المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عربي القرن الحادي والعشرين



محمد الركابي
13/10/2007, 10:37 PM
عربي القرن الحادي والعشرين



لطالما لوّح الغرب ببعض إنجازاته الراقية التي يعتقد أنها أصبحت بفضله شرائع لا تنقض في حياة الانسان. وكأنه وجد نورا ولم يجد باقي العالم إلا الظلام. وفي كل حقبة يجد نورا جديدا فيتهافت عليه فيتشبث به ولا يتركه حتى يأفل النور أو يجد غيره. وأما العالم فيكتفي بترديد الطرْف بين هذا النور وذاك.
والديموقراطية احدى هذه الانجازات الملوح بها من غير تمحيص في الأدلة ..فتاريخ الديموقراطية حافل بالمصائب ( هتلر.موسوليني.بوش ) مثله مثل تاريخ أي نظام سياسي آخر. فهذه أدلة على أن هذا النظام ليس معصوما من الخطأ وأنه من الممكن أن تملي على الشعوب ما تريد أن يختاروا هم. فان كانت الديموقراطية آلة تحت الاختبار في مصنع مثلا لتم استبدالها بأخرى مطورة معدلة.
ومن الانجازات المعصومة الأخرى! ما يسمى بحريات المرأة ولكن هذه أيضا تحت التمحيص يُرى فيها تشققات وتصدعات. فحرية المرأة بدأت ظواهرها في القرن التاسع عشر تقريبا أي في عصر الصناعة. ومن أسباب تلك الرغبة في تحريرها هذه الصناعة التي تحتاج لكل فرد من المجتمع – بمن فيهم الأطفال – للعمل كبكرات في آلة ضخمة. فلقد حررت المرأة لتستعبد كما استعبد الرجل في المصانع وربما تكون أسوء حالا منه.فهي تعرض كمتاع لتجذب الزبائن لسلعة أخرى ...وقد تكون هي السلعة أيضا.
لكم سيستغرب رجل الغرب ان سمع احد العرب يتكلم عن حياتهم وكأنها جنة فهو يعرف حق المعرفة أنها ليست جنة بدليل أنه دائم الطموح إلى التحسين والتغيير. ولقد كانت كبرى مشكلات الفلسفة الغربية أنها أمست تبحث عن جنة على الأرض بعدما فقدت كل أمل في الجنة المسيحية. والمرء يرى في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين دلالات عفن ..فتجد في الغرب ثقافة تكره كل انجازات هذه الحضارة وكتابا انشقوا عن مجتمعاتهم.
وتجد أيضا رغبة في العودة إلى أطوار الحياة البدائية التي لم تتنجس بحضارة الغرب. وكأن الجميع كان يشعر أن نبعا قد جف.
فإذا كان الغرب بعيدا كل البعد عن الكمال فلم تريد باقي البشرية اللحاق به؟ فمن كان يصدق أن طوكيو مثلا بشعبها المتمسك بحضارته وتقاليده ستتحول إلى نسخة من نيويورك؟ هل من الأفضل أخذ أفضل الأسوء أم أنه من التعقل أن تخلق خيارات جديدة على ضوء التجارب الماضية؟
قال فرانز فانو في كتابه بؤساء العالم : (( تعال يا صاحبي...ان اللعبة الأوروبية انتهت ولا بد لنا أن نبحث عن شي آخر. فنحن باستطاعتنا أن نفعل أي شيئ ان لم نحاكي اوروبا وان لم نكن مهووسيين باللحاق بها. فلقد تسارعت أوروبا حتى وصلت إلى سرعة جنونية متهورة فقدت فيها فكرها و سيطرتها على نفسها.....لكننا بحاجة إلى نموذج أو مثال. والنموذج الأوروبي بالنسبة للكثير منا هو النموذج المثالي....لا بد من منع الانجازات والتقنيات وطرق المعيشة الأوربية من أن تفتننا وتضلنا الطريق. فعندما أبحث عن الرجل في المعيشة والتقنية الأوربية لا أجد إلا جحودا بالانسان والكثير من الجرائم والقتل. فلنقرر ألا نحاكي أوروبا ..ولنشمر عن سواعدنا ونشحذ أذهاننا للعمل في اتجاه جديد. فلنحاول أن نبتكر انسانا كاملا..انسانا فشلت أوروبا في اخراجه للنور ))
فلينظر الرجل من حوله ليرى كيف يركض مجتمعه ركضا حثيثا وراء سراب الغرب. فأول شيء تحاول المجتمعات والدول تحسينه هو الاقتصاد. فان الغرب هو القائل بفكرة أن اساس الحضارة ومنبعها الاقتصاد. وهاهو مجتمعهم بسياسته وثقافته وحتى اخلاقه يرتكز إلى أسس اقتصادية بحتة. فيرى رجل العالم الثالث ناطحات سحب من حوله ويرى دول تتحول بأكملها إلى بؤر استقطاب استثمارات وسياحة وكأنه خلقت لهذا فقط.
