المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الجزء الثالث من الباب الحادي عشر من كتاب (تلاش) للأديب الباكستاني (ممتاز مفتي)



إبراهيم محمد إبراهيم
26/11/2007, 08:23 AM
الجزء الثالث من الباب الحادي عشر
طاجن الأرز
عظمة الفقر :
الأم تكون أقرب ما تكون إلى ولدهـا في الفقـر ، و " هو " أيضاً كذلك ، وفي رواية " افلونس " يصيب الأمومة نحس الثروة والغنى ، ونحن أيها السادة لم نعرف إلى اليوم عظمة الفقر ، وكل زعيم يأتينا يعلن الحرب على الفقر قائلاً " سنقضي على الفقر من الوجود تماماً ، سنقتلعه من جذوره " . كثيراً ما أفكر بيني وبين نفسي قائلاً : يا إلهي ، إنك عظيم بطبيعة الحال ، وفوق ذلك أنت فريد وعجيب ، ومدلل أيضاً ، صحيح أنك خلقت الإنسان عجيباً ومدللاً ، ولكنك أنت أيضاً عجيب ومدلل أيضاً ، ونحن وإن كنا لا نستطيع استيعاب كلامك أنت ، إلا أننـا لا نستطيـع استيعـاب كلام نبيك الخاتم عليه الصـلاة والسلام أيضاً ، مع أنه " الإنسان " المثالي . أقول لنفسي : لماذا لم يكن محمد عليه الصلاة والسلام - وهو سيد الكونين - يجد ما يطبخه ؟!(18) . لماذا كان ينام على الحصير ؟!. لماذا كان يعيش في بيت من الطـوب اللبن ؟!. وذات مرة لم يكن في طعامـه سوى تمرتين ، فإذا بسائل يطرق الباب قائلاً إني جائع ، فيعطي رسول الله السائل تمرة ، ويأكل هو تمرة . أقول لنفسي : لماذا اختار سيد الكونين رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الفقر وفضّله ؟(19) . أكان ذلك لقلة في الفهم ؟!. أكان ذلك لنقص في العقل ؟!. حاشا لله ، على العكس ، فقد كان صلى الله عليه وسلم تجسيداً للعقل والفهم الكامل ، فلماذا إذن ... ؟!.
لئن كان محمد صلى الله عليه وسلم تجسيداً للعقل الكامل فإن علينا أن نعترف إذن أن هناك عظمة ما في الفقر ، وإلاّ لما اختاره سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ، لا بد أن تكون هناك ميزة كبرى في أن تكون من العامة ، وتعيش حياة بسيطة ، وإلاّ لما عاش محمد صلى الله عليه وسلم هذه الحياة البسيطة ، ولما لبس الملابس البسيطة ، ولما جلس كالبسطاء على الحصير، ولما سكن في بيت متواضع من الطوب اللبن .
أيها السادة ، إنني أعرف تماماً أنه حيثما حلت الثروة في بلد ما رحل عنه الله (20) ، فليس في أوروبا أحد يذكر الله ، والدين هناك يعدّ أمراً غير ضروري ، وقد خلت الكنائس من عمّارها وزوارها ، وإذا كانت بعض الكنائس لا تزال عامرة فذلك لأن قساوستها يحافظون على مكانتهم من خلال العمل على جذب الزوار إليها .
المأكل والملبس والمسكن :
سافر ابني " عكسي " إلى تشيكوسلوفاكيا للحصول على درجة الدكتوراه ، وكان يراسلني من هناك . كان يقول : يا والدي ، ما أجمل الكنائس هنا في مدينة " براغ " (21) ، لكنها قفر ، بلا زوار ، والأقفال الصدئة قابعة على أبوابها ، بينما يجلس الله يا أبي على باب كل كنيسة يرمق المارة بنظرات يملؤها الأمل في أن يعرج أحدهم ناحيته ، ولكن لا حياة لمن تنادي ، كل واحد هنا مشغول بنفسه .
ومع ذلك فإن الله لم ييأس من عباده ، كانت هذه دولة من الدول الشيوعية التي نفت الله خارجها ، وقال حكامها الشيوعيون : من يكون ذلك الله الذي يرزق البشر !!. إننا نحن الذين نهيئ لهم المأكل والمشرب والملبس والمسكن ، إننا نحن الذين سنقضي على الفقر ، نحن الذين سنغير ذلك النظام الذي يقسم الناس إلى من " يملك شيئاً " ومن " لا يملك شيئاً "(22) ، وحين جثموا على صدر البلاد تسرب من ذاكرتهم كل ما قالوا ، ولم يعودوا يذكرون سوى : " لم يبق إلاّ نحن ، نحن الذين نفعل كل شيء ، نحن الذين نقول إننا سنوفر المأكل والمشرب والملبس والمسكن " .
