المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الطريقة القندرجية في المقام العراقي / الحلقة 9 Qunderchi style in iraqi maqam



حسين اسماعيل الاعظمي
19/10/2007, 12:05 PM
... سلسة كتاباتي ...
كتاباتي المطبوعة
كتاب الطريقة القندرجية في المقام العراقي واتباعها
دراسة تحليلية فنية نقدية لاحدى طرق الغناء المقامي البارزة في القرن العشرين
تاليف حسين اسماعيل الاعظمي / بغداد 2002
الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر / بيروت شباط February 2007
الحلقة (9)
الباب الثاني
الباب الثاني/ الفصل الثاني
- حسقيل قصاب
- رشيد الفضلي
- احمد موسى
حسقيــل قصـــاب
- كلاسيكية حسقيل
- اسلوب غناؤه
- نظرة حول تسجيلاته المقامية
- تحليل تقليدي لبعض مقاماته
- مقام الحسيني
- روية حسقيل
- مقام الخنبات
- مقام الجبوري
- مقام الحليلاوي
- مقام التفليس
حسقيل قصاب
(العقد الاخير من ق 19- العقد الثامن من ق 20)
ان تنوع الاتجاهات الجمالية لدى مغني المقام العراقي واختلافاتها ، تنشأ عن اختلاف مؤكد في الرأي وفي مستوى الثقافة ، فيما يخص الواقع المعاش وطبيعة الحياة العفوية الصادقة ، وقد حدد المغنون المقاميون الكبار اتجاهاتهم الجمالية الشخصية على انها التعبير الصادق لانطباع فردي نابع من الحقيقة .. ان هؤلاء المغنون المقاميون .. في هذا الاتجاه الذي صوروه قد وضعوا، من حيث المبدأ ، التأكيد على مواد المغني الطبيعية التي يمتلكها.. الموهبة.. الصدق .. الاحساس الناضج .. الشخصية الخفية الناجحة .. التوازن النفسي .. الصدق ... فالصدق في التعبير سمة تتجاوز الجمال رقياً.. واشاعته ينبغي ان تكون مطلب وغاية الفنان اينما وجد .. ان الصدق كما رآه رشيد القندرجي مثلاً ، بل كل معاصريه تقريباً ، يتمثل في حقائق طبيعة الحياة .. فقد كان الفنان يبرز هذه الحقائق .. هذا الصدق .. بصورة اقرب الى العفوية والتلقائية التامة .. فالجمال هنا يتعلق بعالم التفكير والسلوك المهذب ..
ولكن بالرغم من ان ظهور رشيد القندرجي ، يمثل ذروة كلاسيكية الغناء المقامي في العراق في فترة مطلع القرن العشرين ، إلا أن ميلاده في الحقيقة يعود الى ثمانينات القرن التاسع عشر.. وباستثناء رشيد القندرجي ومن هم امثاله في المستوى ، نجد ان شهرة المغنين الآخرين تقوم بالدرجة الاولى على غنائهم المقامي سواء الجيد منه او حتى المتواضع ..! وان غناءهم لم يتميز بالجدارة الفنية او الصنعة الحاذقة .. بل بالصور الجريئة للحياة ..
من ناحية اخرى ، نجد ان اسم رشيد القندرجي ما زال يظهر في الكثير من الكتب والدراسات والبحوث والمقالات الصحفية التي تخص شؤون المقام العراقي ومغنيه ، بالرغم من هبوط شهرته بعد الانتشار الهائل للطريقة القبانجية .. ولكن ماضيه المليء بالخبرة ، ونتاجاته المقامية الفخمة كمطرب كبير للمقام العراقي هي التي جعلت منه صاحب طريقة خاصة به لها اتباع كثيرون ، وبوجهة نظر ثابتة ، اكسبت نتاجاته غنىً كلاسيكياً تفتقر اليه اغلب نتاجات مغني عصره الذين راجت نتاجاتهم في زمنه ..
