ماجى فهمى
23/10/2007, 02:26 AM
تصحيحا للمسار وباهداء الى استاذى الفاضل د. محمد فؤاد منصور
دقات الرحيل
**
تحير الدكتور " أحمد " من امر عم "صالح" ذلك الكهل الذى جاوز الثمانين ويصر على الجلوس فى طرف محطة القطااار حاملا ساعته الكبيرة وعيناه معلقتان بكل قطار قادم ...سنوات طويلة وكلما
أتى لزيلرة عائلته يجده جالسا فى نفس المكان وفى عينيه نفس نظرة الانتظاار والترقب وكأن الزمن قد توقف عنده ...
سأل اهله عن قصته فأخبروه انه ينتظر عودة ابنه الذى سافر للعمل بالعراق ... سنوات مرت لايغير
عم صالح من طقوسه اليومية قهو يصحو فى الفجر ويتخذ طريقه الى المسجد مارا بالجسر وصوته يتعالى بالتسابيح والادعية حتى يصل ويصلى جماعة وبعدها يظل جالسا فى المسجد يصلى ويدعو حتى يعلو صوت بكائه ... الجميع تأخذهم به الشفقة وان كانت مشوبة ببعض السخرية
لهذه الساعة التى يصر على حملها طوال الوقت ... ثم يجلس فى محطة الفطاار وبجانبه ساعته
حتى موعد آخر قطار، لم يغير طقوسه ابدا فلا توقفه حرارة صيف ولا برودة شتاء حتى تعود الجميع على رؤيته وكأنه اصبح جزءا منها ...
الكل احبه وتعاطف معه ومع قصته الحزينة التى بدأت عندما كان يعمل بستانيا فى فيلا شريف بيه الذى احبه
لاخلاصه وتفانيه فى خدمته وكان دائما مايأتى ابنه ليشاهد هذه الساعة العجيبة وفرحة شديدة ترتسم على وجهه وهو يرى العصفور يخرج منها مع دقات الساعة ببندولها الذى يتحرك الى جهة اليمين تارة والى جهة اليسار تارة اخرى وكثيرا مارآه شريف بيه رغم محاولاته الصغيرة للتخفى والحذر ... وعندما قرر البيه السفر للخارج وتصفية جميع اعماله اهدى عم صالح الساعة لعلمه ان ابنه يحبها ...
كان عم صالح يضع الساعة فى بيته فكانت تمثل لوحة جمالية شاذة عما حولها من فقر ولكنه كان سعيدا لسعادة ابنه بها ...
وكبر الصبى وقد ادرك ان زمن الاحلام قد ولى وعليه تقبل الواقع والفقر .... كانت لديه طموحاته فتطلع الى السفر الى احدى الدول العربية مثل باقى شباب القرية ... اقنع والده بضرورة السفر حتى يستطيع تحقيق احلامه فى الزواج والحياة ويعده ان يبنى له بيتا جديدا ...
وسافر الابن الى العراق وظلت خطاباته هى بلسم الحياة لعم صالح وداوم على ارسال النقود لوالده لتعينه على الحياة .... حتى انقطعت خطاباته ولم يعد والده يعلم عنه شىء ؟؟
ومنذ ذلك اليوم وعم صالح يأخذ طريقه الى محطة القطار وعيناه تظلان معلقتين بالقضباان الحديدية التى لاتأتى بمن يؤنس وحدته ... قضبان لاتعرف الحب ولا العذاب ولا الانتظاار ومازالت الساعة بجانبه وكأنها الشىء الوحيد الذى يربط بينه وبين ابنه الوحيد الغائب ..
وتمر الايام وهو قابع بجانب المحطة وفى قلبه رجاء وفى عينيه بقايا حلم لايتحقق ويظل يغنى بصوت جميل احبه الجميع من رواد المحطة وهو يقول : الاولة آه الثانية آه الثالثة آه
الاولة عيرونى ان نافلاح الثانية ازرع واقلع للى نام وارتاح الثالثة آه اللى احبه شط منى وراح
الاولة عيرونى ان نا فلاح بدفية وعيشى حاف
الثانية ازرع واقلع على نام وارتاح فى دهبية ... بميت مجداف
الثالتة اللى احبه شط منى وراح فى صبحية ... ماقال لى عواف
حتى تخنقه الدموع التى يأبى اظهارها امام الناس ... ومع اخر قطار وموعد وصله يعود الى بيته وتتكرر نفس المشاهد وكأنها صورة كربونية ...
