ايناس حمدي
30/10/2007, 09:51 PM
التصغير في اللغة
د. عليان بن محمد الحازمي
الأستاذ المشارك بقسم اللغة والنحو والصرف
كلية اللغة العربية - جامعة أم القرى
ملخص البحث
تهدف هذه الدراسة إلى معرفة التصغير في اللغة بوجه عام وأهميته في الدلالة على المعنى ، حيث إن التصغير معنى والمعاني لا تختص بها لغة دون أخرى أو موقوفة على أمة بعينها ، كما أن التصغير ليس مجرد تغيير وتحوير في بنية وصيغة الكلمة ، وإنّما جيء به ليدل دلالة معينة ؛ لذا حاولت هذه الدراسة مقارنة وجود ظاهرة التصغير في اللغة العربية بلغات أخرى سامية وهندية أوربية فوضح أن التصغير ظاهرة قديمة مشتركة في معظم هذه اللغات غير أن هذه الظاهرة تلاشت من أغلب اللغات ، ولم تبق منه إلا بقايا تدل على أنه كان موجوداً . لقد استعيض في الوقت الحاضر بالوصف ؛ لأن التصغير وصف ، بل إن كبار الكتّاب والأدباء في اللغة العربية المعاصرة لا يميلون إلى إستخدام التصغير ، وإنما نجد الوصف عندهم حلّ محلّ التصغير ، لذا فإن اللغات تشترك في كثير من ظواهرها وتتشابه مما يجعلنا نقول إن القدر المشترك بين نحو اللغات أكثر من المختلف .
• • •
مقدمة :
فكرة هذا البحث تدور حول التصغير في اللغة بوجه عام ، حيث يرى الباحث أنّ اللغة في أصلها سليقة ، وفطرة يشترك فيها البشر كافة ؛ ويستوي الجميع في استعمالها فهي مقدرة كامنة في عقول الناس ، يستعملها الصغـير والكبــير ، كما يقــول (( التحويليون )) ومن ثم كان لابد أن يحصل توافق كبير بين اللغات لذا فإن هذه الدراسة تحاول أن تدرس التصغير في اللغة بمفهومها العام ، معتمدة على ما قاله علماء النحو عن هذه الظاهرة ، مستعينة في الوقت نفسه بما اطلع عليه الباحث من آراء لغوية محدثة يحاول على ضوئها دراسة التصغير ، معتمداً على المقارنة والملاحظة وإبداء الرأي .
وإذا بدا البحث قد ركز على اللغة العربية بصورة أكثر ؛ فإنما جاء ذلك بقدر ما يبيّن ويوضح أصالة ظاهرة التصغير في اللغة العربية فقد جعل علماء الساميات اللغة العربية الأصل الذي يفزعون إليه عند المقارنة والموازنة ، ولا غرو في ذلك ؛ فالعربية قد حافظت على كثير من أصول اللغة الأم للغات السامية ، أما اللغات الهندو أروبية فإن الباحث لا يدعي الاطلاع على جميع هذه اللغات ، وإنّما اكتفى بذكر اللغات الجرمانية ، ممثلة في اللغتين الإنجليزية والألمانية . وذكر بعض اللغات الرومانية كالإيطالية والأسبانية والفرنسية .
أما مصادر البحث فقد اعتمد على كتب التراث النحوي وما كتبه المتخصصون في علم اللغة ، وفي اللغات السامية والهندو أوربية ، وبعض المعاجم . كما اعتمد على كتب النحو التعليمي الذي وضع لتعليم اللغات ، ثم إن الباحث رأى أيضاً أن هنالك قوانين واتجاهات تسير نحوها اللغات ، هذه الاتجاهات تصدق على ظاهرة التصغير ، من ثم اعتمدها الباحث في هذه الدراسة .
اللغة نظام :
من المعروف أن اللغة نظام كما يقول علماء اللغة المحدثون([1]) ، وكل لغة لها نظام خاص تنفرد به ، سواء كان ذلك في نحوها ، أو صرفها ، أو نطق أصواتها ، وطرق أدائها ، ناهيك عن طريقة التركيب وبناء الجملة وتنوع الأساليب ، لكننا مع هذا لا نعدم وجود ظواهر مشتركة تظهر في عدد من اللغات ، وهذا التوافق يمكن إرجاعه إلى :
1 - أن اللغة نتاج عقلي ، وهذا يشترك فيه البشر كافة .
2 - أن منشأ الأمم واللغات يعود إلى أصل واحد .
3 - أن عناصر أي لغة من لغات البشر - بوجه عام - تتكون من أسماء وأفعال وأدوات ، فلا تجد لغة إلاّ وتحتوي على تلك المكونات الأساسية لبناء الجملة ، فالمؤتلف بين اللغات أكثر من المختلف .
