي، هذا الحكي الملتزم بقضايا المرأة، بشجونها و أتراحها و أفراحها و أحلامها، قد نستشف ذلك هنا و هناك، و قد لايعلن عنه النص صراحة لكن على القارئ النبيه أن يستخلصه من وراء الكلمات المفعمة بالشعر لأن صديقتنا (حبيبة) شاعرة...
و الجميل في هذه القصة، اتكاءها على فكرة جديدة ـ بعض الأفكار التي يتناولها الكثير من الكتاب استهلكت لدرجة الملل ـ نحن نقرأ لنكتشف الجديد، لنقرأ الحياة بشكل آخر، لنضع أعيننا و قلوبنا على تفاصيلها الصغيرة التي لا ننتبه إليها في خضم عراكنا اليومي مع اللقمة...
ـــــــــــــــــــــــ
يحاول جاهدا الخروج من قوقعته ..لم يقدر نسيان شكل الغرفة رقم 7 و لا العدد 232 80 ...
ـــــــــــــــــــــ
لآ أريد هنا أن أقف طويلا أمام دلالة الأرقام، و قد سبق لي أن استعملت الرقم عينه في قصة من قصصي القصيرة و أثار جدلا طويلا...و الغريب هنا أن مجموع 232 يفضي بنا إلى رقم 7 آخر.و يأتي بعده الرقم ثمانية على مستوى التسلسل الرقمي الطبيعي..و أتساءل: هل تمة دلالة ما تحملها هذه الأرقام أم هي مجرد الصدفة؟...
ــــــــــــــــــ
لكن أيمكننا الانسلاخ عن ذواتنا...
ـــــــــــــــــ
حبيبة لا تكتفي بنحت الحكمة التي تنم عن تجربة كبيرة في الحياة رغم أنها في ريعان الشباب لاتزال، بل تطرح أسئلة فلسفية..و حبذا لو أنها وقفت عند حدود السؤال وأفسحت المجال للقارئ كي يجيب.. فردها على السؤال قلل من قيمته.
وتأملوا معي هذه العبارة:
...أصبحت حياته الماضية مجرد ذكرى و ضعها بصندوق قديم و أغلقه بزبد البحر العنيد..
ألم أقل لكم أن حبيبة زوكي شاعرة؟...
ملاحظة أخيرة قبل أن أترك القصة للقراء و الأعضاء:
أتمنى أن تعمل الكاتبة حبيبة في نصوصها القادمة على تكثيف النص قدر الإمكان، خشية أن تنحرف بكتاباتها كثيرا عن القصة القصيرة إلى ما قد يشكل فصلا من فصول رواية...
مودتي


تحية الإبداع أستاذي عبد الحمـــــيد الغرباوي
إن مرورك أستاذي العظيم وســــام سأحتفظ به ما حييت ..قرائتك القصة أستاذ أعطتها بهاءا و رو نقا...
أعدك أستاذي أن آخذ بعين الإعتبار ملاحظاتك النيرة ..
انبهرت بكل حرف رسمته ...راقني أن تقرأ قصتي المتواضعة ..
تحيتي و تقديري الشاسعين..