المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفصل التاسع من رواية



فايزة شرف الدين
27/10/2007, 01:51 PM
الغيرة المميتة :
ــــــــــــــــــــــــــ

أصبح "عزيز" يرقب الدكتور "عزام" طيلة الوقت ، منذ مغادرته الفيلا حتى ذهابه إلي الكلية ، ثم أصبح أكثر جرأة ، وراقب مكتبه عن كثب ، ولمح الدكتور "أسعد" عدة مرات وهو يتردد عليه ، وتيقن أنه مساعده الذي ذكره في مذكراته ، ورآهما وهما يعبران الدهليز الطويل لمبنى الكلية ، وكان يبدو علي ملامحه المتوترة أنه يخشى الدكتور "عزام" ؟، ويرهب جانبه .

تيقن "عزيز" من خلال محاضرات الطلبة ، وأحاديثهم عن الدكتور "عزام" أنه يحظى باهتمام بالغ منهم ، وسمعة طيبة ، فقد أظهر الجانب الحسن من حياته ببراعة ، وأخفى بنفس تلك البراعة الجوانب المثيرة للمشاكل والشبهات .
خفق قلبه وكاد يقفز من بين ضلوعه ، عندما لمح "سارة" بقوامها الرائع المثير وشذا عطرها يسبقها ، ولمح لهيب عينيها الوضاءتين فأخفى وجهه وراء جريدة كان ممسكا بها ، وقاوم رغبة جامحة لمنعها من دخول مكتب الدكتور "عزام" ، عندما أصبحت بمحاذاته ، وبالقرب منه خطت عدة خطوات ، ثم أدارت ظهرها له ، وأصبحت في مواجهة باب مكتب الدكتور "عزام المغلق ، فنقرت عليه بيدها الرقيقة ، لمحها "عزيز" وهي تدخل بركن عينيه فتقدم مسرعا ، واستند علي سور الدهليز المقابل للمكتب مباشرة ، وتلصص النظر داخله فرآها تقترب من الدكتور "عزام" ، وأصاخ السمع ، وتطرق لأذنيه صوت الرجل يهتف بحرارة جياشة :
ـ لقد افتقدتك جدا يا "سارة" ، كأنني لم أرك منذ سنين .
صعد الدم إلى رأسه وشعر بالغضب الشديد عندما ، سمعها تقول ضاحكة :
ـ لقد كنا أمس معا .
عند ذلك خرج فوج من الطلبة من أحد المعامل القريبة من المكتب ، وكانوا يثيرون صخبا ويتجادلون بصوت مرتفع ، وفجأة رأي باب المكتب يغلق دونهما ، فشعر بالغيرة القاتلة ، وأن "سارة" قد خانته مع هذا الرجل ، فهي ملكه دونه ، وداخلته رغبة مجنونة بالفتك بأي شيء يقابله .
شعر بألم في مؤخرته ، ولحسن الحظ كان الدهليز خاليا من الطلبة ، عندما انبعث صوت تمزق سرواله بشكل حاد تحت وطأة الذنب الآخذ في التمدد ، ويكاد يهوي علي من يقابله ويفتك به .

كان "عزيز" يرتدي دائما معطفا طويلا لونه أسود ، فلم يظهر ذنبه الطويل الذي يكاد يمزقه أيضا ، ومشى مسرعا عبر الدهليز ، وهبط السلم إلي الطابق الأول بالكلية ، ومنه إلي الخارج ، وركب سيارته علي عجل وهو محموم .
مرق عبر البوابة الضخمة إلي خارج الجامعة ، وفي طريقه لمح إحدى الطالبات التي تعرف بها مؤخرا تلوح له بكلتى يديها بإلحاح ، فتوقف بسيارته بمحاذاتها ، فاستوت جانبه دون تردد ، وهتفت :
ـ من حسن حظي أنني وجدتك ، فلقد تعطلت سيارتي في الطريق وتركتها عند الميكانيكي .
ابتسم "عزيز" بغموض ، ولم تبصر الفتاة عينيه اللتين تبرقان بلهب مستعر من خلال المرآة التي أمامه ، غمغم بصوت هامس:
ـ هذا من حسن حظي أنا ، لأتمتع بصحبة فتاة رائعة الجمال .
سعدت الفتاة بكلمات الإطراء ، وقالت بدلال :
ـ أنت جنتلمان حقيقي !
مد "عزيز" يده برفق ، واحتوى يدها الصغيرة بين راحته ، فلم يجد مقاومة ، فرفع يدها وقربها من شفتيه وقبلها ، فصاحت الفتاة هامسة ، وهي تقترب منه وأنفاسها تلفح جانب وجهه .
ـ عزيز .. عزيز .
لم تلمح الفتاة الذنب القاتل ، وهو يتلوى في الجانب الآخر من السيارة كثعبان يتربص بفريسته .
قال "عزيز" ، وهو يضغط علي يدها بقوة :
ـ سنذهب إلي مكان سوف تحبينه كثيرا .
أومأت الفتاة برأسها موافقة ، وهي تشعر بنشوة عارمة لم تستطع مقاومتها ، اخترقت السيارة شوارع القاهرة المزدحمة ، ثم بدأت تمرق في شوارع أكثر هدوءا متجهة إلي الصحراء .
أثار غموض "عزيز" وجو الصحراء روح المغامرة في كيان الفتاة ، فصرخت وهي تشير إلي الرمال الصفراء اللامعة تحت أشعة الشمس المشرقة :
ـ هذه مفاجأة مذهلة يا "عزيز" !
عندما هبطا من السيارة هبت رياح لطيفة داعبت شعر الفتاة وتطاير مع الهواء ، فغمرتها بهجة عابثة ، واتكأت برأسها علي جسد "عزيز" القوي .
أشار إلى تل بعيد تطاول بين الرمال ، وصاح بها :
ـ هيا نذهب إلي هناك .