ولقد تنبه علماء العربية القدامى إلى هذا التوافق ، وسبقوا علماء اللغة المحدثين بالإشارة إلى ذلك ، فابن إيّاز يذكر أنّ أجزاء الكلام الذي تتكون منه الجملة : اسم وفعل وحرف . ثم عقب قائلاً : (( لا يختص انحصار الكلمة في الأنواع الثلاثة بلغة العرب ؛ لأنّ الدليل العقلي الذي دلّ على الانحصار عقلي والأمور العقلية لا تختلف باختلاف اللغات )) ([2]) .
إنّ من يتعمق قول ابن إياز يدرك أن اللغات تتشابه في كثير من مكوناتها الأساسية ، غير أن تلك المكونات يحكمها نظام خاص وطريقة معيّنة تنبع من جوهر تلك اللغة ، حيث إنّ لها طريقة مميزة ، وأسلوباً معيناً في تراكيبها وطرق أدائها . من هنا يتعين القول بأن توافق اللغات في كثير من الظواهر يؤكد قول النحاة التحويليين الذين يرون أن نحو اللغات يتشابه بصفة عامة([3]).
فالمكونات والمظاهر العامة التي لا تخلو منها أي لغة من لغات البشر ؛ لوجود الأسماء ، والأفعال ، والأدوات ، والجموع والتثنية ، والتذكير والتأنيث ، والتعريف والتنكير ، هي مكونات ومظاهر نحوية صرفية تركيبية ، والتصغير أحد الظواهر اللغوية التي استرعت انتباهي حيث توافق وجوده في عدد من اللغات ، يظهر في اللغة العربية ، وفي اللغة الإنجليزية - وبالأخص القديمة - وفي اللغة الألمانية ، كما أن اللغات الرومانية (( الفرنسية والإيطالية والأسبانية )) تستخدم التصغير([4]) .
التصغير معناه ودلالته :
التصغير في اللغة يدل على التقليل والنقصان ، ففي اللغة العربية صغر الشيء([5]) يعني قلل حجمه ، كما أن التصغير أيضاً في اللغات السامية كالعبرية والأكادية والسريانية([6]) يعني التحقير ، والتقليل ، وفي اللغة الإنجليزية تدل كلمة Minimize التي جاء منها مصطلح التصغير Diminutive على التقليل والتحقير([7]) . وكذلك الحال في اللغة الألمانية([8]) حيث إن التصغير يفيد تقليل الشيء .
ولما كان التصغير في الغالب يدل على التقليل ، فقد لوحظ أن علماء العربية عند دراستهم لظواهره ، لم يكن همهم وضع القواعد الخاصة به فقط ؛ وإنما مبانيه ومعانيه ، فوضوح المعنى وما تدل عليه الصيغ والتراكيب كانت الهدف الأول الذي انصب عليه اهتمام العلماء ، لذا جاءت دراستهم لظواهر اللغة المختلفة ، تركز على المعنى من خلال المبنى ، فتنبهوا إلى أن التصغير تقليل ، فبينوا صيغه وحصروها في أوزان ثلاثة : فُعَيْل ، وفُعَيْعِل ، وفُعَيْعِيل . هذا الحصر إنما اعتمد على الاستقراء ؛ لأن الكثرة الكاثرة من العرب لا تتجاوز هذه الأوزان ، ويرجع العلماء هذا الحصر إلى الخليل بن أحمد ، الذي رأى بثاقب فكرة وقوة استنباطه ، أن كلام العرب من حيث أبنيته ، إما أن يكون ثنائياً ، أو ثلاثياً ، أو رباعياً ، أو خماسياً ، يقول : (( كلام العرب مبني على أربعة أصناف على الثنائي والثلاثي والرباعي والخماسي )) ([9]) . ومن ثم جعل التصغير ثلاثة وأخرج الثنائي ؛ لأنه قليل في العرب ، وكل ثنائي إنما هو في الأصل([10]) . ثلاثي ، يقول سيبويه : (( أعلم أن التصغير في الكلام على ثلاثة فُعَيل ، وفُعَيعِل ، وفُعَيعِيل )) ([11]) .
التصغير معنى :
إن أهم ما سعى إليه علماء اللغة والنحاة على وجه الخصوص هو وضوح المعنى ، فالاهتمام بالمعنى ودلالاته تمثل جزءاً لا يتجزأ من نحو اللغة وصرفها ، فالمعنى وليست القاعدة تأتي دائماً في الصدارة والتصغير تغيير في صيغة الكلمة بزيادة حرف ، هذه الزيادة قصد منها إفادة دلالة معينة ، فياء التصغير في اللغة العربية حرف من حروف المعاني ، وزيادتها في اللفظ المراد تصغيره هو نقله من حالة إلى حالة أخرى ؛ ليدل دلالة معينة ، يقول ابن جني : (( فإذا كانت الألفاظ أدلة المعاني ، ثم زيد فيها شيء أوجبت القسمة له زيادة المعنى )) ([12]) .
والتصغير معنى : لأنك إذا أصغرت الشيء فقد حقرته ، يقول ابن يعيش : (( اعلم أن التصغير والتحقير واحد ، وهو خلاف التكبير والتعظيم )) ([13]) .