ان جميع اتباع الطريقة الرشيدية ، سواء كانوا مغنين كباراً او صغاراً .. مشهورين او غير مشهورين ، باحثين او متذوقين جماهيريين لسماع المقام العراقي .. فهم يرتقون الى الصدق فـي هذه التطلعات.. وبالصدق والحقيقة يحتفظون بتلك القيمة الفنية .. وهي باقية الى هذا اليوم كنتاجات غنائية تعبيرية نموذجية تاريخية ..
لقد كانت هذه النتــــاجات جزءاً من تيار المذهب الجمالي الكلاسيكي مطلع القرن العشرين .. ورغم ان الكثير من نتاجات اتباع الطريقة الرشيدية قد باتت منسية .. إلا أن تأثيرها لم يزل باقياً.. فقد كان رشيد القندرجي واتباع طريقته امثال حسقيل قصاب وعبد القادر حسون واحمد موسى وشهاب الاعظمي ورشيد الفضلي والحاج هاشم الرجب ، تلاميذ صريحين للطرق القديمة التي سبقتهم ، او بالاحرى تلاميذ للطريقة الزيدانية التي استقت منها الطريقة الرشيدية معظم سماتها الادائية والفنية ..
ان حسقيل قصاب .. وهو احد اتباع الطريقة الرشيدية البارزين ، يسير من الناحيتين الفنية والجمالية في المجرى الرئيسي للمذهب الجمالي الكلاسيكي الجديد في العراق الذي ينساب من احمد الزيدان الى رشيد القندرجي وبعض الاخرين من اتباعه .. ان تفوق حسقيل قصاب ليس في الوعي الفني لكل من زملائه الرشيديين ، ولا في عنصر التفكير الفني للقيم التقليدية الادائية التي تمسك بها .. ولكن يمكن القول ان حسقيل قصاب وزملاؤه الرشيديين يشتركون في اظهار المذهب الجمالي الكلاسيكي الجديد في الغناء المقامي ، ويمكن ان نقول هو رائدهم في هذا المجال , وهو مادة غناؤهم ، ومادة موضوعاتهم .. رغم انهم يختلفون في درجات تأثرهم الجمالية .
الصورة / في ادارة معهد الدراسات النغمية العراقي عام 1984 يظهر فيها من اليمين جلال الحنفي والمؤلف..
كلاسيكية حسقيل
ان الكثير من المقامات التي غناها حسقيل قصاب ، ليست مقامات قليلة القيمة الفنية ، بمقدار ما هي مقامات تدل على تمسك حسقيل قصاب بتطبيق الاصول المقامية او بالتعبير عن سمات الطريقة الرشيدية في الشكل والمضمون .. وبالرغم من انني سبق لي ان استمعت الى عدة مقامات اهتم مطربها حسقيل قصاب بالشكل المقامي التاريخي ومضمونها التعبيري .. إلا أنه للاسف لا يمكنني الحديث الآن إلا عن بعض المقامات القليلة التي أمتلكها وهي الآن في مكتبتي الموسيقية .. حيث يمكنني إلقاء نظرة فنية حولها , وهي مقامي العريبون عجم والعريبون عرب ومقام الحسيني ومقام الحليلاوي ومقام الجبوري ومقام التفليس ومقام الخنبات .. وجميعها من المقامات الاكثر شيوعاً اليوم ..
ان مفردة – اصولي- التي يكاد ان يكون حسقيل قصاب اهلاً لها.. وهي الصفة التي غلبت على وصف النقاد المقاميين وكذلك نظرة الجماهير حول المقامات التي غناها حسقيل قصاب التي تمسك فيها بمبادئ الطريقة الرشيدية التي تتميز باهم صفة لها هي التمسك بالاصول المقامية .. ولكن من الطبيعي ان يكون هناك قلة من النقاد على حق اذ يعترضون على عدم دقة هذا المفردة – اصولي - إلا أن عدم الدقة في هذا النعت ما هو إلا انعكاس لطبيعة التوسع في تحديد الاصول المقامية في هذه الحقبة الزمنية من التحولات والتطورات الآخذة بالتزايد في سرعتها رغم الثبات النسبي لهذه الاصول المقامية التي تمثل الشكل المقامي form . وعليه فان حسقيل قصاب في مقاماته يطبق الاصول التي كانت ثابتة في فترته التي عاشها والتي حددتها له الطريقة الرشيدية .. وقد اصاب هذه الاصول بعض التحويرات والاضافات والتطورات إبان انتشار الطريقة القبانجية ..
