المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الطريقة القندرجية في المقام العراقي / الحلقة 13 Qunderchi style in iraqi maqam



حسين اسماعيل الاعظمي
20/10/2007, 10:57 AM
... سلسة كتاباتي ...
كتاباتي المطبوعة
كتاب الطريقة القندرجية في المقام العراقي واتباعها
دراسة تحليلية فنية نقدية لاحدى طرق الغناء المقامي البارزة في القرن العشرين
تاليف حسين اسماعيل الاعظمي / بغداد 2002
الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر / بيروت شباط February 2007
الحلقة (13)
الباب الثاني
الباب الثاني/ الفصل الثالث
- عبد القادر حسون
- شهاب الاعظمي
- الحاج هاشم الرجب
الحاج هاشم محمد الرجب
خبير المقـام العــراقي الاول في القرن العشرين
- شيء عن الرجب
- ظهور الرجب
- تسجيلاته المقامية الاولى
- بدايات الرجب
- مقام المنصوري
- تعابيره المقامية ومواهبه الاخرى
- تسجيلاته المقامية
- تقليدية الرجب
- بعض انجازات الرجب الفنية
الحاج هاشم محمد الرجب ( 1920-2003)
شيء عن الرجب
الحاج هاشم محمد الرجب ، احد الأئمة العاملين في الوسط المقامي ، مغنون او عازفون او خبراء ، الكلاسيكيون منهم او غيرهم وعلى مدى العصور ، وهو امامهم في القرن العشرين ، فتاريخه حافل بالانجازات الفنية ، فهو مطرب سجل العديد من المقامات العراقية بصوته ، وهو عازف على آلة السنطور الذي يعود له الفضل في بقاء هذه الآلة وعدم إندثارها إبان هجرة عازفيها في العقد الخمسيني من القرن العشرين الى فلسطين المحتلة ، يناظره في ذلك زميله عازف آلة الجوزة شعوبي ابراهيم خليل الذي انتدب لهذه الآلة ايضا ليكوِّنا معا اول فرقة جالغي بغدادي عند انتصاف القرن العشرين المتكوِّنة من هاتين الآلتين اضافة الى عازفيْن آخريْن او ثلاثة عازفين للايقاع ( الطبلة والرق واحيانا تضاف لهما آلة النقارة) ..وهو ايضا الخبير المخضرم الذي يعد اكبر مرجع ومصدر للمعلومات الشاملة عن المقام العراقي 6*، وهو كذلك المؤلف والكاتب الذي خلف لنا مؤلفات عديدة ، اذ ما يزال كتابه الاول الصادر في بغداد 1961 افضل كتاب تضمَّن معلومات علمية وفنية وتاريخية وافية عن المقام العراقي ، وبالمناسبة ، ان هذا الكتاب هو ايضا اول كتاب متخصص في موزيكولوجية 7* المقام العراقي ، فضلا عن كتب وتحقيقات عديدة اخرى في هذا الاختصاص , فنتاجاته مجتمعة ، تشغل مكانة هامة وخاصة , لا في تاريخ المقام العراقي فحسب ، بل في الغناء والموسيقى سواء في العراق او في خارجه.
تبلور الاتجاه الجمالي للحاج هاشم محمد الرجب ، الى فن المقام العراقي تحت تأثير البيئة والمحيط الذي عاشه الرجب في مدينة الاعظمية التي تعد من اهم المراكز المقامية في بغداد ، ومن ثم تحت تأثير التجارب الغنائية لكثير من المغنين المقاميين الذين اتصل بهم منذ صغره واستمع اليهم , فكانت بدايته في حضوره مع والده للاستماع الى المناقب النبوية الشريفة والشعائر الدينية الاخرى والمشاركة فيها في بعض الاحيان , ثم جذبته التجمعات الشعبية في غناء المربع البغدادي , وقد مارس هذا الغناء بعض الوقت في الثلاثينات , خاصة في كسلات سلمان باك المشهورة في (قضاء المدائن)8 * وفي احدى زياراتي المتكررة له قبل اشهر من وفاته , قال لى (ان اول ما جذبني الى المقام هو استماعي الى مقام البيات بصوت نجم الشيخلي واعجابي به الامر
الذي جعلني ابحث عن تسجيلات المقام العراقي باصوات المغنين كافة والاتصال بهم , حتى تسنى لي الاستماع الى استاذ الجميع رشيد القندرجي بكثرة , مما اثَّر في نفسي حتى تولعت فيه , ومن ثم اقتناعي بجدوى طريقته الغنائية المثيرة والجميلة والرصينة) 9* , وعليه اصبح الرجب منذ البداية احد اتباع الطريقة الرشيدية المخلصين ، رغم اعجابه واتصاله بالطريقة الزيدانية من خلال المغنين المعاصرين المتأثرين بها مثل نجم الشيخلي وعبدالفتاح معروف وعباس كمبير ويوسف كربلائي وجميل الاعظمي وجميل البغدادي وغيرهم .. وحفظ الكثير من السمات التي كان يتميز بها مغنون عدة ..