فالتصغير ما هو إلا تقليل وتحقير ، يقول ابن عصفور موضحاً معاني التصغير: (( أحدهما أن يراد به تصغير شأن الشيء وتحقيره نحو قولك : رجيل سوء ، والآخر أن يراد به تقليل كمية الشيء نحو قولك : دريهمات ، الآخر أن يراد به تقريب الشيء )) ([14]) . ويقول ابن الحاجب : (( المصغر المزيد فيه ؛ ليدل على تقليل )) ([15]) . يعني أن المصغر ما زيد فيه شيء ليدل على تقليل ، ويؤكد العليمي في حاشيته بقوله : (( وفوائد التصغير ستة لا يخفى أنها ترجع للتحقير والتقليل )) ([16]) .
من هنا يتضح لنا أن المعنى الذي يدل عليه التصغير هو التقليل والتحقير ، فالتصغير معنى ، وعرف علماء العربية ذلك حيث ذكروا أن التصغير لا يكون إلاّ في الأشياء التي يدركها التقليل (( إنما يصغر الشيء إذا علم أنه صغير )) ([17]) ، إذ لا يتناول التصغير إلاّ حقيراً ، فلا يصح تصغير الأسماء المعظمة كأسماء الله الحسنى ، ولا جموع الكثرة ولا مادلّ على العموم والشمول مثل كل .
التصغير والتحقير :
من الملاحظ أن علماء العربية القدامى استعملوا لفظي التصغير والتحقير ، وعاقبوا في الاستعمال بينهما ، فالخليل بن أحمد وسيبويه والمبرد يستعملون التحقير جنباً إلى جنب التصغير، يقول الخليل: (( وتحقير الكلمة تصغيرها )) ([18]) . ويقول سيبويه في باب تصغير ما كان على ثلاثة أحرف : (( اعلم أن تحقير ذلك كتحقير ما كان على ثلاثة أحرف ولحقته ألف التأنيث لا تكسر الحرف الذي بعد التصغير )) ([19]) . وعلى هذا النحو سار المبرد فتراه يستعمل لفظي التصغير والتحقير ، يقول : (( واعلم أنك إذا صغرت شيئاً على خمسة أحرف كلها أصل، فإنك لا تحذف من ذلك إلا الحرف الأخير؛ لأنه يجري على مثال
التحقير )) ([20])، ويقول : (( وتقول العرب في تحقير شفة شفيهة )) ([21]) . فما السبب الذي جعل علماء العربية يعاقبون في الاستعمال بين لفظي التصغير والتحقير ، فمرة يستخدمون لفظ التحقير ، وتارة يقول التصغير ، إن العلة تكمن في أن الدلالة في التصغير كما لاحظها علماء العربية تظهر واضحة جلية في التحقير وهذا ما جعلهم يستعملون التحقير بجانب التصغير ، غير أن استعمالهم لفظ التحقير ليس من قبيل أنّه مصطلح([22]) نحوي استعمل ثم اندثر .
فالتصغير هو المصطلح النحوي المستعمل عند سيبويه وغيره من علماء النحو بدليل أنّ سيبويه يكثر من استعماله ، ويقول : (( اعلم أن التصغير إنما هو في الكلام على ثلاثة أمثلة ... )) ([23]) . كما أنه لا يقول إلاّ ياء التصغير ، ولم يقل ياء التحقير ، فلفظ التحقير الذي ورد عند سيبويه لم يكن مصطلحاً علمياً وإنما هو المعنى الذي يفيده التصغير ، فقد عرف سيبويه أن التصغير في غالبه يفيد التحقير والتقليل ، يقول : (( هذا باب ما يحقر لدنوه من الشيء وليس بمثله ، وذلك قولك هو أصيغر منك ، وإنما أردت أن تقلل الذي بينهما ، ومن ذلك قولك : هو دوين ذاك وفويق([24]) ذاك )) ، ويقول : (( إذا قلت دوين ذاك وفويق ذاك فإنما تقرب الشيء من الشيء ، وتقلل الذي بينهما ، وليس المكان بالذي يحقر )) ([25]) .
فالأغراض والمعاني الدلالية التي ينصرف إليها التصغير والتي حصرها النحاة في ثمانية أغراض([26]) ، وهي : التحقير ، تقليل جسم الشيء وذاته ، تقليل الكمية والعدد ، تقريب الزمان ، تقريب المكان ، التحبب ، الترحم ، التعظيم ، لم تكن غائبة عن ذهن سيبويه ، فقد ذكرها خلال مناقشته للتصغير ، لكنه رأى أنّ التحقير والتقليل هو السمة الواضحة والغالبة في التصغير ، فورد كثير عنده في الكتاب ، يقول العليمي : (( إن فوائد التصغير الستة([27]) ، ترجع كلها للتحقير والتقليل )) ، ويقول د. عباس حسن :
(( ومن الممكن إرجاع كثير من هذه الأغراض المفصلة إلى التحقير أو التقليل ))([28]) . فالتحقير ليس مصطلحاً نحوياً كما ذهب الدكتور القوزي حين تحدث عن المصطلح النحو في كتاب سيبويه بقوله : (( ... ومنها مالم يعمر طويلاً بعده كإصطلاح التحقير الذي أدار الحديث عليه في أغلب المواضع التي تحدث فيها عن التصغير ، حتى أن التحقير لم يعد أكثر من مجرد غرض من أغراض التصغير عند المتأخرين )) ([29]) . لذا نرجح أن التحقير الذي تردد في كتاب سيبويه ليس مصطلحاً ، وإنما هو أحد المعاني والأغراض التي يفيدها التصغير ؛ لأن التصغير تقليل حجم الشيء ، وهذا ما أرداه سيبويه , كما أن التصغير يدل في اللغة على التقليل والتحقير كما أشرنا .
