المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : آلام البغايا ( قصه قصيره )



أشرف نبوي
18/10/2007, 08:30 AM
تثاءبت في دلال وغنج وهي تزيح الغطاء عن جسد مرمري... تاركه ورائها جثه ممده بلا حراك ... تبسمت وهي تغمغم التاسع... نظرت إليها في تشفي وابتسامه تعانق دمعه أطلت من عينيها... ارتدت ملابسها... خطت إلي الطريق.. صافحت عيناها صور الدمار في كافة الأنحاء... تبغضهم.هم يتجول حاملا سلاحه في صفاقة... تبغضهم ... تتمني لو تغرز أظافرها في أعناقهم جميعا... تبتسم في مرارة حين يقتربوا... جواز مرورها... جسدها وتلك الأبتسامه التي تشي بالكثير... طول مدة مكوثهم في بلادها جعلهم عطشي... تعميهم رغباتهم المحمومة... تضللهم فتنتها وجمالها... لم تتغير كانت ولا زالت فتاة ليل.
عرجت في طريقها علي أحدي الحانات في محاوله لإخفاء وجهتها. خرجت بعد قليل قاصده بيت أحد أفراد المقاومة. طرقت الباب عدة نقرات قبل أن ينفتح ويظهر أحد جنود الاحتلال بوجهه القبيح... لطمها بقسوة ثم كبلها قبل أن يصطحبها خارجا... لمحت رفيقها مقتولا في أحدي الزوايا قبل أن تغادر...بعد تفتيش منزلها والعثور علي جثة رفيقهم مقتولا... ألقيت في حجره مظلمة بعد أن أشبعت ضربا...انهمرت دموعها ألما وحزنا... بقيت ليلتها مستيقظة قلقه لكل حركه خارج سجنها.. استسلمت لأفكارها.... سرحت بخيالها وهي تستعرض حياتها منذ أن وعت ما حولها واستوت مهرة متمرده علي واقعها... مر شريط حياتها أمام عينيها وكأنه حدث بالأمس فقط..
لم تدع يوما أن ظروفها الصعبة دفعتها لهذا الطريق... لقد اختارت طريقها بنفسها.. ربما تمردها المتأصل في تكوينها الأنثوي... جمالها اللافت.. وتهافت كل شباب بلدتها الصغيرة لإقامة علاقة معها.. ربما ساعد هذا في تحديد ما تريد... قسوة والدها وشدته جعلاها تلوذ بالفرار... حطت رحالها في بغداد.. ذابت في الزحام لفترة...... لكنها سرعان ما أثبتت تميزها.. وتفردها ... ذاعت شهرتها خاصة بين الأجانب المنتشرين في ربوع العاصمة... عاشت حياة مرفهة.. ترفل في الثراء.. وتحظي بحماية قويه بعدما توطدت علاقاتها بأركان القوه...
بين عشية وضحاها تبدلت الأمور... لم تفهم يوما حرفا مما يقال عن السياسة...ولم تتعب رأسها الصغير في فهم ما يدور أو سبب حرب بلادها ضد جيرانها.. لكن هذه المرة شعرت بتغير كبير.. رحل كثيرا من أصدقائها.. وانشغلت الصفوة من أركان الحكم عنها... ظنت أن الأمر آني وستعود الأمور لحالها... تسارعت الأحداث.. أزداد تجهم الأوجه... وصارت لا تسمع إلا حديث الحرب... الكرامة... الوطنية... حاولت استيعاب الحدث... ذكائها الفطري ساعدها... شعرت بأن الوطن مهددا من قوي أكبر وأظلم.
أيقظتها أصوات المدافع عند الفجر بدت مدينتها وقد تحول ليلها إلي نهار من لهيب يتساقط بلا هوادة... شعرت بالخوف وانفجرت دموعها الحبيسة سنيين... مرت أشهرا.. هدأت الأمور قليلا.. تغيرت الأحوال... وطنها محاصر.. وهي محاصره بالوحدة والأحزان... أنشغل الجميع عنها.. وضاقت بها الحياة... سقطت مريضه وهي تشاهد وطنها يتحول إلي ثكنة عسكريه... لا عطور أو أدوات تجميل... نحن محاصرون...لا دواء... نحن محاصرون...لا أمل... نحن محاصرون... أنهكها المرض.. أنفضت البقية الباقية من حولها... تسولت لقمة العيش.. وتوسدت الأرصفة...
عشر سنيين مرت..استيقظت علي صوت الأنفجارات من جديد.. أضاءت سماء بغداد فلم تعد تفرق بين ليل أو نهار.. استجمعت قواها... رأتهم يوزعون المؤن والسلاح علي الجميع.. دبت الحياة فيها من جديد... لملمت أشلاء نفسا كسيره...داعبتها خيالات الماضي... تذكرها أحد كبار الضباط أثناء تجواله..تذكرها .. تبسم في ألم.. كلنا جنود... فداء لهذا الوطن المجيد... تنقلت بين سرايا المقاومة الشعبية... شعرت بأن بعضا من أدميتها قد رد إليها... ازداد لهيب القصف وقسوته.. وازدادت صلابة المقاومة... عادت الروح إليها... أيقنت بالنصر...
كانت مصدقه لكل حرف يقوله القائد... وكانت تنظر إلي أبواق الدعاية التي تبث ليل نهار علي أنها الواقع والحقيقة الصادقة... وأنقلب الأمر بين عشية وضحاها... وجدت المحتلين في أزقة بغداد وشوارعها... رأت بأم عينيها الدبابات تسير في الشوارع بلا رادع... بكت بحرقه.. انتحبت علي الوطن الذي ضاع والأمل الذي خبا... لكنها وجدت عزائها في استمرار بعض جيوب المقاومة... انضمت أليهم وبدأت العمل من جديد... ضيق جنود الاحتلال الخناق.. وجدت الحل... لتستدرج أحد الجنود بعيدا.. ثم تقتله... وجدت مساعده كبيرة من رفاق الجهاد... ازدادت خبره وثقه... أصبحت تنفذ عمليتها لوحدها... فقط تطلب المساعدة للتخلص من الجثث لتتمكن من قتل المزيد منهم.
كان هذا الأخير التاسع الذي تتمكن من استدراجه وقتله بالسم في بيتها... لم يشك أحد في أمرها... كانت تمضي اليوم كله في إلحانه وتتقرب من هذا وذاك حتى تتمكن من أحدهم.. تواعده وتصطحبه إلي بيتها... مرقده الأخير قبل أن تجهز عليه... كانت تشعر بنشوة بعد أن تخلص وطنها من أحد
الغزاة الباغين... تشعر بأن وطنها مستباح... كما هو جسدها.. ربما شعورها بالعار مما هي فيه دفعها للتطهر... وكان هذا التطهر صعبا فأرادت أن تطهر الوطن لعلها تحقق بعض الطهر لذاتها... أفاقت من شرودها علي أول خيط لضوء الفجر...أخترق نافذة صغيره في أعلي الحائط... مسحت دموعها المنسابة... قررت الأ تظهر لهم ضعفها وآلامها... حين فتح أحدهم الحجرة عليها صباحا.. وجدها جالسه في كبرياء... مد يده إلي صدرها بصقت في وجهه وهي تلعنه... توعدها وهو يهم بالخروج...
أفاقت متوجعة وهي تشعر بجسدها يؤلمها... فتحت عينيها بصعوبة... اعتدلت جالسه تشعر بالأم الدنيا تجتاح الجسد... أبصرت بعين نصف مفتوحة من أثار التورم أمر أه في الزاوية المقابلة... تبسمت في تودد... بادلتها ابتسامه مذعورة بعينين ذائغتين... حين أمعنت النظر... وجدت حطام أمر أه... أثار التعذيب... وذل العار يكسوها... لا تكف عن التلفت والبكاء... سألتها هامسة أين نحن... أجابت في ذعر أنه سجن بوغريب ... هكذا سمعتهم يتحدثون.... شعرت بالغثيان... لكم سمعت عن فظائع ترتكب فيه... من يدخله مفقودا لا يعلم عنه شيئا.... سمعت صرخات مختلطة بضحكات هستيرية.. انكمشت رفيقتها وانتابتها نوبة بكاء... تعرف أن دورها آت...