حين زار وفد من أدباء باكستان روسيا " الاتحاد السوفييتي السابق " تلبية لدعوة الروس لهم كانت السيدة " بانو قدسية " (23) ضمن هذا الوفد ، وقد استقبل الوفد في روسيا استقبالاً حافلاً ، ورحبوا بأعضائه ترحيباً كبيراً ، وأقيمت لهم الموائد العامرة ، ووضعت لهم برامج سياحية لزيارة البلاد .
طشقند :
ثم سـأل الروس كل عضـو من أعضاء الوفد الباكستاني : هل هناك مكان تريد أن تزوره ؟. وتناول كل عضو من أعضاء الوفد اسم مكان يريد أن يراه ، فلما سألوا السيدة " بانو قدسية " قالت لهم : أريد أن أرى " طشقند " . فقالوا لها : يا سيدتي ، إن " طشقند " مكان لا يستحق الزيارة ، اختاري مكاناً آخر . فقالت " بانو " : أريد أن أرى " طشقند " ، فإن أمكن أن تدبروا لي زيارتها فبها ونعمت ، وإلاّ فإنني سأبقى هنا في " موسكو " ، وحاول الروس أن يثنـوها عن عزمها ، لكنهـا أبت : إما أن تذهب إلى " طشقند " ، أو أن تبقى في " موسكو " . واضطر الروس إلى اصطحابها إلى " طشقند " ، ولكن في حراسة مشددة .
وفي " طشقند " رأت " بانو قدسية " الأقفال قابعة على أبواب المساجد ، وبيوت العناكب تغطي محاريبها ، والقباب متهدمة ، والخفافيش شيدت أعشاشها بداخلها .
وفي البيوت والمنازل عانقت عواجيز " طشقند " السيدة " بانو " ، كانت عيونهن تمتلئ رعبـاً ، وسواعدهن ترتعد . كن يسألنها بصـوت خفيـض قائلات : هل أنت قادمة من " بيت الله " ؟!. ثم يقبّلنها ، وظللن يقبلنها حتى خارت قواها ، والدموع تسيل بغزارة من عيونهن جميعاً .
رأت " بانو " هناك جواً قاتماً ، والسيدات العواجيز يؤدين الصلاة في آخر حجرة في البيت ، بينما الشباب يقومون بمراقبة المكان من الخارج وحراسته ، حتى لا يلحظ واحد من المخابرات أن هناك من يؤدي الصلاة ، وأخفوا المصاحف . كانت القلوب تكاد تتوقف عن خفقانها كلما دق الباب ، فهذا يعني أن أحداً قادم يمثل خطراً . لقد نفى الذين يوفرون المأكل والملبس والمسكن الله خارج البلاد .
وقد جاء في بلادنا " باكستان " نحن أيضاً أحد الحكام على هذه الشاكلة ، كان زعيماً بالميلاد ، كان عالماً ، ذكاؤه خارق ، ويعرف من أين تؤكل الكتف ، ولهذا ما أن اعتلى السلطة حتى رفع شعار المأكل والملبس والمسكن (24) .
الإناء المليء بالأرز :
يحكى أن درويشاً مجذوباً نزل بمدينة من المدن ، وما أن دخلها حتى أمر الناس أن يحضروا إليه إناءاً ضخماً ، ثم أمر بتجهيز موقد مناسب لهذا الإناء الضخم ، وأمر بإشعاله بالأخشاب والحطب ، واشتعل الموقد ، فأمر الدرويش الناس أن يملأوا الإناء ماءاً ، وأن يحكموا غطاءه ، ويضعوه على النار ، وفي صباح اليوم التالي كشف الناس الغطاء فإذا بالإناء مليء بالأرز ، وأعلن في المدينة كلها أن يأتي المحتاجون لينالوا حاجتهم من الطعام مجاناً ، وأقبل أهل المدينة كلهم بمجرد سماع الإعلان ، وملأوا أطباقهم أرزاً ، وفي اليوم التالي عندما كشفوا غطاء الإناء وجدوه مليئاً بالأرز كما كان ، واشتهر أمر الدرويش المجذوب في المدينة كلها ، وكان مريدوه يملأون أطباق الناس أرزاً ويوزعونه عليهم ، ويبقى الإناء مليئاً كما هو لا ينقص شيئاً ، وكان هناك درويش يقف بين المحتاجين ، ولم يكن في يده طبق ، وظل واقفاً طيلة النهار يرقب ما يحدث ، فسأله مريدو الدرويش المجذوب :
* لماذا تقف هكذا خالي اليد ؟! أحضر لنفسك طبقاً وخـذ من الأرز كما تشاء .
