المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من القصص الأردي المعاصر ( السوق العالمي ) للأديب الباكستاني مسعود مفتي



إبراهيم محمد إبراهيم
31/10/2007, 08:59 AM
السوق العالمي
مسعود مفتي (1)

" بانكوك " (2) مدينة عالمية بكل المقاييس ، تبحر إليها سفن الشركات البحرية من العالم كله تقريباً ، وتهبط بمطاراتها ليل نهار طائرات ما يقرب من خمسين شركة طيران عالمية ، ويفد إليها السياح من كل ربوع الأرض . ولأن " بانكوك " مدينة دولية ، فإن بها سوقاً دولياً كبيراً جداً تعرض فيه الشركات من مختلف أنحاء العالم منتجاتها ، ولا يتوقف الأمر على العرض فقط ، وإنما إمكانية البيع والشراء أيضاً . هذا وقد زينت المحلات في السوق الدولي بأسلوب راق حتى بدا السوق كله كبقعة هائلة من النور بسبب الإضاءة ، كما أن الزحام لا يفارقه أبداً .
كنت أطوف بالسوق على مهل ، أتوقف عند هذا المعرض تارة ، وعند ذاك تارة أخرى ، وأحياناً عند أحد الإعلانات المضيئة ، وأحياناً أخرى أرقب الزائرين الذين يتفرجون أمثالي . وفجأة أصابني دوار ، وتكومت على الأرض .
ولم أكتشف لبرهة أنني فارقت الحياة ... كانت الأمور غير واضحة إلى حد ما ، فقد كنت أطلّ من فوق على جسدي الميت الملقى على الأرض ، بينما الناس يهرعون إليه من هنا وهناك ، فوضع أحدهم أذنه على قلبي ، والآخر فكّ زرار قميصي ... وما هي إلا لحظات حتى تجمع خلق كثير .
أما أنا فقد كنت كأنني أسبح في الفضاء بالقرب من المكان ، وأشاهد كل ما يحدث ، بل وأصرخ في الناس :
· ما الحكاية ؟!. وماذا تفعلون معي ؟!.
لكنهم لم يكونوا يسمعون صوتي . حاولت أن أمسك بيد واحد منهم كان يحاول أن يقوم بعملية تنفس صناعي لي على ما أظن ، لكنه لم يشعر بقبضة يدي ، وظل يواصل محاولته دون توقف ، بينما ظننت أنا أني أمسكت يده بالفعل . واكتشفت أيضاً أنني كنت أمرّ عبر لوحات الإعلان الضخمة ، وبين السيارات المتوقفة هنا وهناك ، بل وبين المارة من الناس أحياناً ، لكن أحداً ممن حولي لم يشعر بذلك .
ثم جاءت سيارة إسعاف ، فوضعوا جسدي بها ، وشقت السيارة طريقها على الفور وهي تطلق " سارينتها " المعروفة . ومرّت اللمحات التالية بطريقة عجيبة ، فقد كنت أسبح في الفضاء أشاهد السوق الدولي كله ، وفي نفس الوقت أرى حجرة المستشفى حيث انحنى الأطباء على جسدي . سألتهم :
· ما الذي حدث لي ؟!.
ولكنهم بدوا وكأنهم لم يسمعوا صوتي أصلاً ، وكنت أشاهد في لمحة أي مكان يخطر ببالي دون أن أتحرك من مكاني أو أذهب إليه ، بل بدا لي وكأنني أستطيع أن أرى المستشفى والسوق الدولي وسائر " بانكوك " ... بل والكرة الأرضية أيضاً وفي آن واحد ... في اللحظة التي يخطر فيها مكان ما على بالي كأن عيني كانتا تتمددان حتى تصل إلى هذا المكان ، وأرى مناطق نائية بعيدة وفي غمضة عين ودون أن أتحرك ولو قيد أنملة .
وفجأة شعرت وكأن نفقاً ضيقاً يجذبني داخـله وبسرعة رهيبة ... بسرعة لا يمكن تصورها ، وفي نفس الوقت كنت أشعر بهدوء وسكينة غريبة لم أستشعرها أبداً طوال حياتي . كان النفق ضيقاً للغاية ، ومظلماً إلى أبعد حد . وبعيداً ... بعيداً جداً ... بعيداً جداً جداً ، وفي نهاية النفق كان هناك نور عجيب ، نور لم أر مثله في حياتي أبداً ... نور لا يمكن وصفه .
