المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة واقعية



ظلال
11/11/2006, 11:13 PM
سعدى العَبدُو

رَوتْ لي عمَّتي قصةً عاصرتها عندما كانت في السنة الثامنة من ربيع طفولتها. أي تقريباً عام 1954، بحسب ما تذكرت وقالت:
سعدى العَبْدُو إمراة شاء لها القدر أن تكون أُما لطفل وحيد أَسْمتهُ منصور، ربته هي وزوجها عايد بكلّ حب. حتى كبر وأصبح شاباً يفتخر به بين أهل القرية. كان شاباً يتحدث عنه القريب والغريب لبهاءِ إطلالته وجماله، فهو شاب طويل القامة، أبيض البشرة، عريض المنكبين، أشقر الشعر وأزرق العينين.
كان السّيرةَ الوحيدة على لسان أمه الفلاحة الجميلة البسيطة فهو ضوء عينيها وابتسامة شفتيها، أَحبّته كثيراً وضحّت بالكثير لأجله، وحَفِيتْ قدماها لأجله أيضاً، ولما لا وهو فلذة كبدها الوحيدة التي ربتها وكبرتها حتى أزهت ربيعاً.
حسدهُ الكثيرون لما هو فيه، والغيرة منه جعلت من أصدقاءه أعداء، حتى نساء القرية كنّ في جلساتهن اليومية يثرثرن بأقاويل لا أصل لها عن سعدى وعائلتها. وبخها زوجها كثيراً لتدليل منصور الذي زاد عن حدّه، لكنه وحيدها، وهو كلُّ ما لها في هذه الدنيا، فهو إذن حياتها، تضحك لضحكة، وتحزن لحزنه، ويتقطّع قلبها إذا رأت الدمع في عينيه الزرقاوين.
كانت توفِّر القروش التي تجمعها من بيع البيض والقمح، وتحفظها بداخل عُصبتها التي تزّين رأسها، تمنَّت أن يدرس منصور ويتعلم، لكنها أفسدته من كثرة حبها ودلالها له، غير واعيةٍ لما صنعت يداها، فما كان منها إلاّ أن تفتح له حانوتاً في زمن ندُرت فيه الحوانيت.
لكن عناد منصور وأنانيته كانا أقوى من أن يبقى في القرية بين أهله وأحبائه. ففي صباح نَحْسٍ من صباحات أيلول حمل حقيبته بين يديه الناعمتين، وركب حمار أبيه، ورحل عن القرية ليفتح حانوتاً له في مدينة مجاورة.

اعتقد أن حياته تكون أفضل إذا استَقرَّ في المدينة وتعرّف على ناسها وتزوج من بناتها، كَثْرةُ مشاغله كادت تنسيه أمه وقريته، وقلبُ سعدى يتفطّر لبعاد صغيرها، ونساء القرية استهزأن بها، فالأمهات يضْرَسّنَ من أكل الحصرم ليتلذذ الأبناء بالعنب.
أَحبتّه ساره إحدى بنات عمه التي اشتهرت في القرية لطول جدائلها. منصور هو صديق طفولتها، ورفيق شبابها، أَحبته بين عرائش العنب وقرب جداول المياه، أحبته أيام الحصيد وأيام البذار. لكنه لم يحبها قطْ، لأنها وكما يقول فلاحة لا تناسبني، وكأنه ليس فلاحاً ابن فلاح. وكأن أمه من سيدات المدينة. ورغم كل هذا فقد احتفظت سارة بزاويةٍ من زوايا قلبها البسيط الطيب مليئة بالحب تجاه منصور.
رَحل عن القرية، ولم يَعُدْ، شهر ثم شهران ثم سنة ولم يعُدْ كانت سعدى العبدو تزوره أسبوعياً، تتحمل مشقة السفر ومخاطره لرؤية فلذة كبدها ونور عينيها، تحمل أرغفة الخبز الأسمر المعتقة برائحة البلوط والسرو، وتحمل الحليب الأبيض الصافي المزين بالقشطة السميكة.
وهكذا كل أسبوع، تعبت من كثرة الحديث معه حتى باتت الكلمات علقماً ينخر العظام، بالكاد يخرج من بين شفتيها. مَلت الحديث معه بشأن عودته إلى القرية، حتى أخبارها وأحداثها كانت لا تهمه، وسارة ترسل السلامات، فلا يأبه ولا يكترث لدميته القديمة التي هي بحاجة إلى تجديد فهي فلاحة لا تناسبه.
قلبه بات صخراً، وأمه المسكينة التي طالما سهرت وكافحت لأجل سعادته أصبحت رؤيتها أو عدم رؤيتها سواء. المدينة ومشاغلها سلبته جماله، تدليل والدته له زاد المشكلة سوءاً فما عادت كما كانت، وامتلأت جُعْبتها بالأحزان التي نفذت إلى أعماقها.
ليلة الرابع عشر من تشرين الأول لم تستطع سعدى النوم طوال تلك الليلة حالكة السواد، أفكار مزعجة مرعبة كانت تُراودْها، وإن غمض جفنها قليلاً أقلقتها الأحلام وأفزعتها. شعرت أن مكروهاً حدث لصغيرها، فقلب الأم دليلها.
وعندما تلصّصَ أولُّ شعاع شمس عبرْ الكُوة القابعة فوق فراشها، ومع صياح ديوك القرية، تركت أرض القرية متجهة إلى المدينة، وصلت حانوت منصور المقفل، فزاد فزعها، صرخت ونادت عليه، لم يجبْ، لكنها شعرت بقوة أنه هناك وخاصة بعد أن رأت أن أفراداً من الذباب الأزرق يدخل ويخرج من تحت عقب الباب ورائحة عفن تنبعث منه مخترقة أحشائها، لا أحد أجابها غير أطفال الجيران الذين قالوا لها: إنّ الدكان مقفل منذ يومين وأنهم لم يشاهدوا منصور. استغاثت ببعض المارّة لكسر قفل الدكان، فقلب الأم لا يخون، هي تعلم أنه بالداخل وأن مكروهاً قد حصل له. فتحوا الدكان وياليتهم لم يفعلوا.منصور ملقىً هناك جثةً هامدة، مغروزاً في قلبه سكّين.
قُتل منصور، ومات قلب أمه المسكينة التي ما بكت فأَدمُعها تمسكت بأهداب عينيها والنهر أبى الفيضان وبكى فؤادها، ولم تستطع تصديق حقيقة موت ولدها وكادت أن تجن.
وما عاد منصور ذاك الشاب الجميل وبات جسده ميتاً متعفناً ووجهه شاحباً، ويداه باردتين. ابتعد منصور عن القرية واستحقر أهلها. الآن جاء دور تراب القرية ليسجنه بين ذراته إلى الأبد، وجاء دور ديدان الأرض لتتلذذ.
قُتلَ منصور، وسارة قصت جدائلها، وأما سعدى فقد أقسمت أن تسير حافية القدمين بقية عمرها الذي لم يدُمْ طويلاً بعدهُ.




ظلال عويس
23/4/1999

الشربيني المهندس
12/11/2006, 12:11 AM
يمكن ان تصنف هذه القصـة علي انها قصة حالة أو شخصية
البطلة صاحبة العنوان ومشكلة تدليل الابن الوحيد
قسوة قلب الابن البطل للقصـة
معصية الام تورث الألم فكان الحل قدريا بسكين
ويمكن ان يكون للقصـة بقية بالمدينة التي قتلت ابن القرية لكن لانها قصة حالة اوشخصية سعدي فقد سكت اليك عن الكلام المباح