المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الطريقة القندرجية في المقام العراقي / الحلقة 3 Qunderchi style in iraqi maqam



حسين اسماعيل الاعظمي
17/10/2007, 05:03 PM
... سلسة كتاباتي ...
كتاباتي المطبوعة
كتاب الطريقة القندرجية في المقام العراقي واتباعها
دراسة تحليلية فنية نقدية لاحدى طرق الغناء المقامي البارزة في القرن العشرين
تاليف حسين اسماعيل الاعظمي / بغداد 2002
الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر / بيروت شباط February 2007
الحلقة (3)


الباب الاول
الفصل الاول
- المقدمة
- التعريف بالمقام العراقي
- التقديم


التقــــديم
المقام العراقي فن غناسيقي قديم جداً ، عاصر كل الازمان والتواريخ والاحداث التي عاشها العراق ، منذ ان عاش الانسان على هذه الارض الطيبة لأول مرة دون انقطاع تاريخي عنها.. مورس منذ تلك الازمان وتطور وتبلور حتى وصلنا عبر آلاف الاجيال المتعاقبة اباً عن جد وهو على اتم وضوحه وكلاسيكيته وابعاده الفنية ، حيث اصبح فورماً 35* له مكوناته الخاصة وقواعده واصوله الثابتة .. فمقامات مثل المنصوري (سلَّمه صبا) , البيات ، الحجاز ديوان ، السيكاه , الرست , النوى , الابراهيمي (سلَّمه بيات) ، الخلوتي (سلَّمه جهاركاه) ، المحمودي (سلَّمه بيات) ، الناري(سلَّمه بيات ويستقر على السيكاه في نهاية كل مقطع غنائي).. وغيرها من المقامات الرصينة ذات الشكل والمضمون التاريخي والتقليدي المعبِّر.. تمثل في الواقع النماذج المتقدمة من الفن المقامي العراقي .. فالمقام العراقي اجتاز طريقاً طويلاً من النمو والارتقاء حتى بلغ هذه المكانة الفكرية والجمالية والفنية العالية منطلقاً من الاساس الفطري والعفوي لانعكاسات البيئة ..
ان مفهوم المقام العراقي كنوع فني غناسيقي تراثي خصوصي لمجتمع اهل العراق يحتاج إلى تحديد لهذه المفاهيم والاستفهامات ، فما هو المقام مثلاً وتحديداً ما هو المقام العراقي ..؟
ان هذا التساؤل يعد من اعقد الموضوعات واصعبها.. فحتى يوم الناس هذا , لا يوجد رأي ثابت او رأي واحد يحدد هذا الموضوع .. ولسنا هنا بصدد تناول التسلسل الزمني لنشأة التراث الغناسيقي المقامي بالتفصيل ، بل سنحاول فقط ان نعطي تحديداً عاماً مبسطاً له .. واقربها هو التحديد السوسيولوجي 36*(الاجتماعي) حيث نتعرض لعلاقة هذا الفن ، بالمجتمع ، والمتلقي مباشرة .. وعليه نستطيع القول ان المقام العراقي - مؤلف غناسيقي تراثي خاص .. يسرد في صورة شاملة متعددة الجوانب حياة مجتمع اهل العراق - والمقام العراقي يساهم في توضيح تطور حياة البلد في تفاعلها المتبادل بدائرة الحياة المعقدة والممتدة , وفي هذا يختلف التراث الغناسيقي كالمقام العراقي عن الاغنية الحديثة التي تعد نتاجا فرديا وليس جماعيا , فكاتب الاغنية الحديثة وملحنها ومؤديها كلـهم فنانون افراد معروفون في المجتمع , وهذا النتاج الفردي عادة , يصور لقطة من حياة الشخـــصية الفردية او حادث مرَّ بها في حيز زمني محدد .. في حين ان التراث عموما والغناسيقي خصوصا كنتاج جماعي , فـــن يستطيع ان يشمل الروح الانسانية بهذه الصورة اللانهائية من وجود الانسان وفي مثل هذا الشمول كالفن الغناسيقي , اوالفن الغناسيقي التراثي على وجه الخصوص .. فالمقام العراقي باعتباره فناً غناسيقيا تراثيا , يسمح - على خلاف الانواع الغناسيقية الاخرى – بالتصوير المتسع للعالم الداخلي للشخصية , وايضا لحياتها الخارجية وبيئتها ومعيشتها .. ولأن الغناسيقى التراثية تستطيع ان تمزج بين مختلف وجهات النظر ووسائل التصوير المتنوعة من جهة .. وبين تصوير الجوانب السامية والعادية للحياة من جهة اخرى .. فقد اصبحت أكثر اشكال الفن الغناسيقي , تصويرا للمراحل التاريخية الانسانية والتطورات الاخلاقية والفكرية
ان صور وظروف المقام العراقي انسب للتقديم الشاعرى للانسان الذى يُنظر الية في علاقته بالظروف الاجتماعية , وهنا كما يبدو .. السر فى نجاح الغناسيقى التراثية غير العادى وفي سيطرتها المطلقة ..