وفي لحظة انتهى النفق ، وفي اللمحة التالية كنت كأنني أغوص في بحر من النـور والسكينة ، أو كأنني أطير في الفضاء . وفجأة رأيت أصدقائي وأقاربي ومعارفي الذين ماتوا من قبل يسبحون ، أو يطيرون في كل جانب . كانـوا بغير أجسـام ... مجرد " خيـال " ... لكن لكل " خيال " كيان مستقل ، ورغم أنهم كانوا بلا ملامح ، لكنني كنت أعرفهم فرداً فرداً ، وقد رحبـوا بي جميعاً قائلين :
· أهلاً وسهلاً ...
لكن ... انتظر .... إن لفظ " قائلين " ليس صحيحاً ، فكيف يتكلمون ولم تكن لهم وجوه أصلاً ... لم تكن لهم شفاه ينطقون بها ، ومع ذلك فقد شعرت بطريقة ما لا يمكن وصفها أنهم قالوا لي " أهلاً وسهلاً " ... وبدأنا نتحدث بنفس هذه الطريقة ...
كانت طريقة الحديث أيضاً عجيبة ، فلا نطق ، ولا لسان ، ولا كلمات ، ولا أصوات ، ولا حركات ، ولا سكنات ، ومع ذلك فقد كنت أفهم كل ما يريدون هم قوله ، ويفهمون كل ما أريد أنا قوله . كان يبدو وكأن الأفكار والأحاسيس والمشاعر تنتقل من واحد إلى آخر بشكل مباشر ودون نطق ... ربما كانت الحيوانات في الدنيا " تتحدث " بنفس الطريقة هي الأخرى .
وبنفس الطريقة ، وأنا أسبح في الفضاء ، أو أغوص في بحر النور والسكينة التقيت بوالدي الذي توفي عام 1959م ، وقد رحب هو الآخر بي وبشدة قائلاً :
· أهلاً وسهلاً .
وأخذنا نسبح ونطير سوياً ...
كنا صامتين ، بلا لسان ، بلا نطق ، لكننا مع ذلك كنا نحادث بعضنا البعض ... كنت أقص عليه أمر وفاتي ، وكيف أنني كنت أطوف بالسوق العالمي عندما أصبت بسكتة قلبية ، وكيف أن هذا السوق رائع حيث تباع فيه البضائع من كل أنحاء العالم تقريباً ، وكيف أنني لم أر حتى اليوم سوقاً كبيراً هكذا . ابتسم " خيال " أبي قائلاً :
· تلك الأسواق التي تجد فيها بضائع الدنيا كلها عالمية بالاسم فقط ، لكن السوق العالمي الحقيقي الذي لم تكن تستطيع رؤيته في الدنيا ستراه هنا .
· ماذا تعني ؟!.
· أعني أنك هنا ستعرف كيف أن الدنيا مجرد سوق لا يتوقف فيه البيع والشراء أبداً ، وعلى مستوى لا يمكن تصوره ... تعال معي ، سأريك السوق العالمي .
وأسرع " خيال " أبي ، وتقدمت معه طائراً أحياناً ، وسابحاً أحياناً أخرى ، وبعد وقت ليس بالقصير توقف وهو يقول :
· أنظر !.
نظرت من أعلى ، فلمحت الكرة الأرضية من بعيد ... بعيد جداً ... كانت الدنيا تعجّ بالناس ... في الحارات ... في الأسواق ... في المدن ... في الشوارع ... في القطارات ... في البحر ... في الفضاء ... في الطائرات ... وكان كل مكان نريد رؤيته يتضخم أمامنا في لحظة ويصير واضحاً كأنك تراه من منظار ذي إمكانيات تكبيرية ضخمة ، ولهذا كانت كل صغيرة وكبيرة في العالم واضحة أمامنا ... كنا نستطيع رؤية تفاصيل وجوه البشر ، وضحكاتهم ، ودموعهم ، بل إننا كنا نسمع أحاديثهم عندما نريد . قال أبي :
· هل رأيت شيئاً ؟!.
اهتز " خيالي " مجيباً بالنفي .
· انظر ثانية بإمعان .