تواثبت الفتاة بخفة علي الرمال في بادئ الأمر ، وهو خلفها بخطوات ، ثم هبت ريح قوية انتزعت الرمال الناعمة ، فتناثرت حباتها في الهواء ، فأغمضت عينيها لحظات ، فكانت فرصة سانحة ليتخلص "عزيز" من معطفه الذي يشعره بالضيق . وتلقفها بين ذراعيه وجرى بها بخفة ، بينما كان ذيله يتدله خلفه ، ويتلوى هبوطا وصعودا ، وقد انفرجت ذوائبه التي تشبه الفكين بشكل مخيف ، لفت الفتاة ذراعيها حول رقبته ، وصدى صوت ضحكاتها العالية يتردد في الفضاء الفسيح .
وصلا عند التل ، ودخل بها إلي فجوة منحوتة فيه تشبه الكهف إلي حد كبير ، وأنزلها من بين ذراعيه ، اندهش "عزيز" بشدة عندما صاحت الفتاة مازحة ، وهي تشير إلي ذيله بسخرية عندما وقعت عيناها عليه للمرة الأولي :
ـ يبدو أنك متأثر بأفلام الرعب والحكايات السخيفة التي تقال هذه الأيام عن العقارب .
كان "عزيز" يجد لذة في لدغ ضحاياه ؛ عندما يمتلأ الرعب قلوبهم ، وتموت الكلمات في جوفهم ، وقبل أن تصل إلي حلوقهم ، ويرتسم الفزع علي وجوههم .
أما هذه الفتاة فقد كان وجهها خاليا من التعبير المفزع ، وارتسم عليه الرغبة المجنونة في أن يحتويها بين ذراعيه ، فأطبق بشفتيه علي شفتيها وتداعي جسديهما على الأرض الصلبة ، وهو يعتصرها بين ذراعيه القويتين ، وفتحت عينيها نشوانة وأدركت بغتة كل شيء .

كان وجهه مظلما مثل قطع الليل حالك السواد ، وعيناه تقذفان اللهب ، فبدا كالوحش الكاسر ، بينما كان ذيله الطويل يتحرك في ضوء الشمس الغاربة ، وهي تلقي ضوءها الخافت عليه ، ولمحت ظله الممتد على جدران الكهف الخشنة كثعبان الكوبرا الرهيب ، وهو يتراقص لينقض علي فريسته ، فاتسعت حدقتا عينيها اتساعا مخيفا ، وارتسم الرعب على وجهها ، عند ذلك امتد الذنب المميت ، والتف حول عنقها فشهقت شهقة واحدة ، وأخذت تنتفض ، لتخمد أنفاسها .

في اليوم التالي كان رجال البوليس يبحثون عن الفتاة الغائبة ، وقاموا بعمل تحقيقات واسعة للبحث عن سر اختفائها ، وأسفرت الجهود المضنية عن أن سر اختفائها مجهول !!

