مجرد كلام مباح

[الخضير قدوري]

منذ زمان قد يكون بعيدا اوقريبا كان للكلمة اثرها البالغ ولقلم الرصاص تاثيره البليغ ، يومئذ كان بعض الناس يقضون معظم يومهم وطول ليلهم راقدين او متراقدين حتى يصوموا عن الكلام ليبتعدوا قدر امكانهم عن الكلام وعن طوائف المتكلمين المثقفين منهم او السياسيين اوحتى المهرجين على حد سواء ، مع ذلك فقد كان المرء كثيرا ما يستوقفه رجل المخابرات في الشارع او في باب منزله فيفسر له احلامه ويترجم له منامه على مزاجه ، لقد كانت الاذان المصغية معلقة في محيط كل من يدب عليها ، والات التنصت كذلك منتشرة حول رؤوس كل من يمشي تحتها ، كان جو الكلمة عبارة عن فضاء موبوء بالنسبة للمحللين الساهرين على حماية البيئة

ولما انتهى زمان الكلمة وانقضى عهد المتكلمين ، وخرج غيرنا من هرجهم وضوضائهم فدخلوا في مرحلة العمل في صمت ثم رفع عنا هذا الحضر، وجدنا انفسنا ما نزال في حاجة الى كثير من الكلام في زمان لم يبق فيه للكلام معنى ولالقلم الرصاص أي تاثير .رغم صراخنا ورغم صياحنا ورغم ورغم ، ورغما عنا لم يبق في محيطنا من يسمعنا ولا من يفهم لغات اقلامنا المختلفة الالوان والاشكال

ترى هل نكون قد وعينا بهذا فنتجاوز هذه المرحلة كغيرنا ونمر الى مرحلة العمل في صمت حتى وان كان لابدلنا من الكلام ، فلم لانتكلم قليلا ونعمل كثيرا حتى وان لم نكن قد شبعنا بعد من الكلام فلم لانتكلم قليلا ونستمع كثيرا، وان لم نكن نستطيع هذا اوذاك افلا يحق لنا ان نصمت فلا نتكلم ولانعمل ليكون ذلك افضل

قد يكون ما نستهلكه من الكلام في كل يوم اكثر مما يستهلك من الطاقة والبترول والعطر والحبرفي العالم الا لنؤرق به مضاجع العاملين ونلوث به بيئة الفاعلين وننغص عيش الاخرين . ارجو ان لانكون كالبعوض او كالذباب لانملك غير الاذى والطنين ، ربما قد لايحتمل الغير يوما مضايقتنا لهم فيبيدوننا ويمحوننا من على الارض التي نلوثها حولهم وهذا مما لاشك فيه ان لم يجدوا سبيلا الى الرحيل عن كوكبنا الى كوكب اخر كالقمر مثلا

الخضير قدوري