فالمقام العراقي هو من أكثر انواع الغناسيقي التي تبرز حياة الفرد في تفاعله مع المجتمع وتفاعله مع الظروف الحياتية المحددة للعصر , وتصوير معالم الحقبة الزمنية المعاشة ..
وتختلف انواع الغناسيقى تبعا لاختلاف الموضوعات والاشكال والمضامين التي تعكسها , فهناك غناسيقى مدنية , ريفية , بدوية , سهلية , جبلية , صحراوية , موسيقى حديثة .. وغيرها . ولأن المقام العراقي , باعتباره غناسيقى تراثية , يهتم في الواقع بتفاعله مع مستمعيه الذين يمثلون كل فئات الشعب الذوقية والطبقية , فقد ربط الكثيرون بينه وبين حقبة التحول من بدايات القرن العشرين على اساس ان هذه الحقبة ارتبطت بظهور انماط غناسيقية اخرى على الساحة الغنائية فرضت نفسها لأول مرة على الجمهور والاهتمام بها بغض النظر عن مكانتها الفنية , وعلى الاخص في العاصمة بغداد وبدأت لأول مرة ايضا تظهر على الساحة بوادر انطولوجية غناسيقى العراق من شماله الى جنوبه حيث تمثل غناسيقى كل البيئات الجغرافية اضافة الى الاديان والقوميات والاقليات المتعايشة معا في هذا البلد الحضاري , بعد ان كان المقام العراقي وحيدا في الساحة حتى ذلك الحين .. ورافق ذلك نمو الوعي الاجتماعي الذي صاحب التغيرات والتحولات الجديدة زمنذاك , وقد اشار الكثير من النقاد إلى ان المقام العراقي في حقبة التحول اختلف اختلافا واضحا عما سبقه من تاريخ , فقد اصبح المقام بحلة جديدة ولا يمكن النظر اليه في هذه الحقبة على انه تكملة عادية لسابق المقام من تاريخ , فقد كانت التكنولوجيا وتطورها المستمر الذي يزداد سرعة , وابتكار جهاز التسجيل الصوتي , منعطفا عظيما في تاريخ الفن الغناسيقي بصورة عامة , ومن خلاله ثبتت الاصول المقامية واصبح للمقام العراقي شكلا ومضمونا واضح الابعاد أكثر من أي حقبة سابقة حتى وصل إلى ذروة كماله في هذه النواحي ..

صورة / جمع من الفنانين والاصدقاء يظهرفيها من الجالسين الحاج هاشم الرجب وجميل بشيروحسين عبد الله ويوسف عمر وجابر الربيعي يوم 18 \ 1 \ 1958

والمقام العراقي في عصور ما قبل القرن العشرين , لم يُعرف بشكله الحالي الواضح المقنن كنوع غناسيقي , فقد كانت الغناسيقى في بغداد خاصة , قد تداخلت من خلال التأثر والتأثير الحاصل في واقع الحال مع موسيقى الاقوام الحاكمة طيلة ( الفترة المظلمة ) 37*وعليه فقد كانت حقبة التحول قد احتوت هذه المخلفات وبدا ترتيب جديد لها , وهذبتها لتصل بغنائنا وموسيقانا إلى هالة من الوضوح والتقنية والرصانة .
