نظام الدين إبراهيم أوغلو
07/11/2007, 05:29 PM
القسم الآول
معلومات قيمة عن عالم الجن والسّحر والسّحرة
جمعه وحقّقه نظام الدين إبراهيم أوغلو
e.mail. nizamettin955@hotmail.com
مقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم وبعد .
قبل البدء بتعريف وشرح عالم الجن والسّحرة، أريد أن أوضح، أنّه لا الجن يضرّ الإنسان ولا السّاحر يضرّ أي كائن في السّموات والأرض، إذا لم يتدخل إرادة الله في ذلك. وهناك آيات وأحاديث كثيرة على ذلك فقال (ص) (لو اجتمع الإنس والجن على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بما كتبه الله لكن ولو اجتمع الإنس والجن على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بما كتبه الله عليك، رفعة الأقلام وجفت الصحف) رواه البخاري. فالجن مخلوق سفلي أي أدنى من الإنسان عقولهم وصورهم أدنى من الإنسان ويأخذون علومهم وأمور دينهم من الإنسان فقال تعالى (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم). ومأمورون بالواجبات قال تعالى )وما خلقت الجن والإنس إلاّ ليعبدون) الذّاريات 56. والسّاحر أيضاً دوني لأنه فاسق وعدوّ الله، إذن كيف يمكن لهما أن يؤذّوا ويضرّوا الإنسان ذا خلق حسن ومؤمن بالله ومطيع لأوامره؟ فقال تعالى (قالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ).( لأزيننّ لَهُمْ فِي الأرْضِ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ). أي بقدرة الله يضلّ بني آدم عدا المخلصين الصّالحين منهم.
وهناك إثباتات وحوداث كثيرة منذ القدم وإلى الآن ثابت علمياً على عدم ضرر هؤلاء إلاّ على أنفسهم، ولو كانت لهم القوّة العظيمة أو القوّة السّحرية الخارقة لأستعملهم فرعون ونمرود ولينين ونابليون وشاه بهلوي وصدّام حسين أو الدّول المستعمرة مثل روسيا وفرنسا والإنجليز وأمريكا من أجل إسعادهم ونصرهم في الحروب وسيطرتهم على الدّول.
لقد شاهدت عدة حوادث حول ذلك السّحر والجن في تركيا " أدّعى صديقاً لي على أنّه هناك ساحراً يحلّ مشاكل الناس ويؤثر عليهم فقلت له إتّصل معه لنذهب إليه فليفعل ما يفعل بي إذا كانت لديه قدرة فذهبنا إليه وعمل ما عمل وأخيراً قال لاأستطيع فعل الشيء، والسّبب لأنّ إيمانه قوي "هكذا كان جوابه. وكذلك ذهبت يوماً إلى القرية وفي المساء أردت الوضوء والذّهاب إلى مكان الوضوء لأجل صلاة العشاء، فقام أهل القرية بمنعي من الذّهاب إلى مكان الوضوء والسّبب لوجود الجن الشّريرة في القرية لقد أضرّوا كثيراً من الناس وإذا ذهبت سوف يضرّونني وتعجبت من هذا القول أيضاً وبعد الإصرار على عدم ذهابي قرّرت الذّهاب إلى المكان المحدّد وكان ليل مظلم حيث لا قمر ومكان الوضوء بعيد عن البيت، فذهبت ورجعت ولم يحصل لي شيئاً وتعجب أهل القرية من ذلك، والعجب بهم لأنّهم يصدّقون على مثل هذه الخرافات. وهناك حادث أخر أيضاً وهو أنّ أحد العلماء الأجلاء في تركيا وإسمه الأستاذ الدّكتور خير الدّين قرامان كان يلقي موضوعاً على السّحر والجن وجاءت له أسئلة كثيرة وكان ينكر أيضاً إيذائهم للأفراد فتحدى على شاشة التلفاز أيّاماً عديدة وقال لهم "أنا أتحدى هؤلاء السّحرة على إيذائهم لي فليتحد كلّ السّحرة والجن وأنا ها هنا أمام الملايين ليضرّوني" وطالت الأيام ولم يخرج أحداً منهم ليتحدى هذا العالم الجليل، والأمثلة كثيرة على ذلك.
المخلوقان السّاحر والجن موجودان على هذه الأرض منذ القدم ونعيش معهما ولكن ضررهما كانت سابقاً لأسباب سوف نذكرها أدناه أمّا الآن فهذه الخوارق والمعجزات إنتهت بعد مجيء الرسّول محمد (ص) الله أعلم، وضررهما لا يكون إلاّ على أنفسهم وعلى الضعفاء من الشّخصيات سواءاً كانوا ضعفاء من الناحية البدنية أو العلمية أو المعنوية والدّينية، فأكثر النساء يخفن ويتأثرن وكذلك الأطفال والرّجال من الجهلاء وهذا يتزايد في القرى وفي الدّول النامية وحتى في الدّول المتقدمة البعيدة عن الدّين والمبادئ السّامية. علماً أنّ موضوع السّحر ليس مشكلة أوحديث المتعلمين والمثقفين وإنّما نجده عند العوام من الناس.
وللجن تأثير غير مباشر على الإنسان الضّعيف كما ذكرنا أعلاه، أمّا كيفية تأثيرهم فيكون بوسسة الشّيطان على صدور الإنسان أي على نفوس الإنسان (النّفس الأمّارة بالسّوء) وهناك آيات يثبت ذلك فمثلاً (فوسوس لهما الشّيطان ليُبدي لهما ما وري عنهما من سوءاتهما، وقال ما نهاكما ربّكما عن هذه الشّجرة إلاّ أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين) ، (من شرّ الوسواس الخنّاس الذي يوسوس فس صدور النّاس من الجنة والنّاس) (قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين) أي وسوسة الشّيطان، وبعد نجاحهم في وسوسة الضّعفاء يبلغون السّحرة عما جرى، وكيف يتم الوسوسة الله أعلم بذلك، ولكننا نحلل ونقول قد يكون بتلقي بعض الكلمات والعبارات السّيئة على عقول الإنسان ثم يتفنن في تصوير هذه الكلمات وجعلها كأنها حسنة أو تزينها بزينة الحياة الدّنيا ولا يتحدى أعمالهم غير هذا.
فمثلاً يزينون عقول الضّعفاء نفسياً وروحياً بظلم الأفراد وقتلهم وغصب أموالهم أو مقامهم على أنها حق وأصالة ومصدر قوة وسلطة لهم، وشرب الخمر وعمل الفحشاء والمنكر والعيش في ديار الخراب فضيلة وخير وبركة لهم في الدّنيا. وبعد مجيء الإسلام نهى الله تعالى عمل السّحرة ومنع أيضاً إسترقاق الجن.
أمّا موضوع تفريق السّحرة بين الزّوج والزّوجة كذلك مسألة نفسية لا وجود لها، لأنّ هناك آيات كثيرة حول إبتلاءات الأنسان بأشكال متعددة فمن هذه العداء بين الزّوجين وبين الإنسان والشّياطين منذ آدم (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ )، (ولو شَاءَ ربك لجعلَ النّاسَ أمّةً واحدةً ولا يزالون مختلفين، إلاّ من رحِم ربك). وهذا نجده أيضاً عند إمرأة لوط مع لوط (ع) وإمرأة نوح مع نوح (ع)، وحتى بين الأولاد كما في حسد قابيل مع هابيل وبين الأباء والأولاد كما في نوح (ع) مع إبنه وبين الإنسان وبني الإنسان كما نرى قتل بني إسرائيل الأنبياء وهكذا، فالذين ينجحون في هذه الإبتلاءات ويسلكون الطريق المستقيم لايمكن أن يوسوسهم الشّيطان. والذي أريد قوله أنّه يمكن أن يخرج المشاكل بين الزوجين ووجود الإختلافات إعتيادية وفطرية ولا علاقة لها بالسّحر والتّسحر. وبسبب سرعة إنتقالهم كانوا يخبرون السّحرة عن حادث أثناء وقوعوعه ويظهرون للساحر كأنهم يخبرونهم بالغيب فهذه النظرية أبطلت بفضل إكتشاف الفضائيات والتلفون النّقال.
وأنا لا أنكر السّحر والجن وأعمالهم قبل الإسلام كانت معجزة الأنبياء أمّا بعد مجيء الرّسول أبطلت هذه المعجزات وخوارق العادت فمثلاً أنّ الأجنة كانت تعرف أشياء كثيرة قبل مجيء النبي (ص) وكان يسترق الأخبار من السّماء وكان هاروت وماروت يعلمان الناس السّحر ثمّ منع عنهم ذلك وأصبح شظايا (شهاب) النجوم يرميهم ولا يصلون إلى السّماء فنعوا من أخذ الأخبار من الملائكة بعد إضافة مئات الأكاذيب إلى أعوانهم، وإن إدّعى بعض الناس في كتبهم على بعض الأعمال السّحرية فأنا لا أرى صحتها لأنّ فيها مبالغات وخوارق العادات. علماً أنّه هناك ألعاب سحرية التي تخدع الناس أوإعطاء عقاقير طبية للمسحور ليست من السّحر وكذلك التنويم المغناطيسي موضوع علمي ليس مرتبط بالسّحر. وأذكر هنا أنّ حديث (تعلّموا السّحر ولا تعملوا به) حديث موضوع وحتى موضوع تسحرهم للرّسول (ص) موضوع نقاش وإن كانت واردة في البخاري، وقد يكون وجودها لأجل تعليمي أي يعلمهم كيف يمكن أن يحفظوا أنفسهم من شرور الجن (قال موسى ما جئتم به السّحرُ أنّ الله سيبطله إنّ الله لا يصلح عمل المفسدين) يونس 81.
