المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الجزء الثالث من الباب العاشر من كتاب (تلاش) للأديب الباكستاني (ممتاز مفتي)



إبراهيم محمد إبراهيم
22/11/2007, 08:00 AM
الجزء الثالث من الباب العاشر
الورد البلدي
دين عجيب :
ونزل القـرآن على " البراهمـة " و " القساوسـة " و " الكهنة " نزول الصاعقة ، أي دين هذا الذي ينكر كل تلك المعتقدات التي يعتنقونها من أزمنة طويلة !!. أي دين هذا الذي يدعو الناس إلى السير على طريق العلم والعقل والبحث ، فمزّق نظرية " الاعتقاد بغير علم " إلى أشلاء !!. أي دين هـذا الذي لا يعترف بـ " مقاولي الدين ومحتكريه " ، ولا يمنح علماء الدين أية مكانة استثنائية !!. ورأى براهمة العالم وكهنته وقساوسته سلطتهم الدينية في خطر بيّن ، وخاصة القساوسة الذين كانوا على رأس السلطة في تلك الفترة هم والرهبان . لقد كانوا في مركز قوة جعلهم لا يترددون في الدخول في صدام مع كبار الملوك والسلاطين ، كانوا في الحقيقة يحكمون الناس . وارتعد القساوسة خوفاً من الإسلام ، ولهذا بدأوا ينشرون شائعات وادعاءات كاذبة ضد المسلمين قائلين إن هذه الأمة التي تطلق على نفسها " المسلمين " أمة همجية ، ينشرون دينهم بحد السيف .

الإشارات العلمية :
والقرآن لا يتحدث بإفاضة عن خلق الكائنات ، إنما يعطي إشارات مختصرة ، ويقول ابحثوا بناءاً عليها ، واعرفوا الحقيقة . على سبيل المثال يعطينا القرآن الكريم إشارات عن الكائنات تقول إنها :

1 – إن السماء والأرض كانتا دخاناً (19) .
2 – إن السماء والأرض كانتا قطعة واحدة (20) .
3 – إن الله تعالى فصل السماء والأرض عن بعضهما البعض (21) .
4 – إن النجوم معلقة في السماء بغير شيء يمسك بها ، وتسبح في الفضاء (22) .
5 – إن السماء قائمة بغير عمد (23) .
6 – إن الله قد أحدث انفجاراً هائلاً بقصد فصل السماوات والأرضين ، انفجاراً هائلاً لم تنته آثاره حتى اليوم ، ولا يزال يدفع الأرض والفضاء ، وبالتالي يمتد الفضاء ويتسع .
وبعد قرون من البحث توصل العلم إلى أن البداية كانت دخاناً ، وأنه حدث انفجار هائل لا يزال أثره باق حتى اليوم . لقد توصل العلم إلى النتيجة التي أشار إليها القرآن قبل أربعة عشر قرناً من الزمـان . إن الفرق بين العلم والقرآن هو أن العلم يعتقد أن هذه الكائنات وجدت صدفة .
ضلال العلم :
لقد حذرنا القرآن من قبـل أن علينا أن لا نحاول فهم الكائنات دون وضع الله في الاعتبار ، وإلا فسوف نضل ، وعلماء الطبيعة يحاولون فهم الكائنات دون وضع الله في الاعتبار ، ولهذا ضلوا ، ولن يستطيعوا الوصول إلى الهدف الصحيح أبداً .
وعلماء الطبيعة الأوروبيون في حالة يأس من الدين ، لأن مقاولي الدين ومحتكريه دائماً ما يتهمونهم ، ويؤكدون على أنهم فرقة ضالة عن الطريق القويم ، وعلماء عصرنا لا يعرفون أصلاً أن الإسلام دين يدعو وبشدة إلى العقل والبحث ، وأن القرآن الكريم يضم في تسعة أعشاره إشارات علمية ، ويحث القارئ على البحث تأسيساً على هذه الإشارات .
وهناك صفة مشتركة بين العلماء ، سواء كانوا يدينون بدين أم لا ، وأياً كان الشعب الذي ينتمـون إليه ، وهي أنهم مخلصون فيما يتعلق بالعلم ، لا يرضون حقيقة ثبتت بالطريقة العلمية ، بل على العكس يعترفون بها من أعماق قلوبهم .