وعموما , يمكن القول ان النتاجات المقامية الاولى التي جاءت في حقبة التحول , كانت تتماشى مع الفهم العام لغناسيقى العراق ككل حيث كان المقام العراقي ولايزال يؤدي دورا دينيا ودنيويا , اخلاقيا وتاريخيا .
وبالرغم من كل ذلك فقد ظهرت بعض المقامات المسجلة باصوات بعض مغني الحقبة , اتخذت طابعا مغايرا بعض الشيء , حيث جمعت هذه التسجيلات بين الجانب التاريخي والجانب الشخصي الذاتي واقرب مثال على ذلك تسجيلات محمد القبانجي , وندرك ذلك عندما نستمع اليه في مقام السيكاه مثلاً الذي يغنيه بإحدى القصائد الصوفية الشهيرة لعمر ابن الفارض..38 *
اعد ذكر من اهوى ولو بمــــلامي
فإن احاديث الحبــــــيب مدامي
ليشهد سمعي من احـــب وان نأى
بطيف ملام لا بطيــــــف منام
فلي ذكرها يحلو على كل صيـــــغة
ولو مزجوه عذَّلي بخصــــــام
كأن عذولي بالوصال مبشـــــري
وان كنت لم اطمع بردِّ ســــلامي
بروحي من اتلفــــت روحي بحبها
فحان حمامي قبــــل يوم حمامي
ومن اجلها طاب افتضاحي ولذَّلي اطرا
حي وذلِّي بعد عزِّ مقـــــــامي
وفيها حلا لي بعد نســكي , تهتكي ,
وخلع عذاري وارتكــــاب اثامي
اصلّي فاشدو , حين اتلو بذكـــرها
واطرب في المحـــراب وهي امامي
وبالحج ان احرمت , لبَّيت باســمها
وعنها ارى الامســاك فطر صيامي
وشأني , بشأني , معرب , وبما جرى
جرى , وانتحـــابي معرب بهيامي
اروح بقـــــــلب بالصبابة هائم
واغدو بطرف بالـــــكآبة هام
فقلبي وطرفي , ذا بمعــــنى جمالها
معنى , وذا مغرى بليــــن قوام
ونومي مفقود , وصبحي , لك الــبقا
, وسهدي موجود , وشـــوقي نام
وعقدي وعهدي , لم يحل ولم يــحل
ووجدي وجدي , والغــرام غرامي
يشف عن الاسرار جسمي من الضنى ,
فيغدو بها معنى , نحول عـــظامي
طريح جوى حب , جريح جوانــح
قريح جفون , بالـــــدوام دوامي
صريح هوى , جاريت من لطفي الهوا
سحيرا , فأنفاس النـــــسيم لمامي
صحيح , عليل , فاطلبوني من الصبا
ففيها , كما شاء النــــحول مقامي
خفيت ضنى ,حتى خفيت عن الضنى
وعن برد اســــقامي , وبرد أوامي
ولم يبق مني الحب غير كآبــــة
وحزن , وتبـــــريح , وفرط سقام
فأما غرامي واصطباري وســلوتي
فلم يبق لي مــــــنهن غير أسامي
وفي وصلها عام لديَّ كلحـــــظةٍ
وساعة هجرانٍ علــيَّ كــــــعام
ولما تلاقينا عشاء وضمــــــنا
سواء ســبيلي دارها وخيـــــامي
فرشت لها خدي وطاء , على الثـــرى
فقالت لك البشـــــرى بلثم لثامي
وبتنا كما شاء اقتراحي على المنـــى
ارى الملك ملكي والزمان غلامـــي

صورة / عندليب المقام العراقي محمد القبانجي
أو مقام الحسيني بهذه القصيدة ...
