المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الجزء الأول من الباب الثالث من كتاب تلاش للأديب الباكستاني ممتاز مفتي ( ويارب يظهر)



إبراهيم محمد إبراهيم
23/10/2007, 08:49 AM
الجزء الأول من الباب الثالث
الجيل الجديد
لم يخطر ببالنا أبداً أننا حين نهاجم الجيل الجديد ونرفضه أننا بذلك نهاجم مستقبلنا ونرفضه ، إننا لم نعترف أبداً بأن الجيل الجديد هو مستقبلنا ، ولم نعره اهتماماً أبداً ، وإنما رفضناه على خط مستقيم ، وألغينا وجوده . لم نعترف أبداً بأن الجيل الجديد هو نتاج الواقع المعاصر ، ولم نسلّم أبداً بحقيقــة أن تدرّج الإنسـان من " الطفولــة " إلى " الشبــاب " ، ومن " الشبـاب " إلى " الرجولة " ، ثم يصير " كبيراً " ، إنما هو تدرّج طبيعيّ واقع لا محالة ، تدرّج طبيعي ينبغي على الفرد فيه أن يعيش كل فترة من فترات عمره ، يعيشها من كل قلبه ، ويصير جزءاً منها ، وإن لم يفعل ذلك فلن يكبر أبداً ، ولن يكتمل أبداً ، ومع أن كل أب يرغب دائماً في أن يكبر ابنه ويصير مثله .. لكن كل أب أيضاً يعتقد أن " الفترة " التي عاشها كانت أفضل من " الفترة الحالية " ، وأن كل " فترة قادمة " هي الأسوأ . لم يخطر ببال أحد من الآباء أن عليه أن يشكّل ابنه بحيث تتولّد فيه إمكانية الحياة بما يتناسب مع " الفترة القادمة " .
معذرة ، فربما ظننت أنني الآن ألقي خطبة أو ما شابه ذلك ، أو أنني أقول كلاماً نظرياً ليس إلاّ . صدقني ، فأنا لا أقول كلاماً نظرياً ، إنما أقص عليك ما حدث معي أنا ، أضع أمامك ما عشته أنا ، ما نطلق عليه " القصة الحقيقية " .
السيرة الذاتية :
لقد علمني ابني هذه الحقيقة ، فلقد جاءني ذات يوم ، وكان في العشرين من عمره ، وقال :
· أريد أن أقول لك شيئاً يا أبي .
قلت :
· على الرّحب والسعة ، قل ما تريد بلا قيد أو شرط .
قال :
· لقد عشت العشرين عاماً السابقة من عمري طبقاً لأفكارك أنت يا أبي ، والآن أرجو أن تسمح لي أن أعيش باقي حياتي طبقاً لأفكاري أنا .
أصابني ما قاله ابني بصدمة شديدة ، شعرت وكأنه قد نفخ في الصور ، وقامت الساعة ، وأن أشلائي تتطاير في الهواء ، ومع ذلك فإنك لن تستطيع تفهّم موقفي ما لم أقص عليك حكايتي مع ابني . لقد ماتت والدة ابني " عكسي " هذا وهو في الرابعة من عمره ، وعشنا وحيدين أباً وابناً . كنت في ذلك الوقت أعمل مدرساً في مدرسة ، أصطحب " عكسي " معي حين أذهب إلى المدرسة ، ويظل " عكسي " واقفاً بجانب الحائط في المدرسة إلى أن أنتهي من إلقاء دروسي ، وأصطحبه معي إلى السوق كلما ذهبت إليه . لقد كان كل منا مضطراً إلى هذه الوحدة ، ولم يكن هناك من هو على استعداد لمدّ يد العون لنا ، ولم يكن " عكسي " يعرف أن ما يحدث لأبيه ليس إلاّ جزاءاً لما فعل ، فلقد زرع الأب في شبابه شوكاً ، بينما الذي ينزف من هذا الشوك هو الابن . كنا " مقطوعين من شجرة " ، فلا قريب ، ولا صاحب . كنا نعيش سوياً .. ننام سوياً .. نذهب إلى الحمام سوياً ، لم نكن أباً وابنه .. كنا صديقين .