وفجـأة لمحت شيئاً ...... كانت هنـاك " هالة " من الألوان تحيط بكل فرد من البشر ... " هالة " من لون هادئ ، لكنها غاية في الوضوح ، تحيط بجسد الشخص من كل ناحية ، وملتفة حوله كما يلتف ذلك الغشاء الرقيق حول حبات " الاسبغول " (3) المنقوع في الماء . أخبرت والدي بما رأيت ، فقال :
· تأمل ثانية ، سترى شيئاً آخر .
فدققت النظر ثانية ، ورأيت فعلاً أشياء أخرى كثيرة ... كانت هناك " هالات " ذات ألوان مختلفة تحيط بهذا العدد الكبير من البشر ... بعض الناس تحيط بهم " هالات " ذات لون أخضر ، والبعض الآخر برتقالي ... المهم أن كل الألوان المحتمل وجودها في الدنيا كانت موجودة هنا ، سألت والدي عن معنى كل هذا ، فقال :
· هذا هو السوق العالمي الحقيقي ، وكل لون يوضح ماذا يبيع هذا الشخص الذي يحيط به ، ويتضح على الفور نوع البضاعة التي يعرضها للبيع ، والأطرف من هذا أن هؤلاء الناس جميعاً متداخلون معاً ، بمعنى أنك سترى البائعين في كل مكان ... لا يجلسون في محلات أو دكاكين ، وإنما كمثل الباعة الجائلين في الدنيا والذين يتجولون ببضاعتهم على عربة يد يعلنون عنها . وهؤلاء أيضاً ، وبنفس الطريقة ، يدورون هنا وهناك عارضين ألوانهم .
تأملت المنظر ثانية فوجدت الألوان كلها متشابكة مع بعضها بحيث يصعب تمييزها ، فسألت أبي :
· لكن يا أبي ، كل واحد من البشر تقريباً حوله " هالة " من الألوان ، وهذا يعني أنهم جميعاً يبيعون !.
فأجاب :
· نعم !.
· فمن يشتري إذن ؟!.
· هذا سوق حقيقي ، سوق عالمي حيث كل فرد يبيع ، ويشتري أيضاً ... يبيع ويشتري بما يتناسب مع الهدف الذي يريده .
· لكن ماذا يبيعون ؟!.
· أترى أولئك الذين تحيط بهم " هالات " زرقاء ؟!.
· نعم ، وهم كثيرون ومتناثرون في كل مكان .
· هل كنت تراهم في الدنيا ؟!.
· كلا ، لم يكن في الدنيا مثل هذه " الهالات " الملونة .
· أصحاب " الهالات " الزرقاء هذه هم " باعة الضمائر " .
· " باعة الضمائر" ؟!!.
· نعم ، هؤلاء يستخدمون ضمائرهم كبضاعة للتجارة ... يبيعونها وقتما يشاءون .
· وأولئك أصحاب " الهالات " الذهبية ؟!.
· هؤلاء " باعة الوفاء " .
· ماذا تقصد ؟!.
· أقصد أن هؤلاء الناس هم الذين يتوقّع منهم الوفاء ، وتوضع فيهم الثقة ، لكنهم يخونون ويركلون هذه الثقة .
قلت وقد استغرقني تفكير عميق :
· أنا لا أفهم شيئاً .
· مثلاً الزوجات الخائنات ... الزوج وصديقه ... الولد العاق ... التاجر الغشاش ... الجندي المتمرد ... الموظف الخائن ... السياسي الخائن ... وهكذا .
· وهؤلاء أصحاب " الهالات " الصفراء ؟!.
· هؤلاء هم " باعة الإيمان " . يبيعون ما يؤمنون به غاية الإيمان من أجل مصالحهم ومنافعهم التافهة .. يبدون في الظاهر غاية في الإيمان ، لكن هذا لا يتعدى الظاهر فقط ... وفيهم المنافقون ، والخونة ، والملحدون ، والمشركون كذلك .
· وهؤلاء أصحاب " الهالات " البنية ؟!.
· هل رأيت فيهم شيئاً مختلفاً ؟!.
· نعم ، هؤلاء كثيرون جداً ، ومنتشرون في كل مكان .
· هذا صحيح ، هؤلاء هم " باعة الله " ، وفيهم المشايخ ، والقساوسة ، والكهنة والسدنة ، ومن على شاكلتهم . هؤلاء يبيعون " الله " للناس بطريقتهم ، ويسفكون دماء كثيرة في سبيل تجارتهم هذه ، لأنهم أقوياء جداً .
