المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لحــــــــــــــم تــَـْرسَـــــــــــــــه



صلاح م ع ابوشنب
10/11/2007, 01:38 AM
لحـــــــم ترســــــــة

لصلاح ابوشنب


فوق جبلاية المرسى ابى العباس مستودع كبير تنبعث منه روائح البحريات ، ظهور ، بطون ، رؤس ، كفوف سلاحف ، قواقع ، نجوم بحرية ، اصداف عجيبه ، اللوّل متخصص فى بيع لحم الترسه وذبحها . زبائن عم اللول ينتظرون بفارغ الصبر اليوم الذى يعلن فيه عن الذبح ، وعادة ما يكون يوم الخميس يوم العروسة والعريس . سجن الترسة قفص من حديد صخم قوى شديد فى وسط الماء ثابت تليد ، خلف الحلقه يقبع على مرمى غير بعيد ، تحبس فيه الترسة بعد اصطيادها تعوم وتسبح انتظارا ليوم ذبحها . ضخمة ثقيلة ذات أذرعة قوية جميلة ، لها فكين حادين كالمقص تقضم بهما الأسماك العفية ، من الحد الى الحد قضمة واحدة كفيلة بقطع اليد . لابد من الحرص والحذر عند التعامل معها وهى فى الماء ، ولا بد من الاسراع بشل حركتها بقلبها على ظهرها ثم دفعها من مؤخرتها الى الأمام حتى تـُرفع الى اليابسه . ها قد جاء يوم الخميس .. الترسة الضخمة مستلقيه على ظهرها فوق العربة الخشبية ، مثبتة بقطعتين من الحجارة تحت ظهرها عن اليمين وعن الشمال ، للحيلولة دون انقلابها على بطنها . عندما يتيقن عم اللول ان الزبائن كلهم قد حضروا وأن اللحم المتوقع استخراجه قد اصبح تقريبا فى حكم المباع ، يشرع فى احضار السكاكين الحادة ويقول باسم الله . يلى ذلك طعنة من السكين المدبب فى الخصر الفاصل بين صدفة البطن والظهر المُحَـّدبْ ، تلك المنطقة الجلديه تمثل اللحمة الجامعه بين الجراب العظمى العلوى المقوس والجزء العظمى السفلى المسطح . عند شعورها بالطعنة الأولى تبدأ فى الضرب بشدة بيديها المنبسطتين ورجليها ذات المخالب الشوكيه فوق العربة الخشبية التى قد تنكسر اخشابها أحيانا من شدة الرفسات القويه ، يتحول عم اللول الى الناحية المقابلة بحذر ويطعنها طعنة اخرى مُباغِته خَفيـّه، لتبدأ الدماء فى الاندفاع خارجاً تتلقفها أكواب الزبائن المتجمعين حولها وأغلبهم من النسوة الباحثين عن السمنة من أجل نفخ اجسادهن لبعولتهن استنادا الى تقاليدٍ باليةٍ ، وأفكار ٍ عقيمةٍ ، فرجال ذاك الزمان كانوا يشتهون المرأة ذات الاكتفاف الممتلئه والصدورالمتهدله البارزه والأرداف المكتظه لحمًا وشحمًا ، ويتأففون من النحاف العجاف . كانت النساء تعرفن ميول الرجال فتتندرن على ازواجهن بقولتهن الشهيرة ، نام ياجوزى لا تخاف ثدى وسادة وثدى لحاف ، ألآ ساء ما يعتقدون ، اندفعت المرأة لتصبح زبونة دائمة عند الحاج فسُتدق العطار ، وعند عم اللول الذى يبيعهن الدم الحار، يتجرعنه عيانا بيانا أمام المارة فى عز النهار. لحم الترسة مثل الفريك لا يحب الشريك ، فان لمستة يد انسان عن الأكل استحال وتغير لونه ورائحته فى الحال وعف عنه اللسان . عم اللول رجل بعمله خبير وببيع لحم الترسه فى الحى شهير ، لا تقرب اصابعه اللحم اثناء الذبح و لا وقت التقطيع ، وبعد الانتهاء من عملية التوزيع للدم يقوم بفصل الرأس عن الجسد الصريع ، وشق الجلد الفاصل بين الصدفتين بسكينه الخنصر الحاد ، يرفع صدفة البطن فيظهر اللحم الاحمر القانى ينبض مع ما تبقى من دماء ضمها ذاك الوعاء ، وكميات وافرة من البيض الذى ما زال يحمل اللون الاصفر ، ولم يحن موعد خروجه بعد. يتحول عم اللول نحو اليدين والقدمين فيجزهما جزاًً ، ويلقى بهما مع الرأس فى دلو مجاور، ثم يتفرغ بعد ذلك لتقطيع اللحم . انظر داخل ذاك الوعاء .. لا توجد سوى قطعة لحم واحدة ، شديدة الاحمرار تشبه كبد الجمال وقد تزيد عليه ضخامه ولمعاناً ، مجموعة من الخيوط الغليظة جهزها عم اللول بأطوال ثابته لا تتعدى النصف متر، فى منتصف كفة الميزان يضع الدوبارة ، يُقطـّع اللحم بواسطة سكينين حادين بمهارة ، وسرعة ملحوظه وشطاره ، ثم يرفعه بهما الى الكفة بغير لمس أو مس وبكل خِفـّه . بطرف اصبعيه يلتقط الخيط ، يحزم قطعة اللحم ، يحرص على ان تكون قطعة واحدة غيرمجزئه ، يحزمها بشدة كى لا تنزلق ، لا ينسى ان يصنع لها خية ( عقدة ) يضع المشترى اصبعة بداخلها ليصل بها الى بيته معلقـًة فى أصبعه . لحم الترسة مثل فصل الخريف لا يقبل الطـّىْ ولا التغليف لا فى الورق الكرتون ولا الورق الخفيف. يعرف النسوة فى بحرى ورأس التين لاسيما القدامى منهن كيف يتعاملين مع لحم الترسة اثناء الطهى ، طعم لذيد لا يضاهيه طعم خاصة عند تحويله الى أصابع من الكفته المقلية أو المغموسة فى اليخنة المتبلة . لحم فريد الطعم شهى الرائحة ينجذب اليه الشبعان قبل الجوعان ... يا غرامى .. أيعود صباى وترجع أيامى ... أم انى مازلت أجتر أحلامى ؟