علماء الدين وعش الدبابير :
إن مشكلتنا هي أنه ينبغي علينا أن نضع الإشارات العلمية للقرآن الكريم أمام العلماء الأوروبيين ، ومن الفرض على علماء الدين أن ينشروا القرآن في أوروبا ، لكن علماء الدين لدينا منهمكون في خلافاتهم البينية بطريقة لم تدع لهم فرصة للقيام بهذا العمل .
عندما ذهبت إلى الحج عام 1968م أرسلت الحكومة الباكستانية في ذلك العام بعثة من العلماء لأداء فريضة الحج على نفقة الدولة ، وكانت هناك عدة أماكن في السعودية لا بد من دفع ضريبة فيها ، ورفض العلماء دفع الضريبة ، بحجة أنهم ضيوف رسميون ، وقام المسئولون عن تحصيل الضريبة بدفعها من جيوبهم ، لأنه لا استثناء هناك لأحد من الضريبة . وقد أتيح لي لقاء وفد العلماء هذا في " المدينة المنورة " ، وعادة ما يغلق " المسجد النبوي " ليلاً ، وفي بعض الأحيان يتم فتحه لعدة ساعات لكبار الضيوف ، وبناءً على طلب الحكومة الباكستانية تم فتح " المسجد النبوي " ليلاً لوفد العلماء .
وكانت الصورة هناك عجباً ، إذ ظهرت على الملأ اختلافات العلماء فيما بينهم ، وأصبح المجلس الذي يضمهم يطنّ طنيناً كعشّ الدبابير ، لم يكن أحد منهم على استعداد للصـلاة خلف أحد ، وكل من أتيحت له " السيطرة " (24) على جزء من المسجد بسط سجادته عليه ، ولم يسمح لأحد بالاقتراب منه ، وعلى العكس من سلوك هؤلاء انظر كيف كان سلوك مشايخ الصوفية . ذات مرة تمكنت – أنا وقدرت الله شهاب – من الوصول حتى ستائر الكعبة ، وبينما كنت أقرأ الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال لي " قدرت الله شهاب " : لا تطل الوقوف هنا ، واترك فرصة للآخرين لبلوغ هذا المكان . وعندما رأيت بعيني أنانية دعاة أمتنا وعلمائها ، قلت لنفسي : كيف يكون حالنا نحن العامة !!. على أية حال من العبث أن نتوقع من أمثال هؤلاء أن ينشروا الإسلام .
نشر الإسلام :
لدينا جماعات عديدة تعمل في مجال التبليغ والدعوة ، ولم أستطع حتى اليوم أن أعرف ما هو التصور الذي يحملونه عن تبليغ الإسلام والدعوة إليه ، إذ كثيراً ما رأينا انصراف جماعات التبليغ إلى الاهتمام ببناء المسلم الهش ، فهم يدعون إلى الصلاة ، ولدينا في مسجد حيّنا من أصحاب اللحى الطويلة الكثّة ، الذين يضعون العمامات على رؤوسهم ، وينزلون إلى البيوت في الحي مرات قلائل في العام ، يطرقون الأبواب ، ويدعون صاحب البيت للمجيء إلى المسجد والصلاة فيه ، إنهم يعتقدون أن المسلم يصير قوياً إذا أدى الصلاة ، وأنا أعترف أن الصلاة ركن هام من أركان الشريعة ، لكن هؤلاء قصروا الإسلام على إطلاق اللحية ، وحمل المسبحة ، وأداء الصلاة ، ويهدفون من وراء ذلك إلى أن يصبح المسجد مركزاً ، وتتعاظم أهمية المشايخ .
مشورة علماء الطبيعة :
ينبغي أن نجمع الإشارات العلمية المتناثرة في القرآن الكريم في مكان واحد ، ونرسلها إلى كبار العلماء التجريبيين ، ونلتمس منهم أن يبدوا رأيهم فيها ، وهذا التصرف يطابق حكم القرآن الكريم تماماً ، فالقرآن يقول إن لم تستوعبوا أمراً فاسألوا من يعرفون (25) .