وهكذا كان انتماء الحاج هاشم الرجب الى الطريقة الرشيدية قد جاء عن قوة ودراية ومعرفة بما يدور في الوسط المقامي من اساليب وطرق ومدارس ليختار في النهاية طريقه الفكري والجمالي والذوقي في غنائه للمقامات العراقية والاستماع اليها ..
ظهور الرجب
برز الحاج الرجب في الساحة الفنية على المستوى الاعلامي في اربعينيات القرن العشرين ، واتسمت تسجيلاته الصوتية المقامية منذ البداية بالمنهج الفني لاسلوب وتأثيرات الطريقة الرشيدية ، فنراه يبتعد رويدا رويدا عن كل ما تأثر به او اعجب به من طرق واساليب غنائية لمغنين آخرين واتجه او استقل تماما عند فحوى الطريقة الرشيدية والبحث العميق في مميزاتها وسماتها ليمسي الرجب بعدئذ فنانا كبيرا استطاع ان يتحدث ويعبر في الحديث والغناء عن هذه الطريقة حيث اعطى صورة للواقع والحياة الجارية ..
تسجيلاته المقامية الاولى
سجل الحاج هاشم محمد الرجب المقام العراقي بصوته القوي وكانت اشهر مقاماته مقام المنصوري (سلَّمه صبا) ومقام الحجاز ديوان ومقام الحليلاوي ومقام الراشدي(سلمه بين الرست والجهاركاه) ومقام العجم عشيران وغيرها ، وقد تم تسجيل اكثرها في العقد الخمسيني .. وتعتبر التعابير الغنائية التي عبر عنها الرجب متأثرا بروح الطريقة الرشيدية ومعجبا بالمسارات اللحنية الكلاسيكية التي توحي عند سماعها وكأنك في حضرة تعابير القرن التاسع عشر، تعابير مخضرمة رصينة ومتزنة .. وقد اكد ذلك الرجب في معظم تسجيلاته المقامية المسجلة بصوته وعلى الاخص مقام المنصوري ومقام الحجاز ديوان .. والرجب في تصويره هذا لمباديء الطريقة الرشيدية ، اراه ينحو نحوا جديدا او مغايرا .. فهو لا يهتم بالتقليد الببغائي للاسلوب الرشيدي الذي يعكس خلاصة حقيقية لتجارب الحقبة السابقة له ، قدر اهتمامه بتصوير التعابير التربوية والاخلاقية التي كان منها دعوته المستمرة للالتزام بالاصول التاريخية لفورم form المقام العراقي ومضامينه التعبيرية البغدادية الاصيلة التي يبدو فيها الرجب وهو يعاني من التطلعات الجديدة لجيله , فنلاحظه يدعو ويلتزم ويتمسك بالتقاليد المقامية بشدة كرد فعل لهذا الواقع .. الذي يخشى فيه الرجب على اصالة هذا التراث الغناسيقي العريق (المقام العراقي) وهو كذلك شأن الرشيديين جميعا .. ,
بدايات الرجب
ومن اجل الفهم الحقيقي لانجازات الحاج هاشم الرجب الفنية بصورة مجتمعة .. فإنه يجدر بنا الرجوع الى بداياته الاولى في البيئة والواقع المحيطين به ونشأته الاولى التي ارتبطت انجازاته الفنية بها ارتباطا شديدا ..
وباستعراض شيء من حياة الرجب ، نلاحظ ان طفولته قد عاصرت سنوات ما بعد ثورة العشرين وتأسيس الجيش العراقي في 6/1/1921 , أي ان طفولته كانت في حقبة التحول .. اما سنوات فتوَّتهِ وشبابه فقد عاصرت تجارب بث الاذاعة العراقية بداية الثلاثينات حتى اعلن عن تأسيسها رسميا عام 1936 وكذلك الامر مع تأسيس معهد الفنون الجميلة الذي بدأ هو الآخر بداية الثلاثينات وتأسس في نفس العام .. اما سنوات ظهوره كفنان على المستوى الاعلامي فقد عاصرت انتصاف القرن العشرين او قبله بسنوات قليلة ، وهي الحقبة التي اطلقنا عليها اسم( حقبة التجربة) .. وهي حقبة خصبة ومثمرة في القرن العشرين ، وما اعقب ذلك ، وعلى الاخص قيام ثورة 14 تموز 1958 التي اعلنت عن نهاية وجود الانكليز وكذلك نهاية الحكم الملكي واعلان الحكم الجمهوري لاول مرة في العراق . وعليه فإنه لم يكن من قبيْل المصادفة ان جاءت انجازات الرجب الغنائية والموسيقية والكتابية والخبرة الفنية في معرفة اعماق الاصول التاريخية المقامية ، منصبَّة على تصوير وعكس واقع العراق المتطــــــلع الى التقدم والقاء الضوء على جو الحياة السائدة ..
