المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : محمد عابد الجابري :إن القرآن وقع به بعض التحريف،



فؤاد بوعلي
13/11/2006, 01:05 AM
الإخوة الأفاضل
أنقل إليكم المقال الذي أثار نقاشا واسعا وردودا كثيرة بين من اعتبره انتصارا لواقعية النص القرآني ومن ادعى أنه انضمام من صاحبه إلى الهجوم المنظم على الإسلام ومقوماته ... وإن كان البعض قد فوجئ بمقال أستاذ العقلانية العربية لما عرف عنه تاريخيا من اتزان في الطروحات الفكرية والسياسية ، فإن انضمام صاحب "بنية العقل العربي" إلى زمرة المشككين في أهم نصوص الدين الإسلامي لا يبرؤه من السير مع الوجة العالمية التي تريد التأسيس لإسلام جديد وفق مقاس أمريكي .
وإليكم المقال الذي أتمنى أن يثير نقاشا علميا أكثر منه عاطفيا
ودي وتحياتي
ما سقط وقيل عن القرآن
موضوع الزيادة والنقصان في القرآن، موضوع قديم كثر فيه القيل والقال. وقد تحدثت المصادر، السُّنية منها والشيعية، عن التحريف في القرآن، نذكر هنا ملخصاً لما ورد في الأولي علي أن نخصص المقال المقبل لما ورد في المصادر الشيعية.
تميز المصادر السُّنية بين الأصناف التالية من التحريف في القرآن:
- صنف يقع بالتأويل بمعني "نقل معني الشيء من أصله وتحويله إلي غيره"، أو بالنقص أو الزيادة في الحروف أو الحركات، وذلك كاختلاف القراءات، أو بـ"الزيادة والنقصان في الآية والسورة مع التحفظ علي القرآن والتسالم (عدم التنازع) علي قراءة النبي صلي الله عليه وسلم إياها"، وهذا مثل تسالم المسلمين في البسملة علي أن النبي قرأها قبل كل سورة غير سورة التوبة مع اختلافهم هل هي من القرآن أم لا. وهذه الأنواع من التحريف واقعة في القرآن ومعترف بها بصورة أو أخري من طرف علماء الإسلام تحت العناوين التالية: التأويل، الأحرف السبع، القراءات، مسألة البسملة... إلخ.
- وصنف يراد به القول بأن «بعض المصحف الذي بين أيدينا ليس من الكلام المنزل»، وهذا مرفوض بإجماع المسلمين (ينسب إلي فرقة العجاردة من الخوارج، أنهم رفضوا أن تكون سورة يوسف من القرآن، زاعمين أنها قصة من القصص).
وهذان الصنفان من التحريف لا يدخلان في موضوعنا هنا. إن ما يهمنا هنا هو ما يتصل بمسألة «جمع القرآن»، أعني ما يدخل في نطاق السؤال التالي: هل «المصحف الإمام» -الذي جمع زمن عثمان والذي بين أيدينا الآن- يضم جميع ما نزل من آيات وسور، أم أنه رفعت (أو سقطت) منه أشياء أثناء جمعه؟
الجواب عن هذا السؤال، من الناحية المبدئية، هو أن جميع علماء الإسلام، من مفسِّرين ورواة حديث وغيرهم، يعترفون بأن ثمة آيات، وربما سوراً، قد «سقطت» أو «رُفعت» ولم تدرج في نص المصحف. وفي ما يلي أنواع النقص التي ذكرتها المصادر السُّنية.
١- يقول القرطبي عند تفسيره لسورة الأحزاب، وعدد آياتها ٧٣ آية: "كانت هذه السورة تعدل سورة البقرة (وعدد آياتها ٢٨٦). وكانت فيها آية الرجم. وبعد أن يشير إلي أن هذا روي عن أُبي بن كعب، أحد كتاب الوحي وجامعي القرآن، يضيف قائلاً: «وهذا يحمله أهل العلم علي أن الله تعالي رفع من (سورة) الأحزاب إليه ما يزيد علي ما في أيدينا (منها)، وأن آية الرجم رفع لفظها» (وبقي حكمهاً سائراً). وروي أنّ عمر بن الخطاب، قال: (إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم. والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس: زاد عمر في كتاب الله لكتبتها، ونصها: «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتّة، نكالاً من الله، والله عزيز حكيم»، فإنّا قد قرأناها). وقيل إن عمر أتي بهذه الآية إلي زيد بن ثابت حين كان يجمع القرآن فلم يأخذها منه لأنه - أعني عمر - كان وحده، وزيد كان قد اشترط شهادة رجلين فيما يأخذ من الآيات.
وفي رواية عن عائشة أنها قالت: «كانت سورة الأحزاب تعدل علي عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم مائتي آية، فلما كتب المصحف لم يقْدَر منها إلا علي ما هي الآن». وفي رواية أخري أنها قالت: «نزلت آية الرجم ورضاع الكبير عشراً، ولقد كانت في صحيفة تحت سريري، فلمّا مات رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم وتشاغلنا بموته دخل داجن (شاة) فأكلها».
٢- ويذكر القرطبي أيضاً في بداية تفسيره لسورة براءة (التوبة وعدد آياتها ١٣٠)، وفي سياق عرضه للروايات التي تتناول عدم وجود البسملة في أولها، رواية جاء فيها: «إنه لما سقط أولها، سقط (بسم الله الرحمن الرحيم) معه. وفي رواية أخري عن حذيفة أنه قال: ما تقرؤون ربعها: يعني براءة».
٣- وذكر السيوطي وغيره أن دعاء القنوت كان سورتين، كل سورة ببسملة وفواصل، إحداهما تسمي سورة الخلع، والأخري تسمي سورة الحفد. غير أن علماء السُّنة قد اعتبروهما ضرباً من الدعاء لا قرآنا منزلاً. وهما بالتتابع: أ) «اللّهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك»، ب) «اللّهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعي ونحفد، نرجو رحمتك، ونخشي عذابك، إنّ عذابك بالكافرين ملحق».
٤- ورُوي أنّ عمر قال لعبدالرحمن بن عوف: "ألم تجد فيما أُنزل علينا: «أن جاهدوا كما جاهدتم أوّل مرّة"، فأنا لا أجدها؟ قال: أُسقِطت فيما أسقِط من القرآن».
٥- كما روي عن حميدة بنت أبي يونس أنها قالت: «قرأ علي أبي، وهو ابن ثمانين سنة، في مصحف عائشة: إنّ الله وملائكته يصلّون علي النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلّموا تسليماً وعلي الذين يصلون في الصفوف الأولي». قالت: «قبل أن يغير عثمان المصاحف».
٦- وذكر السيوطي في باب الناسخ والمنسوخ عن ابن عمر أنه قال: «ليقولن أحدكم قد أخذت القرآن كله وما يدريه ما كله! قد ذهب قرآن كثير، ولكن ليقل قد أخذت منه ما ظهر».
٧- ورووا عن أبي بن كعب قال: «قال لي رسول الله صلي الله عليه وسلم إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن فقرأ سورة: «لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين»، ومن بقيتها - وهذا غير موجود في المصحف - «لو أن ابن آدم سأل وادياً من مال فأعطيه سأل ثانياً، وإن سأل ثانياً فأعطيه سأل ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله علي من تاب، وإن ذات الدين عند الله الحنيفية غير اليهودية ولا النصرانية ومن يعمل خيراً فلن يكفره».
٨- وفي رواية عن أبي موسي الأشعري أنه قال: «نزلت سورة نحو براءة ثم رفعت وحفظ منها: إن الله سيؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم، ولو أن لابن آدم واديين من مال لتمني وادياً ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله علي من تاب».

٩- وعنه أيضاً أنه قال: «كنا نقرأ سورة نُشبهها بإحدي المسبحات (السور التي تبدأ بـ«سبح» و«يسبح») نسيناها، غير أني حفظت منها: «يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا ما لا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة».

١٠- كما يروون عن عمر أنه قال: كنا نقرأ: «لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم».

١١- وروي أن مسلمة بن مخلد الأنصاري قال ذات يوم: «أخبروني بآيتين في القرآن لم تكتبا في المصحف فلم يخبروه فقال، الأولي: «إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ألا أبشروا أنتم المفلحون». والثانية "والذين آووهم ونصروهم وجادلوا عنهم القوم الذين غضب الله عليهم أولئك لا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون" .

١٢- وفي الصحيحين عن أنس أنه قال: «نزل قرآن في الذين قتلوا في موقعة بئر معونة، قرأناه حتي رفع وفيه: «أن بلغوا عنا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا».

١٣- وروي الطبري في تفسيره عن الحسن أنه قال في قوله تعالي: «مَا نَنْسَخْ مِنْ آيةٍ أوْ نُنْسِها نأْتِ بِخَيرٍ مِنْهَا"، قال: إن نبيكم صلي الله عليه وسلم أُقرئ قرآناً ثم نسيه فلا يكن شيئاً، ومن القرآن ما قد نسخ وأنتم تقرؤونه. وفي لفظ آخر: «قال: إِن نبيكم صلي الله عليه وسلم، قرأ علينا قرآناً ثم نسيه». وعن ابن عباس قال: كان مما ينزل علي النبي صلي الله عليه وسلم، الوحي بالليل وينساه بالنهار، فأنزل الله عز وجل: «ما ننسخ من آية أو ننسها نأتِ بخير منها أو مثلها».

هذا ويعلل بعض علماء الإسلام من أهل السُّنة، ظاهرة سقوط آيات من القرآن، بكونها داخلة في معني النسخ. غير أن علماء آخرين أنكروا أن يكون ذلك من النسخ، وقالوا: إن ما ذكر من الزيادة والنقصان في القرآن يرجع إلي خبر الآحاد، والقرآن لا يثبت به، وإنما يثبت بالتواتر.
نقلا عن صحيفة «الاتحاد» الإماراتية

محمد أسليم
13/11/2006, 02:03 AM
أظن أن هذا النقاش يعيد، وبقوة إلى الواجهة، مسألة خوف الغالبية العظمى من المسلمين المحدثين والمعاصرين، من إثارة قضايا لم يجد أجدادنا القدماء حرجا في إثارتها وإشباعها نقاشا؛ المقال الذي بين أيدينا لم يأت بجديد يُذكر؛ كل ما قام به هو تجميع معلومات من هنا ومن هناك، من مصادر قديمة ومعروفة، ولكن يُقبل ورود هذه المعلومات هناك، ويُرفَضُ إعادة إثارتها هنا، وكأن الإسلام من الهشاشة بحيث يكفي الكلام في هذه الأشياء فيكف المسلمون عن اعتناقه..
أتفق مع أخي د. فؤاد بوعلي حول أهمية طرح هذا الموضوع للنقاش، وإليه أودّ إضافة قضية لا يمكن إلا تثري هذا التأمل، وهي قراءة المتن القرآني على ضوء تجربة فريدة قام بها أحد اللسانيين الألمان:

كريستوف لوكسنبرغ: معاني القرآن على ضوء علم اللسان (http://www.metransparent.com/texts/ralph_ghadban_on_luxenburg.htm)

الدكتورمروان الجاسمي الظفيري
13/11/2006, 07:08 AM
كلّ الشكر لأخي البحاثة الدكتور فؤاد على هذا التذكير
ببحوث هذا الرجل ، وخاصة فيما يدعيه الجابري من أقوال
أشبعها أجدادنا بحثا ودراسة
ونعق بها أعداء القرآن من الصليبيين واليهود وأذنابهم من المستشرقين

وأرجو من الإخوة الذين يحبون أن يعرفوا الجابري جيداً أن يقرؤا ما كتبه عنه الأستاذ جورج طرابيشي في موسوعته النقدية له :
نظرية العقل - وإشكاليات العقل العربي ...
فقد فضحه شر فضيحة ...
وكذلك لمن يحب أن يتعرف على حسن حنفي فليقرأ للطرابيشي كتابه
// المثقفون العرب والتراث //
ولقد قام الرجل بواجبه كباحث وناقد في كشف الزيف الذي يتستر به الرجلان ...

ولا أحد يستطيع أن ينكر الانحراف و الضلال الذي يقع فيه الجابري إلا أحد شخصين:

1- شخص لم يقرأ مشروعه الفكري الضخم و الذي محصلته القطيعة المعرفية مع تراث الأمة إستنادا على آليات متعددة منبثقة من العقل الغربي خاصة الآليات الإجرائية - كما يسميها - المتخذة من البنيوية و الماركسية و مدرسة التحليل النفسي...... لتسليطها على ( النص ) - صرح بذلك في مقدمة كتابه: ( الخطاب العربي المعاصر ) الذي يعد مقدمة مشروعه الرباعي ( نقد العقل العربي).

