المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : آخر صفعة



حسين نوح مشامع
21/11/2007, 03:33 PM
آخر صفعة
تلقى آخر صفعة، وكانت من العيار الشديد الثقيل. ذلك العيار الذي ليس فقط تهيج بسببه زوابع رملية، وعواصف رعدية غاضبة، ويقلب الحياة رأساً على عقب. بل يودي بالحياة لا سمح الله! ولم يكن باستطاعته تلقي سواها لأنها الأخيرة والتي أخلت بتوازنه، وأدخلته المشفى على اثر نوبة قلبية، وبقدرة قادر نجى من الموت. فاضطر لمغادرة عمله، حفاظاً على صحته من الأمراض المهلكة الفتاكة، وعلى حياته من الموت المفاجأ المبكر.

لقد كان قطب الرحى الأوحد الذي ترتكز عليه المؤسسة، وبقية منهم حوله مجرد مسامير في ماكينة إنتاجه. لقد كان الآمر الناهي، ومكتبه أوسع مكتب، وطاولته ليس هناك أكبر منها. كان شامخاً بأنفه، معظماً لنفسه. يتصرف وكأنه أسد في عرينه، أو ملكة في خلية نحلها. يعين هذا ويفصل ذاك، ويغير وظائف منهم تحته، وينقل من يريد من موقع إلى آخر، دون الرجوع إلى أي سلطة إدارية أعلى منه.

وجاءت الصفعة الأولى مع بداية توسع نطاق العمل، وزيادة الدخل. ومع قوتها استطاع تحملها، وتفاديها بسلام لأنها الأولى، ولعدم وجود خبرة مسبقة بالصفعات لديه. وبسبب هذا التوسع، توجب تقليص صلاحياته. والتحاق وجوه جديدة، أخذت مراكزها اغتصاب واختطاف ما يعتقد إنه ملكه. ومع الوقت زاد العمل توسعاً وانتشاراً، وهذا يعني الهجوم عليه وانتزاع روحه منه.

أخذت الحسرة والهم يفعلان فعلهما فيه، يأكلان من قلبه وروحه، كما تأكل النار في الهشيم المحتضر! فأخذ يتساءل بصوت عال، أليس هو من أنجب هذه المؤسسة؟! أليس وهو من ربها وتعب عليها؟! أليس هو من سقاها ورواها، من تعب جسده وتفكيره؟! فهل يعقل أن يتخلى الأب عن بنيه، أو ألام عن أطفالها؟! بعد ذاك السهر الطويل، والمشقة المهلكة طوال تلك السنين المضنية! أخذ يتكلم بصوت مسموع، جعل من حوله يلتفت إليه، باستغراب وتعجب! وانقسموا إلى فريقين، فريق خائف عليه وعلى صحته، فأخذ ينصحه بتقوى الله والصبر. وإن الرزق بيد الرزاق ذو القوة المتين، يقسمه كيف يشاء. والقسم الآخر في غاية الغبطة والتشفي، أما لأنهم أوصلوه إلى هذه الحالة، أو لوصوله إليها!

وبمرور الوقت، ومع تقلص صلاحياته، تقلص بل انقرض مكتبه وطاولته. ولم يألوا المسؤولون الجدد جهداً، بالصلاحيات الممنوحة لهم تارة، واستغلال وضعه المتردي تارة أخرى. كانوا يعملون جاهدين ليتخلصوا منه قدر المستطاع. كما أن هناك أمور زادت من شراهتهم، وحنقهم عليه وغضبهم منه. مما جعلهم يحاولون الفتك بهم والقضاء عليه، للتخلص من تأثيره على مناصبهم. ومن هذه الأمور، كونه مثقف متعلم من ذوي الشهادات العالية. وهم لا يتعدى كونهم عمال من ذوي الخبرات المحدودة أو المعدومة، وصلوا إلى مناصبهم تلك بالطاعة العمياء لرؤسائهم. فالبليد الكسول لا يريحه وجود من هو مجد مجتهد حوله، فأما أن يسوقه في مساره فيصير الكل سواء. أو أن يقضي على ذلك المثابر المتفاعل، فيرتاح من وجوده، وتخفى على الناس مساوئه.