وفي أيامنا هذه قام أحد أخوان من مدينة " الرياض " بالمملكة العربية السعودية بجمع الآيات القرآنية المتعلقة بـ " العلقة " ، وإرسالها إلى عالم يدعى " كيث مور : Keith Moore ، وهو أستاذ في جامعة " تورنتو " ، وقد أجرى أبحاثاً كثيرة على الـ " العلقة " ، وله كتب عديدة عنه تدرس ضمن المناهج الدراسية المقررة ، وشرحوا له مفهوم الألفاظ العربية ، وعرضت للسيد " مور " مشكلة ، وهي أن القرآن قال بأن الـ " العلقة " تكون في طورها الأول كحشرة " العلقة " صغيرة معلقة في جدار رحم الأم ، ولم يكن السيد " مور " قد رأى في حياته هذه الـ " علقة " ، ولهذا اتجه إلى الإدارة الخاصة بعلوم الأحياء ، وهنـاك رأى حشرة " العلقة " هذه ، والتقط لها مجموعة من الصور .
يقول " كيث " : لقد دهشت بشدة ، لأن الصورة التي رسمها القرآن لـ " العلقة " صحيحة تماماً ، وتشبه الحقيقة إلى حد بعيد ، وبعد ذلك أعاد " كيث " مراجعة كل كتبه ، وضمنها الصور التي التقطتها لـ " العلقة " ، ولما كشـف " كيث " عن هذا الأمر في جامعة " تورنتو " ثارت ضجة كبرى ، وتعجب الأساتذة المتخصصون والباحثون غاية العجب ، ونشرت الصحف الخبر بعناوين بارزة ، لكن رجال الصحافة هم في النهاية رجال الصحافة !!. فقد جاء العنوان الذي نشر معبراً عن عقليتهم وتفكيرهم ، إذ كان كالتالي :
" العثور على شيء مثير في كتاب صلاة قديم " (26) .
ورجال الصحافة كانوا صادقين فيما قالوا ، إذ اعتقدوا أن القرآن الكريم " كتاب ديني " ، و " الكتاب الديني " يتحدث عن الصلاة أو الدعاء !!.
القرآن ليس كتاباً دينياً :
والذنب ليس ذنب صحفيّ " كندا " ، إنما ذنبنا نحن ، حيث لم نستطع إلى يومنا هذا أن نعرّف أهل الغرب بهذا الكتاب الذي يسمى " القرآن " ، لم نستطع أن نقول لهم إن القرآن لا يخاطب المسلمين فقط ، وإنما يخاطب بني الإنسان جميعاً . أيها السادة ، إنني أشعر بخجل لأن رجلاً إنجليزياً أسلم حديثـاً هو الذي عرفني بالقرآن ، ومع أن عندنا مئات الكتب التي كتبت عن القرآن ، لكنها إما كتبت بأسلوب قوي لا يؤثر في العقل الحديث ، أو أن أسلوبها انفعالي لدرجة تخلق في العقل الحديث رد فعل معاكس .
الدعوة :
إن الذنب كله ذنب طريقتنا في الدعوة ، إذ ليس بداخلنا روح التبليغ التي توجد لدى المبشرين المسيحيين ، فهم يوقفـون حياتهم كلها على التبشير ، ويسافرون إلى المناطق البعيدة النائية ، ويختلطون بعامة الناس ، ولا يتحدثون عن الدين ، لا يلقون خطباً ، ولا يجادلون أحداً ، ولا يدخلون في مناظرات ، إنما يخدمون الناس فقط ، يوفرون الدواء للمرضى ، ويزرعون الأمل في قلوب اليائسين ، ويشاركون المحزون أحزانه ، ويمنحون المساواة لأبناء الطبقات الدنيا ، يجلسون معهم ، ويتقربون منهم ، ويؤثر سلوكهم هذا تأثيراً حسناً يجعل الناس يقبلون على المسيحية من تلقاء أنفسهم .
والحقيقة أن هذا الأسلوب هو أسلوب رجال التصوف ، وهو الأسلوب الذي اتبعه المسيحيون . أيها السادة ، إنني أيضاً أحمق ، لأنني أتحدث عن الدعوة والتبليغ ، فإذا كان قطاع الطرق قد سلبوا رأس المال ونهبوه ، فما فائدة الحديث عن الفوائد التي سيدرها هذا المال !!. لقد شوّه أئمتنا الإسلام بأنفسهم ، جعلوا منه " طقوساً " ، وضعوا الإسلام في جسد ، وتغاضوا عن الروح ، وأسلوبهم في التبليغ عنيف هجومي ، به شدة وغلظة ، إنهم يصدرون الأوامر ، مع أن أعظم مميزات القرآن أنه لا يصدر أمراً لأحد ، ليس تحكمياً سلطوياً ، ودعاتنا انفعاليون في مجال الدعوة ، إنهم يعتقدون أن الانفعال والعاطفية فيما يتعلق بالدين ميزة .
