المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفصل الرابع من رواية الرجل العقرب



فايزة شرف الدين
27/10/2007, 12:33 PM
نسخة الدكتور "عزام" :
كان صراخها يتصاعد وهي تتأوه من الألم الرهيب ، الذي ينتابها علي أوقات منتظمة ، ثم أصبحت لا تطيقه بعد أن توالي هذا الألم سريعا دون أخذ هدنة من الوقت . صاح الدكتور "عزام" بها :
ـ تحملي فسوف أعطيك حقنة مخدر ، ولن تشعري بألم الولادة .
صرخت "سكينة" وهي تلوح بيديها :
ـ لا ، لا أريد مخدرا ، ولكن أريد شيئا ليسرع من عملية الولادة.
اقترب منها الدكتور "أسعد" ورشق حقنة في جسدها ، وبعد فترة قصيرة جاءت اللحظة الحاسمة التي طال انتظارها ، فصاح الدكتور "عزام" بمساعده :
ـ سنبدأ في توليدها الآن .
كان الأخير يتصبب عرقا ، وقد شعر بانفعال غامر، فبعد قليل سيولد نسخة هذا الرجل الواقف أمامه ثابت الجأش ، لا ترتسم علي وجهه أي انفعالات ، وهو يساعد في إخراجه إلي هذه الدنيا ؛ هتف في نفسه قائلا : يا له من رجل غريب الأطوار لا قلب له !
كان الدكتور "عزام" يغسل يديه في وعاء بعناية ، واستفاق الدكتور "أسعد" علي صراخه ، وهو يصيح فيه :
ـ ناولني المشرط بسرعة .
حاول مستميتا إخراج هذا الجنين العنيد إلي الوجود ، وصاح مرة أخري عندما بدأت توترات رحمها تهدأ :
ـ سوف نحتاج إلي حقنة أخري .
بعد الحقنة الثانية أصبح ألمها لا يطاق ، وأخذ رحمها يدفع الجنين ويلفظه إلي الوجود . صاح الدكتور "عزام" بانفعال للمرة الأولي ، وهو يتلقفه بين راحتيه :
ـ لقد نجحنا .
تعالي صراخ الوليد وهو يحرك يديه في عصبية ، وأخذ الدكتور "عزام" يتفرس فيه بحرص بالغ ، وتيقن أنه نسخته بشعره الأشقر ، وعينيه الرماديتين المائلتين إلي اللون الأزرق ، ثم قلبه علي ظهره ، وهو يمعن النظر في كل أنحاء جسده ، وعندما انفلتت عينيه إلي أسفل ظهره راعه شيء غريب !! فقد لاحظ وجود ندبة كبيرة سوداء خشنة بها نتوء صغير لامع ، هتف وهو يلتفت إلي الدكتور "أسعد" ثم إلي الندبة وهو يشير إليها بسبابته
ـ انظر إلي هذه الندبة الغريبة ، إنني لا أمتلك مثلها في هذا الجزء من جسمي .
ارتسمت علامات القلق البالغ علي وجه الدكتور "أسعد" ، ومع ذلك حاول أن يسيطر علي توتره ، متصنعا الهدوء ، وهو يقول في ثبات :
ـ لعل مورثات القوة الحيوانية ساعدت في ظهور هذه الندبة .
صاح الدكتور "عزام" وهو يقطب ما بين حاجبيه :
ـ أشك أنها تؤثر علي الشكل الجسدي للنسخة ، فهذه المورثات تظهر في عضلاته ، وتعطيه قوة غير عادية فقط .
زم الدكتور "أسعد" شفتيه ولم ينبس بكلمة ، فقد انهالت إلي فكره ريب وشكوك لم يستطع البوح بها .
أما "سكينة" فقد تملكها شعور فياض دافئ غمرها بحب لهذا الوليد الذي لا ينتمي إليها ، ولم يرث من صفاتها أي شيء ، وهو مع ذلك قطعة منها والشهور التسعة التي قضاها في رحمها لينمو ويكبر ، كانت كفيلة بخلق هذا الإحساس الغامر بالأمومة ، وخافت أن يدرك الدكتور "عزام" الخطأ الرهيب الذي وقعت فيه عند استنبات الجنين ، فيكون مصيرها والطفل الانتقام الرهيب من هذا الرجل عديم القلب والرحمة ، فقد كان يتفرس في الطفل كتجربة من تجاربه التي يقوم بها في المختبر ، ولم يبد عليه أي مشاعر حنان لهذا الكائن الصغير الذي يشبهه في كل شيء إلا هذه الندبة الغريبة .