التصغير بين الذوق والقاعدة :
ليست اللغة مجموعة من القواعد ، بقدر ما هي ما اتفق عليه المجتمع اللغوي ، فعمل على استعماله وتأصيله ، ومن ثم استنبط واستخرج العلماء الضوابط التي تبين معالمه ولا غرو فقد حدد علماء العربية أبنية التصغير التي وردت في استعمال العرب ، لتكون قاعدة مطردة فالتصغير في الكلام يأتي على ثلاثة أمثلة كما أشرنا (( فعيل و فعيعل وفعيعيل )) إلا أنهم لاحظوا أن هنالك ألفاظاً تفيد التصغير ولكنها جاءت خلاف القاعدة ؛ يقول أبو حيان : (( وجاء من التصغير ما هو خلاف قياس المكبر بقولهم في مغرب : مغيربان ، وفي عشية : عشيشة ، وفي رجل : رويجل([30]) وذكر السيوطي ألفاظاً وردت عند العرب تفيد التصغير ، مثل هداهد تصغير هدد ، وحبرور تصغير حباري([31]) . إن ما ذكره العلماء خلاف القاعدة سواء كان في التصغير أم في غيره لا يعني أن قواعدهم غير محكمة ، وأنها بنيت على استقراء ناقص ؛ وإنّما تصور الدقة العلمية والنهج المحكم الذي سلكه العلماء عند استنباطهم القواعد وما أجمل قول أبي عمرو بن العلاء عندما سئل : (( أخبرني عما وضعت مما سميت عربية ، أيدخل فيه كلام العرب كله ، فقال : لا فقلت : كيف تصنع فيما خالفتك فيه العرب وهم حجة، فقال : أحمل على الأكثر وأسمى ما خالفني لغات... )) ([32]) .
فالألفاظ التي جاء تصغيرها مخالفاً لأوزان التصغير الثلاثة لغات وردت عن العرب وسمعت عنهم ، لكنها لم تكن شائعة ومستعملة من غالبية العرب ، والقواعد إنما تستنبط وتؤخذ من الغالب الشائع إضافة إلى ذلك أن الذوق ووضوح المعنى هو المعول عليه فليس كل إسم يصغر ، ولا كل صيغة للتصغير يقاس عليها فقد ذكر سيبويه وغيره من العلماء أن هنالك أسماءً وأدوات لا تحقر ، يقول : (( مستعرضاً ما يصغر وما لا يصغر موضحاً الأسباب والموانع التي تمنع من التصغير معتمداً في ذلك كله على السماع محكماً الذوق وإفادة المعنى (( ولا تحقر عند )) ، كما تحقر (( قبل وبعد )) ، ونحوهما ؛ لأنك إذا قلت: عند ، فقد قللت ما بينهما ، وليس يراد من التقليل([33]) . أقل من ذا )) ويقول : (( ولا يحقر أين ، ولا متى ، ولا كيف ، ونحوهن )) ، من قبل : إن أين ومتى وحيث ليس فيها ما في فوق ودون وتحت ... )) ([34]) .
فالمعول عليه في التصغير إفادة المعنى فإذا كان المعنى لا يأتي ولا يتحقق فحينئذ لا جدوى من تصغيره فكلمة (( بعض )) تدل بنفسها على التصغير والتقليل ، فلا حاجة إذاً إلى تصغيرها كما أن (( كل )) تدل على العموم والشمول والكثرة ، فصارت كجمع الكثرة([35]) . يقول ابن عصفور (( وإنّما يصغر الشيء إذا علم أنه صغير ، وأيضاً فإنّها عامة وتصغيرها يخرجها عن العموم ، إذ لا يتناول التصغير إلاّ حقيراً )) ([36]) .
فالشروط التي وضعها النحاة لتصغير الإسم تدل على مصاحبة الذوق للقاعدة ، فالقاعدة لابد أن يحكمها الذوق فقد ذكروا أن يكون الإسم المراد تصغيره خالياً من صيغ التصغير وشبهها ، فلا يصغر نحو كميت (( لئلا يؤدي تصغيرها إلى جمع بين حرفي معنى )) ([37]) . كما بينوا أن الإسم المصغر لابد أن يكون قابلاً لصيغة التصغير ، فلا تصغر الأسماء المعظمة كأسماء الله الحسنى ولا الأنبياء ولا جمع الكثرة )) ([38]) .