وانتهى به المطاف لان يكون ليس مكتبه فحسب، بل تكون طاولته في زاوية ركنية مغلقة لا يمكن مشاهدتها بسهولة. وليزيد الأمر سوءً، رغم إذعانه وقبوله بالوضع المتردي، قرار فصله من عمله كان نهائيا لا رجعة فيه. ولم تعينه ولم تسعفه، قوة علاقته وحسن صحبته بمالك المؤسسة. الذي تناسى كل ذلك، مؤثرا المال والثروة، على العلاقات الإنسانية الطيبة. كما تعمل بعض الحيوانات، التي تأكل حتى أبنائها، عندما يداهمها الجوع الكافر. مع إنه كان أمله الوحيد الأخير، الذي تعلق به لعله ينقذه من الغرق، ولكنه انقطع ولا يمكن وصله من جديد. وبهذا تكون الصفعة الأخيرة قد استحقها بجدارة، لأنها القشة التي قصمت ظهر البعير.
بقلم: حسين نوح مشامع – محافظة القطيف - السعودية

حسين نوح مشامع
21/11/2007, 03:33 PM
آخر صفعة
تلقى آخر صفعة، وكانت من العيار الشديد الثقيل. ذلك العيار الذي ليس فقط تهيج بسببه زوابع رملية، وعواصف رعدية غاضبة، ويقلب الحياة رأساً على عقب. بل يودي بالحياة لا سمح الله! ولم يكن باستطاعته تلقي سواها لأنها الأخيرة والتي أخلت بتوازنه، وأدخلته المشفى على اثر نوبة قلبية، وبقدرة قادر نجى من الموت. فاضطر لمغادرة عمله، حفاظاً على صحته من الأمراض المهلكة الفتاكة، وعلى حياته من الموت المفاجأ المبكر.

لقد كان قطب الرحى الأوحد الذي ترتكز عليه المؤسسة، وبقية منهم حوله مجرد مسامير في ماكينة إنتاجه. لقد كان الآمر الناهي، ومكتبه أوسع مكتب، وطاولته ليس هناك أكبر منها. كان شامخاً بأنفه، معظماً لنفسه. يتصرف وكأنه أسد في عرينه، أو ملكة في خلية نحلها. يعين هذا ويفصل ذاك، ويغير وظائف منهم تحته، وينقل من يريد من موقع إلى آخر، دون الرجوع إلى أي سلطة إدارية أعلى منه.

وجاءت الصفعة الأولى مع بداية توسع نطاق العمل، وزيادة الدخل. ومع قوتها استطاع تحملها، وتفاديها بسلام لأنها الأولى، ولعدم وجود خبرة مسبقة بالصفعات لديه. وبسبب هذا التوسع، توجب تقليص صلاحياته. والتحاق وجوه جديدة، أخذت مراكزها اغتصاب واختطاف ما يعتقد إنه ملكه. ومع الوقت زاد العمل توسعاً وانتشاراً، وهذا يعني الهجوم عليه وانتزاع روحه منه.

أخذت الحسرة والهم يفعلان فعلهما فيه، يأكلان من قلبه وروحه، كما تأكل النار في الهشيم المحتضر! فأخذ يتساءل بصوت عال، أليس هو من أنجب هذه المؤسسة؟! أليس وهو من ربها وتعب عليها؟! أليس هو من سقاها ورواها، من تعب جسده وتفكيره؟! فهل يعقل أن يتخلى الأب عن بنيه، أو ألام عن أطفالها؟! بعد ذاك السهر الطويل، والمشقة المهلكة طوال تلك السنين المضنية! أخذ يتكلم بصوت مسموع، جعل من حوله يلتفت إليه، باستغراب وتعجب! وانقسموا إلى فريقين، فريق خائف عليه وعلى صحته، فأخذ ينصحه بتقوى الله والصبر. وإن الرزق بيد الرزاق ذو القوة المتين، يقسمه كيف يشاء. والقسم الآخر في غاية الغبطة والتشفي، أما لأنهم أوصلوه إلى هذه الحالة، أو لوصوله إليها!