قالت وهي تمد ذراعيها :
ـ اعطني الطفل يا دكتور ليرتدي ملابسه .
ثم التفت إلي الدكتور "أسعد" ، وقالت وهي تشير إلي صوان صغير:
- افتح الدرج السفلي وناولني ملابسه .
أخذت تلبسه بحرص ، وعندما انتهت قربته من ثديها لترضعه ، فصاح الدكتور "عزام" بضيق :
ـ هل سترضعينه ؟
هتفت "سكينة" وقد نشب في عينيها بريق لامع وهي تقول في إصرار :
ـ نعم سأرضعه حتي يكون جزءا مني فأكون أمه بالفعل .
حاول الدكتور "أسعد" تخفيف التوتر ، فصاح مغيرا دفة الموضوع :
ـ ما الاسم الذي سنطلقه علي هذا الطفل ؟
قالت "سكينة" دون تردد :
ـ سأسميه "عزيزا" .
ابتسم الدكتور "أسعد" للدكتور"عزام" وهتف وهو يومئ برأسه :
ـ أعتقد أن اسمه مناسب .
لم يعقب الدكتور "عزام" علي الاسم ، وجذب الدكتور "أسعد" من ذراعه ، وخرجا من الحجرة تاركين "سكينة" وحدها مع الوليد.
مرت الشهور و"عزيز" ينمو بشكل مناسب ومرضي ، وكان الدكتور "عزام" يتابع حركاته وتصرفاته ويدون ملاحظاته ، وكان كثيرا ما ينتابه شعور غريب بالنفور من هذا الطفل الصغير ، وكان هذا الشعور يتعاظم ، ويصل إلي ذروته ، وهو يراه وقد اختبأ في أحد الأركان المظلمة ، وقبع فيه دون حراك لفترات طويلة ، ولا يخرج من مكمنه إلا لتناول طعامه ، أيضا بعض عاداته السيئة الأخرى كانت تثير حنقه وغيظه عليه ، مثل مصه لإصبعه ، أو التفرس والنظر إلي الأشياء بفضول شديد ، وولعه بالعبث بالأشياء دون تمييز .
شعر الدكتور "عزام" بنفور من طفولته هو ، فلا شك أن هذا الطفل يقوم بنفس السلوك الذي كان يقوم به وهو صغير ، وأخذ هذا النفور في التزايد يوما بعد يوم ، كلما نما الطفل وكبر واشتد الشبه بينهما في الشكل والعادات والإيماءات ، ثم بدأ اهتمامه يفتر ويقل ، وانصرف عنه إلي بحوثه العلمية الجديدة وأنشطته الأخرى .
أما "سكينة" فرضيت بحياتها ، وقنعت بحياتها بعيدا عن مستقبلها وطموحها العلمي في الجامعة ومعمل الأبحاث ، فقد أخذت في الاهتمام بتربية "عزيز" الذي ملأ حياتها ، وحاولت أن تتناسى الجرح الذي نتأ بواسطة الدكتور "عزام" بنفوره الشديد في بداية الأمر بعد ولادة "عزيز" بفترة قليلة ، ثم تجاهلها بشكل تام كأنما ليس لها وجود . تيقنت أن الدكتور "عزام" أجاد تمثيل دوره حتي يتأكد من نجاح تجربته ، وبالرغم من ذلك فقد أصبحت جزءا هاما في هذه الفيلا وسيدتها دون منازع .
