حسن سلامة
11/11/2007, 09:58 AM
قراءة لونية في قصيدة ( رحلة في الماء .. )
للدكتور أيمن القادري
هنا القصيدة أولاً :
ألا تـرى أنّنـي كالطِّفْـلِ فـي كُــرةٍ مِنَ الزُّجاجِ أصابَتْ صَفْحةَ المـاءِ
أرنو إلى الماءِ مشغوفاً ومُضطرِباً - والنَّارُ تعْبَثُ، عنْ قَصْدٍ، بأَشلائـي
أَأَكسرُ الكُرةَ الجَوفـاءَ فـي غضـبٍ - فأستكيـنَ، ولكـنْ... بعـدَ إِفنـائـي؟
ألا يـكـونُ ارتـوائـي دونـمـا ثَـمَـنٍ - أقــلُّ مــا فـيـه تهـديـدٌ بإنـهـائـي؟
والماءُ أيْسَرُ مـا أرجـوهُ فـي سَفَـرٍ - عـلـى شـــوارِدِ أمـــواجٍ وأنـــواءِ
النَّارُ تصْرُخُ في جوفي... أيُسْكتُها - ماءٌ يَلوحُ، فيدنو، وهْـوَ كالنَّائـي!؟
سيري على عَجَلٍ بالطِّفْلٍ في كُرةٍ - يا لُجَّةَ الموجِ، كي يَحْظى بإرسـاءِ
لعـلَّـهُ يـبْـلُـغُ الـبَــرَّ البـعـيـدَ غـــداً - قبْلَ المَماتِ، وفَتْكِ المـاءِ بالرَّائـي
هنـاك، إنْ حطَّـمـتْ كـفّـاهُ منـزِلَـهُ - نالَ ارتواءً، ولو مِنْ بعـضِ أنـداء
وإنْ تَمـنَّـعَ نــالَ الطِّـفْـلُ راحَـتَــهُ - بالموت، مبتعِداً عن... نَقْمةِ الماءِ!
لم يحدث أن قمت بنقد أدبي لقصيدة ، لأنني لست متخصصا في هذا المجال ، لكن ، كقارئ ، أملك رؤيتي الخاصة عند قراءة أي نص ، تستهويني الكلمات الجميلة والموزونة ، والتي تحمل فكراً إنسانياً معيناً .. فأقوم بقراءة النص ، كلوحة تشكيلية مرسومة بالكلمات ، هذا قد يرضي البعض ، وقد يرى فيه آخرون شأنا مختلفاً ..
عنوان القصيدة / رحلة في الماء بحثا عن الماء ..
بداية أقول : إن الزجاج ، حين الرؤية البصرية يعطيك صورة الماء في حالته الصلبة ، من هنا أفهم البحث عن الماء السائل حين هيمنة الصلابة تلك ، التي تغلف الطفولة / البراءة التي وضعها الشاعر في تلك الكرة الزجاجية ..!
الزجاج هو الماء الصلب ، مرجعه التراب ، والتراب موطن الماء أصلا ، ورديف السحاب ، يلتقي ماؤهما ( العذب ) الذي يبحث عنه صاحبنا عن قرب ..!
لذلك ، حين يعود الطفل / الرمز ، إلى صفحة الماء إنما يعكس صورة ذلك التماهي في كينونة الأشياء ، والمجازفة بكسر صلابة الماء / الزجاج ، فيكون التجاوز الصارخ الذي يلغي إحدي الحالتين لصالح الأخرى ، فرغم البحث المضني عن الماء / الخلاص ، نرى أن الثمن قد يكون فوق حالة الارتواء / الغرق ..!!
أَأَكسرُ الكُرةَ الجَوفـاءَ فـي غضـب ٍ فأستكيـنَ، ولكـنْ... بعـدَ إِفنـائـي؟
ألا يـكـونُ ارتـوائـي دونـمـا ثَـمَـنٍ أقــلُّ مــا فـيـه تهـديـدٌ بإنـهـائـي؟
الشاعر لم يفعل ذلك لأنه يعلم النتيجة ، لكنه يتساءل : هل يكسر الكرة / الجوفاء / في حالة غضب .. سعياً لتحقيق الحد الأدنى من متطلبات الحياة ، الارتواء ..؟
لكن الأمر أبعد من ذلك حين تلسعنا جذوة النار في داخل الشاعر ، فهو يريد إطفاء النار أولاً ..!