ثم كبر " عكسي " ، وانتقلت إلى مدينة " كراتشـي " (1) ، وكـان لي صديق في " كراتشي " اسمه " قيصر " . كان " قيصر " صديقي وابن أختي في نفس الوقت ، بل إنه كان صديقي أكثر من كونه ابن أختي . كان يحب التجول والحركة ، وقد جعلنا نحن أيضاً كذلك . كنا نلفّ و " نتسكّع " طيـلة اليـوم في " كراتشي " .. نمشي في أسواقها ، ونمصّ القصب (2) ، نتناول الكباب من الأكشاك في الشوارع ، ونسرف في تناول الشاي على المقاهي ، فإذا ما حلّ المساء انتهى بنا المطاف إلى مشاهدة فلم في إحدى دور السينما . وهكذا بلا انقطاع ، كل هذه " العربدة والتسكّع " كانت بسبب " قيصر " هذا ، فقد كان موظفاً في مكتب أمريكي ، وكنت أنا " مفلساً " .
لم يكن يخطر ببال من يرانا أن هؤلاء الثلاثة أحدهم " أب وخال " في الوقت نفسه ، والآخر " ابن أخت " والثالث " ابن " ، أنا نفسي كنت سعيداً بهذا ، وكنت أغبط نفسي ، فقد كنت أعتقد أنني ذلك الأب الذي لم يسمح لجدار الاحترام أن يحول بينه وبين ابنه ، ذلك الأب الذي لم يتحكّم في ابنه ، بل ولم ينصحه نصيحة من قبيل " احذر فأنا لم أفعل " ، أنا ذلك الأب الذي اتخذ من ابنه صديقاً له ورفيقاً . كنت أقول لنفسي : أيها الناس ، طوّقوا عنقي بعقود الفخار .. امنحوني الجوائز ، فأنا أستحق وساماً من قبيل " وسام فيكتوريا " ، وبينما كانت هذه الأفكار تسيطر على نفسي إذ فاجأني ابني بقوله : لقد عشت يا أبي العشرين عاماً الماضية من عمري طبقاً لأفكارك أنت ، فاسمح لي الآن أن أعيش ما تبقى من عمري طبقاً لأفكاري أنا . كان الأمر بالنسبة لي كأنه انفجار رهيب ، انفجار مفاجئ تطايرت منه أشلائي ، وتناثرت أجزاء جسمي في الهواء . قلت :
· اذهب يا بني ، اذهب وعش حياتك وسنّك .
فقال :
· سأتخذ لنفسي أصدقاءاً يا أبي ، وسأصاحب من هم في مثل سني ، وسأعيش وقتي .
وبعد ثلاثة أشهر عاد ابني إليّ . قلت :
· لماذا عدت يا " عكسي " ؟!!.
قال :
· لا فائدة يا أبي ، لقد صرت كهلاً بسبب حياتي معـك ، لقد جعلت مني " عجوزاً " كهلاً ، ورفضني من هم في مثل سني . يقولون لي : أنت لست منا ، ولا تنتمي إلينا ، ولست من جيلنا . أغرب عنا أيها " الببغاء العجوز " . إنني لا أستطيع يا أبي مجاراتهم في حركاتهم .. لا أستطيع أن أكون مثلهم ، ولا تزال كلماتهم تطنّ في أذني : الأحمق ، المتسول ...
لقد شعرت في ذلك اليوم وبشدة أنه من الضروري للغاية أن يعيش كل شاب عصره ، ولا يمكن أن تكتمل شخصية أحد بدون أن يحيا عصره . سادتي ! هذا ليس رأيي وحدي ، فأنا وأنت ، ونحن جميعاً نرى هذه الحقيقة ، ونعرفها ، لكننا بالرغم من ذلك نغمض عنها عيوننا ، ليست لدينا الشجاعة التي تمكننا من النظر إلى هذه الحقيقة . إننا دائماً نحاول تجاهل الحقائق غير السارة ، فنصير كالحمامة التي تغمض عينيها عندما ترى القطة ، وتقول لنفسها : ليس هناك خطر .. كل شيء على ما يرام (3) .