صورة / المطرب عبد القادر النجار صورة / المطربة سليمة مراد صورة / الملاعبد الفتاح معروف
اسلوب غناؤه
ان الاسلوب الغنائي لحسقيل قصاب وتأثيراته الرئيسة ناتجة عن فحوى الطريقة الرشيدية .. وقد نجح فيها نجاحا كبيرا بتصويره لهذه الطريقة .. في الوقت الذي يتسم غناء المقام العراقي بتقليد ادائي ، فله ايضا تقليد تاريخي .. والاصول التاريخية والتعابير البيئية النقية العراقية مكدسة في كل الطرق الادائية القديمة وآخرها الطريقة الرشيدية .. ولكن التحولات والتطورات فارضة نفسها لدرجة الجرأة والثورة من اجل واقع الحياة المتطور باستمرار...
ومع ان حسقيل قصاب تمتع بفترة نجاح معتدلة ، كما سبق ان تمتع سلفه يوسف حريش الذي يعد من اتباع الطرق الادائية الاقدم التي تبلورت في مفهوم واحد ضمن الطريقة الزيدانية نسبة الى مؤسسها المطرب الكبير احمد زيدان .. إلا أن نجاح حسقيل قصاب في فترته كان اكثر وعيا من سلفه يوسف حريش ، وهما مطربين مقاميين كبيرين من مقاميي العراق .. وعندما واتى حسقيل قصاب هذا النجاح .. ساعدت قيمته الفنية الجيدة كمطرب مقامي على تمثيل الطريقة الرشيدية تمثيلا ناجحا ومتفوقا في بعض الجوانب على الكثير من معاصريه .. وكذلك مهَّدَ ذلك السبيل ايضا لنجاح مماثل لمغنين مقاميين ذوي مواهب وامكانيات جاؤوا بعده
..
الصورة / في بهو معهد الدراسات النغمية العراقي اثناء احدى زيارات الفنانين الى المعهد عام 1975 يظهر فيها الجالسون من اليمين عائدة الخطيب والحاج هاشم الرجب وعبد الرحمن خضر ومحمد عبد الجبار ومحمد زكي , والواقفون باسل كامل وفاضل خيوكة وميسان عارف ومختار وحميد وهيثم شعوبي ونبيل وحمزة السعداوي ود. صباح عبد النور وجمال توفيق و.......... وحسين الاعظمي في اقصى يسار الصورة
نظرة حول تسجيـلاته المقــامية
من ناحية اخرى .. لم تكن مقامات حسقيل قصاب التي غنَّاها والمسجلة بصوته في الاذاعة ، تصاغ بدقة او وضوح يفوق صياغة لغته الادائية النابعة من جذور شخصيته الخفية ، فلغته الادائية تبدو ذات شأناً ارفع مستوىً من بعض معاصريه ، فقد حصل حسقيل قصاب من خلالها على نسبة وافرة من خصوصية الأداء والتميز عن اقرانه المعاصرين وحتى عن زملائه الرشيديين .. وتغدو هذه اللغة المميزة في ادائه ، هي التي ابقت عليه كمغني مقامي كبير بلا ريب .. ومثال على ذلك مقام العريبون عجم والعريبون عرب اللذين يمكن غناؤهما معاً في آن واحد ، وهو ما يؤدى في اكثر الاحيان ، وكذلك يمكن غناؤهما كل على انفراد .. فالأول سلَّمه من مقام الحجاز والثاني سلَّمه من مقام البيات ، حيث يعمل هذا المقام على اظهار القيمة الادائية والمعرفية المقامية للمـغني حسقيل قصاب .. وهذه هي القصيدة المغناة في مقام - العريبون عجم - بصوت حسقيل للشاعر عبد الغفار الاخرس 1*..