أخذ "عزيز" يتعقب لقاءات الدكتور "عزام" و"سارة" ، وكانا يلتقيان في أماكن مختلفة ، فبعد أن ينتهي الدكتور "عزام" من يومه في الكلية يتجه بسيارته إلي المكان الموعود ، وتكون "سارة" قد سبقته بسيارتها ، وكانا أحيانا يفعلان العكس .
في أحد اللقاءات جلسا تحت ظل شجرة وارفة أمام النيل في أحد الكازينوهات ، واستطاع "عزيز" أن يجد له مكانا في الجهة الأخرى من جذع الشجرة الضخم ، دون أن يلمحاه أو يشعرا بوجوده ، أخذ يصيخ السمع لما يقولانه ، سمع الدكتور "عزام" وهو يهتف بشوق :
ـ سوف أقابل والدك يا"سارة" ، وسأطلب يدك .
هتفت "سارة" بقلق :
ـ يجب أن أمهد الطريق وأهيئ أبي لقبول الفكرة ، فإنني أخشى رفضه .
أطلت مسحة حزن علي وجه الدكتور "عزام" ، وقال وهو ينقر علي المائدة بتوتر كبير :
ـ إنني أدرك سبب ترددك لمفاتحة والدك في الموضوع .
ثم أضاف بحسرة :
ـ لو كنت أصغر خمسة وعشرين عاما .
ثم استطرد قائلا قبل أن تتفوه بكلمة ..
ـ علي الرغم من ذلك فإنني علي يقين بأنني سوف أعوض فارق السن بيني وبينك ، وسأجعلك تعيشين في سعادة دائمة .
هتفت "سارة" بانفعال حار :
ـ إنني أدرك هذا تماما ، وتأكد أنني لم أنظر لفارق السن بيني وبينك في أي لحظة ، ويكفيني أن أكون بجانب رجل عظيم وأكون وراءه في كل لحظة من لحظات حياته . انتابت "عزيز" غيرة مميتة من هذه الكلمات المتدفقة حرارة ، وعاودته الرغبة المجنونة لقتل هذا الرجل في أسرع وقت ممكن الذي سلبه حياته ، وأيضا معشوقته .

جري من الكازينو حتي لا يسمع المزيد من هذه العبارات المتدفقة حرارة ، وتجعل قلبه يدمي ويقطر حقدا ، وبدأ "عزيز" يضع اللمسات النهائية للقضاء علي الدكتور "عزام" ، دون أن يترك أثرا يدل علي موته ، أو يثير الشكوك حوله ، عند ذلك سوف ينتحل شخصيته ويصبح الدكتور "عزام" .