لقد اتصف الغناء المقامي بالدرجة الاولى بعكس واقع التآلف الاجتماعي الذي كان يسود العلاقات الاجتماعية سواء بين افراد المجتمع كافراد او بين الاسر الاجتماعية فيما بينها كمجموعات اسرية وعائلية ، وصوَّر المقام العراقي وكذلك الالوان الغنائية الاخرى لكل بيئات وخصوصيات المجتمع العراقي , كالغناء الريفي والغناء البدوي وغناء القوميات والاديان والاقليات الاخرى من خلال كل المغنين ، كيف ان التآلف الاجتماعي من شأنه ان يجعل الحياة الاجتماعية برُمَّتها متفائلة وحيوية لدرجة جعلت من الصدق التعبيري في الموسيقى والغناء المقامي وغير المقامي من اهم الصفات او المميزات التي اتصف بها الغناء والموسيـــقى في
العراق , الامر الذي جعل الجمهور المقامي يصل في تذوقه وحبه لغناء المقام العراقي حدا يشبه الجنون او اقرب الى ذلك ..! كما لو كان قد قدِّر لهذا الجمهور ان يوحي وكأنه لم يسبق له ان استمع الى أي موسيقى وغناء آخر غير غناء بلده .. وليس هذا الحديث كقصه من الخيال ، فقد كان هناك بالفعل العديد من الوقائع التي تؤكد هذا المنحى من التذوق الغناسيقي ..
مقام المنصوري
فلو تحدثنا عن مقام المنصوري المغنى بصوت الحاج هاشم الرجب ، الذي كان اول انجاز للرجب فيه ، اختياره لقصيدة صوفية رائعة ومن الوزن الثقيل في خيالها وحبكتها اللغوية وتماسك بنائها الادبي للامام البرعي .. بمستوى ثقل التعابير الغنائية التي يستوعبها هذا المقام الذي تتصف تعابيره الغنائية من حيث المبدأ بالحزن والشجن خاصة وان سلَّمه الموسيقى هو سلَّم مقام الصبا الذي يوحي بالتعابير الحزينة هو ايضا من حيث طبيعته .. ولو انتبهنا اكثر لادركنا ان موسيقى هذا المقام يرافقها ايقاع السماح 36\4 الذي يعد اكبر الاوزان الايقاعية المستعملة في العراق ، واوقعها ضغوطا وتطريبا واتزانا.
ويذكر ان الرجب كان قد سجل مقام المنصوري مرتين بصوته في اذاعة بغداد , فكان اولهما قد غناه بقصيدة الامام عبد الرحيم البرعي الشهيرة
فؤادي بربع الضاعنــــين اسير / يقيم على آثارهم ويســير
بعدتم ولم يبعِد عن القلب حــبكم / وغبتم وانتم في الفؤاد حضــور
فوالله ما مال الفؤاد لغــــيركم / واني على جور الزمان صبــور
تمر الليالي في هواكم وتنقــضي / وفي القلب مني زفرة وســـعير
وكنت فتىً قد غبتموا عنه ســاعة / فكيف وقد مرت علي شـــهور
أأحباب قلبي هل ســـواكم لعلتي / طبيب بداء العاشقين خبــير
اغارعليكم ان يراكم حواســدي / وأُحجب عنكم والمحب غـــيور
فجودوا بوصل فالزمان مـــفرق / واكثر عمر العاشقين قصـــير
اما مقام المنصوري الثاني فقد غناه بهذه القصيدة ..