كفِّ الملام فما يفيــــــد ملامي
الداء دائي والســــــقام سقامي
جسد تعوَّده الضنى وحشاشــــةٌ
ملئت بلاعج صبــــوةٍ وغرامي
حتى اذا حار الطبيــــب بعلتي
وقفَ القـــياسُ بها على الايهام
لم يدري ما مرض الفؤاد وما الذي
اخفيـــــــته عنه من الآلام
فاذا اخذتُ الكأس قلــتُ لصاحبي
العــــيشُ في دنياك كأسُ مدام
مما نلاحظه في هذا المقام المغنى بصوت حسقيل قصاب ، هي قلَّة الابيات الشعرية المغناة .. وهو ما يفعله الرشيديون .. فهو لم يغني منها سوى الابيات الثلاثة الاولى ..
تحليل تقليدي لبعض مقاماته
يبدأ حسقيل قصاب بغناء مقام العريبون عجم باول عناصر المقام العراقي وهو التحرير.. ويؤديه مكتملاً وجيداً .. ثم فاصل موسيقى .. ثم يغني صدر البيت الاول باسلوب حجاز العريبون عجم .. فاصل موسيقي .. ثم يكمل عجز البيت الاول بنفس النغم ... فاصل موسيقي .. حيث لا يكمل صدرالبيت الثاني ، اذ يكتفي بـ - جسد تعوَّده الضنى - فاصل موسيقي .. ثم يتبعها بقطعة ذات شكل محدد ومعروف وهي من نفس حجاز العريبون عجم تنتهي .. واي واي ... ثم يكمل....( وحشاشه) ، وهي بقية صدر البيت الثاني ، ويستمر بإكمال عجز هذا البيت بحجاز العريبون عجم ..(حتى اذا حار الطبيب بعلتي) فاصل موسيقي .. يغني بعده صدر البيت الثالث من القصيدة بحجاز العريبون عجم .. فاصل موسيقي .. ثم يعيد صدر البيت الثالث من القصيدة بحجاز العريبون عجم – فاصل موسيقي – ثم يعيد صدر البيت الثالث ينتهي بمروره بجنس بيات دون تأكيد عليه ويقفل على درجة الحجاز .. فاصل موسيقي .. ثم يكمل (بعلتي .. وقف القياس بها على الايهام) .. وهو عجز البيت الثالث الذي ينتهي بقطعة السعيدي اوشار من سلَّم مقام السيكاه - يابة يابة .. يابة دخيل .. دخيل دخيلم انامان .. مولاي - استقرارا بالبيات .. والى هنا يعتبر ذلك نهاية مقام العريبون عجم والانتقال بعد ذلك عن طريق الفاصل الموسيقي الى بيات العريبون عرب بنفس ايقاع اليكرك المستمر طيلة المقام 12/4 .. ثم يشرع بغناء البيت الاول من عريبون العرب مباشرة دون تحرير لهذا المقام الذي يغنى بكلمات من شعر الزهيري .. وهو زهيري ثابت ايضا اعتاد المؤدون على غنائه في بيات العريبون عرب بصورة مستمرة .. وحسقيل قصاب هنا لا يخالف القدماء فيغنيه هو أيضا , والزهيري هو ..