فايزة شرف الدين
27/10/2007, 01:51 PM
الغيرة المميتة :
أصبح "عزيز" يرقب الدكتور "عزام" طيلة الوقت ، منذ مغادرته الفيلا حتي ذهابه إلي الكلية ، ثم أصبح أكثر جرأة ، وراقب مكتبه عن كثب ، ولمح الدكتور "أسعد" عدة مرات وهو يتردد عليه ، وتيقن أنه مساعده الذي ذكره في مذكراته ، ورآهما وهما يعبران الدهليز الطويل لمبني الكلية ، وكان يبدو علي ملامحه المتوترة أنه يخشى الدكتور "عزام" ؟، ويرهب جانبه .
تيقن "عزيز" من خلال محاضرات الطلبة ، وأحاديثهم عن الدكتور "عزام" أنه يحظى باهتمام بالغ منهم ، وسمعة طيبة ، فقد أظهر الجانب الحسن من حياته ببراعة ، وأخفي بنفس تلك البراعة الجوانب المثيرة للمشاكل والشبهات .
خفق قلبه وكاد يقفز من بين ضلوعه ، عندما لمح "سارة" بقوامها الرائع المثير وشذا عطرها يسبقها ، ولمح لهيب عينيها الوضاءتين فأخفى وجهه وراء جريدة كان ممسكا بها ، وقاوم رغبة جامحة لمنعها من دخول مكتب الدكتور "عزام" ، عندما أصبحت بمحاذاته ، وبالقرب منه خطت عدة خطوات ، ثم أدارت ظهرها له ، وأصبحت في مواجهة باب مكتب الدكتور "عزام المغلق ، فنقرت عليه بيدها الرقيقة ، لمحها "عزيز" وهي تدخل بركن عينيه فتقدم مسرعا ، واستند علي سور الدهليز المقابل للمكتب مباشرة ، وتلصص النظر داخله فرآها تقترب من الدكتور "عزام" ، وأصاخ السمع ، وتطرق لأذنيه صوت الرجل يهتف بحرارة جياشة :
ـ لقد افتقدتك جدا يا "سارة" ، كأنني لم أرك منذ سنين .
صعد الدم إلي رأسه وشعر بالغضب الشديد عندما ، سمعها تقول ضاحكة :
ـ لقد كنا أمس معا .
عند ذلك خرج فوج من الطلبة من أحد المعامل القريبة من المكتب ، وكانوا يثيرون صخبا ويتجادلون بصوت مرتفع ، وفجأة رأي باب المكتب يغلق دونهما ، فشعر بالغيرة القاتلة ، وأن "سارة" قد خانته مع هذا الرجل ، فهي ملكه دونه ، وداخلته رغبة مجنونة بالفتك بأي شيء يقابله .
شعر بألم في مؤخرته ، ولحسن الحظ كان الدهليز خاليا من الطلبة ، عندما انبعث صوت تمزق سرواله بشكل حاد تحت وطأة الذنب الآخذ في التمدد ، ويكاد يهوي علي من يقابله ويفتك به .
كان "عزيز" يرتدي دائما معطفا طويلا لونه أسود ، فلم يظهر ذنبه الطويل الذي يكاد يمزقه أيضا ، ومشى مسرعا عبر الدهليز ، وهبط السلم إلي الطابق الأول بالكلية ، ومنه إلي الخارج ، وركب سيارته علي عجل وهو محموم .
مرق عبر البوابة الضخمة إلي خارج الجامعة ، وفي طريقه لمح إحدى الطالبات التي تعرف بها مؤخرا تلوح له بكلتي يديها بإلحاح ، فتوقف بسيارته بمحاذاتها ، فاستوت جانبه دون تردد ، وهتفت :
ـ من حسن حظي أنني وجدتك ، فلقد تعطلت سيارتي في الطريق وتركتها عند الميكانيكي .
ابتسم "عزيز" بغموض ، ولم تبصر الفتاة عينيه اللتين تبرقان بلهب مستعر من خلال المرآة التي أمامه ، غمغم بصوت هامس:
ـ هذا من حسن حظي أنا ، لأتمتع بصحبة فتاة رائعة الجمال .
سعدت الفتاة بكلمات الإطراء ، وقالت بدلال :
ـ أنت جنتلمان حقيقي !
مد "عزيز" يده برفق ، واحتوى يدها الصغيرة بين راحته ، فلم يجد مقاومة ، فرفع يدها وقربها من شفتيه وقبلها ، فصاحت الفتاة هامسة ، وهي تقترب منه وأنفاسها تلفح جانب وجهه .
ـ عزيز .. عزيز .
لم تلمح الفتاة الذنب القاتل ، وهو يتلوى في الجانب الآخر من السيارة كثعبان يتربص بفريسته .
قال "عزيز" ، وهو يضغط علي يدها بقوة :
ـ سنذهب إلي مكان سوف تحبينه كثيرا .
أومأت الفتاة برأسها موافقة ، وهي تشعر بنشوة عارمة لم تستطع مقاومتها ، اخترقت السيارة شوارع القاهرة المزدحمة ، ثم بدأت تمرق في شوارع أكثر هدوءا متجهة إلي الصحراء .
أثار غموض "عزيز" وجو الصحراء روح المغامرة في كيان الفتاة ، فصرخت وهي تشير إلي الرمال الصفراء اللامعة تحت أشعة الشمس المشرقة :
ـ هذه مفاجأة مذهلة يا "عزيز" !
عندما هبطا من السيارة هبت رياح لطيفة داعبت شعر الفتاة وتطاير مع الهواء ، فغمرتها بهجة عابثة ، واتكأت برأسها علي جسد "عزيز" القوي .