ببغاء " بلقيس " :
هناك شاعرة كبيرة تعيش في مدينة " إسلام آباد " (4) ، واسمها " بلقيس محمود " ، تكتب " النظم " ، وأنا من المعجبين بـ " بلقيس " هذه ، فهي دائماً تتناول في شعرها موضوعات غير مطروقة ، وأكثر منظـوماتها تتنـاول اللاعب الإثنـا عشـر (5) . لها ابن يدعى " تاشي " يعيش في أمريكا ، وقد كتبت " بلقيس " منظومة تتعلق بتلك الأيام التي كان بعيش فيها " تاشي " في " إسلام آباد " مع أمه وأبيه . إنها منظومة طويلة ، ولكني سأكتفي هنا بتقديم بعض الاقتباسات منها . سادتي ! اعلموا أن بيت " بلقيس " هـذه ليس بيتاً تقليدياً يملأه " الاحترام " ، وإنما بيت " حرّ " يملأه الحب ، ومع ذلك فإن " بلقيس " تعبر عن عواطف ابنها قائلة على لسانه :
· أشعر يا أمي ... كأنني ...
· تورطت في الحياة في قرية تملأها الشيخوخة ...
· الناس جميعاً هنا من الكهول و " العواجيز " ...
· وأختي ذات الأربعة عشر ربيعاً ...
· وأخي ذو الستة عشر ربيعاً ...
· هذان أنتما ...
· هذه الدنيا التي لا لون لها ...
· إلهي ، أين أكون ...
· إن الضحك هنا جريمة ...
· وربما يكون محظوراً علينا أن نغني أغاني للحياة ...
· ما هي جريمتي يا أمي ...
· أشعر يا أمي أنكم جميعاً صيّادون ...
· ترغبون في قص ريشي ...
· وحبسي في قفص ...
· مثل ببغاء جميل ...
· مجرد ببغاء ...
· تنادون عليه كلما أردتم : أيها الببغاء ... أيها الببغاء ...
· لتسعدوا شيخوختكم ...
· إنني أتعجب يا أمي ...
· إنك تضحكين بين أصدقائك ...
· أخبريني الصدق يا أمي ...
· هل تعرفين الضحك حقّاً ...
· ألديك تذوّق للجمال فعلاً ...
· وهل لديك حسّ الفكاهة أيضاً ...
· إنني أشعر أنكم ... جميعاً كهول ...
· تملأكم الكآبة ...
· وأنكم تبذلون قصارى جهدكم ...
· نحو تحطيمي مثلكم ...
· وتلطيخ وجهي بالألم والكآبة ...
· أبي ، أمي ...
· لا تمنعوني من مشاهدة الرسومات المتحركة في الأغاني الإنجليزية ...
· دعوني أشاهد أفلام " بابا فيلري " ...
· تلك الفتيات الصغيرات ...ميشيل ... دي جي ...
· و " فل هاوس " (6) الذي تملأه الحياة الكاملة ...
· دعوا أحلامي كلها ... وآمالي كلها ... المحتبسة بداخلي ... تنطلق خارجي ...
أهل الغرب :
سادتي : أنا كاتب عاديّ ، ولا أستطيع أن أعكس عواطف شباب هذه الأيام مثلما تعكسه الشاعرة ، وعلى حسب علمي لم يقم شاعر حتى اليوم بتناول رأي شباب عصرنا الحاضر فينا نحن " الكبار " في إبداعه الشعري ، كيف يفكرون فينا ؟ ! . وما هو رأيهم فيما يتعلق بما نعتبره نحن الكهول حدوداً أخلاقية . نحن " الكبار " نعتقد أن العصر الحديث ما هو إلاّ فتنة أثارها شبابنا ، لكن هذا سوء فهم منا ، فهذه الفتنة لا تقتصر علينا فقط ، وإنما هي عاصفة تجتاح العالم كله . نحن نعتقد أن هذه العاصفة من صنع الغرب ، وربما كان في اعتقادنا هذا شيء من الصحة ، لكننا لا نعرف أن الغرب نفسه يعاني من هذه العاصفة ، وأنه مصاب أكثر منّا (7) .