كانت تشعر بسعادة غامرة وهي تري "عزيز" ينمو ويكبر أمامها ، وأصبحت بمثابة الأم والمعلمة له ، وكان ذكاؤه شديدا فأبدي قدرة عجيبة علي تحصيل وتلقين العلوم كلها ، وكانت علي النقيض من الدكتور "عزام" تجاه تصرفات "عزيز" ؛ فقد كانت تصرفاته الشاذة الغريبة تثير فضولها وتشوقها ، وهي تبحث عنه في الأماكن غير المتوقعة التي كان يختبئ فيها لفترات طويلة ، كانت سكناته وخلجاته وإيماءاته تذكرها دوما بالدكتور "عزام" الذي أحبته من كل قلبها ، ووجدت فيه عوضا عن الحب الضائع أو المستحيل . وفي يوم عندما بلغ الثامنة من عمره ، وكانت ترقبه من نافذة حجرتها المطلة علي الحديقة الواسعة باهتمام كعادتها ، وكان يلهو ويلعب تارة ، ويتفرس في النباتات والحيوانات الصغيرة المنتشرة علي الأرض والمختبئة بين فروع الأشجار، وتارة يجوب أحواض الأزهار يشم عبيرها ، ثم فجأة لمح آلة حادة من تلك التي تستخدم في الحفر وراء إحدى الشجيرات ، فتناولها وجرى بها صوب المبني المنعزل الرطب ، وقد تكاثفت عليه النباتات المتسلقة فغطته تماما .
أخذ يحفر حفرة في الجدار ناثرا التراب الرطب حولها ، حتي تكونت فجوة عميقة أسفله ، أصابتها دهشة غامرة وهي تراه يدخل في تلك الفجوة بقدميه أولا ، ثم يزحف بباقي جسده ويختفي داخلها ، بعد أن أسدل النباتات المتسلقة حولها ، وقبع في الفجوة ساعات طويلة ، كانت خلالها "سكينة" جالسة في مكانها من النافذة لا تبتعد عنها ، وهي تترقب خروجه منها ، ولا زالت الدهشة عالقة بذهنها والحيرة تربك تفكيرها ، ثم بغتة سمعت صوت كلبه الوولف الضخم وهو ينبح ، بعدما فك الخادم قيوده وأطلقه ليمرح مع سيده الصغير ، وأخذ الكلب يتقافز في المكان وهو يمد عنقه ويشم الهواء ، ثم جري ناحية مخبأ "عزيز" وهو ينبح نباحا متواصلا .
بعد فترة شاهدت "عزيزا" وهو يخرج زاحفا من الحفرة ، واستطاعت أن تتبين ـ مع أنه كان بعيدا ولم تكن تراه بوضوح ـ أنه كان خائفا ، فقد كان يلتفت حوله بتردد عندما أقبل عليه الكلب وهو ينبح ، ثم خيل إليها أن شيئا أسود يشبه الذنب امتد من الطفل ، والتف حول عنق الكلب في حركة خاطفة ، فسقط علي الأرض وهو يعوي عواء مؤلما بضع لحظات ، ثم ما لبثت أن ارتخت قوائمه وسقط علي الأرض جثة هامدة ، فتعالت صرخة مكتومة منها ، وقد ارتسم علي وجهها الرعب الفائق ممزوجا بالدهشة التي لم تبرح وجهها منذ ساعات طوال !!
عندما عاد الدكتور "عزام" إلي الفيلا ، وعرف بموت الكلب أخذ يتفحصه في اهتمام وقد أصابته حيرة كبيرة ، عندما تيقن أنه مات من أثر سم زعاف سري في جسده ، وعزي ذلك بعد تفكير إلي وجود ثعابين في الحديقة ، فنادي علي الخادم وأخذ يلوح له ، ويشير في كل الاتجاهات معنفا :
ـ لقد أهملت الحديقة حتي هاجمتها الزواحف السامة ، نظفها فورا وتخلص من الحشائش ، وابحث عن تلك الهوام واقتلها في الحال .
فهم الرجل ما تعنيه إشارات الدكتور "عزام" وقرأ في أسارير وجهه الغضب ، فهتف يقول مدافعا عن نفسه :
ـ إنني يا دكتور اهتم بالحديقة ، ولا أهملها أبدا ، وإنني علي يقين أنه لا توجد زواحف سامة .
أما "سكينة" فقد سمعت الحوار من حجرتها ، وكانت تنصت لكل حركة وكلمة تقال بقلب واجف ، والتزمت الصمت المطبق ، مع أنها كانت هي الأخرى في حيرة من أمر الطفل الذي كان يلعب أمامها ويلهو في براءة ، ولم يظهر عليه أنه قد فعل شيئا يلام عليه !!