د. عليان بن محمد الحازمي
الأستاذ المشارك بقسم اللغة والنحو والصرف
كلية اللغة العربية - جامعة أم القرى
ملخص البحث
تهدف هذه الدراسة إلى معرفة التصغير في اللغة بوجه عام وأهميته في الدلالة على المعنى ، حيث إن التصغير معنى والمعاني لا تختص بها لغة دون أخرى أو موقوفة على أمة بعينها ، كما أن التصغير ليس مجرد تغيير وتحوير في بنية وصيغة الكلمة ، وإنّما جيء به ليدل دلالة معينة ؛ لذا حاولت هذه الدراسة مقارنة وجود ظاهرة التصغير في اللغة العربية بلغات أخرى سامية وهندية أوربية فوضح أن التصغير ظاهرة قديمة مشتركة في معظم هذه اللغات غير أن هذه الظاهرة تلاشت من أغلب اللغات ، ولم تبق منه إلا بقايا تدل على أنه كان موجوداً . لقد استعيض في الوقت الحاضر بالوصف ؛ لأن التصغير وصف ، بل إن كبار الكتّاب والأدباء في اللغة العربية المعاصرة لا يميلون إلى إستخدام التصغير ، وإنما نجد الوصف عندهم حلّ محلّ التصغير ، لذا فإن اللغات تشترك في كثير من ظواهرها وتتشابه مما يجعلنا نقول إن القدر المشترك بين نحو اللغات أكثر من المختلف .
• • •
مقدمة :
فكرة هذا البحث تدور حول التصغير في اللغة بوجه عام ، حيث يرى الباحث أنّ اللغة في أصلها سليقة ، وفطرة يشترك فيها البشر كافة ؛ ويستوي الجميع في استعمالها فهي مقدرة كامنة في عقول الناس ، يستعملها الصغـير والكبــير ، كما يقــول (( التحويليون )) ومن ثم كان لابد أن يحصل توافق كبير بين اللغات لذا فإن هذه الدراسة تحاول أن تدرس التصغير في اللغة بمفهومها العام ، معتمدة على ما قاله علماء النحو عن هذه الظاهرة ، مستعينة في الوقت نفسه بما اطلع عليه الباحث من آراء لغوية محدثة يحاول على ضوئها دراسة التصغير ، معتمداً على المقارنة والملاحظة وإبداء الرأي .
وإذا بدا البحث قد ركز على اللغة العربية بصورة أكثر ؛ فإنما جاء ذلك بقدر ما يبيّن ويوضح أصالة ظاهرة التصغير في اللغة العربية فقد جعل علماء الساميات اللغة العربية الأصل الذي يفزعون إليه عند المقارنة والموازنة ، ولا غرو في ذلك ؛ فالعربية قد حافظت على كثير من أصول اللغة الأم للغات السامية ، أما اللغات الهندو أروبية فإن الباحث لا يدعي الاطلاع على جميع هذه اللغات ، وإنّما اكتفى بذكر اللغات الجرمانية ، ممثلة في اللغتين الإنجليزية والألمانية . وذكر بعض اللغات الرومانية كالإيطالية والأسبانية والفرنسية .
أما مصادر البحث فقد اعتمد على كتب التراث النحوي وما كتبه المتخصصون في علم اللغة ، وفي اللغات السامية والهندو أوربية ، وبعض المعاجم . كما اعتمد على كتب النحو التعليمي الذي وضع لتعليم اللغات ، ثم إن الباحث رأى أيضاً أن هنالك قوانين واتجاهات تسير نحوها اللغات ، هذه الاتجاهات تصدق على ظاهرة التصغير ، من ثم اعتمدها الباحث في هذه الدراسة .
اللغة نظام :
من المعروف أن اللغة نظام كما يقول علماء اللغة المحدثون([1]) ، وكل لغة لها نظام خاص تنفرد به ، سواء كان ذلك في نحوها ، أو صرفها ، أو نطق أصواتها ، وطرق أدائها ، ناهيك عن طريقة التركيب وبناء الجملة وتنوع الأساليب ، لكننا مع هذا لا نعدم وجود ظواهر مشتركة تظهر في عدد من اللغات ، وهذا التوافق يمكن إرجاعه إلى :
1 - أن اللغة نتاج عقلي ، وهذا يشترك فيه البشر كافة .
2 - أن منشأ الأمم واللغات يعود إلى أصل واحد .
3 - أن عناصر أي لغة من لغات البشر - بوجه عام - تتكون من أسماء وأفعال وأدوات ، فلا تجد لغة إلاّ وتحتوي على تلك المكونات الأساسية لبناء الجملة ، فالمؤتلف بين اللغات أكثر من المختلف .
ولقد تنبه علماء العربية القدامى إلى هذا التوافق ، وسبقوا علماء اللغة المحدثين بالإشارة إلى ذلك ، فابن إيّاز يذكر أنّ أجزاء الكلام الذي تتكون منه الجملة : اسم وفعل وحرف . ثم عقب قائلاً : (( لا يختص انحصار الكلمة في الأنواع الثلاثة بلغة العرب ؛ لأنّ الدليل العقلي الذي دلّ على الانحصار عقلي والأمور العقلية لا تختلف باختلاف اللغات )) ([2]) .