ثقافة " الهيبز " :
أهل الغرب أنفسهم في حيرة مما يحدث ، لماذا يحدث ، وكيف يحدث . إنهم عاجزون عن استيعاب الأمر كله . لقد ظهرت في الغرب قبل عدة سنوات ثقافة عجيبة تسمى " ثقافة الهيبز " . وثقافـة " الهيبز " هذه بمثابـة تمرّد على ركائز الحيـاة الغربيـة ، والمحور الذي تدور حوله،وكذا تقاليدها الأساسية،فهي ثقافـة ترفض " الحيثية " و " المكانة " و " النظام " ، ويعيش معتنقوها حياة البدو الرّحّل ، يسيحـون بالعالم كله ، وينامون على الأرصفـة . هذه الحركة هي بالأساس احتجـاج على التقاليد والركائز الأساسية للحضارة الغربية ، وتحذير في الوقت نفسه ، تحذير من الثروة والنظام والرفاهية ، وقد ولّدت هذه الثقافة أربعة أشياء (8) .
لا حول ولا (9) :
لقد تعب زعماؤنا الدينيون من ترديد " لا حول ولا " كلما رأوا هذه العاصفة ، فلقد اعتاد دعاتنا ووعاظنا على عدم التمعن في الجوانب السيئة للعصر الحالي ، ولا يعتبرونها قضايا تستحق الاهتمام ، وليسوا على استعداد لأن يعيروها أية أهمية أكثر من ترديد " لا حول ولا " .إنهم يعتقدون أن العصر الحاضر " شقاوة " و " إسفين " من أهـل الغرب ، ومؤامرة ضد الإسلام ، وحلّ هذه القضية في رأيهم واحد ، وهو أن نمنع هذا العمل الشيطاني . إنهم لا يعرفون أن العصر الحاضر موج عات ، ولا يمكن إيقاف الأمواج العاتية ، ولكن من الممكن تغيير مسارها ، ومع ذلك فإنهم لم يحاولوا أبداً تغيير مسار هذه الأمواج العاتية .
لقد اعتبر الدعاة والوعاظ لدينا الغرب شراً كله ، في حين أننا لا نستطيع أن ننكر أن عاطفة الخير لدى أهل الغرب أقوى منها لدينا . أيها السادة ، أنا لا أتحدث عن الحكومات ، إنما أتحدث عن الناس ، فلقد تبنى أهل الغرب سياسة المساواة والحرية عن حسن نية ، حرية النساء ، حرية الأطفال ، حرية الأفكار ، حرية التعبير ، حرية الجنس ، وغيرها ، لكن تجربتهم هذه للأسف الشديد لم يكتب لها النجاح ، بل على العكس من ذلك أشعلت ناراً وصل حرّها إلى كل بقاع العالم ، ونحن نعتقد أن هذه النار تحرقنا نحن فقط ، وهذه حماقة منا ، إذ أن أكثر من تحرقهم هذه النار هم أهل الغرب ، وأهل الغرب يعرفون تماماً أن هذه النار تحرق بيتهم ، ويتشاورون فيما بينهم في كيفية مواجهة هذه المشكلة والتعامل معها ، يفكرون ، ويتخذون خطوات عملية . أما دعاتنا ووعاظنا فإنهم يعتقدون أن هذه المصيبة ستنزاح عنهم بترديد " لا حول ولا " ، ولهذا فإنهم لا يتوقفون عن خطبهم . يقولون : أيها الناس ، اقرأوا " لا حول ولا " على الغرب ، على الجيل الجديد ، على العصر الحاضر . إنهم يعتقدون أن " لا حول ولا " دواء لكل داء ، وليتهم يعلمون ماذا تعني " لا حول ولا " هذه ، وأغلب الظن أن لدى " الكبار والكهول جداً " سوء فهم فيما يتعلق بمعنى " لا حول ولا " ، وقد كنت أنا الآخر - ولفترة - من الذين يفهمونها خطأ ، فقد كنت أبادر إلى ترديد " لا حول ولا " كلّما ثارت في قلبي فكرة شريرة ، وخاصة فيما يتعلق بالجنس .... أيها الشيطان ، لماذا تضايقني ، دعك عني .
