المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الطريقة القندرجية في المقام العراقي / الحلقة 12 Qunderchi style in iraqi maqam



حسين اسماعيل الاعظمي
20/10/2007, 10:06 AM
... سلسة كتاباتي ...
كتاباتي المطبوعة
كتاب الطريقة القندرجية في المقام العراقي واتباعها
دراسة تحليلية فنية نقدية لاحدى طرق الغناء المقامي البارزة في القرن العشرين
تاليف حسين اسماعيل الاعظمي / بغداد 2002
الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر / بيروت شباط February 2007
الحلقة (12)
الباب الثاني
الباب الثاني/ الفصل الثالث
- عبد القادر حسون
- شهاب الاعظمي
- الحاج هاشم الرجب
عـبد القـادر حسـون
- اسلوبه الفني
- مقام الجهاركاه
- مقام الاوج
- مقام النوى
عبد القـــادر حســـون
( 1910- 1964 )
افي كل يوم غربـــة ونــــزوح
اما للنوى من غــــفلة فتبيــــح
لقد طلع ..............................
فهل............يبـــــين وهو مليح
الا يا حمام النوح الفــــك حاضر
منصــــفك ميال وفيه .............
وذكرني في الحب نوح حــــمامة
ونحت والجرح القـــــــديم ينوح
صورة /مطرب المقام العراقي عبد القادر حسون في صورة تخطيطية
اسلوبه الفني
هذه الابيات الاربعة من القصيدة المغناة من قبل المطرب المقامي القدير عبد القادر حسون في مقام الاورفة التي نبدأ بها حديثنا عنه ، حيث لم استطع تفهم مفردات ابيات القصيدة بصورة تفي بالغرض ، رغم جهودي الكثيرة في كتابة كل الابيات ، وهذا ما يدلنا من الوهلة الاولى على اهتمام المغني عبد القادر حسون بالمسارات اللحنية التقليدية اكثر من اهتمامه بتوضيح مفردات القصيدة ، وهي ظاهرة ادائية موجودة لدى كل مغني الحقبة ولم تقتصر على اتباع الطريقة الرشيدية كما يبدو، واعتقد ان من الاسباب التي لم ارتأي التطرق اليها في هذا الصدد ، وهو سبب مضاف إلى الاسباب التي سبق ان تحدثنا بها ، هو ان ضعف الثقافة الادبية لدى المغنين بصورة عامة امرا كان يؤدي الى خلق حالة من عدم الاهتمام في توضيح مفردات القصيدة يقابله اهتماما واضحا بالمسارات اللحنية والتلذذ بتعابيرها الواقعية عن همومهم ومعاناتهم ومشاكلهم الحياتية .. اذ يبدو ان المطرب عبد القادر حسون المولود عام 1910 في مدينة البصرة والمتوفى عام 1964 في بغداد ، كان يتلذذ فعلاً في الاعلان من خلال ادائه لمقام الاورفة والمقامات الاخرى التي خلَّفها لنا مسجلة بصوته المؤثر، بأنه من اتباع الطريقة الرشيدية مع سبق الاصرار، فقد تطرَّف في ذلك وكاد ان يكون مقلدا ببغاويا لاستاذه رشيد القندرجي وليس لفحوى الطريقة الرشيدية بالذات . ومع ذلك فان اتخاذه لهذا النهج في غنائه المقامي ، كان اكثر اصالة من آخـرين غيره من المغنين نهجوا نفس هذا الاسلوب .
ان لجوء عبد القادر حسون إلى هذا المنحى الاسلوبي واتخاذه منهجا له ، والذي اكتشف من خلاله كما يبدو ، انه يستطيع ان يعبر عن الطريقة القندرجية باسلوبه الخاص هذا وحسب وجهة نظره .. أو باسلوب يختلف فيه عن معاصريه من الذين انضموا إلى هذه الطريقة ..