وأخيراً قد تسألون كيف حفظتُ وأحفظ نفسي من وسوسة الجن ومن شرور السّحرة؟ لقد حفظت نفسي من وسوستهم وشرورهم كما علّمنا الله ورسوله بقراءة القرآن الكريم وبقرأة المعوذتين وآية الكرسي وحتى يقال أنه يكفي بقرأة البسلمة في كل عمل يفرّ منك ولا يتجرأ بالوسوسة، وكذلك بتعلم العلوم والدّين الإسلامي وكذلك بمعرفتي لأكاذيب وتفنن هؤلاء المخلومات الشّيطانية سواء كان جناً أو ساحراً، فلم أصدقهم أبداً ولاأخاف منهم ثمّ لا يمكن أن يخدعوني ويسلبوا أموالي.
أـ عالم الجن
سأتطرق هنا بشكل مفصل عن عالم الجن لأنّ للجن علاقة وثيقة مع السّحرة أي هم على إرتباط معهم حسب إدّعائهم
1ـ تعريف هذا العالم :
يختلف عالم الجن اختلافا كليا عن عالم الملائكـة والانسان، فكل له مادتـه التي خلـق منها ، وصفاته التي يختلف بها عن الأخر، الا أن عالم الجن يرتبط مع عالم الانس من حيـث صفـة الادراك وصفة العقل والقدرة علـى اختيار طريق الخير والشر. وأبو الجن هو ابليس كما أن أبو الانسان آدم عليـه السلام . أما طبيعـة خلقتهم فقد أخبرنا الله عز وجل عنهم أنه خلقهم من نار، كما قال تعالـى (والجـان خلقناهـهم من قبل من نار السموم ) وقوله عز وجل ( وخلق الجان من ما رج من نار) . وقد فسر أهل العلم من السلف الصالح قوله ( مارج من نار) هـو طرف اللهب ومنهــم ابن عباس وعكرمة ، ومجاهد ، والحسن وغيره ، وقال النـووي " المارج اللهب المختلط بسواد النار " . أما الانسان فقد خلق من طين كما أخبرنا عـز وجل بقولـه( قـال مـا منعك ألا تسـجد اذ أمـرتك قـال أنا خيـر منـه خلقتـني مـن نـار وخلقـته من طين) وفـي قـوله سبحان (فاستفتهم أهم أشـد خلقـا أم من خلقنا انا خلقناهم من طين لازب) وكذلك كما ورد فـي الحديث الذي أخرجـه مسـلم عـن عائشة ، عن النبي صلي الله عليه وسلم قـال " خلقـت الملائكة من نـور، وخلـق الجان من مارج من نار، وخلق أدم مما وصف لكم ". وقد خلـق الجان قبـل الانسان وسكن الأرض قبله ، بدليـل قـول الله عـز وجل (ولقد خلقنـا الانسان مـن حمـأ مسنون، والجان خلقناه من قبل من نار السموم) .
2ـ أنواع الجن و أصنافهم :
وينقسم الجن الى ثلاثة أصناف كما صنفهـم لـنا رسـول الله صلي الله عليه وسلـم
قال : "الجن ثلاثة أصناف
1ـ فصنف يطير فـي الهواء. 2ـ وصنـف حيـات وكـلاب. 3ـ وصنف يحلون ويضعنون "
رواه الطبراني ، والحاكم ، والبيهقـي باسنـاد صحيـح.
وقد أمـرت الجن وكلفت كـما كلف الانسان ، فـهم مأمورون بالتوحيد و الأيمـان والطاعة والـعبادة ، وعـدم المعصيـة والبـعد عن الظلـم وعدم تعـي حدود الله ، فمسلمهم مسلم، ومؤمنهم مؤمن، وكافرهم كافـر ، والمطيـع منهـم لله ورسولـه، يدخل الجنة ومن أبى دخل النار سواء بسواء، مثلهم مثل الانسان والدليـل من قولـه عزوجل ( وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون ). اذا هم خلـق من خلـق الله ومـن ينكرهم فانه يكفر للأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة . وقد وجـد مـن ينكرهـم قديمـا وحديثا . ولا يضيرنا ذلك منهم . والذي يهمنا أنـهم حقيقة لاشـك فيهـا ولا مريـة لمـا سيترتب علـى مـا سوف نسرد مـن أخبارهم وأحوالهـم وربنا وربهم الله .
3ـ الجن يأكلون ويشربون:
وحيث أن مثل هذه الأمـور الغيبية في أحوال الجن الذين لا نراهم، توجب علينـا كأمـة مسلمة تؤمن بالغيب، أن نؤمن بكل المغيبات التي وردت في الجن وذلك لمـا يتصف به المؤمنون من الايمان بالغيب كما قال عز وجل وعلا شأنـه ( آلم ، ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين، الذين يؤمنون بالغيـب ويقيمـون الصـلاة وممـا رزقناهم ينفقون) (والذين يؤمنون بما أنزل اليك وما أنـزل من قبلك وبالأخـرة هم يوقنون) . وموضوع الجن أمدنا فيه رسـول الله بالخبر اليقيـن ، فاليـك أخـي المسلم المؤمن هذه الأدلة الصادقة من عند الذي لا ينطق عن الهوى . ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة ـ رضـي الله عنه ـ أن النبي صلي الله عليـه وسلم ـ أمره أن يأتيه بأحجار يستجمر بها ، وقـال له: " ولا تأتيني بعظم ولا بروثة" ولما سأل أبو هريرة الرسول صلى الله عليه وسلـم، بعد ذلك عن سر نهيه عن العظم الروثة ، قال:"هما من طعام الجن ، وانه أتاني وفـد نصيبين ، ونعم الجن ،فسألوني الزاد ، فدعوت الله لهم : ألا يمروا بعظم و لا روثـة الا وجدوا عليها طعاما" . وفـي صحيح مسلم عن ابن مسعود عن رسول الله صلـى الله عليه و سلم أنه قـال " أتاني داعي الجن فذهبت معه ، فقرأت عليهـم القرآن ، قـال : فانطلق بنا فأرانا آثارهـم وآثار نيرانهم ، فسألوه الزاد فقال : " لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكـم لحما، و كل بعرة علف لدوابكم" فقال النبي صلى الله عليه و سلم :" فلا تستنجوا بهما فانهما زاد اخوانكم " . و في سنن الترمذي باسناد صحيح : " لا تستنجـوا بالـروث ، ولا بالعظام ، فانه زاد اخوانكم من الجن" و قد أخبرنا الرسول صلى الله عليه سلم ، أن الشيطان يأكل بشماله و أمرنا بمخالفته في ذلك . وقد روى مسلم في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبـي صلى الله عليه و سلم قال:" اذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، و اذا شرب فليشرب بيمينه، فـان الشيطان يأكل بشماله ويشـرب بشمالـه". و في مسند الامام أحمد " من أكل بشماله أكل معه الشيطان، و من شرب بشماله شرب معه الشيطان" . وكما أن الأنسان المسلم منهي عن أكل اللحم الذي لم يسمى عليه أسـم الله ، فان الجن المسلم أيضا منهي عن أن يأكل لحم الميتتة لانه لـم يذكـر اسـم الله عليهـا. لذا فقد ترك اللحم الذي لم يذكر اسم الله عليه يأكلـه المشركـون، والذيـن يذبحون لغير الله والشيطان على شاكلتهم. لذا نستنتج أن الميتتة أكل الشيطان . وقـد استنبط ابن القيم رحمه الله من قوله تعالى( انما الخمر و الميسر و الأنصاب والأزلام رجس مـن عمـل الشيطان) أن المسكر من شراب الشيطان، فهو يشرب من الشراب الـذي عمله أولياؤه بأمره ، وشاركهم في عمله ، فيشاركهم في شربـه ، و اثمـه و عقوبته.
4ـ أيـن يعيـش الجـن وأيـن يسكـن:
كما أسلفنا فان الجن هي أمة من الأمم ، وطالما أن الله عز وجل هو خالقهم فانه عـزوجل لم يخلق عباده عبثا، ولم يتركهم هملا، تماما ككل المخلوقات في السماء أو فـي الأرض أو في جوف البحر، فان لكل نظامه وحياته، فالسمك يعيـش في المـاء ولـو أخرج منه لمات، و الانسان والطير وكثير من الحيوان الذي يعيـش فـوق الأرض لو أدخل في البحر لماتوا جميعا، لأن الخالق سبحانه جعل لكل نظام وغذاء و حياة تختلف عن الأخر. والجن لهم حياتهم ومعاشهم و أكلهم وشربهم ،ولهم أماكن يسكنـون فيها أو مختصة بهم، وقد يشاركوننا في بعض الأماكن . فهم يسكنون في الأحراش والخرابات وبيوت الخلاء ، وفي مواضع النجاسات والمقابر. وكما يقول شيخ الاسلام ابن تيمية ، يأوي الى كثير من هذه الأماكن التي هـي مأوى الشياطين، الشيوخ الذين تقترن بهم الشياطين، ويتواجدون في أماكن اللهو وفي الأسواق حيث يكثر تواجدهم لاضلال الناس وافسادهم،و قد أوصى الرسول صلي الله عليه وسلم أحد أصحابه قائلا :"لا تكونن ان استطعت أول من تدخل السوق ، ولا آخر من يخرج منها ، فأنها معركة الشيطـان ، وبها ينصب رايته " رواه مسلم في صحيحه ).فالجن أيضا تعيش في منازلنا ومعنا ولكن لا نراهم، وقد يأكلون معنا ويشربون معنـا من حيث لا نراهم لاستتارهم عنا، لقوله عز وجل (انه يراكم هـو قبيله من حيـث لا ترونهم). الا انه قد يتشكل في بعض الأحيان، وهذا ما سنتطرق اليه في حينه فـي قصته مـع أبي هريرة رضي الله تعالي عنه، وكي لا يشكل هذا الأمر علـى البعض فأحيانا نذكر الجن و أحيانا أخرى نذكر الشيطان فما هي العلاقة بينهما؟
5ـ هـل الشيطـان أصلـه مـن الجـن؟
كما تقدم فقد ذكرنا أن الشيطان أبو الجن كما أن آدم أبو الانس ،والظاهر مـن سياق القرآن أن الشيطان من الجن كما في قول الله عز وجل( واذ قلنا للملائكـة اسجـدوا لآدم فسجدوا الآ ابليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أ فتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا ) . فهذا دليـل واضح جلـي بـأن الشيطـان أو ابليـس كان من الجن ، ففسقه وعدم تنفيـذ أوامر الله وغروره، كـان سببـا فـي أبلسة الله له، كما أن شيطنتـه أبعدته مـن رحمة الله، فأختلف الناس في ذلك فمنهم من قال بهذا ومنهم مـن قال بغيره. وذكر شيخ الاسلام ابن تيمية في مجمـوع الفتـاوى ج/4 235ص346 ( انه يذهب بالقول بأن الشيطان أصل الجن كما أن آدم أبو الانس .