2- شخص ولع بحب الرجل و يريد غض الطرف عن مرامي مشروعه الهدمي لتراث الأمة وفعل هذا لايجوز لمن عنده غيرة على دين الله بل هذا أبسط ما نقدمه ديانة أن نغار أما أن ندافع عن الرجل مع علمنا بالخلل العقدي و الفكري و المنهجي في مشروعه فهذا لا يمكن تقبله بأي حال من الأحوال فإننا أحيانا يصيبنا الإنبهار بكتابة هؤلاء فالمخطئ مخطئ و إن علا شأنه و على كل فمشروعه يحتاج لقلم مسدد يميط اللثام عن ثغرات تكتنفه.

و أخيرا فالرجل لاشك في موسوعيته و عمقه فيما يطرح و إن شذ به فكره في رؤيته الفكرية و الفلسفية الملتبسة.

الدكتورمروان الجاسمي الظفيري
13/11/2006, 07:18 AM
الغرور العقليّ ... والانتكاس الفكريّ
هذا مقال للكاتب عبد الله بن محمد السعوي نشر في مجلة البيان العدد 229 وله صلة بهذا الموضوع ، وخطر (القراءة المكثفة في كتب أهل الأهواء مع ضآلة العلم الشرعي في منحاه العقدي خاصة)
والذي أعتقده أن محمد عابد الجابري من كبار أهل الأهواء في هذا الزمان !!!
وإليكم المقال :
الغرور العقليّ ... والانتكاس الفكريّ :
عبد الله بن محمد السعوي :
لو ألقينا نظرة تأمُّلية تبحث عن العوامل الفعّالة التي تقف خلف كثير من التحولات الفكرية الحادة عند بعض النماذج والتي تنتقل من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار على نحو يستعصي معه الفهم والتحليل؛ لألفينا أنها لم تنبثق من فراغ بقدر ما هي أثر حتميّ أفرزته بواعث متنوعة بينها تسلسل سببي وروابط عليّة متبادلة ومتفاعلة أسجّل باعثين هنا منها على سبيل الإجمال، مقتصداً جهد الطاقة حتى لا أثقل على ذاكرة القارئ الكريم:

أولاً: القراءة المكثفة في كتب أهل الأهواء مع ضآلة العلم الشرعي في منحاه العقدي خاصة:

إن الفضول المعرفي بطبيعته يدفع إلى مزيد من النّهم القرائي اللامنضبط ـ أحياناً ـ مما يدفع بالفرد إلى قراءة كل ما يقع في متناول يديه من أطروحات فكرية قراءةً غير موجهة بحكم عدم استنادها إلى قدرات علمية عليا، ولذا فهي تولد الاتجاه السلبي أكثر مما تعزّز التوجه السلفي كإفراز حتميّ ناشئ عن ضمور مكتسبه المعرفي في جانبه العقدي على وجه الخصوص.

إن هشاشة الوعي ومحدودية القدرات العلمية تجعل من البنية الذهنية أرضاً خصبة مهيّئة لاستقطاب الأبنية المفاهيمية والمعاني المزيفة والرُّؤى الممعنة في التضليل باعتبارها أفقاً للوعي لا يسع المرء إلا الامتياح منه والتماهي مع معطياته.

إن إثارة الشبهات والتشكيك في العقائد والإطاحة بالتصورات الإيجابية هو الهدف المحوري الذي تتغيّاه كتب ومقالات أهل الأهواء، الشأن الذي جعل رسول الله # يتمعّر وجهه عندما شاهد صحيفة من صحف أهل الكتاب مع عمر ابن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ وهو الفاروق المبشَّر بالجنة، ونهاه عن قراءتها. ولقد كان سلفنا الأفاضل يحرِّمون علم الكلام ويشدّدون في عدم السماع من أهل الأهواء أو النظر في مؤلفاتهم حتى ولو احتوت على شيء من الحق؛ لأن هذه الأطروحات تورّث شُبهاً تضلّل المتلقِّي وتستهويه وتؤثِّر على قناعاته، وهذا التأثير عائدٌ ـ في تصوّري ـ لعاملين:

أحدهما: أنها تعتمد في بنائها التعبيري والفكري آليات فلسفية ترتكز على الفذلكة الكلامية والحذاقة اللفظية لتستهوي الفكر وتأخذ بلباب العقل وتلبس عليه وتسيطر على مساربه فيتلقف بعض الشبهات دون وعي، يتلقاها بلا غربلة ولا تمحيص، تتلبّسه الفكرة ويتلبّس بها، ترتسم في عقله ويتفاعل مع أدقِّ تفاصيلها ويغنى بها عن غيرها، تكبِّله بقيودها وتحجبه عن معاينة ما باينها، وتزجُّ به في دائرة مغلقة خانقة فيسيطر عليه شعور بصوابية ما يعتنقه بل يعتبره هو الحق المطلق، ومن ثم تتعسر عليه المراجعة، وتحت هذا الضغط النفسي الشديد تستبدُّ به الفكرة فـلا يـرى إلا ما يتقاطع معها، فيندفع للعمل بمقتضاها دون وعي، إنه يعيش في غيبوبة أفضت به إلى عزلة لا مادية خانقة نائية به عن مدِّ جسور التواصل والتماس والتفاعل الحيوي مع الأفكار المغايرة لها، قد ملكت عليه لُبّه ووجدانه على نحوٍ بات معه مفتقداً للرؤية الموضوعية النافذة مثله كما المحاط بألسنة اللهب، فرؤيته محدودة محصورة في ذاته وما يحيط بها من دخان كثيف.

العامل الثاني: أنها تملك مهارات عالية وكفاءة بارعة في تمرير مشروعها الفكري، وذلك من خلال ضخِّ المعاني ذات الطابع المادي التي تدغدغ حوائج الناس وتستجيب لعواطفهم، ومن هنا تصرفهم عن الحق بهذه المداخل الباطلة التي تتظاهر بالعلمية وتدّعي الموضوعية، الشأن الذي يهدينا إلى تبيّن السر الكامن خلف اتِّساع القاعدة الجماهيرية المتناغمة مع أهل الأهواء، حتى صاروا بجملتهم أكثر كمية من أهل السُّنّة والجماعة، وهذا مؤشر يبرهن ـ بجلاء ـ على أن التماهي الوجداني مع المضامين الدلالية لهذا الخطاب ليس حقيقة شعورية منبعثة من رؤية منهجية وصياغة فكرية صائبة بقدر ما هي نتيجة للانسياق للمحركات الوجدانية.

إن القارئ المتسطح الذي يعاني من الهزال في بنيته المعرفية يتعسّر عليه ـ إن لم يتعذّر ـ أن يقرأ بروح تمحيصية ناقدة، فهو لا يملك القدرة على سبر أغوار الروح العامة وتفكيك البنية الشاملة التي ينهض عليها هذا الخطاب، ولذا يقع فريسة سهلة للأفكار السالبة بكافة ضروبها، ويسيطر عليه ما يشبه عمى الألوان، فيتجاوب مع المادة المطروحة، ويتذوّقها، وتنطبع لديه في أعماق الضمير، والمصيبة الأعظم تكمن في عدم شعوره بما ينطوي عليه من إشكال معرفي حادّ سهّلَ من اختطاف عقله ومن ثم مصادرته في بُعْده الإنساني.

إن قـصـور الاستعـدادات المعرفيـة لـدى المتـلقّـي يفـضـي ـ بالضرورة ـ إلى إضعاف شخصيته الثقافية، ولذا؛ فإنه بمجرد اطِّلاعه على مجموعة مقالات أو بضعة كتب من الكتب الفارغة إلا من الغُثَاء التراكمي فإنها كفيلة بإحداث هزّة عنيفة في كيانه تعصف بما تأصّل لديه من قناعات على نحو يجعله يتنكّر لما نشأ عليه من قيم، ولا ريب أن هذا يبرهن ـ بجلاء ـ على عمق الانفصال بينه وبين الفقه العقدي من جهة، وعلى أساليب الطرح الماكرة القادرة على التسلل بسهولة إلى التركيبة الذهنية للمتلقِّي من جهة أخرى.

تُعدّ العزلة الشعورية، والنَّأْي عن النهل من العلم المؤطر بالمنهج الرباني، وعدم التفاعل المثمر مع قادة الفكر وأرباب المعرفة وذوي الحسّ الحي في الأمة، والتجافي عن المصادر المعتبرة التي تشكل الفكر الموضوعي؛ من أكبر العوامل الموهنة للتماسك العقدي والمؤسسة لتداعي المسلَّمات القطعية، والتي تحيل الفرد إلى هدف سهل المنال لمختلف الوافدات والمؤثرات الثقافية المناهضة لمكوّناته الأساسية، والمناقضة للسلّم القيمي الذي تشكّل وفق دلالاته، والمخالفة للأدوات المعيارية التي على ضوئها يقيم أحداث الحياة. هذه البواعث تعرِّض كثيراً من الأسس المفاهيمية إلى التزعزع والتآكل الداخلي.

إن هذا المتلقِّي بفعل ما يحتوي عليه من فقر علمي وجهل عميق لديه ضرب من السلوك الازدواجي الذي يتجلَّى على نحو واضح في تباين تعاطيه مع الأفكار المجسّدة والمجرّدة وتباين مواقفه إزاء كل منها، مما يشي بإمَّعية فكرية ضُربت بعمق في أعماق أغواره فأضعفت عناصر المقاومة في ذهنه فضلَّ عن الحق وتاهَ في بَيْداء الوهم والخيال كأثر حتمي لتزاوج الهوى الحاجب لصفاء الحقيقة والجهل اللامحدود الذي بفعله باتت رؤيته سطحية هامشية فاقدة للرؤية النقدية التي تعتمد التجرد والموضوعية أبرز أدواتها.

إن مما يبعث الأسى هو أن المتلقّي السالف الذِّكْر قد يكون أحياناً ممن يساهمون ـ في تصوّره ـ بإثراء الحركة العقلية ودفعها ـ لا لتأهيله لذلك، وإنما لاحتلاله مكاناً أكبر بكثير من مقاساته المعرفية والعقلية ـ وهنا تعظم المأساة، حيث إن جملة الأفكار التي تسرّبت إلى جنانه واستقرت في حسِّه وتراكمت في عقله الباطن هو الآن يتبنّى العمل على تصديرها وإنتاجها يستهدف بها متلقّياً ـ هو الآخر بالمواصفات ذاتها ـ يستلهمها فتعانق وعيه وتكتسح لُبَّه فيتقولب بمضامينها التي تتغلغل فتلامس كل جزئية من وجدانه، وهكذا تجري عملية التسويق عن طريق الاجترار بتبادل الأدوار على نحو يثير الشعور بالأسى والشّجن.

إن هذا الطرح ذا النزعة الليبرالية يعكس ـ بنقاء كامل ـ الصورة عن عقول مصادرة تتظاهر بالتحرّر والانـفتاح الـذي لا يتحقق ـ من وجهة نظرها ـ إلا بالخروج عن منطق التجانس الجمعي، واستفزاز الساكن، ومخالفة السائد، وتحريك الراكد، واختراق (التابو)، والتمرد على المقاييس والأعراف المعتبرة، واستدبار النصوص، وإسقاط مكانة العلماء، والتقليل من خصوصية المجتمع، والمبالغة في السقوط الأخلاقي بحجة التطوير والتجديد.

إن الحقيقة التي يجب أن تكون حاضرة في أذهاننا دائماً هي أن التجديد لا يكمن في الإقصاء لأخلاقٍ واستدعاءِ أخرى على الضدِّ منها، وإنما يتم التجديد من خلال توسيع مدى الأبعاد الدلالية لبعض الأبنية المفاهيمية الأخلاقية، وابتكار الآليات الفعّالة لعولمتها وجمهرة ممارستها وتكثيف الدعاية لها والإعلاء من قيمتها في النَّسَق الأخلاقي العام ودفعها نحو نقلة ارتقائية تحتلُّ جراءها موقعاً أعلى في درجات السلّم القيمي.