لعلك تصغي ســـــاعة واقول / لقد غاب واش بيننا وعــــذول
وفي النفس حاجات اليك كثيـــرة / ارى الشرح فيها والحديث يطـول
تعال , فما بيني وبـــــينك ثالث / فيذكر كل شــجوه ويقول
وايَّاك من نشر الحديــــث فإنني / به عن جميع العالمين بخــــيل
فما كل مخضوب البنان بــــثينة / وما كل مسلوب الفؤاد جـــميل
وياعاذلي قد قلت قولا سمـــعته / ولكنه قول علي ثقــــــل
وحقكم لم يبق في بقـــية / وكيف حديثي والغـرام يطول
دعوا ذكر ذاك العذل منا ومنــكم / الى كم كتاب بيننا ورســول
وردوا نسيما جاء منكم يــزورني / فإني عليل والنسيم علــــيل
ففي هذا المقام المغنى من قبل الفنان الرجب تجد انه كان اهلا في غنائه ومعبرا عن قيمة هذا المقام التاريخي الكلاسيكي , وعلينا ان نستمع اليه ونحن متتبعين مساراته اللحنية الكلاسيكية التي امتازت بها الطريقة الرشيدية وكأننا في حضرة كل القيم المقامية التاريخية , حيث يمتاز هذا المقام ايضا بقيمة الشكل الذي تتوازن قيمته بقيمة مضامينه التعبيرية , فالمكونات والمضامين جميعها , تجدها متماسكة الى حد التوحيد .
من خلال التعابير التي تتصف بها المقامات العراقية التي تعكس بواسطة صدقها التعبيري حياة المجتمع البغدادي او العراقي على وجه العموم , حيث تكون هذه التعابير وهذا التمسك بالشكل الكلاسيكي للمقامات من اكثر الموضوعات المحببة والمجسدة في فكر وخيال الطرق القديمة والطريقة الرشيدية التي جسدت كل ذلك .. ونحن نجد هذه التعابير في العديد من المقامات العراقية المغناة من قبل المغنين القدامى والمغنين من اتباع الطريقة الرشيدية مع قائدهم رشيد القندرجي , من ذلك مثلا مقام الحسيني ومقامي العريبون بصوت احمد موسى ومقام الابراهيمي والمخالف بصوت شهاب الاعظمي ومقام البيات والجهاركاه بصوت عبد القادر حسون ومقام الحديدي ومقام البهيرزاوي بصوت رشيد الفضلي ومقام الحجاز ديوان ومقام المنصوري بصوت الحاج هاشم الرجب واخيراً المقامات جميعها بصوت المغني الكبير رشيد القندرجي.
ورشيد القندرجي وجميع اتباع طريقته في تصويره لحياة المجتمع , ينحو منحىً كلاسيكيا .. فهو لا يهتم بتصوير ترف الحياة التي يعيشها المترفون والارستقراطيون ومجتمع النخبة , قدر اهتمامه عكس الجانب التربوي والاخلاقي للمجتمع ولواقع حياتهم الحقيقية الذي يبرز في ارتباط وثيق بوجود المجتمع المتآلف , فبساطة الحياة وهمومها ومعاناتها هي صلب التعابير الرشيدية , فرغم ما في اعماق التعابير الرشيدية من بساطة في الفن الادائي نسبة لثقافة تلك الحقبة , فهي مع ذلك تمثل تعابيرها عالم الخير والمشاعر الطاهرة والمبادىء الانسانية والاخوة والضمير الحي والنفس القادرة على التضحية والمعاناة المتأملة لحياة اوسع ادراكا ..
تعابيره المقامية ومواهبه الاخرى
تضمنت المقامات المغناة بصوت الحاج هاشم الرجب , بصمة الواقع المعاصر وكذلك صوَّرت هذه المقامات واقع الغناء المقامي في تلك المرحلة من الثقافة الفنية , فمقامات الرجب رغم انها تشكل خطوة فنية الى الامام من هذه الناحية باعتبار ان الرجب يمتاز عن اقرانه بتطلعاته الفكرية والثقافة العلمية والموسيقية والبحث العلمي , إلا أن هذه المقامات ظلَّتْ محتفظة بكل الاسس التي اعتمدت عليها الطريقة الرشيدية وهي ايضا انعكاس لواقع الغناء المقامي في تلك المرحلة , فقد مثلت هذه المقامات الكثير من حقيقة المضامين التعبيرية وتطبيق اصول الشكل المقامي بصورة افضل من معاصريه , والاهتمام المركز على اللحن المقامي , اكثر من اهتمامه بمعالجة موضوع الغموض اللفظي للكلمات ومخارج حروفها .. ملتزما بدقة الشكل المقامي في مساراته اللحنية التقليدية الرصينة المعبرة عن الحقب الزمنية الاقدم من حقبة ظهور الطريقة الرشيدية وكذلك التعابير الخالصة للغناء المقامي البغدادي والعراقي التي تؤكد خصوصية الغناء العراقي دون تأثير خارجي يذكر ..