فايزة شرف الدين
27/10/2007, 12:33 PM
نسخة الدكتور "عزام" :
كان صراخها يتصاعد وهي تتأوه من الألم الرهيب ، الذي ينتابها علي أوقات منتظمة ، ثم أصبحت لا تطيقه بعد أن توالي هذا الألم سريعا دون أخذ هدنة من الوقت . صاح الدكتور "عزام" بها :
ـ تحملي فسوف أعطيك حقنة مخدر ، ولن تشعري بألم الولادة .
صرخت "سكينة" وهي تلوح بيديها :
ـ لا ، لا أريد مخدرا ، ولكن أريد شيئا ليسرع من عملية الولادة.
اقترب منها الدكتور "أسعد" ورشق حقنة في جسدها ، وبعد فترة قصيرة جاءت اللحظة الحاسمة التي طال انتظارها ، فصاح الدكتور "عزام" بمساعده :
ـ سنبدأ في توليدها الآن .
كان الأخير يتصبب عرقا ، وقد شعر بانفعال غامر، فبعد قليل سيولد نسخة هذا الرجل الواقف أمامه ثابت الجأش ، لا ترتسم علي وجهه أي انفعالات ، وهو يساعد في إخراجه إلي هذه الدنيا ؛ هتف في نفسه قائلا : يا له من رجل غريب الأطوار لا قلب له !
كان الدكتور "عزام" يغسل يديه في وعاء بعناية ، واستفاق الدكتور "أسعد" علي صراخه ، وهو يصيح فيه :
ـ ناولني المشرط بسرعة .
حاول مستميتا إخراج هذا الجنين العنيد إلي الوجود ، وصاح مرة أخري عندما بدأت توترات رحمها تهدأ :
ـ سوف نحتاج إلي حقنة أخري .
بعد الحقنة الثانية أصبح ألمها لا يطاق ، وأخذ رحمها يدفع الجنين ويلفظه إلي الوجود . صاح الدكتور "عزام" بانفعال للمرة الأولي ، وهو يتلقفه بين راحتيه :
ـ لقد نجحنا .
تعالي صراخ الوليد وهو يحرك يديه في عصبية ، وأخذ الدكتور "عزام" يتفرس فيه بحرص بالغ ، وتيقن أنه نسخته بشعره الأشقر ، وعينيه الرماديتين المائلتين إلي اللون الأزرق ، ثم قلبه علي ظهره ، وهو يمعن النظر في كل أنحاء جسده ، وعندما انفلتت عينيه إلي أسفل ظهره راعه شيء غريب !! فقد لاحظ وجود ندبة كبيرة سوداء خشنة بها نتوء صغير لامع ، هتف وهو يلتفت إلي الدكتور "أسعد" ثم إلي الندبة وهو يشير إليها بسبابته
ـ انظر إلي هذه الندبة الغريبة ، إنني لا أمتلك مثلها في هذا الجزء من جسمي .
ارتسمت علامات القلق البالغ علي وجه الدكتور "أسعد" ، ومع ذلك حاول أن يسيطر علي توتره ، متصنعا الهدوء ، وهو يقول في ثبات :
ـ لعل مورثات القوة الحيوانية ساعدت في ظهور هذه الندبة .
صاح الدكتور "عزام" وهو يقطب ما بين حاجبيه :
ـ أشك أنها تؤثر علي الشكل الجسدي للنسخة ، فهذه المورثات تظهر في عضلاته ، وتعطيه قوة غير عادية فقط .
زم الدكتور "أسعد" شفتيه ولم ينبس بكلمة ، فقد انهالت إلي فكره ريب وشكوك لم يستطع البوح بها .
أما "سكينة" فقد تملكها شعور فياض دافئ غمرها بحب لهذا الوليد الذي لا ينتمي إليها ، ولم يرث من صفاتها أي شيء ، وهو مع ذلك قطعة منها والشهور التسعة التي قضاها في رحمها لينمو ويكبر ، كانت كفيلة بخلق هذا الإحساس الغامر بالأمومة ، وخافت أن يدرك الدكتور "عزام" الخطأ الرهيب الذي وقعت فيه عند استنبات الجنين ، فيكون مصيرها والطفل الانتقام الرهيب من هذا الرجل عديم القلب والرحمة ، فقد كان يتفرس في الطفل كتجربة من تجاربه التي يقوم بها في المختبر ، ولم يبد عليه أي مشاعر حنان لهذا الكائن الصغير الذي يشبهه في كل شيء إلا هذه الندبة الغريبة .