http://alexandarthegreattumb.blogspot.com/
http://abushanabstories.blogspot.com/
http://salahnovels.blogspot.com/
http://abushanabalexskystories.blogspot.com/
http://saso-aboshanabnarrasenespanol.blogspot.com/
http://saso-alexanderthegreat.blogspot.com/

محمد فؤاد منصور
10/11/2007, 10:09 AM
الأخ والصديق العزيز الأستاذ صلاح أبو شنب
فى أسلوب جميل أصبح ماركة مسجلة لكتاباتك لأنه يجمع بين فن القص وأسلوب المقامة رسمت لنا صورة إصطياد الترسة وذبحها وتوزيع دماءها ولحمها وهى طقوس أظنها سكندرية صرفة ولو أننى _ لاأكتمك سراً_ سمعت عنها ولم أحضرها أبداً من سوء الحظ ،ولكن شرحك المستفيض لمراسم الإصطياد والذبح قد أغنانى عن حضورهما ،القصة محلية للغاية سكندرية تحديداً وقد استخدمت فيها أسماء أماكن لايعرفها إلا السكندريون وربما من حق القارئ العربى عليك أن تشير تفصيلاً إلى مايجعل النص اكثر وضوحاً بالنسبة لهم فالترسة نوع ضخم من السلاحف البحرية، ومنطقة بحرى هى أصل الأسكندرية حيث كان يعيش أهلها على أعمال الصيد والمرسى أبو العباس هو العارف بالله الذى اشتهرت الأسكندرية به وبمقامه فى منطقة الأنفوشى المتاخمة لمنطقة رأس التين وهما معاً يشكلان أساس مايعرف بمنطقة بحرى المواجهة للبحر ..لقد أردت فى هذه المداخلة أن أوضح بعض ماأستغلق حتى يمكن للقارئ العربى وحتى للمصريين من غير أبناء الأسكندرية التفاعل مع النص الذى يوثق واحدة من أشهر عمليات الصيد البحرى..شكراً لك أيها الصديق وتقبل تحياتى.
دكتور/ محمد فؤاد منصور
الأسكندرية :fl:

صلاح م ع ابوشنب
11/11/2007, 01:44 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
استاذنا الفاضل واخونا العزيز د. محمد فؤاد منصور
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
دايما تسعدنى قراءتك وتهمنى كثيرا ملاحظاتك الجيدة التى تفيدنى وترشدنى لما فيها من توجيه بناء من قبل خبير متمكن سوف آخذها ان شاء الله فى الاعتبار .
تقبل اسمى تحياتى وودى ،،،
اخوك صلاح ابوشنب