أشار إلي تل بعيد تطاول بين الرمال ، وصاح بها :
ـ هيا نذهب إلي هناك .
تواثبت الفتاة بخفة علي الرمال في بادئ الأمر ، وهو خلفها بخطوات ، ثم هبت ريح قوية انتزعت الرمال الناعمة ، فتناثرت حباتها في الهواء ، فأغمضت عينيها لحظات ، فكانت فرصة سانحة ليتخلص "عزيز" من معطفه الذي يشعره بالضيق . وتلقفها بين ذراعيه وجري بها بخفة ، بينما كان ذيله يتدله خلفه ، ويتلوى هبوطا وصعودا ، وقد انفرجت ذوائبه التي تشبه الفكين بشكل مخيف ، لفت الفتاة ذراعيها حول رقبته ، وصدى صوت ضحكاتها العالية يتردد في الفضاء الفسيح .
وصلا عند التل ، ودخل بها إلي فجوة منحوتة فيه تشبه الكهف إلي حد كبير ، وأنزلها من بين ذراعيه ، اندهش "عزيز" بشدة عندما صاحت الفتاة مازحة ، وهي تشير إلي ذيله بسخرية عندما وقعت عيناها عليه للمرة الأولي :
ـ يبدو أنك متأثر بأفلام الرعب والحكايات السخيفة التي تقال هذه الأيام عن العقارب .
كان "عزيز" يجد لذة في لدغ ضحاياه ؛ عندما يمتلأ الرعب قلوبهم ، وتموت الكلمات في جوفهم ، وقبل أن تصل إلي حلوقهم ، ويرتسم الفزع علي وجوههم .
أما هذه الفتاة فقد كان وجهها خاليا من التعبير المفزع ، وارتسم عليه الرغبة المجنونة في أن يحتويها بين ذراعيه ، فأطبق بشفتيه علي شفتيها وتداعي جسديهما علي الأرض الصلبة ، وهو يعتصرها بين ذراعيه القويتين ، وفتحت عينيها نشوانة وأدركت بغتة كل شيء .
كان وجهه مظلما مثل قطع الليل حالك السواد ، وعيناه تقذفان اللهب ، فبدا كالوحش الكاسر ، بينما كان ذيله الطويل يتحرك في ضوء الشمس الغاربة ، وهي تلقي ضوءها الخافت عليه ، ولمحت ظله الممتد علي جدران الكهف الخشنة كثعبان الكوبرا الرهيب ، وهو يتراقص لينقض علي فريسته ، فاتسعت حدقتا عينيها اتساعا مخيفا ، وارتسم الرعب علي وجهها ، عند ذلك امتد الذنب المميت ، والتف حول عنقها فشهقت شهقة واحدة ، وأخذت تنتفض ، لتخمد أنفاسها .
في اليوم التالي كان رجال البوليس يبحثون عن الفتاة الغائبة ، وقاموا بعمل تحقيقات واسعة للبحث عن سر اختفائها ، وأسفرت الجهود المضنية عن أن سر اختفائها مجهول !!
أخذ "عزيز" يتعقب لقاءات الدكتور "عزام" و"سارة" ، وكانا يلتقيان في أماكن مختلفة ، فبعد أن ينتهي الدكتور "عزام" من يومه في الكلية يتجه بسيارته إلي المكان الموعود ، وتكون "سارة" قد سبقته بسيارتها ، وكانا أحيانا يفعلان العكس .
في أحد اللقاءات جلسا تحت ظل شجرة وارفة أمام النيل في أحد الكازينوهات ، واستطاع "عزيز" أن يجد له مكانا في الجهة الأخرى من جذع الشجرة الضخم ، دون أن يلمحاه أو يشعرا بوجوده ، أخذ يصيخ السمع لما يقولانه ، سمع الدكتور "عزام" وهو يهتف بشوق :
ـ سوف أقابل والدك يا"سارة" ، وسأطلب يدك .
هتفت "سارة" بقلق :
ـ يجب أن أمهد الطريق وأهيئ أبي لقبول الفكرة ، فإنني أخشى رفضه .
أطلت مسحة حزن علي وجه الدكتور "عزام" ، وقال وهو ينقر علي المائدة بتوتر كبير :
ـ إنني أدرك سبب ترددك لمفاتحة والدك في الموضوع .
ثم أضاف بحسرة :
ـ لو كنت أصغر خمسة وعشرين عاما .
ثم استطرد قائلا قبل أن تتفوه بكلمة ..
ـ علي الرغم من ذلك فإنني علي يقين بأنني سوف أعوض فارق السن بيني وبينك ، وسأجعلك تعيشين في سعادة دائمة .
هتفت "سارة" بانفعال حار :
ـ إنني أدرك هذا تماما ، وتأكد أنني لم أنظر لفارق السن بيني وبينك في أي لحظة ، ويكفيني أن أكون بجانب رجل عظيم وأكون وراءه في كل لحظة من لحظات حياته . انتابت "عزيز" غيرة مميتة من هذه الكلمات المتدفقة حرارة ، وعاودته الرغبة المجنونة لقتل هذا الرجل في أسرع وقت ممكن الذي سلبه حياته ، وأيضا معشوقته .
جري من الكازينو حتي لا يسمع المزيد من هذه العبارات المتدفقة حرارة ، وتجعل قلبه يدمي ويقطر حقدا ، وبدأ "عزيز" يضع اللمسات النهائية للقضاء علي الدكتور "عزام" ، دون أن يترك أثرا يدل علي موته ، أو يثير الشكوك حوله ، عند ذلك سوف ينتحل شخصيته ويصبح الدكتور "عزام" .