وتلمس في هذا الاحتجاج نوعاً ما من الألفة أكثر من كونه غضباً ، مثلما يعلّق سائقو الشاحنات في بلادنا على مؤخرة الشاحنـة لافتـة مكتـوب عليها " لا تضايقني يا أخي ببو " (10) . ثم اكتشفت ذات يوم وفجأة ماذا تعني عبارة " لا حول ولا " ، فهي تعني :
" لا وجود لقوة سوى قوة ذات الله ، ولهذا لا مجال أصلاً للخوف من أحد "
لقد دهشت دهشة كبيرة في تلك الليلة ، حين نزل " هو " من صورة الكعبة ، وجلس على الأريكة ، وكنت ممتلئاً غضباً . قلت له : إن كنت أنت كل شيء ، ولا تستطيع حتى الورقة أن تتحرك من مكانها بغير إذنك ، فلماذا تثير كل هذه الضجة ، لماذا تحيّر مخلوقاتك . سمع " هو " ما قلت ، وابتسم ... ابتسم ابتسامة كلها استغناء .
ومنذ ذلك اليوم كلما ثارت في قلبي فكرة سيئـة صرت لا أردّد " لا حول ولا " ، لأنني أعرف ، وأعترف أن عنصر الشر موجود بداخلي ، ولا معنى للخوف أبداً ، فهو أمر طبيعي ، ولا ينبغي إعطاؤه أكثر مما يستحق .
المعرفة والاعتراف :
يقول الحكماء : إن عرفت مواطن ضعفك وعيوبك ونقائصك ، واعترفت وسلّمت بها ، فإن حدّتها تقلّ ، وتتراجع شدّتها ، وإن لم تسلّم بها بدأ الصراع بداخلك ، فتزيد حدّتها ، وتصبح كالمارد ، لذا عليك ألاّ تهتم بها ، وأن تتجاهلها وتعتبرها قدراً إلهياً .
وعندما يقرأ " الكبار " " لا حول ولا " على الجيـل الجديد فإنهم حينئذ لا يشعرون بمفهوم " لا حول ولا " . إنهم يعتقدون بطريقة لا إرادية أن الشيطان يغوي الجيل الجديد ، ولكن إن تمعنوا في مفهوم " لا حول ولا " ، فسيشعرون عندئذ أن هذا كله ما هو إلاّ مشيئة الله وإرادته ، وأن هذه الحدّة في الجيل الجديد ليست من عمل الشيطان ، فالشيطان يستطيع أن يضلّ ، ولكنه ليس قادراً على تبديل لون الإنسان ، وما أحسن ما قاله بعضهم عن حدّة الجيل الجديد حين قال : " إن الله تعالى قد قلّل من سرعتنا في جيلنا نحن الكهول ، وزاد في سرعة الشباب في العصر الحاضر " (11) .
إن الجيل الجديد ليس رجيماً ، وإنما هو جيل مظلوم ، فقد تمّت تعبأته بمقدار " كيلو " كامل من الطاقة ، وهو الذي لا يزيد استيعابه عن " ربع الكيلو " فقط إن جاز لنا التعبير . والشكوى من الجيل الجديد لا تتوقف علينا نحن فقط ، وإنما تشكو منه الدنيا كلها مرّ الشكوى ، يقولون أن به حدّة ، حدّة لا حدود لها ، مثلما قلنا ، زجاجة لا تتحمل أكثر من ربع كيلو ، أدخل فيها من الطاقة ما يعادل كيلو كاملاً ، به اضطراب وقلق شديدان ، محروم من الاستقرار ، يتحرك دائماً ، وسريع ، سريع للغاية ، يمشي بسرعة ، يصل بسرعة ، يعود بسرعة ، يعيش بسرعة ، يموت بسرعة ، لا هدف لهم ، إنما السرعة وفقط ، ولا وجهة لهم ، إنما الحركة وفقط ، واعتبروا مسئولين عن هذه الحدّة .... وكأن الله تعالى يريد هذا .
