المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقدمة عكسي مفتي على كتاب تلاش لوالده ممتاز مفتي



إبراهيم محمد إبراهيم
25/10/2007, 08:03 AM
مقدمة
هذا الكتاب لا يزخر بفلسفة ، ولا يوزع علماً ، ولا يقدم حكماً ، فإن كنت راغباً في قراءة جادة موثّقة فإنّ نصيحتي لك أن لا تقرأه ، إذ أنك بذلك سوف تضيّع وقتك بغير داع .
والحق أن هذا الكتاب ليس كتاباً ، ولقد حاولت جهدي ألا يكون كذلك ، وألاّ يتحوّل إلى عبء . حاولت ألاّ أقول كلاماً كبيراً يمرّ من فوق الرؤوس دون أن يلامسها . هذا الكتاب سوف يتحدث إليك بحديث بسيط خفيف ، وفي موضوعات بسيطة خفيفة أيضاً ، وربما تختلف مع بعض ما يقول ، فإن حدث ذلك فرجائي منك ألاّ تعره اهتماماً ، وألاّ تثير معه جدلاً ، فإنه لم يحدث أبداً أيها السادة أن اقتنع أحد بموضوع ما بسبب الأدلّة ، واختلاف الرأي أمر لا مفرّ منه ، وهو الذي يمنح الحياة تنوعها .
هذا الكتاب خاطئ في اسمه ، فقد يخلق نوعاً ما من سوء الفهم ، إذ سيقول القارئ : إن كان هناك بحث فلا بد أن يكون هناك هدف لهذا البحث . لكنه يا سيدي بحث من ذلك النوع الذي لا هدف له ، مجرد بحث وفقط ، بل إن الشيء الذي يبحث عنه ليس واضحاً ، فأحياناً يثور شك بأنه ربما كان بحثاً عن المسلم ، وأحياناً يتصوّر الذهن أنه ربما كان بحثاً عن حقيقة العصر الحاضر ، وأحياناً يبدو وكأنه بحث عن الحقيقة … ليس عن الحقيقة المطلقة ، وإنما عن حقائق بسيطة متعددة .. حقائق الأفكار ، حقائق الأعمال ، حقائق الإيمان ، حقائق السلوك والمعاملات … حقائق عادية … حقائق قديمة … وحقائق جديدة .
سأل رجلاً غصناً من الأغصان قائلاً : أخبرني أيها الغصن ، لماذا تتأخر في الظهور ؟ ! . فقال الغصن : لأن جاذبية الأرض تمنعني من ذلك . فقال الرجل : إنه لأمر سيئ من الأرض أن تفعل معك ذلك . قال الغصن : لا ، لا ، لا تتكلم عن الأرض هكذا . فقال الرجل : ولماذا ؟!. قال الغصن : لأنه لو لم تمنعني الأرض من الظهور لما استطعت أن أظهر أبداً !!.
ما الحكاية إذاً ؟!.
الحكاية أنه إذا لم تكن هناك عوائق وعقبات ، فإن الحركة تصبح مستحيلة ، إنه قانون الفطرة . أيها السادة : إن العقبات والعوائق في الحقيقة رحمة وخير ، فهي تخلق الحركة في طريق أولئك الذين يمثّل وصولهم خطراً عليها ، وإن لم يضع الكبار عقبات في طريق الصغار لما احتجّ الصغار وثاروا ، ولما تولّدت الحركة بداخلهم ، وإن لم تكن هناك حركة فلن تكون هناك حياة … لن يكون هناك شيء على الإطلاق ، فهذه الحياة بمثابة صورة مثبتة في برواز .
ما هذه الحياة ؟!.
إنها لعبة من الحركة والنشاط ، فإذا ما حل بها الثبات تمّ تقييد حركتها ، وقيل لها : حذار أن تتحركي ، فإن الحركة إثم عظيم ... الحركة لعبة الشياطين !!.
ثم ينهمر سيل الحركة ، فيجرف أمامه كل شيء ويحطمه .
يقول الله تعالى في القرآن الكريم فيما يتعلق ببداية الخلق إنه كان الثّبات التام في البداية ، ثم نفخنا ، فتحرك كل شيء ، وانفصلت السماوات ، وانفصلت الأرض ، وأخذت النجوم والكواكب في الدوران كمثل لعبة " المروحة " (1) ، وأخذت الشمس تتوهّج بشدة ، وأخذت الأقمار تدور حول الأرض . لقد تمّ دفع المادة دفعة قوية ، حتى أن قوة هذه الدفعة لم تنته حتى اليوم ، ولا تزال الكائنات حتى يومنا هذا تتمدد مثل فقاعات الماء ، وتواصل تمدّدها ... كل شيء في حركة ... حركة دائبة .
لقد استولى الكبار عندنا منذ فترة طويلة على السلطة ، وجثموا على صدر كل مناحي الحياة ، وابتنوا لأنفسهم عروشاً : على الأخلاق .. على الدين .. على الفكر والتفكير .
يقول الكبار : إننا نعرف ، ولهذا يجب أن نستأذن عند القيام بأي شيء !!. إنهم لا يعيرون الصغار اهتماماً ، ويبلغ الصغار الحلم ، ومع ذلك فإن الكبار لا يمنحونهم وضع " الفرد " ، ويظلون صغاراً في عيون الكبار ، وتتولد بداخل الصغار اتجاهات سلبية ضارة بسبب هذا التجاهل ، وهكذا يصير مستقبلنا في خطر . وهذا الكتاب وإن كان للصغار ، لكنه يلفت أنظار الكبار من وراء ستار ، وهناك مثل في اللغة البنجابية يقول : " استمع يا بنيّ ، واعقلي يا زوجته " ، بمعنى أن الحماة تبدو في الظاهر وكأنها تعنّف ابنها ، بينما هو مجرد تظاهر ، لكنها في الأصل توجه كلامها وتعنيفها إلى زوجته (2) .
وهذا الكتاب هو الآخر يقول : " اسمعوا أيها الصغار واعقلوا أيها الكبار " . لكن المشكلة هي أن الكبار لا يهتمون ، لا يستمعون ، وكيف يستمعون وهم لا يتوقفون عن الكلام !!. أيها السادة : إن أهم سمات الكبار أنهم يظنّون أنهم يفهمون ، ومن يظن أنه يفهم فإنه لا يشعر بحاجة إلى الاستماع ، ومن ذلك الذي يستطيع إفهام شخص لا يستمع أصلاً !!.
هذا الكتاب يتحدث عن الإسلام في أماكن متفرقة منه ، لكن هذا لا يعني أن تعتقد أن المؤلف يفهم الإسلام . صحيح أنه درس الإسلام وقرأ عنه ، وعكف على مطالعة كتب العلماء لعدة سنوات ، ودرس تفاسير رجال الدين كذلك ، لكنه مع ذلك لم يستطع أن يفهم شيئاً !!. يبدو وكأن الإسلام هو الآخر سرّ من أسرار الله . على أية حال كان لهذه الدراسة والمطالعة فائدة هامة ، وهي التعرّف على أولئك الذين لا يفهمون الإسلام ، ويعتقدون أنهم يفهمونه .
هذا الكتاب يؤكد على أن الإسلام الشائع بيننا له فائدتان ، الأولى أنه يمكن من خلاله الحصول على الثواب ، والثانية أنه يمكن توظيفه واستغلاله ، والحصول على الثواب هو الآخر صورة من صور توظيف الإسلام واستغلاله . على أية حال الناس يوظفون الإسلام كلما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً . الحكام يوظفونه للإبقاء على كراسيهم ، والسياسيون يوظفونه لتجميل سياستهم ، ورجال الدين في مقدمة من يوظفونه لتحقيق مآربهم الشخصية ، إذ حوّلوا الدّين - الذي هو في الأصل عمل من أوله إلى آخره – إلى " علم " ، لكي ينالوا لقب " عالم " (3) ، يضع فوق رأسه عمامة ، ويلبس جبّة ، ويضع الكحل في عينيه ، ويخضّب بالحنّاء لحيته ، واليوم يأمل هؤلاء في سدّة الحكم .
لقد استكتبنا مقدمة الكتاب من الصغار ، صغار في العمر ، ولكنهم موهوبون للغاية ، ومن بين هؤلاء شاعرة .. شاعرة كبيرة ، تنظر إلى نفسها ، وإلى ما يحيط بها بثقة واعتزاز ، والثقة والاعتزاز هما روح هذا الكتاب ، ولأن هذا الكتاب مثل قصة " إيليس في أرض العجائب " ، لهذا فإن من بين من استكتبناهم مقدمة واحدة من كتاب القصة ، لا تكتب أدباً ، وإنما تتكلم أدباً .... إنها مخزن للفكر ، لكنها لا تميل إلى الكلام (4) . على أية حال الكتاب بحالته ووضعه بين أيديكم .