إنّ من يتعمق قول ابن إياز يدرك أن اللغات تتشابه في كثير من مكوناتها الأساسية ، غير أن تلك المكونات يحكمها نظام خاص وطريقة معيّنة تنبع من جوهر تلك اللغة ، حيث إنّ لها طريقة مميزة ، وأسلوباً معيناً في تراكيبها وطرق أدائها . من هنا يتعين القول بأن توافق اللغات في كثير من الظواهر يؤكد قول النحاة التحويليين الذين يرون أن نحو اللغات يتشابه بصفة عامة([3]).
فالمكونات والمظاهر العامة التي لا تخلو منها أي لغة من لغات البشر ؛ لوجود الأسماء ، والأفعال ، والأدوات ، والجموع والتثنية ، والتذكير والتأنيث ، والتعريف والتنكير ، هي مكونات ومظاهر نحوية صرفية تركيبية ، والتصغير أحد الظواهر اللغوية التي استرعت انتباهي حيث توافق وجوده في عدد من اللغات ، يظهر في اللغة العربية ، وفي اللغة الإنجليزية - وبالأخص القديمة - وفي اللغة الألمانية ، كما أن اللغات الرومانية (( الفرنسية والإيطالية والأسبانية )) تستخدم التصغير([4]) .
التصغير معناه ودلالته :
التصغير في اللغة يدل على التقليل والنقصان ، ففي اللغة العربية صغر الشيء([5]) يعني قلل حجمه ، كما أن التصغير أيضاً في اللغات السامية كالعبرية والأكادية والسريانية([6]) يعني التحقير ، والتقليل ، وفي اللغة الإنجليزية تدل كلمة Minimize التي جاء منها مصطلح التصغير Diminutive على التقليل والتحقير([7]) . وكذلك الحال في اللغة الألمانية([8]) حيث إن التصغير يفيد تقليل الشيء .
ولما كان التصغير في الغالب يدل على التقليل ، فقد لوحظ أن علماء العربية عند دراستهم لظواهره ، لم يكن همهم وضع القواعد الخاصة به فقط ؛ وإنما مبانيه ومعانيه ، فوضوح المعنى وما تدل عليه الصيغ والتراكيب كانت الهدف الأول الذي انصب عليه اهتمام العلماء ، لذا جاءت دراستهم لظواهر اللغة المختلفة ، تركز على المعنى من خلال المبنى ، فتنبهوا إلى أن التصغير تقليل ، فبينوا صيغه وحصروها في أوزان ثلاثة : فُعَيْل ، وفُعَيْعِل ، وفُعَيْعِيل . هذا الحصر إنما اعتمد على الاستقراء ؛ لأن الكثرة الكاثرة من العرب لا تتجاوز هذه الأوزان ، ويرجع العلماء هذا الحصر إلى الخليل بن أحمد ، الذي رأى بثاقب فكرة وقوة استنباطه ، أن كلام العرب من حيث أبنيته ، إما أن يكون ثنائياً ، أو ثلاثياً ، أو رباعياً ، أو خماسياً ، يقول : (( كلام العرب مبني على أربعة أصناف على الثنائي والثلاثي والرباعي والخماسي )) ([9]) . ومن ثم جعل التصغير ثلاثة وأخرج الثنائي ؛ لأنه قليل في العرب ، وكل ثنائي إنما هو في الأصل([10]) . ثلاثي ، يقول سيبويه : (( أعلم أن التصغير في الكلام على ثلاثة فُعَيل ، وفُعَيعِل ، وفُعَيعِيل )) ([11]) .
التصغير معنى :
إن أهم ما سعى إليه علماء اللغة والنحاة على وجه الخصوص هو وضوح المعنى ، فالاهتمام بالمعنى ودلالاته تمثل جزءاً لا يتجزأ من نحو اللغة وصرفها ، فالمعنى وليست القاعدة تأتي دائماً في الصدارة والتصغير تغيير في صيغة الكلمة بزيادة حرف ، هذه الزيادة قصد منها إفادة دلالة معينة ، فياء التصغير في اللغة العربية حرف من حروف المعاني ، وزيادتها في اللفظ المراد تصغيره هو نقله من حالة إلى حالة أخرى ؛ ليدل دلالة معينة ، يقول ابن جني : (( فإذا كانت الألفاظ أدلة المعاني ، ثم زيد فيها شيء أوجبت القسمة له زيادة المعنى )) ([12]) .
والتصغير معنى : لأنك إذا أصغرت الشيء فقد حقرته ، يقول ابن يعيش : (( اعلم أن التصغير والتحقير واحد ، وهو خلاف التكبير والتعظيم )) ([13]) .