مقام الجهاركاه
الظاهر ان هذه الملاحظات وغيرها تستحق الاهتمام والقاء الضوء على شيء من التاريخ الغنائي الفني لمطرب مثل عبد القادر حسون ، الذي يذكِّرنا غناؤه بتعابيره المؤثرة بقيم فنية جيدة ، يمتلكها مغنون معاصرون له مثل احمد موسى وجميل الاعظمي وعبد الهادي البياتي ويونس يوسف والحاج هاشم الرجب وشهاب الاعظمي وغيرهم .. واليك عزيزي القاريء مقام الجهاركاه بصوت عبد القادر حسون بالقصيدة الشهيرة لشاعر العصور ابو الطيب المتنبي .
مالنا كلنا جو يا رســـــول انا اهوى وقلـــــبك المتبول
كلما عاد من بعثـــــت اليها غار مني وخان فيمـــا يقول
افسدت بيننا الامانات عينـــاها وخانت قلوبهن العـــــقول
تشتكي ما اشتبكت من الم الشو ق والــــشوق حيث النحول
واذا خامر الهوى قلب صـــب فعليه لكل عين دلــــــيل
زودينا من حــسن وجهك ما دام فحسن الوجوه حال تحـــول
وصلــينا نصلك في هذه الدنيا فإن المــــــقام فيها قليل
من رآها بعينيها شامة القـطان فيها كما تــشوق الخمول
ان تريني ادمـــت بعد بياض فحميد من الفـــتاة الذبول
صحبتني على الفلاة فــــتاة عادة اللون عنـدها التبديل
لا اقمنا على مكان وان طـاب ولا يمكن المـــكان الرحيل
كلما رحبـت بنا الروض قلنا حلب قصـدنا وانت السبيل
نحن ادرى وقد سألنا بنجــــد اقصــير طريقنا ام يــطول
فكثير من السؤال اشـتياق وكثير من رده تــــعليل
إن امثال المطرب عبد القادر حسون من معاصريه ، هم كما اشرت ، ينتمي معظمهم الى الطريقة الرشيدية في حقبة النصف الاول من القرن العشرين وما بعدها بقليل .. التي ينحدر فيها مغنون كثيرون امتازوا بعدة مقامات سجلوها باصواتهم في الاذاعة العراقية او في اسطوانات الكرامافون ، حيث عبروا عنها بخصوصية شخصياتهم رغم انهم استقوا اسلوب ادائهم من الطرق القديمة مثل جميل البغدادي في مقام المنصوري ، وهو التلميذ الاصيل للطريقة الزيدانية ، ونجم الشيخلي في مقام السيكاه واحمد موسى في مقامي العريبون عجم وعرب – سلَّمهما الحجاز والبيات - ويوسف كربلائي في مقام البنجكاه – سلَّمه رست - وعبد الهادي البياتي في مقام البيات ويونس يوسف في مقام المخالف وعباس كمبير في مقام الخنبات – اصل سلَّمه بيات على درجة الدوكاه ويتنوع مع جنس النهاوند على درجة النوى - ومحمد العاشق في مقام البهيرزاوي – سلَّمه بيات - والحاج هاشم الرجب في مقام العجم عشيران وجميل الاعظمي في مقام الجهاركاه .. الخ
مقام الاوج
ولنستمع الآن الى مقام الاوج لعبد القادر حسون المغنى بهذه القصيدة وهي نفس القصيدة ونفس المقام الذي سبق ان غناه استاذه رشيد القندرجي. 1*
بها غير معذور فداو خــمارها / وصل بعشيات الغبوق ابتكارها
فقم انت واحس كاسها غير صاغر / ولا تشـق الا خمرها وعقارها
فقام يكاد الكأس تحــرق كفه / من الشمس ام من وجنتيه استعارها ظللنا بأيدينا نتــــعتع روحها / فتأخذ من اقدامـــنا الراح ثارها
