جواد البشيتي
22/10/2007, 11:56 AM
ثورة "الإلكترون".. في "واتا"!
جواد البشيتي
في الاقتصاد، طالما رأيْنا الظاهرة الآتية: مُنْتِج يُنْفِق كثيراً من الجهد والوقت في إنتاج بضاعة ما؛ ثمَّ يّذْهب بها إلى حيث تُخْتَبَر "قيمتها"، أي إلى السوق، حيث قانون "العرض والطلب" هو الحاكِم والمُقَرِّر، فيَكْتَشِف، إذا ما جَرَت رياح الاختبار بما لا تشتهي سفينته، أنْ ليس لبضاعته من قيمة سوقية، وأنَّ ما أنْفَقَه من جهد ووقت قد ذهب سُدى، فـ "المجتمع"، وعبر قانون "العرض والطلب"، لَمْ يُقِرَّ له بأهمية وضرورة هذا الذي أنْفَقه، فَلَمْ تُبَعْ بضاعته، أو بيعت بما هو دون قيمتها الاقتصادية الافتراضية.
وفي "السوق الفكرية"، نرى ظاهرة مشابهة، فالكاتب، أو المؤلِّف، لا يستطيع أن يَعْرِف على خير وجه القيمة الفكرية لـ "مُنْتَجه" إلا في "سوق فكرية" حُرَّة، تَسْتَمِد حريِّتها من خضوعها لِمَا يشبه قانون "العرض والطلب". ولا شكَّ في أنَّ "النشر الإلكتروني" عَبْر "الإنترنت"، وبما يملك من خواص تَفْتَقِدها "الصحافة القديمة (الورقية)"، قد أسَّس لسوق فكرية كهذه.
الكاتب إنَّما يحتاج إلى أن يرى أثَر ما يَنْشُر من رأي وفكر في القُرَّاء والناس والمجتمع؛ ولطالما شَعَر الكاتب الذي يَنْشُر في "الصحافة الورقية" أنَّ صوته لا يَخْرُجَ من فمه إلا ليعود إلى سمعه هو، أو أنَّ لكل قارئ عندنا عشرة كتَّاب مثلاً!
في "الصحافة القديمة"، أي الصحافة الورقية (من يومية وأسبوعية) التي على قدمها لَمْ تَفْقِد بَعْد سيادتها وهيمنتها، كُنَّا نرى، على وجه العموم، "الكاتب" و"القارئ" في علاقة ميتافيزيقية، فـ "سُورٌ صيني" يفصل دائما أحدهما عن الآخر. الكاتب إنَّما هو كاتب فحسب، والقارئ إنَّما هو قارئ فحسب، فليس من "تفاعُلٍ"، أو "تأثير متبادل"، بين الطرفين.
ولقد فجَّر "النشر الإلكتروني" عَبْر "الإنترنت" ثورة في قَلْب تلك العلاقة، فَرَأيْنا الطرفين (الكاتب والقارئ) في علاقة جديدة، قوامها "التفاعُل الحر"، الذي يتمخَّض عن نتائج يَتَّحِدُ فيها اتِّحادا لا انفصام فيه الإيجابي بالسلبي، على أن نَفْهَمهما فَهْما نسبياً.
الآن، أصبح في مقدور الكاتب أن يكتب (أي أن يُعَبِّر عن رأيه كتابةً فَنَشْراً) في حرِّيَّة أكبر من ذي قبل، فـ "الدَرَكِيَّان"، الداخلي والخارجي، تضاءلا تأثيراً وسُلْطةً ونفوذاً، وإنْ ظلَّ القضاء عليهما قضاءً مُبْرَماً الهدف النهائي الذي لَمْ تُحقِّقه بَعْد الثورة الفكرية لـ "الإنترنت".
الكاتب الآن ما أن يَفْرَغ من الكتابة حتى يَنْشُر على نطاق واسع ما كَتَب وفي لمحة البرق، مُمْتَلِكاً القدرة (الإلكترونية) على إحداث التغيير الذي يريد في ما نَشَر. وثمَّة مواقع إلكترونية للنشر، مثل "منتديات واتا الحضارية"، تَضُم في عضويتها الآلاف مِمَّن ينتمون إلى أهل الفكر والقلم، فتأتي القراءة لـ "المنشور" رفيعة المستوى.
وفي أسفل "المنشور"، قد ترى فيضاً من الآراء المختلفة في ما كَتَبْت، فيشتعل فتيل "الحوار"، أو "الصراع"؛ وقد يتمخَّض هذا "التفاعل (الفكري) الحر"، إذا ما استوفى شروطه الموضوعية، عن فكر جديد. ولو لَمْ يتمخَّض عن هذا فإنَّه يفيد، على الأقل، في تبيان "الرأي" و"الرأي الآخر"، وفي زَجِّ الكتَّاب والقرَّاء (وهما فريقان متداخلان يتحوَّل كلاهما إلى الآخر في استمرار) في معركة فكرية يشحذون لها الأسلحة، فتُعيد خلقهم على هيئة جديدة جيِّدة، وتُخْرجهم مِمَّا هُم فيه من سبات وركود وكسل وسلبية.
وغني عن البيان أنَّ توسيع وتوطيد العلاقة بين الناس و"الإنترنت"، مع العمل في استمرار من أجل رفع منسوب الحرِّية في "التعبير الإلكتروني"، سيجعلان تلك الثورة تتناسل وتتكاثر حتى تبلغ الحقوق والحرِّيات الديمقراطية درجتها العليا، فيَدْخُل "الإلكترون" تاريخنا الفكري والسياسي بوصفه المُحَطِّم الأعظم للأوثان الفكرية، والمُحَرِّر الأعظم لعقولنا من الاسترقاق الفكري.