ممتاز مفتي
سبتمبر 1995م .
هوامش
1 - يقصد مدينة إسلام آباد عاصمة باكستان .
2 - وكأن ممتاز مفتي يصف ما كان يحدث معنا عنما كنا أطفالاً ، بالرغم من تباعد الزمن والمسافات .
3 - البيت باللغة الأردية لشاعرة مشهورة هي " بروين شاكر : 1952م – 1994م " ، والبيت كالتالي :
نه كوئى بحث كى نوبت نه كوئى اذن سوال :: فقيه شهر كا جاه وحشم زياده
4 - من كبار رجال التصوف في شبه القارة الهندو باكستانية ، وله ضريح في مدينة لاهور عاصمة إقليم البنجاب الباكستاني يؤمه الناس من كل مكان . اسمه علي ، وكنيته أبو الحسن ، ولقبه داتا كنج بخش . ولد بحي هجوير بمدينة غزنه بأفغانستان عام 400هـ / 1009م ، وإلى هذا الحي ينسب ، وتوفي عن عمر يناهز الخامسة والستين عاماً ، ودفن حيث يوجد ضريحه في مدينة لاهور بباكستان ، ويقام له مولد سنوي في شهر صفر من كل عام . وللشيخ الهجويري مؤلفات عديدة منها : منهاج الدين – كتاب الفناء والبقاء – كتاب البيان لأهل العيان – بحر القلوب – رساله در شرح كلام حلاج ، ولكن أشهر مؤلفاته كتاب كشف المحجوب الذي كتبه رداً على استفسار حول أسرار ورموز التصوف من أبي سعيد الهجويري الذي هاجر مع الشيخ من غزنة إلى لاهور بأمر من شيخهما ، وقد دفن أبو سعيد هذا بعد وفاته في قبر بجوار قبر الشيخ . ويعد كتاب كشف المحجوب هذا أول كتاب في التصوف في شبه القارة الهندو باكستانية ، وله مكانة كبرى في قلوب المسلمين هناك ، ويحتوي هذا الكتاب على قضايا التصوف ، وكرامات الأولياء ، وأقوال ونصائح الحكماء ، وذكر للصفات الطيبة كالصبر والقناعة والإيثار والسخاء وغيرها .

إبراهيم محمد إبراهيم
25/10/2007, 08:05 AM
أنا آسف ، هذه المقدمة لممتاز مفتي نفسه على كتابه ( تلاش : بحث ) ، وسأنشر مقدمة ابنه عكسي مفتي على الكتاب