إن ثمَّة ثلة من الكُتّاب لديهم تصور ذاتي وهمي، فهم يرون ذواتهم أنهم طليعة هذه الأمة والناطق بلسانها والمعبِّر عن آلامها وآمالها، وهم فقط الذين يملكون عناصر الترشيد الضرورية للنسيج الاجتماعي الذي استقرَّ في وعيهم أنه بخاصته ودَهْمَائه(1) وبسُراته وبُسطائه وبتنويعاته وتعبيراته وبمكوّناته وقياداته الدينية وبفعالياته الثقافية وبرموزه العلمية؛ عبارة عن قطيع غوغائي ومزيج نَتِنٍ من الإمَّعات والسطحيين الذين يعيشون في واقع استاتيكي سكوني يغلب عليه طابع النمطية والاطّراد العشوائي على نحو يدفع هؤلاء الكُتّاب ـ من وجهة نظرهم ـ إلى الاشتغال على تهيئة بنية هذا المجتمع لخصائص جديدة، وذلك من خلال تطوير أنماط سلوكهم وتوسيع آفاقهم بعَصْرنة مفاهيمهم ولَبْرلة توجّهاتهم.

الفلسفة التي يصدر عنها الطرح الليبرالي تكمن في اختزاله كافة أشكال الرقي في البُعْد المادي المحض، وتتجلّى في طبيعته الموضوية الرافضة للماضوي والعاملة على تجسيد القطيعة المعرفية معه تمهيداً لمحوه من الأذهان ومن ثم تهميشه في عالم الواقع الفعلي، وفي سبيل هــذه الغــايــة فإنـه يلـحُّ ـ وعلى نحو مستمر ـ على جملة معانٍ محددة يتغيّا استقطابها لإذاعتها وجمهرتها على أرض الواقع العملي.

تحرير المرأة، إلغاء تعدد الزوجات، الحرية المطلقة، الثورة على التراث السلفي، تحرير العقل من سلطة النقل..إلخ؛ كلها مفردات تكتظُّ بها هذه الأطروحات على تباين جليٍّ في مستوى شفافيتها وتغاير واضح في القوالب المستخدمة لتسويق تلك الرُّؤى على نحو يضمن لها القبول والانتشار والتمدد.

إذا تبلور ما سلف وصلنا إلى نتيجة راسخة مفادُها أن رفع منسوب العلم الشرعي ـ وفي بُعْده العقدي خاصة بوصفه هو الذي يهندس الشخصية الإسلامية ويوجِّه طاقاتها ويرشد حركة معرفتها ـ شرطٌ موضوعي يلزم توفّره في كل فرد بحسبه.

وتتأكد أهمية توفّره في كل من ينزع إلى التواصل القرائي مع مختلف الأطروحات المنتمية إلى منظومات فكرية مغايرة أخرى؛ لأن العلم الشرعي بحسبه يمثِّل بنية معرفية عميقة بالنسبة للعلوم الأخرى هو الذي يكسب حامله حسَّاً نقدياً ورؤية نافذة قادرة على إزاحة الستار وإدراك ما يحتجب خلفه من منطلقات وما يكمن من خيوط دقيقة ضامرة في أعمق أغواره.

إن الإلمام بالعلم الشرعي والتشبّع بالفقه العقدي وفق منهج سلفي مطلبٌ جوهري في غاية الأهمية والإلحاح، مطلبٌ يمنح صاحبه حصانة فكرية، ويزوِّده بمناعة نفسية، ويورِّثه عزّةً وقناعة تامة بصوابية توجّهه، ويمدّه بحيوية ذهنية وقدرة فذّة على القراءة النقدية التي تضعه أمام الحقيقة الموضوعية لهذه الأفكار الوضعية التي تغذِّي أخيلة مستهلكيها بالمفاهيم الكاسدة والمتشابكة مع أسسنا الفكرية لسلّمنا القيمي المستوحى من نصوص الوحيين.

إن العمق المعرفي الشرعي هو الذي يمنح المتلقِّي عقلاً متحرّراً من علائق التبعية لكل فكر متوتر معزول عن وحي السماء، ويمكِّنه من الصيرورة إلى تملّك أفق شمولي واسع يمنحه أعظم صور البلورة النقيّة التي توقفه على حقيقة مقروئه فيعرِّي سوأته ويجلي ثغراته ويعي مدى ما تولّده من مفاسد في البنية العقلية وحجم ما تقرّه من خلل في الكينونة الثقافية.

إن التأهيل وبقدر كافٍ للذات ـ من خلال توثيق الاتصال الفعّال بمنابع الثقافة الإسلامية ـ شرطٌ يجب استدعاؤه لاستثمار معطياته بحسبانها هي من يزوّد الفرد بالنظرة العميقة المخترقة لحدود الإدراك الظاهر والسابرة لأغوار المقروء وغربلته، ومن ثم مواراة الأفكار المولدة للتصورات المغلوطة في الزوايا المظلمة من الذاكرة ليجري استحضارها في الظرف الملائم، وذلك عند إرادة تجلية مساحات التفوق وإظهار القيم الجمالية وإبراز خطوط التميّز في الفكر السلفي، والذي تتجلّى روعته الأخّاذة عند مقارنته بضدِّه، وكما قال الأول: وبضدِّها تتميّز الأشياءُ.

ثانياً: المبالغة في إيراد الأسئلة والاستفهامات على العقل وتحميله ما لا يحتمل بجعله الإطار المرجعي الأول بعيداً عن النص:

إن الحضور الفعّال للبُعْد التساؤلي في حسِّ الفرد يُعدّ من أهمِّ الشروط اللازمة لتفتيح ملكاته الفطرية ونموّ كينونته المعرفية وتكوين نظرته الشمولية. ولذا؛ فإن تطلّع الفرد إلى استكناه المجهول وإيراده للتساؤلات الهادفة ـ التي تطرح أبعاداً غائبة لم تُمنح ما تستحقه من عناية ـ وتشوّفه إلى معرفة الخيوط التي نُسج منها الواقع، وبحثه عن إجابات تمكّنه من فرز التباسات الآني المعقد وتبيّن تشابكاته وتداعياته ومن ثم تحسس المسارات الآمنة ينمّ عن عمق في الوعي، واستنارة في العقل، وتحسّن في مستوى الإدراك، وانعتاق من قيـود النمـطية والتقلـيد، وثمّـة بَوْنٌ ذهني لصالحه يكشـف المسـاحة الشــاسعة بينه وبين الأذهان الببغاوية التي لا تتقن سوى التقليد والمسكونة بكافة ضروب البلادة والتسطح لما تنطوي عليه من افتقار مطلق للبعد العقلاني المرتكز على العلم الموسوعي والتفكير الإبداعي الجادّ، والذي توفّره مربوط إلى حدٍّ كبير بوجود التساؤلات بكثافتها الكمِّية من ناحية، وبطبيعتها النوعية من ناحية أخرى، وقديماً أجاب ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ عندما سُئل عن السرّ الكامن خلف ما يتوفر عليه من رصيد علمي هائل بقوله: (.. بقلب عقول ولسان سؤول).

إذاً؛ فثقافة التساؤل من حيث المبدأ هي ثقافة ينبغي تفعيلها وإشاعتها، ولكن ثمَّة ملحظ يجب استحضاره في هذا السياق، مؤدّاه أن الأسئلة تتباين باعتبار طبيعتها الماهية، فثمَّة أسئلة لها عوائد إيجابية وثمَّة استفهامات لها مردودها المكتظّ بالسلبية، كما هو الحال في الاستفسارات ذات النزعة الفلسفية المتمحورة حول ذات الخالق ـ جلَّ وعلا ـ وأسمائه وصفاته وأفعاله.

إن ثمَّة أموراً يجب أن يقف عندها العقل موقف التسليم والخضوع أُشير إلى جزء منها على نحو مجمل كما يلي:

أولاً: القدر، فهو سرّ الله في خلقـه، والـرب ـ تبارك وتعالى ـ يعلم الأصلح للخلق الذين لم يتعبَّدوا بالبحث عنه، وإنما تعبَّدوا بالرضى الوجداني والتسليم المطلق والامتثال اللامشروط، ولقد كان سلفنا الأوائل نموذجاً مثالياً يجدر الاحتذاء به في هذا الشأن، وكانت مواقفهم حازمة إزاء من يتمادى في إثارة الأسئلة والإشكالات في القدر، كما نرى في موقف الفاروق عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ تجاه بعض أهل الذمة؛ كـ (قسطنطين) الذي سلَّم مفاتيح بيت المقدس لعمر ـ رضي الله عنه ـ وقد أفصح عن شعور يخالجه بالاعتراض على القدر، فتوعّده عمر ـ رضي الله عنه ـ حتى فاء إلى الحق. وكذلك قصة ذلك الشاب الذي أفرط في التفاعل مع الخواطر العارضة التي ترد على ذهنه، فجاء به والده إلى ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ فزوّده بجرعات تعليمية حتى آبَ إلى النهج السوي، وكذلك أيضاً قصة (صبيغ التميمي) وهي مشهورة في هذا السياق.

ثانياً: الغيبيات عموماً سواء منها ما يتعلق بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله بكيفياتها، أو ما يتعلق بأخبار الغيب الأخرى كأحوال الآخرة أو عالم الشهادة الذي ليس بمقدور مداركنا تناوله، فهذا كله يجب الكف عنه وتجنّب البحث في تفاصيله.

ثالثاً: بعض حِكَم التشريع؛ لأن حِكَم التشريع متباينة، فثمَّة جملـة منها قد يُدرك من قِبَل عامة الناس، وجزء آخر قد لا يدركه إلا العلماء، وهناك جزء يختص الخالق ـ جلَّ وعلا ـ بمعرفته، وهو سرٌّ من أسراره الخفية المغيبة عن البشر.

إن الإفراط في طرح المزيد من التساؤلات سلوك له إفرازاته السلبية؛ لأن للسؤال قدرة هائلة على التشعب والتكاثر والسير في كل اتجاه، فالسؤال السابق يفضي إلى السؤال اللاحق الذي بدوره يستدعي إجابة تكتظ بمواطن الأسئلة اللامتناهية، وهكذا تتواصل الأسئلة على نحو توالدي يعي العقل ويرفعه إلى مشارف الهاوية، فتتنازعه مشاعر متناقضة تعصف به وتحيطه بدائرة من الكآبة المقلقة والتوترات النفسية المرشحة للتفاقم والاستفحال.

إن ضغط الأسئلة اللامشروعة على الطاقة الذهنية هو في حقيقته ليس إعمالاً للعقل بقدر ما هو إهمال له وشرعة لاغتياله. تفعيل العقل يكمن في عقلنته بالدلالات المضمونية للنصوص الشرعية، لا بالقفز على هذا البُعْد الشرعي بالاعتماد على الرُّؤى المشوَّهة والطرح الـمُرْبك للوعي الإنساني.

إن الذي أوجد العقل حدّد له دائرة عمله، ووضع له الأُطر التي يجب أن لا يتجاوزها، وجعل منه قاعدة ينطلق منها الفرد في وعيه عن الله وأحكامه ومراده ومرامي تشريعاته، وهو بتآزره مع النص يشكل تصورات الفرد لأهداف الحياة والغاية من الوجود الإنساني.

لقد ضلَّت طوائف شتَّى بفعل جهلهم بطبيعة العقل البشري وخصائصه وحدوده، وإقحامه في غير ميدانه، كما نلحظ ذلك جليّاً عند الفلاسفة، حيث أنفقوا طاقاتهم العقلية في سبيل أن يدرك المحدودُ غيرَ المحدود، فتاهوا في محيط من الجدل المتناقض الذي لا يركن إلى قرار، وقالوا: إن وجود الخالق وجود مطلق بشرط الإطلاق، فجرّدوه من الوجود الذاتي، وحصروه في الوجود الذهني الذي لا حقيقة له في الخارج، والمعتزلة قدّسوا العقل وجعلوا النص يدور في فلكه، فأدَّى بهم ذلك إلى القول بخلق القرآن، وقال بعضهم: بمنع التسلسل في صفات الخالق جلَّ شأنه، وأوجبوا عليه فعل الأصلح، والصوفية بفعل انحسار دور النص قالوا: بوحدة الوجود، واعتمد بعضهم على (حدّثني قلبي عن ربي)، والجهمية منحوا العقل مكانة لم يُؤهل لها، ونقلوا قدراته من النسبي إلى المطلق، فقالوا: بنفي النقيضين عن الله، ومنهم من قال: بالحلول، ومنهم من قال: بالاتحاد، وجملة منهم حصروا الإيمان بالمعرفة المجردة فحسب، والقدرية جعلوا للعقل الهيمنة الكاملة والمرجعية المطلقة، فقالوا: بأن العبد خالق أفعاله وأن الله لم يقدّرها، والمرجئة جعلوا السيادة للعقل وعملوا على إقصاء النقل فقالوا: بنفي الكفر عمن تلبّس به والتاث بسلوكياته.

