المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الباب الثامن من كتاب (مضامين بطرس) للأديب الباكستاني (بطرس بخاري)



إبراهيم محمد إبراهيم
20/11/2007, 09:16 AM
عشق السينما
إن عنوان " عشق السينما " مثير للغاية ، ولكن توقعاتك منه لن تتحقق مع الأسف الشديد ، فأنا أقصد بهذا المقال إلقاء الضوء على بعض أوجاع القلب ، وأرجو ألاّ تفهم من ذلك أني لا أحب الأفلام ، أو لا أؤيّد الرومانسية التي توفرها موسيقى السينما وظلام قاعتها ، فقد واجهت منذ طفولتي لوماً كثيراً من الكبار في البيت بسبب السينما ، أما اليوم فقد أصبحت السينما بالنسبة لي تمثّل نقطة ضعف بفضل ما يفعله صديقي " السيد مرزا " ، إذ كلما سمعت اسمه تذكرت بعض الأحداث المؤلمة التي تؤدي إلى نوع ما من الحدّة في طبعي .
فأنا أولاً وبفضل الله لم أذهب إلى السينما أبداً في الوقت المحدد لبداية الفيلم ، ولا دخـل في ذلك أبداً لكسلي ، وإنما الذنب كله ذنب صديقـي " السيد مرزا " الذي يُحسب عليّ كصديق ، لكن يشهد الله أن الأذى الذي لحقني بسبب صداقته ليس في مقدور ألدّ أعدائي .
عندما أريد الذهاب إلى السينما فإنني أطلعه بذلك قبله بأسبوع كامل قائلاً :
 هه يا أخي مرزا ، هل نذهب إلى السينما الخميس القادم ؟!.
وأقصد بهذا أن يظل مستعداً قبل الموعد ، وأن ينظم مواعيده بحيث لا يقع أيّ خلل في عمله بسبب يوم الخميس هذا ، لكنه يُجيبني بطريقة غاية في التقدير والاحترام :
* طبعاً يا أخي ، طبعاً سنذهب ، ألسنا بشراً ؟!. ألا نحتاج إلى قدر من الترويح عن النفس ؟!. ثم هل حدث قبل ذلك أن تخلّيت عنك بأن طلبت مني ذات مرة أن أذهب معك إلى السينما ورفضت ؟!.
كنت أشعر بالضآلة بعد سماع خطبته هذه ، وأظلّ صامتاً لبرهة ، ثم أقول بصوت يكاد يحتبس :
* يا أخي ، لو أمكن ، أرجو أن نصل إلى السينما هذه المرة في الوقت الصحيح ، هه !!!.
وكان كلامي هذا لا يلقى سوى المماطلة عادة ، لأنه كان يوقظ ضميره بعض الشيء . على أية حال ، لم أكن أتشدّد كثيراً في هذا الأمر ، وإنما كنت أطلعه بما أقصد فقط بقولي :
* هه يا أخي ، السينما هذه الأيام تبدأ عروضها في السادسة ، أليس كذلك ؟!.
وكان " السيد مرزا " يجيب ببساطة شديدة :
* يا أخي ، أنا أعرف هذا .
* أظنّ أنها تبدأ في السادسة بالضبط !!.
* ليس هناك دليل على ظنك هذا .
* كلا ، أنا على يقين من أنها تبدأ في السادسة !.
* إذا كنت على يقين ، فلماذا تصدّع رأسي بلا مبرّر .
والآن ، أخبرني أنت ، ماذا أقول ؟!. على أية حال كنت أتحرك إلى بيته يوم الخميس في الرابعة عصراً ، على أمل أن أجعله يستعد بسرعة ، حتى نصل في الوقت المناسب ، وعندما أصل إلى مقرّه الميمـون أجده خالياً من " جنس ابن آدم " .... أبحث في حجرات الضيوف كلها ، وأنادي عليه في كل شقّ من شقوق الجدران ، ولكن ما من مجيب . وفي النهاية أجلس على مضض في حجرته ، وأظلّ أُصفِّر بضع دقائق ، وأرسم على ورق الرسم الشفاف بالقلم الرصاص لدقائق مماثلة ، ثم أشعل سيجارة ، ثم أخرج إلى مدخل البيت وأظلّ أترقّب .... ولكن لا ألمح أحداً ، فأعود أدراجي إلى الحجرة ، وأبدأ في قراءة الجرائد ، وبعد كل شيء أقوم به أنادي على " السيد مرزا " على أمل أن يكون قد وصل لتـوّه في الحجرة المجاورة ، أو الحجرة العلوية ، أو أنه كان نائماً واستيقظ ، أو أنه كان يأخذ حمّاماً وانتهى منه لفوره ... لكن صوتي كان يصطدم بجدران البيت ، ويعود صداه إليّ ثانية ...