طلتَ ياليل ولم تبدِ صــــــباحا
وعلى الآفاق اسدلـــــت الجناحا
فكأن الدهـرَ لـــــيلٌ كله
وكأن الصـــــبحَ قد مات وراحا
وكئيبٍ كلما مرَّ به طـــــــارقٌ
فزَّ من الوجد وصـــــاحا
ان بكى المزن بكى من حـــــزنٍ
واذا لاح حــــــمامُ الايكِ ناحا
انا ما دمتُ محـــــــبا لم ازل
اسكبُ الدمعَ غــــــدوَّا ورواحا
صورة / رائد النهضة العربية الموسيقية الحديثة الملا عثمان الموصلي

ثم اخذ المغنون المقاميون يهتمون تدريجيا أكثر مما مضى بتصوير الذات وخلجات النفس والانتباه إلى النواحي الفنية والثقافية في الغناسيقى المقامية
ومن ناحية اخرى , يحدثنا التاريخ المقامي من خلال بعض الكتب التي صدرت في القرن العشرين ببغداد , كالمواضيع التي نشرها جلال الحنفي في مجلة الفتح في ثلاثينات القرن العشرين وغيره من النقاد الذين اسهبوا في الكتابة عن الطرق الغنائية المقامية , اضافة إلى مــا كتبه الحاج هاشم الرجب وشعوبي ابراهيم وعبد الوهاب بلال وعبد الوهاب الشيخلي سواء في كتبهم او منشوراتهم .. وبالنظر لعدم وفرة المدونات التاريخية والدلائل التي نعتمد عليها في التدقيق والتمحيص , فإن أول الطرق هذه التي استطاعت ان تتبـــلور وتبرز إلى الساحــــة بصورة متكاملة بعد الطريقة الرائدة (الطريقة الرحمانية) كانت ( الطريقة الشلتاغية) نسبة إلى مؤسسها المطرب الكبير رحمه الله بن سلطان اغا بن خليل شلتاغ الذي عاش معظم حياته في بغداد ( 1793-1871) قادما من كفري وهو ابرز تلاميذ المطرب الكبير عبد الرحمن ولي ( الملا ولي ) الذي جاء من كفـــــري هو الآخر وعاش في بغداد ( 1744-1830) ..

صور / مطرب المقام العراقي عباس بطاوي مطرب المقام العراقي احمد الزيدان اسطورة المقام العراقي في عصره حميد تيلجي

ورغم اننا لا نستطيع ان نسهب الحديث عن هذه الطريقة الشلتاغية بما يكفي خاصة وان التسجيل الصوتي لم يكن موجودا في تلك الحقبة ليتسنى لنا الاستماع الى تسجيلات مؤسسها واتباع طريقته ومن ثم الحديث عن هذه التسجيلات .. إلا أننا يمكننا فقط , وبسبب فقر المعلومات كما مرَّ بنا , ذكر بعض المغنين المعاصرين للمطرب , رحمة شلتاغ , سواء قبله او بعده بقليل ومنهم استاذه عبد الرحمن ولي الذي سبق ان اسس طريقة خاصة به (الطريقة الرحمانية) , إلا أننا لا نعرف عنها شيئا على الاطلاق , وابراهيم بن نجيب (1180-1234) وملا حسن البابوججي ( 1188-1256) هـ وقوج بن علي (1224,1313) وحسقيل بن الياهو بن شاهين (1228-1299) هـ وحمد بن جاسم ابو حميد (1233-1298) هـ ومصطفى مراد الاعظمي العبيدي ( 1793-1875) هـ وعبد اللطيف بن شيخ الليل (1803-1880) هـ ومحمود بن قمر بن عبد الله بن عبد القادر الشيخلي (1804-1883) وزينل النعلبند الكردي (1808-1895) هـ ورحيم مصطفى الاعظمي ( 1810-1890) هـ والسيد حمد بن السيد محمد المتوفي في بغداد ( 1902) م وجاسم بن الحاج حبيب الايوب القرغولي ( 1810-1910) م والحاج حمد ابو دعدع ( 1811 18870) م وغيرهم من المغنين ممن تُلمذ شلتاغ على ايديهم ومن تُلمذ على يديه .. ولو اسمتر بنا ذكر اسماء بعض المغنين المقاميين فإننا سنصل إلى شيخهم في هذه الحقبة التي تمثل النصف الثاني من القرن التاسع عشر وهو احمد الزيدان التلميذ البارز في الطريقة الشلتاغية ومؤسس الطريقه الشهيرة ( الطريقة الزيدانية ) فقد استلم من سابقيه واثَّر في معاصريه وعلَّم لاحقيه , فقد سبقه مغنون جيدون نذكر منهم الملا محمد المنطقجي بن مصطفى ( 1819-1900)واحمد بن حبيب(1889,1822) ومحمد بن سبتي بن محمد(1900,1822) وسلمان