لكن الدرويش قال لهم :
· لست محتاجاً .
وأدهش هذا الرد مريدي الدرويش المجذوب ، فالرجل يقف ، وينظر إلى ما يحدث أمامه ، لكنه لا يتناول شيئاً ، فأخبروا درويشهم المجذوب بالأمر ، فقال ائتـوني به ، فجاءوا به إليه ، فسأله :
· ما الحكاية يا سيدي ، تظل واقفاً طيلة النهار أمام إناء الأرز ، لكنك لا تأكل منه شيئاً .
قال الدرويش :
· إنني لا آتي هنا لتناول الأرز ، ولا لمشاهدة هذا الإناء الممتلئ دائماً .
فسأله المجذوب :
· فلماذا تأتي هنا إذن ؟!.
قال الدرويش :
· آتي لزيارتك ، فقد صرت كالرب لأهل المدينة ، وتقسم الأرزاق بينهم .
وعندئذ تغير لون وجه المجذوب ، وظهرت علائم الخوف عليه ، فصاح قائلاً :
· ألقوا بالإناء بعيداً ، وأطفئوا النار .
ثم حمل عصاه ، ورحل عن المدينة (25) .
القصعة الباكستانية :
بعض أصدقائي يقولون : يا مفتي ، هذه القصة من اختراعك أنت ، ولا أصل لها . وأنا أقول إنها في الحقيقة " قصة باكستان " ، فالناس هنا يتوافدون مجموعات على الإناء ، فيأكلون ، وينصرفون ، وتأتي مجموعة أخـرى ، فتأكل وتنصـرف ، وهكذا يتداعـون على هذه " القصعة " ، لكنها لا تنتهي ، ويبدو لك الحال في الظاهر غاية في السوء ، لكن السيارات تملأ الشوارع ، ويزداد عددها يوماً بعد يوم ، والمحلات والدكاكين تزخر بالبضائع ، وتمتلئ بها عن آخرها ، وحمى التسوق في ازدياد ، والحفلات في الفنادق على أشدها ، ووجوه السيدات تزداد نضارة ، وتنطلق من أعينهن السوداوات سهام وأشعة ، ودرجات المكانة الاجتماعية والوظيفية في ازدياد ، والفارق بين الحـالتين " حـالة الدرويش وحـالة باكستـان " هو أن الذي جاء بـ " القصعة " في الحالة الأولى هو الدرويش المجذوب ، بينما الذي جاء بالقصعة في حالة باكستان هو الرب الجليل ، ولقد كنا نتحدث عن الفقر ، أما موضوع " القصعة " هذا فقد جاء عرضاً .
يا إلهي ، أين أنا :
سادتي ، هناك بعض خصائص الفقر التي يعرفها الجميع وإن كانوا لا يعترفون بها ، ولم أكن أنا أيضاً أعترف بها ، فأنا أعيش في مدينة الطبقات الاجتماعية والوظيفية " إسلام آباد " منذ عام 1972م ، حيث ترى " الجرسونات " و " الطباخين " و " الخفراء " يتجولون هنا وهناك ، إذ " البهوات " و " الهوانم " جالسون داخل " الفلل " و " القصور " ، لا تراهـم إلا مصادفة في غدوهم ورواحهم في سياراتهم ، أو في الفنادق والمطاعم والنوادي والحفلات ، فإذ رأيت المدينة من خارج البيوت حسبتها قفراً وخراباً ، لكن إن رأيتها من الداخل بدا لك النشاط والحركة .