فاطمه بنت السراة
27/07/2008, 09:28 AM
الغيرة المميتة :
أصبح "عزيز" يرقب الدكتور "عزام" طيلة الوقت ، منذ مغادرته الفيلا حتى ذهابه إلي الكلية ، ثم أصبح أكثر جرأة ، وراقب مكتبه عن كثب ، ولمح الدكتور "أسعد" عدة مرات وهو يتردد عليه ، وتيقن أنه مساعده الذي ذكره في مذكراته ، ورآهما وهما يعبران الدهليز الطويل لمبنى الكلية ، وكان يبدو علي ملامحه المتوترة أنه يخشى الدكتور "عزام" ؟، ويرهب جانبه .
تيقن "عزيز" من خلال محاضرات الطلبة ، وأحاديثهم عن الدكتور "عزام" أنه يحظى باهتمام بالغ منهم ، وسمعة طيبة ، فقد أظهر الجانب الحسن من حياته ببراعة ، وأخفى بنفس تلك البراعة الجوانب المثيرة للمشاكل والشبهات .

خفق قلبه وكاد يقفز من بين ضلوعه ، عندما لمح "سارة" بقوامها الرائع المثير وشذا عطرها يسبقها ، ولمح لهيب عينيها الوضاءتين فأخفى وجهه وراء جريدة كان ممسكا بها ، وقاوم رغبة جامحة لمنعها من دخول مكتب الدكتور "عزام" ، عندما أصبحت بمحاذاته ، وبالقرب منه خطت عدة خطوات ، ثم أدارت ظهرها له ، وأصبحت في مواجهة باب مكتب الدكتور "عزام المغلق ، فنقرت عليه بيدها الرقيقة ، لمحها "عزيز" وهي تدخل بركن عينيه فتقدم مسرعا ، واستند على سور الدهليز المقابل للمكتب مباشرة ، وتلصص النظر داخله فرآها تقترب من الدكتور "عزام" ، وأصاخ السمع ، وتطرق لأذنيه صوت الرجل يهتف بحرارة جياشة :
ـ لقد افتقدتك جدا يا "سارة" ، كأنني لم أرك منذ سنين .
صعد الدم إلى رأسه وشعر بالغضب الشديد عندما ، سمعها تقول ضاحكة :
ـ لقد كنا أمس معا .
عند ذلك خرج فوج من الطلبة من أحد المعامل القريبة من المكتب ، وكانوا يثيرون صخبا ويتجادلون بصوت مرتفع ، وفجأة رأي باب المكتب يغلق دونهما ، فشعر بالغيرة القاتلة ، وأن "سارة" قد خانته مع هذا الرجل ، فهي ملكه دونه ، وداخلته رغبة مجنونة بالفتك بأي شيء يقابله .
شعر بألم في مؤخرته ، ولحسن الحظ كان الدهليز خاليا من الطلبة ، عندما انبعث صوت تمزق سرواله بشكل حاد تحت وطأة الذنب الآخذ في التمدد ، ويكاد يهوي على من يقابله ويفتك به .
كان "عزيز" يرتدي دائما معطفا طويلا لونه أسود ، فلم يظهر ذنبه الطويل الذي يكاد يمزقه أيضا ، ومشى مسرعا عبر الدهليز ، وهبط السلم إلى الطابق الأول بالكلية ، ومنه إلى الخارج ، وركب سيارته على عجل وهو محموم .

مرق عبر البوابة الضخمة إلى خارج الجامعة ، وفي طريقه لمح إحدى الطالبات التي تعرف بها مؤخرا تلوح له بكلتي يديها بإلحاح ، فتوقف بسيارته بمحاذاتها ، فاستوت جانبه دون تردد ، وهتفت :
ـ من حسن حظي أنني وجدتك ، فلقد تعطلت سيارتي في الطريق وتركتها عند الميكانيكي .
ابتسم "عزيز" بغموض ، ولم تبصر الفتاة عينيه اللتين تبرقان بلهب مستعر من خلال المرآة التي أمامه ، غمغم بصوت هامس:
ـ هذا من حسن حظي أنا ، لأتمتع بصحبة فتاة رائعة الجمال .
سعدت الفتاة بكلمات الإطراء ، وقالت بدلال :
ـ أنت جنتلمان حقيقي !
مد "عزيز" يده برفق ، واحتوى يدها الصغيرة بين راحته ، فلم يجد مقاومة ، فرفع يدها وقربها من شفتيه وقبلها ، فصاحت الفتاة هامسة ، وهي تقترب منه وأنفاسها تلفح جانب وجهه .
ـ عزيز .. عزيز .
لم تلمح الفتاة الذنب القاتل ، وهو يتلوى في الجانب الآخر من السيارة كثعبان يتربص بفريسته .
قال "عزيز" ، وهو يضغط علي يدها بقوة :
ـ سنذهب إلي مكان سوف تحبينه كثيرا .
أومأت الفتاة برأسها موافقة ، وهي تشعر بنشوة عارمة لم تستطع مقاومتها ، اخترقت السيارة شوارع القاهرة المزدحمة ، ثم بدأت تمرق في شوارع أكثر هدوءا متجهة إلي الصحراء .