الغلظة والعنف :
وأنا أيضاً كنت أعتبر الانفعالية والعاطفية فيما يتعلق بالدين ميزة ، كنت أظن أن الانفعالية محبة ، إخلاص وتعلّق ، وكان أبي يمنعني من هذا ، كان يقول : انظر يا مفتي ، لا تنمّي الاعتقاد ، ولكن عليك أن تنمي العقيدة . وكنت أردّ عليه قائلاً : إن ما بداخلي هو الاعتقاد ، وليس العقيدة . فكان يقول : عليك إذاً أن تعتقد في سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعندئذ سوف تستقيم العقيدة .
كان لوالدي في تلك الأيام صديق ، شيخ جليل ، وكنت أحبه كثيراً ، كان يمتلئ عاطفة ونشاطاً وحركة ، وكان عاشقاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان صريحاً في حديثه واضحاً فيه ، ولا يلقي ألغازاً كما يفعل المشايخ . ذات مرة تحدثت مع والدي عنه ، قلت إني أحب صديقك الشيخ كثيراً لأنه يمتلئ عاطفة وإخلاصاً .
قال والدي : إن الانفعالية ليست ميزة تحسب لك . صدمني ما قاله أبي ، فسألته : وكيف هذا . قال : لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحسنها ، كان يدعوا إلى الاعتدال وعدم تعدي الحدود ، والإسلام هو الاعتدال والتوازن ، ولا ينبغي أن تكون الغلظة والعنف والشدة من شيم المسلمين ، فالإسلام يحب الإنسان الهادئ الرزين اللين المرن ، بينما يظن أهل الغرب في أيامنـا هذه أن المسلمـين أمـة متشـددة متعصبـة ، والسبب في ذلك هو أن طريقة " محتكري " الإسلام عنيفة ، وأسلوبهم متشدد ، وينشرون العنف (27) !!.
هوامش
19 - الإشارة إلى قوله تعالى " ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين " – سورة فصلت – آية رقم : 10 .
20 - الإشارة إلى قوله تعالى " أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما ، وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون " – سورة الأنبياء – آية رقم : 30 .
21 - الآية السابقة .
22 - قال تعالى : " إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ، ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده ، إنه كان حليماً غفوراً " – سورة فاطر – آية رقم : 41 ، والآية كما هو واضح تتحدث عن السماوات وكيف أن الله يمسك بهما ، وربما قصد الكاتب بـ " النجوم " السماء وه جزء منها .
23 - الإشارة إلى قوله تعالى " الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ، ثم استوى على العرش ، وسخر الشمس والقمر كل يـجري لأجـل مسمى يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون " – سورة الرعد – آية رقم : 2 .
24 - يقصد كل من استطاع أن يكون له مسلك خاص به فعل ذلك ، حتى كثرت المذاهب والمسالك ، واختلفت فيما بينها ، يدلا من أن تتحد وتتفق . والمقصود بالمسجد هنا " الإسلام ككل " الذي امتلأ بالسجاجيد المختلفة غير المتناسقة فيما بينها .
25 - الإشارة إلى قوله تعالى " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " – سورة النحل – آية رقم 43 .
26 - Surprising Thing Found In Ancient Prayer book
27 - ليس من الإنصاف أن نجعل ما يقوله أهل الغرب عن المسلمين مقياساً نعتقد بصحته ، وتاريخهم مع المسلمين يشهد بأنهم لم يكونوا دائماً منصفين مع المسلمين ، وبالتالي لا معنى لأن نحمل رجال الدين وأئمة المساجد والوعاظ والخطباء مسئولية ما يعتقده أهل الغرب عن المسلمين ، فالحقيقة هي أن المسلمين لم يكونوا في يوم من الأيام أمة متشددة متعصبة تنشر العنف والتشدد حتى وإن قال الغرب ذلك .