فالتصغير ما هو إلا تقليل وتحقير ، يقول ابن عصفور موضحاً معاني التصغير: (( أحدهما أن يراد به تصغير شأن الشيء وتحقيره نحو قولك : رجيل سوء ، والآخر أن يراد به تقليل كمية الشيء نحو قولك : دريهمات ، الآخر أن يراد به تقريب الشيء )) ([14]) . ويقول ابن الحاجب : (( المصغر المزيد فيه ؛ ليدل على تقليل )) ([15]) . يعني أن المصغر ما زيد فيه شيء ليدل على تقليل ، ويؤكد العليمي في حاشيته بقوله : (( وفوائد التصغير ستة لا يخفى أنها ترجع للتحقير والتقليل )) ([16]) .
من هنا يتضح لنا أن المعنى الذي يدل عليه التصغير هو التقليل والتحقير ، فالتصغير معنى ، وعرف علماء العربية ذلك حيث ذكروا أن التصغير لا يكون إلاّ في الأشياء التي يدركها التقليل (( إنما يصغر الشيء إذا علم أنه صغير )) ([17]) ، إذ لا يتناول التصغير إلاّ حقيراً ، فلا يصح تصغير الأسماء المعظمة كأسماء الله الحسنى ، ولا جموع الكثرة ولا مادلّ على العموم والشمول مثل كل .
التصغير والتحقير :
من الملاحظ أن علماء العربية القدامى استعملوا لفظي التصغير والتحقير ، وعاقبوا في الاستعمال بينهما ، فالخليل بن أحمد وسيبويه والمبرد يستعملون التحقير جنباً إلى جنب التصغير، يقول الخليل: (( وتحقير الكلمة تصغيرها )) ([18]) . ويقول سيبويه في باب تصغير ما كان على ثلاثة أحرف : (( اعلم أن تحقير ذلك كتحقير ما كان على ثلاثة أحرف ولحقته ألف التأنيث لا تكسر الحرف الذي بعد التصغير )) ([19]) . وعلى هذا النحو سار المبرد فتراه يستعمل لفظي التصغير والتحقير ، يقول : (( واعلم أنك إذا صغرت شيئاً على خمسة أحرف كلها أصل، فإنك لا تحذف من ذلك إلا الحرف الأخير؛ لأنه يجري على مثال
التحقير )) ([20])، ويقول : (( وتقول العرب في تحقير شفة شفيهة )) ([21]) . فما السبب الذي جعل علماء العربية يعاقبون في الاستعمال بين لفظي التصغير والتحقير ، فمرة يستخدمون لفظ التحقير ، وتارة يقول التصغير ، إن العلة تكمن في أن الدلالة في التصغير كما لاحظها علماء العربية تظهر واضحة جلية في التحقير وهذا ما جعلهم يستعملون التحقير بجانب التصغير ، غير أن استعمالهم لفظ التحقير ليس من قبيل أنّه مصطلح([22]) نحوي استعمل ثم اندثر .
فالتصغير هو المصطلح النحوي المستعمل عند سيبويه وغيره من علماء النحو بدليل أنّ سيبويه يكثر من استعماله ، ويقول : (( اعلم أن التصغير إنما هو في الكلام على ثلاثة أمثلة ... )) ([23]) . كما أنه لا يقول إلاّ ياء التصغير ، ولم يقل ياء التحقير ، فلفظ التحقير الذي ورد عند سيبويه لم يكن مصطلحاً علمياً وإنما هو المعنى الذي يفيده التصغير ، فقد عرف سيبويه أن التصغير في غالبه يفيد التحقير والتقليل ، يقول : (( هذا باب ما يحقر لدنوه من الشيء وليس بمثله ، وذلك قولك هو أصيغر منك ، وإنما أردت أن تقلل الذي بينهما ، ومن ذلك قولك : هو دوين ذاك وفويق([24]) ذاك )) ، ويقول : (( إذا قلت دوين ذاك وفويق ذاك فإنما تقرب الشيء من الشيء ، وتقلل الذي بينهما ، وليس المكان بالذي يحقر )) ([25]) .
فالأغراض والمعاني الدلالية التي ينصرف إليها التصغير والتي حصرها النحاة في ثمانية أغراض([26]) ، وهي : التحقير ، تقليل جسم الشيء وذاته ، تقليل الكمية والعدد ، تقريب الزمان ، تقريب المكان ، التحبب ، الترحم ، التعظيم ، لم تكن غائبة عن ذهن سيبويه ، فقد ذكرها خلال مناقشته للتصغير ، لكنه رأى أنّ التحقير والتقليل هو السمة الواضحة والغالبة في التصغير ، فورد كثير عنده في الكتاب ، يقول العليمي : (( إن فوائد التصغير الستة([27]) ، ترجع كلها للتحقير والتقليل )) ، ويقول د. عباس حسن :
(( ومن الممكن إرجاع كثير من هذه الأغراض المفصلة إلى التحقير أو التقليل ))([28]) . فالتحقير ليس مصطلحاً نحوياً كما ذهب الدكتور القوزي حين تحدث عن المصطلح النحو في كتاب سيبويه بقوله : (( ... ومنها مالم يعمر طويلاً بعده كإصطلاح التحقير الذي أدار الحديث عليه في أغلب المواضع التي تحدث فيها عن التصغير ، حتى أن التحقير لم يعد أكثر من مجرد غرض من أغراض التصغير عند المتأخرين )) ([29]) . لذا نرجح أن التحقير الذي تردد في كتاب سيبويه ليس مصطلحاً ، وإنما هو أحد المعاني والأغراض التي يفيدها التصغير ؛ لأن التصغير تقليل حجم الشيء ، وهذا ما أرداه سيبويه , كما أن التصغير يدل في اللغة على التقليل والتحقير كما أشرنا .
