المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رسائل الأشجان / 5 - سكة سفر



حسن سلامة
19/11/2007, 12:07 PM
رسائل الأشجان .. لأبي علي الغلبان

الرسالة الخامسة : سكة سفر


قال أبو علي الغلبان:
كنت معجبا بأبي ، ذلك الرجل المتعب ، كنت أحبه وأمي لدرجة أنني لم أجرؤ على التفكير في يوم من الأيام أن أقترب لمجرد ألف ميل من كلمة ( أف ) ...!
.. كنت أحب من يحبان وإن كان عدوي ، وما يحبان وإن كان سماً ، أتجرعه بصمت ورضى ..

كان أبي يرقبني حين كنت أنزوي مع كتبي في حجرة صغيرة كزنزانة ..
يراني أفتح النافذة الخلفية، فتطل من أخرى فتاة في عمر الياسمين··
كنت أراها ..
تحمل إبداعات فنان حين تربط ضفائرها ..
رشيقة كفراشة ، حلوة قال - والله العظيم - كطعم معجون الكولينوس الذي لحسته قبل أن أعلم أنه لتنظيف الأسنان ..!
كان يحبني ..
يعلم أنني مجتهد وعاشق··
أحب وطني وابنة الجيران··!

حزم أمره ، شاور أمي ، واتفقا على أن يطلبا يدها لي ، ليشيعا في نفسي الطمأنينة والاجتهاد ..
كانت طلبات أهلها كثيرة : حجرة مستقلة ،( سداجة )، فرشة مخططة ، وسراج كيروسين نمرة أربعة ، وبابور كاز سويدي ، ودولاب ملابس بشرط ألا يكون من خشب الجميز ، وكيس كعكبان وصدر نمورة للمعازيم ، ثوب مطرز جنة ونار ، وسرير ما نامت عليه بنت السلطان ..
قال أبي : تكرم عيونكم ، فصلوا وإحنا نلبس ..!
صرختُ : مستحيل .. فلكزني لأهدأ ففعلت ..!
قال لهم انتظروا حتى يكبر قليلاً ويتدبر كثيراً ·· فما انتظروا··

سُقط في يدي··
رحلت .. حتى بلغ بنا الأمر أن نأكل في صحون كرتون ، وهوت دوغ وتيك أوي .. مما أغضب أبي في وقت لاحق ، لأني خرجت عن طباع القبيلة وصرت ( إفرنجي برنجي ) وحاول تأديبي ، رحمه الله ، برمزية ، حيث أرسل لي صورة وهو يأكل العدس في زبدية من الفخار ..!

ملعون أبوك يا زمن ،
أخرجتني عن طوري ..
قلت ، وقد أعلنت توبتي وحرمت على نفسي أشياء كما فعل يعقوب ..!

أكلتني المدائن ..
وامتدت سكة السفر طويلا ..
ما عدت إلى المكان .. لكنه ما غادرني منذ تلك اللحظة ، كما هي ..!

**
الوقت أقصر من حبل الوريد ، قال .
وصار الغلبان ينتقل من مدينة إلى أخرى ، من دار إلى دار ومن باب إلى باب ··
عشر سنين ، مئة ، ألف سنة مما تعدون ··

الأمور عنده لم تختلف كثيراً··
من مكان صغير إلى أكبر·· سيان ..
يقول إن الإنسان إذا خرج من داره ( قل مقداره ) مهما تعددت الأسباب وتوفرت سبل العيش ، فإنه يشعر باغتراب شامل··
يتنفس هواء غير هواء وطنه ··
يأكل طعاماً غير طعام وطنه ..
وبعد دهر لاحق ، وحين صار فرداً في قبيلته الخاصة ، أخذ يلقن أولاده الفضيلة والعرفان .. والأمل·
..
.

ذات نهار·· فرك أذن ابنه الأكبر وقال:
لا تخف، لا تخف..
إن الخوف يبعد الوطن كثيراً ..
كن شجاعا تقترب من الله والوطن .
..
.
وقال له : لا تبق في القطيع ، أخرج منه إلى السرب ..
قال : أخاف يا أبتاه أن يأكلني الذيب .. فتبيض عيناك كيعقوب .
- يأكلك الذئب أفضل من أن يحرسك الكلب ..
..
ابتعد كثيرا ، في مشاوير العمر ..
كان السفر ، وكان عواء الكلاب يملأ الأفق ..!