إبراهيم محمد إبراهيم
22/11/2007, 08:00 AM
الجزء الثالث من الباب العاشر
الورد البلدي
دين عجيب :
ونزل القـرآن على " البراهمـة " و " القساوسـة " و " الكهنة " نزول الصاعقة ، أي دين هذا الذي ينكر كل تلك المعتقدات التي يعتنقونها من أزمنة طويلة !!. أي دين هذا الذي يدعو الناس إلى السير على طريق العلم والعقل والبحث ، فمزّق نظرية " الاعتقاد بغير علم " إلى أشلاء !!. أي دين هـذا الذي لا يعترف بـ " مقاولي الدين ومحتكريه " ، ولا يمنح علماء الدين أية مكانة استثنائية !!. ورأى براهمة العالم وكهنته وقساوسته سلطتهم الدينية في خطر بيّن ، وخاصة القساوسة الذين كانوا على رأس السلطة في تلك الفترة هم والرهبان . لقد كانوا في مركز قوة جعلهم لا يترددون في الدخول في صدام مع كبار الملوك والسلاطين ، كانوا في الحقيقة يحكمون الناس . وارتعد القساوسة خوفاً من الإسلام ، ولهذا بدأوا ينشرون شائعات وادعاءات كاذبة ضد المسلمين قائلين إن هذه الأمة التي تطلق على نفسها " المسلمين " أمة همجية ، ينشرون دينهم بحد السيف .

الإشارات العلمية :
والقرآن لا يتحدث بإفاضة عن خلق الكائنات ، إنما يعطي إشارات مختصرة ، ويقول ابحثوا بناءاً عليها ، واعرفوا الحقيقة . على سبيل المثال يعطينا القرآن الكريم إشارات عن الكائنات تقول إنها :

1 – إن السماء والأرض كانتا دخاناً (19) .
2 – إن السماء والأرض كانتا قطعة واحدة (20) .
3 – إن الله تعالى فصل السماء والأرض عن بعضهما البعض (21) .
4 – إن النجوم معلقة في السماء بغير شيء يمسك بها ، وتسبح في الفضاء (22) .
5 – إن السماء قائمة بغير عمد (23) .
6 – إن الله قد أحدث انفجاراً هائلاً بقصد فصل السماوات والأرضين ، انفجاراً هائلاً لم تنته آثاره حتى اليوم ، ولا يزال يدفع الأرض والفضاء ، وبالتالي يمتد الفضاء ويتسع .
وبعد قرون من البحث توصل العلم إلى أن البداية كانت دخاناً ، وأنه حدث انفجار هائل لا يزال أثره باق حتى اليوم . لقد توصل العلم إلى النتيجة التي أشار إليها القرآن قبل أربعة عشر قرناً من الزمـان . إن الفرق بين العلم والقرآن هو أن العلم يعتقد أن هذه الكائنات وجدت صدفة .
ضلال العلم :
لقد حذرنا القرآن من قبـل أن علينا أن لا نحاول فهم الكائنات دون وضع الله في الاعتبار ، وإلا فسوف نضل ، وعلماء الطبيعة يحاولون فهم الكائنات دون وضع الله في الاعتبار ، ولهذا ضلوا ، ولن يستطيعوا الوصول إلى الهدف الصحيح أبداً .
وعلماء الطبيعة الأوروبيون في حالة يأس من الدين ، لأن مقاولي الدين ومحتكريه دائماً ما يتهمونهم ، ويؤكدون على أنهم فرقة ضالة عن الطريق القويم ، وعلماء عصرنا لا يعرفون أصلاً أن الإسلام دين يدعو وبشدة إلى العقل والبحث ، وأن القرآن الكريم يضم في تسعة أعشاره إشارات علمية ، ويحث القارئ على البحث تأسيساً على هذه الإشارات .
وهناك صفة مشتركة بين العلماء ، سواء كانوا يدينون بدين أم لا ، وأياً كان الشعب الذي ينتمـون إليه ، وهي أنهم مخلصون فيما يتعلق بالعلم ، لا يرضون حقيقة ثبتت بالطريقة العلمية ، بل على العكس يعترفون بها من أعماق قلوبهم .