كما اهتم الحاج هاشم الرجب من جانب آخر بالعزف على آلة السنطور , وهي الآلة التراثية الموسيقية الخاصة بالعراق , بعد ان طلبت منه الحكومة عام 1951 تقريبا تعلُّمها على يد احد العازفين الذين ينوون السفر والهجرة الى فلسطين المحتلة , وقد جاء الرجب بزميله وابن مدينته المرحوم شعوبي ابراهيم خليل ليتعلم هو الآخر على آلة الجوزة ليصبحا معا بعدئذ نواة لتكوين اول فرقة للجالغي البغدادي من العرب المسلمين في العصر الحديث او في القرن العشرين بعد ان اقتصرت على عازفين من يهود العراق واحيانا من المسيحيين وذلك لاسباب اجتماعية مباشـرة جعلت من المسلمين يبتعدون عن الموسيقى ..
على كل حال .. فبالرغم من ان الرجب لم يستمر الى النهاية عازفا على آلة السنطور وعضوا في فرقة الجالغي التي اضيف اليها عازفي الايقاع , إلا أنه اسَّس جيلاً جديدا في العزف على هذه الآلة حيث تُلمذ على يديه بعض العازفين امثال المرحوم حمودي الوردي وعبد الله علي وابنه باهر الرجب الذي يعد افضلهم جميعا وغيرهم من العازفين الآخرين , اما زميله المرحوم شعوبي فقد اتخذ من عزفه على آلة الجوزة مصيرا عمليا لحياته ومهنة فنية يعتاش عليها , وهو الآخر , علَّم الكثير من الطلبة العزف على هذه الآلة واسس اجيالا اخرى لها من طلبة معهد الدراسات الموسيقية ..
وفي عام 1961 فاجأ الرجب الوسط المقامي باصداره اول كتاب متخصص في المقام العراقي , ولا اغالي ان قلت ان هذا الكتاب ما يزال الى هذا اليوم افضل كتاب صدر بخصوص المقام العراقي , لما تضمنه من معلومات دقيقة , في اصول المقامات وتاريخها ومحتوياتها وشرح كل ابعاد هذه المقامات , رغم ان اصابع الاتهام ظلَّت موجهة اليه بخصوص هذا الكتاب على ان الخبير المقامي باهر فائق والاديب المؤرخ عبد الجبار شوكت النجار قد شاركا في تأليفه ولكن الرجب لم يذكر اسميهما كزميلين له في التأليف ولا في الكتاب كله ..ً!؟
على كل حال , تمسَّك الرجب من جديد بجانب آخر من اهتماماته الفنية , فقد انكبَّ على البحث والتمحيص والتقصي فيما يخص شؤون المقام العراقي , وهكذا ظلَّ الرجب يصدر الكتب والمؤلفات حتى وفاته يوم 8 / 12 / 2003 , فكان كتابه , ( من تراث الموسيقي والغناء العراقي ) الصادر في بغداد عام 2002 استمراراً لاهتماماته هذه وهو الاخير .. وهكذا يكون الرجب قد ركز جهوده في هذه الناحية التي رأى فيها وفرة في الموضوع ولذة في البحث والتعريف رغم ان هذه الاهتمامات الكتابية عاصرت بداياته الفنية مجتمعة مع الغناء والعزف .. فكان كتابه الاول مجموعة من ابيات الابوذية المقيدة قد صدر عام 1949 ثم انجز بحثا متكاملا ( بحث في الابوذية) في عام 1961حتى جاء كتابه الشهير في نفس العام ( المقام العراقي ) الذي مر الحديث عنه وبعد ذلك جاء كتابه ( الشعر العامي – المذيل ) سنة 1964 , وبعد ثلاث سنوات جاء كتابه (حل رموز الاغاني للمصطلحات الموسيقية في كتاب الاغاني لابي الفرج الاصفهاني )– سنة 1967.. وفي العقد السبعيني اصدر كتاب – (تحقيق وشرح كتاب –الادوار-) لصفي الدين البغدادي الارموي المتوفي سنة 693هـ 1294 م .. ثم كتاب ..( تحقيق وشرح كتاب – الرسالة الشرفية ) للارموي البغدادي سنة 1982.. واتبع ذلك كتاب آخر مناظر لسابقه وهو – تحقيق وشرح كتاب ( الرسالة الفتحية ) لمحمد بن عبد الحميد اللاذقي كان حياً سنة 888هـ 1486 م وذلك سنة 1986 ببغداد . وكتابين آخرين في العام 1982- الموسيقون والمغنون خلال الفترة المظلمة – وكتاب – محاظرات في الموسيقى العربية- وفي 1988 اصدر – كتاب – موسوعة الابوذية العراقية مطلقة ومفيدة 1988 في الدوحة . واخيرا جاء كتابه – من تراث الموسيقى والغناء العراقي 2002 الذي حصلنا منه على هذه المعلومات الكتابية تحت عنوان – مؤلفات الحاج هاشم الرجب العبيدي المطبوعة ص 378. وهوكتابه الأخير ..