انتظرت أياما عانت الجوع والخوف...جاء دورها .. أنفتح الباب وبرز منه جنديان بسحنتهم البغيضة... اتجها صوبها.. قاما بجرها عبر الممر..صكت أسماعها أصوات الصراخ والآنيين مختلطة بضحكات السكارى والشواذ من الجنود... حين وصلت صدمها المشهد..نساء ورجال عراة...بعضهم مكبل والبعض تسيل الدماء من جسده ووجهه... البعض فقد القدرة علي الوعي أو استيعاب ما يحدث....والبعض الأخر غطت ملامحه علامات الذهول والانكسار....أقترب أحدهم منها سألها بلغة نصف عربيه أين باق رفاقك....صمتت وهي تنظر إليه في أذد راء....أعاد السؤال وهو يركلها بقدمه... حاولت التماسك...خانتها دمعه سقطت من فرط الألم...أشار لأحدهم أن يجردها من ثيابها...صرخت وهي تنشب أظافرها في عنقه...حاول التخلص...هرع إليه زملائه.. لم يفلحوا ا في تخليصه من بين يديها... واتتها قوة غريبة.... أخرج سلاحه.. صوبه لرأسها.. لم تفلت يديها... صراخ الجندي جعله يطلق النار.... سالت دمائها... شعرت بالدماء تطهر بعضا منها... سقطت وابتسامه تغطي الوجه الحزين....


تمت

فايزة شرف الدين
20/10/2007, 03:40 AM
القصة كما يبدو لي واقعية ، عادت بي إلي ذكريات أليمة ، وكوابيس روادتني عندما قرأت عن سجن أبو غريب ، تألمت كثيرا عندما قرأت القصة ، ليس لما آلت إليه المرأة ، فقد تكون قد تطهرت من ذنوبها ، عندما ماتت هذه الموتة الأبية ، ولكن علي هذا الشعب العريق صاحب تلك الحضارة العظيمة ، وهذا الانتهاك الصارخ لحرمة الإنسان العربي .
تحياتي

أشرف نبوي
20/10/2007, 05:48 PM
اختنا فايزه شرف الدين

تتقاطع آلام امتنا ... وآلامنا الخاصة في نقطة تلاق .... ولاننا شعوب شرقيه للعاطفه مكانه لدينا ... فأن هذا التلاق يحدث لدينا في احيان كثيره حاله من حالات النشوة المؤلمه ... ونغيب ذواتنا حين نتحدث عن الوطن ... او نغيب اوطاننا حين نتحدث عن ذواتنا...

وهي حاله من حالات التفرد التي ندركها من ثراء لغتنا العربيه بمفرادتها الغنيه..

تحياتي

اشرف نبوي