وظللنا نطل على الكرة الأرضية لفترة طويلة . قال أبي :
· هذا هو السوق العالمي الحقيقي ، أما الذي كنت تراه في " بانكوك " فليس بشيء ، إنه مجرد معرض لعدة أيام وفقط ، بينما هنا التجارة في كل لحظة ، في كل مكان ، وبكل الأساليب ، والفرجة الحقيقية تكون في مشاهدته .
· ولكن قل لي يا أبي ، لو أن شخصاً ما يبيع شيئاً على غير إرادته ، وهو مضطر لذلك اضطراراً ، فهل تتكوّن حوله أيضاً " هالة " من الألوان ؟!.
· ماذا تعني ؟!.
· أعني لو أن شخصاً يفعل شيئاً وهو مضطر إلى فعله وليس لأنه يرغب في فعله ...
صمت أبي ، وظل يفكر لبرهة ثم قال :
· مسألة الجبر والاختيار هذه كانت سرّاً في الدنيا ، وهي هنا سرّ كذلك ، فنحن هنا أيضاً مجبورون بطريقة أو بأخرى مثلما كنا في الدنيا ، والفرق في النوعية فقط ، وقد احتفظ الله بهذا السرّ لنفسه لا يظهره لنا هناك أو هنا .
· قل لي يا أبي ، هل رأيت الله ؟!.
أجاب أبي بالنفي قائلاً :
· كلا ، الله لا يجلس على العرش ... سمعت أنه يطوف في الكائنات في أشكال مختلفة ، لا يعرف أحد أين يكون وفي أي شكل (4) .
· إنك يا أبي لم تتحدث بهذا الشكل " الاستنتاجي " أبداً .
· وماذا يفعل الاستنتاج ؟!. إن علمنا مقصور على هذا العالم الذي نحن فيه ، أو العالم الذي عشناه فقط ، لكن لا يعرف أحد كم من العوالم خلقها الله ، فإذا كان علمنا محدوداً إلى هذه الدرجة فكيف نستنتج ؟!.
· حيث يكون العلم يكون الاستنتاج أيضاً .
صمت والدي ، وظل على صمته لفترة طويلة ، ثم بدت في " خياله " حركة تنم عن قلق وعدم راحة ، وقال :
· انظر هناك .
كان يشير ناحية الكرة الأرضية ، وصار الشيء الذي يشير إليه كبيراً ... انطلقت مني صرخـة تملؤهـا الحيرة . لقد كان ذلك الشيء الذي يشير إليه والدي إنساناً ، لكن لا تحيط به " هالة " من الهالات ،
فسألته بلا تفكير :
· ماذا حدث لـ " هالته " ؟!. إنني لم أر إلى الآن شخصاً بغير " هالة " ؟!.
· كلا ، لو تأملت جيداً لرأيت أمثال هذا الشخص في مكان آخر ، ولأنهم لا تحيط بهم أية " هالة " ، لذلك فإنني دائماً أستنتج بأنه ربما يكون هؤلاء هم الذين يظهر الله في صورتهم ويتجول في الدنيا (5) ، ولكن هذا مجرد استنتاج ، وقد يكون خطأ .
سألته وأنا أدقق النظر :
· ولكن ما علامة هؤلاء الناس ؟!.
· إن التعرف على هؤلاء الناس في الدنيا سهل للغاية ، أهل الدنيا يعتبرونهم حمقى ... ناقصي العقل ... أغبياء ، ويتجنبهم الكثيرون ، ويعتبرون لقاءهم مضيعة للوقت ، لأن هؤلاء لا يخوضون في أحاديث ... ولا يبيعون شيئاً ، ولا يشترون .
· لكن هؤلاء أيضاً لديهم " ضمائر " ، و " إيمان " ، و " وفاء " .
· لديهم كل شيء ، لكنهم لا يريدون بيعها ، ولهذا لا يستطيعون اقتناص الفرص ، ويرضون بالحرمان ، وهم في كل طبقة من طبقات المجتمع ، ولذلك فإنني أحياناً أتصور أن الله يظهر في صورتهم ، والله أعلم ... من يدري ؟!.
ثم استغرق والدي في التفكير ثانية ، وأخذت أنا الآخر أتفرج على الكرة الأرضية ، وأمرّ ببصري على " هالات " النور ، وأشاهد هذا السوق العالمي . وفجأة انتبه والدي قائلاً :
· اسمع ، لا بد أن تعود إلى الدنيا .
