المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : في وصف حالة النشر في العالم العربي: أزمات ولا حلول! الأستاذ رياض الريس



معتصم الحارث الضوّي
21/11/2007, 02:51 AM
بقلم: رياض نجيب الريس
19 نوفمبر 2007 - عن القدس العربي اللندنية

سأحاول في هذه الورقة ان ابتعد بقدر الامكان عن لغة الارقام، لأن الارقام، ان توفرت فهي كاذبة، وان لم تتوفر فهي خداعة. وسأترك لغيري من الزملاء الخوض في ارقام معدلات التوزيع واحصائيات نسب القراء وتوزيعهم الجغرافي والي ما هنالك من تفاصيل لا تقدم ولا تؤخر كثيرا في مسار تعثر مهنة النشر في العالم العربي وتخلفها.
اما حديثي عن مشكلات النشر في العالم العربي فسينطلق من تجربتي الشخصية كناشر عمل في كل من لندن وقبرص وبيروت، وما عانيت وعاني المؤلفون الذين تشرفت بالنشر لهم عبر ما يزيد علي ربع قرن، اصدرت فيها ما يزيد علي 800 عنوان. اما الحلول لأزمة النشر التي يطمح هذا المؤتمر الي بحثها، فمنطلقاتها تكاد تكون واحدة. وهي بتشعباتها تعود الي نظم الحريات السياسية والاجتماعية في البلدان العربية، وغياب الاهتمام الكلي بشؤون الثقافة والمعرفة بتفرعاتهما.
وتعثر النشر العربي يعود الي سببين لا ثالث لهما: ضمور الاسواق العربية بسبب حواجز الانظمة السياسية التي تعامل الكتاب معاملة المخدرات والناشر معاملة المهربين، وضعف البنية المالية والاقتصادية لمعظم الناشرين، نتيجة لقيود الرقابة علي انواعها، فتمنعهم من تطوير هذه الصناعة والاستثمار فيها.