بن ابو جرص (1822-1910 ) وامين اغا ابن الحمامجية الذي ولد في الاناضول وتوفي في بغداد ( 1824-1892) والمطرب الكبير خليل رياز ابراهيم الذي عاش في بغداد بين عامي (1824-1904) وابراهيم بن بكر العبيدي الذي عاصر خليل رباز تماما حيث عاش بين عامي (1824-1888) وعبد الوهاب الافحج (1828-1896) ورزج ابن الحاج ياسين ( 1830-1888) وحسن الشكرجي (1830-1897) م ورزق بن طماشة (1830-1917) م واحمد بن ذرب (1831-1889) م وحسن الجصاني (1831-1910) وعبد الوهاب شيخ الليل – عبد الوهاب بابا – (1831-1912) وسعودي المرزوك ( 1832-1890) ومحمود القندرجي بن شكر (1832-1900) وشيخ المغنين المقاميين لهذه الحقبة احمد بن حمادي بن زيدان مؤسس الطريقة الزيدانية في الغناء المقامي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر (1832-1912) وقد عاصره من المطربين المقاميين سبع الحايك ( 1837-1895) السيد عبد بن حمد ( 1838-1896) وعباس سلمان الجبوري (1839-1900) السيد علي حسين (1840-1912) وصالح بن درويش ( 1840-1937) وحاجم بن سلطان البياتي (1841- 1879) ابراهيم العمر بن عمر بكر – الحافظ الاعظمي –(1846-1914) وعبد الرزاق القبانجي – والد محمد القبانجي (1846-1931) ومحمود بن الحاج بكر الاعظمي (1849-1917) وابراهيم البابوججي (1850-1894) والسيد محمد عبد الله الصفار ( 1851-1900) وشكر بن السيد محمود عمر العبيدي ( 1853-1921) وعبد الكريم الدباغ (1854-1912) الحاج شكر بن مجود الكمر ( 1858-1926) وحسن الفدعم ( 1860-1917) وقدوري القندرجي بن صالح (1861- 1910) وقدوري العيشة (1861-1926) وانطوان دابي بن بطرس (1861-1936) الخ
من الاسماء البارزة في الغناء المقامي ممن عاصروا الشيخ المقامي احمد الزيدان يمكن ان نذكر اسماء اخرى من المغنين المقاميين تلاميذ هذه الطريقة الحاذقة .. مثل السيد ولي حسين علي ( 1862-1922) وعلي الحسون ( 1865-1919) وعلوان العيشة ( 1866-1929) وجاسم ابو النيص المولود في بغداد ( 1867) وصالح بن جاسم النجار (1868-1926) والسيد محمد عبد محمد العبيدي (1867-1920) وحسون ابن اليهودية المولود في بغداد ( 1870) ومحمود الخياط (1872-1925) والحاج جميل البغدادي ( 1876-1953) وابراهيم محمد الاعظمي (1877-1920) الحاج يوسف كربلائي المولود في بغداد (1879) وحسين النمنم المولود في بغداد ( 1880) والحاج عباس كمبير (1883-1971) وجميل الاعظمي (1902-1967) وعبد الفتاح معووف (1890-1989) واخرين غيرهم حتى ظهر شيخ مقامي جديد تُلمذ على مبادئ الطريقة الزيدانية والاساليب السائدة الاخرى واسَّس طريقة جديدة اعتمدت على كل القيم القديمة في الغناء والموسيقى المقامية .. إنها (الطريقة الرشيدية) ومؤسسها الشيخ المقامي رشيد القندرجي , وتلاميذ آخرين للطريقة الزيدانية , مثل قدوري العزاوي المولود في بغداد ( 1885) ومهدي بن عيسى الصباغ (1885-1915) وكذلك احمد بن رذيل (1885-1930) وعباس بطاوي (1885-1975) ثم رشيد علي بن حبيب – رشيد القندرجي – ( 1886-1945) وداود بن المطرب الشهير احمد زيدان المولود في بغداد ( 1887) وغيرهم الكثير ممن نتحدث عنهم او يرد ذكرهم في هذا الكتاب مثل شاكر البناء (1890-1948) والسيد هاشم مصطفى الاعظمي ( 1891-1919) الذي ولد ببغداد وتوفي في البحرين .. وعبد الفتاح معروف المولود في بغداد والمتوفي فيها ( 1891-1989) ونجم الشيخلي ( 1893-1938) ومجيد احمد البكر ( 1894-1914) والمطربة صيدِّيقة الملاية (1900-1970) وشيخ هذه الحقبة محمد القبانجي (1901-1989) ..الخ ..