والثنوية ألّهوا العقل وخرجوا به عن الدائرة التي يملك فيها أسباب التصور والإدراك والحكم، فقالوا: بوجود خالقين لهذا العالم، والخوارج وسّعوا دائرة صلاحيات العقل وأَعْلوا من وظائفه فرَمَوا بالكفر من هو منه بَراءٌ، وسلكوا منهج العنف ذي الطابع الراديكالي، والدهرية جعلوا العقل هو الصانع المنتج للوعي والمحدد لإطاره فأنكروا وجود الخالق جلَّ في علاه، والأشاعرة والماتريدية جعلوا العقل هو الركيزة الأساسية التي يصدرون عنها، فقالوا: بظنّية الدلالات الشرعية ويقينية القواطع العقلية، ووصفوا الخالق بالنقص عندما قالوا بعدم ظهور آثار أسماء الخالق وصفاته إلا بعد أن خلق هذا العالم المنظور، والقرآنيون أطلقوا العنان للعقل فذبلت في حسّهم مدلولات النص القرآني وأبعاده الحقيقية فأفضى بهم ذلك إلى تهميش السُّنة وحجب أبعادها الدلالية الملزمة، وهكذا تيارات متعددة تاهتْ عن الطريق الفطري الميسر بفعل تجاوزها لحدود الإدراك الإنساني ولإنفاقها للطاقة العقلية سفهاً في غير مجالها المأمون.

إن الحقيقة التي لا تقبل الجدل أنه ليس ثمَّة تعارض بين العقل الصريح الخالي من الشبهات والنقل الصحيح، بل التوافق بينهما هو الحقيقة الجلية التي لا تخطئها عينُ منصف، والشريعة لا تأتي بمحالات العقول بل بمحاراتها، وتأمَّل معي هذا الكلام الـقيم لابن تيمـية في كتـابه الموسـوم بـ (درء تعارض العقل والنقل) ـ هذا السِّفر الذي يُعدّ عملاً علمياً فذّاً لا يضارعه إلا القلة النادرة ـ حيث يقول: «إن كل ما عارض الشرع من العقليات فالعقل يعلم فساده وإن لم يعارض العقل وما علم فساده بالعقل لا يجوز أن يعارض بـه لا عقل ولا شرع» 1/194، إذاً؛ فتوهّم التعارض بين العقل والنص الصحيح آية على ارتباك العقل وفساده. ويقول في موضع آخر من درء التعارض: «إن النصوص الثابتة عن الرسول # لم يعارضها قط صريح معقول، فضلاً عن أن يكون مقدماً عليها، وإنما الذي يعارضها شُبَهٌ وخيالات مبناها على معانٍ متشابهة وألفاظ مجملة، فمتى وقع الاستفسار والبيان ظهر أن ما عارضها شُبَهٌ سفسطائية لا براهين عقلية» 1/155، 156، ويقول أيضاً في الدّرء: «والمقصود هنا التنبيه على أن ما جاء به الرسول # هو الحق الموافق لصريح المعقول» 3/87.

إن كل رؤية عقلية لها حظ من البُعْد الموضوعي وتصح من الناحية الاستدلالية يقول بها أهل الأهواء فإن لها ما يعضدها في المصادر التشريعية، يقول ابن تيمية: «فوجدت كل طائفة من طوائف النظار أهل العقليات لا يـذكر أحد منـهم في مسألة ما دليلاً صحيحاً يخالف ما أخبرت به الرسل، بل يوافقه، حتى الفلاسفة القائلين بقِدَم العالم كـ (أرسطو) وأتباعه ما يذكرونه من دليل صحيح عقلـي فــإنه لا يخالـف ما أخبرت به الرسل، بل يوافقه» درء التعارض 1/133، إن الاجتراء الصارخ على قدسية النص ـ إما بإقصائه، وإما باستقطاب الترجمة المشوهة غير الأمينة التي لا تعكس حقيقته ـ ممارسة عبثية لا علمية تشتغل على تهميش العقل الذي تحتِّم مقتضياته أن يكون النص الشرعي هو الضابط لإيقاعه والمحدِّد لمساره والموجِّه لتطلُّعاته، يقول صاحب الدّرء: «إذا تعارض العقل والنقل وجب تقديم النقل؛ لأن الجمع بين المدلولين جمع بين النقيضين، ورفعهما رفع للنقيضين، وتقديم العقل ممتنع؛ لأن العقل قد دلّ على صحة السمع ووجوب قبول ما أخبر به الرسول #، فلو أبطلنا النقل لكنّا قد أبطلنا دلالة العقل، وإذا أبطلنا دلالة العقل لم يصلح أن يكون معارضاً للنقل؛ لأن ما ليس بدليل لا يصلح لمعارضة شيء من الأشياء، فكان تقديم العقل موجباً عدم تقــديمه، فلا يجوز تقديمه وهذا بيّن واضح، فإن العقل هو الذي دلَّ على صدق السمع وصحته، وأن خبره مطابق لمخبره، فإن جاز أن تكون هذه الدلالة باطلة لبطلان النقل لزم أن لا يكون العقل دليلاً صحيحاً، وإذا لم يكن دليلاً صحيحاً لم يجز أن يتبع بحال فضلاً عن أن يُقدَّم، فصار تقديم العقل على النقل قدحاً في العقل بانتفاء لوازمه ومدلوله، وإذا كان تقديمه على النقل يستلزم القدح فيه، والقدح فيه يمنع دلالته، والقدح في دلالته يقدح في معارضته كان تقديمه عند المعارضة مبطلاً للمعارضة، فامتنع تقديمه على النقل، وهو المطلوب» 1/170، 171.

إنه ليس من العقل تحكيم العقل؛ لأن العقول مضطربة ومتباينة وليس ثمَّة ما يسمّى بـالعقل البشري كمدلول مطلق يكون مرجعاً يُحتكم إلى معطياته وعنصراً حاسماً يضع الأمور في نصابها، يقول صاحب الدّرء: «والمسائل التي يقال إنه قد تعارض فيها العقل والشرع جميعها مما اضطرب فيه العقلاء ولم يتفقوا فيها على أن موجب العقل كذا، بل كل من العقلاء يقول: إن العقل أثبت أو أوجب أو سوغ ما يقول الآخر: إن العقل نفاه أو أحاله أو منع منه بل قد آلَ الأمر بينهم إلى التنازع فيما يقولون إنه من العلوم الضرورية، فيقول هذا: نحن نعلم بالضرورة العقلية ما يقول الآخر: إنه غير معلوم بالضرورة العقلية» 1/144، 145.

ويقول في موضع آخر من الكتاب ذاته: «فلو قيل بتقديم العقل على الشرع ـ وليست العقول شيئاً واحداً بيِّناً بنفسه ولا عليه دلـيل معلوم للناس بل فيها هذا الاختلاف والاضطراب ـ لوجبَ أن يحال الناس على شيء لا سبيل إلى ثبوته ومعرفته ولا اتفاق للناس عليه» 1/46.

إن الشارع حكم بتحديد مجال النظر العقلي وصيانة الطاقة العقلية أن تتبدّد وراء الغيبيات التي لا سبيل للعقل البشري أن يحكم فيها وإنما يخضع ويذعن، والعقل التسليمي هو الأمر الذي كان الإسلام ـ بوصفه النَّسَق الذي يشكل الإطار المفاهيمي الموضوعي ـ يحث على الصيرورة إليه بعيداً عن العقل الشكي الديكارتي التائه في أودية الخيال. يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ في كتابه الصواعق المرسلة: «إن مبنى العبودية والإيمان بالله وكتبه ورُسُله على التسليم وعدم الأسئلة عن تفاصيل الحكمة في الأوامر والنواهي والشرائع، ولهذا لم يحكِ الله ـ سبحانه ـ عن أمّة نبي صدّقت نبيها وآمنت بما جاء به أنها سألته عن تفاصيل الحكمة فيما أمرها به ونهاها عنه وبلّغها عن ربها، ولو فعلت ذلك لما كانت مؤمنة بنبيّها، بل انقادت وسلّمت وأذعنت، وما عرفت من الحكمة عرفته، وما خفي عنها لم تتوقف في انقيادها وإيمانها واستسلامها على معرفته، ولا جعلت طلبه من شأنها، وكان رسولها أعظم في صدورها من سؤالها عن ذلك، كما في الإنجيل: «يا بني إسرائيل لا تقولوا: لِمَ أمر ربنا؟ ولكن قولوا: بِمَ أمر ربنا؟»، ولهذا كانت هذه الأمة ـ التي هي أكمل الأمم عقولاً ومعارف وعلوماً ـ لا تسأل نبيها: لِمَ أمر الله بذلك؟ ولِمَ نهى عن كذا؟ ولِمَ قدَّر كذا؟ ولِمَ فعل كذا؟ لعلمهم أن ذلك مضاد للإيمان والاستسلام» 4/1560، 1561.

وجماع القول أن إشكالية التحولات الفكرية إشكالية تطرح نفسها على الوسط الفكري بإلحاح يستدعي معاينتها وفق رؤية شمولية تتغيّا الاتجاه إلى العوامل الباعثة لها للعمل على تجفيف منابعها، وهذا لا يعني أن ثمَّة كثافة كمّية مقلقة في هذا السياق ـ كما أسلفت آنفاً ـ ولكن كضرب من الفعل الوقائي الذي يعصم من إفراز إرهاصات بدأت نذرها بالتشكل على نحو قد يلامس حدود التأسيس لظاهرة باعثة على القلق في هذا المقطع الزمني المتّسم بتداخل الثقافات وثورة المعلومات وكونية التفاعل الثقافي، وفي هذا الراهن الآني الذي استحال فيه العالم إلى غرفة إلكترونية محدودة المساحة الشأن الذي يجد فيه كلُّ معنيٍّ بالهمِّ الدعوي نفسه ملزماً أمام ضميره الخاص بتوظيف خبراته المتراكمة لإبداع الأُطر التي تعينه على رفع درجة الوعي لدى العقل الجمعي، وتبصيره بأن التقدم إلى الأمام مرهون بالعودة إلى الخلق المتمثل في القرن الهجري الأول، الذي تبوَّأ فيه المسلمون القمة السامقة في سلك التطور الارتقائي.

وصفوة القول أنه لا مناص من تسليط أشعة النقد على كل فكر ملوّث وكشف تناقضاته الفجّة؛ لإيقاف مفعول الشحنة السلبية التي تستهدف مجتمعاً يسعى لاستئناف مسيرته الحضارية ولإعادة هذا الفكر الظلامي ـ الذي تشكل النزعة الطوباوية أحد أبرز ملامحه ـ إلى مكانته الطبيعية التي هو قمين بها، ليظل قابعاً في أزقة الحضارة وموارياً في مزابل التاريخ.

وهذا رابط الموضوع ؛ لمن يحبّ أن يرجع إليه :
http://www.albayan-magazine.com/bayan-229/bayan-22.htm

منذر أبو هواش
13/11/2006, 07:56 AM
أظن أن هذا النقاش يعيد، وبقوة إلى الواجهة، مسألة خوف الغالبية العظمى من المسلمين المحدثين والمعاصرين، من إثارة قضايا لم يجد أجدادنا القدماء حرجا في إثارتها وإشباعها نقاشا؛ المقال الذي بين أيدينا لم يأت بجديد يُذكر؛ كل ما قام به هو تجميع معلومات من هنا ومن هناك، من مصادر قديمة ومعروفة، ولكن يُقبل ورود هذه المعلومات هناك، ويُرفَضُ إعادة إثارتها هنا، وكأن الإسلام من الهشاشة بحيث يكفي الكلام في هذه الأشياء فيكف المسلمون عن اعتناقه..
أتفق مع أخي د. فؤاد بوعلي حول أهمية طرح هذا الموضوع للنقاش، وإليه أودّ إضافة قضية لا يمكن إلا تثري هذا التأمل، وهي قراءة المتن القرآني على ضوء تجربة فريدة قام بها أحد اللسانيين الألمان:

كريستوف لوكسنبرغ: معاني القرآن على ضوء علم اللسان (http://www.metransparent.com/texts/ralph_ghadban_on_luxenburg.htm)

الأخوة الأعزاء،

أنقل إليكم المعلومات الايضاحية التالية للأهمية، وكنت قد نشرت هذه المعلومات المنقولة في الموقع السابق ردا على مداخلة للأستاذ وحيد ربيع فرج.