اما كتب الرجب المخطوطة التي تنتظر الطبع فهي ..
1- تحقيق وشرح كتاب ( مولانا مباركشاه ) في الموسيقى الى علي بن محمد الجرجاني المتوفي سنة 816هـ - 1413 م .
2- تحقيق وشرح كتاب ( الميزان في علم الادوار والموازين ) المؤلف مجهول من علماء القرن الثامن الهجري الرابع عشر الميلادي .
3- تحقيق وشرح كتاب ( الشجرة ذات الاكمام الحاوية لاصول الانغام ) المؤلف مجهول من علماء القرن الحادي عشر الهجري القرن السابع عشر الميلادي
4- تحقيق وشرح كتاب ( برء الاسقام في شرح ارجوزة الانغام ) الشارح مجهول والارجوزة
5- الى بدر الدين الاربلي المتوفي (755هـ - 1354م )
6- موسوعة في الموال البغدادي .
7- موسوعة من الشعر الشعبي ( الدارمي )
تسجيلاته المقامية
وفي الغناء المقامي سجل الحاج هاشم الرجب بصوته 44 مقاما عراقيا , للاذاعة العراقية..ولكنه قبل تسجيله لهذه المقامات كان قد سجل ثمان اسطوانات برفقة فرقة الجالغي البغدادي المؤلفة من صالح شميل عازف الرق ويهودا شماس عازف الطبلة وذلك على حساب اذاعة الشرق الادنى بواسطة الفنان وديع خوندة الذي كان مسؤولا عن الموسيقى في الاذاعة التي كان مقرها جزيرة قبرص .. ويقول الرجب , انه لم يستلم اجرا على هذه التسجيلات الثمانية في حين ان اعضاء الفرقة الموسيقية قد حصلوا على اجورهم 10*.. ويضيف الرجب ان هذه الاذاعة الغيت بعد الاعتداء الثلاثي على جمهورية مصر العربية سنة 1956.. اما المقامات الـ 44 التي سجلها في الاذاعة العراقية فهي ..
مرتين لمقام الحسيني احدهما بهذه القصيدة .
جسمي كجفنك من هواك عــليل / وقصير ليلي من نواك طـويل
يافاتني بنواظر مكــــــحولة / في غنجها مـا عبّ فيها الميل
طرفي ابتلاني في هواك فمن دمي / انت البرئ وطـرفي المسوؤل
ورد بخدك عاقني عن قطــــفه / سيف بجفنك صــارم مسلول
وكحيل طرفك قد نضى لي صارما / ما ض على العشاق وهو كليل
ليلاي انت , وانني قيــس الهوى / بك جميل وذا هــواك جميل
شوقي كثير في هواك ولوعتــى / وسلو نفسي عن هــواك قليل
ومقام الحسيني الثاني كان بقصيدة الشاب الظريف وهذا مطلعها .
(لاتخفي ما صنعت بك الاشواق /واشرح هواك فكـلنا عــشاق)
وسجل مقام النوى ثلاث مرات بقصائد مختلفة واليك عزيزي القارئ احدى القصائد المغناة في مقام النوى وهي لصفي الدين الحلي .
ابت الوصال مخافة الرقبـــاء / واتتك تحت مدارع الظلمـــــاء
اصفتك من بعد الصدود مــودة / وكذا الدواء يكون بـــــعد الداء
احيت بزورتها النفوس وطـالما / ضنت بها فقضـــت على الاحياء
امست بليل والنجــــوم كأنها / درر بباطن خــــــيمة زرقاء
امست تعاطيني المدام وبيـــننا / عتب غنيت به عن الـــصهباء
ابكي واشكو ما لقيت فـــتلتهي / عن در الفاظي بدر بكـــــاء
آبت الى جسدي لتنظر ما التـهت / من بـــــعدها فيه يد البرحاء
انفت به وقع الصفاح فراعـها /جزعا وما نظرت جراح حشائي
امصيبة منا بنبل لحاظـــــها / ما اخطأته اسنه الاعـــــداء
اعجبت مما قد رأيت وفي الحـشا / اضعاف ما عانيت في الاعـضاء
امس ولست بسالم من طـــعنه / نجلاء او من مقله كحــــلاء
ان الصوارم واللحاظ تعاهـــدا / ان لا ازال مزمــــلا بدمائي
احنت علي بما رأيت معاشـــر / نظروا الي بمـــــقله عمياء
ثم سجل مقام الحجاز شيطاني ومقام البيات بنفس القصيدة للشاب الظريف مطلعه
(ايامعشر العشــاق بالله خبروا / اذا اشتد عشق بالفتى ماذا يصنع)
ومقام البيات الثاني بقصيدة شمس الدين الكوفي يبدؤها ب
( عندي لاجل فراقكم آلام..................................)