وهكذا يكون غناء المقام العراقي في بدايات القرن العشرين , قد حدث فيه تطور ملموس من الناحية الفنية والجمالية من خلال التسجيلات الصوتية التي ظهرت في هذه الحقبة لأول مرة , بالمقارنة بما سبقها .. فمن جهة بدأت بوادر تغيّر النظرة الاجتماعية إلى مركز الفنان بصورة عامة ودوره في المجتمع افضل من العهود السابقة نسبيا .. واتسعت دائرة الفن الغناسيقي والمقامي وبدأت تظهر تطورات ثقافية فنية لفن الأداء .. ومن جهة اخرى شهد الغناء المقامي تغيرا واضحا في تناول المغنين موضوعاتهم الشعرية في غناء المقامات خاصة القصائد الغزلية وظهرت بوضوح تعبيرات عن الذات الشخصية للفنان المغني او العازف ..
وهكذا نستطيع ان نلاحظ ان الغناسيقى في هذه الحقبة قد تصدرت الفنون الاخرى وقد كانت هذه الصدارة مرتبطة في البداية بظهور جهاز التسجيل الصوتي ومن ثم اظهار فنون الأداء الغناسيقي بصورة مغايرة للسابق من حيث الذوق والجمال وارتبط كل ذلك بالصفة الكلاسيكية للمقام العراقي , الامر الذي جعل من تجربة هذه الحقبة التي اطلقنا عليـها سابقا بـ ( حقبة التحول ) 39*دور كبير في التمهيد لظهور اولى المحاولات الخارجة عن المحلية الصرفة والتي اتصفت بها مبادئ ( الطريقة القبانجية) واستطاعت ان تتأثر وتؤثر بعد ان تطورت وسائل الاتصال والاحتكاك مع البلدان حوالينا .. فلو استمعنا إلى بعض المقامات المغناة من قبل مطرب القرن العشرين محمد القبانجي مثل مقام الاورفة ومقام الرست ومقام النهاوند اومقام الكرد الذي يغنيه بهذا الزهيري لمحمد الحلي المعروف بابن الخلفة ..
جربتهم ما وفوا بالغانمات امعــاي
وامعاي خانوا على عهد التخبرة امعـاي
الهم لسن كالعقارب لاسعات امعـاي
من لسعهم ما يطيــــب الجرح لو عظن
عاشرتهم ما شفت واحـد طلـــع علظن
مكرود يلي تريد امن المــــضل علظن
وبمكرهم ذوبوا شحم الكـلاي امعاي
وغيرها من المقامات , فسنلاحظ اتساع مدارك افكار الأداء الغنائي في المقامات العراقية وتعريقها 40* لبعض الجمل الادائية غير العراقية التي دخلت الى كيان شكل form غناء المقام العراقي لأول مرة عن طريق استاذ الجميع محمد القبانجي .. وكان لهذه السمات الجديدة في تعابير الغناء المقامي اهمية كبيرة في تحديد معالم غناء المقام العراقي المقبلة ..
وفي اجواء هذه الحقبة من وضوح التأثيرات الخارجية بفنون البلدان حوالينا , التي كانت تأثيراتها في صورة مختلفة , اتخذ غناء المقام العراقي احيانا طابع التقليد واحيانا اخرى طابع الاقتباس في البناء الشكلي ولم يكن في البناء التعبيري , حيث كان القبانجي الذي تأثر بجمل غنائية عديدة من خارج حدود الوطن ونقلها وضمَّنها في الشكل الغنائي المقامي , ولكنه عمل على تعريقها , أي انه غناها بروح عراقية مقامية , فقد جرَّدها من مضامينها الاصلية وألبسها مضمونا تعبيريا عراقيا . وفي هذا اهمية كبيرة في التأثير والتأثر .
