المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أدباء منسيون... 1- محمد مرسي حسان، الشاعر الباحث اللغوي.



الدكتور ياسر منجي
20/11/2007, 05:52 PM
سبق و أن تشرفت من قبل بإيراد جانب من سيرة أحد الفنانين التشكيليين المصريين ممن رحلوا و طواهم النسيان، إذ لم يكن لهم حظ من مهارات تلميع الذات و تسويق النفس في حلبات الشهرة و مواطن الصيت؛ و هو الأستاذ "زكي مرسي" رحمه الله، و ذلك على منتدى الحوار البصري و التشكيلي.
و إذا بيد العناية الإلهية توجهني لأقع على جانب من تراث واحد من المغبونين الراحلين ممن أثروا حياتنا الثقافية في عقدي الخمسينيات و الستينيات في مجالات الشعر و علوم اللغة و البحوث الدينية، فضلا عن اضطلاعه بمهمة تربية أجيال على خير ما يكون من خلال موقعه كأستاذ معلم و رائد من رواد التربية و التعليم؛ ذلك هو الأستاذ "محمد مرسي حسان" الشاعر و الباحث و اللغوي، و الذي ما زال تراثه محفوظا لدى ابنته الكريمة الدكتورة/ أميرة محمد مرسي التي نفخر جميعا بزمالتنا إياها في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة، و هي بدورها إحدى الجنديات المجهولات في الحركة التشكيلية المصرية في شقها الأكاديمي؛ نظرا لما أسدته من أياد لمكتبة الكلية التي أضحت تفخر بفضلها باقتناء مئات المراجع النادرة في شتى مباحث الفنون البصرية على شمولها.
و لي رغبة هنا في أن أسير عكس المتبع المعروف من إيراد السير الذاتية للمبدعين و جوانب من حياتهم قبل إيراد شواهد من إبداعاتهم؛ حيث أرى أن خير تعريف بهذا الرجل إنما ينبع من التعرف على نتاجات قريحته التي تكشف عن طوية سليمة و انشغال دائم بطلابه الذين كانوا مدار حياته في ذلك الزمن الذي كان فيه الأستاذ أستاذا.
و كان له - رحمه الله - مذهب غريب في شعره؛ إذ وقفه جله إن لم يكن كله على هدف واحد هو تثقيف طلابه و ترقيق مشاعرهم و توجيههم نحو مواطن الجماليات اللغوية و كنوز التراث، لذا تراه يربأ بنفسه عن التكسب من القريض أو التماس الشهرة من طريق غشيان المحافل الأدبية، إذ كان يرى أن غرس يديه في عقول و قلوب طلابه أجدى و أنفع في دنياه و أخراه، و لهذا كنت لا تعدم أن تراهم أبطالا لقصائده و محاورا لأفكارها.
يقول رحمة الله عليه في قصيدة معنونة ب(مثال الشقاء)، بمناسبة انتحار إحدى طالباته في يوم 20/ 10/ 1965:

كرهت الحياة فماذا صنعت بموت كريه كثير العناء
شربت السموم بقلب عنيد و عقل سقيم كثير الغباء
فيا قاتل الله نفسا تموت انتحارا و تكفر عن كبرياء
كأن الحياة عطاء قليل و هل فوق تلك الحياة عطاء
وهبنا الوجود بخيراته أفي القبر نبغي سعيد البقاء
دعونا نفكر أين السعادة أين النعيم و أين الهناء
هناك بقبر دليل كئيب و دود و بعد عن الأصدقاء
أم السعد في العيش وسط الحياة كفاحا و حبا و حسن رجاء؟؟
لحا الله عقلا يفضل موتا على العيش مهما استطال العناء
فكل عناء يهون إذا ما قهرنا بنا اليأس أصل الشقاء
هبي كل بؤس أتى في الحياة أنهرب منها لدار الفناء؟
هنالك رب شديد العقاب لكل كفور بذاك الرخاء
ظلمت أباك الكبير المسن و تلك الغريقة وسط البكاء
ظلمت أخاك و أختك لما قضيت بنفسك ذاك القضاء
ظلمت الزميلة حين أقمت أمام العيون مثال البلاء
فهلا رحمت الدموع الغوالي و عشت لنا يا أعز رجاء
إلى الله نرجو لك الرحمات فأنت لعمري مثال الشقاء