مع الإحترام والتحية

منذر أبو هواش
يقول سبحانه وتعالى في سورة آل عمران:

{هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأُخر مُتشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغٌ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كلٌّ من عند ربِّنا وما يذكر إلا أُولو الألباب * ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب}.

يبين الله تعالى لنا في هذه الآيات أن الناس مع شرعه سبحانه قسمان:

أهل علم ورسوخ: يأخذونه جميعا ويؤمنون به جميعاً، فيربطون العام بمخصصه، والمطلق بمقيده، والمجمل بمبينه، وكل ما أشكل عليهم ردوه إلى أمه من الأصول المحكمات البينات والقواعد الراسيات الراسخات التي تضافرت عليها دلائل الشرع.

وأهل زيغ وضلال: يتبعون المتشابه منه، يأخذونه ويفرحون به وحده ابتغاء الفتنة واثارة الشبهة.. معرضين عن محكمه أو مُبينه أو مفسره...

ظاهرة ( المؤلفين الوهميين ) تشكّل حالة جديرة بالتأمل والدراسة. وأقلّ ما تُفسّرُ به أنها حالة إفلاس. ولم يعرف التاريخ الثقافي إلا حالات نادرة في حقب مختلفة، وفي ثقافات مختلفة، وفي أزمنة متباعدة. أما أن يخرج كتاب مجهولون بأسماء مستعارة، في زمن واحد، وبيئة واحدة، ومن ثقافة واحدة، وفي موضوعٍ واحد فإنّ ذلك يدعو إلى الريبة والشكّ .

والأصل أن ينسبَ الناسُ إلى أنفسهم ما يصنعون من آثارٍ وأعمالٍ لا أن يخفوها تحت أسماء وهمية، والإنسان بطبعه يبحث عن كلّ ما من شأنه أن يرفع من قدْره. وقد رأينا من يعتدي على أعمال غيره فينسبها إلى نفسه عدواناً، وأما أن يتخلى المرء على ما يخصّه إلى غيره ولو كان اسماً مستعاراً فذلك هو الغريب الشاذ.

وفي العقد الأخير خرجت علينا مطابع الغرب ودور نشره بمؤلفاتٍ خطيرة تستخف بالإسلام وتشكك في القرآن بأسماء مستعارة لكتّاب مجاهيل. ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ، بل روّجت آلة الإعلام الغربي والأمريكي لهذه المؤلفات بطبعها مرّات ومرّات، والدعاية لها بالعرض في أكبر المجلات والصحف، فضلاً عن توزيع بعضها مجّاناً على الشبكة الدولية للمعلومات.

هناك عدة كتب لأسماء وهمية مستعارة أثيرت حولها ضجّة إعلامية كبيرة للفت الأنظار إليها، وكتاب الشخصية الوهمية كريستوف لوكسنبرج مجرد واحد منها.

كريستوف لوكسنبورج أو لوكسنبرج
قراءة سريانية – آرامية للقرآن : مساهمة في تحليل لغة القرآن

كريستوف لوكسنبورج هو الاسم المستعار الوهمي لمؤلف أو مؤلفي كتاب قراءة سريانية أرامية للقرآن : مساهمة في تحليل اللغة القرآنية . Die Syro-Aramaische Lesart Des Koran
Ein Beitrag zur Entschlüsselung der Qur'ansprache قامت بنشره سنة 2000 دار نشر ألمانية هي دار الكتاب العربي .Das Arabischen Buch
وقد أثار الكتاب ضجّة كبيرة في الأوساط العلمية لم تنقطع بعد. فما سرّ هذه الضجة، وما حقيقة مؤلفه؟

هانس شيلر.
كريستوف لوكسنبورج اسم مستعار يُقدّم على أنه عالمٌ ألماني متخصص في اللغات السامية القديمة، ويدرّس بالجامعات الألمانية، دون ذكر لأسم هذه الجامعات. وبعد أن ثار الجدل بين الباحثين في هويّة هذا الكاتب اعترف هانس شيلر صاحب دار النشر التي تولّت طبعه بأن اسم المؤلف مستعار، وقد دفعه إلى ذلك الخوف على حياته من المتطرفين المسلمين الذين قد يثيرهم ما ورد في الكتاب من نتائج تهدم إرثهم القديم عن القرآن، لا سيمّا عندما أخفق في العثور على ناشر لكتابه في المانيا وخارجها عدا صاحب دار الكتاب العربي للنشر.

والشخص الوحيد من الباحثين الغربيين الذي حاول أن يميط اللثام عن صاحب هذا الاسم المستعار هو البرفيسور فرنسوا دي بلوا في عرضه لهذا الكتاب بمجلة الدراسات القرآنية

Journal of Qur'anic Studies , Vol. V, Issue 1, 2003,pp92-97 .

يقول دي بلوا في آخر عرضه المشار إليه:

” لعله من الضروري في نهاية هذا العرض أن نتكلم قليلاُ عن المؤلف والاسم المستعار له. جاء في المقالة المنشورة في نيويورك تايمز 2 / 3 / 2002 (وهي المقالة التي انتشرت بشكل كبير لاحقاً عبر الإنترنت) إشارة إلى أنّ مؤلف الكتاب هو كريستوف لوكسنبرج العالم باللغات السامية القديمة في المانيا. ومن الواضح جداً من خلال ذلك العرض أنّ هذا الشخص ليس عالماً باللغات السامية القديمة. إنه واحد من أولئك الذين يتكلمون بعض اللهجة العربية، وليس له تمكن من الفصحى، وله معرفة بالسريانية بالقدْرِ الذي يمكّنه من استخدام القاموس السرياني، مع فهم سطحي لمنهجيات للغات السامية المقارنة. وكتابه ليس عمل عالم محترف ، ولكنه عمل هاوٍ. ولست أعرف ماذا يعني كاتب مقال نيويورك تايمز (الكساندر ستيل) بقوله "في ألمانيا". فحسب معلوماتي كريستوف لوكسنبرج ليس ألمانياً ولكنه مسيحي لبناني. والأمر لا يتعلّق بعالمٍ بفقه اللغة (فيلولوجي) جسور شجاع، ينفض الغبار عن كتب بلغات مهجورة في أقاليم المانية ثم يخرج على العالم بنشر نتائجه باسم مستعار ليتجنب التهديد بالموت من قبل المتطرفين المسلمين. باختصار إنه كاتب يكتب من برج عاجي كسلمان رشدي. وليس ثمة عالم باللسانيات في أوروبا أو أمريكا يحتاج إلى محو هويته، وليس له الحق في فعل ذلك“.

القرآن لم يكتب باللغة العربية:
لقد نال كتاب لوكسنبرج من التقريظ ما لم ينله غيره في العقود الأخيرة .

يقول روبرت فينيكس Robert Phenix Jr وكورنيليا هورن Cornelia Horn من قسم اللاهوت بجامعة القديس توماس في دراستهما عن هذا الكتاب المنشورة بمجلة الدراسات السريانية. Journal of Syriac Studies, Vol.6, No.1, January2003.

”ليس ثمة عمل في تاريخ تفسير القرآن يماثل هذا العمل، ولا يوجد لذلك نظير إلا في الدراسات النقدية للإنجيل. وقد حرر لوكسنبرج الباحثين من سطوة التراث التقليدي للمفسرين المسلمين. وسواء أكان لوكسنبرج على صواب أم خطأ فيما جاء به إلا أنه وضع تفسير القرآن في منعطف حرج كان قد بلغه مفسرو الإنجيل قبل قرنٍ من الزمان. لقد أظهر هذا العمل لجميع مفسري القرآن قوة المنهج العلمي للفيلولوجيا وقيمتها في إنتاج نص قرآني أوضح“.

ويقول الباحثان في آخر عرضهما للكتاب :

” لا بدّ لأية دراسة علميّة للقرآن في المستقبل أن تأخذ هذا المنهج بعين الاعتبار .. لقد أبدى لوكسنبرج ارتياباً في مسألة نقاء القرآن من حيث كونه نصّاً عربياً خالصاً ، وعريّاً عن المعضلات اللاهوتية والفقه لغويّة التي تعرّضت لها تواريخ نقل النصوص المقدسة كالتوراة العبرية برواياتها المختلفة “ .

ويقول الكسندر ستيل Alexander Stille في عرضه للكتاب الذي نشر في نيويورك تايمز2/ 3 / 2002 وهو بعنوان (نظرات راديكالية جديدة للإسلام وأصول القرآن)
Radical New Views of Islam and the Origins of the Koran

صفحة من إحدى نسخ المصاحف التي عثر عليها ب بصنعاء :

” يؤكد كريستوف لوكسنبرج العالم الألماني باللغات السامية القديمة أن القرآن قد أسيء فهمه كما أسيئت ترجمته على مدى قرون من الزمن . ولقد استند في بحثه على نسخ قديمة من القرآن[ يعني مخطوطات مصحف صنعاء التي اكتشفت في العقود الأخيرة مدفونة بسقف المسجد ] تظهر أن جزءاً من القرآن مأخوذ من نصوص مسيحية آرامية كانت موجودة قديماً ولكن أسيء فهمها من قبل المسلمين الذين جاءوا بعد ذلك وأعدوا نسخ القرآن الشائع بين الناس اليوم . ينطلق الكتاب من فكرة أنّ لغة الكتابة التي كانت سائدة في بلاد العرب قبل وإبان ظهور الإسلام هي اللغة الآرامية.

وكان الآراميون الذين اعتنقوا النصرانية يُعرفون بالسريان ، ويتكلمون الأرامية لغة الرُّها الواقعة في شمال غرب بلاد ما بين النهرين . وبسبب انتشار النصرانية على يد السريان في سوريا وبلاد الرافدين أصبحت السريانية لغة الكتابة في تلك البلاد وتجاوزتها إلى البلدان المجاورة كبلاد فارس والجزيرة العربية . ومن هنا يفترض لوكسنبرج أن القرآن نزل بِاللغة السريانية وهي لغة الكتابة في عصر نزول الوحي ، ولذلك لا يمكن فهم الألفاظ الغامضة فيه إلا بردّها إلى أصلها السرياني .وأصول تفكير لوكسنبرج ترجع إلى دراسات وبحوث سابقة ، ولعلّ من أهمها وأبرزها بحوث الفونس مينجانا Alphonse Mingana. وبذا يمكننا القول بأنّ نظرية لوكسنبرج التي هلّل لها الغرب ليست جديدة . وهي في أحسن أحوالها تطبيق عملي لأراء مينجانا . ولا ريب أنّ مينجانا أكثر تأهيلاً من غيره للبحث في تأثير السريانية على لغة القرآن ، ربما لأنه تعلّم السريانية في صباه في الموصل على أيدي الرهبان ، وأنشغل بها طيلة عمره .

ومشكلة الاستشراق في العقود الأخيرة الاعتماد على القواميس الموضوعة في اللغات السامية كالآرامية ، والسريانية ، والأكادية ، مع دراسة قصيرة قد لا تتجاوز بضعة أسابيع في نحو تلك اللغات فيصبح بذلك الدارس عالماً في اللغات السامية ، أو لمجرد قراءة سريعة في كتب مختصرة لتعليم النحو السرياني ككتاب نولدكه ( مختصرالنحو السرياني ) ، أو كتاب (فقه اللغات السامية) لكارل بروكلمان . وهذا تدليس حقيقي ، وتجنٍّ على المعرفة . وقد قُيّض لنا أن نلتقي ببعض هؤلاء ممن يزعمون أنهم علماء باللغات السامية وهو لا يفرّق في العربية بين الشِّعر والشَّعرِ ، ويزعم أنه يريد أن يصحح أخطاء النحاة واللغويين.

وهذا يصدق على المدعو لوكسنبرج ، إذ أن نظريته لا تتعدى الألفاظ ، ولهذا نراه يجري مقارنات لفظية بين المفردات العربية والسريانية أو الآرامية دون أن يكلّف نفسه عناء المقارنة بين نحو تلك اللغات . وهذا الأمر يبطل كلّ نظريته في الأصول السريانية للألفاظ القرآنية .