علماء الدين وعش الدبابير :
إن مشكلتنا هي أنه ينبغي علينا أن نضع الإشارات العلمية للقرآن الكريم أمام العلماء الأوروبيين ، ومن الفرض على علماء الدين أن ينشروا القرآن في أوروبا ، لكن علماء الدين لدينا منهمكون في خلافاتهم البينية بطريقة لم تدع لهم فرصة للقيام بهذا العمل .
عندما ذهبت إلى الحج عام 1968م أرسلت الحكومة الباكستانية في ذلك العام بعثة من العلماء لأداء فريضة الحج على نفقة الدولة ، وكانت هناك عدة أماكن في السعودية لا بد من دفع ضريبة فيها ، ورفض العلماء دفع الضريبة ، بحجة أنهم ضيوف رسميون ، وقام المسئولون عن تحصيل الضريبة بدفعها من جيوبهم ، لأنه لا استثناء هناك لأحد من الضريبة . وقد أتيح لي لقاء وفد العلماء هذا في " المدينة المنورة " ، وعادة ما يغلق " المسجد النبوي " ليلاً ، وفي بعض الأحيان يتم فتحه لعدة ساعات لكبار الضيوف ، وبناءً على طلب الحكومة الباكستانية تم فتح " المسجد النبوي " ليلاً لوفد العلماء .
وكانت الصورة هناك عجباً ، إذ ظهرت على الملأ اختلافات العلماء فيما بينهم ، وأصبح المجلس الذي يضمهم يطنّ طنيناً كعشّ الدبابير ، لم يكن أحد منهم على استعداد للصـلاة خلف أحد ، وكل من أتيحت له " السيطرة " (24) على جزء من المسجد بسط سجادته عليه ، ولم يسمح لأحد بالاقتراب منه ، وعلى العكس من سلوك هؤلاء انظر كيف كان سلوك مشايخ الصوفية . ذات مرة تمكنت – أنا وقدرت الله شهاب – من الوصول حتى ستائر الكعبة ، وبينما كنت أقرأ الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال لي " قدرت الله شهاب " : لا تطل الوقوف هنا ، واترك فرصة للآخرين لبلوغ هذا المكان . وعندما رأيت بعيني أنانية دعاة أمتنا وعلمائها ، قلت لنفسي : كيف يكون حالنا نحن العامة !!. على أية حال من العبث أن نتوقع من أمثال هؤلاء أن ينشروا الإسلام .
نشر الإسلام :
لدينا جماعات عديدة تعمل في مجال التبليغ والدعوة ، ولم أستطع حتى اليوم أن أعرف ما هو التصور الذي يحملونه عن تبليغ الإسلام والدعوة إليه ، إذ كثيراً ما رأينا انصراف جماعات التبليغ إلى الاهتمام ببناء المسلم الهش ، فهم يدعون إلى الصلاة ، ولدينا في مسجد حيّنا من أصحاب اللحى الطويلة الكثّة ، الذين يضعون العمامات على رؤوسهم ، وينزلون إلى البيوت في الحي مرات قلائل في العام ، يطرقون الأبواب ، ويدعون صاحب البيت للمجيء إلى المسجد والصلاة فيه ، إنهم يعتقدون أن المسلم يصير قوياً إذا أدى الصلاة ، وأنا أعترف أن الصلاة ركن هام من أركان الشريعة ، لكن هؤلاء قصروا الإسلام على إطلاق اللحية ، وحمل المسبحة ، وأداء الصلاة ، ويهدفون من وراء ذلك إلى أن يصبح المسجد مركزاً ، وتتعاظم أهمية المشايخ .
مشورة علماء الطبيعة :
ينبغي أن نجمع الإشارات العلمية المتناثرة في القرآن الكريم في مكان واحد ، ونرسلها إلى كبار العلماء التجريبيين ، ونلتمس منهم أن يبدوا رأيهم فيها ، وهذا التصرف يطابق حكم القرآن الكريم تماماً ، فالقرآن يقول إن لم تستوعبوا أمراً فاسألوا من يعرفون (25) .