يا قلب واشطيحك بحبالهـــم وشـراك
لو ما الهوى حين سكمك وانحلك واشراك
لي صاحب مارهم وشره عـلى وشراك
وبحر جودة فلالة على الوصال إيجود
عني تنحّة وكربة ما على الوصال ايجود
عاشر اصيل اذا جار الزمن ايـــجود
ان صابتك نايبة باع النـــفس وشراك
يشرع حسقيل قصاب بغناء الشطر الأول بإسلوب بيات العريبون عرب حيث ينتهي به بجنس سيكاه ثم تستلم الفرقة الموسيقية لتعود به الى موسيقى البيات ثم يغني الشطر الثاني بإسلوب بيات العريبون عرب .. فاصل موسيقي .. بعد ذلك يبدأ بغناء الشطر الثالث بإسلوب بيات العريبون عرب لينتهي به ماراً بجنس سيكاه ولفظة (يابة يابة.. داوود , يبني) - فاصل موسيقي- ثم يغني الشطر الرابع باسلوب بيات العريبون عرب والبهرزاوي وينهيه بجنس سيكاه .. فاصل موسيقي .. ويغني الشطر الخامس باسلوب بيات البهرزاوي - فاصل موسيقي - ثم يعيده بصيحة العريبون عرب لينتهي به بالسيكاه - فاصل موسيقي- والشطر السادس وقطعة المثلثه الموزونة , حيث يقطَّع هذا الشطر مع الايقاع 12/4 اليكرك المرافق المستمر لموسيقى هذا المقام منذ بداية حجاز العريبون عجم والى نهاية بيات العريبون عرب - فاصل موسيقي - ويغني الشطر السابع باسلوب بيات البهرزاوي وينتهي ببيات عريبون العرب وهو التسليم نهاية المقام ..
الصورة / في معهد جوتة الالماني يوم 17\1\1965 يظهر فيها بعض الشخصيات المعروفة مثل حميد المحل وعبد الوهاب بلال ومازن الزهاوي والحاج هاشم الرجب وبعض الالمان ..
وهكذا نجد ان حسقيل قصاب في هذا المقام يكون قد نال نجاحاً كبيراً بتنظيمه وترتيبه الجيد لمواده التفصيلية وبناء العلاقات الداخلية بصورة متماسكة وجميلة ، ولكن يؤخذ عليه فسحه المجال المتكرر للفواصل الموسيقية التي تتداخل كثيراً في غنائه لاشطر الزهيري وتقطيعات مفرداته غير المناسبة ، ولكن خبرة حسقيل قصاب الادائية كانت عاملاً مساعداً لانتشال غناء حسقيل من الفشل كما هو واضح عند سماعنا لكل مقامات حسقيل قصاب على وجه التقريب .. وهناك ملاحظة اخرى ، هي ان الابيات الشعرية الثلاثة التي غناها حسقيل بمقام حجاز العريبون عجم ، قد سار بها جميعاً باسلوب موحد من حجاز العريبون عجم وانتهى بها بقطعة السعيدي اوشار- السيكاه- لينتهي بها بالبيات للانتقال الى بيات العريبون عرب .. فلم يكدس حسقيل هنا الكثير من القطع واكتفى بذلك ، وبالرغم من انني اميل الى مثل هذه السهولة ، إلا أن ذلك قد يصيب المستمع بالملل من التكرار.. ولكن حسقيل قصـــاب سار بلحن هذا المقام بـــثقة واكتفى بخير الأداء ما قلَّ ودل.
الصورة / في بيت السفير الالماني ببغداد يوم 2 \ 4 \ 1966 يظهر فيها الحاج هاشم الرجب والناقد الموسيقي المقامي
عبد الوهاب بلال ورائد المدرسة العراقية العربية الحديثة في آلة العود سلمان شكر ..
ان قوة هذا المقام الادائية ، تبدو اول كل شيء في ديناميكيتها الادائية طيلة زمن الغناء ، والتفاعل الجيد بين الغناء وعزف الفرقة الموسيقية التي قادت المطرب الى اداء محبك وقادها المطرب الى عزف تفاصيل المقام بصورة متماسكة متفاعلة .. رغم كثرة تواجد الموسيقى خلال هذا التفاعل بين الغناء والعزف الموسيقي المرافق للغناء , ان التفاصيل الداخلية لاداء هذا المقام ، مقبولة في ذاتها ولاداعي لذكر الملاحظات عنها لأن المقام مجتمعا ناجحا بمقاييس عديدة .. وان هذه الملاحظات ليست الى درجة كبيرة ناتجة عن ضعف في ترتيب مواد وعناصر المقام .. بل هو نتيجة ثقافة المجتمع المقامي في فترته وتقبل الجمهورلمثل هذه التفصيلات الاسلوبية ..