وأخيراً خرج " مرزا " من الحجرات المخصصة للنساء (1) حوالي الخامسة والنصف ... كان دمي يغلي ... تمالكت نفسي ، وراعيت الوقار والأخلاق بصعوبة شديدة وأنا أسأله :
* هه يا سيدي ، هل كنت بالداخل ؟!.
* نعم ، كنت بالداخل فعلاً .
* ألم تسمع صوتي ؟!.
 هل كنت أنت ؟!!. ظننتك شخصاً آخر .
فأغلق عينيّ ، وأرجع برأسي إلى الوراء ، ثم أضغط على أسناني متجرعاً غيظي وأنا أسأله بشفاه مرتعشة :
* طيب ، هل ستذهب معي ؟!.
* إلى أين ؟!.
* يا رجل يا طيّب !!!. ألن نذهب إلى السينما اليوم ؟!.
* نعم ، السينما ، السينما " قال هذا وجلس على كرسيّ " حسنٌ ، السينما . كنت أقول لنفسي لا بدّ أن هناك أمراً نسيته . أحسنت إذ ذكّرتني ، وإلاّ كنت سأظلّ قلِقاً طيلة الليل .
* إذاً لنمش الآن !.
* نعم ، سنمشي بالتأكيد . كنت أفكّر أن أغيّر ملابسي اليوم . الله أعلم إن كان الغسال قد جاء بملابسي أم لا ؟!. يا أخي ، افعل شيئاً لهؤلاء الغسالين .
لو لم يكن القتل جريمة إنسانية قاسية لارتكبته في مثل هذا الوضع ، لكن ماذا أفعل ؟!. إنني أُشفِق على شبابي ، ولذا أقف عاجزاً لا أستطيع أن أفعل شيئاً سوى أن أقول له :
* يا أخي مرزا ، ليرحمني الله منك . لقد جئتُ لنذهب إلى السينما ، وليس لتدبّر أمر الغسالين . كم أنت سيئ الأدب يا أخي !!. لقد دقّت الآن السادسة إلاّ ربعاً ولم تتحرك من مكانك .
نهض " السيد مرزا " من على كرسيـّه مبتسماً بطريقة مثيرة للشك ، وكأنه يريد أن يقول : " حسن يا أخي ، سوف نحقق لك رغبتك الطفولية هذه " . ثم قال وهو يذهب إلى الداخل ثانية :
* سأبدّل ملابسي وأعود .
واقع الأمر أن عملية تبديل " السيد مرزا " لملابسه تستغرق وقتاً طويلاً للغاية ، لدرجة أنني لو كان الأمر بيدي لمنعته من خلع ملابسه بحكم القانون !!. فلقد عاد إليّ بعد نصف ساعة وقد بدّل ملابسه ، وفي إحدى يديه لفّةُ " بان " (2) والأخرى في فمه . وقفت أنا الآخر ، وتحرّكتُ حتى الباب ، ثم التفتّ ورائي ، فإذا بـ " السيد مرزا " واقفاً في أحد أركان الحجرة يبحث عن شيء ما :
* هيا بنا يا أخي .
* سنمشي يا أخي ، لم كل هذه العجلة ؟!!.
* وما هذا الذي تفعله أنت ؟!.
* آخذ بعض " التمباكو " من أجل " البان " .
كان " السيد مرزا " يتهادى في مشيته طيلة الطريق ، حتى أنني كنت أجد نفسي أتقدّمه كل بضـع خطـوات ، فأضطر للتوقف للحظة حتى يلحق بي فنمشي ثانية !!. ثم أسبقه ... وأتوقف ... المهم أنه رغم أنني مشيت أضعافه ، إلاّ أنني مع ذلك وصلت معه !!!!.
أخذنا التذاكر ودخلنا . كان هناك ظلام دامس . دلّكت عيني كثيراً ، ولكني لم أر شيئاً ، وكان هناك من ينادي :
* أغلقوا الباب يا ناس ........
أين أذهب الآن يا ربي ... لا أستطيع أن أرى شيئاً في هذا الظلام ، لا الطريق ، ولا الكراسي ، ولا حتى الأشخاص ، فلو تقدّمتُ أكثر من ذلك لاصطدمت رأسي بـ " الجرادل " المُعلّقة على الحائط للإطفاء في حالة نشوب حريق .
