المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من القصص الأردي الحديث (جاء الأسد) للأديب الباكستاني (سعادت حسن منتو)



إبراهيم محمد إبراهيم
22/11/2007, 08:20 AM
جاء الأسد


سعادت حسن منتو

صعد ابن راعي الغنم فوق تل مرتفع ، والتفت ناحية الغابات الكثيفة ، وأخذ يصرخ :
· جاء الأسد ...... جاء الأسد .......... اهربوا .
وظل يصرخ بأعلى صوته لفترة طويلة ..... وظل صوته الجهوري القوي يدوي في الفضاء لفترة طويلة . فلما جفّ حلقه من كثرة الصراخ ، أقبل رجلان مسنّان من القرية ، وقد أمسك كل منهما بعصا في يده ، وأمسكا بأذن ابن الراعي .
وتم عقد المجلس العرفي لمحاكمة ابن راعي الغنم ، ودعي إلى المجلس كل حكماء القرية ، وبدأت الدعوى ضد ابن الراعي ، وكانت التهمة الموجهة إليه هي أنه تقدم بـ " بلاغ كاذب " أحدث خللاً بأمن القرية ........ قال الولد :
· يا سادتي ... إنكم تفهمون الأمر خطأ ، إن الأسد لم يأت فعلاً ، ولكن ليس معنى هذا أنه لا يمكن أن يأتي .
فأجابوه :
· لا يمكن أن يأتي ؟ !.
سأل الولد :
· لماذا ؟ .
فأجابوه :
· لأن المسئول في مصلحة الغابات أرسل إلينا رسمياً أن الأسد قد أصبح طاعناً في السن
قال الولد :
· لكنكم لا تعرفون أنه قد استعاد بالعلاج شبابه قبل أيام قلائل .
فأجابوه :
· كانت هذه إشاعات . لقد استفسرنا من المسئول في مصلحة الغابات ، وأجابنا أن الأسد بدلاً من أن يستعيد بالعلاج شبابه خلع أسنانه كلها ، لأنه يريد أن يعيش ما تبقى من عمره في هدوء وسكينة .
قال الولد في حماس شديد :
· يا سادتي ، ألا يمكن أن يكون هذا الجواب كاذباً ؟ !.
فأجاب الجميع في نفس واحد :
· لا يمكن ، ونحن نثق في مسئول مصلحة الغابات ثقة مطلقة ، لأنه أقسم ألاّ يقول غير الصدق .
سأل الولد :
· ألا يمكن أن يكون هذا القسم كاذباً ؟ ! .
فأجابوه :
· لا يمكن ، أنت متآمر .... أنت جاسوس ... شيوعي , خائن ، تقدمي .... أنت سعادت حسن منتو (1) .........
ابتسم الولد قائلاً :
· الحمد لله أنني لست ذلك الأسد القادم ، ولست مسئول مصلحة الغابات الصادق ... أنا ...
وقطع شيخ من شيوخ المجلس العرفي كلام الولد قائلاً :
· أنت من أولاد ذلك الراعي الذي تدرّس قصته من سنوات عديدة في صفوف المدارس الابتدائية ، وسوف ينالك مثل ما ناله ... سيأتي الأسد ، وسيمزقك إرباً .
ابتسم ابن الراعي قائلاً :
· أما أنا فسأحاربه ... إنني أتوقع مجيئه كل لحظة . لماذا لا تفهمون أن قصة " جاء الأسد " التي تعلمونها لأطفالكم ليست من قصص أيامنا هذه . إن " جاء الأسد " في قصص هذه الأيام تعني أن عليكم أن تحذروا ، تستعدوا ..... فمن الممكن أن لا يأتي الأسد ، ولكن يأتي مكانه ابن آوى . وطبعاً عليكم أن تصدوا هذا الحيوان أيضاً
انفجر الجميع ضاحكين وهم يقولون :
· كم أنت جبان ؟ ! . أتخاف من ابن آوى ؟ ! .
قال ابن الراعي :
· أنا لا أخاف من الأسد ، ولا من ابن آوى ، لكني بالتأكيد أخاف من صفة الحيوانية فيهما ، وأعد نفسي لمواجهة هذه الحيوانية . أيها السادة ، احذفوا قصـة " جاء الأسد " القديمة المطبوعة في الكتاب الذي تدرّسونه في المدارس ، ودرّسوا مكانها هذه القصة الجديدة .
فقال أحد الشيوخ وهو يسعل :
· هذا الولد يريد أن يضللنا ، ويبعدنا عن الطريق المستقيم .
ابتسم الولد قائلاً :
· هذه الحياة ليست خطاً مستقيماً يا سادتي .
قال شيخ آخر في غاية الانفعال :
· إنه ملحد ... لا دين له ... عميل لمثيري الفتن . اسجنوه فوراً .
ووضع ابن راعي الغنم في السجن .
وفي تلك الليلة هجم الأسد على القرية ، وشاعت فيها الفوضى . بعض الناس فرّ هارباً من القرية ، والبعض الآخر افترسه الأسد . وعندما مرّ الأسد أمام زنزانة ابن الراعي وهو يلعق بقايا الدماء العالقة بشاربيه ، نظر إلى ابن الراعي وراء القضبان ، ثم جزّ على أنيابه وواصل سيره . عندئذ ابتسم ابن الراعي قائلاً
· يا صديقي ، إنها غلطة كبرائنا ، وإلاّ كان من الممكن أن تذوق دمائي أنا الآخر .


هوامش


1 - هذا هو اسم كاتب القصة ، وقد اتهم في حياته بالشيوعية ومناهضة نظام الحكم والضلوع في قضايا سياسية ، وأدى ذلك إلى دخوله السجن لعدة شهور .

