ابراهيم عبد المعطى داود
02/11/2007, 05:02 PM
الحكاية الثالثة
فى ليلة من ليالى الربيع
كانت رياح الخماسين تسفع الطرقات وتثير الغبار وترفع الحرارة
وفى موعد الإجتماع اليومي
وقف الأستاذ قائلا :
- سنتكلًم الليلة عن أحد طباع بنى البشر وهي القتل
سألت النملة إياها :
- وهل يقتل بنو البشر بعضهم بعضا ؟؟
- نعم , لقد دارت رحى معارك كثيرة , وجرت مذابح رهيبة
سواء بين الشعوب المختلفة أو بين البشر أنفسهم وعلى أسباب واهية
قلبت نملة شفتها السفلى فى إمتعاض وقالت :
- ما أ تعس بنى البشر
- ما أ تعس بنى البشر
إرتفع صوت الأستاذ فساد صمت عميق :
سأتكلم الليلة وأقص لكم عن حادثة رأيتها رأي العين ووقعت
أحداثها أمام عيني هاتين , سأنقلها لكم بكل تفاصيلها
فى القطار المتجه من الإسكندرية إلى القاهرة حشرت
نفسى حشرًا بين أجساد بنى البشر فقد كان القطار مكدسًا
بالركًاب , زحام لايطاق , رجال , نساء , شباب , كهول
أطفال , باعة جائلون يمرقون بين الأجساد , ويتنادون فى
صخب عال , رائحة العرق والتراب والأنفاس العطنة تزكم الأنوف
آثرت أن أبتعد عنهم فسرت متسللآ , حتى حاذيت ناحية
جدار القطار فتسلقته ببطء حتى سقفه وإخترت مكانا مشرفا على الجميع ومكثت أنظر وأسمع وأتأمل
سمعت ورأيت عجبا يا أحبابى !
نقاشًا يدور فى صخب عن غلاء الأسعار , الكل يشكوا
الكل غاضب , يقول أحدهم :
- الدقيق إرتفع ثمنه وبالتالى نقص رغيف العيش فى المخابز حتى أصبحنا نحصل عليه بصعوبة
ويرد الآخر متسائلاً :
- ماذا نفعل , وكيف نقضى أيامنا , الغلاء يستنزف كل
دخلنا
نرفع شكوى إلى الحكومة
وبسخرية مريرة ولهجة تهكمية يقول آخر :
- الحكومة !! الحكومة فى مارينا تسبح فى البحر !!
ويضرب أحدهم بقبضة يده على جدار القطار ويقول :
- الحكومة فى واد والشعب فى واد آخر
ولابد من إيصال صوتنا لها بكل السبل !!
ويعلو صوت أحدهم بكلمات بذيئة فتعلوا الضحكات الصاخبة
وفى الناحية الأخرى من القطار رجال كبار فى السن
يتحدثون عن الصراع الدائر فى فلسطين بين حماس والحكومة الفلسطنية والمساعدات التى جادت بها أوربا
لمساعدة الحكومة للوقوف ضد حماس ويقول أحدهم :
- معنى هذا , إنه ضوء أخضر لإسرائيل لتغتال مزيدًا
من قادة حماس
- وهل إسرائيل فى حاجة إلى ضوء أخضر ؟ إنها تغتال
رجال حماس بشكل منظم ويومي !!
- نعم وهاهو الإجتياح الإسرائيلي يوشك أن يتم على غزة !
وفجأة علا صوت إمرأة وهي تسب رجلا سبًا عنيفًا بل
وترفع يدها تحاول أن تصفعه والناس بينها وبين الرجل المتلعثم فى كلماته المرتبك فى مظهره حتى تمكنوا أخيرًا
من إبعاده
وعلى الجانب الآخر جلس ثلاثة شباب , منهمكون فى أوراق
أمامهم والأقلام فى أيديهم , يتحدثون فى همس , يقرأون فى
تدقيق , ينظر أحدهم فى ورقة الآخر ويشير له بالقلم على كلمة , أو ربما حرفًا أو رقمًا فيسرع الآخر بمحوه أو يزيد
عليه , أو يضع تحته خطًا
حدًست أنهم يراجعون أرقامًا وحسابات بعد أن سمعت أحدهم
يقول :
- إنهم أربعة الآف !!