وبعد فـترة ، بدأت بعض الملامح تتضح ، وإن كانت مُضبّبة بعض الشيء ، فحيثما بدت لي بقعة مظلمة إلى حدّ ما فهمت أن هناك كرسيّاً خالياً ، وأتجه إليه محنِيّ الظهر ، فأصطدم بقدم أحد الجالسين ، وأضرب بقدمي في كعب آخر ، في محاولة مني لعدم الاصطدام بأرجل السيدات ورُكبِهم ، حتى وصل بي الأمر في النهايـة إلى أن جلست على " حجر " أحد الجالسين ، فدفعني دفعة شديدة ... دفعـة من هنا ، ودفعة من هناك ، حتى وصلت إلى الكرسي الخالي .... قلت لـ " السيد مرزا " :
* لم يكن عبثاً عندما طلبت منك أن تسرع ... تسبّبت في إهانتي بلا مبرّر أيها الحمار ..
وبعد هذا التعبير الجميل تبيّنت أن الذي يجلس بجانبي وأُوجّه كلامي إليه ليس " السيد مرزا " ، وإنما رجل آخر !!!.
وبدأت أنتبـه إلى الفيلـم ، وأحاول معرفة أيّ فيلم هذا ؟!. وما هي قصته ؟!. وإلى أين وصلت هذه القصة ؟!. ولم أستطع أن أفهم سوى أن هناك رجلاً يحتضن امرأة خلف ستارة ... لا بدّ أن كلاً منهما يحب الآخر . وانتظرت ربما ظهرت بعض الكتابة على الشاشة فأستوعب الأمر . وفي تلك الأثناء تململ ذلك " السيد " الذي يجلس أمامي في مقعده ، وغيّر من جلسته ، فاستغرق في ذلك وقتاً حجب فيه عني ما لا يقلّ عن ثلاثمائة قدم من الفيلم . وعندما انتهى من تعديل وضعـه ، بدأ يحكّ رأسه بيده ، ولم يُنزلها من فوق رأسه ، وإنما احتفظ بذراعه مُنْثنياً في نفس الوضع ، حتى اضطررت إلى أن أنزل أنا برأسي إلى أسفل ، وأبحث لعيوني عن طريق ترى منه من خلال يد فنجان الشاي الذي رسمته ذراعه في الهواء أمامي . كنت أبدو من وضعي في الجلوس كأنني تسلّلت إلى السينما بغير تذكرة ، وأجلس مثل اللصوص . وبعد برهة شعر صاحبنا الجالس أمامي وكأن بعوضة تلدغه ، أو برغوثاً يقرصه ، ذلك أنه رفع جسمه من ناحية اليمين قليلاً ، وثناه ناحية اليسار ، وأنا بالتبعية أثني جسدي إلى الناحية الأخرى رغماً عني !!. وظللت أنا وهو نتبادل الأوضاع !!!. واستمر الأمر على هذا الحال ... هو ينثني إلى اليمين ، وأنا إلى اليسار ... أنا إلى اليمين ، وهو إلى اليسار !!! ... وهو لا يدري شيئاً عن اللعبة التي تجري في الظلام ... وددت لو أنني أخذت تذكـرة للدرجة الثانية فأجلس أمامه قائلاً :
" لنر الآن يا بنيّ كيف سترى الفيلم " .
كان صوت " السيد مرزا " يأتيني من الخلف :
* يا أخي ، لا أستطيع أن أجلس أسفل منك أكثر من هذا . إن كنت جئت بي معك ، فدعني أشاهد الفيلم إذاً !!.
وبعدها أغلقت عينيّ بغضب شديد ، وبدأت أفكّر في ارتكاب جرائم القتل العمد !!... الانتحار !!... ودسّ السُّمّ ، وما شابه ... أقول في نفسي : " اللعنة على هذا الفيلم " ، وأقسمت أيماناً مُغلّظة أن لا أعود هنا ثانية ، وإن جئتُ ، فلن اُخبر المنحوس " السيد مرزا " أبداً ، وسوف أصل هنا قبل الفيلم بعدة ساعات ، وسوف أجلس في الدرجة العليا في الصفّ الأول ، وسأظلّ أتحرّك ، بل وأقفز في جلستي طول الوقت ، وسأضع على رأسي عمامة ذات طرف مرتفع ، وسوف أفرد المعطف على زوجـين من العصيّ ، ثم أُعلّقـه ، لكني لن أقترب من بيت " السيد مرزا " .
ولكن ماذا أفعل مع قلبي التعس . لقد شاهدت في الأسبوع التالي إعلاناً عن فيلم جديد ، فكان أول شيء فعلته هو أن ذهبت إلى " السيد مرزا " ، وبدأ الحديث بيننا هكذا :
* هه يا أخي مرزا ، هل سنذهب إلى السينما الخميس القادم ؟!!!!.