ولكن من يرى تاريخ الحضارات يرى أن كل حضارة عريقة وان كانت وثنية يكون منبثقها في الأصل فكرة. فيتولد عنها الاقتصاد والسياسة والأهم من ذلك كله أن الفكرة تولد نظام أخلاق. هذا وان قصة الاقتصاد قد بدأت في جنازة الفلسفة ففي القرن التاسع عشر أصبحت النظريات الاقتصادية فلسفة بحد ذاتها حيث أنها صارت هي الأسس والشرائع التي لا تنقض التي يعتمدها المجتمع.
فلا حاجة للمجتمع لتلك المشكلات الأخلاقية والفلسفية التي يسمونها علوم ما بعد الطبيعة. فان الرجل يحتاج في حياته إلى نظام ميكانيكي يحدد مجراها ولا يحتاج إلى تفاهات الأخلاق المبهمة. وقد رأى التاريخ نتيجة هذه التجربة.
لم ينته التاريخ والحضارة الغربية ليست هي الأخيرة....إن التخلص من سراب الغرب ضروري لنشر حياة جديدة في هذا العالم.
لكن هذه ليست دعوة للعودة للبداءة أو للعودة إلى عصر ذهبي أو جنة على الارض. فالعصر العباسي مثلا يعتبر من أجمل حقبات التاريخ الاسلامي لكنه لم يكن مثاليا. فهذه دعوة لعصر جديد.
إن المسلمين مثلا أهملوا كل ما لديهم وخرجوا إلى الدنيا عراة لا يملكون قشة. فأهملوا القرآن والأدب والعلوم. فمثلا ...أين هو المعجم الحديث الذي يستطيع العربي أن يعتمد عليه بعد معاجم الأولين؟ وقد يقول قائل أن كتب الأولين هذه تكفي ...لكنها لا تكفي. فماذا يفعل القارئ العربي اذا اراد البحث عن كلمة ( الشيوعية ) مثلا..هل يبحث عنها في ( شَيَعَ )؟ إن كتب التفاسير والمعاجم وكتب سير محبوبي الأمة وكتب اللغة تدل على اهتمام هذه الأمة بموروثاتها وشغلهم وشغفهم بها . كل هذا فضلا عن الفوائد الجمة التي تحصلها ثقافتهم. فالغرب مثلا ما زال يصدر كتبا عن شكسبير بعد أربعمائة سنة من وفاته. لكن الأدب الاسلامي مهمل وكأن أحدا لا يريد قراءته ومعرفته. ولقد شُق أخدود بين عربي القرن الحادي والعشرين وبين أجداده مع مرور وقت الغفلة هذه. فالقارئ لا يعرف لماذا يصر الشاعر على ذكر الأطلال والاطناب في صفة الناقة ولا يعرف اساطير العرب وابطالهم. فكل هذا يحول بينه وبين تذوق هذا الأدب. فالقارئ الأجنبي للأدب اليوناني مثلا ان فهم اللغة لم يفقه أساطيرهم وأربابهم فيعوقه ذلك عن فهم وتذوق ذاك الأدب.
وإنك لتجد بوادر هذه الهوة حتى في العصر العباسي نفسه. فمن ذا الذي يصدق أن عربيا كتب كتابا وسماه البخلاء. فالجاحظ يريك في دفات كتابه عربا لا معنى للكرم عندهم إلا الاسراف ولا معنى للجود إلا التبذير.
وهؤلاء ليسوا فرادى وإنما كانت هذه ظاهرة اجتماعية في ذاك الوقت. فكيف يكون حال عربي القرن الحادي والعشرين. هل هو عربي حقا؟ أليس هذا سؤال يجاوب السؤال القائل: لم لا يقرأ العرب أدبهم؟