6ـ تشكـل الجـن أو الشيطـان :
ان من رحمة الله سبحانه و تعالى بخلقه من الانس أن جعل الشيطان و حزبه مـن المردة العفاريت وغيرهم فيما يدخل في مضمون الجن ،غير مرئيين لهـم، لأنـه سبحانه و تعالى يعلم بأن أشكالهم قبيحة ، قد تكون أعيـن البشـر وعقولهــم لا تستوعب البشاعة التي خلق عليها الشياطين . قد ذكر الله لنا ذلك في محكم التنـزيل واصفا قبح الشيطان بأن شبه لنا شجرة الزقوم التي تنبت من أصـل الجحيـم برؤوس الشياطين لما علم من قبح صورهم أشكالهم ، فقال عز وجل (انهـا شجرة تخـرج في أصل الجحيم* طلعها كأنه رؤوس الشياطين).و قد ذكر لنا النبي صلى الله عليه و سلم " أن للشيطان قرون وأن الشمس تخرج بين قرني شيطان " فـي البخـاري مسلم قوله صلى الله عليه وسلم "اذا طلع حاجب الشمس فدعوا الصلاة حتى تغيب و لا تحينوابصلاتكم طلوع الشمس و لاغروبها، فانها تطلع بين قرني شيطان ". ومن هذا كله يتبين لنا أن منظر الشيطان أو الجن أو ابليس بشع لنا كبشر للنظر اليـه، و لا يستطيع انسان كائن من كان من دون الرسل و الانبياء ، أن يرى الشيطان على حقيقة خلقته التي خلقه الله عليها كما يدعي البعض من الناس الجهلة وذلك لقوله عز وجل (انه يراكم هو و قبيله من حيث لا ترونهم). أما الانبياء و الرسل فالله يريهم ما يريد و ما يشاء. ولكن الشيطان أو الجن يستطيع أن يتحول من خاصيته التي خلقـه الله عليها الى خاصية أخرى كأن يكون في صورة كلب أو حية أو عقـرب أو صـورة انسان أو ما الى ذلك . كما حدث في عهد النبـي صلـى الله عليـه وسلـم، اذ رأى الشيطان في أكثر من موضع و بصور لاشخاص معروفين و اشخاص غير معروفين و قد حدث ان كان رسول الله صلى الله عليـه و سلـم يحـدث أصحـابه فيدخـل عليهم رجل غريب ، نتن الريحة ، قبيح المنظر، مقطـع الثيـاب فيخبرهـم النبـي صلى الله عليه و سلم انه الشيطان جاء يشككهم في أمر دينهم . و اليك أخي القارىء هذه القصة الطريفة التي جرت مع ابي هريرة رضي الله عنه و رواها البخاري ، قال أبو هريرة رضي الله عنه : وكلني رسول الله بحفظ زكاة رمضان ، فأتاني آت فجعل يحث من الطعام ، فأخذته ، و قلت : و الله لأرفعنك الى رسول الله صلى الله عليه و سلم ، قال: أني محتاج، و علي عيال ،و لي حاجة شديـدة، قـال: فخليـت عنـه ، فأصبحت فقال النبي صلى الله عليه و سلم" يا أبا هريرة ،ما فعل أسيرك البارحة ؟" قال: قلت: يا رسول الله شكـا حاجـة شديدة وعيـالا ، فرحمته، فخلـيت سبيلـه، قال " اما انه كذبك وسيعود "،فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلـى الله عليـه وسلم انه سيعود فرصدته فجاء يحثو مـن الطعـام فأخذته ، فقلـت :لأرفعنـك الى رسول الله صلى الله عليه و سلم ،قال: دعني فاني محتـاج ،و علـي عيـال ، لا اعود ، فرحمته ، فخليت سبيله، فأصبحت ،فقال رسـول الله صلى الله عليـه و سلم :" يا أبا هريرة ، ما فعل أسيرك؟" قلت : يا رسول الله شكا حاجة شديدة و عيالا فرحمته . فخليت سبيله قال:" اما انه كذبـك وسيعود" ،فرصدته الثالثـة ، فجـاء يحثو من الطعام ،فأخذته فقلت : لأرفعنك الى رسـول الله صلى الله عليه و سلـم ،وهذا آخر ثلاث مرات أنك تزعم لا تعود ، ثم تعـود ! قال: دعنـي أعلمـك كلمات ينفعك الله بها ، قلت ما هـو؟ قـال: اذا أويـت الى فراشـك فاقـرأ آيـة الكرسـي (الله لا اله الا هو الحي القيوم) حتـى تختم الآية ، فانك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبـح ، فخليـت سبيله، فأصبحت ، فقال لي رسـول الله صلى الله عليه و سلم:" ما فعل أسيرك البارحة ؟" قلت : يا رسول الله زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله ، قال:" ما هي ؟ " قلت: قال لي : اذا أويـت الى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم ( الله لا اله الا هـو الحـي القيـوم )، و قال لي : لن يزال عليك من الله حافظ ، و لا يقربك شيطان حتى تصبح، و كانـوا أحرص شيئا على الخير ، قال النبي:" أما انه صدقك و هو كذوب ، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليالي يا ابا هريرة ؟ " قال: لا ، قال: " ذاك شيطان " .
7ـ هـل يدخل الجـن في جسـد الانسـان؟
ويقول البحث لقد بدأت العداوة بين الشيطان والانسان منـذ اللحظة التي خلق الله سبحانه وتعالى آدم عليه السلام، بل من قبل ذلك عندما كان آدم عبارة عن جسد، وقبل أن تنفـخ فيه الـروح، فقد كان جثة هامدة من طين أتى اليه الشيطان فرآه أجوفا ، فكان يدخـل مـن فمـه ويخرج من دبره ويدخل من أنفه ويخرج من أذنه وهو أجوف. و الشيء اذا كان أجوفا فانه يكون غير متماسكا لذا كـان يقول لـه: ان لك لشأنا ولئن أمرت بك لأعصين ، ولئن سلطت عليك لأهلكنك. وقد ورد في صحيح مسلـم عن أنس أن رسول الله عليه وسلم قال:" لما صور الله آدم في الجنة، تركه ما شاء الله أن يتركـه ، فجـعل ابليس يطيف به ،ينظر مـا هو ،فلما رآه أجوف عرف أنه خلق لا يتماسك " . وعندمـا نفخ الله الروح في آدم وأسجد الملائكة له ، أبي واستكبر وفضل نفسـه علـى آدم وهـو الذي كان من أعبدهم لله ، فغرته نفسه فكيف يسجد لهذا الذي خلق من طيـن فتعالـى على الله ولم ينفذ الأمر الذي صدر من الله له وللملائكة ، فاستجابت الملائكة وعاند هو ورفض ذلك استحق أن يطرد من رحمة الله وأن يخرجه الله من الجنة لأنها لا يكون فيها متكبر متعال مـن خلق الله .فاذا علمنا هذا، علينا أن نعلم أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد ،فحسب بل تعداه الى ما هو أبعد مـن ذلك،وهو توعده لآدم وذريته بالاغواء والاضلال و الاحتناك ، وانه سوف يأمرهم بتغيير خلق الله ، وقد أمهله الله عز وجل الي يوم البعث . ولله حكمة بالغة فـي ذلك ، والا فان الله قادر على أن يهلكـه فـي تلك اللحظة .لذا ذكر لنا الله سبحانه هذا التفصيل في قوله عز وجل (قـال أرأيتك هذا الذي كرمـت عـلي لان أخرتن الـى يوم القيامة لأحتنكن ذريته الا قليـلا). والآيات في هذا كثيرة جدا، فالعداوة حاصلة وستستمر ببقاء الدنيا لأن الشيطان يعتقد أن سبـب خروجه من الجنة وطرده من رحمة الله انما كانت بسبب آدم وليس باستكباره واستعلاءه . فلذلـك سوف يستمر بالانتقام من ذرية آدم بعد أن كان هو سببا في خروج أبينا من الجنـة. ولـو نظرنا نظرة متأمل لوجدنا أن الله ابتلى آدم بالشيطان وابتلى الشيطان بآدم حتى تملأ الجنـة بعبـاد الله المتقين وتملأ النار بالكفرة والمشركين والمنافقين والعاصين .فلله في خلقه شؤون، وله الحكمة البالغـة .ولذلك نجد أن أول مسة يمس الشيطان فيها الانسان ساعة ولادته وهـذا ثابت بالدليلففي البخاري ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ـ :"كـل بني آدم يطعن الشيطان في جنبيه باصبعه حين يولد غير عيسى ابن مريم ، ذهب يطعن، فطعن في الحجاب".وفـي البخاري أيضا " ما من بني آدم مولود الا يمسه الشيطان حين يولد ، فيستهـل ارخا من مس الشيطان، غير مريم وابنها". والسبب في حماية مريم وعيسى أن الله استجاب دعوة أم مريم (واني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم). فهـذا أول ايذاء للشيطان لأي مولود يولد من ذرية آدم. فكل هذه المقدمة والاستدلالات من الآيات الواضحات والأحاديث النبوية الثابتات انما تمهيد للموضوع الرئيس في هذا الباب وهو تلبس الشيطان في جسد الانسان وهو ما يسمى بالصرع. وقد تكلم فيـه الكثيرون مـن العلماء خلفا عن سلف . وقبل الدخول في أقوال أهل العلم والتفصيل فيها نود أن نعرج الى قائد المعلمين صلى الله عليه وسلم ونري هل حدث شيء من هذا فـي عهده ؟ فهو قدوة الناس أجمعين عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم . فما ثبت في عهده فهـو الحق المسلم به وما لم يثبت فليس بصحيح .نعم لقد حصل ذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في اكثر من مـرة ودليـل من حفظ أقوى على من لم يحفظ. ففي سنـن أبى داود ومسند أحمد " عـن أم أبان بنت الوازع بن زارع بن عامر العبدى ، عن أبيها ، أن جـدها الزارع انطلـق الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فانطلق معه بابن له مجنون ، أو ابن أخت له مجنون ، قال جدي : فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلت : ان معي ابنا لي أو ابن أخت مجنون ، أتيتك به تدعو الله له ، قال " أئتني به "، قال: فانطلقت به اليه وهو في الركاب فأطلقت عنه ، وألقيت عنه ثياب السفر ،وألبسته ثوبين حسنين، و اخذت بيده حتى انتهيت به الى النبي صلى الله عليه و سلم ، فقال : " أدنوه مني ، اجعـل ظهره ممـا يليني " قال بمجامع ثوبه من أعلاه وأسفله ، فجعـل يضرب ظهره حتى رأيت بياض ابطيه، و يقول : " اخرج عدو الله ،اخرج عدو الله" ، فأقبل ينظر نظر الصحيح ليس بنظره الأول . ثم أقعده رسول الله ، صلى الله عليه و سلم، بين يديه ، فدعا لـه بماء فمسح وجهـه و دعـا له فلم يكن في الوفد أحد بعد دعوة رسول الله- صلى الله عليه وسلم – يفضل عليه . وفي مسند الأمام احمد أيضا عن يعلى بن مرة قال: رأيت من رسول الله ، صلى الله عليه وسلم، ثلاث ما رآها أحد قبلي ،لا يراها أحد بعدى لقد خرجت معه في سفر حتى اذا كنا ببعض الطريق مررنا بامرأة جالسة معهـا صبي لها ، فقالت يا رسول الله : هذا الصبي أصابه بلاء وأصابنا منه بلاء يؤخذ في اليوم لا أدري كـم مرة ، قال : " ناوليني " فرفعته اليه ، فجعله بينه وبين واسطة الرحل ثم فغر، فاه ، فنفث فيه ثلاثا، و قال : " بسم الله ، انا عبد الله ، اخسأ عدو الله " ، ثم ناولها اياه فقال: " القينا في الرجعة في هذا المكان فأخبرينا مـا فعل"، قال فذهبنا رجعنا فوجدناها في ذلك المكان معها ثلاث شياه ، فقال : " ما فعل صبيك ؟ " فقالت: و الذي بعثك بالحق ما أحسسنا منه شيء حتى الساعة ، فاجتـرر هذه الغنـم ، قال : "أنزل خذ منها واحدة و رد البقية " .وبهذا الذي تقدم من حديث المصطفى صلى الله عليه و سلم كفى بهما حديثين جليين عظيمين ترد على كل متأول أفاك كاذب لا يؤمن بدخول الجن في داخل جسد الأنسي. أما ما حدث من سلفنا الصالح و التابعين فهو كثير جدا، و نؤخذ منه مثلا من امام أهل السنة و الجماعة الأمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه و رحمـه الله.( روي أن الامام أحمد كان جالسا في مسجده اذ جاءه صاحب له من قبل الخليفة المتوكل ، فقال : ان في بيت أمير المؤمنين جارية بها صرع ، وقد أرسلني اليك ، لتدعو الله لها بالعافية، فأعطاه الأمام نعلين من الخشب ( أي قبقابين) قال : اذهـب الى دار أميـر المؤمنين واجلس عند رأس الجارية و قل للجني : قال لك أحمد : أيما أحب اليك : تخـرج من هذه الجارية ن او تصفع بهذا النعل سبعين ؟ فذهب الرجل و معه النعل الى الجارية و جلس عند رأسها ، و قال كما قال له الامام أحمد، فقال المـارد على لسان الجارية : السمع والطاعة لأحمد ، لو أمرنا أن نخرج من العراق لخرجنا منه ، انه أطاع الله و من أطاع الله أطاعه كل شيء . ثم خرج من الجارية فهدأت ، و رزقت أولادا . فلما مات الامام عاد لها المارد ، فاستدعى لها الأمير صاحبا من أصحاب احمد ، فحضر ، ومعه ذلك النعل ، وقال للمارد : اخرج و الا ضربتك بهذه النعل. فقال المارد : لا أطيعك و لا أخرج ، أما أحمد بن حنبل فقد أطاع الله فأمرنا بطاعته ).وقد ذكر شيخ الاسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى ، أن صرع الجن للانس قد يكون عن شهوة وهوى وعشق كما يتفق للانس مع الانس وهذا تلميذ شيـخ الاسـلام ابن القيم في كتابه القيم " الطب النبوي " يذكر لنا حديث ويفصل فـي موضـوع الصرع وتلبس الجن، فيقول: ( أخرجا في الصحيحين ،من حديث عطاء بن أبي رباح ، قال : قال ابن عباس : " ألا أريك امرأة من أهل الجنة ؟ قلت بلى. قال:هذه المرأة السوداء، أتت النبي صلي الله عليه وسلم ، فقالت : اني أصرع ، وانى أتكشف ، فـادع الله لى. فقال : ان شئت صبرت ولك الجنة ، وان شئت دعوت الله لك أن يعافيك ، فقالـت : أصبر . قالت : فانى أتكشف ، فادع الله أن لا أتكشف . فدعا لها" ).هذا ما كان من المرأة السوداء ،قال ابن القيم ( الصـرع صرعـان : صرع مـن الأرواح الخبيثة الأرضية ، وصرع من الأخلاط الرديئة . والثاني هو الذي يتكلم فيـه الأطباء في سببه وعلاجه . وأما صرع الأرواح: فأئمتهم وعقلائهم يعترفون به ،ولا يدفعونه . ويعترفون : بأن علاجه مقابلة الأرواح الشريفة الخيرة العلوية ، لتلك الأرواح الشريرة الخبيثة ، فتدفع آثارها، وتعارض أفعالها وتبطلها . وقد نص على ذلك أبقراط في بعض كتبه ، فذكر بعض علاج الصرع ، وقال :هذا انما ينتفع في الصرع الذي سببه الأخلاط والمـادة وأما الصرع الذي يكون من الأرواح ، فلا ينفع فيه هذا العلاج . أمـا جهلة الأطباء وسقطهم وسفلتهم ، ومن يعتقد بالزندقة فضيلة، فأولئك ينكرون صـرع الأرواح ولا يقرون بأنها تؤثر في بدن المصروع . وليس معهم الا الجهل ) ونكتفي الي هنا بمـا ذكر ابن القيم ومن أراد الرجوع الى الموضوع مفصلا فهو في الطب النبوي، ص 51.
أما الواقع الذي نعيشه وعاشه غيرنا من المعالجين لهو اكبر وأكثر من أن يحصى عددا وكما، ولكن ليس كل الحالات التي يعالجها المعالجون هي تلبس وجن. فما نسمعه هذه الأيام من لغط حول ارجاع كل مرض الى الجن والمس و السحر العين فما هو الا سفه وقلة علم وجهل مركب. فكثـير من هذه الحالات تعود الى مشاكـل وأمراض قد تكـون عقلية وقـد تكـون عضويـة وقد تكون نفسيـة سببهـا مشاكـل اجتماعيـة والهروب من مواجهتها، فيلجأ الى المعالجين ظنا من هؤلاء أن الأمر قد يكون عينا أو سحـرا أو تلبسـا بالجن. ونسـأل الله العافيـة من كل سوء لنا و لاخواننا المسلمين والمسلمات . آمين.
8ـ وجوب الإيمان بوجود الجن:
أثبت القرآن الكريم في مواضع متعددة وجود عالم الجن، فوجب الإيمان بوجود الجن إيماناً جازماً.
قال الله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ). وقال تعالى: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ ، مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا، لا تَنفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ) الرحمن: 33. وأنظرالأحقاف: 29-31.
(1) تخرجوا هرباً من قضاء الله. (2) فاخرجوا وهذا أمر للتعجيز. (3) بقوة وقهر، وهيهات .. ! (4) وجَّهنا إليك يا محمد. الواجب علينا أن نؤمن بالجن بأنهم عالم حقيقي ليس وهمياً تخيلياً ولا نفساً بشرية شريرة،وليس هو من البشرية الخبيثة، ولا من نوع الجراثيم المكروبية الضارة، فإن جميع هذه الأوهام والأفهام حَوْل الجن هي تحريف لكلام الله عن معانيه المرادة منه، وصرف له عن الوجه المخبَر عنه إلى وجه آخر هو في معزل عنه، وإنما الجن عالم غيبي حقيقي الوجود له شأنه وأحكامه.