قالت وهي تمد ذراعيها :
ـ اعطني الطفل يا دكتور ليرتدي ملابسه .
ثم التفت إلي الدكتور "أسعد" ، وقالت وهي تشير إلي صوان صغير:
- افتح الدرج السفلي وناولني ملابسه .
أخذت تلبسه بحرص ، وعندما انتهت قربته من ثديها لترضعه ، فصاح الدكتور "عزام" بضيق :
ـ هل سترضعينه ؟
هتفت "سكينة" وقد نشب في عينيها بريق لامع وهي تقول في إصرار :
ـ نعم سأرضعه حتي يكون جزءا مني فأكون أمه بالفعل .
حاول الدكتور "أسعد" تخفيف التوتر ، فصاح مغيرا دفة الموضوع :
ـ ما الاسم الذي سنطلقه علي هذا الطفل ؟
قالت "سكينة" دون تردد :
ـ سأسميه "عزيزا" .
ابتسم الدكتور "أسعد" للدكتور"عزام" وهتف وهو يومئ برأسه :
ـ أعتقد أن اسمه مناسب .
لم يعقب الدكتور "عزام" علي الاسم ، وجذب الدكتور "أسعد" من ذراعه ، وخرجا من الحجرة تاركين "سكينة" وحدها مع الوليد.
مرت الشهور و"عزيز" ينمو بشكل مناسب ومرضي ، وكان الدكتور "عزام" يتابع حركاته وتصرفاته ويدون ملاحظاته ، وكان كثيرا ما ينتابه شعور غريب بالنفور من هذا الطفل الصغير ، وكان هذا الشعور يتعاظم ، ويصل إلي ذروته ، وهو يراه وقد اختبأ في أحد الأركان المظلمة ، وقبع فيه دون حراك لفترات طويلة ، ولا يخرج من مكمنه إلا لتناول طعامه ، أيضا بعض عاداته السيئة الأخرى كانت تثير حنقه وغيظه عليه ، مثل مصه لإصبعه ، أو التفرس والنظر إلي الأشياء بفضول شديد ، وولعه بالعبث بالأشياء دون تمييز .
شعر الدكتور "عزام" بنفور من طفولته هو ، فلا شك أن هذا الطفل يقوم بنفس السلوك الذي كان يقوم به وهو صغير ، وأخذ هذا النفور في التزايد يوما بعد يوم ، كلما نما الطفل وكبر واشتد الشبه بينهما في الشكل والعادات والإيماءات ، ثم بدأ اهتمامه يفتر ويقل ، وانصرف عنه إلي بحوثه العلمية الجديدة وأنشطته الأخرى .
أما "سكينة" فرضيت بحياتها ، وقنعت بحياتها بعيدا عن مستقبلها وطموحها العلمي في الجامعة ومعمل الأبحاث ، فقد أخذت في الاهتمام بتربية "عزيز" الذي ملأ حياتها ، وحاولت أن تتناسى الجرح الذي نتأ بواسطة الدكتور "عزام" بنفوره الشديد في بداية الأمر بعد ولادة "عزيز" بفترة قليلة ، ثم تجاهلها بشكل تام كأنما ليس لها وجود . تيقنت أن الدكتور "عزام" أجاد تمثيل دوره حتي يتأكد من نجاح تجربته ، وبالرغم من ذلك فقد أصبحت جزءا هاما في هذه الفيلا وسيدتها دون منازع .
