المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العلم.. والعبودية!!!



مجاهد محمد
10/10/2007, 01:22 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

العلم.. والعبودية
قال لي ولدي: سمعتك تمجد الحكمة العربية القائلة "من علمني حرفًا صرتُ له عبدًا" فكيف تمجد العبودية هنا؟ مع أنني أقرأ فيما تكتب، وفيما تنظم حملتك على العبودية، وتعظيمك للحرية، ومسعتك معجبًا بقول عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ : "متى استعبدتم الناس، وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟!" فكيف يستقيم هذا مع ذاك؟
قلت: لعلك لا تعلم ـ يا ولدي ـ أن لكلمة "عبد" في العربية أكثر من معنى، منها: العبد: هو النبات الطيب الرائحة. وأنت تعلم أن "التلميذ" إنما هو أثر من آثار أستاذه، وتأسيسًا على ذلك يكون معنى الحكمة: من تلقيتُ العلم على يديه، صرتُ إعلانًا له، ودليلاً طيبًا عليه، كالنبات الطيب الرائحة الذي يعلن عن طيب المنبت، ونقاء السقيا.
ومن معاني "العبد": النصل القصير العريض الحاد. فيكون معنى الحكمة: من علمني صرتً بحبي وإخلاصي ووفائي له ـ كالسلاح الذي يدفع عنه كل سوء، وكل أذى.
قال ولدي: ألا ترى ما في هذا التفسير، أو هذا التأويل مِنْ.. من ... من؟
قلت لولدي: "من تعسف.. وافتعال" والحياء يمنعك من التصريح!!. على أية حال سأسايرك، وأساير التفسير الذي في ذهنك، وهو معروف مشهور، ولكن عليك أن تعرف أن العبودية هنا لا تستقيم إلا بدلالتها المجازية أو الجزئية، بمعنى: الطاعة، والامتثال، والاستجابة، والتوقير، والتعظيم، لا عبودية التملك، والاسترقاق، والخضوع المطلق، وحرية المالك في التصرف في العبد بيعًا وشراء، ونستأنس لهذا ـ وهو قريب منه ـ بمفهوم السجود في قوله تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ) (البقرة: 34).
قال لي ولدي: ولكن جبران خليل جبران كتب ذات مرة "إنهم يقولون: من علمني حرفًا صرتُ له عبدًا؛ لذلك أعيش جاهلاً طيلة حياتي حتى لا أكون عبدًا لأحد".
قلت لولدي: إنما حرص "جبران" بهذه الكلمة على "طرافة المعنى"، لا التعبير عن مصداقية الواقع؛ فواقع "جبران" ينسف كلمته السابقة؛ لأنه ـ مع إنكارنا لكثير من أفكاره ومسالكه ـ لم يكن جاهلاً، بل كان شاعرًا فنانًا رسامًا، وله معلمون معروفون بأسمائهم، علموه القراءة والكتابة، وغير ذلك الكثير.

من حوار بين الدكتور جابر قميحة ووالده