ذات يوم ضللت طريقي – على ما أذكر – ودخلت في حارة من الحارات ، ولشد ما كانت دهشتي مما رأيت ، يا إلهي ، أين أنا ، ما هذا المكان ! لا يمكن أن تكون هذه هي " إسلام آباد " التي أعرفها ، إنها مدينة أخرى ، فالأسرّة الخشبية المتواضعة (26) منصوبة وسط الحارة ، والناس يجلسون عليها يدخنون " النرجيلة " ، يتحدثون ، ويضحكون ، ويقهقهون ، وأطفال شبه عراة يلعبون حول هذه الأسرّة ، ويثيرون صخباً وضجيجاً . أما السيدات فيجلسن عن كثب ينظفن " العدس " مما به من شوائب ، بينما تطل الفتيات الشابات من نوافذ البيوت وشبابيكها ، مما يوحي بأن هذه ليست " حارة " ، وإنما " عائلة " واحدة . وبسؤالي عرفت أن هذه مساكن صغار الموظفين في " إسلام آباد " .
هذه الحركة ، وهذا النشاط ، وهذه السعادة ، وهذه القهقهات ، وهذه الصلات والروابط والتقارب بسبب الفقر ، وكأن الله تعالى يجلس هو الآخر في هذه الحارة " يدخن النرجيلة " (27) ، ويسعد بمراقبة خلقه هؤلاء .
أيها السادة ، لا تزال في مدينة " إسلام آباد " بعض الحارات على هذا النمط حتى اليوم ، فإذا كنت تريد أن ترى الله فلا حاجة بك إلى الذهاب إلى المسجد ، فلن تجد الله فيه ، وإنما ستجد " مقاولي الدين ومحتكريه " يجلسون فيه . إن أردت لقاء الله اذهب إلى أحياء الفقراء ، فالله يجلس هناك ، واسمه يدوي في كل أرجائها ، هناك في البيوت تجد القرابة والأعمام والأخوال والأصدقاء والأحباب ، هناك العطف والمواسـاة والحب ، هناك حب الوطن بآماله وآلامه .


يا بنيّ :
سادتي ، كان " صوفي غلام مصطفى تبسم " (28) عالماً كبيراً ، وكان شاعراً . ذات مرة أخطأ فكتب يقول :
· هؤلاء الأبناء لا يباعون ولا يشترون في المحلات .
· فلماذا تبحثين عنهم في الأسواق .
وكان يجب أن يقول :
· هؤلاء الأبناء لا يوجدون في القصور والفيللات .
· فلماذا تبحثين عنهم في إسلام آباد (29) .
سادتي ، هؤلاء الأبناء من بركات الفقر .
لو لم يتم إيقاف هجمات الأبطال في حرب 1965م (30) لكانت صورة باكستان على غير ما هي عليه الآن ، ولكن من أوقف هؤلاء !. إنهم " الموظفون " أصحاب المصالح الذين بيعوا بالدولارات .
سادتي ، لا أجد في نفسي المقدرة على تقديم صورة صحيحة لعظمة الفقر ، ولكني أعرف بعض الأمور :
1 – الله يكون أقرب ما يكون في الفقر .
2 – الفقر يعلّم التعاطف مع الآخرين ، ولا تزال الروابط الأسرية قائمة عندنا بفضل الفقر ، وقد تفسخت هذه الروابط في أوروبا ، وهم في طريقهم إلى التخلص مما بقي منها ، وحيثما لا توجد الأسرة لا توجد روابط ، فالإنسان هناك ليس حيواناً اجتماعياً ، وإنما حيوان طبقي .
3 – الفقر يخلق لدى الإنسان عاطفة خدمة الآخرين .
4 – يقول المشاهير إن العظماء الذين ظهروا في هذه الدنيا من العلماء والمحققين ورجال المجتمع والفنيين كانوا دائماً من الطبقات الفقيرة ، ولم تقدم الطبقات الغنية حتى يومنا هذا رجلاً عظيماً ، إنما قدمت المرفهين المعربدين .