إنه يضعنا بين خيارات مؤلمة للخلاص من واقع مؤلم ، هنا نستطيع إسقاط الأمر على المُعاش اليومي ، أينما كنا ، كمجموعة من البشر أو كفرد ..
النتيجة المتوقعة في هذه الحال ، أن نبتعد عن الموت المحقق الآن ، وأن نترك الطفل داخل كرته الزجاجية ، رهن الاحتمالات ، فالاحتمالات قد تأخذه إلى بر الأمان ، لكن مع الصبر:
لعـلَّـهُ يـبْـلُـغُ الـبَــرَّ البـعـيـدَ غـــداً قبْلَ المَماتِ، وفَتْكِ المـاءِ بالرَّائـي
هناك تبرز بارقة الأمل ، حين يكسر الكرة الزجاجية / عند البر ، فلا خوف الآن ، فإن الأنداء سترطب شفتيه ..!
هنـاك، إنْ حطَّـمـتْ كـفّـاهُ منـزِلَـهُ نالَ ارتواءً، ولو مِنْ بعـضِ أنـداء
عشرة أبيات من الشعر ، عشر لوحات فنية تبدأ برحلة صعبة وتنتهي بالأمل ، لكن الشاعر أدخلنا في مراودة النفس لفعل أشياء قد تضر بنا ، قد تكون النهاية بالنسبة لنا ، ولم ينصحنا بالتجريب والمجازفة ، بل حضنا على الصبر ..
قصيدة كتبها أستاذ في اللغة ، أكد لنا في النهاية أن للماء نقمة ، ذلك السائل السلس ، نقمة قد تفوق صلابة الزجاج ..
السؤال الصعب : كيف نبحث عن الشيء ونحن فيه .. ؟
إنها المعادلة الصعبة في هذه القصيدة ..
معذرة أخي أيمن إن لم أصب ، لكني رأيت كل تلك الرحلة ..!!
حسن سلامة
h_salama_51@yahoo.com
للدكتور أيمن القادري
هنا القصيدة أولاً :
ألا تـرى أنّنـي كالطِّفْـلِ فـي كُــرةٍ مِنَ الزُّجاجِ أصابَتْ صَفْحةَ المـاءِ
أرنو إلى الماءِ مشغوفاً ومُضطرِباً - والنَّارُ تعْبَثُ، عنْ قَصْدٍ، بأَشلائـي
أَأَكسرُ الكُرةَ الجَوفـاءَ فـي غضـبٍ - فأستكيـنَ، ولكـنْ... بعـدَ إِفنـائـي؟
ألا يـكـونُ ارتـوائـي دونـمـا ثَـمَـنٍ - أقــلُّ مــا فـيـه تهـديـدٌ بإنـهـائـي؟
والماءُ أيْسَرُ مـا أرجـوهُ فـي سَفَـرٍ - عـلـى شـــوارِدِ أمـــواجٍ وأنـــواءِ
النَّارُ تصْرُخُ في جوفي... أيُسْكتُها - ماءٌ يَلوحُ، فيدنو، وهْـوَ كالنَّائـي!؟
سيري على عَجَلٍ بالطِّفْلٍ في كُرةٍ - يا لُجَّةَ الموجِ، كي يَحْظى بإرسـاءِ
لعـلَّـهُ يـبْـلُـغُ الـبَــرَّ البـعـيـدَ غـــداً - قبْلَ المَماتِ، وفَتْكِ المـاءِ بالرَّائـي
هنـاك، إنْ حطَّـمـتْ كـفّـاهُ منـزِلَـهُ - نالَ ارتواءً، ولو مِنْ بعـضِ أنـداء
وإنْ تَمـنَّـعَ نــالَ الطِّـفْـلُ راحَـتَــهُ - بالموت، مبتعِداً عن... نَقْمةِ الماءِ!