· كيف ؟!.
· لا أدري ، ولكن يبدو الأمر هكذا .
· لكني لا أريد أن أعود ، فأنا مطمئن هنا .
· ولو ، لكن يبدو أنه بقي لك شيء في الدنيا .
· وما هو ؟!.
وقبل أن يجيبني شعرت وكأنني أغوص في مستنقع عميق مليء بالوحل . فتحت عيني فوجدت الأطباء منحنين فوق جسدي وقد عمّت البشرى وجوههم :
· ماذا حدث ؟!.
· الحمد لله ، نجحت آخر محاولاتنا ، وأنت محظوظ لأنك نجوت .
فكرت بداخلي : كيف أكون سعيد الحظ ؟!. ولكني لم أقل شيئاً ، وإنما سألتهم :
· ماذا حدث لي ؟!.
· توقف قلبك ، أو كما نقول في المصطلح الطبي " لقد متّ إكلينيكياً " ، لكن القلب تحسّن الآن ، وصار يعمل ، وإن كان يتحتم عليك البقـاء في المستشفى لعدة أيام أخر . كنا على وشك أن نعلن موتك ، ولكن مع آخر صعقة كهربائية عن طريق هذه الأسلاك فوق صدرك عاد القلب إلى العمل .
· كم بقي قلبي متوقفاً ؟!.
· ظل قلبك متوقفاً بعد وصولك إلى المستشفى لمدة خمس دقائق ، لكن لا بد أنه كان متوقفاً قبل وصولك بعدة دقائق أخرى .
وخرجت من المستشفى ، ومضى على خروجي عامان ، لكني لم أذكر لأحد ما رأيته ، وإن كانت مصيبـة أخـرى قد حلّت بي ، فرغم أنني عدت إلى هذه الدنيـا ثانيـة ، لكني أرى " هالات " الألوان تحيط بالناس كما كنت أراها وأنا في العالم الآخر ، ولهذا تغير سلوكي تماماً ، لأنني لا أستطيع الاقتراب من أولئك الناس الذين لا يملّ الآخرون من محاولة الاقتراب منهم ، وأبحث عن أولئك الناس الذين لا تحيط بهم " هالة " من الألوان .
وأصبحت في اعتقاد الناس " مجنوناً " .

هوامش

1 - من أدباء الأردية الباكستانيين المعروفين في القرن العشرين ، وله مؤلفات كثيرة في مختلف أصناف النثر الأردي منها " جهريـ : وجوه : ربورتاج " – " سالكره : عيد الميلاد : قصص قصيرة " – " كهلونـ : لعب : رواية " – " تكون : المثلث : مسرح " - " سر راه : على الملأ : فكاهة " وغيرها .
2 - عاصمة تايلاند والتي أصابتها حديثاً كارثة " تسونامي " في ديسمبر من عام 2004م فأهلكت آلافاً مؤلفة فيها من بينهم عدد كبير من الأجانب ، كما أصابت كارثة تسونامي " الطوفان البحري " هذه دولاً أخرى ، وكان عدد ضحايا هذه الكارثة ما يقرب من نصف مليون شخص ما بين قتيل وجريح ومفقود في عداد القتلى ، ومعظم هؤلاء كان في أندونيسيا حيث فقدت أكثر من ربع مليون فرد .
3 - الإسبغول عبارة عن بذور صغيرة في حجم حبات السمسم سوداء اللون ، ويستخدمها أهل شبه القاة الهندو باكستانية منقوعة في الماء أثناء فصل الصيف الطويل شديد الحرارة لتخفف من الإحساس بدرجة الحرارة وتلطيف الجسم ، وعندما تنقع تظهر حول كل حبة غشاء أبيض رقيق كأنه هالة تحيط به ، ولهذه البذور فوائد طبية أخرى كثيرة .
4 - لعله يقصد أن الله في كل مكان .
5 - قد يكون هذا أثر صوفي على المؤلف طبقا لما يذكره المتصوفة من أحاديث قدسية تشير إلى أن الله إذا أحب عبداً كان يده التي يبطش بها ، وعينه التي يبصر بها ، كما لا نستبعد أن يكون المؤلف متأثراً بفكرة الحلول والتناسخ في الديانات الهندية .