البيض والسود :
5 – يقول العلماء التجريبيون إن الناس كلما زاد ثراؤهم قلّت مقدرتهم على الإنجاب ، والخصوبة في أوروبا وأمريكا في تراجع ، فلا وجود للأسرة أصلاً من جانب ، ومن جانب آخر تتراجع الخصوبة ، ومن جانب ثالث فإن الفتيات الصغيرات بسبب الحرية اللامحدودة التي يمنحها لهن الآباء والأمهات يبحثن عن رفيق يقضين معه الليل ، وهن في ذلك يفضلن الرجل الأسود " الزنجي " على الرجل الأبيض ، ولا أدري ما السبب في ذلك ، البعض يقول إن هناك متعة جنسية كبيرة في معاشرة السود لما يتمتعون به من قوة حركية تتحول إلى طوفان أثناء اللقاء !! والبعض الآخر لا يعترف بهذا قائلاً إن الجسم الأسود يكون مضغوطاً مصمتاً ، والمسام فيه قريبة من بعضها البعض ، وهو ما يجعل الجسد أكثر قوة ومتانة وحيوية وطاقة . وسواء كان ما يقوله هؤلاء أو هؤلاء صحيحاً فإن الواقع يقول إن التقاء البيض بالسود يتزايد ويلقى مزيداً من القبول ، والرجل الأبيض يخشى أن تتحول أوروبا وأمريكا بعد خمسين عاماً إلى مناطق لا يبدو فيها سوى السود ، ومن الممكن أن يأتي يوم يضطـر الإنسان لكي يشاهد رجلاً أبيض إلى الذهاب إلى حديقة الحيوان .
سادتي ، أرجو المعذرة ، فقد خرجت عن قضباني مرة أخرى (31) ، وحدث نوع من الخروج عن المسار .
الواقي الذكري :
فمن ناحية تتراجع الخصوبة لدى الأغنياء ، بينما تتزايد لدى الفقراء ، فقد لا تجد في بيت الفقير طعاماً ، لكنك ستجد فيه ثمانية أطفال يملأون المكان ضجيجاً وصخباً ، وتاسعهم في الطريق إليهم . يقول مشاهير الغرب : انشروا الواقي الذكري ، وزعوه مجاناً ، ألزموا أطفال المدارس أن يحمل كل واحد منهم في جيبه " واقياً ذكرياً " ، ولا أدري ماذا ستكون نتيجة ذلك . ما زلت أذكر أنني حين كنت طالباً في الصف السـادس أشـرت على أحد أصدقـائي بعد أن أنجب ابنه الثالث بـ " الواقي الذكري " ، فما كان منه إلاّ أن سمى ابنه " ابن الواقي " (32) .
سادتي ، إن قائمة حسنات الفقر طويلة ، فالفقر يخلق قوة التحمل ، ويولد طاقة المقاومة ، ومسئولية النجاة ، يخلق المجاهد ، وفي النهاية أقدم لكم اقتباسات مما كتبه رجـل من أغنى بلاد العالم ، من اليابان ، وقد أسلم حديثاً . يقول :
" الواقع اليوم هو أن اليابان أكثر دول آسيا تقدماً في مجال الصناعة ، وقد غيّر التقدم التقني المهول وما ترتب عليه مجتمعنا كلية ، وسيطرت وجهة النظر المادية على كل شيء ، ولأن الموارد الطبيعية في بلادنا قليلة ، لهذا فإننا نعتمد بالدرجة الأولى على العمل الشاق والاجتهاد والكفاح ، فنشقى كثيراً من أجل الاحتفاظ بمستوى الحياة الذي وصلنا إليه ، وهذا هو السبب الوحيد الذي يبقي على صناعتنا وتجارتنا حية ، ولهذا فإننا منهمكون في سباق مادي لا أثر فيه ولو من بعيد للروحانيات " .
إن كفاح اليابانيين منصب على تحقيق المصالح الدنيوية فقط ، ولا وقت لديهم أصلاً للتفكير في قضايا الغيبيات وما وراء الطبيعة ، فلا دين لهم ، ولا مستوى روحاني ، وإنما يسجدون لتلك الآثار التي رسمتها مادية الغرب على وجه الزمان ، وكانت نتيجة هذا السباق ذي الاتجاه الواحد أن اليابان يتزايد إفلاسها روحانياً يوماً بعد يوم ، وأرواحهم مريضة يائسة تئن داخل أجسادهم القوية في ملابسها الجميلة .
" إنني على يقين وثقة أن العصر الحاضر يعد عصراً فاصلاً في مسألة نشر الإسلام في اليابان ، فلقد ارتقت الدول المتقدمة على وجه اليقين ، ولكنه تقدم مزعوم ، لأن هذه الدول مصابة بخواء روحي ، والإسلام هو الوحيد الذي يمكنه ملء هذا الفراغ الذي يشعر به أهل هذه الدول ، فإذا ما اتخذنا خطوات مؤثرة وفعالة تجاه نشر الإسلام في اليابان فإنني أشعر أنه خلال عدة أجيال قليلة ستحتمي اليابان كلها بأحضان الإسلام ، وإذا ما فتحت هذه القلعة فإنني أستطيع التنبؤ بمستقبل زاهر للإسلام في بلاد الشرق الأقصى ، وستكون اليابان المسلمة بمثابة الرحمة للإنسانية كلها " .