وفي أيامنا هذه قام أحد أخوان من مدينة " الرياض " بالمملكة العربية السعودية بجمع الآيات القرآنية المتعلقة بـ " العلقة " ، وإرسالها إلى عالم يدعى " كيث مور : Keith Moore ، وهو أستاذ في جامعة " تورنتو " ، وقد أجرى أبحاثاً كثيرة على الـ " العلقة " ، وله كتب عديدة عنه تدرس ضمن المناهج الدراسية المقررة ، وشرحوا له مفهوم الألفاظ العربية ، وعرضت للسيد " مور " مشكلة ، وهي أن القرآن قال بأن الـ " العلقة " تكون في طورها الأول كحشرة " العلقة " صغيرة معلقة في جدار رحم الأم ، ولم يكن السيد " مور " قد رأى في حياته هذه الـ " علقة " ، ولهذا اتجه إلى الإدارة الخاصة بعلوم الأحياء ، وهنـاك رأى حشرة " العلقة " هذه ، والتقط لها مجموعة من الصور .
يقول " كيث " : لقد دهشت بشدة ، لأن الصورة التي رسمها القرآن لـ " العلقة " صحيحة تماماً ، وتشبه الحقيقة إلى حد بعيد ، وبعد ذلك أعاد " كيث " مراجعة كل كتبه ، وضمنها الصور التي التقطتها لـ " العلقة " ، ولما كشـف " كيث " عن هذا الأمر في جامعة " تورنتو " ثارت ضجة كبرى ، وتعجب الأساتذة المتخصصون والباحثون غاية العجب ، ونشرت الصحف الخبر بعناوين بارزة ، لكن رجال الصحافة هم في النهاية رجال الصحافة !!. فقد جاء العنوان الذي نشر معبراً عن عقليتهم وتفكيرهم ، إذ كان كالتالي :
" العثور على شيء مثير في كتاب صلاة قديم " (26) .
ورجال الصحافة كانوا صادقين فيما قالوا ، إذ اعتقدوا أن القرآن الكريم " كتاب ديني " ، و " الكتاب الديني " يتحدث عن الصلاة أو الدعاء !!.
القرآن ليس كتاباً دينياً :
والذنب ليس ذنب صحفيّ " كندا " ، إنما ذنبنا نحن ، حيث لم نستطع إلى يومنا هذا أن نعرّف أهل الغرب بهذا الكتاب الذي يسمى " القرآن " ، لم نستطع أن نقول لهم إن القرآن لا يخاطب المسلمين فقط ، وإنما يخاطب بني الإنسان جميعاً . أيها السادة ، إنني أشعر بخجل لأن رجلاً إنجليزياً أسلم حديثـاً هو الذي عرفني بالقرآن ، ومع أن عندنا مئات الكتب التي كتبت عن القرآن ، لكنها إما كتبت بأسلوب قوي لا يؤثر في العقل الحديث ، أو أن أسلوبها انفعالي لدرجة تخلق في العقل الحديث رد فعل معاكس .
الدعوة :
إن الذنب كله ذنب طريقتنا في الدعوة ، إذ ليس بداخلنا روح التبليغ التي توجد لدى المبشرين المسيحيين ، فهم يوقفـون حياتهم كلها على التبشير ، ويسافرون إلى المناطق البعيدة النائية ، ويختلطون بعامة الناس ، ولا يتحدثون عن الدين ، لا يلقون خطباً ، ولا يجادلون أحداً ، ولا يدخلون في مناظرات ، إنما يخدمون الناس فقط ، يوفرون الدواء للمرضى ، ويزرعون الأمل في قلوب اليائسين ، ويشاركون المحزون أحزانه ، ويمنحون المساواة لأبناء الطبقات الدنيا ، يجلسون معهم ، ويتقربون منهم ، ويؤثر سلوكهم هذا تأثيراً حسناً يجعل الناس يقبلون على المسيحية من تلقاء أنفسهم .
والحقيقة أن هذا الأسلوب هو أسلوب رجال التصوف ، وهو الأسلوب الذي اتبعه المسيحيون . أيها السادة ، إنني أيضاً أحمق ، لأنني أتحدث عن الدعوة والتبليغ ، فإذا كان قطاع الطرق قد سلبوا رأس المال ونهبوه ، فما فائدة الحديث عن الفوائد التي سيدرها هذا المال !!. لقد شوّه أئمتنا الإسلام بأنفسهم ، جعلوا منه " طقوساً " ، وضعوا الإسلام في جسد ، وتغاضوا عن الروح ، وأسلوبهم في التبليغ عنيف هجومي ، به شدة وغلظة ، إنهم يصدرون الأوامر ، مع أن أعظم مميزات القرآن أنه لا يصدر أمراً لأحد ، ليس تحكمياً سلطوياً ، ودعاتنا انفعاليون في مجال الدعوة ، إنهم يعتقدون أن الانفعال والعاطفية فيما يتعلق بالدين ميزة .