وبمرور الوقت، ومع تقلص صلاحياته، تقلص بل انقرض مكتبه وطاولته. ولم يألوا المسؤولون الجدد جهداً، بالصلاحيات الممنوحة لهم تارة، واستغلال وضعه المتردي تارة أخرى. كانوا يعملون جاهدين ليتخلصوا منه قدر المستطاع. كما أن هناك أمور زادت من شراهتهم، وحنقهم عليه وغضبهم منه. مما جعلهم يحاولون الفتك بهم والقضاء عليه، للتخلص من تأثيره على مناصبهم. ومن هذه الأمور، كونه مثقف متعلم من ذوي الشهادات العالية. وهم لا يتعدى كونهم عمال من ذوي الخبرات المحدودة أو المعدومة، وصلوا إلى مناصبهم تلك بالطاعة العمياء لرؤسائهم. فالبليد الكسول لا يريحه وجود من هو مجد مجتهد حوله، فأما أن يسوقه في مساره فيصير الكل سواء. أو أن يقضي على ذلك المثابر المتفاعل، فيرتاح من وجوده، وتخفى على الناس مساوئه.

وانتهى به المطاف لان يكون ليس مكتبه فحسب، بل تكون طاولته في زاوية ركنية مغلقة لا يمكن مشاهدتها بسهولة. وليزيد الأمر سوءً، رغم إذعانه وقبوله بالوضع المتردي، قرار فصله من عمله كان نهائيا لا رجعة فيه. ولم تعينه ولم تسعفه، قوة علاقته وحسن صحبته بمالك المؤسسة. الذي تناسى كل ذلك، مؤثرا المال والثروة، على العلاقات الإنسانية الطيبة. كما تعمل بعض الحيوانات، التي تأكل حتى أبنائها، عندما يداهمها الجوع الكافر. مع إنه كان أمله الوحيد الأخير، الذي تعلق به لعله ينقذه من الغرق، ولكنه انقطع ولا يمكن وصله من جديد. وبهذا تكون الصفعة الأخيرة قد استحقها بجدارة، لأنها القشة التي قصمت ظهر البعير.
بقلم: حسين نوح مشامع – محافظة القطيف - السعودية

فايزة شرف الدين
21/11/2007, 04:48 PM
:good: الأخ حسين مشامع
يبدو أنك موظفا ، لأنك خبرت ما يحدث بالفعل عندما يستبد شخص ما بمنصب ، وهذا هو طامة الشعوب المتخلفة عامة ، والشعوب العربية خاصة ، وقد تناسوا قيم الدين التي تدعو إلي التعاون والرحمة ، القصة تعبر عن واقع تعيشه كل الشعوب العربية دون استثناء .
أجد تناقض بين بداية القصة ، فبطلنا هنا اضطر ترك العمل حفاظا على صحته ، أي انه كان هناك اختيار مع اضطراره من أجل صحته ، وفي نهاية القصة فصل من عمله نهائيا ، أي لم يكن أمامه اختيار بأي شكل .
تقبل مرروري

فايزة شرف الدين
21/11/2007, 04:48 PM
:good: الأخ حسين مشامع
يبدو أنك موظفا ، لأنك خبرت ما يحدث بالفعل عندما يستبد شخص ما بمنصب ، وهذا هو طامة الشعوب المتخلفة عامة ، والشعوب العربية خاصة ، وقد تناسوا قيم الدين التي تدعو إلي التعاون والرحمة ، القصة تعبر عن واقع تعيشه كل الشعوب العربية دون استثناء .
أجد تناقض بين بداية القصة ، فبطلنا هنا اضطر ترك العمل حفاظا على صحته ، أي انه كان هناك اختيار مع اضطراره من أجل صحته ، وفي نهاية القصة فصل من عمله نهائيا ، أي لم يكن أمامه اختيار بأي شكل .
تقبل مرروري

حسين نوح مشامع
22/11/2007, 09:32 AM
الاخت فايزة شرف الدين

اشكرك من الاعماق على اخذك الوقت لقراءة قصتي

ان ما اوقعني في هذا الخطأ هو محاولة التعميم والبعد عن التخصيص

سوف انتبه لما اشرتي اليه في قصصي القادمة

وشكراً مرة اخرى على أمل القاء في قصة أخرى

اخوك
حسين نوح

حسين نوح مشامع
22/11/2007, 09:32 AM
الاخت فايزة شرف الدين

اشكرك من الاعماق على اخذك الوقت لقراءة قصتي

ان ما اوقعني في هذا الخطأ هو محاولة التعميم والبعد عن التخصيص

سوف انتبه لما اشرتي اليه في قصصي القادمة

وشكراً مرة اخرى على أمل القاء في قصة أخرى

اخوك
حسين نوح