المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مملكة العجائب - قصة قصيرة -نزار ب. الزين



نزار ب. الزين
13/11/2006, 10:25 PM
مملكة العجائب
قصة خيالية
نزار ب. الزين*

برج عالٍ يلفت نظري ...

أقترب منه ،

أقترب أكثر؛

أنا الآن بجوار البوابة الرئيسية ...

الحراس الأشداء لا يكتشفون وجودي ،

أتجرأ فأدخل بخطىً حذرة .

ألوف مؤلفة من المخلوقات تتحرك في كل إتجاه ...

أنفاق و دهاليز و شوارع عريضة أو ضيقة ، يتجه بعضها نحو الطبقات الدنيا في الأعماق و يتجه البعض الآخر نحو الطبقات العليا .

يزداد فضولي ، أحاول أن اسأل ، لا أحد يستجيب لتساؤلاتي ، لا أحد ينتبه إلى وجودي ، يصيبني الإرتباك ، تعتريني الدهشة ، و لكنني أتماسك و أبدأ بتركيز إنتباهي !..



*****

أتوجه بداية نحو الطبقات العليا

طبقة لثكنات الجند ،

تليها عدة طبقات يبدو أنها مزارع لتربية الفطر و أخرى لتربية الحشرات الداجنة ، حشرات عمياء تقوم المخلوقات إياها بتوجيهها نحو الغذاء أو تغذي بعضها فما لفم ، و تتناوب مخلوقات أخرى على حمايتها ، كما تقوم مجموعة ثالثة باستحلابها في إصطبلات تقع على الأطراف !

أعلى طابق بان لي – بداية - فارغا بلا هدف ، و لكن ما أن تنبهت إلى وجود فتحات صغيرة في سقفه و أخرى محفورة في جدارنه حتى أدركت أن هذا الطابق إن هو إلا رئة البرج ؛ فهو مخصص للتهوية ، حيث تتصل فتحات الجدران بأنفاق ضيقة تحيط ببناء المملكة كله من الداخل ، بينما تسمح فتحات السقف بدخول الأكسيجين و خروج الكربون المؤكسد ! ...



*****

عدت أدراجي باتجاه الأسفل...

ألوف من العاملات يخرجن في طابور منتظم خاليات الوفاض من البوابة الرئيسية ، و ألوف أخرى منهن يدخلن حاملات للمؤن و مستلزمات العيش المختلفة ، تتوجه كل مجموعة منهن نحو إحدى حجرات الطبقات السفلى لتخزينها و رصها هناك .

و في الطبقة السابعة تحت الأرض ، يلفت نظري كثرة الحرس بجوار أحد المداخل ؛ أتسلل إلى داخل الحجرة ...

يا لعجيب ما أرى !

إنها أنثى عملاقة ...لها نفس شكل مخلوقات المملكة الأخرى ، و لكن بطنها منتفخ كفقاعة ضخمة ، تحيط بها عاملات من كل صوب ، و كأنهن واقفات بانتظار حدث ما ..

فجأة تدب الحركة بينهن ...

فقد لفظت جلالتها كرة جديدة بيضاء ، ثم ما لبثت إثنتان من العاملات أن تعاونتا على حملها و الخروج بها من القاعة الملكية ...

تبعتهما ، فقادتاني – دون أن تشعرا – إلى حجرة رطبة مظلمة ، ما لبثت أن اكتشفت فيها عشرات من الكرات المماثلة ، و قد انتشرت بينها بعض العاملات بَدَوْنَ منهمكات بتقليبها أو تنظيفها .

هبطت طبقة أخرى ، و سرعانما تبين لي أنها مخصصة لتنشئة الصغار و العناية بهم .



*****

و على حين غرة ، يدب نشاط غير عادي ، تُهرع العاملات إلى إغلاق أبواب الحجرات كلها ، حجرات التخزين و حجرات الإباضة و حجرات التنشئة ، ثم يتوجهن إلى أعلى ..

<< لا بد أن أمرا ما بالغ الأهمية قد حدث >> قلت ذلك في سري ، ثم تبعت خطاهن .....

و قرب البوابة الرئيسية ، بدا لي ما يشبه الإستنفار ...

الجنود – إناثا و ذكورا – هبطوا من ثكناتهم ..

ثم ما لبثوا جميعا أن إندفعوا خارج البرج في صفوف متراصة ..



*****

خرجت أستطلع الأمر ...

يا للكارثة ...المملكة تتعرض للغزو ..العدو من ذوي الأطراف الثمانية ..