قال الثانى محتجًا :
- لا ! حسابى ثلاثة الآف ونصف كما هو ثابت فى الأوراق
الرسميًة
ردً الأول وهو يرمقه بنظرة حادة :
- ما أسهل الأوراق الرسمية فى بلدنا
أجاب الآخر فى تذمر متسائلا :
- ماذا تعنى ؟
- أعنى أن هذا نصب وإحتيال
- أتعنى أننى نصًاب ومحتال
- إفهم كما ترى , حسابى أمامى واضح وضوح الشمس
أجاب الثالث ملطًفا :
- العقل يا إخوانى , تريثوا قليلآ وراجعوا أوراقكم على مهل
وفجأة إستل الأول سكينًا , وبسرعة هوى بها وغرسها فى صدر الثانى الذى مال جانبًا وهو يسقط كثور مذبوح ومن
صدره تدفق الدم كالنافورة وسط ذهول الركًاب
مرـ برهة قصيرة حتى أفاق الجميع من هول الصدمة فتدافع
الركاب إلى الخلف وعلت أصواتهم بالصراخ , وإنتشر الذعر فى القطار , وإنتاب الأول جنون شيطانى فإنتزع
السكين مرًة أخرى وسددها فى رقبة المضرج أمامه وهو
يصرخ فى جنون بينما رمي الثالث كل جسده على القاتل
وأمسك بتلابيبه فى قوًة وقد أجنًه الغضب وهتف به صارخًا :
-أتقتل أخى يا كلب , سأنتقم منك
وبسرعة البرق إستدار وسحب السكين من رقبة أخيه وسددها نحو قلب الأول , طعنه بقوة وبعزيمة لاتلين , إنتفض الأول إنتفاضة عنيفة كأنما يصارع قوًة مجهولة ,
تقلص وجهه , حملق , همً بضم ساعديه كأنما ليقيض على
السكين ولكنه لم يستطع , نطقت عيناه المذعورتان بكلام
لم يسمع , ثم سقط على قتيله وإختلطت دماؤهما
ساد الهرج أكثر , وعلا الصراخ , وأنتشر الرعب بين
الجميع لمنظر القتيلين والدماء المراقة
جلس الثالث صامتًا , ينظر إلى الجثتين وبهدوء أخرج
سيجارة وأشعلها وأخذ ينفث بدخانها فى هدوء وتلذذ
مرت دقائق صعبة , حضرت الشرطة وقبضت على القاتل
الذى إستسلم فى هدوء , ودثرت الجثتين بغطاء أبيض
سقطت دمعة رقيقة من مقلتي الأستاذ بعد أن أكمل حكايته
المفجعة
ووقفت نملة بصوتها الجهوري وقالت :
- ما أ تعس بنى البشر
- ما أ تعس بنى البشر
ابراهيم عبد المعطى
الأسكندرية
فى ليلة من ليالى الربيع
كانت رياح الخماسين تسفع الطرقات وتثير الغبار وترفع الحرارة
وفى موعد الإجتماع اليومي
وقف الأستاذ قائلا :
- سنتكلًم الليلة عن أحد طباع بنى البشر وهي القتل
سألت النملة إياها :
- وهل يقتل بنو البشر بعضهم بعضا ؟؟
- نعم , لقد دارت رحى معارك كثيرة , وجرت مذابح رهيبة
سواء بين الشعوب المختلفة أو بين البشر أنفسهم وعلى أسباب واهية
قلبت نملة شفتها السفلى فى إمتعاض وقالت :
- ما أ تعس بنى البشر
- ما أ تعس بنى البشر
إرتفع صوت الأستاذ فساد صمت عميق :
سأتكلم الليلة وأقص لكم عن حادثة رأيتها رأي العين ووقعت
أحداثها أمام عيني هاتين , سأنقلها لكم بكل تفاصيلها
فى القطار المتجه من الإسكندرية إلى القاهرة حشرت
نفسى حشرًا بين أجساد بنى البشر فقد كان القطار مكدسًا
بالركًاب , زحام لايطاق , رجال , نساء , شباب , كهول
أطفال , باعة جائلون يمرقون بين الأجساد , ويتنادون فى
صخب عال , رائحة العرق والتراب والأنفاس العطنة تزكم الأنوف
آثرت أن أبتعد عنهم فسرت متسللآ , حتى حاذيت ناحية
جدار القطار فتسلقته ببطء حتى سقفه وإخترت مكانا مشرفا على الجميع ومكثت أنظر وأسمع وأتأمل
سمعت ورأيت عجبا يا أحبابى !
نقاشًا يدور فى صخب عن غلاء الأسعار , الكل يشكوا
الكل غاضب , يقول أحدهم :
- الدقيق إرتفع ثمنه وبالتالى نقص رغيف العيش فى المخابز حتى أصبحنا نحصل عليه بصعوبة
ويرد الآخر متسائلاً :
- ماذا نفعل , وكيف نقضى أيامنا , الغلاء يستنزف كل
دخلنا
نرفع شكوى إلى الحكومة
وبسخرية مريرة ولهجة تهكمية يقول آخر :
- الحكومة !! الحكومة فى مارينا تسبح فى البحر !!