حسن سلامة
h_salama_51@yahoo.com

حسن سلامة
19/11/2007, 12:07 PM
رسائل الأشجان .. لأبي علي الغلبان

الرسالة الخامسة : سكة سفر


قال أبو علي الغلبان:
كنت معجبا بأبي ، ذلك الرجل المتعب ، كنت أحبه وأمي لدرجة أنني لم أجرؤ على التفكير في يوم من الأيام أن أقترب لمجرد ألف ميل من كلمة ( أف ) ...!
.. كنت أحب من يحبان وإن كان عدوي ، وما يحبان وإن كان سماً ، أتجرعه بصمت ورضى ..

كان أبي يرقبني حين كنت أنزوي مع كتبي في حجرة صغيرة كزنزانة ..
يراني أفتح النافذة الخلفية، فتطل من أخرى فتاة في عمر الياسمين··
كنت أراها ..
تحمل إبداعات فنان حين تربط ضفائرها ..
رشيقة كفراشة ، حلوة قال - والله العظيم - كطعم معجون الكولينوس الذي لحسته قبل أن أعلم أنه لتنظيف الأسنان ..!
كان يحبني ..
يعلم أنني مجتهد وعاشق··
أحب وطني وابنة الجيران··!

حزم أمره ، شاور أمي ، واتفقا على أن يطلبا يدها لي ، ليشيعا في نفسي الطمأنينة والاجتهاد ..
كانت طلبات أهلها كثيرة : حجرة مستقلة ،( سداجة )، فرشة مخططة ، وسراج كيروسين نمرة أربعة ، وبابور كاز سويدي ، ودولاب ملابس بشرط ألا يكون من خشب الجميز ، وكيس كعكبان وصدر نمورة للمعازيم ، ثوب مطرز جنة ونار ، وسرير ما نامت عليه بنت السلطان ..
قال أبي : تكرم عيونكم ، فصلوا وإحنا نلبس ..!
صرختُ : مستحيل .. فلكزني لأهدأ ففعلت ..!
قال لهم انتظروا حتى يكبر قليلاً ويتدبر كثيراً ·· فما انتظروا··

سُقط في يدي··
رحلت .. حتى بلغ بنا الأمر أن نأكل في صحون كرتون ، وهوت دوغ وتيك أوي .. مما أغضب أبي في وقت لاحق ، لأني خرجت عن طباع القبيلة وصرت ( إفرنجي برنجي ) وحاول تأديبي ، رحمه الله ، برمزية ، حيث أرسل لي صورة وهو يأكل العدس في زبدية من الفخار ..!

ملعون أبوك يا زمن ،
أخرجتني عن طوري ..
قلت ، وقد أعلنت توبتي وحرمت على نفسي أشياء كما فعل يعقوب ..!

أكلتني المدائن ..
وامتدت سكة السفر طويلا ..
ما عدت إلى المكان .. لكنه ما غادرني منذ تلك اللحظة ، كما هي ..!

**
الوقت أقصر من حبل الوريد ، قال .
وصار الغلبان ينتقل من مدينة إلى أخرى ، من دار إلى دار ومن باب إلى باب ··
عشر سنين ، مئة ، ألف سنة مما تعدون ··

الأمور عنده لم تختلف كثيراً··
من مكان صغير إلى أكبر·· سيان ..
يقول إن الإنسان إذا خرج من داره ( قل مقداره ) مهما تعددت الأسباب وتوفرت سبل العيش ، فإنه يشعر باغتراب شامل··
يتنفس هواء غير هواء وطنه ··
يأكل طعاماً غير طعام وطنه ..
وبعد دهر لاحق ، وحين صار فرداً في قبيلته الخاصة ، أخذ يلقن أولاده الفضيلة والعرفان .. والأمل·
..
.