جواد البشيتي
في الاقتصاد، طالما رأيْنا الظاهرة الآتية: مُنْتِج يُنْفِق كثيراً من الجهد والوقت في إنتاج بضاعة ما؛ ثمَّ يّذْهب بها إلى حيث تُخْتَبَر "قيمتها"، أي إلى السوق، حيث قانون "العرض والطلب" هو الحاكِم والمُقَرِّر، فيَكْتَشِف، إذا ما جَرَت رياح الاختبار بما لا تشتهي سفينته، أنْ ليس لبضاعته من قيمة سوقية، وأنَّ ما أنْفَقَه من جهد ووقت قد ذهب سُدى، فـ "المجتمع"، وعبر قانون "العرض والطلب"، لَمْ يُقِرَّ له بأهمية وضرورة هذا الذي أنْفَقه، فَلَمْ تُبَعْ بضاعته، أو بيعت بما هو دون قيمتها الاقتصادية الافتراضية.
وفي "السوق الفكرية"، نرى ظاهرة مشابهة، فالكاتب، أو المؤلِّف، لا يستطيع أن يَعْرِف على خير وجه القيمة الفكرية لـ "مُنْتَجه" إلا في "سوق فكرية" حُرَّة، تَسْتَمِد حريِّتها من خضوعها لِمَا يشبه قانون "العرض والطلب". ولا شكَّ في أنَّ "النشر الإلكتروني" عَبْر "الإنترنت"، وبما يملك من خواص تَفْتَقِدها "الصحافة القديمة (الورقية)"، قد أسَّس لسوق فكرية كهذه.
الكاتب إنَّما يحتاج إلى أن يرى أثَر ما يَنْشُر من رأي وفكر في القُرَّاء والناس والمجتمع؛ ولطالما شَعَر الكاتب الذي يَنْشُر في "الصحافة الورقية" أنَّ صوته لا يَخْرُجَ من فمه إلا ليعود إلى سمعه هو، أو أنَّ لكل قارئ عندنا عشرة كتَّاب مثلاً!
في "الصحافة القديمة"، أي الصحافة الورقية (من يومية وأسبوعية) التي على قدمها لَمْ تَفْقِد بَعْد سيادتها وهيمنتها، كُنَّا نرى، على وجه العموم، "الكاتب" و"القارئ" في علاقة ميتافيزيقية، فـ "سُورٌ صيني" يفصل دائما أحدهما عن الآخر. الكاتب إنَّما هو كاتب فحسب، والقارئ إنَّما هو قارئ فحسب، فليس من "تفاعُلٍ"، أو "تأثير متبادل"، بين الطرفين.
ولقد فجَّر "النشر الإلكتروني" عَبْر "الإنترنت" ثورة في قَلْب تلك العلاقة، فَرَأيْنا الطرفين (الكاتب والقارئ) في علاقة جديدة، قوامها "التفاعُل الحر"، الذي يتمخَّض عن نتائج يَتَّحِدُ فيها اتِّحادا لا انفصام فيه الإيجابي بالسلبي، على أن نَفْهَمهما فَهْما نسبياً.
الآن، أصبح في مقدور الكاتب أن يكتب (أي أن يُعَبِّر عن رأيه كتابةً فَنَشْراً) في حرِّيَّة أكبر من ذي قبل، فـ "الدَرَكِيَّان"، الداخلي والخارجي، تضاءلا تأثيراً وسُلْطةً ونفوذاً، وإنْ ظلَّ القضاء عليهما قضاءً مُبْرَماً الهدف النهائي الذي لَمْ تُحقِّقه بَعْد الثورة الفكرية لـ "الإنترنت".
الكاتب الآن ما أن يَفْرَغ من الكتابة حتى يَنْشُر على نطاق واسع ما كَتَب وفي لمحة البرق، مُمْتَلِكاً القدرة (الإلكترونية) على إحداث التغيير الذي يريد في ما نَشَر. وثمَّة مواقع إلكترونية للنشر، مثل "منتديات واتا الحضارية"، تَضُم في عضويتها الآلاف مِمَّن ينتمون إلى أهل الفكر والقلم، فتأتي القراءة لـ "المنشور" رفيعة المستوى.
وفي أسفل "المنشور"، قد ترى فيضاً من الآراء المختلفة في ما كَتَبْت، فيشتعل فتيل "الحوار"، أو "الصراع"؛ وقد يتمخَّض هذا "التفاعل (الفكري) الحر"، إذا ما استوفى شروطه الموضوعية، عن فكر جديد. ولو لَمْ يتمخَّض عن هذا فإنَّه يفيد، على الأقل، في تبيان "الرأي" و"الرأي الآخر"، وفي زَجِّ الكتَّاب والقرَّاء (وهما فريقان متداخلان يتحوَّل كلاهما إلى الآخر في استمرار) في معركة فكرية يشحذون لها الأسلحة، فتُعيد خلقهم على هيئة جديدة جيِّدة، وتُخْرجهم مِمَّا هُم فيه من سبات وركود وكسل وسلبية.
وغني عن البيان أنَّ توسيع وتوطيد العلاقة بين الناس و"الإنترنت"، مع العمل في استمرار من أجل رفع منسوب الحرِّية في "التعبير الإلكتروني"، سيجعلان تلك الثورة تتناسل وتتكاثر حتى تبلغ الحقوق والحرِّيات الديمقراطية درجتها العليا، فيَدْخُل "الإلكترون" تاريخنا الفكري والسياسي بوصفه المُحَطِّم الأعظم للأوثان الفكرية، والمُحَرِّر الأعظم لعقولنا من الاسترقاق الفكري.