معلومات قيمة عن عالم الجن والسّحر والسّحرة
جمعه وحقّقه نظام الدين إبراهيم أوغلو
e.mail. nizamettin955@hotmail.com
مقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم وبعد .
قبل البدء بتعريف وشرح عالم الجن والسّحرة، أريد أن أوضح، أنّه لا الجن يضرّ الإنسان ولا السّاحر يضرّ أي كائن في السّموات والأرض، إذا لم يتدخل إرادة الله في ذلك. وهناك آيات وأحاديث كثيرة على ذلك فقال (ص) (لو اجتمع الإنس والجن على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بما كتبه الله لكن ولو اجتمع الإنس والجن على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بما كتبه الله عليك، رفعة الأقلام وجفت الصحف) رواه البخاري. فالجن مخلوق سفلي أي أدنى من الإنسان عقولهم وصورهم أدنى من الإنسان ويأخذون علومهم وأمور دينهم من الإنسان فقال تعالى (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم). ومأمورون بالواجبات قال تعالى )وما خلقت الجن والإنس إلاّ ليعبدون) الذّاريات 56. والسّاحر أيضاً دوني لأنه فاسق وعدوّ الله، إذن كيف يمكن لهما أن يؤذّوا ويضرّوا الإنسان ذا خلق حسن ومؤمن بالله ومطيع لأوامره؟ فقال تعالى (قالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ).( لأزيننّ لَهُمْ فِي الأرْضِ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ). أي بقدرة الله يضلّ بني آدم عدا المخلصين الصّالحين منهم.
وهناك إثباتات وحوداث كثيرة منذ القدم وإلى الآن ثابت علمياً على عدم ضرر هؤلاء إلاّ على أنفسهم، ولو كانت لهم القوّة العظيمة أو القوّة السّحرية الخارقة لأستعملهم فرعون ونمرود ولينين ونابليون وشاه بهلوي وصدّام حسين أو الدّول المستعمرة مثل روسيا وفرنسا والإنجليز وأمريكا من أجل إسعادهم ونصرهم في الحروب وسيطرتهم على الدّول.
لقد شاهدت عدة حوادث حول ذلك السّحر والجن في تركيا " أدّعى صديقاً لي على أنّه هناك ساحراً يحلّ مشاكل الناس ويؤثر عليهم فقلت له إتّصل معه لنذهب إليه فليفعل ما يفعل بي إذا كانت لديه قدرة فذهبنا إليه وعمل ما عمل وأخيراً قال لاأستطيع فعل الشيء، والسّبب لأنّ إيمانه قوي "هكذا كان جوابه. وكذلك ذهبت يوماً إلى القرية وفي المساء أردت الوضوء والذّهاب إلى مكان الوضوء لأجل صلاة العشاء، فقام أهل القرية بمنعي من الذّهاب إلى مكان الوضوء والسّبب لوجود الجن الشّريرة في القرية لقد أضرّوا كثيراً من الناس وإذا ذهبت سوف يضرّونني وتعجبت من هذا القول أيضاً وبعد الإصرار على عدم ذهابي قرّرت الذّهاب إلى المكان المحدّد وكان ليل مظلم حيث لا قمر ومكان الوضوء بعيد عن البيت، فذهبت ورجعت ولم يحصل لي شيئاً وتعجب أهل القرية من ذلك، والعجب بهم لأنّهم يصدّقون على مثل هذه الخرافات. وهناك حادث أخر أيضاً وهو أنّ أحد العلماء الأجلاء في تركيا وإسمه الأستاذ الدّكتور خير الدّين قرامان كان يلقي موضوعاً على السّحر والجن وجاءت له أسئلة كثيرة وكان ينكر أيضاً إيذائهم للأفراد فتحدى على شاشة التلفاز أيّاماً عديدة وقال لهم "أنا أتحدى هؤلاء السّحرة على إيذائهم لي فليتحد كلّ السّحرة والجن وأنا ها هنا أمام الملايين ليضرّوني" وطالت الأيام ولم يخرج أحداً منهم ليتحدى هذا العالم الجليل، والأمثلة كثيرة على ذلك.
المخلوقان السّاحر والجن موجودان على هذه الأرض منذ القدم ونعيش معهما ولكن ضررهما كانت سابقاً لأسباب سوف نذكرها أدناه أمّا الآن فهذه الخوارق والمعجزات إنتهت بعد مجيء الرسّول محمد (ص) الله أعلم، وضررهما لا يكون إلاّ على أنفسهم وعلى الضعفاء من الشّخصيات سواءاً كانوا ضعفاء من الناحية البدنية أو العلمية أو المعنوية والدّينية، فأكثر النساء يخفن ويتأثرن وكذلك الأطفال والرّجال من الجهلاء وهذا يتزايد في القرى وفي الدّول النامية وحتى في الدّول المتقدمة البعيدة عن الدّين والمبادئ السّامية. علماً أنّ موضوع السّحر ليس مشكلة أوحديث المتعلمين والمثقفين وإنّما نجده عند العوام من الناس.
وللجن تأثير غير مباشر على الإنسان الضّعيف كما ذكرنا أعلاه، أمّا كيفية تأثيرهم فيكون بوسسة الشّيطان على صدور الإنسان أي على نفوس الإنسان (النّفس الأمّارة بالسّوء) وهناك آيات يثبت ذلك فمثلاً (فوسوس لهما الشّيطان ليُبدي لهما ما وري عنهما من سوءاتهما، وقال ما نهاكما ربّكما عن هذه الشّجرة إلاّ أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين) ، (من شرّ الوسواس الخنّاس الذي يوسوس فس صدور النّاس من الجنة والنّاس) (قالوا أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين) أي وسوسة الشّيطان، وبعد نجاحهم في وسوسة الضّعفاء يبلغون السّحرة عما جرى، وكيف يتم الوسوسة الله أعلم بذلك، ولكننا نحلل ونقول قد يكون بتلقي بعض الكلمات والعبارات السّيئة على عقول الإنسان ثم يتفنن في تصوير هذه الكلمات وجعلها كأنها حسنة أو تزينها بزينة الحياة الدّنيا ولا يتحدى أعمالهم غير هذا.
فمثلاً يزينون عقول الضّعفاء نفسياً وروحياً بظلم الأفراد وقتلهم وغصب أموالهم أو مقامهم على أنها حق وأصالة ومصدر قوة وسلطة لهم، وشرب الخمر وعمل الفحشاء والمنكر والعيش في ديار الخراب فضيلة وخير وبركة لهم في الدّنيا. وبعد مجيء الإسلام نهى الله تعالى عمل السّحرة ومنع أيضاً إسترقاق الجن.
أمّا موضوع تفريق السّحرة بين الزّوج والزّوجة كذلك مسألة نفسية لا وجود لها، لأنّ هناك آيات كثيرة حول إبتلاءات الأنسان بأشكال متعددة فمن هذه العداء بين الزّوجين وبين الإنسان والشّياطين منذ آدم (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ )، (ولو شَاءَ ربك لجعلَ النّاسَ أمّةً واحدةً ولا يزالون مختلفين، إلاّ من رحِم ربك). وهذا نجده أيضاً عند إمرأة لوط مع لوط (ع) وإمرأة نوح مع نوح (ع)، وحتى بين الأولاد كما في حسد قابيل مع هابيل وبين الأباء والأولاد كما في نوح (ع) مع إبنه وبين الإنسان وبني الإنسان كما نرى قتل بني إسرائيل الأنبياء وهكذا، فالذين ينجحون في هذه الإبتلاءات ويسلكون الطريق المستقيم لايمكن أن يوسوسهم الشّيطان. والذي أريد قوله أنّه يمكن أن يخرج المشاكل بين الزوجين ووجود الإختلافات إعتيادية وفطرية ولا علاقة لها بالسّحر والتّسحر. وبسبب سرعة إنتقالهم كانوا يخبرون السّحرة عن حادث أثناء وقوعوعه ويظهرون للساحر كأنهم يخبرونهم بالغيب فهذه النظرية أبطلت بفضل إكتشاف الفضائيات والتلفون النّقال.
وأنا لا أنكر السّحر والجن وأعمالهم قبل الإسلام كانت معجزة الأنبياء أمّا بعد مجيء الرّسول أبطلت هذه المعجزات وخوارق العادت فمثلاً أنّ الأجنة كانت تعرف أشياء كثيرة قبل مجيء النبي (ص) وكان يسترق الأخبار من السّماء وكان هاروت وماروت يعلمان الناس السّحر ثمّ منع عنهم ذلك وأصبح شظايا (شهاب) النجوم يرميهم ولا يصلون إلى السّماء فنعوا من أخذ الأخبار من الملائكة بعد إضافة مئات الأكاذيب إلى أعوانهم، وإن إدّعى بعض الناس في كتبهم على بعض الأعمال السّحرية فأنا لا أرى صحتها لأنّ فيها مبالغات وخوارق العادات. علماً أنّه هناك ألعاب سحرية التي تخدع الناس أوإعطاء عقاقير طبية للمسحور ليست من السّحر وكذلك التنويم المغناطيسي موضوع علمي ليس مرتبط بالسّحر. وأذكر هنا أنّ حديث (تعلّموا السّحر ولا تعملوا به) حديث موضوع وحتى موضوع تسحرهم للرّسول (ص) موضوع نقاش وإن كانت واردة في البخاري، وقد يكون وجودها لأجل تعليمي أي يعلمهم كيف يمكن أن يحفظوا أنفسهم من شرور الجن (قال موسى ما جئتم به السّحرُ أنّ الله سيبطله إنّ الله لا يصلح عمل المفسدين) يونس 81.