فمنهج لوكسنبرج في التعامل مع الألفاظ القرآنية التي يراها غامضة هو أن يعمد إلى إعادة إعجام الرسم المهمل بإعادة وضع النقط على اللفظ بجعل الخاء جيماً والراء زاياً والباء تاءً وهكذا حتى يقع على لفظ سرياني ملائم ينضبط به المعنى القرآني على حدّ زعمه . ولكن فاته شيءٌ مهمّ لم يتفطّن إليه وهو أنّ إعادة إعجام الألفاظ يترتب عليه أحياناً تغيير في الموقع الإعرابي وهذا يهدم البنية النحوية للجملة فلا يبقى أيّ معنى .

أثر ألفونس مينجانا على كريستوف لوكسنبورغ :
كتب مينجانا في سنة 1927 دراسة نُشِرت بمجلة مكتبة جون ريلاندز بمانشستر بعنوان ( التأثير السرياني على أسلوب القرآن ) Syriac Influence on the Style of the Kuran ، يقول في مطلعها :

” لا شكّ أنّ الوقت حان لإخضاع نصَّ القرآن لنفس النقد الذي تعرّض له الكتاب المقدّس اليهودي العبري والآرامي ، والكتب المسيحية اليونانية .. وإني لمقتنعٌ بأنّ معالجةً شاملةً لنصّ القرآن بعيداً عن الشّراح المسلمين ستؤتي ثماراً وفيرةً من المعلومات القيّمة . ومن الضروريّ أن يتسلّح الباحثُ بمعرفة كافية بالسريانية ، والعبرية ، والحبشية . والسريانية في نظري أكثر نفعاً من العبرية والحبشية لتأثيرها الواضح على القرآن . “ .

وشرع مينجانا في بيان مواضع تأثير السريانية على أسلوب القرآن ، وجعلها في ستة وجوه : أسماء الأعلام ، والمصطلحات الدينية ، والكلمات العامة ،والإملاء ، وبناء الجمل ، والإحالات التاريخية الأجنبية .

والقولُ بوجود ألفاظ قرآنية من لغاتٍ غير عربية مسألة لم ينفها أكثر المسلمين ، والنافون منهم ذهبوا إلى أنها بدخولها إلى اللسان العربي تعرّبت . يقول السيوطي في كتابه الإتقان ( 1 : 137) في معرض الجمع بين المثبتين والنافين :

” والصواب عندي مذهب فيه تصديق القولين جميعاً ، وذلك أن هذه الأحرف أصولها أعجمية كما قال الفقهاء ، ولكنها وقعت للعرب فعرّبتها بألسنتها وحوّلتها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظها فصارت عربيّة ، ثم نزل القرآن وقد اختلطت هذه الحروف بكلام العرب . فمن قال إنها عربية فهو صادق ، ومن قال إنها أعجمية فصادق ، ومال إلى هذا القول الجواليقي وابن الجوزي وآخرون . “ .

ولذلك فإنّ فكرة ردّ بعض الألفاظ القرآنية إلى السريانية بتحوير في بنيتها بشكل يعجم المهمل ويهمل المعجم يعدّ محاولة متطرفة للتفسير .

وليس هذا المكان الضيّق ملائماً لبسط القولِ في هذا الموضوع .

ومما جاء نتيجةً لهذا المنهج في كتاب لوكسنبرغ أن لفظة ( قسورة ) سريانية وليس معناها ( الأسد ) كما فهم المفسرون المسلمون ، وأصلها في السريانية ( قوصرا ) كما هي في الآرامية ( قوسره ، و قوصره ) والرسم القرآني قسوره أصح سريانياً ويلفظ ( قاسورا ) بإمالة الواو ، ومعناها ( الحمار الهرم الذي لا يقوى على حمل شيء ) ، وهذا المعنى مضحك بلا ريب إذ لا معنى لفرار الحمر المستنفرة من حمار عجوز .

ويسخر لوكسنبرغ من فهم العرب حيث يجعلون لفظة ( قسورة ) بمعنى ( الأسد ) وهي تعني ( الحمار ) ، ويجعلون لفظة ( الحمار ) في قوله تعالى (وانظر إلى حمارك ....) الآية بمعنى البهيمة ، ومعناها الصحيح كما في السريانية ( صفة للإنسان ) .

ويذهب لوكسنبرغ إلى أنّ لفظة ( الطعام ) في الآية تعني ( العقل والفهم ) كما في السريانية ( طعما ) وفي بعض المصاحف ترسم لفظة ( طعامك ) محذوفة الألف ( طعمك ) وهذا يشبه قول العامة ( كلام بلا طعمه ) بمعنى بلا فهم . و ( الشراب ) هي ( شربا ) في السريانية ، و ( يتسنه ) في السريانية تعني لم يتغيّر . وبذلك يكون التفسير الصحيح للآية ( انظر إلى حالك وعقلك لم يتغير ) .

والمراد بقوله تعالى: ( وانظر إلى حمارك ... ) الآية لا يمكن بلوغه إلا بتحوير رسم اللفظة فتكون ( جمارك ) ومعناها في السريانية ( كمالك ) من الكمال والتمام ، فقوله تعالى( انظر إلى حمارك ...). معناه : إذاً انظر إلى كمالك ، وبذلك يستقيم معنى اللفظة مع السياق العام للآية .

وهكذا على هذا النحو يمضي المدعو لوكسنبورغ في قراءته للقرآن . ولم يجد النقّاد الغربيون ما يثيرهم في هذه الرسالة بحق إلا تلك التحويرات التي أجراها الكاتب بإلغاء آيات الجهاد ، والتأويل العجيب لقوله تعالى: ...( حور مقصورات في الخيام ...) الآية.

وقوله تعالى ( كذلك وزوجناهم بحور عين ).

ويستغرق لوكسنبرغ في تحليل معنى ( حور العين ) أربعين صفحة من كتابه ( من 221 إلى 260 ) ، ويخرج علينا في نهاية المطاف بتفسير مضحك وهو أن لفظة ( الحور ) صفة للعنب الأبيض ، وأن لفظة ( عين ) صفة لبريق الحجارة الكريمة ، والمعنى الذي ذهل عنه المفسرون طيلة قرون هو أن طمع المجاهدين والشهداء في الجنة حيث الحوريات وَهْمٌ ، إذ لا ينتظرهم إلا جِفانُ من العنب !! .

كيف ذلك ؟ إنّ لفظة ( زوّجَ ) في الآية والتي تعني النكاح أخطأ الكُتّاب في رسمها بعد الإعجام ، والأصحّ أنها ( روّح ) أي: أراح وأنعشَ ، ومعنى الآية إذاً هو روّحنا عليكم بجفنات بيضٍ وجواهر من بلور ، وليس المراد من ذلك النساء البيض الواسعات الأعين . وعن قوله تعالى : ( ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون ) يقول إنّ المراد من لفظة أزواج في الآية ، بناء على ما وصل إليه من استنتاجات ، أنواع ، أي لهم فيها أنواع من الثمار !! ، وقوله تعالى: فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم و لا جان لا يعني في نظرية لوكسنبورغ إلا جفنات الجنة التي لم يدنسها قبلهم إنس ولا جان ، غير أنّ أوّل الآية لا يؤيّد زعمه حيث لم يقدّم تفسيراً ما المراد بـ (قاصرات الطرف).

إنّ أدق دراسة نقدية خرجت لهذا الكتاب، بعيداً عن العرض السريع الذي قامت به مجلات ومواقع غربية، ذلك البحث القيّم الذي شارك فيه ثلاثة من الباحثين : م . سيف الله ، ومحمد غنيم ، وشبلي زمان والمنشور بموقع Islamic Awareness تحت عنوان :

From Alphonse Mingana to Christoph Luxenberg
[Arabic Script & The Alleged Syriac Origins of the Qur'an

الدكتورمروان الجاسمي الظفيري
13/11/2006, 09:39 AM
شكرا لأخي الباحث الأديب المفكر
الأستاذ منذر أبي هواش
على هذه المداخلة الكريمة
وأنا طالما أعجب بمداخلاته القيمة ،
وبحوثه المتميزة الرائعة
جزاه الله خيرا

منذر أبو هواش
13/11/2006, 09:56 AM
الأخ الفاضل الأستاذ الدكتور مروان الجاسمي الظفيري ،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،

مواقع مشبوهة كثيرة معروفة بعدائها وكيدها للإسلام والمسلمين نشرت وتناقلت وما زالت تتناقل بعض المقالات المتهافتة عن الكاتب الوهمي صاحب الاسم المستعار "كريستوف لوكسنبرج" الذي كتب هذا الكتاب المتطرف المضحك العجيب الغريب في تفسير وتأويل القرآن الكريم تحت اسم "قراءة سريانية آرامية للقرآن: مساهمة في تحليل اللغة القرآنية"، والعجيب في الأمر أن كافة تلك المواقع المشبوهة تكاد تجمع عند تعريفها بالكاتب "كريستوف لوكسنبرج" على الإدعاء بأنه عالم ألماني متخصص في اللغات السامية القديمة.

لكن بعض الباحثين الجادين الذين قاموا بأبحاث جادة بهدف التعرف على هذا الكاتب المجهول صاحب هذا الكتاب اليتيم فشلوا في العثور على أي عالم بهذا الاسم في أي جامعة ألمانية، وسرعان ما اكتشفوا في نهاية البحث أن ذلك الاسم لم يكن إلا اسما مستعارا وهميا لأحد المبشرين المسيحيين اللبنانيين، واكتشفوا كذلك أن ذلك المبشر لم يكن كاتبا محترفا ولا مختصا في اللغات السامية القديمة، وأنه لم يدرس قط في الجامعات الألمانية، وأنه لم يكن متمكنا من اللغة العربية الفصحى، وأن معرفته باللغة السريانية كانت معرفة سطحية بسيطة لا تكاد تكفي لتمكينه من استخدام القاموس السرياني أو لتمكنه من فهم مبسط سطحي لمنهجيات اللغات السامية.

وتبين في النهاية أن هذه المحاولة المضحكة المتطرفة لتأويل القرآن الكريم لم تكن إلا جزءا بسيطا من الحملة القاصرة المتهافتة التي تدعمها بعض الجهات الأجنبية بهدف إثارة بعض الشبهات اللغوية من خلال إجراء مقارنات لفظية مبتورة يقوم بها بعض الجاهلين بالنحو وعلوم اللغة العربية.

ينبغي علينا أن نتابع وأن نراقب وأن ننتبه لكل ما يكتب عن الإسلام والمسلمين، وينبغي علينا كذلك أن لا نقصر في الرد، وأن نساهم في نشر ردود علمائنا الأفاضل المختصين على هذه الترهات.

شكر الله لكم، ودمتم سالمين

منذر أبو هواش

محمد حسن يوسف
13/11/2006, 10:05 AM
أستاذنا الكبير / منذر
حمدا لله على سلامتك، ودام قلمك مرفوعا عاليا يجهر بالحق ويسعى إليه.
مع خالص المودة والتقدير

الدكتورمروان الجاسمي الظفيري
13/11/2006, 10:21 AM
أخي الحبيب الباحث المدقق الأستاذ منذر أبو هواش
إنني لأجدك صاحب قول حقّ صادق ، وفكر نيّر مستنير
وصاحب قلم صادق فيما يكتب وفكر ويعبر
قال شيخ الإسلام الإمام الزاهد أبو إسماعيل عبدالله بن محمد الهروي
وقد كان إماما متقنا قائما بنصرة الحق ورد البدعة والمبتدعة:
«عرضت على السيف (أي هددت بالقتل) خمس مرات لا يقال لي ارجع عن
مذهبك ولكن يقال لي اسكت عمن خالفك، فأقول لا أسكت».
والقلم، أحد اللسانين، وهو اللسان الصامت، تختبئ عقول الرجال والنساء تحت أسنانه،
وقد اقسم الحق بالقلم بقوله:
«نون والقلم وما يسطرون». والقلم أول ما خلق الله تعالى من الخلق،
قال صلى الله عليه وسلم:
«أول ما خلق الله تعالى، القلم».والقلم خادم لأفكار حامله،
وما يخطه ينشر بين الأنام، وينقش أثره في ألواح القلوب،
فإن كان حامله من أهل الحق، تبسمت الكراريس والمقالات بما ينفع الناس،
وان كان حامله من أهل الأهواء والبدع والفتن، تقيأ الورق من سموم خطه وأفكاره.
وأفضل الأقلام هو القلم الجامع الذي قال عنه الإمام ابن القيم:
«هو قلم الرد على المبطلين ورفع سنة المحقين وكشف أباطيل المبطلين على
اختلاف أنواعها وأجناسها وبيان تناقضهم وتهافتهم وخروجهم على الحق
ودخولهم في الباطل، وهذا القلم في الأقلام نظير الملوك في الأنام..
وأصحاب هذا القلم حرب لكل مبطل»
انتهى كلامه رحمه الله.
وإني لأجدك منهم ـ ياأخي الحبيب
وفقك الله ، وسدد خطاك ..