الدكتور ياسر منجي
20/11/2007, 06:06 PM
و في قصيدة أخرى له يهجو فيها "تشومبي" بمناسبة طرده من مؤتمر عدم الانحياز عام 1964 غداة مصرع "لومومبا"، يقول:

أخزاك ربي يا تشومبي بعدما دنست يداك بقتلك الأحرارا
هل مات لومومبا و قد أسكنته دار الخلود مجاهدا مغوارا
ما مات إلا أنت نذلا غادرا وغدا خئونا قاتلا فجارا
الموت في عرف الحياة خيانة للحق ليس الموت ما قد صارا
فاجرع بطردك غصة سعدت بها أمم السلام و أسعدت أنصارا
إن الشعوب ترد كيد عداتها صاعا بألف دون أن تنهارا
و لسوف تأتي نقمة الشعب الذي قد خنته يا فاجرا كفارا
فنراك أضيع ما تكون مكانة و نراك أبشع ما تكون صغارا

أما عن سيرته الذاتية و شواهد أخرى من شعره و بحوثه اللغوية و الدينية، فذاك حديث آخر.
خالص احترامي

الدكتور ياسر منجي
23/11/2007, 10:20 AM
أما بيانات الأديب الراحل الأساسية فيمكن إجمالها على النحو الآتي:
الاسم: محمد مرسي حسان علي جودة.
تاريخ الميلاد: نوفمبر 1920.
المهنة: معلم.
التخصص: لغة عربية.
تاريخ الوفاة: 3/6/1980.
عمل بالتدريس في مدارس عديدة إلى أن رقي وكيلا فناظرا ثم وكيلا لوزارة التربية و التعليم، مهتما خلال مشواره المذكور بالبحث في العلوم الإسلامية و الشعر (عاميه و فصيحه)، كما كان عضوا بالاتحاد الإشتراكي خلال فترة العهد الناصري مسجلا انفعالاته بالأحداث التي كانت تموج بها المنطقة العربية من خلال قصائده الشعرية.

و تتضح مكانة العلم لديه من خلال إحدى قصائده التي أفردها للاحتفاء بقيمة العلم، مما يؤكد مدى إخلاصه للتبعة الملقاة على عاتقه كمرب لعقول الناشئة؛ و هي بمناسبة عيد العلم:

لا تسلني لمن أصوغ قريضي ألغير العلوم كان نشيدي؟
إن يوما ترى المواكب فيه خيرها العلم إنه يوم عيدي
إن يوما نكرم العلم فيه يوم مجد و يوم نصر مجيد
دولة العلم دولة المجد حقا دولة العلم دولة التخليد
حين تبني فصرحها في سمو كجبال و في رسوخ وطيد
حين تغزو فجيشها كقضاء و بلاء على العدو عتيد
فعلاها بقوة العلم أفق عبقري و نجمها في سعود
و سماها بومضة العلم صبح بابلي مرصع بورود
و الصحارى بنفحة العلم خلد مائسات بجدول و سدود
و ربانا مداخن و ضباب بين لحن الحديد و التغريد
يا بلادي و قد صنعت طريقا من علاء بخالد و تليد
يا بلادي و كل يوم فتوح مشرقات على عظيم مجيد
يا بلادي و تلك دنيا سباق بمجال من العلوم مديد
في فضاء و في بحار و صخر و قفار و فوق أرض جليد
مشكلات و قوة العلم حصن لبلادي من العدو اللدود
معضلات و قوة العلم درع لبلادي من الدخيل الحقود
ليس عندي لكل نصر سلاح غير علم لا ينتهي بحدود
فتباروا إلى العلا بعلوم و تهادوا بعزة و خلود