المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ذلك الذي تحْت



خالدعبدالقادر
23/10/2007, 09:02 AM
..
ذلك الذي تَحْت (1)

..



أحْكي لَكمْ
عنْ موتِه العفويِّ جداً ،
خلْفَ نافذةٍ مُسيَّجةٍ
غياباً لا يزولُ و فوَّهاتٍ للمدى .

***

أحْكي لكُمْ
عن ضِحْكِه المهْتَزِّ
حينَ يفِرُّ مِنْهُ إليهِ في المرآةِ ،
يَضْحكُ هازِئاً منْ نفْسِهِ ،
و يقولُ للجرْحِ
- الذي أبقاهُ موسًى للحلاقةِ منذُ عامٍ أو يزيدُ بذقْنِهِ - :
"" أخطأتَ جُرْحيَ
لو هبطتَ إلى قليلٍ من دَمي
كنتَ انْتصرتَ .. و كنتُ سميِّتُ الحديدَ بقاتلي
و نجوتَ منِّي خالصاً . ""

***

أحكي لكمْ
عنْ أولِ السرطانِ في رِئتيهِ ،
عن صورِ الأشِعَّةِ ..
بيَّـنَتْ كهْفاً بهِ
- ألقى بها في النيلِ -
عنْ روْشِتَّةٍ
عجزتْ يداهُ عن الرموزِ / عن النقودِ
فخطَّ أنواعَ العلاجِ قصيدةً في ظهْرِها
- ألقى بها في جيبِ أولِ شارعٍ شَبَهٍ لهُ - .

***

أحكي لكمْ
عن صوتِهِ الحوْليِّ
يثْمرُ كلَّ عامٍ رعْشةً
بقراءةِ السُّوَرِ القصيرةِ و الدعاءِ
و آيةٍ : (( قُلْ يا عبادي )) (2)
مُسْرِفٌ ..
لكنْ يحبُّ اللهَ أكثرَ من أبيهِ
و عارفٌ ..
لوْلا القصائدُ و السجائرُ
ما رأتْهُ العينُ إلاّ رَأْيَ غيمٍ صالحٍ .

***

أحكي لكمْ
عن عُزْلةٍ نزلتْ بهِ .
عن خوفهِ - من قلةِ الأشياءِ -
أن ينسى الكلامَ
فقال للجنِّي :
"" زُرْني ..
لا أخافُكَ ، لا تَخَفْ
زُرْني ..
و نادِمْني قليلاً في القراءةِ للمعرِّي
هاتِ لي شِعْراً و خُذْ شِعراً
و بادِلْني الحديثَ ،
ألسْتَ تحْمِلُ هاتفاً ؟
أمْ أنتَ مِثْلي
لا تحبُّ الكهرباءَ و لا الهواتفَ و الرنينَ المعدنيَّ ؟
و كيفَ أنْطِقُ باسْمِكَ المجهولِ
هلْ هوَ هَكذا .. أمْ هكذا ؟
هلْ تحملُ اْسماً
أمْ بطاقاتُ الهويَّةِ حوَّلتْكَ إلى مُجردِ خانةٍ .. مثلي تماماً ؟
هلْ لكُمْ وطنٌ يشمُّ قلوبَكمْ
إن غابَ أصْغرُكمْ
و جِئتُمْ بالدماءِ على قميصٍ كاذبٍ ؟ ""

***

أحكي لكمْ
عن سقفِ حجرتِه الذي سَكَنَتْهُ أشباحُ القبيلةِ
هارباً منهم .. يشدُّ مُلاءَةً
و يعضُّ رُكْبتَه و يهتفُ :
"" لا أحبُّ جنوبَكم
لو زُرْتموني كلَّ عامٍ مرَّةً
كنتُ احْتملتُ بَداوتي
و أدرْتُ ظهري للشمالِ
تركتُ خلْفي شبهةَ الإنسانِ فيَّ
رجعْتُ لي . ""

***

أحكي لكمْ
عن فَقْدِهِ ،
فَلكمْ أحبَّ و كمْ أصابَ الفقدُ فيهِ حبيبةً
- تِلْكَ التي
- تلكَ التي
- تلك التي
..
..
إلاّ التي تركتْهُ في هذيانِهِ
ليرى بحلْمٍ ما :
"" جِرامافوْنَ بُنْيُّ الإطارِ على الكُمُوْديْنوْ
و كانتْ ( أسْمهانُ ) تبيعُ قهوتَها (3)
إلى فرسانِ أوْرُبَّا
تُغنِّي ..
رغْمَ أنَّ الشَّرْخ في صوتِ الجِرامافوْنِ
يشْبهُ لونَ كرْسيٍّ تآكلتِ القطيفةُ فيهِ
مِنْ صَيفينِ
مِنْ صيفينِ
مِنْ ..... ""
يصْحو ليكتبَ باكياً :

وَ نذرتِني للموتِ أوْفِي ما نذرْتِ
و لتعرفي - رغمَ انْكساري - ما انْتصرْتِ
عن أيِّ شيءٍ قدْ أعاتبُ فيكِ روحي
و أنا الذي اسْتحضرتُ روحاً .. ما حضرْتِ
كلّ الغيابِ عرفْتُهُ يوماً فيوماً
أحَدٌ مُحالٌ .. كمْ لهُ قدمتُ سَبْتي
عمّا قليلٍ لن أرى غيري .. لِشكِّي
فَبِكُلِّ شيءٍ جارحٌ .. حتّى بِصوتي
لِغدٍ بسيطٍ سوفَ أهدي ذكرياتي
و ألمُّ في كفِّ المرايا ما كسرْتِ
و أرى بجُرحي ، أصْدقُ العيْنينِ جرحٌ
أُصغِي لأنْفاسي و قلبي رهْنُ وقتي
...
لَكنَّ فَقْداً ما أصابَ قصيدةَ المسْتفْعلاتنْ تلكَ
فانْتبَذَتْ مكاناً لا يُرَى .

***

أحكي لكمْ
أحكي لكمْ عنِّي
ألا فلتسمعوا
أوْ فاقْرؤوا ما قالَهُ السيَّابُ في ( هرمَ المُغنِّي ) : (4)

"" و لتوهِموهُ بأنَّ من أبدٍ شبابٍ من لحونْ
و هوًى تُرقرقُ مقلتاهُ لهُ ، و ينفخُ منْهُ فوهْ
هوَ مائِتٌ
أفتبخلونَ عليهِ حتى بالحطامِ من الأزاهرِ و الغصونْ
أصغوا إليهِ لتسمعوهْ
يرثي الشبابَ و لا كلامَ سوى نشيجٍ : ( بالعيونْ
سلِّمْ عليَّ إذا مررت ))
أتى و سلَّم .. صدِّقوهْ
هرمَ المُغنِّي .. فارْحموهْ ""


هرمَ الذي .

..
تمتْ
القاهرة
السبت 20 / 10 / 2007



هوامش :

(1) العنوان بتصرف من عنوان رواية ( أولئِك الذين تحت ) للمكسيكي ( ماريانو آتويلا )
(2) ( قلْ يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ) القرآن الكريم - سورة الزمر الآية 53
(3) عن أغنيتي ( أسمهان ) : أهوى ، و ليالي الأنس في فيينا
(4) قصيدة ( هرم المغنّي ) لبدر شاكر السياب