هزال العناوين

يدور التساؤل عن ازمة النشر المطروحة في هذا المؤتمر حول العدد المتواضع من الكتب الجديدة التي تصدر سنويا في مجمل الاقطار العربية وبلغة عربية واحدة مقارنة بعدد الكتب التي تصدر في الدول الاوروبية والامريكية، بتعدد لغاتها، الي جانب الارقام المخزية لتوزيع الكتاب في جميع انحاءالعالم العربي.
من المؤسف ان هذا هو واقع الامر.
نحن كناشرين مثلا نقوم بنشر ما بين 30 كتابا/عنوانا و50 كتابا/ عنوانا في السنة الواحدة، موزعة بين مختلف انواع التأليف من سياسة وتاريخ ومذكرات ورواية وشعر وآداب متنوعة. ونحن كناشرين شعبويين غير متخصصين نتعمد التنوع الدائم في محاولة منا للوصول الي اكبر شريحة ممكنة من القراء. ونطبع من كل كتاب بين 3000 و 5000 نسخة، وفي حالات معينة نطبع عددا اقل.
كذلك نحن محكومون كغيرنا من الناشرين بهذا العدد الضئيل نسبيا، مقارنة بالكم الكبير من العناوين التي تصدرها دور النشر الغربية، بأمرين:
الأول: القدرة المالية التجارية المحدودة للناشر علي تمويل هذه الاصدارات.
الثاني: ضيق الاسواق العربية بسبب عرقلة الرقابات المتعددة علي الكتاب للوصول الي القارئ. فالكلمة السحرية في هذا المجال التي تقف وراء تعثر هذه المهنة، هي الرقابة. والرقابة في العالم العربي علي انواع:
تعدد الرقابات
1ـ الرقابة الاعلامية: وهي رقابة تقوم بها اجهزة وزارة الاعلام، او من ينوب عنها في كل بلد عربي، وهي رقابة سياسية هدفها حماية النظام القائم من النقد، او اخلاقية لمنع ما يخدش الحياء من بعض الالفاظ التي يعتبرها الرقيب نابية عندما يخرجها من سياقها الادبي، او دينية اذا ما اعتقد الرقيب انها تمس الشعور الديني العام.
2ـ الرقابة الدينية: التي تقوم بها هيئة او هيئات دينية متخصصة لحساب الدولة او لحسابها الخاص، بتكليف من الدولة او بدعم منها (الازهر مثالا صارخا في مصر ودار الفتوي في لبنان). فتقوم بمنع هذا الكتاب او ذاك وتكفير صاحبه واقامة دعاوي الحسبة عليه.
3ـ الرقابة الامنية: التي تقوم بها اجهزة المخابرات او دوائر الامن في كل بلد (مديرية الامن العام في لبنان مثالا)، وهي في مضمونها رقابة سياسية بالدرجة الاولي تعزز ما يمكن ان يكون قد فات الرقابة الاعلامية. الي جانب مهمتها البحث في اخلاق المؤلف السياسية وتوجهاته ومواقفه تجاه النظام السياسي القائم في البلد المعني.
4ـ رقابة المعارض: وهي رقابة استنسابية خاصة بمعارض الكتب تقوم بمنع ما يكون قد سمح له في البلد الذي يقيم المعرض، وتسمح بما منعته الرقابة الرسمية في البلد ذاته. كذلك تمنع عرض كتاب كانت قد سبق لها ان سمحت له الرقابات الرسمية في معرض سابق وفي البلد ذاته. وغالبا ما يكون ذلك الكتاب الذي منع في المعرض متوافرا في مكتبات البلد الذي يقيم المعرض. والظاهرة الجديدة في هذه الرقابة انها تمنع مسبقا كتبا لم تصل الي المعرض ولا الي البلد الذي يقيم المعرض، ومن دون ان تطلع عليه او تقرأه، كما يحدث الآن مع معرض الشارقة ومعرض قطر المقبلين. (راجع الرسائل المرفقة). فهذه الرقابة تأخذ هذه الكتب بجريرة سمعة معينة.
5ـ رقابة الاغلفة: وهي رقابة شبه مزاجية لا علاقة لها بفن التصميم والاخراج، اذ تمنع كتابا يكون قد فسح مضمونه، الاان الغلاف لم يعجب الرقيب المكلف، لاسباب لا يفصح عنها عادة. وكثيرا ما يتحجج هذا الرقيب بأن الغلاف يوحي بما ليس فعلا في الكتاب، او انه يخدش النظر، من دون اي اعتبار للعمل الفني والجهد الغرافيكي الذي يقوم به الفنان والذي علي اساسه يقدم الغلاف.
واذا أقررنا ـ قصرا ـ مبدأ الرقابة علي الكتب في العالم العربي، وهو امر غير مقبول وغير معمول به في العالم المتحضر الا في ظروف استثنائية جدا جدا، كحالة كشف سر من اسرار الدولة، فلا يتم الا بقرار قضائي من محكمة، وليس من جهة ادارية او امنية. ومن المؤسف ان ليس هناك دفتر شروط واحد موحد بين هذه الرقابات الخمس، يمكن للناشر اعتماده، ليتفادي حواجز الرقابة المتعددة. ففي الاحوال العادية، يحتاج الكتاب بعد ان يجتاز حواجز الرقابات المذكورة، ليصل الي الاسواق من بلد المنشأ الي البلدان الاخري بين ثلاثة وستة اشهر. فالكتاب الصادر مثلا في لبنان، لن يصل الي اسواق المدن السورية الا بعد ثلاثة اشهر علي اضعف تقدير، مع كل مراجعات الناشر ووساطاته لدي المراجع المختصة، وكذلك الي مصر والاردن وسواهما. وان تعددت الرقابات، فموت الكتاب واحد. والرقابات هذه لا ترد عادة علي استفسارات الناشر عن اسباب المنع.