وأخيراً قد تسألون كيف حفظتُ وأحفظ نفسي من وسوسة الجن ومن شرور السّحرة؟ لقد حفظت نفسي من وسوستهم وشرورهم كما علّمنا الله ورسوله بقراءة القرآن الكريم وبقرأة المعوذتين وآية الكرسي وحتى يقال أنه يكفي بقرأة البسلمة في كل عمل يفرّ منك ولا يتجرأ بالوسوسة، وكذلك بتعلم العلوم والدّين الإسلامي وكذلك بمعرفتي لأكاذيب وتفنن هؤلاء المخلومات الشّيطانية سواء كان جناً أو ساحراً، فلم أصدقهم أبداً ولاأخاف منهم ثمّ لا يمكن أن يخدعوني ويسلبوا أموالي.
أـ عالم الجن
سأتطرق هنا بشكل مفصل عن عالم الجن لأنّ للجن علاقة وثيقة مع السّحرة أي هم على إرتباط معهم حسب إدّعائهم
1ـ تعريف هذا العالم :
يختلف عالم الجن اختلافا كليا عن عالم الملائكـة والانسان، فكل له مادتـه التي خلـق منها ، وصفاته التي يختلف بها عن الأخر، الا أن عالم الجن يرتبط مع عالم الانس من حيـث صفـة الادراك وصفة العقل والقدرة علـى اختيار طريق الخير والشر. وأبو الجن هو ابليس كما أن أبو الانسان آدم عليـه السلام . أما طبيعـة خلقتهم فقد أخبرنا الله عز وجل عنهم أنه خلقهم من نار، كما قال تعالـى (والجـان خلقناهـهم من قبل من نار السموم ) وقوله عز وجل ( وخلق الجان من ما رج من نار) . وقد فسر أهل العلم من السلف الصالح قوله ( مارج من نار) هـو طرف اللهب ومنهــم ابن عباس وعكرمة ، ومجاهد ، والحسن وغيره ، وقال النـووي " المارج اللهب المختلط بسواد النار " . أما الانسان فقد خلق من طين كما أخبرنا عـز وجل بقولـه( قـال مـا منعك ألا تسـجد اذ أمـرتك قـال أنا خيـر منـه خلقتـني مـن نـار وخلقـته من طين) وفـي قـوله سبحان (فاستفتهم أهم أشـد خلقـا أم من خلقنا انا خلقناهم من طين لازب) وكذلك كما ورد فـي الحديث الذي أخرجـه مسـلم عـن عائشة ، عن النبي صلي الله عليه وسلم قـال " خلقـت الملائكة من نـور، وخلـق الجان من مارج من نار، وخلق أدم مما وصف لكم ". وقد خلـق الجان قبـل الانسان وسكن الأرض قبله ، بدليـل قـول الله عـز وجل (ولقد خلقنـا الانسان مـن حمـأ مسنون، والجان خلقناه من قبل من نار السموم) .
2ـ أنواع الجن و أصنافهم :
وينقسم الجن الى ثلاثة أصناف كما صنفهـم لـنا رسـول الله صلي الله عليه وسلـم
قال : "الجن ثلاثة أصناف
1ـ فصنف يطير فـي الهواء. 2ـ وصنـف حيـات وكـلاب. 3ـ وصنف يحلون ويضعنون "
رواه الطبراني ، والحاكم ، والبيهقـي باسنـاد صحيـح.
وقد أمـرت الجن وكلفت كـما كلف الانسان ، فـهم مأمورون بالتوحيد و الأيمـان والطاعة والـعبادة ، وعـدم المعصيـة والبـعد عن الظلـم وعدم تعـي حدود الله ، فمسلمهم مسلم، ومؤمنهم مؤمن، وكافرهم كافـر ، والمطيـع منهـم لله ورسولـه، يدخل الجنة ومن أبى دخل النار سواء بسواء، مثلهم مثل الانسان والدليـل من قولـه عزوجل ( وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون ). اذا هم خلـق من خلـق الله ومـن ينكرهم فانه يكفر للأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة . وقد وجـد مـن ينكرهـم قديمـا وحديثا . ولا يضيرنا ذلك منهم . والذي يهمنا أنـهم حقيقة لاشـك فيهـا ولا مريـة لمـا سيترتب علـى مـا سوف نسرد مـن أخبارهم وأحوالهـم وربنا وربهم الله .
3ـ الجن يأكلون ويشربون:
وحيث أن مثل هذه الأمـور الغيبية في أحوال الجن الذين لا نراهم، توجب علينـا كأمـة مسلمة تؤمن بالغيب، أن نؤمن بكل المغيبات التي وردت في الجن وذلك لمـا يتصف به المؤمنون من الايمان بالغيب كما قال عز وجل وعلا شأنـه ( آلم ، ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين، الذين يؤمنون بالغيـب ويقيمـون الصـلاة وممـا رزقناهم ينفقون) (والذين يؤمنون بما أنزل اليك وما أنـزل من قبلك وبالأخـرة هم يوقنون) . وموضوع الجن أمدنا فيه رسـول الله بالخبر اليقيـن ، فاليـك أخـي المسلم المؤمن هذه الأدلة الصادقة من عند الذي لا ينطق عن الهوى . ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة ـ رضـي الله عنه ـ أن النبي صلي الله عليـه وسلم ـ أمره أن يأتيه بأحجار يستجمر بها ، وقـال له: " ولا تأتيني بعظم ولا بروثة" ولما سأل أبو هريرة الرسول صلى الله عليه وسلـم، بعد ذلك عن سر نهيه عن العظم الروثة ، قال:"هما من طعام الجن ، وانه أتاني وفـد نصيبين ، ونعم الجن ،فسألوني الزاد ، فدعوت الله لهم : ألا يمروا بعظم و لا روثـة الا وجدوا عليها طعاما" . وفـي صحيح مسلم عن ابن مسعود عن رسول الله صلـى الله عليه و سلم أنه قـال " أتاني داعي الجن فذهبت معه ، فقرأت عليهـم القرآن ، قـال : فانطلق بنا فأرانا آثارهـم وآثار نيرانهم ، فسألوه الزاد فقال : " لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكـم لحما، و كل بعرة علف لدوابكم" فقال النبي صلى الله عليه و سلم :" فلا تستنجوا بهما فانهما زاد اخوانكم " . و في سنن الترمذي باسناد صحيح : " لا تستنجـوا بالـروث ، ولا بالعظام ، فانه زاد اخوانكم من الجن" و قد أخبرنا الرسول صلى الله عليه سلم ، أن الشيطان يأكل بشماله و أمرنا بمخالفته في ذلك . وقد روى مسلم في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبـي صلى الله عليه و سلم قال:" اذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، و اذا شرب فليشرب بيمينه، فـان الشيطان يأكل بشماله ويشـرب بشمالـه". و في مسند الامام أحمد " من أكل بشماله أكل معه الشيطان، و من شرب بشماله شرب معه الشيطان" . وكما أن الأنسان المسلم منهي عن أكل اللحم الذي لم يسمى عليه أسـم الله ، فان الجن المسلم أيضا منهي عن أن يأكل لحم الميتتة لانه لـم يذكـر اسـم الله عليهـا. لذا فقد ترك اللحم الذي لم يذكر اسم الله عليه يأكلـه المشركـون، والذيـن يذبحون لغير الله والشيطان على شاكلتهم. لذا نستنتج أن الميتتة أكل الشيطان . وقـد استنبط ابن القيم رحمه الله من قوله تعالى( انما الخمر و الميسر و الأنصاب والأزلام رجس مـن عمـل الشيطان) أن المسكر من شراب الشيطان، فهو يشرب من الشراب الـذي عمله أولياؤه بأمره ، وشاركهم في عمله ، فيشاركهم في شربـه ، و اثمـه و عقوبته.
4ـ أيـن يعيـش الجـن وأيـن يسكـن:
كما أسلفنا فان الجن هي أمة من الأمم ، وطالما أن الله عز وجل هو خالقهم فانه عـزوجل لم يخلق عباده عبثا، ولم يتركهم هملا، تماما ككل المخلوقات في السماء أو فـي الأرض أو في جوف البحر، فان لكل نظامه وحياته، فالسمك يعيـش في المـاء ولـو أخرج منه لمات، و الانسان والطير وكثير من الحيوان الذي يعيـش فـوق الأرض لو أدخل في البحر لماتوا جميعا، لأن الخالق سبحانه جعل لكل نظام وغذاء و حياة تختلف عن الأخر. والجن لهم حياتهم ومعاشهم و أكلهم وشربهم ،ولهم أماكن يسكنـون فيها أو مختصة بهم، وقد يشاركوننا في بعض الأماكن . فهم يسكنون في الأحراش والخرابات وبيوت الخلاء ، وفي مواضع النجاسات والمقابر. وكما يقول شيخ الاسلام ابن تيمية ، يأوي الى كثير من هذه الأماكن التي هـي مأوى الشياطين، الشيوخ الذين تقترن بهم الشياطين، ويتواجدون في أماكن اللهو وفي الأسواق حيث يكثر تواجدهم لاضلال الناس وافسادهم،و قد أوصى الرسول صلي الله عليه وسلم أحد أصحابه قائلا :"لا تكونن ان استطعت أول من تدخل السوق ، ولا آخر من يخرج منها ، فأنها معركة الشيطـان ، وبها ينصب رايته " رواه مسلم في صحيحه ).فالجن أيضا تعيش في منازلنا ومعنا ولكن لا نراهم، وقد يأكلون معنا ويشربون معنـا من حيث لا نراهم لاستتارهم عنا، لقوله عز وجل (انه يراكم هـو قبيله من حيـث لا ترونهم). الا انه قد يتشكل في بعض الأحيان، وهذا ما سنتطرق اليه في حينه فـي قصته مـع أبي هريرة رضي الله تعالي عنه، وكي لا يشكل هذا الأمر علـى البعض فأحيانا نذكر الجن و أحيانا أخرى نذكر الشيطان فما هي العلاقة بينهما؟
5ـ هـل الشيطـان أصلـه مـن الجـن؟
كما تقدم فقد ذكرنا أن الشيطان أبو الجن كما أن آدم أبو الانس ،والظاهر مـن سياق القرآن أن الشيطان من الجن كما في قول الله عز وجل( واذ قلنا للملائكـة اسجـدوا لآدم فسجدوا الآ ابليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أ فتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا ) . فهذا دليـل واضح جلـي بـأن الشيطـان أو ابليـس كان من الجن ، ففسقه وعدم تنفيـذ أوامر الله وغروره، كـان سببـا فـي أبلسة الله له، كما أن شيطنتـه أبعدته مـن رحمة الله، فأختلف الناس في ذلك فمنهم من قال بهذا ومنهم مـن قال بغيره. وذكر شيخ الاسلام ابن تيمية في مجمـوع الفتـاوى ج/4 235ص346 ( انه يذهب بالقول بأن الشيطان أصل الجن كما أن آدم أبو الانس .