ومقام الدشتي ومقام الصبا ..وكل هذه المقامات بقصائد مختلفة ..
وفي مقام التفليس غنى قصيدة ابراهيم ابن سهل ..
(سل في الظلام اخاك البدرعن سهري/تدري النجوم كما تدري الورى خبري )
ثم غنى مقام العجم عشيران اربع مرات بقصائد مختلفة . فاولهم غناه بقصيدة يبدأها بـ
( ان يمنعوا عيني لحسنك ان ترى / .................... )
والثاني يبدؤه بقصيدة اخرى
( ودار ندامى عطلوها واولجوا................................)
وهي لشهاب الدين التلعفري ومقام العجم الثالث بقصيدة الرصافي ومطلعها ..
( رقت يوصف جمــالك الاقوال / ورأتك فافتـــتنت بك العذال)
والرابع من مقامات العجم عشيران التي غناها الرجب كان قد بدأه بقصيدة
(على من لا اسميه السلام........... / ...........................)
اما في مقام الاورفة فقد سجله مرتين , الاول بقصيدة
(يامن بحسنك حارت الاراء ..... / .........................)
والثاني بقصيدة لشهاب الدين التلعفري
(قاسوك بالبدر المنير فاخطاوا ....../..............................)
وسجل ايضا مقام الحجاز ديوان ثلاث مرات , اولهم بقصيدة شهاب الدين السهروردي
(ابدا تحن اليكم الارواح .../...ووصالكم ريحانها والراح )
والثاني بقصيدة
(حشاشة نفسي ودعت يوم ودعوا ...... / ................................)
والثالث بقصيدة الشاب الظريف ..
(لاتخفي ما فعلت بك الاشــواق / واشرح هواك فكــلنا عشاق)
اما مقام الطاهر فقد سجله مرتين الاول بقصيدة عبدالله ابن المعتز ..
(اديرا علي الكاس ليس لها ترك ....../............................)
والثاني بقصيدة البهاء زهير ..
(عرف الحبيـــتب مكانه فتدللا / وقنعت منه بموعد فتـعللا)
ويعود الرجب الى تكرار تسجيلاته المقامية , ففي مقام السيكاه الرئيسي حيث يسجله اربع مرات , اولهم بالقصيدة الصوفية لعمر بن الفارض..
(زدني بفرط الحـب فيك تحيرا / وارحم حشى بلـظى هواك تسعرا)
ومقام السيكاه الثاني بقصيدة عبدالرحيم البرعي...
(هم الاحبة ان جاروا وان عدلوا......./.....................)
وكان السيكاه الثالث بقصيدة الشاب الظريف...
(احلى الهوى ان يطول الوجد والسقم / ..................)
اما السيكاه الرابع فقد اختار له قصيدة شهاب الدين التلعفري..
(ودار ندامى عطلوها وادلجوا / .......................)
وفي مقام دشت العرب يغني الرجب قصيدة لعرابي الشيص..
(اجد الملامة في هواك لذيذة............../...................)
ثم نرى الرجب يغني مقام الجهاركاه مرتين , الاول,
(جسمي لبعدك والصبابة تامل ..../........................)
اما الجهاركاه الثاني ...
(سهر واشواق تزيد وادمع ............./..................)
هوامش الباب الثاني الفصل الثالث
1* حدثني استاذي المرحوم شعوبي ابراهيم , ان مقام الاوج لعبد القادر حسون , هو اول مرة يرافق فيها مطرب عازفا على آلة الجوزة ..وذلك عام 1951
2* كانت مناسبة بحثي الذي كتبته عن التراث الغناسيقي في الاعظمية وقدمته الى كلية الفنون الجميلة , قسم الفنون الموسيقية , ان التقي بالمرحوم شهاب الاعظمي مرات عديدة شبه يومية في مقهى السدير على نهر دجلة في الاعظمية بجانب جسر الائمة , حيث كنت قد اخترته احد عيناته , وقد اكتشفت فية شخصية مقبولة جدا , لذيذ المجالسة , منكتا بصورة نقدية ساخرة , بسيطا لكنه عميقا , فاهما جدا في شؤون المقام العراقي , يحفظ الشعر الفصيح والعامي ويتلذذ بهما عندما يلقيهما او يغنيهما , والاروع من كل ذلك انني وجدت فيه راويا للاحداث والتاريخ بشكل يثير الدهشة ولا يمكن ان يمل منه ابدا ..! الامر الذي وطد علاقتي بهذا الفنان المقامي الكبير رغم تاخرها , واستفدت من آرائه وافكاره الفنية الشيء الكثير حتى اصبح مجيئنا الى مقهى السدير شبه يومي ..