الغلظة والعنف :
وأنا أيضاً كنت أعتبر الانفعالية والعاطفية فيما يتعلق بالدين ميزة ، كنت أظن أن الانفعالية محبة ، إخلاص وتعلّق ، وكان أبي يمنعني من هذا ، كان يقول : انظر يا مفتي ، لا تنمّي الاعتقاد ، ولكن عليك أن تنمي العقيدة . وكنت أردّ عليه قائلاً : إن ما بداخلي هو الاعتقاد ، وليس العقيدة . فكان يقول : عليك إذاً أن تعتقد في سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعندئذ سوف تستقيم العقيدة .
كان لوالدي في تلك الأيام صديق ، شيخ جليل ، وكنت أحبه كثيراً ، كان يمتلئ عاطفة ونشاطاً وحركة ، وكان عاشقاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان صريحاً في حديثه واضحاً فيه ، ولا يلقي ألغازاً كما يفعل المشايخ . ذات مرة تحدثت مع والدي عنه ، قلت إني أحب صديقك الشيخ كثيراً لأنه يمتلئ عاطفة وإخلاصاً .
قال والدي : إن الانفعالية ليست ميزة تحسب لك . صدمني ما قاله أبي ، فسألته : وكيف هذا . قال : لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحسنها ، كان يدعوا إلى الاعتدال وعدم تعدي الحدود ، والإسلام هو الاعتدال والتوازن ، ولا ينبغي أن تكون الغلظة والعنف والشدة من شيم المسلمين ، فالإسلام يحب الإنسان الهادئ الرزين اللين المرن ، بينما يظن أهل الغرب في أيامنـا هذه أن المسلمـين أمـة متشـددة متعصبـة ، والسبب في ذلك هو أن طريقة " محتكري " الإسلام عنيفة ، وأسلوبهم متشدد ، وينشرون العنف (27) !!.
هوامش
19 - الإشارة إلى قوله تعالى " ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين " – سورة فصلت – آية رقم : 10 .
20 - الإشارة إلى قوله تعالى " أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما ، وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون " – سورة الأنبياء – آية رقم : 30 .
21 - الآية السابقة .
22 - قال تعالى : " إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ، ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده ، إنه كان حليماً غفوراً " – سورة فاطر – آية رقم : 41 ، والآية كما هو واضح تتحدث عن السماوات وكيف أن الله يمسك بهما ، وربما قصد الكاتب بـ " النجوم " السماء وه جزء منها .
23 - الإشارة إلى قوله تعالى " الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ، ثم استوى على العرش ، وسخر الشمس والقمر كل يـجري لأجـل مسمى يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون " – سورة الرعد – آية رقم : 2 .
24 - يقصد كل من استطاع أن يكون له مسلك خاص به فعل ذلك ، حتى كثرت المذاهب والمسالك ، واختلفت فيما بينها ، يدلا من أن تتحد وتتفق . والمقصود بالمسجد هنا " الإسلام ككل " الذي امتلأ بالسجاجيد المختلفة غير المتناسقة فيما بينها .
25 - الإشارة إلى قوله تعالى " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " – سورة النحل – آية رقم 43 .
26 - Surprising Thing Found In Ancient Prayer book
27 - ليس من الإنصاف أن نجعل ما يقوله أهل الغرب عن المسلمين مقياساً نعتقد بصحته ، وتاريخهم مع المسلمين يشهد بأنهم لم يكونوا دائماً منصفين مع المسلمين ، وبالتالي لا معنى لأن نحمل رجال الدين وأئمة المساجد والوعاظ والخطباء مسئولية ما يعتقده أهل الغرب عن المسلمين ، فالحقيقة هي أن المسلمين لم يكونوا في يوم من الأيام أمة متشددة متعصبة تنشر العنف والتشدد حتى وإن قال الغرب ذلك .