أثار غموض "عزيز" وجو الصحراء روح المغامرة في كيان الفتاة ، فصرخت وهي تشير إلى الرمال الصفراء اللامعة تحت أشعة الشمس المشرقة :
ـ هذه مفاجأة مذهلة يا "عزيز" !
عندما هبطا من السيارة هبت رياح لطيفة داعبت شعر الفتاة وتطاير مع الهواء ، فغمرتها بهجة عابثة ، واتكأت برأسها علي جسد "عزيز" القوي .
أشار إلى تل بعيد تطاول بين الرمال ، وصاح بها :
ـ هيا نذهب إلي هناك .
تواثبت الفتاة بخفة على الرمال في بادئ الأمر ، وهو خلفها بخطوات ، ثم هبت ريح قوية انتزعت الرمال الناعمة ، فتناثرت حباتها في الهواء ، فأغمضت عينيها لحظات ، فكانت فرصة سانحة ليتخلص "عزيز" من معطفه الذي يشعره بالضيق . وتلقفها بين ذراعيه وجرى بها بخفة ، بينما كان ذيله يتدله خلفه ، ويتلوى هبوطا وصعودا ، وقد انفرجت ذوائبه التي تشبه الفكين بشكل مخيف ، لفت الفتاة ذراعيها حول رقبته ، وصدى صوت ضحكاتها العالية يتردد في الفضاء الفسيح .

وصلا عند التل ، ودخل بها إلى فجوة منحوتة فيه تشبه الكهف إلى حد كبير ، وأنزلها من بين ذراعيه ، اندهش "عزيز" بشدة عندما صاحت الفتاة مازحة ، وهي تشير إلي ذيله بسخرية عندما وقعت عيناها عليه للمرة الأولي :
ـ يبدو أنك متأثر بأفلام الرعب والحكايات السخيفة التي تقال هذه الأيام عن العقارب .
كان "عزيز" يجد لذة في لدغ ضحاياه ؛ عندما يمتلأ الرعب قلوبهم ، وتموت الكلمات في جوفهم ، وقبل أن تصل إلي حلوقهم ، ويرتسم الفزع علي وجوههم .
أما هذه الفتاة فقد كان وجهها خاليا من التعبير المفزع ، وارتسم عليه الرغبة المجنونة في أن يحتويها بين ذراعيه ، فأطبق بشفتيه علي شفتيها وتداعى جسديهما علي الأرض الصلبة ، وهو يعتصرها بين ذراعيه القويتين ، وفتحت عينيها نشوانة وأدركت بغتة كل شيء .
كان وجهه مظلما مثل قطع الليل حالك السواد ، وعيناه تقذفان اللهب ، فبدا كالوحش الكاسر ، بينما كان ذيله الطويل يتحرك في ضوء الشمس الغاربة ، وهي تلقي ضوءها الخافت عليه ، ولمحت ظله الممتد علي جدران الكهف الخشنة كثعبان الكوبرا الرهيب ، وهو يتراقص لينقض علي فريسته ، فاتسعت حدقتا عينيها اتساعا مخيفا ، وارتسم الرعب علي وجهها ، عند ذلك امتد الذنب المميت ، والتف حول عنقها فشهقت شهقة واحدة ، وأخذت تنتفض ، لتخمد أنفاسها .

في اليوم التالي كان رجال البوليس يبحثون عن الفتاة الغائبة ، وقاموا بعمل تحقيقات واسعة للبحث عن سر اختفائها ، وأسفرت الجهود المضنية عن أن سر اختفائها مجهول !!

أخذ "عزيز" يتعقب لقاءات الدكتور "عزام" و"سارة" ، وكانا يلتقيان في أماكن مختلفة ، فبعد أن ينتهي الدكتور "عزام" من يومه في الكلية يتجه بسيارته إلي المكان الموعود ، وتكون "سارة" قد سبقته بسيارتها ، وكانا أحيانا يفعلان العكس .