ذات نهار·· فرك أذن ابنه الأكبر وقال:
لا تخف، لا تخف..
إن الخوف يبعد الوطن كثيراً ..
كن شجاعا تقترب من الله والوطن .
..
.
وقال له : لا تبق في القطيع ، أخرج منه إلى السرب ..
قال : أخاف يا أبتاه أن يأكلني الذيب .. فتبيض عيناك كيعقوب .
- يأكلك الذئب أفضل من أن يحرسك الكلب ..
..
ابتعد كثيرا ، في مشاوير العمر ..
كان السفر ، وكان عواء الكلاب يملأ الأفق ..!


حسن سلامة
h_salama_51@yahoo.com

سرجون محمد
04/12/2007, 06:34 AM
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
بارع ومبدع سيدي الكريم , فهل يتاح لي ان اقبل جبينك العالي ..؟
تقبل مني اسمى ايات المودة والاحترام
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

سرجون محمد
04/12/2007, 06:34 AM
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
بارع ومبدع سيدي الكريم , فهل يتاح لي ان اقبل جبينك العالي ..؟
تقبل مني اسمى ايات المودة والاحترام
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

حسن سلامة
12/12/2007, 09:56 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

أخي سرجون ،
تحية ومحبة

نحن يا صاحبي نحرث في البحر ..!!
نقدم ثقافة مجانية ، فلا أحد ، إلا من رحم ربي ..
لكن .. باقون ومستمرون ،،

نستطيع أن نكتب ( هشك بشك ) لكن ليس تحت جلودنا من ذلك شيئاً ..

أيها السرجون سلاماً

حسن

وائل عبد السلام محمد
30/12/2007, 10:10 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

المبدع دوما كلما قرأت له : الأستاذ : حسن سلامه

لقد وقفتم كعادتكم على نواه الوجع ، وكما يقولون ، أصبتم كبد الحقيقه .

أعانكم الله وأمثالكم على الصمود وأنتم ترفعون الرايه أمام ( الهشك بشك ) و ( النزق ) الثقافى الذى أصاب أجنه المثقفين فى البطون الحبلى بالتطبيع والعولمه .

تحيه وأعزاز

وائل عبد السلام محمد:fl:

وائل عبد السلام محمد
30/12/2007, 10:10 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

المبدع دوما كلما قرأت له : الأستاذ : حسن سلامه

لقد وقفتم كعادتكم على نواه الوجع ، وكما يقولون ، أصبتم كبد الحقيقه .

أعانكم الله وأمثالكم على الصمود وأنتم ترفعون الرايه أمام ( الهشك بشك ) و ( النزق ) الثقافى الذى أصاب أجنه المثقفين فى البطون الحبلى بالتطبيع والعولمه .

تحيه وأعزاز

وائل عبد السلام محمد:fl:

حسن سلامة
10/02/2008, 11:51 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

أخي وائل بن عبد السلام

هذا حال الدنيا يا صاحبي ،
وحين تغيب ذاكرة الأمة ، وحين يغيب راعيها ، نكون نرعى أغنامنا في أرض مسبعة ، من المؤكد أن الوحوش ستنهش خرافنا ..!!
ما أكتب ، أحب أن يكون بسيطاً صادقاً .. لأنني على ثقة من وصول الكلام الصادق البسيط ..
نحن لا نملك سوى كلمات خارجة من وجع القلب ، لكننا فخورون بذلك ، وفخورون بالناس الطيبين ..

سلمت لي

حسن سلامة
10/02/2008, 11:51 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

أخي وائل بن عبد السلام

هذا حال الدنيا يا صاحبي ،
وحين تغيب ذاكرة الأمة ، وحين يغيب راعيها ، نكون نرعى أغنامنا في أرض مسبعة ، من المؤكد أن الوحوش ستنهش خرافنا ..!!
ما أكتب ، أحب أن يكون بسيطاً صادقاً .. لأنني على ثقة من وصول الكلام الصادق البسيط ..
نحن لا نملك سوى كلمات خارجة من وجع القلب ، لكننا فخورون بذلك ، وفخورون بالناس الطيبين ..

سلمت لي