3* حول قصيدة ابن نباتة المصري حيث لم يغن منها شهاب الاعظمي اكثر من خمسة ابيات من بداية القصيدة , ولمتعة القاريء الكريم وفائدته وجمال وشهرة هذه القصيدة فقد اخرجتها من كتاب الغزل بالنسيب في مناجاة الحبيب ..
4* في منتصف الثمانينات ظهر الفنان شهاب في برنامج (سهرة مع المقام العراقي ) الذي كان يعده الحاج هاشم الرجب , اذ ذكر انه قد سجل اكثر من ثلاثين مقاما عراقيا في الاذاعة والتلفزيون ..
5* نفس لقاءاتي اليومية مع المرحوم شهاب الاعظمي واحاديثنا المتنوعة في شؤون المقام العراقي ..انظر هامش رقم 2 من هذا الفصل ..
6* عندما كنت مديرا لبيوت المقام العراقي في بغداد والمحافظات من عام2002 حتى2004 اقترحت على وزارة الثقافة ودائرة الفنون الموسيقية تكريم الحاج الرجب بمنحه شهادة تقديرية ولقب فني اخترت نصه بنفسي وهو(خبير المقام العراقي الاول في القرن العشرين) تكريما لتاريخه الحافل وخدمته الطويلة للغناء والموسيقى العراقية والمقام العراقي , فتمت الموافقة عليه , وهكذا اقام له بيت المقام العراقي حفلا تكريميا صباح يوم 14 \ 9 \ 2003 - المؤلف –
7* الموزيكولوجية .. ونعني بها علم الموسيقى , علم متعدد الاختصاصات يتصدى لدراسة الظاهرة الموسيقية عبر تاريخها الطويل , من خلال المكتوبة والمسموعة معتمدا في ذلك اساسا , الصرامة المنهجية والتقنيات الدقيقة المستعملة في العلوم الانسانية والعلوم الصحيحة , فهو يختص بالبحوث والتفاصيل الفنية لدراسة الموسيقى ونظرياتها وتاريخها وتذوقها , يتبالدرس والتحليل عناصر اللغة الموسيقية وتطوراتها عبر العصور والبلدان والمناطق , ويقوم بدور هام في البحث واكتشاف المخطوطات القديمة والمؤلفات الضائعة او المنسية وتدوينها وتسجيلها , وتفسير الاعمال الموسيقية والتنقيب عن الاعمال التي حدثت في الماضي وتقييمها .. (قطاط , د.محمود , مجلة المجمع العربي الموسيقي , جامعة الدول العربية , نصف سنوية , الموسيقى في سياقاتها الاجتماعية والحضارية , المجلد الخامس العدد الاول , شتاء وربيع 2006 , ص11)
8* الكسلات .. وهي احتفالات شعبية تقام بعد المناسبات الكبيرة وكثيرا ما يبقى المحتفلون اياما اخر بعد الاحتفالات الاساسية مستمرين بالاحتفال وعلى الاخص منهم من الناس الشعبيين وقد اشتهرت هذه الاحتفالات في المدائن (سلمان باك)
9* في يوم 19 / 6 / 2003 الخميس , قمت بزيارة المرحوم الحاج هاشم الرجب في بيته الجديد بحي الجهاد مصطحبا نسيبه وهو استاذي عبد الرزاق العزاوي ود. هيثم شعوبي وصديقنا قصي جاسم الطائي (اختام قصي) حيث اعتدت على زيارته في ايام الخميس حسب الظروف , وفي هذه الزيارة دااحاديث شتى تخص المقام العراقي وتجربته المقامية ..
10* زيارتي الى الحاج هاشم الرجب في بيته بحي الجهاد يوم 27 / 6 / 2003 وكان معي د. هيثم شعوبي , اذ اشار الى عدم استلام اجره في حين اسلم كل الموسيقيين اجورهم , وقد بدا لي انه يشير الى ان اجوره موجودة ولكنه لم يستلمها ..!!