ان اهمية غناء مثل هذا المقام ، الذي يعد من المقامات الثقيلة المكوَّن من قطبيه الموسيقيين يعود اولهما الى سلَّم مقام الحجاز وهو _ العريبون عجم _ وثانيهما يعود الى سلَّم مقام البيات وهو _ العريبون عرب _ فمقامي العريبون مجتمعا فرع من هذين السلَّمين الموسيقيين _ الحجاز والبيات _ تكمن اهمية غناؤه من قبل حسقيل قصاب بالنسية لنا .. هو ان حسقيل قصاب اذ يرى غناء المقام العراقي قضية تاريخية متفاعلة .. فهو طبعا يرى قلَّة الحاجة الى اضافة او اقحام مسارات لحنية جديدة من القطع والاوصال تحت غطاء ما يسمى بالتطوير والتجديد .. التي بواسطتها حاول مغنون مقاميون من الذين تأثروا بظروف الفترة الانتقالية 2* والطريقة القبانجية ، نقل انطباعات الكثافة والتكديس والتعقيد في القطع والاوصال داخل غناء المقام الواحد .. وعلى هذا الاساس ، فإن غناء حسقيل قصاب وزملاؤه الرشيدين للمقامات العراقية هي بمعنى حقيقي جدا .. وبمقدار ما كان حسقيل قصاب واعيا بتفاصيل الطريقة الرشيدية ، فإنها تبدو واقعية اكثر منها تفكيرية .. وكلاسيكية اكثر منها تأملية .. ولذلك نجد في غناء حسقيل قصاب ، انه يترك في المستمع على الاكثر حافزا يدفعه الى الاستمرار في سماع المقامات العراقية بصوته او حتى صوت غيره من المغنين ، ليصبح عضوا فاعلا ضمن قائمة متذوقي المقام العراقي ..
ان مقامي العريبون عجم وعرب المغنى من قبل حسقيل قصاب في مقام واحد (مقامي العريبون)، يكاد ان يكون افضل المقامات التي سمعتها بصوت حسقيل قصاب ، رغم اني لم استمع الى كل مقاماته المسجلة بصوته .. وهو بحق اكثر شهرة من باقي مقاماته ، لأنه نجح فيه كما لم تنجح اغلبية مقاماته في الوصول الى هذه الحبكة الادائية المتماسكة للخبرة المقامية في الغناء .. وبهذه الخصائص الادائية ، يكون حسقيل قصاب اقرب من كل اقرانه المغنين المقاميين الى المقامات الجيدة .. ومن الجدير ذكره .. اننا نستطيع ان نغني مقامي العريبون عجم ومقام العريبون عرب كل على انفراد ، بعد ان نضع تسليم كامل للعريبون عجم وتحرير للعريبون عرب .. ولكن اغلبية المغنين غنوا المقامين في آن واحد ومقام واحد ..

صورة / حسين الاعظمي في مهرجان الرباط الثالث مع فرقته الموسيقية

صورة / عازف القانون الكبير علاء الدين السماوي
مقام الحسيني
وفي مقام الحسيني , يغني حسقيل قصاب القصيدة الشهيرة للفاتح النحاس 3*..
بات ساجي الطرف والشوق يلح
والدجى ان يمضِ جنح يأت جنح
وكان الشرق باب الدجى
ماله لهموم الصبح فتح
كم اداوي القلب قلت حيلتي
كلما داويت جرحا سال جرح
ياندامى اين ايام الصبا
هل لها رجع وهل للعمر فسح
لا تسل عن حال ارباب الهوى
يا ابن ودي ما لهذا الحال شرح
لست اشكو حال جفني والكرى
لو يكن بيني وبين النوم صلح
نلاحظ في هذا المقام , ان حسقيل قصاب غنى هذا المقام مكتملا دون تحشيدات اصولية .. والملاحظة الوحيدة هي قطعة (المثلثة) الصغيرة التي عملها في نهاية البيت الثالث .. (ياي ياي آه خيّ خيّ خيّ..) لم تكن مشبعة ولم يعطها حقها ..