موردة من كف ظبـــي كأنما / تناولها من خــــــده فأدارها
ان غايات عبد القادر حسون ، ان كانت بوعي منه او دون وعي ، هي في الحقيقة اراد فيها ان يعبر عن تجربته الخاصة في الحياة وبصورة تبدو لنا مباشرة من الوهلة الاولى ، فسمة الحزن والشجن بادية بصورة واضحة في اسلوبه الادائي ، ونجد ذلك في كل مقاماته التي سجلها والتي كشف فيها عن تجربته ومعاناته الاجتماعية المريرة كما يبدو، باسلوب تعبيري لا يكمن في ادائه للمقامات فحسب ، وانما في المجتمع الذي نشأ فيه .. فأصبحت هذه المقامات وسيلة لكشف العُللْ والمشاكل الاجتماعية الكامنة تحت المظاهر الخارجية ، ومما لا شك فيه ان عبد القادر حسون لم يبلغ شهرته هذه من خلال مجتمع متزمت في نقده للاداء الغناقامي ، ولم يكن من قبيل المصادفة ايضا ، ان تسجل هذه السنوات الشهرة التي حصل عليها البعض من معاصريه المغنين الذين مر ذكرهم .. فشيوع شهرة عبد القادر حسون التي ازدادت بعد تسجيله المقامات العراقية من خلال الاذاعة يماثل شيوع شهرة معاصريه الجيدين مثل احمد موسى وجميل الاعظمي وحسن خيوكة وصديقة الملاية وغيرهم .. ولا شك في ان الخصائص التي رفعت نتاجات عبد القادر حسون الى مستوى اعمال ونتاجات معاصريه من الجيدين .. وهي خصائص ما تزال تبدو في ايقاع وموضوعات واساليب افضل مغني الحقبة .. ابتداءا من جميل البغدادي مرورا بعباس كمبيرالشيخلي ورشيد القندرجي ونجم الشيخلي ويوسف كربلائي وجميل الاعظمي واحمد موسى .. الخ وهي خصائص تنجح في الاعم الاغلب كما هو الحال في نتاجات رشيد القندرجي عندما تقترن بمحاولة صادقة في التعبير عن البيئة والمحيط او التعبير عن روح العصر..
مقام النوى
وهذا مقام اخر قلَّد فيه عبد القادر حسون استاذه رشيد القندرجي وهو مقام النوى المغنى من كليهما بهذه القصيدة لعبد الله ابن المعتز اليك مطلعها وانظر الابيات الاخرى من القصيدة في نصوص مقامات رشيد القندرجي..
( ومقرطق يسعى الى الندمــــاء / بعقـــيقة في درة بيضــــاء )
ان المغني عبد القادر حسون وامثاله من المعاصرين الذين مررنا على اسمائهم ، قد جمعوا في افضل نتاجاتهم .. بين غنائهم واسلوبهم وتعبيرهم النافذ عن تعقيدات الحياة العصرية ، وهم في اسوأ نتاجاتهم قد فقدوا نواحي فنية يحتاجها الاداء الغنائي الناجح ، مثل النطق بالكلمات والحروف واحكامها ، ولكنهم خدموا هدفا محمودا في مجال محافظتهم على شكل ومضمون الغناء المقامي التقليدي ، وفي مجال التعبير عن مرحلتهم الزمنية ، ان مثل هذه المفاهيم على كل حال ، تتعلق بالفن بصورة مباشرة ، وفي حين يتبارى المؤدون في السباق ، نجد ان موضوعات الاداء الغناقامي تختلف بمرور الزمن ، إلا أن معالجتها بصورة عامة يجب ان لا تختلف ، وقد اصبح في حكم من الحقيقة لاغلبية ابناء الجيل الحالي ، ان الغناقامي بصورة عامة يمثل وسائله الخاصة في النظر الى مضامين واعماق البيئة.
**************************
شـــهاب احمــــد الاعظمــــي
- شيء عن اتجاهه الجمالي
- دوره المقامي
- الاستماع الى المقامات وانتشارها
- بعض سمات الطريقة الرشيدية
- مقام النوى
- مقام الابراهيمي
- مقام المخالف
- مقام البهيرزاوي
- مقام الخنب
شهاب احمد الاعـظمي
(1918-1997)
شيء عن اتجاهه الجمالي
تقترب كلماتي التي وصفت بها المطرب الكبير رشيد القندرجي في احد فصول هذا الكتاب ، في مفهومها بأن رشيد القندرجي مرآة لعصره ، كذلك يمكن ان نوصف المطرب القدير شهاب الاعظمي ، على انه عكس في غنائه للمقام العراقي واقع حقبته الزمنية وحياته التي عاشها وثقافته البسيطة التي اكتسبها وامتلكها من بيئته .. ويمكن ان نلاحظ مفهوم هذا الحديث عند سماعنا للمقامات العراقية المسجلة بصوت شهاب الاعظمي ، الاولى منها والمتأخرة ، فهو من مواليد حقبة التحول وظهوره كمغني مقامي كان في حقبة التجربة ، فقد كان اتجاهه الجمالي والذوقي في غنائه المقامي قد استقاه من الطريقة الرشيدية ، خلاصة كل التجارب القديمة للاداء المقامي الممتدة اسسها من القرن التاسع عشر بعد ان استمع اليها وتأثر بها وظل متأثرا ومتمسكا ومتلذِّذا وفيا لها حتى وفاته.
صورة/مطرب المقام العراقي شهاب احمد الاعظمي ..
دوره المقامي
ان دور المغني الكبير شهاب الاعظمي جلي ، و لا سيما في المجال الذي يبلغ فيه غاياته وطموحاته ، وبهذا الدور احتل شهاب الاعظمي مكانة مهمة في فن غناء المقام العراقي كأحد اتباع الطريقة الرشيدية الرصينة ، ولا زال يحتفظ بهذه الاهمية وهذه الشهرة حيث نستمع الى مقاماته المسجلة بصوته من اذاعة العراق وبعض الاذاعات الخارجية الاخرى.
كان النصف الاول من القرن العشرين وبعد انتصافه التي عاشها وشهد احداثها المطرب شهاب الاعظمي ، فترة ظهور الطريقة القبانجية بكل كمالها ونضوجها ، واتَّسم انتصاف القرن هذا بنظرة جديدة واعية لحياة الوسط المقامي خلَّفها نمط جديد من التطلعات والعلاقات الاجتماعية ، ادى الى تكوين وبلورة الطريقة الجديدة ( الطريقة القبانجية) حتى امست النوع الفني الغنائي الأكثر استجابة لمهمات الحياة الجمالية والذوقية في بغداد في هذه الحقبة ، ولكن بالرغم من كل ذلك ظلَّ الاوفياء من اتباع الطريقة الرشيدية متمسكون بمبادئهم الجمالية والذوقية في غناء المقام العراقي على هدي استاذهم رشيد القندرجي .. وكان منهم شهاب الاعظمي .. الذي انتشرت في زمنه الطريقة القبانجية وذاع صيتها ، اضافة الى الكثير من اغاني الالوان الاخرى
الاستماع الى المقامات وانتشارها
رغم انتشار التسجيلات الصوتية لمغنين من غير المقام العراقي ، أي من الالوان الغنائية الاخرى وتأثيراتها الواضحة مثل الغناء الريفي والبدوي وغناء الاقليات والقوميات العديدة ، حتى
اصبح الميل العارم نحو الاستماع الى المقام العراقي والتخصص فيه سواء في الغناء او العزف ، بعد انتصاف القرن العشرين ، حاجة ملحَّة ظلَّت تتزايد بحيث ازدادت الاهتمامات وكثرت المؤلفات والكتابات بالصحف والمجلات والاحاديث الاذاعية والتلفزيونية من قبل كل المتخصصين ، وكذلك كثرت بطبيعة الحال التسجيلات الصوتية في غناء المقام العراقي واصبحت اكثر انتشارا وتوزيعا من ذي قبل تماشيا للتطور المستمر للاجهزة الصناعية ، ومع كل هذه التنوعات في الاستماع والتخصص , استقر رأي شهاب الاعظمي ورؤيته الجمالية في غناء المقام العراقي عندما استمع الى الطريقة الرشيدية عن طريق مؤسسها رشيد القندرجي وباقي الاتباع , فتأثر بها واختارها منهجا لغنائه المقامي وتمسك بكل مبادئها ، وجعلها لغة ادائية خاصة به .. فقد اثار مقام الابراهيمي (سلَّمه بيات) المغنى بصوت استاذ الجميع رشيد القندرجي ، شجونا تعبيرية في نفس مطربنا شهاب الاعظمي بواسطة رصانته وصياغته الاسلوبية والتعبيرية ، وبهذا فإننا نلحظ ونحن نستمع الى مقام الابراهيمي المغنى بصوت شهاب الاعظمي ، وكأنه تخصص في غناء هذا المقام ذي الروح الكلاسيكية القديمة وغناه بكل جوارحه وبكل جودة واتقان .. ومما اتذكره ، - قال لي يوما- انه رغم احترامه الكبير لمحمد القبانجي وطريقته الفذة ، إلا أنه مفتون بطريقة رشيد القندرجي ويعتبرها افضل الطرق الغنائية المقامية واجملها واقربها الى نفسه والى واقع التعبير عن حياة العراقيين , وهاجم بعض مغني اليوم واعتبر غناءهم هذيانا خالي من الاصالة والواقعية ، وعبر عن رغبته في الاستماع دوما الى المغنين المقاميين القدامى 2*
بعض سمات الطريقة الرشيدية
ولذلك فقد انطوى الاسلوب الغنائي الخاص واللغة الادائية التي اتخذها شهاب الاعظمي ، المستقاة من الطريقة الرشيدية ، على ذلك النمو العارم ، الذي اتسمت به تعابير الطريقة الرشيدية المعارض للاتجاه الرومانسي في تخيُّلاته وتأملاته الحالمة .. فمن الطبيعي ان لا يستطيع شهاب الاعظمي الاستماع الى مغني اليوم المقاميين الذين ادركوا خيالات وتأملات تعبيرية فيها ميل نحو الرومانسية والحداثة , ووقف الجمهور المستمع الحالي مفتونا ببريق التطور التكنلوجي في اجهزة التسجيل الصوتي ونظامه التسجيلي ونظافة هذه التسجيلات ، موقفا يكاد ان يكون نسيانا للكثير من التسجيلات السابقة في مطلع القرن العشرين .. وهكذا كان رأي شهاب الاعظمي طبيعيا بالنسبة له فيما قال وادلى به ، فقد حدَّد علاقته الجمالية بتسجيلات المقام العراقي المعاصرة ، استنادا واحتراما الى موروثاته الجمالية الاولى التي اكتسبها وامتلكها من جماليات الوسط المقامي منــذ صغره وبالذات من اعماق الطريقة الرشيدية في الغناء المقامي ..
ان حالة الدقة والايجاز وعدم الاسهاب ، التي هي صورة من صور الطريقة الرشيدية ومن سماتها وسمات التسجيلات الصوتية لمؤسسها رشيد القندرجي إبان النجاح المضطرد الذي احرزه هو واتباعه المغنين ، كانت مناسبة لروح العصر كما يبدو ذلك ، فالطريقة الرشيدية تجمع بين فن المسارات اللحنية غير المسهبة ، وبين متانة البناء اللحني للعلاقات الداخلية للمواد الاولية والعناصر اللحنية المكونة للمقام العراقي وكذلك بين التعابير الجمالية المناسبة لتلك الحقبة الزمنية ، هذا على الرغم من ان هذه الحقبة كانت فيها الاسهابات وعدم الايجاز الغنائي مقبولا من الناحية الجمالية بصورة عامة . وقد عبر عن هذه السمات من بعيد او قريب الكثير من الكتَّاب والمؤلفين بما نشروه في الصحف والمجلات والكتب التي ألِّفتْ.