التصغير بين الذوق والقاعدة :
ليست اللغة مجموعة من القواعد ، بقدر ما هي ما اتفق عليه المجتمع اللغوي ، فعمل على استعماله وتأصيله ، ومن ثم استنبط واستخرج العلماء الضوابط التي تبين معالمه ولا غرو فقد حدد علماء العربية أبنية التصغير التي وردت في استعمال العرب ، لتكون قاعدة مطردة فالتصغير في الكلام يأتي على ثلاثة أمثلة كما أشرنا (( فعيل و فعيعل وفعيعيل )) إلا أنهم لاحظوا أن هنالك ألفاظاً تفيد التصغير ولكنها جاءت خلاف القاعدة ؛ يقول أبو حيان : (( وجاء من التصغير ما هو خلاف قياس المكبر بقولهم في مغرب : مغيربان ، وفي عشية : عشيشة ، وفي رجل : رويجل([30]) وذكر السيوطي ألفاظاً وردت عند العرب تفيد التصغير ، مثل هداهد تصغير هدد ، وحبرور تصغير حباري([31]) . إن ما ذكره العلماء خلاف القاعدة سواء كان في التصغير أم في غيره لا يعني أن قواعدهم غير محكمة ، وأنها بنيت على استقراء ناقص ؛ وإنّما تصور الدقة العلمية والنهج المحكم الذي سلكه العلماء عند استنباطهم القواعد وما أجمل قول أبي عمرو بن العلاء عندما سئل : (( أخبرني عما وضعت مما سميت عربية ، أيدخل فيه كلام العرب كله ، فقال : لا فقلت : كيف تصنع فيما خالفتك فيه العرب وهم حجة، فقال : أحمل على الأكثر وأسمى ما خالفني لغات... )) ([32]) .
فالألفاظ التي جاء تصغيرها مخالفاً لأوزان التصغير الثلاثة لغات وردت عن العرب وسمعت عنهم ، لكنها لم تكن شائعة ومستعملة من غالبية العرب ، والقواعد إنما تستنبط وتؤخذ من الغالب الشائع إضافة إلى ذلك أن الذوق ووضوح المعنى هو المعول عليه فليس كل إسم يصغر ، ولا كل صيغة للتصغير يقاس عليها فقد ذكر سيبويه وغيره من العلماء أن هنالك أسماءً وأدوات لا تحقر ، يقول : (( مستعرضاً ما يصغر وما لا يصغر موضحاً الأسباب والموانع التي تمنع من التصغير معتمداً في ذلك كله على السماع محكماً الذوق وإفادة المعنى (( ولا تحقر عند )) ، كما تحقر (( قبل وبعد )) ، ونحوهما ؛ لأنك إذا قلت: عند ، فقد قللت ما بينهما ، وليس يراد من التقليل([33]) . أقل من ذا )) ويقول : (( ولا يحقر أين ، ولا متى ، ولا كيف ، ونحوهن )) ، من قبل : إن أين ومتى وحيث ليس فيها ما في فوق ودون وتحت ... )) ([34]) .
فالمعول عليه في التصغير إفادة المعنى فإذا كان المعنى لا يأتي ولا يتحقق فحينئذ لا جدوى من تصغيره فكلمة (( بعض )) تدل بنفسها على التصغير والتقليل ، فلا حاجة إذاً إلى تصغيرها كما أن (( كل )) تدل على العموم والشمول والكثرة ، فصارت كجمع الكثرة([35]) . يقول ابن عصفور (( وإنّما يصغر الشيء إذا علم أنه صغير ، وأيضاً فإنّها عامة وتصغيرها يخرجها عن العموم ، إذ لا يتناول التصغير إلاّ حقيراً )) ([36]) .
فالشروط التي وضعها النحاة لتصغير الإسم تدل على مصاحبة الذوق للقاعدة ، فالقاعدة لابد أن يحكمها الذوق فقد ذكروا أن يكون الإسم المراد تصغيره خالياً من صيغ التصغير وشبهها ، فلا يصغر نحو كميت (( لئلا يؤدي تصغيرها إلى جمع بين حرفي معنى )) ([37]) . كما بينوا أن الإسم المصغر لابد أن يكون قابلاً لصيغة التصغير ، فلا تصغر الأسماء المعظمة كأسماء الله الحسنى ولا الأنبياء ولا جمع الكثرة )) ([38]) .