مشكلة الانتشار

اما عن الكتب الاكثر انتشارا، فبالنسبة الينا كناشرين شعبويين متنوعي العناوين، بحسب ارقام شركتنا، هي: كتب السياسة، الرواية، التاريخ، والمذكرات، الشعر والآداب. والأقل انتشاراً، ومردوداً تجاريا هي كتب الشعر، باستثناء كتب الشاعر محمود درويش، التي تعد استثناء علي جميع الاصعدة، اذ يبلغ معدل توزيع الكتاب الواحد لمحمود درويش ولأكثر من طبعة واحدة خمسة عشر ألفا. كذلك يعتمد انتشار الكتاب الي حد كبير، الي اي تصنيف انتمي (سياسة ـ رواية ـ تاريخ ـ الخ). الي سمعة المؤلف وشهرته وصدقيته. فالقارئ يلحق بالكاتب المعروف بالدرجة الاولي ثم بالموضوع الذي يتناوله. عكس القارئ الذي يلحق بالعنوان المثير والموضوع المغري الذي يهمه لكاتب جديد لم يأخذ نصيبه بعد من الانتشار.
ويجب لفت النظر في هذا المجال الي ان بين الكتب الاكثر انتشارا، كتب التراث الاسلامي والعربي والقديم المستنسخة بعضها عن بعض، واغلبها غير محقق، وبعضها مجتزأ ومبتور لأسباب تجارية بحتة، ولها اكثر من ناشر واحد، يختلفون بعضهم عن بعض في تزويق تجليد الكتاب، مرة مذهبا ومرة مفضضا للعرض علي الرفوف لا كتابا مرجعا للقراءة والبحث. وليس لهذه الكتب حقوق نشر او ملكية فكرية. وهذه واسعة الانتشار كثيرا اذ لا رقابة عليها وتباع بأسعار زهيدة.

ضعف التسويق

اما عن ضعف تسويق الكتاب فحدث ولا حرج. فليس هناك من شركة واحدة لتسويق الكتاب في كل العالم العربي لها صدقية وقواعد تلتزم بتسديد الاتعاب المالية المترتبة عليها. فديون الناشرين عند بعض الموزعين عالية جدا، يصعب تحصيلها. وهناك مجموعة شركات او مكتبات في كل عاصمة عربية تقريبا هي عبارة عن مجموعة دكاكين، تستورد الكتاب لحسابها الخاص ولتبيعه في مركزها او مكتبتها، لا لتوزعه ـ كما يجب ـ علي فروع اخري في المحافظات والاقاليم داخل القطر. فقليلا ما تجد ان كتابا موجودا في مكتبة من مكتبات القاهرة متوفرا في الاسكندرية مثلا، او كتابا في دمشق متوفر في حلب. وحجم استيراد هذه الشركات/ المكتبات الصغيرة يكاد يكون مضحكا.
لذلك يلجأ الناشر الي التوزيع المباشر، حيث يقيم هو صلة تسويقية بينه وبين مكتبة في بلد معين من دون وسيط، محاولا ان يبيع بضاعته نقدا. هنا تبرز اهمية فكرة معارض الكتب العربية التي تقام سنوياً، التي يشارك فيها الناشر مباشرة، ويبيع عبرها للمكتبات او الموزعين في ذلك البلد ـ الي جانب الافراد العاديين. حتي اصبح دخل المعارض يشكل تقريبا نصف دخل الناشر من التوزيع. وفي اغلب الاحيان يبيع الناشر في المعارض نقدا، بينما يبيع عبر شركات التسويق بالدين. ومن اخطر الازمات التي تواجه الناشر تحصيل الديون المتراكمة له لدي الموزعين. فإذا لبّي طلبات الموزع بالكتب الجديدة، ازداد تراكم الدين، واذا لم يلبّه بار الكتاب في المستودعات. فليس هناك من تقليد او قانون ينظم العلاقة المالية بين الناشر والموزع، ايا كان حجمه او صفة طلباته. والناشر يعطي حسما للموزع يراوح بين40 و50 بالمئة من سعر الغلاف، وفي احيان 60 في المئة، متحملاً في معظم الاوقات اجور الشحن مع العلم ان الدفع آجل.