هوامش
18 - في الأصل " ان كا جولها كيون تهندا رهتا تها : لماذا كان موقد " محمد " يظل منطفئاً " ، وهي ترجمة حرفية قد لاتفي بالمعنى المقصود الذي أثبتناه ، ومع ذلك فإن مثل هذا التعبير الكنائي موجود ف العربية مثلما ورد في الأثر أنه كان يمر الهلال والهلال ولا يوقد في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نار .
19 - ورد في الأثر أن الله تعالى خيّر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في أن يغنيه ، ويجعل له مثل جبل أحد ذهباً ، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اللهم أحيني مسكيناً وأمتني مسكيناً واحشرني في زمرة المساكين .
20 - ربما قصد لا يذكر الله في مثل هذا البلد إلا قليلاً ، فقصد برحيل الله قلة ذكر الله ووروده على الألسنة وفي القلوب ، فكأنه رحيل الله ، والآية القرآنية التي تقول في سورة الإسراء ، آية " وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا " ربما تقرب المعنى الذي قصده المؤلف هنا .
21 - عاصمة تشيكوسلوفاكيا حينئذ .
22 - فقير وغني .
23 - أديبة من أديبات الأردية المعروفات ، تكتب القصة القصيرة ، وهي زوجة الأديب المعروف إشفاق أحمد رحمه الله ، وقد أشرنا إليها سابقا ً .
24 - الإشارة إلى " ذو الفقار علي بوتو " رئيس وزراء باكستان في السبعينيات من القرن العشرين ، وهو والد السيدة " بينظير علي بوتو " التي تولت رئاسة الوزارة في باكستان في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينيات من القرن العشرين ، وقد انتهى حكم ذو الفقار علي بوتو بانقلاب من الجيش قاده الجنرال ضياء الحق الذي اعتقل ذو الفقار علي بوتو وحكم عليه بالإعدام .
25 - سبق أن ذكر الكاتب هذه الحكاية بنفس العنوان في صفحات سابقة بتغيير في الأسلوب ، وهو ما يرجح أنه ليس خطئاً مطبعياً ، ولذا التزمت ترجمتها ثانية .
26 - الأسرّة في تصور الناس في شبه القارة الهندو باكستانية نوعان رئبسيان ، الأول وهو سرير النوم ، ويطلق عليه اللفظ الإنجليزي BED ، وأما السرير الآخر وهو المقصود هنا فهو ما يطلقون عليه ( جار بائى ) ، وهو عبارة عن أربعة قوائم من الخشب تمثل الأرجل ، يصلها ببعضها لوح خشبي ، ثم يشد هذا السرير بالخيوط والحبال بدلاً مما نسميه عندنا ( المللا ) ، وتوضع فوقه مرتبة خفيفة للغاية ، وقد يكتفى بمجرد ( ملاءة ) ، ويستخدم هذا السرير عادة في فصل الصيف حيث ينام الناس في صحن البيت أو فوق الأسطح بسبب الحرارة الشديدة .
27 - لا أظن إلاّ أن ممتاز مفتي أساء التعبير ، وتعدى الحدود ، وقد ترجمنا ما كتب للأمانة العلمية .
28 - صوفي غلام مصطفى تبسم من شعراء الأردية المعروفين .
29 - البيتان في النص باللغة البنجابية وترجمتهما كما ذكرنا وهما :
· ايـ بتر هتان تــ نئين وكديــ ** كيون لبدى بهرين بازار كريــ
· ايــ بتر بنكليان اج نئين لبديــ ** كيون لبدى سلامان باد كريــ
30 - نشبت هذه الحرب بين الهند وباكستان في الخامس من سبتمبر عام 1965م ، ورجحت فيها كفة باكستان إلى حد ما .
31 - يشبه نفسه بالقطار الذي خرج عن القضبان .
32 - في الأصل استخـدم الكاتب الكلمـة الإنجليزية المستخدمـة في الأردية للدلالة على الواقي الذكري وهي " كندوم " ، فلما أشار الكاتب - على حد قوله - على صديقه بالكندوم سمى صديقه ابنه " ابن كندوم " .