هذا الكلام كله ليس بجديد ، فتاريخ الكائنات يشهد أن الله تعالى كثيراً ما يفعل ذلك ، وربما تكون قد رأيت كثيراً تلك الحشرة الطائرة التي تظهر لها أجنحة في فصل المطر ، ثم يصير كالفراشات (12) ... حركة دائبة ... حركة مجنونة . وكلما رأيت الجيل الجديد بدا لي وكأنه كتلك الحشرة السابق ذكرها ، والتي تظهر لها الأجنحة .
كثيراً ما نسمع في الأخبار أن الجيل الجديد يجنح إلى ارتكاب الجريمة . يقود الدراجة الناريـة " الموتوسيكل " بسرعة مائة وعشرين ميلاً ، ويقوم بسرقات مخططة على سبيل التفريح ، يقوم بالسلب والنهب ، وهو لا يقصد إلى السلب والنهب ، ولا إلى السرقة ، وإنما إلى المخاطرة فقط ، وقد ذكرني هذا الأمر بقصة درسناها في الصف السادس الابتدائي :
الهوامش
1 - يقصد انتقال السكن من مدينة لاهور إلى مدينة كراتشي .
2 - القصب في باكستان يباع مقشراً ومقطعاً إلى قطع صغيرة ، ويسمى " كنديرى " ، وهذا هو ما بقصده الكاتب .
3 - مثلما نقول نحن بالعربية : " كالنعامة تدفن رأسها في الرمال عند الخطر " .
4 - عاصمة باكستان السياسية ، وقد اتخذت باكستان حين قيامها عام 1947م من مدينة كراتشي الحالية عاصمة لها ، ثم انتقلت العاصمة بعد ذلك إلى مدينة راولبندي الحالية ، وبعدها في الستينيات أنشأت مدينة إسلام آباد الحالية لتكون عاصمة سياسية للبلاد .
5 - معوروف أن عدد لاعبي الفريق " كرة القدم " أحد عشر لاعباً ، وما بعد ذلك لا يكون موجوداً ضمن الفريق داخل الملعب ، وإن كان موجدوداً في " الاحتياط " ، وبلقيس محمود لا تتناول الموضوعات الواضحة التي يراها الجميع " الأحد عشر لاعباً " ، وإنما تتناول من هم في الظل و " الاحتياط " ، وهذا هو ما قصده الكاتب .
6 - هذه كلها شخصيات وأفلام كرتونية مما يعجب الأطفال ويحبون مشاهدته .
7 - ربما نختلف مع الكاتب هنا باعتبار أن الغرب مصاب أكثر منا أم أقل منا ، ولكن المؤكد أن للغرب اليد الطولى في إثارة هذه العاصفة التي تجتاح العالم كله بما فيه الغرب نفسه على حد قول الكاتب .
8 - ترى ما هي هذه الأشياء الأربعة ؟!. لم يقل لنا الكاتب شيئاً في هذا الخصوص ، ربما نسي ذكرها .
9 - المقصود " لا حول ولا قوة إلاّ بالله " ، وهو التعبير الذي نردده كلما وقعت عيوننا على ما يتنافى مع تقاليدنا أو معتقداتنا ، أو لأظهار امتعاضنا من شيئ لا يعجبنا ، إلاّ أن أهل اللغة الأردية يميلون إلى اختصارها إلى " لا حول ولا " لمعرفة السامع بها . وقد نرى مثل هذا لدينا أيضاً فيقول بعض الناس " لا حول الله " ، والأفضل ترديده كاملاً .
10 - مثلما نكتب نحن : " يا ناس يا شر ، كفاية أر " ، أو ما شابهها من عبارات تشعرك بنوع ما من الألفة .
11 - في الأصل ما ترجمته " إن الله قد وضع قدمه على المكابح في عصرنا نحن الكهول ، وفي العصر الحاضر وضعها على دواسة البنزين " ، وربما كان في التعبير قدر من عدم اللياقة في الحديث عن الله تعالى ، ولذا اكتفينا بإثباته في الحاشية لأماتة الترجمة ، وأثبتنا في متن الترجمة مفهومه .
12 - فراشـات بطـول سنتيمترين تقريبـاً ودقيقـة الحجم ذات لون أقرب إلى اللون البني تظهر في فصل المطر ( أغسطس سبتمبر ) ، وخاصة بعد سقوط الأمطار ليلاً .