كانت تشعر بسعادة غامرة وهي تري "عزيز" ينمو ويكبر أمامها ، وأصبحت بمثابة الأم والمعلمة له ، وكان ذكاؤه شديدا فأبدي قدرة عجيبة علي تحصيل وتلقين العلوم كلها ، وكانت علي النقيض من الدكتور "عزام" تجاه تصرفات "عزيز" ؛ فقد كانت تصرفاته الشاذة الغريبة تثير فضولها وتشوقها ، وهي تبحث عنه في الأماكن غير المتوقعة التي كان يختبئ فيها لفترات طويلة ، كانت سكناته وخلجاته وإيماءاته تذكرها دوما بالدكتور "عزام" الذي أحبته من كل قلبها ، ووجدت فيه عوضا عن الحب الضائع أو المستحيل . وفي يوم عندما بلغ الثامنة من عمره ، وكانت ترقبه من نافذة حجرتها المطلة علي الحديقة الواسعة باهتمام كعادتها ، وكان يلهو ويلعب تارة ، ويتفرس في النباتات والحيوانات الصغيرة المنتشرة علي الأرض والمختبئة بين فروع الأشجار، وتارة يجوب أحواض الأزهار يشم عبيرها ، ثم فجأة لمح آلة حادة من تلك التي تستخدم في الحفر وراء إحدى الشجيرات ، فتناولها وجرى بها صوب المبني المنعزل الرطب ، وقد تكاثفت عليه النباتات المتسلقة فغطته تماما .
أخذ يحفر حفرة في الجدار ناثرا التراب الرطب حولها ، حتي تكونت فجوة عميقة أسفله ، أصابتها دهشة غامرة وهي تراه يدخل في تلك الفجوة بقدميه أولا ، ثم يزحف بباقي جسده ويختفي داخلها ، بعد أن أسدل النباتات المتسلقة حولها ، وقبع في الفجوة ساعات طويلة ، كانت خلالها "سكينة" جالسة في مكانها من النافذة لا تبتعد عنها ، وهي تترقب خروجه منها ، ولا زالت الدهشة عالقة بذهنها والحيرة تربك تفكيرها ، ثم بغتة سمعت صوت كلبه الوولف الضخم وهو ينبح ، بعدما فك الخادم قيوده وأطلقه ليمرح مع سيده الصغير ، وأخذ الكلب يتقافز في المكان وهو يمد عنقه ويشم الهواء ، ثم جري ناحية مخبأ "عزيز" وهو ينبح نباحا متواصلا .
بعد فترة شاهدت "عزيزا" وهو يخرج زاحفا من الحفرة ، واستطاعت أن تتبين ـ مع أنه كان بعيدا ولم تكن تراه بوضوح ـ أنه كان خائفا ، فقد كان يلتفت حوله بتردد عندما أقبل عليه الكلب وهو ينبح ، ثم خيل إليها أن شيئا أسود يشبه الذنب امتد من الطفل ، والتف حول عنق الكلب في حركة خاطفة ، فسقط علي الأرض وهو يعوي عواء مؤلما بضع لحظات ، ثم ما لبثت أن ارتخت قوائمه وسقط علي الأرض جثة هامدة ، فتعالت صرخة مكتومة منها ، وقد ارتسم علي وجهها الرعب الفائق ممزوجا بالدهشة التي لم تبرح وجهها منذ ساعات طوال !!
عندما عاد الدكتور "عزام" إلي الفيلا ، وعرف بموت الكلب أخذ يتفحصه في اهتمام وقد أصابته حيرة كبيرة ، عندما تيقن أنه مات من أثر سم زعاف سري في جسده ، وعزي ذلك بعد تفكير إلي وجود ثعابين في الحديقة ، فنادي علي الخادم وأخذ يلوح له ، ويشير في كل الاتجاهات معنفا :
ـ لقد أهملت الحديقة حتي هاجمتها الزواحف السامة ، نظفها فورا وتخلص من الحشائش ، وابحث عن تلك الهوام واقتلها في الحال .
فهم الرجل ما تعنيه إشارات الدكتور "عزام" وقرأ في أسارير وجهه الغضب ، فهتف يقول مدافعا عن نفسه :
ـ إنني يا دكتور اهتم بالحديقة ، ولا أهملها أبدا ، وإنني علي يقين أنه لا توجد زواحف سامة .
أما "سكينة" فقد سمعت الحوار من حجرتها ، وكانت تنصت لكل حركة وكلمة تقال بقلب واجف ، والتزمت الصمت المطبق ، مع أنها كانت هي الأخرى في حيرة من أمر الطفل الذي كان يلعب أمامها ويلهو في براءة ، ولم يظهر عليه أنه قد فعل شيئا يلام عليه !!