كلفة المعارض

في المعارض يواجه الناشر مأزقا من نوع آخر. واذا كان الناشر يرحب بالمعارض لانها تشكل نصف دخله تقريبا، فإن ترحيبه يعود ايضا الي انه يضعه علي احتكاك مباشر مع القارئ، فيستميله بأن يبيعه الكتاب بثمن ارخص من السوق العادي. فالحسم الذي يعطيه الناشر للموزع، يعطيه للقارئ. لكن الذي حدث في السنوات الاخيرة ان كلفة الاشتراك في المعارض قد ارتفعت ارتفاعا كبيرا (معرض ابو ظبي مثالا) حتي بات من الصعب علي الناشر ان يعطي حسماً كبيراً للقارئ لتشجيعه واستمالته.
والفكرة الاساسية التي يجب بحثها، والتي سيكون لها تأثير مباشر وفوري، هي انه لما كانت الجهات الرسمية العربية (وزارات الثقافة والاعلام او ما شابههما في مؤسسات) هي التي تقوم بتنظيم معارض الكتب العربية، وتطلق عليها القاباً دولية، برعاية مسؤولين حكوميين كبار وان لزمت بعض هذه المؤسسات الرسمية الحكومية تنظيم المعارض الي شركات تجارية خاصة، فالأجدي ان تقوم بخفض رسوم الاشتراك العالية والتي تبتغي الربح التجاري، الي سعر رمزي، مما يساعد الناشر في تسويق الكتاب وايصاله الي القارئ بسعر منخفض.
في الوقت نفسه بتدفع القارئ طلب الكتاب، حين يصبح هناك فارق معقول بين سعر الكتاب في المعرض وسعره في السوق. فالناشر ليس مؤسسة خيرية، او تابعاً لقطاع عام، بل شركة تبغي الربح التجاري المعقول. فمن المآزق التي يتعرض لها الناشر في المعارض، انه كثيرا ما تمنع الادارة في اللحظة الاخيرة مجموعة كتب، يكون قد تم شحنها. فتقوم بمصادرتها او منعها، وفي احيان كثيرة لا تعيدها اليه. تري من يعوض علي الناشر هذه الخسارة، بعد ان يكون قد تحمل اعباء كلفة الاشتراك الباهظة وكلفة الشحن والسفر والاقامة وأجور المساعدين في الأجنحة؟

آليات النشر:

صحيح ان دور النشر في العالم هي احد اهم محركات الانتاج الفكري واكتشاف الموهوبين والمبدعين، لكن يجب ان لا تعير دور النشر العربية بأنها تعمل وفق حسابات تجارية، لأن دور النشر العالمية كلها تعمل وفق حسابات تجارية ايضا وبعضها مرتبط بسياسات حكوماتها وأجهزتها. ولا مقارنة في الحجم والقدرات بيننا وينهم. فمواصفات الكتاب واحدة عندنا وعندهم، وهي جاذبية موضوع الكتاب وشهرة اسم كاتبه. فلا مانع ولا ضرر في ذلك. اما كلمة الاثارة التي يكثر استعمالها، كأنها كلمة معيبة، فهي كلمة حقيقية وضروري ان تتوفر في كل كتاب، علي تعدد معانيها واهدافها. وكلمة الاثارة يجب ان لا ترتبط بالخرافات والجنس والخزعبلات.
اما آليات النشر في العالم العربي فهي في جوهرها آليات النشر ذاتها في العالم الغربي، وان اختلفت آليات العمل وميكانيكية الاتصال وتقاليد التعامل بيننا وبينهم. في الجوهر يتم النشر في العالم بطريقتين: اما ان يتقدم مؤلف ما بمخطوطته فيعرضها علي الناشر، فيقبلها الناشر او يرفضها. او يكلف الناشر مؤلفا ما، او مجموعة مؤلفين، بموضوع كتاب او كتب ويتفق معهم علي مواصفاتها. الامر الأول هو الشائع والاسهل في العالم العربي، مع ان الامر الثاني يتم ايضا بنسبة اقل. اما من يتخد قرار نشر الكتاب في دور النشر، فيتم ذلك في شركتنا مثالا، عبر اكثر من لجنة مصغرة للقراءة في اختصاصات معنية. فللرواية مثلا لجنة تقرأ المخطوطات الروائية وتعطي رأيها فيها. وهناك لجنة اخري لكتب السياسة والتاريخ والشعر والأدب. ويحيل قراء هذه المخطوطات مقترحاتهم الي مدير الشركة الذي يتخذ قرار النشر، ويتحمل مسؤوليته وحده. وهكذا يضع مدير الشركة بالاشتراك مع مسؤوليه برنامجا نشريا ضمن اجندة تأخذ في الحساب تنوع الكتب التي ستنشر ومواعيد صدورها، التي ترتبط الي حد ما بدورة المعارض العربية.