ابراهيم عبد المعطى داود
16/11/2007, 05:57 PM
الأستاذ العزيز / صلاح أبو شنب
فى واحدة من السكندريات الجميلة بأسمائها ومعانيها وأماكنها .
ومن تراث قديم توارثناه كابر عن كابر إنتظمت كلماتك وتصف
"كالجزار " فى تقطيع اللحم وتشفيته و"الصياد " فى كيفية
التعامل مع الترسة و"الخبير " كيف كان النساء يطلبن أكل
لحم الترسة بل وشرب دمها ليتسنى لهم بناء صدر ناهد وعجيزة عالية
نص محكم وواقعى وجميل
وتقبل خالص ودى وتقديرى
ابراهيم عبد المعطى ابراهيم

صلاح م ع ابوشنب
17/11/2007, 12:43 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اخى العزيز الاستاذ ابراهيم عبد المعطى ابراهيم
سعدت بقراءتك للنص واشكرك على تعليقك الجميل ، لا تحرمنى من مشاركتك ولا من مرورك الكريم بصفحتى لان مرورك وتعليقك يهمنى
تقبل اطيب تحياتى وودى
اخوك صلاح ابوشنب

خالد ساحلي
19/11/2007, 12:29 PM
السلام عليكم و رحمة الله
الفاضل صلاح : قرأت نصا جميلا هنا.
تحياتي

خالد ساحلي
19/11/2007, 12:29 PM
السلام عليكم و رحمة الله
الفاضل صلاح : قرأت نصا جميلا هنا.
تحياتي

صلاح م ع ابوشنب
20/11/2007, 03:43 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اخى الفاضل خالد ساحلى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اسعدنى مرورك بصفحتى وقراءتك لقصتى ، تقبل نسيم تحيتى .
اخوك صلاح ابوشنب

فاطمة عتباني
27/02/2009, 10:55 AM
أستاذ صلاح أبو شنب

كنت مع الترسة وهي تحتضر
تحركت عيناي بنفس خفة ورشاقة يد الجزار
زاحمت خيالي أجساد السيدات البدينات حول الطاولة حتى خشيت أن تسقط خشبتها على قدمي
بحق نقلت وجداني إلى هناك بكل مهارة
وهذه قدرة نادرة

أدام الله عليك نعمة الإبدعاع

صلاح م ع ابوشنب
28/02/2009, 01:53 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الاخت الفاضله فاطمه محمد عمر عتبانى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اشكركم على مروركم الميمون وتفضلكم بقراءة القصه ، إن تعليقكم اضفى على النص بريقا ولمعانا ، اما نساء الاسكندريه فى تلك الحقبه من الزمن فكن يتسابقن على اكتساب البدانه بأى وسيلة ، سواء من عند بائع الترسه أو من عند العطار ، حيث التحويجه وخلطة الاعشاب السحريه ، فالبدانه النسوية كانت هى موضة العصر ، وكن يسخرن من النحيفات اللاتى كان الرجال يطلقون ارجلهم الى الريح هربا حين يرونهن .
لكم تحياتى واحترامى ،،،

أماني مغاوري
28/02/2009, 06:01 PM
سيدى الفاضل
أتمنى أن تكون هذه العادة السخيفة قد انتهت ، فهى في منتهى البشاعة ، وعندما قرأت القصة تذكرت على الفور موضوع طرق التعذيب في العصر المملوكى الذى قرأته قبل يومين في واتا.
أما عن عادة شرب دماء الترسة ، فهى مخالفة للدين لأن شرب الدماء محرم ،على حد علمى ، و قد يفتى لنا بعض المتدينين بالأصوب دينيا.
و بالنسبة للسلحفاة المائية التى تسمى بلهجة السكندريين "الترسة" فهى حيوان بحري مهدد بالإنقراض ، تعيش لأعوام طويلة قد تصل لمئات السنين ، و فائدتها البيئية عظيمة جدا ، فهى تتغذى على قناديل البحر ، تلك الكائنات البحرية الهلامية التى غزت شواطىء الإسكندرية ، و التى تشتهر بلوامسها اللاسعة التى تلهب جلود المصطافين بلسعاتها الحارقة ، و التى تكاثرت الآن نتيجة للنقص الحاد في أعداد عدوتها اللدود "الترسة" ، و سبب النقص كما أوضحت القصة ،هو عمليات الصيد ، إلى جانب نفوق "الترسا" بسبب الملوثات البيئية ، كالأكياس البلاستيكية التى تبتلعها وهى تظن أنها قناديل البحر فتقتلها ، أو تلتف حولها و تشل حركتها و تتسبب في موتها .
تحياتى و تقديري