في أحد اللقاءات جلسا تحت ظل شجرة وارفة أمام النيل في أحد الكازينوهات ، واستطاع "عزيز" أن يجد له مكانا في الجهة الأخرى من جذع الشجرة الضخم ، دون أن يلمحاه أو يشعرا بوجوده ، أخذ يصيخ السمع لما يقولانه ، سمع الدكتور "عزام" وهو يهتف بشوق :
ـ سوف أقابل والدك يا"سارة" ، وسأطلب يدك .
هتفت "سارة" بقلق :
ـ يجب أن أمهد الطريق وأهيئ أبي لقبول الفكرة ، فإنني أخشى رفضه .
أطلت مسحة حزن علي وجه الدكتور "عزام" ، وقال وهو ينقر علي المائدة بتوتر كبير :
ـ إنني أدرك سبب ترددك لمفاتحة والدك في الموضوع .
ثم أضاف بحسرة :
ـ لو كنت أصغر خمسة وعشرين عاما .
ثم استطرد قائلا قبل أن تتفوه بكلمة ..
ـ علي الرغم من ذلك فإنني على يقين بأنني سوف أعوض فارق السن بيني وبينك ، وسأجعلك تعيشين في سعادة دائمة .
هتفت "سارة" بانفعال حار :
ـ إنني أدرك هذا تماما ، وتأكد أنني لم أنظر لفارق السن بيني وبينك في أي لحظة ، ويكفيني أن أكون بجانب رجل عظيم وأكون وراءه في كل لحظة من لحظات حياته .

انتابت "عزيز" غيرة مميتة من هذه الكلمات المتدفقة حرارة ، وعاودته الرغبة المجنونة لقتل هذا الرجل في أسرع وقت ممكن الذي سلبه حياته ، وأيضا معشوقته .

غادر الكازينو حتي لا يسمع المزيد من هذه العبارات المتدفقة حرارة ، وتجعل قلبه يدمي ويقطر حقدا ثم بدأ يضع اللمسات النهائية للقضاء على الدكتور "عزام" ، دون أن يترك أثرا يدل على موته ، أو يثير الشكوك حوله ، عند ذلك سوف ينتحل شخصيته ويصبح الدكتور "عزام" .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ

غاليتي العزيزة فايزة..
مادامت الغيرة أطلت برأسها, فالصراع بين الدكتور ونسخه قادم لا محالة.

لي ملاحظة أرجو - كما عهدتك - أن تقبليها برحابة صدر.
لماذا لم تذكري (مثلا) ملاحظة الفتاة التي كانت معه بأنه يشبه الدكتور عزام, أو توضحي لنا أنه يمشي متخفيا حتى لا يلاحظ أحد الشبه الكبير بينه وبين الدكتور, كأن يرفع ياقة معطفه لتخفي وجهه, الى جانب النظارة السوداء...

الأخطاء المتكررة (الياء والألف المقصورة) وقد أصلحتها الى جانب تغيير جرى من الكازينو = غادر الكازينو (إن استحسنتها بالطبع), إضافة الى ملاحظة المسافة التي تركتها بين فقرة وأخرى.

لا تزال الرواية مشوقة, والأحداث مترابطة وجميلة.

دمت في حفظ الله

فايزة شرف الدين
27/07/2008, 09:32 PM
غاليتي فاطمة
أهلا بك وأشعر أني أجلس معك عندما تقرأين لي أو أفرأ لك .. وكم يسعدني هذا التواصل .
بالنسبة للألف وياء القصر فهي ستتواجد دائما ، وعموما في أعمالي التى كتبتها لاحقا .. راعيت هذا الخطأ بعد أن أدركت الفرق بينهما .. ولأننا أمام عمل روائي طويل .. فالأخطاء لا شك ستتواجد مهما كانت دقة التنقيح .

فيما يخص جزئية أن أنوه عن الشبه بين عزيز وعزام .. فقد ذكرت في الفصل الذي يسبقه أنه كان يخرج متنكرا ، ومن ثم لم يلاحظ الطلبة التشابه بينهما .

اما كلمة جرى .. فقد استخدمتها عن تعمد .. وذلك لأوحي أنه كان في شدة الغضب والانفعال .. وأعتقد أن كلمة غادر هنا على أنها أشيك لن تفي بالمعنى الإنفعالي .


http://www.10neen.com/up/uploads/357e83b4f4.gif (http://www.10neen.com/up/)