ويضرب أحدهم بقبضة يده على جدار القطار ويقول :
- الحكومة فى واد والشعب فى واد آخر
ولابد من إيصال صوتنا لها بكل السبل !!
ويعلو صوت أحدهم بكلمات بذيئة فتعلوا الضحكات الصاخبة
وفى الناحية الأخرى من القطار رجال كبار فى السن
يتحدثون عن الصراع الدائر فى فلسطين بين حماس والحكومة الفلسطنية والمساعدات التى جادت بها أوربا
لمساعدة الحكومة للوقوف ضد حماس ويقول أحدهم :
- معنى هذا , إنه ضوء أخضر لإسرائيل لتغتال مزيدًا
من قادة حماس
- وهل إسرائيل فى حاجة إلى ضوء أخضر ؟ إنها تغتال
رجال حماس بشكل منظم ويومي !!
- نعم وهاهو الإجتياح الإسرائيلي يوشك أن يتم على غزة !
وفجأة علا صوت إمرأة وهي تسب رجلا سبًا عنيفًا بل
وترفع يدها تحاول أن تصفعه والناس بينها وبين الرجل المتلعثم فى كلماته المرتبك فى مظهره حتى تمكنوا أخيرًا
من إبعاده
وعلى الجانب الآخر جلس ثلاثة شباب , منهمكون فى أوراق
أمامهم والأقلام فى أيديهم , يتحدثون فى همس , يقرأون فى
تدقيق , ينظر أحدهم فى ورقة الآخر ويشير له بالقلم على كلمة , أو ربما حرفًا أو رقمًا فيسرع الآخر بمحوه أو يزيد
عليه , أو يضع تحته خطًا
حدًست أنهم يراجعون أرقامًا وحسابات بعد أن سمعت أحدهم
يقول :
- إنهم أربعة الآف !!
قال الثانى محتجًا :
- لا ! حسابى ثلاثة الآف ونصف كما هو ثابت فى الأوراق
الرسميًة
ردً الأول وهو يرمقه بنظرة حادة :
- ما أسهل الأوراق الرسمية فى بلدنا
أجاب الآخر فى تذمر متسائلا :
- ماذا تعنى ؟
- أعنى أن هذا نصب وإحتيال
- أتعنى أننى نصًاب ومحتال
- إفهم كما ترى , حسابى أمامى واضح وضوح الشمس
أجاب الثالث ملطًفا :
- العقل يا إخوانى , تريثوا قليلآ وراجعوا أوراقكم على مهل
وفجأة إستل الأول سكينًا , وبسرعة هوى بها وغرسها فى صدر الثانى الذى مال جانبًا وهو يسقط كثور مذبوح ومن
صدره تدفق الدم كالنافورة وسط ذهول الركًاب
مرـ برهة قصيرة حتى أفاق الجميع من هول الصدمة فتدافع
الركاب إلى الخلف وعلت أصواتهم بالصراخ , وإنتشر الذعر فى القطار , وإنتاب الأول جنون شيطانى فإنتزع
السكين مرًة أخرى وسددها فى رقبة المضرج أمامه وهو
يصرخ فى جنون بينما رمي الثالث كل جسده على القاتل
وأمسك بتلابيبه فى قوًة وقد أجنًه الغضب وهتف به صارخًا :
-أتقتل أخى يا كلب , سأنتقم منك
وبسرعة البرق إستدار وسحب السكين من رقبة أخيه وسددها نحو قلب الأول , طعنه بقوة وبعزيمة لاتلين , إنتفض الأول إنتفاضة عنيفة كأنما يصارع قوًة مجهولة ,
تقلص وجهه , حملق , همً بضم ساعديه كأنما ليقيض على
السكين ولكنه لم يستطع , نطقت عيناه المذعورتان بكلام
لم يسمع , ثم سقط على قتيله وإختلطت دماؤهما
ساد الهرج أكثر , وعلا الصراخ , وأنتشر الرعب بين
الجميع لمنظر القتيلين والدماء المراقة
جلس الثالث صامتًا , ينظر إلى الجثتين وبهدوء أخرج
سيجارة وأشعلها وأخذ ينفث بدخانها فى هدوء وتلذذ
مرت دقائق صعبة , حضرت الشرطة وقبضت على القاتل
الذى إستسلم فى هدوء , ودثرت الجثتين بغطاء أبيض
سقطت دمعة رقيقة من مقلتي الأستاذ بعد أن أكمل حكايته
المفجعة
ووقفت نملة بصوتها الجهوري وقالت :
- ما أ تعس بنى البشر
- ما أ تعس بنى البشر
ابراهيم عبد المعطى
الأسكندرية