وكما هو معروف فقد ظهر المطرب المقامي رشيد القندرجي في حقبة بدايات القرن العشرين , كمطرب بانت عليه منذ البداية الامكانية الغنائية والمعرفة المقامية والنبوغ في حبكة الاعمال المقامية وربط مساراتها اللحنية التقليدية بصور رصينة متماسكة .. وقد علَّق بعض النقاد على هذه الناحية على ان رشيد القندرجي عندما يغني المقام العراقي فإن بناءه اللحني يصوغه وكأنه صائغ للذهب .. وقد كانت هذه الميِّزات اسبابا مباشرة في شهرة رشيد القندرجي مما أدى بعدئذ إلى ظهور طريقته المخضرمة وظهور مغنين مقاميين لقبوا بعد حين بأنهم .. رشيديون .. امثال عبد القادر حسون واحمد موسى والحاج هاشم الرجب وشهاب الاعظمي ويونس يوسف وعبد الخالق صالح رحيم وسعيد دخان وحسقيل قصاب ورشيد الفضلي وغيرهم ..
ومن أكثر الظواهر الفنية التي تميَّز بها رشيد القندرجي في بناء طريقته ، هي إلتزام هذه الطريقة في غناء المقام العراقي بالشكل والمضمون التعبيري العراقي الصرف ، وعليه يمكننا اعتبار هذه الطريقة هي آخر الطرق العراقية الصرفة ، النقية والخالصة من التأثيرات الخارجية ، خاصة وقد برزت في اهم فترة من فترات التحولات والتأثيرات وقاومت بضراوة كل ما جاءت به هذه الحقبة رغم ان ظهور رشيد وطريقته كان في ذروة تحولاتها..
لاحظ ذلك عزيزي القارئ وانت تستمع إلى بعض تسجيلات رشيد القندرجي المقامية مثل مقام النوى بقصيدة مطلعها ..
( ومقرطق يسعى إلى الندماء بعقيقة في درة بيضاء)
وكذلك عندما تستمع إلى مقام السيكاه وهو يغني قصيدة هذا مطلعها..
( نضت عنهاالفحيص لصب ماء فورد خدها فرط الحياء)
إلى غير ذلك من مقامات كثيرة مسجلة بصوته تشير إلى خلاصة نقية صرفة في الشكل والمضمون المقامي العراقي .. ولعل من الجدير ذكره ، ان رشيد القندرجي كان قد سجل (58) ثمان وخمسون اسطوانة (كرامافون) لصالح الشركات الاجنبية التي وصلت إلى بغداد في العقد الثالث من القرن العشرين ، وقد احتوت هذه التسجيلات على مجموعة كبيرة من المقامات والاغاني العراقية القديمة ، هذا ما اخبرني به الحاج هاشم محمد الرجب عند زيارتي له نهار الجمعة 27/6/2003 .. وعليه فلو نظرنا إلى كلا المطربين الكبيرين رشيد القندرجي ومحمد القبانجي من خلال نتاجاتهما الفنية وما انجزاه خلال مسيرتهما من فن ، فإنه يمكن اعتبار كليهما منعطفاً فنياً في المقام العراقي ، وقد فرَّقت بينهما حقبة التحول بكل تحولاتها وتغيُّراتها الجديدة ، حيث فصلت بين الابداع الكلاسيكي عن الابداع الرومانسي .. بين النقاء الصرف عن النقاء المتأثر..