الفقراء يقرأون

من الطبيعي ان تؤدي الاسعار دورا اساسيا في انتشار الكتاب في العالم العربي. لكن ليس الي الحد الذي يتصوره بعض المراقبين. صحيح ان القدرة الشرائية ضعيفة في الاقطار ذات الدخل المحدود، كالعراق واليمن والاردن وسورية ولبنان ومصر، مقابل قدرات دول الجزيرة العربية الغنية، الا ان من السخرية القول ان مخزون القراء الاساسي هو في هذه الدولة الفقيرة اجمالا.
ومع ذلك يقبل القراء الفقراء علي شراء الكتاب ويقتطعون ثمنه من احتياجات اخري. ولا يتردد قارئ فقير او غني في شراء كتاب يريده، ما دام سعره معقولا، وفي متناوله. وهؤلاء هم القراء الذين يشكلون عصب الداعمين للكتاب.. ان جودة مضمون الكتاب وسمعة المؤلف والرغبة في الاطلاع علي موضوعه، الي جانب جاذبية توضيب شكل الكتاب وغلافه، كلها عوامل تدفع القارئ الي اقتناء الكتاب. ويكتشف الناشر ان الفقراء هم الذين يقرأون، اما الاغنياء فيتفرجون.

مشكلات التزوير
ولشهرة الكتاب او مؤلفه دور كبير في التزوير، اذ ان التزوير احد اصعب مشكلات النشر العربي. فتزوير الكتب منتشر في كل بلد عربي تقريبا. وهناك ناشرون مختصون في هذا المجال. وكل كتاب يزور يحد من انتشار الكتاب بقدر ما يسيء الي سمعة البلد والناشر، اكثر مما يضر بالناشر ماليا. والكتاب الذي يزوّر هو الكتاب المعروف لمؤلف مشهور، واكثر الكتب تعرضا للقرصنة هو الكتاب الرائج ذو الموضوع الدائم، وعلي رأسها القواميس والمراجع العلمية من ناحية، والكتب كالروايات الواسعة الشهرة اوالمجموعات الشعرية لشعراء معروفين مثل نزار قباني ومحمود درويش. ويتفهم الناشر ان يزوّر كتاب في العراق نظرا لظروفه المأساوية، او في فلسطين المحتلة لظروف مماثلة، لكن ليس مفهوما ان يزوّر الكتاب في بلد يملك ظروفا عادية. هنا يجدر التساؤل: مَنْ يحمي الناشر من التزوير؟ والي مَنْ يشكو امره: الي نقابة الناشرين ام اتحاد الناشرين ام القضاء المحلي؟ ولعل من الافكار البديهية ان يمنع اي ناشر يضبط بجرم التزوير، من الاشتراك في المعارض او المواسم الثقافية، حيث نجده في كثير من المواقع معززا مكرما.