وبهذه الميزة ، زائدا الاسلوب الغناسيقي والافكار الثقافية اضافة الى العفوية المعتمدة على الرؤية العفوية ، تُخلق المباديء الفنية وتُأسس الطرق الغناسيقية الفنية التي يُعتمد عليها وتأخذ مداها في الانتشار. وكذلك تخلق الحبكة والتماسك لكل المكونات التي تعبر عن هذه الطريقة وتجميعها في وحدة فنية متكاملة شاملة
مقام النوى
يوضح شهاب الاعظمي في مقام النوى المسجل بصوته ، المعنى الجميل لهذا المقام الذي يمثل ترف المقامات العراقية ، حيث يرافق ايقاع السماح 36\4 موسيقى هذا المقام ، وهو اكبر الايقاعات المستعملة في العراق , واختار لهذا المقام قصيدة جمال الدين ابن نباتة 3*
اودت فعالك يا اسما باحشــائي واحيرتي بين افعال واســماء
ان كان قلبك صخرا من قـساوته فإن طرف المعنى طرف خنساء
ويح المعنى الذي اضرمت باطنه ماذا يكابد من اهوال اهـــواء
تحمي بمقلتك السوداء مهــجته فليس ينفك مجنونا بســـوداء
يا صاحبيَّ اقلاّ من ملامكـــما ولا تزيدا بتكرار الهـوى دائي
هذي الرياض عن الازهار باسمة كما تبــسم عجبا ثغر لميـاء
والارض ناطقة عن صنع بارئها الى الورى وعجيب نطق خرساء
خضراء قدمازجتها النفس عن طرب ورب نفس على التحقيق خضراء
فما يصــــد كما الحال داعية من شرب فاقعة للــهم صفراء
راحا غريت برياها ومشـــربها حتى انتصبت اليها نصب اغراء
من الكميت التي يجري بصاحبها جري الرهان الى غايات سراء
في كف اغيد يحسوها مقهــقهة كما تأود غصــن تحت ورقاء
عبر شهاب الاعظمي ، الذي اورد خمسة ابيات ليس اكثر من هذه القصيدة الجميلة التي غناها في مقام النوى ، عن خلاصة مكثفة لكثير من المسارات اللحنية التي تتكرر في احايين كثيرة عند غناء هذا المقام من قبل مغنين آخرين بمستويات مختلفة ، ولعل اهم ملاحظة في هذه الحبكة الغنائية ، هي ان الجلسة الاولى وهي النزول من النهاوند الى البيات بقطعة ( العشيش) تسمعها متصلة بميانة المحمودي مباشرة دون قطع ، فشهاب ينزل الى العشيش ويستمر بهذا المرور صاعدا الى الميانة الاولى التي تبدأ بالمحمودي (سلَّمه بيات) حتى يكمل باقي الميانة ، وهذه الملاحظة هي من خصائص الطريقة الرشيدية او انها تؤدى من قبل جميع المغنين على هذه الشاكلة في تلك الحقبة بصورة عامة ، وقد اتخذتها الطريقة الرشيدية ضمن منهاجها.
وهكذا يتخذ الاسلوب الرشيدي الخاص لشهاب الاعظمي ، صورة محددة انطلاقا من مبدأ ادراكه ووعيه لسمات الطريقة الرشيدية وتجسيدا في التعبير عن فلسفة حقبة زمنية كاملة. ومن ثم فإن شهاب الاعظمي يكون قد قدم برنامجه الغنائي الموضوعي ممتزجا بجماليات ومباديء الطريقة الرشيدية ...
مقام الابراهيمي
ويمكننا الاشارة مرة اخرى الى تسجيل صوتي آخر لشهاب الاعظمي لمقام الابراهيمي الذي سبق ان تحدثنا عن تأثر الاعظمي بهذا المقام بصوت استاذه رشيد القندرجي وما يمتاز هذا المقام من روح تعبيرية كلاسيكية متماسكة وتحشيد كبير من القطع والاوصال في الانتقالات المقامية السلَّمية يصل الى حد التخمة في هذا المجال , فقد غناه شهاب بهذا الزهيري ..