هوامش
1 - البيوت التقليدية لمسلمي شبه القارة الهندو باكستانية كانت تضم جانباً خاصاً بالسيدات ، وآخر بالضيوف ، وكلاهما منفصل عن الآخر .
2 - " بان " بالباء المثلثة ، وهو عبارة عن أوراق التنبول توضع فيها بعض الحبوب ذات الروائح الطيبة والمذاق المتميز ، ثم تُلفّ وتُمضغ ، ولها تأثير مشابه لتأثير الدخان .

نهى كامل
21/11/2007, 08:17 PM
السلام عليكم

ازى حضرتك يا دكتور ابراهيم
انا طالبه فى القسم الاوردو بجامعة الازهر

وادعو من الله ان اكون مثل حضرتك فى التمكن من اللغه

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نهى كامل
21/11/2007, 08:17 PM
السلام عليكم

ازى حضرتك يا دكتور ابراهيم
انا طالبه فى القسم الاوردو بجامعة الازهر

وادعو من الله ان اكون مثل حضرتك فى التمكن من اللغه

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

راسخ كشميري
22/11/2007, 01:27 AM
الدكتور إبراهيم قرأت هذه القصة بالأردية، واليوم استمتعت بقرائتها بالعربية

لك جزيل الشكر والتقدير أستاذنا

راسخ كشميري
22/11/2007, 01:27 AM
الدكتور إبراهيم قرأت هذه القصة بالأردية، واليوم استمتعت بقرائتها بالعربية

لك جزيل الشكر والتقدير أستاذنا

إبراهيم محمد إبراهيم
22/11/2007, 06:54 AM
العزيزة نها كامل
السلام عليكم ورحمة الله
سعدت كثيراً بقراءتك لما أكتب
وأنا على يقين أنك ستكونين أفضل بكثير إن شاء الله
وتمنياتي لك ولكل طالبات قسم اللغة الأردية العزيزات بالتوفيق

إبراهيم محمد إبراهيم
22/11/2007, 06:54 AM
العزيزة نها كامل
السلام عليكم ورحمة الله
سعدت كثيراً بقراءتك لما أكتب
وأنا على يقين أنك ستكونين أفضل بكثير إن شاء الله
وتمنياتي لك ولكل طالبات قسم اللغة الأردية العزيزات بالتوفيق

إبراهيم محمد إبراهيم
22/11/2007, 06:55 AM
الأستاذ الكريم راسخ كشميري
السلام عليكم ورحمة الله
أشكركم على هذا التقدير الذي أعتز به
وأتمنى لكم كل توفيق وسداد

إبراهيم محمد إبراهيم
22/11/2007, 06:55 AM
الأستاذ الكريم راسخ كشميري
السلام عليكم ورحمة الله
أشكركم على هذا التقدير الذي أعتز به
وأتمنى لكم كل توفيق وسداد