الاعلام والاعلان
كيف يسوّق الناشرون كتبهم. هناك طريقتان متبعتان. الاولي، الاعلان عن اصداراتهم في الصحف ووسائل الاعلام المختلفة، وهذا يحتاج الي موازنة مالية لا تملكها اغلب دور النشر. والثانية، عن طريق ارسال اصداراتهم الي محرري الصفحات الثقافية والمجلات الأدبية في الصحافة العربية، بغية عرض هذه الاصدارات والتعريف بها ومراجعتها، وتكليف احد كتاب تلك الصحيفة بكتابة نقد، (مع او ضد، لا فرق) لذلك الكتاب. واذا بالصفحات الثقافية في الصحافة العربية ـ وبمتابعة بسيطة ـ لا يعنيها امر الكتاب الا فيما ندر. حتي ان البيان الصحافي Pre relee الذي يكتبه الناشر تعريفا باصداره ويرسله الي الصحيفة (وهي محاولة من الناشر للتعويض عن كسل المحرر من بذل اي مجهود) لا يجد طريقه الي النشر الا في حالات قليلة.
اذن هناك ازمة بين الكتاب وجرائد اليوم، لم تكن قائمة قبل عقد او عقدين. في صحافة الماضي كان الصحافيون المعنيون بمتابعة شؤون الثقافة، يتسابقون للكتابة عن كتب صادرة حديثا والتعريف بكتّاب جدد او قدامي. اما اليوم فتحولت الصفحات الثقافية الي التطبيل والتزمير لشلل ادبية ومهرجانات موسمية يدعي اليها محرروها، اصبحت بفعل الزمن والممارسة، نوعا من العصبية القطرية والتعصب الحزبي لكاتب ما.
واذا كانت هذه حال الصحافة المكتوبة، فما بال حال التلفزيونات. فليس هناك حتي الان في كل التلفزيونات العربية وجميع الفضائيات برنامج واحد عن الكتب والكتاب، شبيه ـ ولو من بعيد ـ ببرامج الكتب التي تظهر في بريطانيا، او فرنسا (البرنامج الفرنسي وبرنامج القناة الثانية في الـ بي بي سي مثالا). حتي محاولة قناة الجزيرة القطرية في برنامج متواضع ومنحاز عن الكتب كان يعدّه خالد حروب توقف بعد فترة زمنية قصيرة. وعلي الرغم من عدة محاولات مع بعض الاقنية العربية، ولقاءات مع المسؤولين فيها، كلها باءت بالفشل، حيث كان الجواب دائما واحدا: هذه البرامج لا تأتي بالاعلان وليس لها ممول Sponser وتموت المحاولة في مهدها بجواب بسيط: ان برامج كهذه لا تأتي بمداخيل.
اما موضوع الانترنت كوسيلة من وسائل التسويق، فأعتقد ان معظم الناشرين يملكون مواقع علي الانترنت، ويعلنون عن اصداراتهم منها، ويضعون كتبهم كاملة علي شبكتها، ونحن منهم. وقد تعرضنا نتيجة لذلك لاكثر من عملية قرصنة، بعضها ينظر فيه القضاء اليوم. واكتشفنا بالممارسة ان التسويق عن طريق الانترنت ما زال ضعيفا وغير مجد في العالم العربي.

ملكية فكرية
هناك تساؤلات كثيرة عن تأثيرات حقوق الملكية الفكرية علي صناعة النشر العربية. اهمها ان تشريعات حقوق الملكية قد أفادت عملية النشر العربية، وضبطت الكثير من مقاييسها. الا انه ليس هناك من مشكلة فعلية بين الناشر والمؤلف، حيث يتم التفاهم بينهما بموجب عقد اتفاق يحدد حقوق وواجبات كل من المؤلف والناشر، فيأخذ كل ذي حق حقه. والخلافات قليلة جدا بين المؤلف والناشر في هذا المجال. ولا تنشأ مشكلة في موضوع حقوق الملكية الفكرية الا من ناشرين اجانب في شأن شراء حقوق الترجمات وعدد الطبعات وكلفة الترجمة، وخلاف ذلك من لزوميات العلاقة بين ناشر عربي وآخر اجنبي.
ولما كنا نحن الناشرين لا نقوم بنشر كتب مترجمة الا فيما ندر وفي حالات خاصة، فلا تعاطي لنا بهذه المشكلة، ولا اعتقد انها تشكل قضية الا اذا كان الناشر متخصصا في الكتب المترجمة، مما يسبب له ازمات مع الناشر او المؤلف صاحب الحقوق الاصلية. ولما كانت معظم الكتب المترجمة الي العربية ممولة من مصادر معينة، فلا داعي لمشكلة من ناحية حقوق الملكية الفكرية، لان معظم الخلافات تكون عادة مالية. وفي هذا المجال ما زال الكتاب غير المترجم، اوسع توزيعا وانتشارا من اي كتاب مترجم مهما علا صيته الا فيما ندر.
يبقي بعد توصيف حالة النشر وازماته في العالم العربي، مجموعة اسئلة لا تملك اجوبة عن حلول، اذ لا حلول ما دامت الحواجز السياسية مرتفعة في كل بلد عربي تحت مسميات مختلفة، وما دامت الحوافز الاقتصادية معدومة.
اتسألون بعد ذلك عن سقم الكتاب؟ صحته هي العجب!

من اوراق مؤتمر المعرفة الذي عُقد في دبي
بين يومي 28/29 تشرين الاول (اكتوبر) الماضي.