جمال عبد القادر الجلاصي
20/11/2007, 04:42 PM
المبدعة الرقيقة فائزة

أقرأ باهتمام بالغ هذا الإبداع المميز

بانتظار إكمال البقية تقبلي مودتي

فايزة شرف الدين
20/11/2007, 11:23 PM
:surp: المبدع جمال الجلاصي
يبدو أنك تعاطفت مع سكينة ، حتي أطلقت علي سكينة ، ويالها من مسكينة !ّ
الغريب في الأمر بعد كتابتي لهذه القصة ونشرها ، أن موقف الدكتور عزام من سكينة في الفصل الأول ، قد حدث كأنه سيناريو لفتاة تعمل ممرضة تحمل نفس الاسم ويتيمة وتعيش نفس ظروف شخصبةالرواية ، واعتدى عليها طبيب بالضرب المبرح والقدح العنيف ، وفي برنامج شهير ، صرح الجميع أن الطبيب كان يكره الفتاة سكينة لأنها غير جميلة !!
كم هو قاس أن نتعامل مع الناس من خلال أشكالهم ، لا من خلال قلوبهم وأفعالهم .
شكرا لك وخالص تحياتي

جمال عبد القادر الجلاصي
24/11/2007, 10:53 AM
صدقا لم أحس قط أن سكينة غير جميلة

لأني أعتقد أن الجمال هو جمال المشاعر والقلوب

محبتي

فاطمه بنت السراة
20/07/2008, 05:02 AM
:

رائع بدأ الجد.
والكلب كان أول الحوادث.

أجدت في توضيح صفة الطفل العقرب في البيت أو في حفرة الحديقة.

أعجبني تعليق أ. جمال الجلاصي بخصوص سكينة, التي أحسنتِ بإظهار أمومتها المتلهفة والتي أضفت عليها طهارة وجمال, مع الإشارة الى حبها المخنوق للدكتور عزام والذي صبته في ابنها (نسخة أبيه).

غاليتي فايزة..

أنا أيضا لا أعتقد بأنهم نجحوا في الاستنساخ البشري إذ أن استنساخ الحيوان كانت له عوائق كثيرة فما بالك بالإنسان, إذ عانت الحيوانات المستنسخة من ضعف شديد في جهاز المناعة, وسرعة الإصابة بالأورام الخبيثة وأمراض الجهاز العصبي, وما أمر النعجة (دولي) عنا ببعيد التي تم قتلها بإبرة خاصة بعد إصابتها بسرطان الرئة.

أحببت طريقة عرضك لكل جزء بادئة بعنوان صغير: معمل أبحاث الدكتور عزام/ اقتحام بنك البويضات بلندن/ نسخة الدكتور عزام.....الخ طريقة عملية ومريحة جداً للقارئ.

موفقة بإذن الله


http://www.10neen.com/up/uploads/ad38968e7a.gif (http://www.10neen.com/up/)

فاطمه بنت السراة
20/07/2008, 05:02 AM
:

رائع بدأ الجد.
والكلب كان أول الحوادث.

أجدت في توضيح صفة الطفل العقرب في البيت أو في حفرة الحديقة.

أعجبني تعليق أ. جمال الجلاصي بخصوص سكينة, التي أحسنتِ بإظهار أمومتها المتلهفة والتي أضفت عليها طهارة وجمال, مع الإشارة الى حبها المخنوق للدكتور عزام والذي صبته في ابنها (نسخة أبيه).

غاليتي فايزة..

أنا أيضا لا أعتقد بأنهم نجحوا في الاستنساخ البشري إذ أن استنساخ الحيوان كانت له عوائق كثيرة فما بالك بالإنسان, إذ عانت الحيوانات المستنسخة من ضعف شديد في جهاز المناعة, وسرعة الإصابة بالأورام الخبيثة وأمراض الجهاز العصبي, وما أمر النعجة (دولي) عنا ببعيد التي تم قتلها بإبرة خاصة بعد إصابتها بسرطان الرئة.

أحببت طريقة عرضك لكل جزء بادئة بعنوان صغير: معمل أبحاث الدكتور عزام/ اقتحام بنك البويضات بلندن/ نسخة الدكتور عزام.....الخ طريقة عملية ومريحة جداً للقارئ.

موفقة بإذن الله


http://www.10neen.com/up/uploads/ad38968e7a.gif (http://www.10neen.com/up/)

فايزة شرف الدين
21/07/2008, 06:31 AM
عندما قرأت العلاقة بين الناسخ والمستنسخ ، ورأي فقهاء الدين بعد أن غطى المرجع العلمي كل شيء عن الاستنساخ .. فإنهم أجمعوا أن العلاقة ليست بنوة مطلقا .. وربما لم يستطيعوا وضع وصف لهذه العلاقة الغريبة جدا ، والتي تخرج عن ناموس خالقنا .
كما أن العلاقة بين المستنسخ ومن حملته في بطنها .. ليست إلا وعاء فقط لأنه ببساطة لم يأخذ أي مورثات منها ، فالبويضة الغريبة أخلي منها ما تحتوية من مورثات وتلقفت هي خلية الدكتور عزام ، بما تحمله من مورثات عددها 46 مورث .. وفي القصة نوهت أن سكينة أرضعت الطفل كي تكون أمه بالرضاعة .. وهذا ضايق الدكتور عزام .
أما فيما يخص ضعف المناعة بالنسبة للمستنسخ واستحالة استنساخ إنسان .. فهذا لأن الخلية عموما مع كل ثانية تمر فإن أطرافها تتآكل ، وهذه الأطراف تسمى بلوميرات .. ومع تقدم العمر تتهالك هذه الخلية ويبدأ يصيبها العطب .. من أجل ذلك تصاب الكائنات بالشيخوخة ، وتموت من جرائها .
ستجدين أنني نوهت عن هذه المعلومات في سياق الرواية .. وفي عرض لبرنامج مصطفي محمود منذ زمن .. تكلم عن تدخل الإنسان ، وتم عرض الأجنة المشوهة التي لم تنتم إلي عالم الحيوان أو الإنسان .. فقد فجر الإنسان وظن نفسه أن قادر على الخلق والتغيير ,
وكما قلت في ردي سابقا .. عندما قرأت مقولة العقاد " لو عرفت تكوين الخلية الأولية لصنعت كونا " .. انتابني ضيق شديد لغرور هذا الرجل وتجرؤه على الله .
لكني بعد سنوات قليلة أدركت مقولة هذا الرجل العبقري الذي قال هذه العبارة منذ عدة عقود .. فالخلية الأولية هي من صنع الله وحده واستحالة أن يصنعها إنسان .. فمن هذه الخلية يتم استساخ ما في الكون .


http://www.10neen.com/up/uploads/7b503592d7.gif (http://www.10neen.com/up/)

فايزة شرف الدين
21/07/2008, 06:31 AM
عندما قرأت العلاقة بين الناسخ والمستنسخ ، ورأي فقهاء الدين بعد أن غطى المرجع العلمي كل شيء عن الاستنساخ .. فإنهم أجمعوا أن العلاقة ليست بنوة مطلقا .. وربما لم يستطيعوا وضع وصف لهذه العلاقة الغريبة جدا ، والتي تخرج عن ناموس خالقنا .
كما أن العلاقة بين المستنسخ ومن حملته في بطنها .. ليست إلا وعاء فقط لأنه ببساطة لم يأخذ أي مورثات منها ، فالبويضة الغريبة أخلي منها ما تحتوية من مورثات وتلقفت هي خلية الدكتور عزام ، بما تحمله من مورثات عددها 46 مورث .. وفي القصة نوهت أن سكينة أرضعت الطفل كي تكون أمه بالرضاعة .. وهذا ضايق الدكتور عزام .
أما فيما يخص ضعف المناعة بالنسبة للمستنسخ واستحالة استنساخ إنسان .. فهذا لأن الخلية عموما مع كل ثانية تمر فإن أطرافها تتآكل ، وهذه الأطراف تسمى بلوميرات .. ومع تقدم العمر تتهالك هذه الخلية ويبدأ يصيبها العطب .. من أجل ذلك تصاب الكائنات بالشيخوخة ، وتموت من جرائها .
ستجدين أنني نوهت عن هذه المعلومات في سياق الرواية .. وفي عرض لبرنامج مصطفي محمود منذ زمن .. تكلم عن تدخل الإنسان ، وتم عرض الأجنة المشوهة التي لم تنتم إلي عالم الحيوان أو الإنسان .. فقد فجر الإنسان وظن نفسه أن قادر على الخلق والتغيير ,
وكما قلت في ردي سابقا .. عندما قرأت مقولة العقاد " لو عرفت تكوين الخلية الأولية لصنعت كونا " .. انتابني ضيق شديد لغرور هذا الرجل وتجرؤه على الله .
لكني بعد سنوات قليلة أدركت مقولة هذا الرجل العبقري الذي قال هذه العبارة منذ عدة عقود .. فالخلية الأولية هي من صنع الله وحده واستحالة أن يصنعها إنسان .. فمن هذه الخلية يتم استساخ ما في الكون .


http://www.10neen.com/up/uploads/7b503592d7.gif (http://www.10neen.com/up/)