نذير طيار
13/11/2006, 10:42 AM
أشكر الدكتور منذر على هذه الإضافات الموسوعية التي تضيف إلى ثقافتنا دائما شيئا جديدا, لكن أود تناول الموضوع من زاويته المركزية, وهي معالجة شبهة الكاتب نفسها, حتى لا ينخدع بها ضعاف النفوس والثقافة, فما كتبه الجابري ليس جديدا على الثقافة الاسلامية, ولأني تابعت من زمن طويل النقاشات الفكرية حول تحريف القرآن في الدائرة المذهبية الاسلامية, وكانت النتيجة المتوصل إليها كالآتي:
1 - رغم وجود نصوص توحي بوجود نقص في النص القرآني, عند بعض الطوائف الإسلامية, فإن الموقف العلمي المذهبي العام كان يتجه دائما, إما إلى تأويل النص في حالة صحته, وإما إلى الحكم عليه بالضعف أو الوضع في حالة وروده في كتب حديثية لا تحوي الصحيح وحده.
2- يمكن لأي شخص أن يقتنع بسلامة القرآن من التحريف, بمطالعته كتاب واحدا بهذا الشأن ككتيب"البرهان على سلامة القرآن من الزيادة والنقصان". إذا لم يكفه النص القرآني قطعي الدلالة قطعي الثبوت"إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون".
3- يجوز لنا في محاورتنا العقلية مع الجابري أن نستشهد بالنص القرآني, دون أن نقع في الدور المستحيل, كما يقول المناطقة, لأن الجابري يزعم النقص فقط ولا يزعم الزيادة.
4- ليست هناك قضية إسلامية فوق النقاش العقلي, بما فيها وجود الله نفسه.
5- إن ما فتح الباب للجابري وأمثاله, هو تلك الكتابات التكفيرية, الزاعمة أن تلك الفرقة الاسلامية تملك قرآنا غير قرآننا, مع أن تلك الفرقة تحلف بأغلظ الأيمان على إيمانها بأن النص الموجود عندها هو ذاته الموجود عند باقي المسلمين.
6-علينا أن نجعل من خرجة الجابري دافعا لنا لإعادة قراءة بعض النصوص الحديثية التي تتحدث عن نسخ للتلاوة. وتحديد موقفنا منها هل نضعفها ما دامت تناقض نصا قرآنيا صريحا؟ أم نقرأها قراءة جديدة يقبلها النص والعقل معا؟.
7- النصوص التي ذكرها الجابري ليست حكرا على طائفة بعينها أو مذهب بعينه.

فؤاد بوعلي
13/11/2006, 10:59 PM
الإخوة الأفاضل
شكرا لكم على هذا النقاش الذي بدأ يأخذ منحى أكثر تدقيقا ...وللحقيقة والتاريخ أقول : لقد استطاع الدكتور محمد عابد الجابري أن ينشئ مشروعا علميا متكاملا قارب فيه مختلف مكونات الفكر العربي الإسلامي ... وتميز طيلة حياته السياسية والفكرية بمواقف متميزة عن جميع الأطياف المعروفة في العالم العربي ...فمن استقالته من المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي وصلا إلى موقفه المتميز من الحركة الإسلامية ودفاعه المستميت عنه باعتبارها على حد تعبيره "طليعة الأمة" ، ودفاعه عن حركة حماس في منتديات عدة ... إلى نقده اللاذع لرفاق الأمس ...هذه المواقف وغيرها تجعلنا نعترف للرجل باتزان منطقي منبعث من بحث عميق في التراث العربي الإسلامي . فحديثه لم يكن أبدا ـ كما أتيح لي من خلال مطالعة إنتاجاته وإبداعاته في مختلف الفنون ـ حديث عابر يحمل معول الهدم والرفض ، بل كان حديث بحاثة صادق مع مقدماته الاستدلالية ..وليعذرني الدكتور مروان فإن ما أتي به جورج طرابيشي لم يستطع أن يلامس جوهر المشروع الجابري الذي انطلق مع "تكوين العقل العربي" مرورا بينية العقل العربي وبنية العقل السياسي وبنية العقل الأخلاقي وصولا إلى مذكراته المختلفة ... لأن طرابيشي ركز على نقطة واحدة حاول استنباط الأحكام بناء عليها هي النزعة الإقليمية عند الجابري ...وقد سانده في ذلك حسن حنفي الي كان يكرر أن فلاسفة الغرب الإسلامي لم بكونوا إلا تلامذة للمشارقة ...لكن الجابري أثبت أن قراءات ابن رشد وابن طفيل وابن باجة للأرسطية كانت قراءة عقلانية واقعية في حين أن قر اءة الفارابي وابن سينا والكندي كانت قراءات غنوصية إشراقية ... وكل من حاول هدم المشروع الجابري لم يستوعب أن قراءة مشروع متكامل تستودجب نقد متكاملا دون تعصب أو حيف ...لأن من خبر الرجل يعرف اتزانه وعمقه العلمي والمعرفي ... فعلى سبيل المثال نجد الدكتور طه عبد الرحمان يركز على الأسس الاستدلالية عند الجابري متجاهلا بناءه المعرفي بل الأكثر من ذلك فهو لم يكتب نقده إلا دفاعا عن الرؤية التصوفية الأخلاقية التي جعلها محمد عابد في المرتبة الثالثة ....
وهذا ليس دفاعا عن الرجل بقدر ما هو توضيح مبدإ ...فقد قمت بتقديم قراءة نقديةو لأطروحته المؤسسة على تقسيم الإنتاج المعرفي العربي إلى : بيان وعرفان وبرهان والتي جعل فيها الفلاسفة وأهل النظر هم قمة المعرفة العربية ...وهذا يحتاج إلى مزيد توضيح وضبط ...
أما خرجته الأخيرة فأظن أن الدكتور الجابري ـ مع كامل التواضع ـ قد وقع في مجموعة من الأخطاء :
1ـ من حيث التوقيت يغتبر اختياره لزمن الإعلان عن رأيه الذي ليس غريبا على أية حال ضربة أخرى تنضاف إلى مجموع الهجمات التي تشن على الأمة سياسية وعقدية ... بل أقول صدقا أن المقال وجدته منشورا في عدد من المواقع غير الإسلامية مثل موقع الأقباط الأحرار ...مما يبين على أن فكر الباحث ليس ملكا له دائما بل ينبغي أن يختار له زمن القول وكيفيته حتى لا يكون بوق دعاية لأعداء الأمة الذين كان ولا يزال الجابري من أشد المناضلين ضدهم .
2 ـ المقالة ليس فيها شيء دقيق علميا بل أجزم أن رواياته والأحاديث التي نقلها غير مخرجة حتى نعرف الصحيح منها ...كما أن جل رواياته على لسان المفسرين وليس الصحابة مما يخرج النص عن قصده ويهدم بنيته الاستدلالية .
3 ـ الإشكال المركزي الذي يجعل الجابري ونصر حامد أبو زيد وحنفي وغيرهم من الباحثين في مواجهة فكر الأمة هو مقاربتهم النص القرآني بما يحمل من صفات القدسية والتنزيه والإطلاق بآليات نسبية وبشرية ... فمن خلال انكبابهم على علوم القرآن ومحاولاتهم استخراج ما يفيد في إثبات واقعية النص القرآني ونسبيته (كما فعل الدكتور نصر حامد في مفهوم النص) لتعريضه لعلوم تحليل الخطاب والهرمينوطيقا يجعلهم أمام تناقض رئيس هو : هل هناك إمكانية لعدم التسليم بقدسية النص ؟ وهل يمكن مقاربته بآليات بشرية تخرجه عن أصوله العقدية الربانية ؟ وهل الشجاعة المعرفية هي الخروج عن حدود اللإيمان وشرعية الإسلام ؟
أعتقد أن هذه هي المشكلة ...
وللحديث بقية إن كان في العمر بقية
ودي وتحياتي

KHALID Mostafa
14/11/2006, 10:50 PM
تحية عطرة للأستاذ فؤاد بوعلي وبعد،،
أتقدم بجزيل الشكر وعظيم الامتنان لك على ما طرحته اليوم، لأنه ببساطة يؤكد ما أعتقده دوما من أن قراءة الآخر تفيد، وأحيانا ـ وكما حدث اليوم ـ تفيد جدا ، أكرر شكري لك على الفائدة والتي تتلخص في كشفك عن أسدين ، أو سيفين من سيوف الله المسلولة هما الدكتور مروان الظفيري والدكتور منذر أبو هواش أدامهما الله على رؤسنا.
الدكتور مروان والدكتور منذر تحية إجلال بلا حدود، الآن آن للصغار أمثالي أن يناموا مطمئنين تحت ظل سيوفكم، متلحفين بعلمكم الواسع، ويقظتكم لكل مقال ماكر، وأذكر الجميع بأنني بحق مطمئن لأنني في وطني (واتا) أحيا بجوار العلماء الغيورين النابهين اليقظين لكل دعوة ماكرة في مقال، أو قصيدة أو رواية أو أغنية أو حتّى نصيحة.
بقدر اطمئناني بقدر ما أنا ممتن لكم وأرفع لكم أسمى آيات الشكر والتقدير، ودمتم لنا وللأمة الإسلامية.
تلميذكم الذي يحتمي في وطنه بعلمكم: خالد مصطفى

محمد أسليم
14/11/2006, 11:53 PM
هذا النوع من القضايا يُعتبر هاما جدا من زاوية كونه يضع المسلمين – لا الإسلام – أمام محك العقل والحداثة. أظن من الواجب الإنصات لكل الآراء وقبول كل الدراسات استنادا إلى أمرين:
- الإسلام دين عظيم، عظمته تكمن على الأقل في جانبين: دوره الحضاري في الماضي، ثم راهنيته المتمثلة ليس في الكثرة العددية للمسلمين اليوم بالمقارنة مع معتنقي الديانات الأخرى، بل وكذلك في الاتساع المتزايد لدائرة معتنقيه من بلدان العالم الثالث وأوروبا وأمريكا نفسيهما؛
- لا ينبغي صد باب إعمال العقل والتفكير في أي حقل من حقول الإسلام الكثيرة، ولكن في الآن نفسه يجب رفض كل نقاش ينطوي على نوايا مبيتة أو يصل إلى خلاصات ترمي إلى التشكيك في صحة العقيدة الإسلامية أو ثني جمهور المؤمنين عن دينهم.
ربما كان عيبنا الراهن أننا لم نستوعب بعد إنجازات العلم الحديث بكافة قطاعاته بحيث نصوغ خطابا دينيا عصريا لا يُعرِّضُ هويتنا للفقدان، من جهة، ونقرأ كافة إنجازات العلوم الإنسانية في منأى عن سيف التحريم، بل ونسخر هذه الإنجازات في خدمة الدين عبر فتح جسور تواصل بين الإثنين.. كل إنجازات أسلافنا في التعامل الفكري مع الدين عظيمة ورائعة، ولكنها تدخل ضمن منظومة مكتملة تحتاج اليوم إلى التطعيم بإنجازات العلوم الحديثة..
أثارت أحد المشاركات السابقة مسألة تفسير كلمة «الحور» وزعم كريستوف أنها تعني نوعا من «الزبيب»، وكريستوف هذا ليس الوحيد في هذا الضرب من التفسير. الكلمة ذاتها تناولتها إرشاد منجي في كتابها «الخلل في الإسلام»، وخلصت إلى المعنى ذاته..
برأيي هذه الكلمة وسائر أوصاف الجنة الواردة في النص القرآني، والتي خلف الأقدمون فيها مصنفات كاملة، تبقى أكبر من أن تُقيَّد تقييدا نهائيا بهذا المعنى أو ذاك، لأننا بهذا الحصر نجازف بالإساءة لجوهر الرسالة الإسلامية:
- إبان نزول الرسالة، وخلال القرون الأولى لانتشار الإسلام، ربما كانت قيمة الجنس وأهميته آنذاك من القوة بحيث لم يُر في جعله أحد المكافآت التي سينالها المؤمن الداخل للجنة أي شيء غريب.
- اليوم، في فضاءات ممكنة لنشر الإسلام، مثل أوروبا وأمريكا، حيث الجنس آخر مشاغل المرء، هل يمكن مواصلة وصف الجنة على شاكلة ما كان يفعل الأقدمون؟ برأيي الجنة تبقى حقيقة واقعية، ولكن عِلم ما فيها لا يملكه إلا الله؛ ولذلك يحسن بنا، في الوقت الراهن، تقديمها للآخر – غير المسلم - باعتبارها أفضل مكافأة يقدمها الله للمؤمن الذي صرف حياته في الامتثال لأوامر الدين، هذه المكافأة تشكل ما يخطر على البال وما لا يخطر..
هذا مجرد مثال بسيط عن أشياء كثيرة في النص القرآني تدعونا إلى النظر إليها بعين جديدة، لا لنبعث فيها الحياة؛ فالخطاب الديني يقترح نفسه لكل الأزمنة والأمكنة، ولكن لنبعث في أنفسنا الحياة ولا نبقى أسارى اجتهادات الأقدمين الذين عاشوا في أزمنتهم وأمكنتهم الخاصة...
محبتي

منذر أبو هواش
15/11/2006, 07:32 AM
الأخوة الأعزاء

ما من مشكلة في القرآن الكريم، بل المشكلة هي في المشبوهين الذين يحاولون التصدي له، والمشكلة هي في الفهم القاصر لبعض القارئين المنكرين المشككين .