بدا هائل الحجم كجبل متحرك ، ينفث سمومه في كل اتجاه ؛ يتجندل الجند ، يشلهم السم ، ثم يمتد لسانه فيلتهمهم ...

يهاجمه ألوف الجند بشجاعة نادرة و إصرار ، غير هيابين أو آبهين لمئات الإصابات ، تدب بي الحميّة فأجد نفسي مشاركا في الهجوم غير هياب ؛ يفلح البعض بتسلق أطراف العدو ، يبلغ البعض صدره ، يتوجه البعض نحو رأسه ، يبدأ الجميع بلثغه في كل موضع من جسده ، نافثين في جسده الضخم سمومهم ، قليلة الكم هي و لكنها فعالة...!

قاذفات من طراز دبور 16 و قاذفات أخرى من طراز الخفاش الشبح ، و حوامات من طراز النحلة أباتشي ، تلقي على الحشود آلاف القنابل الكيماوية من كل الأوزان ، يصاب الكثيرون من جند المملكة بالشلل ؛ إلا أن الآخرين لا يأبهون و يستمرون بالقتال ...أفواجا وراء أفواج ..

ألوف أخرى من الجيل الأصغر سِنا ، تخرج الآن من البوابات السرية للبرج ، تتجه فورا نحو أرض المعركة ، و ألوف تخرج من فتحات التهوية العليا ، تفرد أجنحتها ، و تطير باتجاه القاذفات و الحوامات.. لتصطدم معها في معركة جوية شرسة .

تدمر طائرات العدو بعضهم ، و لكنهم يستمرون مندفعين باتجاهها بلا تردد أو وجل ؛ يقذفون الطائرات بكيماويات تندفع من بطونهم ،أو يتعمدون الإصطدام بها بأجساهم ،..فتسقط بعضها مهشمة ، و يفر بعضها الآخر .

أما العدو العملاق ذو الأطراف الثمانية فقد بدأ يضعف ثم أخذ يتهاوى ! ..

<< الكثرة تغلب القوة >> همست لذاتي مفتوناً بنشوة النصر !

يفقد العدو أربعة من أطرافه الثمانية ، و يبدأ بعض الجنود الأشاوس بالتهام رأسه ؛ أما انا ، فبدأت بالتهام طرفه الخامس ...!



*****

أخ ..

أسمع صياحا مألوفا ..

أفتح عيني ...

أجد أسناني و قد أمسكت بيد زوجتي ، و هي تصرخ مستغيثة !

أضحك ... و أضحك . .. و أضحك ......

تنظر إليَّ زوجتي مستغربة : << مزاحك ثقيل حتى و أنت نائم !! >> تقول لي ذلك مستاءة ، فأجيبها و أنا لا أزال أضحك : << أنا لم أكن أمزح يا عزيزتي .. أنا إنما كنت في زيارة لمملكة العجائب ، أجل لقد كنت نملة ، يا حياتي ، تصوري زوجك نملة ؟؟ ! >>

تلقي نظرة فوق خزانة الأدراج التي تجاورني ، تلمح عنوان الكتاب الذي كنت أقرأه قبل نومي ، فتنخرط بدورها في الضحك ..

كان عنوان الكتاب : << مملكة النمل أو مملكة العجائب ؟ ! >>

--------------------------------------

*نزار بهاء الدين الزين
سوري مغترب
عضو إتحاد كتاب الأنترنيت العرب
عضو جمعية ( المترجمون العرب ArabWata )
البريد : nizar_zain@yahoo.com
الموقع : www.FreeArabi.com

د- صلاح الدين محمد ابوالرب
14/11/2006, 07:48 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الفاضل نزار
اسلوب رائع ....يشد الانتباه ويجعل الخيال يسرح
ثم نعود لواقعنا لناكد انه حلم ,,او خيال... انما... اين؟؟
في النهاية يثور السؤال
هل اكلت جزءا من الاصابع
ام اكلت ..مافيه النصيب...
تحية ايها المبدع

حسام الدين نوالي
14/11/2006, 03:15 PM
الأستاذ المبدع نزار..
حكي النص رحلة في تفاصيل نحو حركة تلك الكائنات الدؤوبة غير المتذمرة.. رحلة نحو الفعل الإجتماعي بامتياز، ونحو وطنية فائقة وفاعلة يعرفها من يمس جحر نمل أو خلية نحل...
شيء ما نفتقده في حياتنا وإداراتنا ومسؤولياتنا.. شيء من الإخلاص والعمل المستمر،.. والأكيد أنه لا خلاص إلا عبر التربية والانتقال الثقافي الذي يؤسس للشخصية الجمعية، وهو الدور المنوط حتما ب "المثقف"..
رسالة النص واضحة ومنطلقة "مثل طلقة الرصاص" كما أسماها الغتيري في تعليق سابق..
أليس الكتاب -مع ما يراكمه دلاليا من تيمات التواصل والثقافة والتعليم وغيرها- هو من أثر في السارد ليتطبع سلوكه على نحو ما، أو بالضبط لا شعوريا "في النوم" وهو أعلى مستويات تشكيل السلوك؟..
دام ابداعك.