والمغنون المقاميون في هذه الحقبة (حقبة التحول) وبالتحديد الفترة التي سادت فيها الطريقة الرشيدية وبداية شيوع الطريقة القبانجية ، انقسموا إلى فريقين ، منهم الرشيديون ومنهم القبانجيون ، وفي هذا الخضم هناك من تأثر بالطريقتين واخذ منها ومن غيرها امثال مجيد رشيد الذي استفاد من هذه الاجواء الادائية في طرق غناء المقام العراقي رغم ان نسبة تأثره بالطريقة الرشيدية كان أكثر نسبياً من تأثره بالطريقة القبانجية وكذلك المغني البارع عبد الهادي البياتي الذي استفاد هو الآخر من هاتين الطريقتين مع ان ميوله إلى الطريقة القبانجية يكاد ان تكون أكثر تأثراً من غيرها رغم انه تلميذ فعلي لمغنين مخضرمين اساسهم الطريقة الزيدانية والرشيدية مثل السيد جميل البغدادي وعباس كمبير ونجم الشيخلي ورشيد القندرجي وغيرهم 41*. وفي نفس هذه الفترة يقف المطرب الابداعي حسن خيوكة مطرباً حاذقاً مستفيداً من الطريقتين الرشيدية والقبانجية ، بل مستفيداً من معظم اساليب عصره الادائية ، حتى تسنى له ان يقف مستقلاً أكثر من غيره بتعابير وطريقة تكاد ان تكون خاصة به تماماً .. ولكن فكره ومزاجه في الغناء ينحو منحى مطرب الاجيال محمد القبانجي من حيث التجديد والابداع.
الهوامش
• 35* - الفورم .. هو علم الاشكال , وفي موضوعنا هنا نقصد به علم الاشكال الموسيقية ..
• 36* - السوسيولوجيا .. - sociology- دراسة وصفية تفسيرية مقارنة للمجتمعات الانسانية كما تبدو في الزمان والمكان للتوصل الى قوانين التطور التي تخضع لها هذه المجتمعات الانسانية في تقدمها وتغيرها .. (انظر كتاب المقام العراقي الى اين ؟ للمؤلف ص85)
• 37* - الفترة المظلمة .. اطلق المؤرخون على القرون التي تلت سقوط العباسيين 656هج1258م حتى عام 1958م تاريخ الثورة العراقية , سبعة قرون ميلادية بالتمام والكمال بما فيها فترة الاستعمار الانكليزي 1917م1958 ب(الفترة المظلمة) لكثر ما اصاب العراقيون من ظلم واستبداد واستغلال وجهل وتخلف واعتداء من قبل كل الاقوام الغازية التي حكمت العراق طيلة هذه الفترة من التاريخ..
• 38* - لجمال وعمق معاني القصيدة فقد وضعنا معظم ابيات القصيدة , وطبيعي ان القبانجي لم يغني منها سوى ابيات معدودة ,وهكذا شان باقي القصائد الاخرى في هذا الكتاب ..
• 39* حقبة التحول .. في كل كتاباتي السابقة فيما يخص المقام العراقي , كنت قد اوضحت على ان العقود الاولى من القرن العشرين كانت مليئة بالتطورات والتحولات , الامر الذي جعلني اطلق عليها ب – حقبة التحول – وفي كتابي المخطوط – المقام العراقي في مئة عام – قسمت القرن العشرين الى ثلاث حقب حسب الاحداث والتطورات والتحولات التي حدثت وهي حقبة التحول من بداية القرن حتى منتصف الثلاثينات و - حقبة التجربة - من الثلاثينات حتى منصف الستينات و - حقبة النضوج - من الستينات حتى نهاية القرن , وهذه الحقب متداخلة مع بعضها وتقريبية ..
• 40* - التعريق ..يقصد بهذه المفردة , نقل مسارات لحنية غنائية غير عراقية من البلدان القريبة عربية وغير عربية الى الغناء العراقي ولكن بتعبير عراقي , نتيجة التفاعل الاسرع الذي حصل من خلال تطور اجهزة النشر والتوزيع والاتصال والحفظ , ويعتبر المطرب محمد القبانجي الرائد الاول في هذا التفاعل ..
• 41* - لدى المؤلف كتاب مخطوط بعنوان – المقام العراقي بين طريقتين – يتحدث عن التفاعل والدراما التي حدثت بين الطريقتين البارزتين في القرن العشرين الرشيدية والقبانجية وما خرج عنها من مغنون كانوا قد تاثروا بهذه التفاعلات وعبروا باساليب غنائية مستقاة من خليط هاتين الطريقتين والطرق الاخرى الاقدم التي لم يزل لها وجود حتى هذه الفترة ..