لي خلة وطروني هموم وطـــــــراهم
وابشوكهم عن جرح الكلب وطـــــراهم
وسفة عليهم غدوا ما كضوا وطـــــراهم
فنك يكلبي عكبهم جيف راح تجـــــــد
وابكيت نايم وراسي عالوسادة تجـــــــد
واتشب نيران كلبي بالضماير تجـــــــد
كلما يجي ذكرهم عالبال وطــــــراهم
يمكننا الاشارة الى ان ما يقارب الثلاثون مقاما عراقيا ، تم تسجيلها بصوت شهاب الاعظمي موزعة بين الاذاعة والتلفزيون في العراق ، على حد قول شهاب الاعظمي عند ظهوره في برنامج ( سهرة مع المقام العراقي ) 4* منتصف الثمانينات ، وفي مستطاعنا استضافته والتحدث عن بعض هذه التسجيلات لانني لا امتلك كل تسجيلاته واكتفي بما وصلني من ولده البكر ( اياد) من صور فوتوغرافية قليلة وشريط كاسيت مدته ساعة يحوي على تسعة مقامات لا غيرها .. مقام المخالف ومقام النوى ومقام البهيرزاوي (سلَّمه بيات) ومقام الابراهيمي ومقامي العريبون عجم وعرب ومقام الحليلاوي(سلَّمه من اجناس الرست والسيكاه والحجاز ويستقر على الرست) ومقام الناري (سلَّمه بيات لكنه يستقر في بمقاطعه على السيكاه) ومقام الحديدي (سلَّمه صبا) .. ومن جراء اهتمام الطريقة الرشيدية بالمسارات اللحنية الاصولية التاريخية للشكل المقامي ومن ثم الغموض وعدم وضوح اللفظ في الكلمات الشعرية ومخارج حروفها التي امست من سمات هذه الطريقة والتي كانت مقبولة في حـــقبته الزمنية كما يبدو ذلك من خلال كثرة اتباعها من المغنين والمختصين والجماهير الواسعة .. ولذلك فقد عانيْت الامرَّين من اجل معرفة كلمات الزهيري او القصيدة الشعرية المغناة فرحت الجأ الى الكثير من المصادر محاولا العثور على نصوص هذه المفردات التي ترد في كتب الكتَّاب والمؤلفين المقاميين ...
مقام المخالف
وفي مقام المخالف ، غنى مطربنا شهاب الاعظمي زهيْريَّاً جميلا استطاع البلوغ به الى درجة محسوسة بواقعيتها من الغناء التعبيري حيث يتملكنا الشعور في تبني شهاب الاعظمي هموما اكبر من همومه الذاتية ، بل انه قد تبنَّى هموم المجتمع كله حين افصح عن كل هذا من خلال غنائه لمقام المخالف بهذا الزهيري.
لصاحب الانشدة اصله وطيبه عــــود
الزم وداده لما يدعي رجـيج العــــود
واللي تشوفه يلفـك بي لسانه عــــود
عن عشرته لا ترد نحوه ولا جـــــنها
بارض الخليه فلا دروه ولا جـــــنـها
ليش الصراحه بلف اللسان لا جـــــنها
عند الشدايد يبينلك صحيبك عـــــود
ازدادت واقعية تعابير المقامات التي سجلها شهاب الاعظمي بصوته بعد انتصاف القرن العشرين اكثر فأكثر ، فقد وصل في العقد الستيني من القرن العشرين الى ذروة نضوجه الادائي وادراكه للطريقة الرشيدية التي عبر بواسطتها اجمل التعابير المقامية ، وطغت في هذه الفترة من حياته , الاوضاع الحياتية على كيانه التعبيري واتخذت صورة بيئية وروحية دقيقة .. وفي جانب آخر جرى وصف صورة الحياة اليومية في بعض تعابير المقامات التي اداها .
مقام البهيرزاوي
ولنتأمل احد الزهيريات التي غناها في مقام البهيرزاوي ونلاحظ التطور الديناميكي القائم على التعابير الحياتية في هذا الكلام الغنائي .
لي خله منهم روح الوداد يطيــــب
والغير منهم مريض او علو سادة يطيب
اخاف يدعوك في بحر السرور او طيب
اهل الخنا كالسـراب بقفــرة ودواي
عنهم تجنب يغثك حجـيهـــم ودواي
السيف جرحه يطيب بمرهـــم ودواي
لا جن هـيهات مجروح اللسان يطـيب
مقام الخنبات
سأبقى اتذكر واتحسَّس تلك اللحظات الخالدات عندما كنت مشغولا في بحث عن - التراث الغناسيقي في الاعظمية 5* قدمته الى قسم الموسيقى في كلية الفنون الجميلة ، وقد اتخذت من الفنان شهاب الاعظمي عيِّنة من عيِّناته ، عندما كنا نجلس في مقهى السدير على نهر دجلة الخالد في الاعظمية كعادتنا كل مساء من تلك الفترة من عام 1991 فأجده حاضرا قبلي في المقهى دائما , وفي احدى المرات وصلت الى المقهى للقائه وكان في غاية المزاج مع نفسه ، فقد سمعته يغني مع نفسه بهدوء بالغ مقام الخنبات فلم اقاطعه وبقيت استمع اليه وهو يغني احدى قصائد ابي نؤاس الى ان اكمل كل المقام حتى تسليمه ..!