6ـ تشكـل الجـن أو الشيطـان :
ان من رحمة الله سبحانه و تعالى بخلقه من الانس أن جعل الشيطان و حزبه مـن المردة العفاريت وغيرهم فيما يدخل في مضمون الجن ،غير مرئيين لهـم، لأنـه سبحانه و تعالى يعلم بأن أشكالهم قبيحة ، قد تكون أعيـن البشـر وعقولهــم لا تستوعب البشاعة التي خلق عليها الشياطين . قد ذكر الله لنا ذلك في محكم التنـزيل واصفا قبح الشيطان بأن شبه لنا شجرة الزقوم التي تنبت من أصـل الجحيـم برؤوس الشياطين لما علم من قبح صورهم أشكالهم ، فقال عز وجل (انهـا شجرة تخـرج في أصل الجحيم* طلعها كأنه رؤوس الشياطين).و قد ذكر لنا النبي صلى الله عليه و سلم " أن للشيطان قرون وأن الشمس تخرج بين قرني شيطان " فـي البخـاري مسلم قوله صلى الله عليه وسلم "اذا طلع حاجب الشمس فدعوا الصلاة حتى تغيب و لا تحينوابصلاتكم طلوع الشمس و لاغروبها، فانها تطلع بين قرني شيطان ". ومن هذا كله يتبين لنا أن منظر الشيطان أو الجن أو ابليس بشع لنا كبشر للنظر اليـه، و لا يستطيع انسان كائن من كان من دون الرسل و الانبياء ، أن يرى الشيطان على حقيقة خلقته التي خلقه الله عليها كما يدعي البعض من الناس الجهلة وذلك لقوله عز وجل (انه يراكم هو و قبيله من حيث لا ترونهم). أما الانبياء و الرسل فالله يريهم ما يريد و ما يشاء. ولكن الشيطان أو الجن يستطيع أن يتحول من خاصيته التي خلقـه الله عليها الى خاصية أخرى كأن يكون في صورة كلب أو حية أو عقـرب أو صـورة انسان أو ما الى ذلك . كما حدث في عهد النبـي صلـى الله عليـه وسلـم، اذ رأى الشيطان في أكثر من موضع و بصور لاشخاص معروفين و اشخاص غير معروفين و قد حدث ان كان رسول الله صلى الله عليـه و سلـم يحـدث أصحـابه فيدخـل عليهم رجل غريب ، نتن الريحة ، قبيح المنظر، مقطـع الثيـاب فيخبرهـم النبـي صلى الله عليه و سلم انه الشيطان جاء يشككهم في أمر دينهم . و اليك أخي القارىء هذه القصة الطريفة التي جرت مع ابي هريرة رضي الله عنه و رواها البخاري ، قال أبو هريرة رضي الله عنه : وكلني رسول الله بحفظ زكاة رمضان ، فأتاني آت فجعل يحث من الطعام ، فأخذته ، و قلت : و الله لأرفعنك الى رسول الله صلى الله عليه و سلم ، قال: أني محتاج، و علي عيال ،و لي حاجة شديـدة، قـال: فخليـت عنـه ، فأصبحت فقال النبي صلى الله عليه و سلم" يا أبا هريرة ،ما فعل أسيرك البارحة ؟" قال: قلت: يا رسول الله شكـا حاجـة شديدة وعيـالا ، فرحمته، فخلـيت سبيلـه، قال " اما انه كذبك وسيعود "،فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلـى الله عليـه وسلم انه سيعود فرصدته فجاء يحثو مـن الطعـام فأخذته ، فقلـت :لأرفعنـك الى رسول الله صلى الله عليه و سلم ،قال: دعني فاني محتـاج ،و علـي عيـال ، لا اعود ، فرحمته ، فخليت سبيله، فأصبحت ،فقال رسـول الله صلى الله عليـه و سلم :" يا أبا هريرة ، ما فعل أسيرك؟" قلت : يا رسول الله شكا حاجة شديدة و عيالا فرحمته . فخليت سبيله قال:" اما انه كذبـك وسيعود" ،فرصدته الثالثـة ، فجـاء يحثو من الطعام ،فأخذته فقلت : لأرفعنك الى رسـول الله صلى الله عليه و سلـم ،وهذا آخر ثلاث مرات أنك تزعم لا تعود ، ثم تعـود ! قال: دعنـي أعلمـك كلمات ينفعك الله بها ، قلت ما هـو؟ قـال: اذا أويـت الى فراشـك فاقـرأ آيـة الكرسـي (الله لا اله الا هو الحي القيوم) حتـى تختم الآية ، فانك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبـح ، فخليـت سبيله، فأصبحت ، فقال لي رسـول الله صلى الله عليه و سلم:" ما فعل أسيرك البارحة ؟" قلت : يا رسول الله زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله ، قال:" ما هي ؟ " قلت: قال لي : اذا أويـت الى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم ( الله لا اله الا هـو الحـي القيـوم )، و قال لي : لن يزال عليك من الله حافظ ، و لا يقربك شيطان حتى تصبح، و كانـوا أحرص شيئا على الخير ، قال النبي:" أما انه صدقك و هو كذوب ، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليالي يا ابا هريرة ؟ " قال: لا ، قال: " ذاك شيطان " .
7ـ هـل يدخل الجـن في جسـد الانسـان؟
ويقول البحث لقد بدأت العداوة بين الشيطان والانسان منـذ اللحظة التي خلق الله سبحانه وتعالى آدم عليه السلام، بل من قبل ذلك عندما كان آدم عبارة عن جسد، وقبل أن تنفـخ فيه الـروح، فقد كان جثة هامدة من طين أتى اليه الشيطان فرآه أجوفا ، فكان يدخـل مـن فمـه ويخرج من دبره ويدخل من أنفه ويخرج من أذنه وهو أجوف. و الشيء اذا كان أجوفا فانه يكون غير متماسكا لذا كـان يقول لـه: ان لك لشأنا ولئن أمرت بك لأعصين ، ولئن سلطت عليك لأهلكنك. وقد ورد في صحيح مسلـم عن أنس أن رسول الله عليه وسلم قال:" لما صور الله آدم في الجنة، تركه ما شاء الله أن يتركـه ، فجـعل ابليس يطيف به ،ينظر مـا هو ،فلما رآه أجوف عرف أنه خلق لا يتماسك " . وعندمـا نفخ الله الروح في آدم وأسجد الملائكة له ، أبي واستكبر وفضل نفسـه علـى آدم وهـو الذي كان من أعبدهم لله ، فغرته نفسه فكيف يسجد لهذا الذي خلق من طيـن فتعالـى على الله ولم ينفذ الأمر الذي صدر من الله له وللملائكة ، فاستجابت الملائكة وعاند هو ورفض ذلك استحق أن يطرد من رحمة الله وأن يخرجه الله من الجنة لأنها لا يكون فيها متكبر متعال مـن خلق الله .فاذا علمنا هذا، علينا أن نعلم أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد ،فحسب بل تعداه الى ما هو أبعد مـن ذلك،وهو توعده لآدم وذريته بالاغواء والاضلال و الاحتناك ، وانه سوف يأمرهم بتغيير خلق الله ، وقد أمهله الله عز وجل الي يوم البعث . ولله حكمة بالغة فـي ذلك ، والا فان الله قادر على أن يهلكـه فـي تلك اللحظة .لذا ذكر لنا الله سبحانه هذا التفصيل في قوله عز وجل (قـال أرأيتك هذا الذي كرمـت عـلي لان أخرتن الـى يوم القيامة لأحتنكن ذريته الا قليـلا). والآيات في هذا كثيرة جدا، فالعداوة حاصلة وستستمر ببقاء الدنيا لأن الشيطان يعتقد أن سبـب خروجه من الجنة وطرده من رحمة الله انما كانت بسبب آدم وليس باستكباره واستعلاءه . فلذلـك سوف يستمر بالانتقام من ذرية آدم بعد أن كان هو سببا في خروج أبينا من الجنـة. ولـو نظرنا نظرة متأمل لوجدنا أن الله ابتلى آدم بالشيطان وابتلى الشيطان بآدم حتى تملأ الجنـة بعبـاد الله المتقين وتملأ النار بالكفرة والمشركين والمنافقين والعاصين .فلله في خلقه شؤون، وله الحكمة البالغـة .ولذلك نجد أن أول مسة يمس الشيطان فيها الانسان ساعة ولادته وهـذا ثابت بالدليلففي البخاري ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ـ :"كـل بني آدم يطعن الشيطان في جنبيه باصبعه حين يولد غير عيسى ابن مريم ، ذهب يطعن، فطعن في الحجاب".وفـي البخاري أيضا " ما من بني آدم مولود الا يمسه الشيطان حين يولد ، فيستهـل ارخا من مس الشيطان، غير مريم وابنها". والسبب في حماية مريم وعيسى أن الله استجاب دعوة أم مريم (واني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم). فهـذا أول ايذاء للشيطان لأي مولود يولد من ذرية آدم. فكل هذه المقدمة والاستدلالات من الآيات الواضحات والأحاديث النبوية الثابتات انما تمهيد للموضوع الرئيس في هذا الباب وهو تلبس الشيطان في جسد الانسان وهو ما يسمى بالصرع. وقد تكلم فيـه الكثيرون مـن العلماء خلفا عن سلف . وقبل الدخول في أقوال أهل العلم والتفصيل فيها نود أن نعرج الى قائد المعلمين صلى الله عليه وسلم ونري هل حدث شيء من هذا فـي عهده ؟ فهو قدوة الناس أجمعين عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم . فما ثبت في عهده فهـو الحق المسلم به وما لم يثبت فليس بصحيح .نعم لقد حصل ذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في اكثر من مـرة ودليـل من حفظ أقوى على من لم يحفظ. ففي سنـن أبى داود ومسند أحمد " عـن أم أبان بنت الوازع بن زارع بن عامر العبدى ، عن أبيها ، أن جـدها الزارع انطلـق الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فانطلق معه بابن له مجنون ، أو ابن أخت له مجنون ، قال جدي : فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلت : ان معي ابنا لي أو ابن أخت مجنون ، أتيتك به تدعو الله له ، قال " أئتني به "، قال: فانطلقت به اليه وهو في الركاب فأطلقت عنه ، وألقيت عنه ثياب السفر ،وألبسته ثوبين حسنين، و اخذت بيده حتى انتهيت به الى النبي صلى الله عليه و سلم ، فقال : " أدنوه مني ، اجعـل ظهره ممـا يليني " قال بمجامع ثوبه من أعلاه وأسفله ، فجعـل يضرب ظهره حتى رأيت بياض ابطيه، و يقول : " اخرج عدو الله ،اخرج عدو الله" ، فأقبل ينظر نظر الصحيح ليس بنظره الأول . ثم أقعده رسول الله ، صلى الله عليه و سلم، بين يديه ، فدعا لـه بماء فمسح وجهـه و دعـا له فلم يكن في الوفد أحد بعد دعوة رسول الله- صلى الله عليه وسلم – يفضل عليه . وفي مسند الأمام احمد أيضا عن يعلى بن مرة قال: رأيت من رسول الله ، صلى الله عليه وسلم، ثلاث ما رآها أحد قبلي ،لا يراها أحد بعدى لقد خرجت معه في سفر حتى اذا كنا ببعض الطريق مررنا بامرأة جالسة معهـا صبي لها ، فقالت يا رسول الله : هذا الصبي أصابه بلاء وأصابنا منه بلاء يؤخذ في اليوم لا أدري كـم مرة ، قال : " ناوليني " فرفعته اليه ، فجعله بينه وبين واسطة الرحل ثم فغر، فاه ، فنفث فيه ثلاثا، و قال : " بسم الله ، انا عبد الله ، اخسأ عدو الله " ، ثم ناولها اياه فقال: " القينا في الرجعة في هذا المكان فأخبرينا مـا فعل"، قال فذهبنا رجعنا فوجدناها في ذلك المكان معها ثلاث شياه ، فقال : " ما فعل صبيك ؟ " فقالت: و الذي بعثك بالحق ما أحسسنا منه شيء حتى الساعة ، فاجتـرر هذه الغنـم ، قال : "أنزل خذ منها واحدة و رد البقية " .وبهذا الذي تقدم من حديث المصطفى صلى الله عليه و سلم كفى بهما حديثين جليين عظيمين ترد على كل متأول أفاك كاذب لا يؤمن بدخول الجن في داخل جسد الأنسي. أما ما حدث من سلفنا الصالح و التابعين فهو كثير جدا، و نؤخذ منه مثلا من امام أهل السنة و الجماعة الأمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه و رحمـه الله.( روي أن الامام أحمد كان جالسا في مسجده اذ جاءه صاحب له من قبل الخليفة المتوكل ، فقال : ان في بيت أمير المؤمنين جارية بها صرع ، وقد أرسلني اليك ، لتدعو الله لها بالعافية، فأعطاه الأمام نعلين من الخشب ( أي قبقابين) قال : اذهـب الى دار أميـر المؤمنين واجلس عند رأس الجارية و قل للجني : قال لك أحمد : أيما أحب اليك : تخـرج من هذه الجارية ن او تصفع بهذا النعل سبعين ؟ فذهب الرجل و معه النعل الى الجارية و جلس عند رأسها ، و قال كما قال له الامام أحمد، فقال المـارد على لسان الجارية : السمع والطاعة لأحمد ، لو أمرنا أن نخرج من العراق لخرجنا منه ، انه أطاع الله و من أطاع الله أطاعه كل شيء . ثم خرج من الجارية فهدأت ، و رزقت أولادا . فلما مات الامام عاد لها المارد ، فاستدعى لها الأمير صاحبا من أصحاب احمد ، فحضر ، ومعه ذلك النعل ، وقال للمارد : اخرج و الا ضربتك بهذه النعل. فقال المارد : لا أطيعك و لا أخرج ، أما أحمد بن حنبل فقد أطاع الله فأمرنا بطاعته ).وقد ذكر شيخ الاسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى ، أن صرع الجن للانس قد يكون عن شهوة وهوى وعشق كما يتفق للانس مع الانس وهذا تلميذ شيـخ الاسـلام ابن القيم في كتابه القيم " الطب النبوي " يذكر لنا حديث ويفصل فـي موضـوع الصرع وتلبس الجن، فيقول: ( أخرجا في الصحيحين ،من حديث عطاء بن أبي رباح ، قال : قال ابن عباس : " ألا أريك امرأة من أهل الجنة ؟ قلت بلى. قال:هذه المرأة السوداء، أتت النبي صلي الله عليه وسلم ، فقالت : اني أصرع ، وانى أتكشف ، فـادع الله لى. فقال : ان شئت صبرت ولك الجنة ، وان شئت دعوت الله لك أن يعافيك ، فقالـت : أصبر . قالت : فانى أتكشف ، فادع الله أن لا أتكشف . فدعا لها" ).هذا ما كان من المرأة السوداء ،قال ابن القيم ( الصـرع صرعـان : صرع مـن الأرواح الخبيثة الأرضية ، وصرع من الأخلاط الرديئة . والثاني هو الذي يتكلم فيـه الأطباء في سببه وعلاجه . وأما صرع الأرواح: فأئمتهم وعقلائهم يعترفون به ،ولا يدفعونه . ويعترفون : بأن علاجه مقابلة الأرواح الشريفة الخيرة العلوية ، لتلك الأرواح الشريرة الخبيثة ، فتدفع آثارها، وتعارض أفعالها وتبطلها . وقد نص على ذلك أبقراط في بعض كتبه ، فذكر بعض علاج الصرع ، وقال :هذا انما ينتفع في الصرع الذي سببه الأخلاط والمـادة وأما الصرع الذي يكون من الأرواح ، فلا ينفع فيه هذا العلاج . أمـا جهلة الأطباء وسقطهم وسفلتهم ، ومن يعتقد بالزندقة فضيلة، فأولئك ينكرون صـرع الأرواح ولا يقرون بأنها تؤثر في بدن المصروع . وليس معهم الا الجهل ) ونكتفي الي هنا بمـا ذكر ابن القيم ومن أراد الرجوع الى الموضوع مفصلا فهو في الطب النبوي، ص 51.
أما الواقع الذي نعيشه وعاشه غيرنا من المعالجين لهو اكبر وأكثر من أن يحصى عددا وكما، ولكن ليس كل الحالات التي يعالجها المعالجون هي تلبس وجن. فما نسمعه هذه الأيام من لغط حول ارجاع كل مرض الى الجن والمس و السحر العين فما هو الا سفه وقلة علم وجهل مركب. فكثـير من هذه الحالات تعود الى مشاكـل وأمراض قد تكـون عقلية وقـد تكـون عضويـة وقد تكون نفسيـة سببهـا مشاكـل اجتماعيـة والهروب من مواجهتها، فيلجأ الى المعالجين ظنا من هؤلاء أن الأمر قد يكون عينا أو سحـرا أو تلبسـا بالجن. ونسـأل الله العافيـة من كل سوء لنا و لاخواننا المسلمين والمسلمات . آمين.
8ـ وجوب الإيمان بوجود الجن:
أثبت القرآن الكريم في مواضع متعددة وجود عالم الجن، فوجب الإيمان بوجود الجن إيماناً جازماً.
قال الله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ). وقال تعالى: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ ، مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا، لا تَنفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ) الرحمن: 33. وأنظرالأحقاف: 29-31.
(1) تخرجوا هرباً من قضاء الله. (2) فاخرجوا وهذا أمر للتعجيز. (3) بقوة وقهر، وهيهات .. ! (4) وجَّهنا إليك يا محمد. الواجب علينا أن نؤمن بالجن بأنهم عالم حقيقي ليس وهمياً تخيلياً ولا نفساً بشرية شريرة،وليس هو من البشرية الخبيثة، ولا من نوع الجراثيم المكروبية الضارة، فإن جميع هذه الأوهام والأفهام حَوْل الجن هي تحريف لكلام الله عن معانيه المرادة منه، وصرف له عن الوجه المخبَر عنه إلى وجه آخر هو في معزل عنه، وإنما الجن عالم غيبي حقيقي الوجود له شأنه وأحكامه.