محمد اسلام بدر الدين
28/02/2009, 07:41 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أ. صلاح ابو شنب
ما أجمل وأمتع أسلوبك أحسست وأنا أقرأ هذه القصة أني شاهد عيان
ذكرتني بيوم كنت في سوق السمك عندنا في بورسعيد وشاهدت صيادا يبيع ترسة كانت حية لم يذبحها بعد... ولعلمي بقرب إنقراض ذلك الكائن الجميل وددت لو أني أشتريتها وقذفتها في البحر مرة أخرى.
كان زمان في بركة ولم يوجد بعد الصيد الجائر الذي أوشك أن يقضي على حيوانات البر وأسماك البحر
ومعك حق ليت الزمان يعود ونعيش في الزمن الجميل

صلاح م ع ابوشنب
28/02/2009, 10:23 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الاخت الفاضله امانى مغاورى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اشكركم على مروركم الكريم بالصفحة وتفغضلكم بقراءة القصه ، لديك كل الحق فيما ذهبت اليه ، والحمد لله لقد انقرضت تلك العادة السيئه من المجتمع السكندرى بعد التطور الفكرى لدى المواطنين ، وأصبحت الوكالة التى كانت تتولى هذه المهمة خرابا الا من عظام باليه لذاك الحيوان البحرى المفيد ، وإنى اتفق معك بأن الملوثات البحريه قضت على عملية تكاثر السلاحف البحريه بشكل ملحوظ ، لكننا نشكر الجهات الرسميه فى الاسكندريه لحظرها صيد الترسه وتجريم الصيادين الذين يفعلون ذلك ، وللعلم فإن لحم الترسه لذيد الطعم جدا ، وعند طهيه يعطى رائحة شهيه لا تقاوم ، أما عادة شرب الدم فهى بلا شك محرمه . قال تعالى " حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله " صدق الله العظيم ، إذن فهو تحريم شرعى قطعى جازم . وقد تلاشت تلك العادة لسبيين اولهما كما سبق ان قلت التطور الفكرى للمجمتع وندره وجود دم الترسه . مع تحياتى واحترامى ،،،

صلاح م ع ابوشنب
28/02/2009, 10:35 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الاستاذ الفاضل محمد اسلام بدر الدين ابن بورسعيد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحقيقه انت الذى امتعتنى بتفضلك بزيارة متصفحى وقراءتك للنص ، إن اعجابك بالنص قد شرفنى ، احسست فى تعليقك بأنك رقيق القلب لمحاولتك شراء السلحفه واعادتها الى البحر من جديد ، فهذه رحمة قذفها الله فى قلبك لا يحظى بها الكثيرين ، فعلا انقضى الزمن الجميل .. زمن الرحمة والتراحم .. فبرغم ان الصيادين على أيامنا كانوا يصطادون الترسه لبيعها والترزق من ورائها ، الا ان صيدهم كان فيه رحمه وشفقه ولم يكن صيدا عشوائيا ، فقد كان الصياد لا يأتى الا بسلحفه واحدة كل شهر ، كان يصطاد من أجل ان يعيش هو وأسرته بالحلال لا كما يحدث اليوم البحث عن الثراء السريع على قاعدة أنا ومن بعدى الطوفان ، اعاذنا الله من ذلك . وبالمناسبه عندى ظهر ترسه محنط ومزين بالزخارف يزن عشرة كليو جرامات اعتز بالاحتفاظ به كأثرى وكذكرى لذاك الزمن الجميل . مرة اخرى اشكرك على مرورك الكريم وتقبل تحياتى ومودتى ،،،

صلاح م ع ابوشنب
02/03/2009, 10:36 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
خالى العزيز
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اعجبتنى القصه وشدنى الاسلوب الجميل بما فيه من سجع تميزت به القصه ، ومع اننى لم اعايش هذه المرحلة ولكنى احسست كأننى اعيشها لحظه بلحظه مع مشهد الترسه وهى تذبح بواسطة عم اللول .
لك اجمل تحياتى وحبى ،،،
وائل اسامه احمد على