نضت عنها القميـص لصب ماء فورد خدها فرط الحــــــياء
وقابلت الــــهواء وقد تعرت بمعتدل ارق من الــــــهواء
ومدت راحة كالماء منــــها الى ماء مـــــــعد في اناء
وما ان قضت وطرا وهمــت على عجل لتأخذ بالـــــرداء
رات شخص الرقيب على التداني فأســـبلت الظلام على الضياء
وغاب الصبح منها تحــت ليل وظل المـــاء يجري فوق ماء
فسبحان الاله وقد بــــراها كأحســـن ما تكون من النساء
وبعد ان انتهى من غنائه ، وقد كنت اتمنى لو يستمر اكثر من ذلك ، سلَّمت عليه وجلست بجانبه ، اردف قائلا ، كان مقام الخنبات هذا وبهذه القصيدة قد تعلَّمته من والدي ، فقد كان يغنيه دائما بهذه القصيدة مع التذكير ان والدي وعمي مهدي من المتأثرين بالطرق المقامية القديمة التي بلورها رشيد القندرجي الى طريقة منهجية في الغناء ، وعليه فقد قمت انا بتسجيل هذا المقام وبنفس القصيدة في اذاعة بغداد ..
ومما يذكر ان هذه القصيدة مغناة ايضا من قبل استاذه رشيد القندرجي ، ولكن في مقامه الشهير- مقام السيكاه -
هوامش الباب الثاني الفصل الثالث
1* حدثني استاذي المرحوم شعوبي ابراهيم , ان مقام الاوج لعبد القادر حسون , هو اول مرة يرافق فيها مطرب عازفا على آلة الجوزة ..وذلك عام 1951
2* كانت مناسبة بحثي الذي كتبته عن التراث الغناسيقي في الاعظمية وقدمته الى كلية الفنون الجميلة , قسم الفنون الموسيقية , ان التقي بالمرحوم شهاب الاعظمي مرات عديدة شبه يومية في مقهى السدير على نهر دجلة في الاعظمية بجانب جسر الائمة , حيث كنت قد اخترته احد عيناته , وقد اكتشفت فية شخصية مقبولة جدا , لذيذ المجالسة , منكتا بصورة نقدية ساخرة , بسيطا لكنه عميقا , فاهما جدا في شؤون المقام العراقي , يحفظ الشعر الفصيح والعامي ويتلذذ بهما عندما يلقيهما او يغنيهما , والاروع من كل ذلك انني وجدت فيه راويا للاحداث والتاريخ بشكل يثير الدهشة ولا يمكن ان يمل منه ابدا ..! الامر الذي وطد علاقتي بهذا الفنان المقامي الكبير رغم تاخرها , واستفدت من آرائه وافكاره الفنية الشيء الكثير حتى اصبح مجيئنا الى مقهى السدير شبه يومي ..
3* حول قصيدة ابن نباتة المصري حيث لم يغن منها شهاب الاعظمي اكثر من خمسة ابيات من بداية القصيدة , ولمتعة القاريء الكريم وفائدته وجمال وشهرة هذه القصيدة فقد اخرجتها من كتاب الغزل بالنسيب في مناجاة الحبيب ..
4* في منتصف الثمانينات ظهر الفنان شهاب في برنامج (سهرة مع المقام العراقي ) الذي كان يعده الحاج هاشم الرجب , اذ ذكر انه قد سجل اكثر من ثلاثين مقاما عراقيا في الاذاعة والتلفزيون ..
5* نفس لقاءاتي اليومية مع المرحوم شهاب الاعظمي واحاديثنا المتنوعة في شؤون المقام العراقي ..انظر هامش رقم 2 من هذا الفصل ..
******************************