اما مشكلة التقطيع الشعري في الغناء .. فحدث بها ولا حرج .. وهي مشكلة لا يعاني منها حسقيل قصاب وحده ، بل هي مشكلة الاغلبية من معاصريه المغنين ، وعلى شتى اتجاهاتهم الجمالية .. فتقطيع مفردات الكلام الشعري المغنى لا علاقة له بمعاني القصيدة في الاعم الاغلب.. وكذلك نطق الكلمات ولفظ مخارج الحروف وغيرها ، واكثر من يعاني من هذه الملاحظات هم مغني الاديان والقوميات والاقليات وذلك بطبيعة انتمائهم الديني والقومي حيث يلاقون بعض المشاكل في النطق واللفظ العربي بصورة عامة ..
وملاحظة اخرى في مقام الحسيني ، هي ان حسقيل قصاب يمرُّ بقطعة ارواح - جنس من بيات الحسيني - بصورة سريعة وخاطفة عند غنائه البيت الثالث .. وكأنه غير متأكد من امكانية رجوعه الى اسلوب غناء مقام الحسيني .. مع ان قطعة الارواح هذه في مقام الحسيني ، تكاد ان تكون قد ادخلت لاول مرة في مقام الحسيني ..
صورة /الناقد الموسيقي الكبير عادل الهاشمي والمؤلف ينتظران تكريمهما من قبل وزارة الثقافة يوم 28 \ 1 \ 2001 في مسرح الرشيد ببغداد ..

الصورة / في روما يوم 14 / 7 / 1994 عندما دعي المؤلف من قبل صديقه الفنان الكبير لطفي بوشناق لحضور حفلته لهذا اليوم والفنان لطفي والمؤلف يتوسطان اعضاء الفرقة الموسيقية واتذكر من اعضائها الشقيقين العزيزين عازف القانون توفيق زغوندة وعازف الكمان فتحي زغوندة وبقية الاخوة الفنانين ..
رؤية حسقيل
وكزملائه الكلاسيكيين ، رأى حسقيل قصاب ، في الحياة الرصينة الصارمة , الواقع الذي يجب ان يعاش ، سواء أكان هذا الواقع حقيقة مادية او معنوية .. إلا أنه كمطرب مقامي.. يعتمد قليلا جدا على اراء كهذه .. على الاقل في مقاماته الاكثر نجاحا.. فهو لم يمتهن فنَّه الغنائي بمقدار ما اكد على ضرورة ادراك انسيابية الحياة المعاشة .. ومقاماته ليست الى حد كبير تهتم بتحشيدات الشكل المقامي form التي يراها غير ضرورية من وجهة نظره ، دون الاهتمام بالمتطلبات الاخرى لنجاح العمل .. فمقاماته ليست شكلية بالمعنى البحت التي هي عليه مقامات الطريقة الرشيدية ، كما انها ليست مرتبكة الشكل مثل بعض المقامات الرشيدية الاقل نجاحا.. ولكن مقامات حسقيل قصاب موضوعية اكثر منها خيالية .. وبذلك كان حسقيل اقل تكلُّفا في اهتماماته باصول المقامات الشكلية من غالبية مغني عصره الرشيديين الذين لهم مثل مزاجه واتجاهه الذوقي ، إلا أنه في مقاماته الجيدة ، يقارب جدا اولئك المغنين المقاميين الجيدين في الاسلوب ومادة الموضوع , مثل مقامي العريبون العجم والعرب ومقام الجبوري ومقام الحليلاوي .. وعليه فقد يكون حسقيل قصاب على الاغلب اكثر اخلاصا للخبرة الكلية .. ان الرموز الضمنية في مقامات كل الرشيديين ، تصل الى درجة متقنــــة من الضبط في الشكل والمضمون بصورة عامة ..