رق قلب الدكتور احمد لقصة عم صالح فكان كلما اتى لزيارة عائلته يذهب اليه ويتابع حالته الصحية ووعده بعمل بعض الاتصالات لمعرفة اى اخبار عن ابنه الغائب...وعند عودته للقرية فى المرة التالية وجد عم صالح مازال قابعا فى ركن المحطة ولكنه يعانى المرض فيده باردة ووجه شاحب .. مما دفعه لتكثيف اتصالاته لعله يستطيع الوصول لابنه الذى تعلق قلب عم صالح به حتى اوشك على الانهياار ...
وعاد اليه مسرعا مرة اخرى فوجده فى حالة انهيار تام ودموعه الصامتة ترك لها العنان وماعاد يريد ان يخفيها ...وكأن شيئا هائلا قد وقع وقبل ان يسأله اشار له جانبا فوجد الساعة قد توقفت لاول مرة منذ اهداها له شريف بيه
نظر اليه الدكتور احمد وهو يحاول انتقاء الكلمات التى يطيب بها خاطره.. وامسك بيده فوجدها باردة برودة الموت صلبة صلابة الحرمان ... واهنة مثل الانتظااار.. حتى سقطت اليد الطيبة من يده ... رحل الاب
وعندما رجع وجد برقية من السفارة تحمل نبأ وفاة الابن دون معرفة الاسباب فى تمام الساعة .... بتاريخ ....
توقف الدكتور احمد عن قراءة البرقية وعادت عينه الى موعد الوفاه فوجدها نفس الساعة التى توقفت فيها الساعة عن دقاتها وفى نفس التاريخ ...وظل يردد .. سبحان الله ... سبحان الله ولاحول ولا قوة الا بالله
وعندما عاد لزيارة اهله مرة اخرى اتجهت عيناه الى مكان عم صالح وصدى اغنيته يتردد بين جنبات المحطة
وتستمر عجلة الحياة رغم توقف دقات ساعة عم صالح وظلال الرحيل التى طافت بالمكااان ...والاولة آه .. والثانية آه ... والثالثة آآآآآآآآآآآآآه ....!!!!
ــــــــــــــــــــــــــ
مع تحياتى
ماجى فهمى
دقات الرحيل
**
تحير الدكتور " أحمد " من امر عم "صالح" ذلك الكهل الذى جاوز الثمانين ويصر على الجلوس فى طرف محطة القطااار حاملا ساعته الكبيرة وعيناه معلقتان بكل قطار قادم ...سنوات طويلة وكلما
أتى لزيلرة عائلته يجده جالسا فى نفس المكان وفى عينيه نفس نظرة الانتظاار والترقب وكأن الزمن قد توقف عنده ...
سأل اهله عن قصته فأخبروه انه ينتظر عودة ابنه الذى سافر للعمل بالعراق ... سنوات مرت لايغير
عم صالح من طقوسه اليومية قهو يصحو فى الفجر ويتخذ طريقه الى المسجد مارا بالجسر وصوته يتعالى بالتسابيح والادعية حتى يصل ويصلى جماعة وبعدها يظل جالسا فى المسجد يصلى ويدعو حتى يعلو صوت بكائه ... الجميع تأخذهم به الشفقة وان كانت مشوبة ببعض السخرية
لهذه الساعة التى يصر على حملها طوال الوقت ... ثم يجلس فى محطة الفطاار وبجانبه ساعته
حتى موعد آخر قطار، لم يغير طقوسه ابدا فلا توقفه حرارة صيف ولا برودة شتاء حتى تعود الجميع على رؤيته وكأنه اصبح جزءا منها ...
الكل احبه وتعاطف معه ومع قصته الحزينة التى بدأت عندما كان يعمل بستانيا فى فيلا شريف بيه الذى احبه
لاخلاصه وتفانيه فى خدمته وكان دائما مايأتى ابنه ليشاهد هذه الساعة العجيبة وفرحة شديدة ترتسم على وجهه وهو يرى العصفور يخرج منها مع دقات الساعة ببندولها الذى يتحرك الى جهة اليمين تارة والى جهة اليسار تارة اخرى وكثيرا مارآه شريف بيه رغم محاولاته الصغيرة للتخفى والحذر ... وعندما قرر البيه السفر للخارج وتصفية جميع اعماله اهدى عم صالح الساعة لعلمه ان ابنه يحبها ...