لم يحدث أن قمت بنقد أدبي لقصيدة ، لأنني لست متخصصا في هذا المجال ، لكن ، كقارئ ، أملك رؤيتي الخاصة عند قراءة أي نص ، تستهويني الكلمات الجميلة والموزونة ، والتي تحمل فكراً إنسانياً معيناً .. فأقوم بقراءة النص ، كلوحة تشكيلية مرسومة بالكلمات ، هذا قد يرضي البعض ، وقد يرى فيه آخرون شأنا مختلفاً ..
عنوان القصيدة / رحلة في الماء بحثا عن الماء ..
بداية أقول : إن الزجاج ، حين الرؤية البصرية يعطيك صورة الماء في حالته الصلبة ، من هنا أفهم البحث عن الماء السائل حين هيمنة الصلابة تلك ، التي تغلف الطفولة / البراءة التي وضعها الشاعر في تلك الكرة الزجاجية ..!
الزجاج هو الماء الصلب ، مرجعه التراب ، والتراب موطن الماء أصلا ، ورديف السحاب ، يلتقي ماؤهما ( العذب ) الذي يبحث عنه صاحبنا عن قرب ..!
لذلك ، حين يعود الطفل / الرمز ، إلى صفحة الماء إنما يعكس صورة ذلك التماهي في كينونة الأشياء ، والمجازفة بكسر صلابة الماء / الزجاج ، فيكون التجاوز الصارخ الذي يلغي إحدي الحالتين لصالح الأخرى ، فرغم البحث المضني عن الماء / الخلاص ، نرى أن الثمن قد يكون فوق حالة الارتواء / الغرق ..!!
أَأَكسرُ الكُرةَ الجَوفـاءَ فـي غضـب ٍ فأستكيـنَ، ولكـنْ... بعـدَ إِفنـائـي؟
ألا يـكـونُ ارتـوائـي دونـمـا ثَـمَـنٍ أقــلُّ مــا فـيـه تهـديـدٌ بإنـهـائـي؟
الشاعر لم يفعل ذلك لأنه يعلم النتيجة ، لكنه يتساءل : هل يكسر الكرة / الجوفاء / في حالة غضب .. سعياً لتحقيق الحد الأدنى من متطلبات الحياة ، الارتواء ..؟
لكن الأمر أبعد من ذلك حين تلسعنا جذوة النار في داخل الشاعر ، فهو يريد إطفاء النار أولاً ..!
إنه يضعنا بين خيارات مؤلمة للخلاص من واقع مؤلم ، هنا نستطيع إسقاط الأمر على المُعاش اليومي ، أينما كنا ، كمجموعة من البشر أو كفرد ..
النتيجة المتوقعة في هذه الحال ، أن نبتعد عن الموت المحقق الآن ، وأن نترك الطفل داخل كرته الزجاجية ، رهن الاحتمالات ، فالاحتمالات قد تأخذه إلى بر الأمان ، لكن مع الصبر:
لعـلَّـهُ يـبْـلُـغُ الـبَــرَّ البـعـيـدَ غـــداً قبْلَ المَماتِ، وفَتْكِ المـاءِ بالرَّائـي
هناك تبرز بارقة الأمل ، حين يكسر الكرة الزجاجية / عند البر ، فلا خوف الآن ، فإن الأنداء سترطب شفتيه ..!
هنـاك، إنْ حطَّـمـتْ كـفّـاهُ منـزِلَـهُ نالَ ارتواءً، ولو مِنْ بعـضِ أنـداء
عشرة أبيات من الشعر ، عشر لوحات فنية تبدأ برحلة صعبة وتنتهي بالأمل ، لكن الشاعر أدخلنا في مراودة النفس لفعل أشياء قد تضر بنا ، قد تكون النهاية بالنسبة لنا ، ولم ينصحنا بالتجريب والمجازفة ، بل حضنا على الصبر ..
قصيدة كتبها أستاذ في اللغة ، أكد لنا في النهاية أن للماء نقمة ، ذلك السائل السلس ، نقمة قد تفوق صلابة الزجاج ..
السؤال الصعب : كيف نبحث عن الشيء ونحن فيه .. ؟
إنها المعادلة الصعبة في هذه القصيدة ..
معذرة أخي أيمن إن لم أصب ، لكني رأيت كل تلك الرحلة ..!!
حسن سلامة
h_salama_51@yahoo.com