مصطفى لغتيري
17/11/2006, 02:40 AM
سمة مائزة يكاد ينفرد بها الأستاذ نزار ب الزين عن باقي الكتاب ،وتتجلى في قدرته الفائقة على تنويع موضوعاته ..فهذا المبدع الذي يبهرنا بغيثه المدرار في مجال الكتابة القصصية ،بحيث لا يكاد المرء يصدق هذه الطاقة التي يتمتع بها هذا الرجل في ابتداع الحكايا، وكأن لديه جبا بلا قرار ،يغترف منه أنى يشاء ..فهو كذلك يضرب في كل أرض بكر ،فيجترح قصصا لا تتيسر لغيره.
فكل التقدير أيها المبدع الغزير ،ومتمنياتي لك بالتألق الدائم ،والعطاء المستمر.
تحياتي القلبية.

نزار ب. الزين
17/11/2006, 03:08 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الفاضل نزار
اسلوب رائع ....يشد الانتباه ويجعل الخيال يسرح
ثم نعود لواقعنا لناكد انه حلم ,,او خيال... انما... اين؟؟
في النهاية يثور السؤال
هل اكلت جزءا من الاصابع
ام اكلت ..مافيه النصيب...
تحية ايها المبدع
====================
أخي الكريم الدكتور صلاح الدين
المشكلة أن زوجتي قررت قراءة كتاب ( مملكة العجائب) و سارتدي الملابس الواقية- تحسبا- قبل النوم .
شكرا لطرافة تعليقك و ألف شكر لإطرائك الذي أعتبره وساما أعتز به
مودتي
نزار

نزار ب. الزين
17/11/2006, 03:18 PM
الأستاذ المبدع نزار..
حكي النص رحلة في تفاصيل نحو حركة تلك الكائنات الدؤوبة غير المتذمرة.. رحلة نحو الفعل الإجتماعي بامتياز، ونحو وطنية فائقة وفاعلة يعرفها من يمس جحر نمل أو خلية نحل...
شيء ما نفتقده في حياتنا وإداراتنا ومسؤولياتنا.. شيء من الإخلاص والعمل المستمر،.. والأكيد أنه لا خلاص إلا عبر التربية والانتقال الثقافي الذي يؤسس للشخصية الجمعية، وهو الدور المنوط حتما ب "المثقف"..
رسالة النص واضحة ومنطلقة "مثل طلقة الرصاص" كما أسماها الغتيري في تعليق سابق..
أليس الكتاب -مع ما يراكمه دلاليا من تيمات التواصل والثقافة والتعليم وغيرها- هو من أثر في السارد ليتطبع سلوكه على نحو ما، أو بالضبط لا شعوريا "في النوم" وهو أعلى مستويات تشكيل السلوك؟..
دام ابداعك.
===============
أخي الكريم الأستاذ حسام الدين
تحليلك للنص و ما رافقه من تداعيات بشرية ، إضافة رائعة لقيمته
شكرا لمشاركتك الطيِّبة
و لك مني كل المحبة و الإحترام
نزار

نزار ب. الزين
17/11/2006, 03:27 PM
سمة مائزة يكاد ينفرد بها الأستاذ نزار ب الزين عن باقي الكتاب ،وتتجلى في قدرته الفائقة على تنويع موضوعاته ..فهذا المبدع الذي يبهرنا بغيثه المدرار في مجال الكتابة القصصية ،بحيث لا يكاد المرء يصدق هذه الطاقة التي يتمتع بها هذا الرجل في ابتداع الحكايا، وكأن لديه جبا بلا قرار ،يغترف منه أنى يشاء ..فهو كذلك يضرب في كل أرض بكر ،فيجترح قصصا لا تتيسر لغيره.
فكل التقدير أيها المبدع الغزير ،ومتمنياتي لك بالتألق الدائم ،والعطاء المستمر.
تحياتي القلبية.
====================
أخي مصطفى
لقد غمرتني بعباراتك الدافئة و كلمة شكرا لم تعد تفيك حقك
بكل امتنان و محبة أعتبر ما خطته يداك وساما أعتز به
تحية من صميم القلب
نزار