المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عكاز جدي



محمود أبوفول
07/11/2007, 05:06 PM
عكاز جدي

وصلت منهكا الى البيت فى ذلك اليوم الحار من أيام الصيف, انه يوم الاجازة الاسبوعى و الذى أنتظره بفارغ الصبر كى

أفرغ الشحنة الكبيرة التى بداخلي باللعب مع الاصدقاء أو بالتسلق على شجرة التوت التى تطل على الشارع من بيت

أم سعيد و التى دائما تتسبب لى " بعلقة سخنة " من أبي حين تشتكى اليه سرقتي لتوت شجرتها سواء أكانت مثمرة

أم لم تكن و لكنها لا تعرف سوى باب منزلنا لتطرقه مع أننا نكون أكثر من عشرة فوق تلك الشجرة, كم تمنيت ان لو

نبتت تلك الشجرة في بيتنا بدلا من بيت أم سعيد لأن توتها لذيذ جدا و حتى لا تجد أم سعيد طريقا الى باب منزلنا مرة

أخرى ...............

فتحت باب المنزل بصعوبة شديدة وكنت حريصا على ألا أحدث صوتا ثم رددته بالطريقه نفسها, ثم أخذت بنفض التراب

الذي علق بملابسي و لكن يداى تسمرت فى مكانهما حينما وقع بصرى عليه, لقد كان مستندا على الحائط بجوار باب

الصالون من الداخل , انه عكاز جدي ؟! أعرفه جيدا من لونه الآحمر المائل الى السواد مع زيادة فى الالتواء العلوى,

اننى أستطيع أن أميز ذلك العكاز عن جميع " العكاكيز " فى هذه الدنيا و لو أحد سألنى عن أكثر شى أمقته فى

حياتي _غير ايقاظي مبكرا الى المدرسة_ لأجبت و بدون تردد ذلك العكاز اللعين , والذى طالما رسمت تلك النقوش التى

تزينه على جسدى , وكان صوت جدى الأجش يملأ البيت , ان جدى دائما يتكلم , اننى لا أذكر يوما رأيته وفمه مقفل

حتى وهو نائم يتكلم بعبارات غير مفهومه , ولكننى أحب حديثه الشيق عن طفولته و عن مشاركته فى الدفاع عن قريته

التى هُجر منها و عن ترحاله الكثير فى البلاد العربية , و لكننى أقفل أذناى حينما

يطلب منى عدم اللعب مع أصدقائى أو حينما يطلب منى أن أسمع كلام أمى وأن ألبى لها ما تطلبه منى دون تأخير,

غير أنى لا أستطيع أن أشعره بأنني لن أحقق طلبه, لأن عكازه دائما يكون بجواره و أنا لا أحب أن يتزحزح ذلك العكاز سوى حين يستعمله جدي أثناء سيره .


يا لسوء حظى, ما الذى أتى به لزيارتنا فى هذا اليوم؟ لقد كان جدى يتحدث الى أمى و كانت هى بدورها تهز رأسها

موافقة عن كل ما يقول , هذه أفضل طريقه للانصات الى جدى وهكذا أفعل أنا , ولكن جدى _ وكأن لديه حاسة

سادسة _ أحس بوجودى فألتفت نحوى و أشار بيده بأن أقترب و قد فعلت وقبل أن أصل اليه بادرنى بالسؤال: " وين

كنت يا ولد ؟؟" لقد كان السؤال مباغتا لى و لا أدرى بماذا أجيبه , ولقد كانت أمى ترمقنى ببعض النظرات الحانية

المتقطعة و لا تدرى ماذا تفعل , فكرر السؤال على مسامعي مرة أخرى ومد يده ناحيه عكازه " لقد أرسلته الى البقال

لكى يعطيه نقوده المستحقه علينا " هكذا أجابت عنى أمي, غير أن جدى أخذ ينظر الى ثيابى المزينه ببقع التوت

الحمراء, ثم حك شاربه بسبابته وهم بقول شى ما و لكن جرس الباب تدخل لينقذنى من مأزق كبير, فاستدرت كى أرى

من بالباب و لكنه استوقفنى بحركه من يده, وقام و هو يستند على عكازه كى يفعل ذلك , فتنفست الصعداء و هدأت

دقات قلبى قليلا ولكنها عادت الى الخفقان الشديد حينما تسلل الى مسامعي صوتا يأتى من ناحيه الباب ما تمنيت مطلقا

سماعه فى هذا الوقت بالتحديد , انه صوت أم سعيد , وبعد لحظات سمعت صوت الباب يقفل ممزوجا بلعنات جدى,

فنظرت الى أمى وكانت تنظر الى بنظرات مشفقه فيها بعض العتب و كأنها أدركت ماذا جرى, فوجدت نفسر أرتمى

فى حضنها و غرست رأسى فى صدرها وأحسست بيديها الناعمتين تطبقان على كالفولاذ وتسللت الى نفسى نسمة

شعور بالامان , غير أن صورة واحدة لم تغادر مخيلتى قط كانت ل " عكاز جدى "..............

أشرف نبوي
07/11/2007, 07:51 PM
محمود ابو فول

نص قوي متماسك ...سرد راق بواقعيه ... براعه في التصوير .. عاطفه تجيش فتحرك بدواخلنا ذكريات الطفوله الرائعه

دمت مبدعا

اشرف نبوي

ابراهيم عبد المعطى داود
07/11/2007, 08:09 PM
الكاتب / محمود
ماأجملها من أيام حينما كنا نتسلق شجرة التوت ونتبارى فى جمعه وقطفه وتناوله ,
حتى أن ملابسنا تتحول لأحمر قانى أو أسود كالح كلون توت الشجرة التى كنا عليها ,
ونعود إلى بيوتنا فنستقبل بعلقة ساخنة !
ماأجملها من أيام وما أجمل كلماتك حينما تتوافق مع نبضات قلوبنا وتستخرج مكنون
صدورنا لنترحم على الأيام الخوالى والماضى الجميل ,
وتقبل خالص ودى وتقديرى
ابراهيم عبد المعطى ابراهيم

طه خضر
07/11/2007, 08:39 PM
بديعة ورائعة ..

بحار الذكريات لا مثيل لها، الغوص فيها حلم جميل حتى وإن كانت مؤلمة ..

احترامي وتقديري ..

محمود عادل بادنجكي
07/11/2007, 10:06 PM
يالها من ذكريات حلوة دابغة في الذاكرة
عن ثمار الجنة.
ليسيل قلمك بعسل الذكريات

محمود أبوفول
08/11/2007, 11:28 AM
شكرا علي الردود المشجعة وخاصة وان هذه القصة أولي كتاباتي
الرجاء عدم البخل علي بالنقد البناء والنصائح الغالية

محمود أبوفول- فلسطين