على الرغم من ان شهرة حسقيل قصاب قد هبطت عن قمتها التي بلغتها في بعض المقامات التي غناها مثل مقام العريبون عجم وعرب ومقام الحليلاوي ومقام الجبوري وغيرها.. إلا أن هذه الشهرة وهذه النتاجات لم يصبها الاهمال التام الذي اصاب بعض نتاجات زملائه المغنين المقاميين المعاصرين له مثل عباس كمبير وجميل البغدادي ويوسف كربلائي وعبد الفتاح معروف واحمد موسى ويونس يوسف الذين يستحقون اهتماما اكبر مما يلاقون اليوم .. فاذا لم يكن ذلك باعتبارهم مغنين مقاميين من الدرجة الاولى .. فعلى الاقل باعتـبارهم مغنين مقاميين لبعض المقامات ذات الاهمية والقيمة البالغتين .. مثل مقام البيات ومقام الخنبات لعباس كمبير ومقام الجهاركاه لجميل البغدادي ومقام الحجاز غريب ليوسف كربلائي ومقام المثنوي لعبد الفتاح معروف ومقامي العريبون عجم وعرب لاحمد موسى ومقام المخالف ليونس يوسف ..
صورة / تاريخية جمعت حسين الاعظمي بصاحب السمو الملكي الامير الحسن ابن طلال في امسية غنائية مقامية جميلة جمعت بين الكثير من عوائل بغداد العريقة في بيت السيد ناصر السعدون والسيدة تمارة الداغستاني التي حضرها ايضا صاحب السمو الامير رعد .. عمَّان في حزيران عام 2001
مقام الخنبات
لنأخذ مقاما آخر لحسقيل قصاب ، وهو مقام الخنبات الذي يغنيه بهذه القصيدة ..
ما لقلبي تهزه الاشواق
خبر ينا اهكذا العشاق
كل يوم لنا فؤاد مذاب
ودموع على الخدود تراق
عجبا ان تدعي ورقاء وجه
ولدمعي يزيدها اطواق
اني...........تهادت
........ساعة نياق
.....................
آنسات بيض الخدود سباق
يارب لقد ذهب الذين احبهم
عني والفوا رفاق فراق
لقد عانيت كثيرا من كتابة ابيات القصيدة نقلا من شريط التسجيل مباشرة ، ورغم ان حسقيل افضل من غيره في قضية غموض اللفظ والنطق وادغام الحروف والكلمات الذي هو شأن الرشيديين جمــــــــيعا ولكنني مع ذلك اخفـقت هذه المرة بل ومرات اخر في كتابة نصوص القصائد بدقة ..
على كل حال .. لا يكون حسقيل قصاب في هذا المقام دقيقا جدا بتطبيق اصوله التقليدية .. فهو اولاً لا ينزل الى القرار في التحرير ، حيث وجود هذا القرار عند اغلبية مغني المقامات في شتى الفترات .. ثم يبدأ بغناء الابيات الشعرية للقصيدة فيغني الابيات الاربعة بصورة متشابهة من نغم الخنبات تتخللها صيحة هي في الحقيقة نفس الخنبات وبنفس طبقة غناء الابيات الشعرية ويبدو انه اعتبرها الميانة الاولى (النوريز) ..! ولكنها ليست كذلك ، أي انه بقي يدور في فلك الخنبات طيلة غنائه لاربعة ابيات شعرية من اصل ستة ابيات اكتفى بها حسقيل قصاب لغناء هذا المقام كله .. ثم يفاجئنا بغنائه الميانة الثانية وهي _ الدشتي عرب _ مباشرة دون المرور بغناء الميانة الاولى _ النوريز_ في سلسلة اصول غناء هذا المقام , وحتى الميانة التي غناها (الدشتي عرب) لم تكن مكتملة تماما , ثم يستمر بعدئذ بغناء البيتين الاخيرين من ابيات القصيدة الستة بنغمة الخنبات حتى التسليم وهو نهاية المقام ..
هذه الملاحظات الاصولية لابد من ذكرها لأنها اساسية ، حيث بالغ حسقيل قصاب في تقشفه الاصولي ولم يسلم من الهفوات في هذا المقام ..