كان عم صالح يضع الساعة فى بيته فكانت تمثل لوحة جمالية شاذة عما حولها من فقر ولكنه كان سعيدا لسعادة ابنه بها ...
وكبر الصبى وقد ادرك ان زمن الاحلام قد ولى وعليه تقبل الواقع والفقر .... كانت لديه طموحاته فتطلع الى السفر الى احدى الدول العربية مثل باقى شباب القرية ... اقنع والده بضرورة السفر حتى يستطيع تحقيق احلامه فى الزواج والحياة ويعده ان يبنى له بيتا جديدا ...
وسافر الابن الى العراق وظلت خطاباته هى بلسم الحياة لعم صالح وداوم على ارسال النقود لوالده لتعينه على الحياة .... حتى انقطعت خطاباته ولم يعد والده يعلم عنه شىء ؟؟
ومنذ ذلك اليوم وعم صالح يأخذ طريقه الى محطة القطار وعيناه تظلان معلقتين بالقضباان الحديدية التى لاتأتى بمن يؤنس وحدته ... قضبان لاتعرف الحب ولا العذاب ولا الانتظاار ومازالت الساعة بجانبه وكأنها الشىء الوحيد الذى يربط بينه وبين ابنه الوحيد الغائب ..
وتمر الايام وهو قابع بجانب المحطة وفى قلبه رجاء وفى عينيه بقايا حلم لايتحقق ويظل يغنى بصوت جميل احبه الجميع من رواد المحطة وهو يقول : الاولة آه الثانية آه الثالثة آه
الاولة عيرونى ان نافلاح الثانية ازرع واقلع للى نام وارتاح الثالثة آه اللى احبه شط منى وراح
الاولة عيرونى ان نا فلاح بدفية وعيشى حاف
الثانية ازرع واقلع على نام وارتاح فى دهبية ... بميت مجداف
الثالتة اللى احبه شط منى وراح فى صبحية ... ماقال لى عواف
حتى تخنقه الدموع التى يأبى اظهارها امام الناس ... ومع اخر قطار وموعد وصله يعود الى بيته وتتكرر نفس المشاهد وكأنها صورة كربونية ...
رق قلب الدكتور احمد لقصة عم صالح فكان كلما اتى لزيارة عائلته يذهب اليه ويتابع حالته الصحية ووعده بعمل بعض الاتصالات لمعرفة اى اخبار عن ابنه الغائب...وعند عودته للقرية فى المرة التالية وجد عم صالح مازال قابعا فى ركن المحطة ولكنه يعانى المرض فيده باردة ووجه شاحب .. مما دفعه لتكثيف اتصالاته لعله يستطيع الوصول لابنه الذى تعلق قلب عم صالح به حتى اوشك على الانهياار ...
وعاد اليه مسرعا مرة اخرى فوجده فى حالة انهيار تام ودموعه الصامتة ترك لها العنان وماعاد يريد ان يخفيها ...وكأن شيئا هائلا قد وقع وقبل ان يسأله اشار له جانبا فوجد الساعة قد توقفت لاول مرة منذ اهداها له شريف بيه
نظر اليه الدكتور احمد وهو يحاول انتقاء الكلمات التى يطيب بها خاطره.. وامسك بيده فوجدها باردة برودة الموت صلبة صلابة الحرمان ... واهنة مثل الانتظااار.. حتى سقطت اليد الطيبة من يده ... رحل الاب
وعندما رجع وجد برقية من السفارة تحمل نبأ وفاة الابن دون معرفة الاسباب فى تمام الساعة .... بتاريخ ....
توقف الدكتور احمد عن قراءة البرقية وعادت عينه الى موعد الوفاه فوجدها نفس الساعة التى توقفت فيها الساعة عن دقاتها وفى نفس التاريخ ...وظل يردد .. سبحان الله ... سبحان الله ولاحول ولا قوة الا بالله
وعندما عاد لزيارة اهله مرة اخرى اتجهت عيناه الى مكان عم صالح وصدى اغنيته يتردد بين جنبات المحطة
وتستمر عجلة الحياة رغم توقف دقات ساعة عم صالح وظلال الرحيل التى طافت بالمكااان ...والاولة آه .. والثانية آه ... والثالثة آآآآآآآآآآآآآه ....!!!!
ــــــــــــــــــــــــــ
مع تحياتى
ماجى فهمى