إبراهيم محمد إبراهيم
22/11/2007, 08:20 AM
جاء الأسد


سعادت حسن منتو

صعد ابن راعي الغنم فوق تل مرتفع ، والتفت ناحية الغابات الكثيفة ، وأخذ يصرخ :
· جاء الأسد ...... جاء الأسد .......... اهربوا .
وظل يصرخ بأعلى صوته لفترة طويلة ..... وظل صوته الجهوري القوي يدوي في الفضاء لفترة طويلة . فلما جفّ حلقه من كثرة الصراخ ، أقبل رجلان مسنّان من القرية ، وقد أمسك كل منهما بعصا في يده ، وأمسكا بأذن ابن الراعي .
وتم عقد المجلس العرفي لمحاكمة ابن راعي الغنم ، ودعي إلى المجلس كل حكماء القرية ، وبدأت الدعوى ضد ابن الراعي ، وكانت التهمة الموجهة إليه هي أنه تقدم بـ " بلاغ كاذب " أحدث خللاً بأمن القرية ........ قال الولد :
· يا سادتي ... إنكم تفهمون الأمر خطأ ، إن الأسد لم يأت فعلاً ، ولكن ليس معنى هذا أنه لا يمكن أن يأتي .
فأجابوه :
· لا يمكن أن يأتي ؟ !.
سأل الولد :
· لماذا ؟ .
فأجابوه :
· لأن المسئول في مصلحة الغابات أرسل إلينا رسمياً أن الأسد قد أصبح طاعناً في السن
قال الولد :
· لكنكم لا تعرفون أنه قد استعاد بالعلاج شبابه قبل أيام قلائل .
فأجابوه :
· كانت هذه إشاعات . لقد استفسرنا من المسئول في مصلحة الغابات ، وأجابنا أن الأسد بدلاً من أن يستعيد بالعلاج شبابه خلع أسنانه كلها ، لأنه يريد أن يعيش ما تبقى من عمره في هدوء وسكينة .
قال الولد في حماس شديد :
· يا سادتي ، ألا يمكن أن يكون هذا الجواب كاذباً ؟ !.
فأجاب الجميع في نفس واحد :
· لا يمكن ، ونحن نثق في مسئول مصلحة الغابات ثقة مطلقة ، لأنه أقسم ألاّ يقول غير الصدق .
سأل الولد :
· ألا يمكن أن يكون هذا القسم كاذباً ؟ ! .
فأجابوه :
· لا يمكن ، أنت متآمر .... أنت جاسوس ... شيوعي , خائن ، تقدمي .... أنت سعادت حسن منتو (1) .........
ابتسم الولد قائلاً :
· الحمد لله أنني لست ذلك الأسد القادم ، ولست مسئول مصلحة الغابات الصادق ... أنا ...
وقطع شيخ من شيوخ المجلس العرفي كلام الولد قائلاً :
· أنت من أولاد ذلك الراعي الذي تدرّس قصته من سنوات عديدة في صفوف المدارس الابتدائية ، وسوف ينالك مثل ما ناله ... سيأتي الأسد ، وسيمزقك إرباً .
ابتسم ابن الراعي قائلاً :
· أما أنا فسأحاربه ... إنني أتوقع مجيئه كل لحظة . لماذا لا تفهمون أن قصة " جاء الأسد " التي تعلمونها لأطفالكم ليست من قصص أيامنا هذه . إن " جاء الأسد " في قصص هذه الأيام تعني أن عليكم أن تحذروا ، تستعدوا ..... فمن الممكن أن لا يأتي الأسد ، ولكن يأتي مكانه ابن آوى . وطبعاً عليكم أن تصدوا هذا الحيوان أيضاً
انفجر الجميع ضاحكين وهم يقولون :
· كم أنت جبان ؟ ! . أتخاف من ابن آوى ؟ ! .
قال ابن الراعي :
· أنا لا أخاف من الأسد ، ولا من ابن آوى ، لكني بالتأكيد أخاف من صفة الحيوانية فيهما ، وأعد نفسي لمواجهة هذه الحيوانية . أيها السادة ، احذفوا قصـة " جاء الأسد " القديمة المطبوعة في الكتاب الذي تدرّسونه في المدارس ، ودرّسوا مكانها هذه القصة الجديدة .
فقال أحد الشيوخ وهو يسعل :
· هذا الولد يريد أن يضللنا ، ويبعدنا عن الطريق المستقيم .
ابتسم الولد قائلاً :
· هذه الحياة ليست خطاً مستقيماً يا سادتي .
قال شيخ آخر في غاية الانفعال :
· إنه ملحد ... لا دين له ... عميل لمثيري الفتن . اسجنوه فوراً .
ووضع ابن راعي الغنم في السجن .
وفي تلك الليلة هجم الأسد على القرية ، وشاعت فيها الفوضى . بعض الناس فرّ هارباً من القرية ، والبعض الآخر افترسه الأسد . وعندما مرّ الأسد أمام زنزانة ابن الراعي وهو يلعق بقايا الدماء العالقة بشاربيه ، نظر إلى ابن الراعي وراء القضبان ، ثم جزّ على أنيابه وواصل سيره . عندئذ ابتسم ابن الراعي قائلاً
· يا صديقي ، إنها غلطة كبرائنا ، وإلاّ كان من الممكن أن تذوق دمائي أنا الآخر .


هوامش


1 - هذا هو اسم كاتب القصة ، وقد اتهم في حياته بالشيوعية ومناهضة نظام الحكم والضلوع في قضايا سياسية ، وأدى ذلك إلى دخوله السجن لعدة شهور .