المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : يحيى حقى والشعر/ حسن حجازى



حسن حجازى
08/10/2007, 09:23 PM
منقول عن المساء القاهرية /الصفحة الأدبية 8/10/2007

شهادة
مصائب الشعر
الهباء

في يناير 2005 أصدرت مجلة "الثقافة الجديدة" ملحقاً بعنوان "هذا الشعر.. مختارات من يحيي حقي".. وقد كشف هذا الملحق جانباً كان خافياً عليَّ من شخصية يحيي حقي المبدعة.. خاصة ما يتعلق منها بذائقته الشعرية.. ورؤيته النقدية في الشعر.
يقول يحيي حقي في المقدمة: "الشعر هو الفن الذي استنفد طاقة العرب علي التعبير الجمالي. هو الذي جب وبلع في بطنه الرسم والنقش والنحت والتمثيل إلخ إلخ. وهيهات لمن يجهل هذا الشعر أنه يزعم أنه عالم بأسرار لغته وعبقريتها. ولكن النكبة هي أن هذا الشعر وصل إلينا محملا بمصائب كثيرة.. المصيبة الأولي هي عمره الطويل جدا. وانحداره إلينا عبر القرون. حيث مر بعصور ازدهار وعصور تخلف. فاختلط فيه الغث بالسمين. إن المثقف الإنجليزي يستطيع أن يلقي في صفيحة القمامة كل شعر قبل "شوسر". أما نحن فليس لدينا بيت واحد. ولو كان عمره 1400 سنة يهون علينا أن نلقيه في هذه الصفيحة. الكيس كله يجب أن نحمله فوق أكتافنا. ومن الظلم البين مهاجمة الشعر العربي كله بسبب نماذجه الروتينية في عصور التخلف. هناك نماذج رديئة لا بسبب تضعضع اللغة والافتعال. بل بسبب سقم الذوق. أو مباينته تمام المباينة لذوق العصر الحديث.
وبيننا اليوم شعراء يكتبون مثل هذا الشعر الذي تمجه النفس. وتضيق به ضيقا شديدا.
المصيبة الثانية هي غرام هذا الشعر بالحكم الرناتة وبالأمثال الطنانة. قد يكون تقبل هذه الحكم والأمثال والتلذذ بها من صميم مزاج الشرقي. لم نفلح بعد في التخلص منه. لاحظ تصفيق الشعب إذا وردت حكمة في خطبة أو مسرحية أو فيلم.. ولكن الشعر لا يماليء الذوق العام إذا كان ساذجا. بل يسمو به. ولاشك أن ذوق العصر الحديث قد ترفع عن المعاملة بهذه الحكم والأمثال. فما بالك إذا كان أغلبها فارغاً أو بديهياً.
ومن هذا المنظور يري حقي أن أسخف بيت قالته العرب إلي اليوم هو بيت شوقي:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
ومن أجل هذا البيت فإنه يعتقد - من باب السخرية - أن أبدع بيت قالته العرب إلي اليوم أيضا. ولاحظ أنه بيت سخيف كذلك هو قول الشاعر:
جلسنا والماء من حولنا كأننا
قوم جلوس حولهم ماء
والمصيبة الثالثة - في رأي حقي - هي التحام الشعر العربي في أزهي عصوره بالحياة البدوية.. لو حذفت منه الصحراء والناقة والوعل والبقر الوحشي فما أظن أنه يبقي فيه شيء كثير له قيمته.
أما المصيبة الرابعة فهي اتصاف الشعر العربي بصفة قاتلة هي الوضوح الشديد. فكأنما لا فرق بينه وبين النثر. والمطلوب ليس التعقيد اللفظي ولكن إثراء المعني بشحنة من الإيماءات والروابط وبواعث تداعي الأفكار والأحاسيس.
وإذا كان يحيي حقي قد رصد هذه المصائب الأربع في شعرنا العربي. ومعه الحق في كثير مما قال فيها. إلا أن آراءه الصادمة في شوقي أمير الشعراء تمزق ثوب الموضوعية الذي حاول أن يتدثر فيه وهو يتحدث عن شوقي الإنسان وشوقي الشاعر بقسط وافر من التحامل.. لعله يضارع. إن لم يتفوق. علي التحامل الذي ورد في "ديوان" العقاد والمازني عن شوقي.. خصوصا فيما يتعلق بالجانب الشخصي الذي أسرف فيه يحيي حقي سرفاً شديداً.
يقول عن شوقي: هو مع الناس واحد منهم. بعيد عن الناس كأنه من طينة غير طينتهم. لا أظن أن أحداً من أصدق أصدقائه جرؤ ذات يوم أن يضع يده علي كتفه رغم قصر قامته. لو فعل لانتفض شوقي كأنما لدغته عقرب.
إنه من ذلك الجنس ومن الناس الذين يحس الواحد منهم ويضيق باليد التي تلمس خفية طرف ثوبه من وراء ظهره. إنهم شحنة من الكهرباء محبوسة في الفم.
ويقول: كان شوقي مفتوناً بكل ما هو جديد. كان من أوائل من اشتري سيارة في مصر. وكان لا يسمع عن شق شارع جديد أو بناء عمارة أقيمت بفن مستحدث إلا سارع بالذهاب إليها ليري بنفسه هذا الجديد.. وكنت أراه - يقول حقي - في الصفوف الأولي الرخيصة في صالات السينما.. إن فرحته بالحياة فرحة طفل بلعبة جديدة.. وليس سرا أن شوقي حارب محمد عبدالوهاب في بداية ظهوره للغناء علي المسارح ليلا وهو صبي صغير. لكنه بعد ذلك حنا عليه وتعهده وستره من العواصف. وكان في مرضه الأخير يحتفظ بحلوي في درجه كي يستدرج بها حفيديه إلي حجرته.. وكان يسمي هذه الحلوي ب "الطعم" ويقول لمن حوله: "أتظنون أن هؤلاء الشياطين كانوا يحضرون لزيارتي لولاها.. ما مصلحتهم في مهازجة شيخ مهدم مثلي.
والغريب أن رأي يحيي حقي في شعر شوقي لا يقل سلبية عن رأيه في شخص شوقي.. إلي الدرجة التي جعلته يقارن بينه وبين صلاج جاهين.. وينتصر لشعر جاهين علي حساب شعر أمير الشعراء.

ابراهيم خليل ابراهيم
07/01/2008, 06:28 PM
الاخ العزيز
الف مبروك تكريمك
اليك اطيب تحياتى

حسن حجازى
09/01/2008, 02:47 PM
شكراً أخي الحبيب
أستاذ إبراهيم

ومبارك لسيادتك التكريم الذي تستحقه

مودتي أخوك

حسن حجازي