المناقشون الرافضون المنكرون المشككون الجاهلون المتعالمون يتجاهلون أمورا كثيرة ويضعون افتراضات كثيرة ويتقدمون بادعاءات كثيرة رغم الدلالات الواضحات للسياق، بل ويصل بهم الأمر إلى تقديم أمثلة سخيفة مضحكة باطلة لا علاقة لها بالموضوع من أجل التدليل على ما ذهبوا إليه من فهم خاطئ سقيم وباطل من أجل اتهام القرآن الكريم بالغلط والركاكة والوقوع في الهفوات التي اكتشفوها هم بعبقريتهم الفذة وبذكائهم الثاقب بينما غابت عن الفطاحل من أمثال ابن كثير والطبري والشوكاني والسمرقندي والثعالبي والبغوي والثعلبي والنسفي والرازي وابن السعود والبيضاوي، وغابت عن التفاسير، ويبلغ بهم الأمر ادعاء أن الآيات تجرح آذانهم العربية الحساسة وتؤذي ذوقهم اللغوي الرفيع.

وليت جرأتهم تقف عند هذا الحد، لكنهم يقومون بالتصدي للتفاسير من دون تدبر ولا فهم، ويحكمون عليها بسخرية المتعالمين، ويجتزئون من القرآن الكريم ما لا يعقل ثم يقولون هذا خطأ، وهم بسبب الأقفال التي على قلوبهم والغشاوة التي على أعينهم الجديدة لا يتورعون عن توجيه الاتهامات بالجهل والتجاهل والعجز إلى الفطاحل الأقدمين من كبار المفسرين.

ودمتم

منذر أبو هواش

وحيد فرج
15/11/2006, 09:32 AM
السلام عليكم

تحية من أعماقي إلى الأستاذ المحترم الجليل منذر أبو هواش .

منذر أبو هواش
15/11/2006, 09:52 AM
زملائي وأحبابي الأعزاء،

قال تعالى في سورة النساء, الآية رقم 86
وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيبا
صدق الله العظيم

تحية من القلب لكل منكم، وبارك الله فيكم.

منذر أبو هواش

حسام الدين نوالي
15/11/2006, 10:48 PM
تحية للكرام المتدخلين في مناقشة مقال الدكتور الجابري، وهو مقال نشره صاحبه إلى جانب مقالات أخرى، وهي مقتطفات من كتابه الصادر مؤخرا "مدخل إلى القرآن الكريم-الجزء الأول" على أنه سيفرد الجزء الثاني للعقيدة والشريعة والأخلاق..
وإن كان الأستاذ "أبو علي" يشير إلى عدد من الهفوات المنهجية ضمن اختيارات الجابري إلا أن أكثر ما تناوله أغلب الرافضين في عدد من الدوريات والمواقع الإلكترونية لا يعدو أن يكون موضوعات استهلكت مناقشة وجدالا عند القدماء أنفسهم، -وهي إشارة أوردها الأستاذ نذير طيار-.
وإضافة إلى أن العمل الأخير للجابري لا يمكن أن يقرأ إلا ضمن مشروعه منذ "نحن والتراث"، فإن عددا من القضايا المثارة في الكتاب توجهت "للمسلمات الإيمانية" التي تراكمت عبر تاريخ من الابتعاد عن السؤال داخل "علوم القرآن"، ذلك أن أغلب المسلمين -كما يقول الجابري في حوار مع جريدة مغربية- فهمهم للاسلام هو من باب "إيمان العجائز"، وهو "إيمان مقبول من الناحيةالدينية، لكن من الناحية الفكرية هو غير كاف"، ثم إن المسلمات الإيمانية تتأسس عبر تراكم أفكار متلقاة تغدو عوائق ابيستيمولوجية، و"العوائق حين تتصل بالمقدس تغدو مقدسة".
وهنا فعدد من القضايا المثارة في عمل الجابري هي قضايا أثارها قبله عدد من المفكرين العرب المعاصرين " هل الرسول "ص" لا يعرف القراءة والكتابة، إشكاليات الآيات المنسية المشار إليها في آية النسخ، الإشكال المرتبط بجمع القرآن، ...الخ" لم تكن إلا حفرا وإحياء لعدد من المقولات في مراجع الفطاحل الذين ذكرهم الأستاذ منذر أبو هواش، "تفسير الطبري بالخصوص= سورة الأحزاب، سورة التوبة.."
من جهة أخرى فالأحاديث التي ذكرها الجابري هي أحايث مخرجة ومنها ما هو في الصحيحين، (وهل الصحيحان بريئان من الشبهة؟؟ والسؤال نفسه عن المسلمات الإيمانية)، ثم إن الحديث عن كون التناول المنهجي للنص المقدس بالوسائل الإنسانية يعتبر هفوة كما قال الأستاذ أبو علي هو من باب إقفال باب الاجتهاد، أليس أي تناول للقرآن هو تناول إنساني؟ ما الذي فعله المفسرون والمفكرون من ابن عباس إلى الجابري غير الإقتراب من النص الإلهي بإعمال الذهن الإنساني؟ وهل نصمت في انتظار مساندة الوحي لباحث لقبول نتائجه في التفسير أو التحليل أو غيرهما.. لنقول إن المنهج هنا غير إنساني؟؟
السؤال الآن هو هل نوقف السؤال في "علوم القرآن"؟ أم نعتبر كل مرحلة تاريخية هي حلقة من حلقات الوعي الديني ونستمر؟ وكيف نوفق بين المسلمات الإيمانية وعدد من النصوص عند كبار السلف (السنة والشيعة على السواء) والتي تتحدث عن الزيادة والنقصان في القرآن مثلا وليس حصرا ؟
مع خالص التحية.

منذر أبو هواش
16/11/2006, 01:53 AM
الإخوة الأعزاء،

القول بالزيادة أو النقصان في القرآن الكريم يتعارض صراحة مع ما ورد في القرآن الكريم:
"كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير"
"لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد"
"إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرآناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه"
"إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"

والقول بالزيادة أو النقصان في القرآن الكريم ما هو إلا مجرد محاولة جديدة فاشلة مكشوفة أخرى من محاولات إثارة الشبهات والتشكيك بصحة القرآن الكريم يفضحها ويفندها مجرد النظر في الآيات الكريمة المبينة بأعلاه، وكذلك النظر في الأصول والقواعد والعناية القصوى التي تمت مراعاتها من قبل المسلمين أثناء جمع القرآن الكريم بشكله المعتمد الذي انتقل إلينا (سنة وشيعة) كابرا عن كابر وبصورته الحالية منذ أربعة عشر قرنا.

من أجل ذلك كله يكون القول بالزيادة أو النقصان في القرآن الكريم أمرا باطلا ومريبا في آن معا.

وقد توالت الردود الكافية من علماء المسلمين على هذه الشبهات وفندتها، ويمكن الرجوع إلى معظم تلك الردود من خلال محركات البحث لمن أراد.

والله متم نوره ولو كره الكافرون

واسلموا

منذر أبو هواش

هاني المصري
02/07/2007, 01:10 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مما لا شك فيه ان الحديث عن اي تحريف او زياده اونقصان في القران الكريم هو الكفر كله و هذا في اعتقادي موضوع ليس مطروعا للنقاش الا على موائد اعداء الله و الرسول و ما اكثرهم

مما رأيت و قرأت ارى ان الدكتور الجابري و للحقيقه اول مره اسمع به لا ينسب ما ساقه الى نفسه ولكنه اعاد ما ورد في كتب الاثر و لست اري في ذلك الا دعوى منه الى تنقية كتب الاثر من كل الخزعبلات التى اضيفت اليها من بني صهيون و اتباعهم على مر العصور

اناشد اخونا و استاذنا و علامتنا الاستاذ منذر هواش و اقول له ان فهم القران الكريم لم يكن حكرا على الاقدميين فالقرطبي و ابن كثير و غيرهم فهموا القران الكريم و فسروه بما تناسب مع عصرهم فامة محمد عليه السلام ليست عقيما فهي كما انجبت لنا القرطبي انجبت الاستاذ منذر هواش و اخرين ممن فتح الله عليهم من علمه ان يساهم استاذنا الفاضل بطرح مفاهيم جديده للكتاب العظيم بما يتناسب مع عصرنا لان القران الكريم يناسب كل زمان و مكان و للناس كافه

و يا اخي الدكتور منذر من يؤلف كتابا نراه بعد مده ينقحه و يعيد طباعته تحت طبعه جديده و كذلك فهم القران وليس القران حاش لله بحاجه الى مفاهيم جديده تناس الزمان و المكان

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا ...

منذر أبو هواش
02/07/2007, 03:34 PM
باب الاجتهاد والتفسير والتأويل مفتوح بشرط عدم مخالفة ثوابت الدين
وعدم الخروج عن إجماع جمهور علماء الأمة الإسلامية
أخي الأستاذ هاني المصري،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لا يكفر من لا ينكر شيئا ثابتا من الدين بالضرورة، وثوابت الدين معروفة ومتفق عليها بالإجماع منذ بعث النبي الهادي صلوات الله عليه وسلامه.

من وجوه الإعجاز في القرآن الكريم أنه صالح لكل زمان ومكان مع أنه نص ثابت لا يتغير، وهذا يعني أن النص القرآني رغم ثباته يحمل من التأويلات والتفسيرات ما يناسب كل زمان ومكان، لكن هذه القابلية لانكشاف التفسيرات والتأويلات الجديدة المتغيرة المناسبة للأزمان المختلفة انطلاقا من هذا النص المقدس الثابت لا تعني تغيرا في العقيدة بأي شكل من الأشكال، وهذا يعني أن العقيدة الإسلامية ثابتة تعتمد على ثوابت مستقلة عن التفسيرات والتأويلات التي تتكشف بما يتناسب مع المتغيرات.

إن الثوابت العقيدية هي المقياس لصحة ما يجد من تفسير وتأويل، كما أن إجماع علماء المسلمين هو الضابط للثوابت العقيدية من جهة، وللمتغيرات التفسيرية والتأويلية المتجددة مع مرور الزمن من جهة أخرى.

نعم، فهم القران الكريم لم يكن حكرا على الأقدمين الذين فهموا القرآن الكريم وفسروه بما يتناسب مع عصرهم مثل القرطبي وابن كثير وغيرهم، والأمة ليست عقيما كما تفضلت، ولا أحد يعارض أي تفسير أو تأويل أو طرح أو فهم جديد للكتاب العظيم بما يتناسب مع عصرنا لان القران الكريم للناس كافة، ولأنه يناسب كل زمان ومكان كما ذكرت.

لا يوجد أية موانع شرعية تحول دون طرح تفاسير أو اجتهادات جديدة من حيث المبدأ، فباب الاجتهاد مفتوح إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولا يوجد أية مشاكل في أية تفاسير أو أية اجتهادات مبنية على الأسس السليمة من العلوم اللغوية والشرعية.

المشكلة الحقيقية تكمن في التفسيرات والتأويلات الجديدة التي تخرج عن إجماع علماء المسلمين، وتتناقض مع ما هو ثابت ومعروف من علوم اللغة والدين والعقيدة بالضرورة.

ودمتم،

منذر أبو هواش

:fl: