المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفصل السادس من رواية الرجل العقرب



فايزة شرف الدين
27/10/2007, 01:12 PM
تأنيب الضمير :
في الأيام التالية تصدرت العناوين الرئيسية للصحف قصة الموت الغامض للراقصة ورفيقيها ، وبعد أيام قلائل أعلنت نتيجة التشريح ، وكانت مذهلة وغير متوقعة ، فقد صرح المسؤولون عن التحقيق أن الثلاثة ماتوا بلسعات قاتلة من العقارب .
وأدلي كثير من العلماء في الصحف والإذاعة والتلفزيون عن دهشته لهذه النتيجة ، تساءلوا كيف تمكنت العقارب من التواجد في مثل هذا المكان! وفي مثل هذه البيئة! وشكك الكثيرون أنه حادث مدبر ، وذلك بعد أن أحضر مجهول أو مجهولون العقارب من الصعيد أو الصحراء ، ووجدوا وسيلة ما للقضاء علي هؤلاء الثلاثة ، وأرجعوا الجريمة إلي دافع الانتقام أو الشرف .
تواردت أخبار أكثر إثارة ، فقد مات ضحايا كثيرون بلسعات العقارب ، وبدأت الصحف تهاجم المسؤولين عن الإهمال الجسيم في محاربتها ، وشنت حملة عنيفة للقضاء علي العقارب ، ورصدت جوائز مالية لمن يصطاد العقارب حية أو ميتة .
كان "عزيز" قد اشترى سيارة بجزء من الأموال التي ربحها ، وكان يضعها في مكان مهجور قريب من الفيلا ، وفي الليل يتسلل منها ، ويستقل السيارة ويبدأ في اصطياد فرائسه ، وأصبحت لذته التي لا غني عنها أو العيش بدونها لسع ضحيته بعد أن تأمن له ، ويستدرجها إلي أحد الشوارع الخالية ، أو الأماكن المهجورة ، ثم التخلص منها .
ثم بدأ يغير خططه ، وأصبح يجد متعة ولذة في اصطحاب ضحيته إلي الصحراء ، وبعد أن يلسعها يدسها في التراب .
أصيب الناس بفزع ورعب شديدين ، بعدما أعلن علي الملء أن هناك ثمة غموض رهيب يحيط بهؤلاء الضحايا ، ولا يستبعد أن يكون عدوا خارجيا يسلط هذه المخلوقات ؛ لبث الرعب بين الشعب ، وأصدر بيان عام بالابتعاد عن الأماكن المهجورة ، وعدم السير في الأماكن الخالية ، وبالرغم من ذلك كانت الحوادث تتزايد ، ويأتي كل صباح بالأخبار المثيرة المفزعة عن ضحايا جدد .
كان الدكتور "أسعد" يطالع الصحف ، ويتابع الأخبار في الإذاعة والتلفزيون باهتمام بالغ ، وبدأت الهواجس والريب تجتاح فكره ، فمنذ سبعة عشر عاما ساعد في استنساخ مخلوق مسخ ، وكان يحمل مورثات العقرب ، وبالرغم من أنه لم يره بعد مولده مطلقا ، ولم يعد يعرف عنه شيئا بعدما أسدل الدكتور "عزام" ستارا كثيفا ، وعتم علي أي معلومات عن مدي نجاح هذه التجربة المثيرة مع تقدم عمر هذا المخلوق .
ومن ثم بدأ يشعر بتأنيب الضمير ، وأنه شريك في هذه الجرائم التي راح ضحيتها أبرياء ، وانتابته الحيرة البالغة في مواجهة هذه المشكلة المخيفة ، أيضا الفزع من عقاب الدكتور "عزام" الذي يستطيع بإشارة من إصبعه القضاء علي مستقبله ، بل وتصفيته جسديا ، وعلي الجانب الآخر فلن تصدقه السلطات وستعتبره مجنونا إذا اعترف لهم بجرمه ، هذا بالإضافة إلي عقاب المجتمع له إذا قدر أن يصدقوا هذه الحقائق .
أصابته حيرة قاتلة وأعياه التفكير ، حتي اهتدي لحل لم يجد مفرا منه علي الرغم من خطورته ، وقرر بعد أن استجمع قوته وإرادته أن يتصل "بسكينة" التي لم يعد يراها منذ ولادتها نسخ الدكتور "عزام" .
دق رنين الهاتف في فيلا الدكتور "عزام" ، وكان هذا حدثا غريبا ، فمن النادر أن يصلصل صوته ، فرقمه سري ولا يعرفه أحد ، وتطرق صوته إلي "سكينة" وهو يرن بإلحاح شديد ، وكانت في حجرتها فهبطت إلي الطابق السفلي ، وتقدمت إليه ببطء وتردد ، ورفعت سماعته ويدها ترتجف ، وتناهى إليها صوت مألوف عبر الخط الآخر ، ومع ذلك لم تستطع أن تميزه ، هتف الصوت :
ـ إنني الدكتور "أسعد" .
تمتمت "سكينة" بفتور:
ـ أهلا يا دكتور .
قال بانفعال :
ـ أريد أن ألقاك لأمر هام .
دق قلبها سريعا وهي تسمع نبرات صوته المنفعل ، تبادر إلي ذهنها من فورها أنه يريد أن يحدثها عن أمر يخص نسخ الدكتور "عزام" ، فحاولت أن تتكلم بصوت ثابت وهي تتساءل :
ـ ما هو يا دكتور ؟
صاح :
ـ لا أستطيع البوح في التليفون ، قابليني غدا في حديقة الأورمان الساعة العاشرة والنصف صباحا ، بعد أن تتأكدي من مغادرة الدكتور "عزام" الفيلا .
وضعت "سكينة" سماعة الهاتف بذهن غائب ، ولاح علي وجهها شرود ، جعلها لا تسمع خطوات الدكتور "عزام" المتلصصة حتي أصبح خلفها تماما ، وعندما التفتت لتصعد إلي حجرتها وجدته أمامها ، أجفلت بعنف وتراجعت إلي الوراء في رهبة .
بدا علي وجهه شبح ابتسامة متوعدة تنذر بالويل ، وهتف بصوت بارد كنصل السكين :
ـ مع من كنت تتكلمين ؟
كان وجهها شاحبا كالأموات ، ازدردت ريقها بصعوبة ، وقالت في محاولة يائسة لتكون رابطة الجأش :
ـ الدكتور "أسعد" .
رمقه بازدراء وهو يقول بحدة :
ـ ماذا كان يريد ؟
ـ كان يريدك لأمر هام لم يخبرني عنه .
لم ينبس الدكتور "عزام" بشفة ، فقط أدار ظهره لها متوجها إلي مكتبه ، ودخله بعد أن دس مفتاح من مفاتيح كثيرة معلقة في سلسلة أنيقة من الذهب ، ثم صفق الباب بعنف .
تنفست "سكينة" الصعداء ، وصعدت في السلالم ، وفي طريقها إلي حجرتها ألقت نظرة علي حجرة "عزيز" المغلقة بإحكام ، وكان يسودها سكون عجيب كسكون الأموات ، وهو قابع داخلها لا يتحرك في مكانه المعهود من الصوان .
جلست خلف نافذتها المطلة علي الحديقة ، وعادت بذاكرتها إلي الوراء ، منذ كان "عزيز" في الثامنة من عمره ، فقد كذبت عينيها عندما لمحت الذنب القاتل ، يلتف حول الكلب الوولف ليختفي فجأة ، وانتابها الشك ، وساورتها الظنون في أن "عزيزا" كان وراء تلك الحوادث ، التي قرأتها في الصحف ، وسمعتها في الإذاعة والتلفزيون ، ثم بدأ الشك يتحول إلي يقين بعد أن رأته يتسلل من حجرته خلسة ، ثم يخرج من الفيلا في جنح الظلام .
كان شعورها غريبا ، فقد أحست بالرثاء والخوف علي "عزيز" ، ولم يخالجها أي شفقة علي هؤلاء الضحايا الذين سقطوا موتي بعد أن سرى السم الزعاف إلي أجسادهم ، لأنهم أيضا جلادون مثل الدكتور "عزام" .
لقد كانت أول ضحايا هذا الرجل الرهيب الذي سلبها آدميتها وإرادتها ؛ ثم "عزيز" المسكين الذي فقد هويته كإنسان أو حتي حيوان ، لقد أصبحت علي يقين أن الدكتور "أسعد" يشاركها هذا السر الخطير ، وعليها أن تناضل من أجل ابنها .
في هدأة الليل سمعت صوت صرير نافذة "عزيز" تفتح ، ثم حفيف أوراق الشجرة المقابلة للنافذة واصطكاك فروعها وتكسرها ، وأبصرت شبحه يتسلل في الظلام المخيف ، ويتلاشى في الغبش الداكن ، وانتابها خوف غامض ، ليس منه ، بل عليه .
في الموعد المحدد جلس الدكتور"أسعد" ينتظر في حديقة الأورمان علي إحدى الأرائك الخشبية المتناثرة في الحديقة ، كان القلق يرتسم علي وجهه ، ثم أصبح أكثر توترا وهو ينظر إلي ساعته من وقت لآخر ، ثم بدأ يصوب نظراته المترقبة إلي البوابة الضخمة للحديقة .
بعد فترة من الترقب القلق أبصر "سكينة" مقبلة تتعثر في خطواتها ، فلبث في مكانه لا يتحرك حتي أصبحت قبالته ، فقام وهو يهتف هامسا:
ـ أهلا يا "سكينة" .
ثم أضاف وهو ينظر حوله بحذر ، تعالي إلى مكان منعزل بعيدا عن الأنظار .
سارا خلال الحديقة عدة دقائق وكانت خالية من الزوار تقريبا ، ووقع اختيار الدكتور "اسعد" علي مكان يشبه الدغل بأشجاره المتكاثفة ، ووقفا في ظلال الفروع المتشابكة يحتمون بها من حرارة الشمس التي كانت ترسل أشعتها الحارقة .
قال وهو يجفف العرق المتصبب علي جبينه ، ثم ينزلق علي رقبته :
ـ إنك بالتأكيد قد خمنت لماذا استدعيتك إلي هذا المكان ؟
أومأت برأسها دون أن تنبس بشفة ، قال بصوت خافت مضطرب:
ـ إن الموقف يزداد سوءا ، ويجب أن نحسم هذا الأمر .
صرخت وقد برقت عيناها ببريق لامع ، وارتسم علي وجهها غضب فائق ، وهي تكشر عن أنيابها كلبؤة تدافع عن شبلها :
ـ ماذا ستفعل إذن ؟
انتابه ذعر عارم لرد فعلها غير المتوقع ، وهمس محذرا وهو يلتفت حوله :
ـ أرجوك اخفضي صوتك ، فالأمر خطير .
ثم استطرد بانفعال ..
ـ لا يوجد إنسان غيرك أستطيع أن أتعاون معه لوقف هذه الجرائم البشعة .
سألته بتهكم وسخرية :
ـ وماذا سنفعل ؟ وما دورنا نحن ؟!
قال دون تردد وهو ينظر إليها مليا :
ـ نقضي علي نسخة الدكتور "عزام" .
تضرج وجهها بالدماء ، وقد انتابها غضب مروع وصرخت فيه بعنف :
ـ إنه ضحية الدكتور "عزام" وكنت أنت شريكه في هذه المؤامرة ، وقبل أن تحاكمه وتصدر عليه الحكم ، كان يجب أن تحاكم الدكتور "عزام" ونفسك .
هتف بتوسل :
ـ أرجوك يا "سكينة" ..
قاطعته وهي تقول بصوت حازم متوعد :
ـ لن أعطي الفرصة لأي شخص في هذا الوجود لسلب حياة ابني ، وإذا سولت نفسك شيء ، فسوف أقضي عليك دون رحمة.
ثم التفتت بحدة وخطت خطوات ثابتة واثقة ، تاركة الدكتور "أسعد" وهو يشيعها بنظراته تائها حائرا ، وقد تجمد في مكانه متخاذلا ، لا يستطيع النهوض ، فقد أضناه تأنيب الضمير من جهة ، ومن جهة أخري سيطر عليه الرعب لمصيره الرهيب علي يد الدكتور "عزام" ، إذا انكشف أمر النسخ .

فايزة شرف الدين
27/10/2007, 01:12 PM
تأنيب الضمير :
في الأيام التالية تصدرت العناوين الرئيسية للصحف قصة الموت الغامض للراقصة ورفيقيها ، وبعد أيام قلائل أعلنت نتيجة التشريح ، وكانت مذهلة وغير متوقعة ، فقد صرح المسؤولون عن التحقيق أن الثلاثة ماتوا بلسعات قاتلة من العقارب .
وأدلي كثير من العلماء في الصحف والإذاعة والتلفزيون عن دهشته لهذه النتيجة ، تساءلوا كيف تمكنت العقارب من التواجد في مثل هذا المكان! وفي مثل هذه البيئة! وشكك الكثيرون أنه حادث مدبر ، وذلك بعد أن أحضر مجهول أو مجهولون العقارب من الصعيد أو الصحراء ، ووجدوا وسيلة ما للقضاء علي هؤلاء الثلاثة ، وأرجعوا الجريمة إلي دافع الانتقام أو الشرف .
تواردت أخبار أكثر إثارة ، فقد مات ضحايا كثيرون بلسعات العقارب ، وبدأت الصحف تهاجم المسؤولين عن الإهمال الجسيم في محاربتها ، وشنت حملة عنيفة للقضاء علي العقارب ، ورصدت جوائز مالية لمن يصطاد العقارب حية أو ميتة .
كان "عزيز" قد اشترى سيارة بجزء من الأموال التي ربحها ، وكان يضعها في مكان مهجور قريب من الفيلا ، وفي الليل يتسلل منها ، ويستقل السيارة ويبدأ في اصطياد فرائسه ، وأصبحت لذته التي لا غني عنها أو العيش بدونها لسع ضحيته بعد أن تأمن له ، ويستدرجها إلي أحد الشوارع الخالية ، أو الأماكن المهجورة ، ثم التخلص منها .
ثم بدأ يغير خططه ، وأصبح يجد متعة ولذة في اصطحاب ضحيته إلي الصحراء ، وبعد أن يلسعها يدسها في التراب .
أصيب الناس بفزع ورعب شديدين ، بعدما أعلن علي الملء أن هناك ثمة غموض رهيب يحيط بهؤلاء الضحايا ، ولا يستبعد أن يكون عدوا خارجيا يسلط هذه المخلوقات ؛ لبث الرعب بين الشعب ، وأصدر بيان عام بالابتعاد عن الأماكن المهجورة ، وعدم السير في الأماكن الخالية ، وبالرغم من ذلك كانت الحوادث تتزايد ، ويأتي كل صباح بالأخبار المثيرة المفزعة عن ضحايا جدد .
كان الدكتور "أسعد" يطالع الصحف ، ويتابع الأخبار في الإذاعة والتلفزيون باهتمام بالغ ، وبدأت الهواجس والريب تجتاح فكره ، فمنذ سبعة عشر عاما ساعد في استنساخ مخلوق مسخ ، وكان يحمل مورثات العقرب ، وبالرغم من أنه لم يره بعد مولده مطلقا ، ولم يعد يعرف عنه شيئا بعدما أسدل الدكتور "عزام" ستارا كثيفا ، وعتم علي أي معلومات عن مدي نجاح هذه التجربة المثيرة مع تقدم عمر هذا المخلوق .
ومن ثم بدأ يشعر بتأنيب الضمير ، وأنه شريك في هذه الجرائم التي راح ضحيتها أبرياء ، وانتابته الحيرة البالغة في مواجهة هذه المشكلة المخيفة ، أيضا الفزع من عقاب الدكتور "عزام" الذي يستطيع بإشارة من إصبعه القضاء علي مستقبله ، بل وتصفيته جسديا ، وعلي الجانب الآخر فلن تصدقه السلطات وستعتبره مجنونا إذا اعترف لهم بجرمه ، هذا بالإضافة إلي عقاب المجتمع له إذا قدر أن يصدقوا هذه الحقائق .
أصابته حيرة قاتلة وأعياه التفكير ، حتي اهتدي لحل لم يجد مفرا منه علي الرغم من خطورته ، وقرر بعد أن استجمع قوته وإرادته أن يتصل "بسكينة" التي لم يعد يراها منذ ولادتها نسخ الدكتور "عزام" .
دق رنين الهاتف في فيلا الدكتور "عزام" ، وكان هذا حدثا غريبا ، فمن النادر أن يصلصل صوته ، فرقمه سري ولا يعرفه أحد ، وتطرق صوته إلي "سكينة" وهو يرن بإلحاح شديد ، وكانت في حجرتها فهبطت إلي الطابق السفلي ، وتقدمت إليه ببطء وتردد ، ورفعت سماعته ويدها ترتجف ، وتناهى إليها صوت مألوف عبر الخط الآخر ، ومع ذلك لم تستطع أن تميزه ، هتف الصوت :
ـ إنني الدكتور "أسعد" .
تمتمت "سكينة" بفتور:
ـ أهلا يا دكتور .
قال بانفعال :
ـ أريد أن ألقاك لأمر هام .
دق قلبها سريعا وهي تسمع نبرات صوته المنفعل ، تبادر إلي ذهنها من فورها أنه يريد أن يحدثها عن أمر يخص نسخ الدكتور "عزام" ، فحاولت أن تتكلم بصوت ثابت وهي تتساءل :
ـ ما هو يا دكتور ؟
صاح :
ـ لا أستطيع البوح في التليفون ، قابليني غدا في حديقة الأورمان الساعة العاشرة والنصف صباحا ، بعد أن تتأكدي من مغادرة الدكتور "عزام" الفيلا .
وضعت "سكينة" سماعة الهاتف بذهن غائب ، ولاح علي وجهها شرود ، جعلها لا تسمع خطوات الدكتور "عزام" المتلصصة حتي أصبح خلفها تماما ، وعندما التفتت لتصعد إلي حجرتها وجدته أمامها ، أجفلت بعنف وتراجعت إلي الوراء في رهبة .
بدا علي وجهه شبح ابتسامة متوعدة تنذر بالويل ، وهتف بصوت بارد كنصل السكين :
ـ مع من كنت تتكلمين ؟
كان وجهها شاحبا كالأموات ، ازدردت ريقها بصعوبة ، وقالت في محاولة يائسة لتكون رابطة الجأش :
ـ الدكتور "أسعد" .
رمقه بازدراء وهو يقول بحدة :
ـ ماذا كان يريد ؟
ـ كان يريدك لأمر هام لم يخبرني عنه .
لم ينبس الدكتور "عزام" بشفة ، فقط أدار ظهره لها متوجها إلي مكتبه ، ودخله بعد أن دس مفتاح من مفاتيح كثيرة معلقة في سلسلة أنيقة من الذهب ، ثم صفق الباب بعنف .
تنفست "سكينة" الصعداء ، وصعدت في السلالم ، وفي طريقها إلي حجرتها ألقت نظرة علي حجرة "عزيز" المغلقة بإحكام ، وكان يسودها سكون عجيب كسكون الأموات ، وهو قابع داخلها لا يتحرك في مكانه المعهود من الصوان .
جلست خلف نافذتها المطلة علي الحديقة ، وعادت بذاكرتها إلي الوراء ، منذ كان "عزيز" في الثامنة من عمره ، فقد كذبت عينيها عندما لمحت الذنب القاتل ، يلتف حول الكلب الوولف ليختفي فجأة ، وانتابها الشك ، وساورتها الظنون في أن "عزيزا" كان وراء تلك الحوادث ، التي قرأتها في الصحف ، وسمعتها في الإذاعة والتلفزيون ، ثم بدأ الشك يتحول إلي يقين بعد أن رأته يتسلل من حجرته خلسة ، ثم يخرج من الفيلا في جنح الظلام .
كان شعورها غريبا ، فقد أحست بالرثاء والخوف علي "عزيز" ، ولم يخالجها أي شفقة علي هؤلاء الضحايا الذين سقطوا موتي بعد أن سرى السم الزعاف إلي أجسادهم ، لأنهم أيضا جلادون مثل الدكتور "عزام" .
لقد كانت أول ضحايا هذا الرجل الرهيب الذي سلبها آدميتها وإرادتها ؛ ثم "عزيز" المسكين الذي فقد هويته كإنسان أو حتي حيوان ، لقد أصبحت علي يقين أن الدكتور "أسعد" يشاركها هذا السر الخطير ، وعليها أن تناضل من أجل ابنها .
في هدأة الليل سمعت صوت صرير نافذة "عزيز" تفتح ، ثم حفيف أوراق الشجرة المقابلة للنافذة واصطكاك فروعها وتكسرها ، وأبصرت شبحه يتسلل في الظلام المخيف ، ويتلاشى في الغبش الداكن ، وانتابها خوف غامض ، ليس منه ، بل عليه .
في الموعد المحدد جلس الدكتور"أسعد" ينتظر في حديقة الأورمان علي إحدى الأرائك الخشبية المتناثرة في الحديقة ، كان القلق يرتسم علي وجهه ، ثم أصبح أكثر توترا وهو ينظر إلي ساعته من وقت لآخر ، ثم بدأ يصوب نظراته المترقبة إلي البوابة الضخمة للحديقة .
بعد فترة من الترقب القلق أبصر "سكينة" مقبلة تتعثر في خطواتها ، فلبث في مكانه لا يتحرك حتي أصبحت قبالته ، فقام وهو يهتف هامسا:
ـ أهلا يا "سكينة" .
ثم أضاف وهو ينظر حوله بحذر ، تعالي إلى مكان منعزل بعيدا عن الأنظار .
سارا خلال الحديقة عدة دقائق وكانت خالية من الزوار تقريبا ، ووقع اختيار الدكتور "اسعد" علي مكان يشبه الدغل بأشجاره المتكاثفة ، ووقفا في ظلال الفروع المتشابكة يحتمون بها من حرارة الشمس التي كانت ترسل أشعتها الحارقة .
قال وهو يجفف العرق المتصبب علي جبينه ، ثم ينزلق علي رقبته :
ـ إنك بالتأكيد قد خمنت لماذا استدعيتك إلي هذا المكان ؟
أومأت برأسها دون أن تنبس بشفة ، قال بصوت خافت مضطرب:
ـ إن الموقف يزداد سوءا ، ويجب أن نحسم هذا الأمر .
صرخت وقد برقت عيناها ببريق لامع ، وارتسم علي وجهها غضب فائق ، وهي تكشر عن أنيابها كلبؤة تدافع عن شبلها :
ـ ماذا ستفعل إذن ؟
انتابه ذعر عارم لرد فعلها غير المتوقع ، وهمس محذرا وهو يلتفت حوله :
ـ أرجوك اخفضي صوتك ، فالأمر خطير .
ثم استطرد بانفعال ..
ـ لا يوجد إنسان غيرك أستطيع أن أتعاون معه لوقف هذه الجرائم البشعة .
سألته بتهكم وسخرية :
ـ وماذا سنفعل ؟ وما دورنا نحن ؟!
قال دون تردد وهو ينظر إليها مليا :
ـ نقضي علي نسخة الدكتور "عزام" .
تضرج وجهها بالدماء ، وقد انتابها غضب مروع وصرخت فيه بعنف :
ـ إنه ضحية الدكتور "عزام" وكنت أنت شريكه في هذه المؤامرة ، وقبل أن تحاكمه وتصدر عليه الحكم ، كان يجب أن تحاكم الدكتور "عزام" ونفسك .
هتف بتوسل :
ـ أرجوك يا "سكينة" ..
قاطعته وهي تقول بصوت حازم متوعد :
ـ لن أعطي الفرصة لأي شخص في هذا الوجود لسلب حياة ابني ، وإذا سولت نفسك شيء ، فسوف أقضي عليك دون رحمة.
ثم التفتت بحدة وخطت خطوات ثابتة واثقة ، تاركة الدكتور "أسعد" وهو يشيعها بنظراته تائها حائرا ، وقد تجمد في مكانه متخاذلا ، لا يستطيع النهوض ، فقد أضناه تأنيب الضمير من جهة ، ومن جهة أخري سيطر عليه الرعب لمصيره الرهيب علي يد الدكتور "عزام" ، إذا انكشف أمر النسخ .

فاطمه بنت السراة
23/07/2008, 09:35 AM
:

هنا الخوف والفوضى عمت البلد من جراء الحوادث الغامضة والمتكررة.
تحذيرات مخيفة للمواطن: لا تخرج في الليل. تجنب الأماكن المظلمة. ابتعد عن الأماكن المهجورة ..............الخ,
ثم حالة استنفار للجميع ورصد جوائز مالية لمن يساعدهم في اصطياد العقارب التي أودت بحياة الكثيرين.

الأم عرفت (ماهية الخطر الذي يحيق بابنها) بحدسها زائد تذكرها للحادثة القديمة.
الدكتور أسعد صحى ضميره, لكن خوفه على نفسه وعلى مستقبله, ثم على (تغيّر) زميلته وانقلابها قد يجعله يتردد.

غاليتي فايزة
القصة مشوقة
وصديقتك بإذن الله متابعة الى النهاية.

دمت في حفظ الله


أخطاء مطبعية بسيطة:
علي الملء = على الملأ
رمقه بازدراء = رمقها
الضحايا الذين سقطوا موتي = موتى

كإنسان أو حتي حيوان = حتى
أخري = أخرى
(حتى وعلى تكررت أكثر من مرة بالياء وليس بالألف المقصورة). هي أخطاء مطبعية ولكن يجب تلافيها

فايزة شرف الدين
23/07/2008, 04:12 PM
أهلا بالغالية فاطمة .. ونعم الصديقة أنت .
أهمس في أذنك أنني لم أكن أميز بين الياء والألف المقصورة أثناء الطباعة إلا منذ سنتين تقريبا .. حتى لفت نظري أحد النقاد إلى ذلك .. خاصة أنني كتبت كثيرا من الأعمال الروائية في ورق ومنها هذه الرواية .
شغوفة أن أقوم بالتصحيح .. ولكن الكلمات عندي أصبحت صغيرة جدا .. رغم أني وضعت خاصية التكبير عندي في حاسوبي .. وأعتقد أنه من الموقع ذاته .. وهذا جعلني لا أرى الكلمات جيدا .
إليك هذا التتر مرة أخرى .
ما زال هناك المثير وسوف يشتد الصراع ويحتدم إلي أن ....................



http://www.10neen.com/up/uploads/3829e7345a.gif (http://www.10neen.com/up/)

زاهية بنت البحر
24/07/2008, 04:39 AM
أتابع الرواية عزيزتي فايزة
أختك
بنت البحر

فايزة شرف الدين
24/07/2008, 08:48 PM
أهلا بك زاهيتي المبدعة :
العمل الروائي يحتاج جهد كبير ومراجعة دقيقة جدا .. ومع المراجعة لأكثر من مرة بعد إعادة كتابتي لهذه الرواية من الورق إلي الحاسوب .. فلازالت هناك أخطاء مطبعية .. وأرجو الإرشاد لأي خطأ .. وسأقوم بتكبير الخط ليتسني القراءة للجميع .. كما أرجو تكبير مشاركاتكم ليتسنى لي القراءة .
أشكرك على المتابعة


http://www.10neen.com/up/uploads/8e4a16925f.gif (http://www.10neen.com/up/)